رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا شيء أكثر إثارة للحواس وإنعاشاً للذاكرة من رائحة الخبز الناضج الخارج تواً من التنور ، فرغيف الخبز بالنسبة لشعوب الأرض ليس مجرد غذاء أساسي يقيم أودهم ويسد رمقهم ، بحيث أطلقت عليه بعض الشعوب اسم (العيش) ، وإنما يمثل مخزوناً هائلاً من الذكريات الإنسانية التي تحتفظ الشعوب والجماعات بها عميقاً في أصقاع الذاكرة الجمعية للبشرية. حيث تعود هذه الذكريات بزمنها إلى عهود غابرة من تاريخنا الإنساني، وقد لا يدور بخلد أحد أن صناعة الخبز وطحن الدقيق مارسها الإنسان قبل أن يتعلّم طريقة زراعة القمح ، وقبل أن تغدو سنبلة القمح رمزاً للرخاء و الوفرة والدعة. فقد تعرّف الإنسان مصادفة على سنابل القمح مثلما تعرّف على غيره من ثمار أو حبوب، وكان ذلك قبل أكثر من ثلاث عشرة ألف سنة، وقد حدث ذلك في (وادي النطوف) الواقع في شمال غرب القدس في فلسطين ، إلاّ أننا لا نعي الدور الذي لعبه القمح منذ تمّت زراعته في العصر الحجري الحديث، عندما توقف الإنسان عن العيش متطفلاً على الطبيعة ، ليتعلّم و لأول مرة في تاريخه كيفية إنتاج غذاءه بنفسه ، و قد عرفت هذه المرحلة بالثورة النيوليثية (الثورة الزراعية) ، وعدّت (ثورة) من أكبر الثورات الإنسانية، نظراً لأهميتها على مستقبل الإنسانية، فاكتشاف الزراعة و على رأسها زراعة القمح هو الذي قاد إلى قيام الإمبراطوريات والمدنيات وبالتالي النظم الاجتماعية المعقدة.فعندما أصبحت الحبوب بشكل عام، و سنابل القمح بشكل خاص منذ بدء زراعتها مصدراً أساسياً من مصادر الغذاء، ويقابلها الأرز في أقصى الشرق، كان من المنطقي أن يصبح القمح رمزاً للثورة النيوليثية ( الثورة الزراعية ) ، وقد وجدت سنابل القمح محفورة أو منقوشة على عدد هائل من المنحوتات الآثارية، فقد أصبح القمح ومنذ بدء زراعته أساساً للغذاء، كما اتخذ أهميته كرمز للرخاء و الوفرة والدعة، فإذا كانت سنة حصاده سيئة أو كان حصاداً غير وفير اعتبرت السنة سنة مجاعة و قحط ويأس. وقد قدّست الشعوب الزراعية القمح تقديساً لا تضاهيه أية نباتات أخرى باستثناء بعض الأشجار تبعاً لكل منطقة من مناطق الشرق الأدنى القديم، حيث دخلت النخلة في تنافس شديد مع القمح في بلاد ما بين النهرين، فيما تنافست شجرة (الجمّيز) لدى قدماء المصريين، كما قدسوا كذلك نبات (البردي) الذي كان تأثيره خطيراً على الحضارة المصرية . وقد عدّت سنبلة القمح (بذرة طيبة) ، كما اعتبرت السنابل الأولى في كل محصول بمثابة (قربان) نباتي يقدّمه الناس للآلهة، وهو تقليد ضارب في القدم ، و بداخل هذا الطقس نمت و ترعرعت المقولة الشهيرة: (بيننا عيش و ملح) التي تقودنا مباشرة ودون لبس إلى (الممالحة)، أو إلى ذلك التعبير الموغّل في الذاكرة الجماعية للإنسانية، و لا يزال (البدو) حتى أيامنا هذه يعتبرون عادة (الأكل والشرب) رمزاً قوياً للمشاركة، فما يجمع البدوي بالآخرين أثناء الطعام ليس محض عرف اجتماعي منقطع الجذورعما يسبقه. وقد كان الخبز مصدراً أساسياً من مصادر الغذاء حتى في ضربات الجوع المتكررة التي تضرب أنحاء من الشرق الأدنى ومنها جزيرة العرب ، لذا تعيّن على سيّد من أسياد (قريش) تحوّل اسمه بعد تقديم (الثريد) أثناء المجاعة من (عمرو) إلى (هاشم) لتهشيمه الثريد و إطعام الجيّاع ، فالطعام المفضل لقبيلة قريش أثناء الجوع والقحط كانت (السخينة) وهي نوع من المرق يصب فوق الخبز. إزاء ذلك كان تاريخنا الإنساني البطيء الحركة، الذي يعج بالنزاعات وبالحروب والمجاعات، ويعج بالبحث عن القمح وعن مناجم الذهب، ويعج بالري وبالجفاف والأراضي، و الذي لم يكن إلاّ تاريخاً للتوازنات التي أقامتها البشرية بين العوز والحاجة وبين الرخاء ، لذا يبرز الخبز كرمز إنساني مهم في الكثير من الثقافات العالمية.
1333
| 15 أغسطس 2014
يبدو ان قدر الإنسان أن يعيش خائفاً دائماً من كل ما حوله ، ولا يختلف في هذا إنسان القرن الحادي والعشرين عن إنسان الكهف الذي كان يتلقى الصواعق من السماء وهجمات الضواري على الأرض دون أن يملك من الوسائل ما يتقي بها هذه الشرور. وتأتي النيران التي طالما راقبها الإنسان القديم بإعجاب مشوب بالتقديس أو برعب لايملك معه أي مقاومة عندما تهاجمه الحمم المندفعة من البراكين أو عندما تضربه صاعقة من السماء.فهذه الطاقة الهائلة التي مبعثها سلسلة تفاعلات بين العناصر الثلاثة الأوكسجين والحرارة ونوع من الوقود (خشب أو أوراق شجرجافة أو فحم أو غيره) مسببة الإحتراق لكل ما حولها ، والتي كان لها دور عظيم إن لم يكن أعظم الأدوار قاطبةً في تحول الإنسان من البدائية الى أولى درجات التمدن فالنار التي تعلم الإنسان طهي طعامه بها وتدفئة كهفه وحماية نفسه من الحيوانات المفترسة وشكل التجمع حولها لطلب الدفء بداية نشوء العلاقات الإجتماعية المتآلفة والمتحلقة حول هدف معين . وتعد المرحلة التي تعلم بها الإنسان القديم إشعال النار والتحكم بها الخطوة الأولى الكبرى نحو المدنية كما يذكر علماء الأنثروبولوجي . ويعزى للنار الفضل في أولى التقنيات الصناعية التي هيئت الإنسان للدخول إلى الحضارة، وذلك قبل استخدام الأفران الضخمة لصناعة الفخار و التعدين والزجاج وما إلى ذلك.لكن بالرغم من فوائد النار إلا إنها ظلت على الدوام طاقة كبيرة قد تخرج عن سيطرة الإنسان و تسبب خسائر هائلة ، وتسجل لنا صفحات التاريخ قصص حرائق كبرى إجتاحت بعض المدن و سببت مآسي إنسانية لاتنسى. فحريق روما الكبير الذي دمر ثلثي روما وإستمرت النيران مندلعة فيها لستة أيام ويقال إن الأمبراطور الروماني نيرون هو الذي أشعل النيران وأخذ يتفرج من شرفة قصره على النار التي أخذت تلتهم مدينته التاريخية العظيمة.أما حريق لندن الشهير الذي إجتاح العاصمة الكبيرة في القرن السابع عشر وقضى على آلاف المنازل والمباني وعشرات الكنائس وتسبب بتشريد مئات الألوف من سكانها وخلّد ذكراه سكان بريطانيا بأغاني شعبية وأعمال أدبية وفنية كثيرة.ولا ينسى أهل القاهرة الحريق الكبير الذي إندلع في مدينتهم العريقة قبل ستين سنة وأتى على المئات من المحلات والبيوت والفنادق ومبان أخرى كثيرة منها سينما ريفولي وتسبب بمصرع وإصابة المئات من الناس.
1025
| 08 أغسطس 2014
التاريخ معين لا ينضب للقصص والحكايات والأحداث، فأخبار الملوك والسلاطين ومغامرات الفرسان والأمراء ومكائد الجواري وصراعات رجال الحاشية كلها مصدر مغر للأعمال الأدبية والفنية والدرامية، فالتاريخ أقوى دراما عرفها البشر . والتاريخ، هو تحليل وفهم للأحداث التاريخية عن طريق منهج يصف ويسجل ما مضى من وقائع وأحداث ويحللها على أسس علمية صارمة بقصد الوصول إلى حقائق تساعد على فهم الماضي والحاضر والتنبؤ بالمستقبل .وكما وصف (ابن خلدون) التاريخ: "أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال، مثل التوحش والتأنس، والعصبيات، وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع، وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال" .كما يصف المؤرخ الكبير شمس الدين السخاوي التاريخ بقوله "إن التاريخ فن يبحث عن وقائع الزمان من حيث التعيين والتوقيت، وموضوعة الإنسان والزمان " .وكذلك يقول الشاعر العربي ليس بإنسان ولا عاقل من لا يعي التاريخ في صدره ومن درى أخبار من قبله أضاف أعمارا إلى عمره والدراما التاريخية تستوحي من شخصية تاريخية أو من حدث كبير ومهم عملا درامياً يتناول كل ما يحيط بالشخصية أو الحدث محور العمل، كالشخصيات المحيطة به والمواقف والصراعات بالإضافة إلى العناصر المكملة كالديكورات وشكل المدينة ومبانيها والأزياء والأكسسوارات بالإضافة إلى اللغة المحكية في الفترة المذكور والتي لا تتطابق غالبا مع اللغة المحكية في العصر الحديث . والعمل الدرامي التاريخي وإن كان مطلوباً منه أن يلتزم بعناصر التشويق والإثارة المتعارف عليها في الأعمال الدرامية إلا أنه يجب أن يلتزم بالأمانة التاريخية والمصداقية العلمية، وأن يعتمد على مصادر ووثائق تاريخية مؤكدة حتى يخرج العمل بصورة مرضية تتوافق مع الوقائع التاريخية. وفي هذا يقول الكاتب الدرامي بكر القباني: "على الكاتب أن يستقي معلوماته من المراجع العلمية المدعمة بالوثائق التاريخية، والمخرج لا بد أن يكون على درجة عالية من الثقافة، فهو المسؤول أولا وأخيرا عن عمله، وإذا لم يكن على علم ودراية بما خلف السطور الدرامية؛ فعليه أن يسأل أهل الذكر قبل أن يستعد لإنجاز عمل درامي لا يعي أبعاده، فيقع في شر أعماله، وهو تزوير التاريخ ". كما يقول الكاتب الدرامي يسري الجندي "التعامل مع التاريخ من خلال الدراما ينبغي أن يلتزم بما هو جوهري مع مساحة من التصرف خاصة أن التاريخ في بعض الأحيان قد لا يأتي على كل التفاصيل، ولكن هذا التصرف يكون بالقياس على ما هو معلوم من الأحداث التاريخية حتى يتسق معها " .الأعمال التاريخية الدرامية الكبيرة مثل فيلم الرسالة وفيلم الناصر صلاح الدين وغيرها من أعمال، والتي كان لها تأثير في تشكيل الوعي العام بالتاريخ لدى الجمهور العربي، عرضت في حينها على لجان متخصصة لإجازتها وقد قامت هذه اللجان بدراسة السيناريو بشكل دقيق قبل الموافقة عليه، لكن ما يعرض على المشاهدين في الفترة الأخيرة يثبت أن ما يسمى بالدراما التاريخية ليست إلا محض خيال وإن لجأ بعض المؤلفين إلى استهلال العمل بالقول إن العمل مستوحى من أحداث حقيقية كي يفلت المؤلف من التشكيك بتزييف التاريخ والإساءة لشخصيات كانت جزءاً فاعلاً من تاريخ دول وأمم .
1454
| 01 أغسطس 2014
يتميز شهر رمضان المبارك بروحانية خاصة وأجواء إنسانية مميزة، وترتبط بالشهرالفضيل في أرجاء شتى من العالم الإسلامي طقوس ورموز تمثل جزءً عزيزاً من تراث وتقاليد هذه الشعوب حيث لا يكتمل شهر الصوم لديها بدون هذه الطقوس التي استمرت لقرون طويلة، ونجحت في تحدي الزمن ومتغيرات العصر...فقد كان المسحر في قطر ودول عربية وإسلامية أخرى، الوسيلة الوحيدة التي يستيقظ بها الناس للسحور. فهذا الرجل الذي يستيقظ من نومه قبل الفجر بوقت طويل ويتجول في الفريج، حاملاً طبله الكبير وضارباً عليه، بجانب كل بيت من بيوت الفريج ومتغنياً بأهازيج خاصة ... ليستيقظ أهل البيت على صوته وطبله، فيسارع الأطفال إلى الجري خلفه ومشاركته أهازيجه الجميلة، إلى أن ينتهي من الدوران على البيوت ليعود لبيته وقد أخذ التعب منه كل مأخذ، فيقوم أهل البيوت بارسال نصيبه من السحور.ويعد مدفع الافطار أحد الرموز الشهيرة والمنتشرة على نطاق واسع في دول إسلامية شتى، حيث تعلن القذيفة الخارجة من فوهة المدفع انتهاء يوم الصوم وإيذاناً بالاستمتاع بما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات. ويقال إن أول من استخدم المدفع لإعلان وقت الفطور ليعلم به الناس على نطاق واسع، سلطان مصر المملوكي (خشقدم ) وذلك في أول يوم من أيام رمضان لسنة 856هجري، وكان حينها ينوي تجربة مدفع جديد، وبعدما سمع الناس صوت المدفع خرجوا مسرعين من بيوتهم يتملكهم السرور والفرح، مما جعل السلطان المملوكي يمضي قدماً في استخدام المدفع وقت السحور ووقت الفطور. ثم بدأ ينتشر هذا التقليد في بلاد الشام والعراق ثم في الكويت ودول الخليج الأخرى ومنها قطر في بداية القرن العشرين.ويعد فانوس أو قنديل رمضان أحد المظاهر الشعبية للاحتفال برمضان في عدة دول عربية وإسلامية، ويقال إنه انتشر أول الأمر في مصر ثم في بلاد الشام وأرجاء أخرى من العالم الإسلامي، حيث كان الخليفة الفاطمي يخرج بنفسه ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه حاملين فوانيسهم ليضيئوا له الطريق، ويغنون أغاني جميلة تعبيراً عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان المبارك.ويقال أيضاً إن فانوس رمضان استخدمه المصريون كذلك حين خرجوا في مواكب كبيرة، لاستقبال الخليفة الفاطمي المعز لدين الله الذي دخل القاهرة في رمضان قادماً من جهة الغرب.وقد تطورت صناعة الفوانيس على مر الزمن فبعد أن كانت مجرد علبة من الصفيح وبداخلها شمعة، أصبحت صناعة تتسم بالدقة والإتقان، فقد تم تركيب الزجاج مع الصفيح وإضافة بعض الفتحات التي تجعل الشمعة تستمر في الاشتعال. ثم بدأت مرحلة أخرى تم فيها تشكيل الصفيح وتلوين الزجاج ووضع بعض النقوش والأشكال. وهكذا ظلت الفوانيس لقرون طويلة تضيء ليالي رمضان وتمنح البهجة والسرور للناس في الشهر الفضيل. ورمضان مبارك .
4157
| 25 يوليو 2014
تهب علينا أحياناً رياح لطيفة تثير من حولنا مشاعر الارتياح والبهجة، وتنعش نفوسنا المتعبة بنسماتها العذبة التي تداعب الوجنات وتدغدغ العواطف، بينما تعصف بنا أحياناً أخرى، رياح تجتاح أنفاسنا بما تحمل من غبار وأتربة وتستفز أعصابنا وتوتّر حواسنا كلها.والرياح البوارح التي تغزونا هذه الأيام ويتذمر من هبوبها الغادون والرائحون، ويعزى لها السبب للكثير من الأمراض والحوادث، إنما تحمل معها بوادر خير عظيم إذ يسيل مع هبّاتها الساخنة دبس التمر الذي نضج فوق هامات النخيل وتحول بفضلها الخلال (البسر) الأخضر الذي لا تأكله حتى الطيور إلى رطب جنياً يزين موائدنا الرمضانية.فالرياح طالما كانت للإنسان منذ أن وجد على وجه البسيطة رفيقة وعدوة في نفس الوقت، فبفضل الرياح اقتحم أجدادنا لجة البحر بسفن خشبية تدفع أشرعتها وتحركها وتغير اتجاهاتها، وبفضلها عرفوا وقت العودة والقفول، وذلك عندما تبدأ بالهبوب رياح السابعة التي تحمل البرودة لمياه البحر، وبفضل الرياح أدرك المزارعون قبل أن يعرفوا التقاويم والشهور موعد ذر البذور وموعدالحصاد. كما تحمل الرياح بشائر الحياة عندما تكون لواقحاً تخبئ بين جنباتها المطر الذي يحيي الأرض بعد موتها ويعيد الحياة للبشر والشجر والدواب.لكن للرياح وجهها الآخر الذي تبدو البوارح ورياح الكوس واللاهوب والطوز والخماسين وغيرها من رياح حارة متربة نسمات بريئة وعذبة، فالدالوب مثلاً وهو عاصفة هوجاء كانت تعصف بين فترات متباعدة بدول الخليج، وإحداها العاصفة الشديدة التي أغرقت المئات من سفن الغوص التي كانت تستعد للقفال أي للعودة للديار وأهلكت الآلاف من البحارة واقتلعت بساتين النخيل وهدمت البيوت، حتى سميت تلك السنة التي تقع في منتصف عشرينيات القرن الماضي بسنة الطبعة، وأرّخ أهل الخليج الأحداث التي حدثت في تلك السنة أو بعدها بها.والعرب بما يملكون من شاعرية وجزالة في الوصف وسعة في الخيال أطنبوا في وصف الرياح وميزوا بين أنواعها وأصنافها وعدوا الرياح سبعاً: الصبا، والدبور، والجنوب، والشمال، والنكباء، والخروق، والرياح القائم؛ فأما الصبا: فتجىء من المشرق، وأما الدبور: فتجىء من المغرب، وأما الجنوب: فتجىء عن يسار القبلة، وأما الشمال: فتجىء عن يمين القبلة، وأما النكباء: فبين الصبا والجنوب، وأما الخروق: فبين الشمال والدبور، وأما ريح القائم: فأنفاس الخلق، كما يقال.ورياح الصبا عند العرب هي الرياح المحببة والمفضلة لديهم حتى قالوا عنها بأنها تجلو الهم وتزيل الغم، بل حمّلها الشعراء أشواقهم ومشاعرهم لمن يهوون ويعشقون.فها هو ابن سهل الأندلسي يقول:تهدي الصبا منها أريجا مثلما يهدي المحب إلى الحبيب سلامافكأنها نفس الحبيب تضوعا وكأن نفس المحب سقاما
8872
| 11 يوليو 2014
شهر رمضان المبارك الذي يزورنا هذه الأيام ويوسم شخصياتنا بتقوى فريدة مستمدة من الروحانية العالية التي يتميز بها هذا الشهر الفضيل. شهر رمضان المبارك يغير الكثير من أسلوب حياتنا اليومي ليكون شهراً مميزاً نترقبه دون بقية أشهر السنة شوقاً أو ربما شفقة من تفاصيل اعتدنا عليها ونضطر إلى تغييرها، شهر رمضان يحمل لكل منا ذكريات خاصة جداً، عن آباء وأمهات وأحباب كانوا يوماً ملء القلب والعين وأضحوا ذكرى تأبى النسيان.في شهر رمضان قد تنكأ جروح، تجاهلنا الإحساس بها في أيام لهونا وغفلتنا، لكن هيهات لنا الآن أن لا نشعر بمعاناة فقير أو محتاج أو شعوب تئن تحت وطأة الإرهاب والحروب والفتن والجوع، وإن كنا ننعم في بلادنا العزيزة قطر بالأمن والأمان ونعيش بأزهى عصورها، إلا إننا لا نملك أن لا نحزن لشعوب شقيقة وعزيزة تفتك بها النوائب والخطوب وتعاني مخاضات عسيرة، فسوريا التي لا تبدو لها نهاية تلوح في الأفق لحرب أهلية أتت على البلاد والعباد وأهلكت الحرث والنسل. والعراق الذي يستمر في المعاناة ولما يزيد عن عقد من الزمن من فقدان الأمن، والإرهاب الذي يحصد من أبنائه يومياً ويروّع أهله ويقض مضاجعهم، بعد أن عانى لثلاثة عقود من الحروب والدكتاتورية. وحتى لبنان الذي اكتوى بحرب أهلية ضروس لا يبدو بعيداً عن الانجرار إلى أتون صراعات جديدة. كما تبدو الطائفية البغيضة التي خرجت من نفق مظلم في أبشع صورها لتفرق بين أبناء الوطن الواحد في أكثر من دولة عربية وإسلامية. ويستمر شعب غزة المحاصرة وفلسطين السليبة في المعاناة المريعة لحقب طويلة من عمر الزمن. ولا تنتهي مصائب أهل الصومال من الاقتتال الداخلي والمجاعة، كما يستمر السودان في محاولة لملمة جروح لم تبرأ بعد من انفصال الجنوب والتمرد في دارفور، وفي أفغانستان وميانمار وغيرها من بلاد المسلمين تستمر معاناة الأبرياء ولا يبدو الفرج قريب منهم. أعان الله المسلمين في كل مكان وفرج كربهم وأزال همهم.ورمضان مبارك.
821
| 27 يونيو 2014
تحفل صفحات التاريخ الإنساني بأخبار المذابح التي راحت ضحيتها أعداد هائلة من الكتب، ولتاريخنا العربي والإسلامي نصيب وافر من هذه المذابح.ويعود إعدام وإتلاف الكتب، التي تحمل عصارة فكر الفلاسفة والمفكرين والفقهاء والأدباء والعلماء، إلى عدة عوامل منها الشرعية والعلمية والسياسية والاجتماعية والطائفية والنفسية وأسباب أخرى تعود للتعصب والتشبث بالفكرة الواحدة والرأي الواحد.ومن أكثر الوسائل انتشاراً في إعدام الكتب والتخلص منها يأتي الحرق أولاً ومن ثم التقطيع والتخزيق وكذلك الإتلاف بالغسل بالماء ليذوب الحبر عنها ومعه الورق، وشهد التخلص من الكتب كذلك طريقة رابعة وهي الدفن في الأرض في عمق يوازي القبور التي يدفن فيها البشر.ومن الكتب ما أُتلفت بأوامر من الحكام والسلاطين ومنها ما قام مؤلفوها بإعدامها بأنفسهم.وقد شهد تاريخنا العربي الإسلامي من هذه الحوادث الكثير إذ يقال إن الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك أمر بإحراق كتب تعترف بفضل الأنصار في تأسيس الدولة الإسلامية.ويروي لنا ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ عن أبي بكر بن مقسم شيخ القراء ومؤلف الكثير من الكتب في تفسير القرآن الكريم والنحو والذي ابتدع قراءة لم تعرف من قبل كما وصفه ابن الأثير والذي استتابه السلطان بعد ضربه وتعذيبه لخروجه على ما تعارف عليه الناس حينئذٍ وثم أحرقت كتبه.وتعد حادثة حرق الخليفة الأندلسي أبو يوسف المنصور أحد ملوك الطوائف لكتب الفيلسوف والفقيه والقاضي ابن رشد احد أشهر وأهم حوادث إحراق الكتب التي قام بها سلطان وإن تكررت من قبل ومن بعد مثل هذه الحوادث.أما قيام مؤلف بإحراق كتبه وإتلافها بنفسه فأشهر من قام بذلك هو أبو حيان التوحيدي الأديب والفيلسوف والمتصوف الذي عمد إلى إحراق كتبه بنفسه بعد أن دنا من نهاية حياته، ولم يسلم من هذه الكتب غير ما نقل قبل الحرق.. وقد بعث القاضي رسالة إلى التوحيدي يلومه على صنعه، وذلك لمكانة التوحيدي كعالم في النحو واللغة والأدب والفقه والكلام ورد التوحيدي على القاضي برسالة طويلة وبليغة ومؤثرة، جاء في بعض سطورها قوله " أما ما كان مني من إحراق كتبي بالنار وغسلها بالماء فعجبت من انزواء وجه العذر عنك في ذلك، كأنك لم تقرأ قوله عز وجل (كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون).وتبقى عملية إتلاف ملايين الكتب التي نهبت من بيت الحكمة واغرقت في نهر دجلة، احد أقسى أنواع المجازر التي راحت الكتب ضحية لها، تلك المجزرة التي قام بها المغول بعد احتلالهم واستباحتهم لعاصمة الخلافة الإسلامية بغداد سنة 1258 ميلادي.كما أتلفت عشرات الألوف من الكتب في مكتبة الإسكندرية بسبب عنجهية وطمع يوليوس قيصر الذي حاصر الإسكندرية وأضرم النار في سفن كانت راسية قبالة المكتبة، ثم ليتم الإمبراطور الروماني تيودورس ما بدأه يوليوس قيصر وليحرق مكتبة الإسكندرية مرة أخرى سنة 391 ميلادية.رغم ملايين الكتب التي أحرقت والكثير من المفكرين والعلماء والفقهاء والأدباء الذين كممت أفواههم وعذبت أجسادهم إلا أن الفكر البشري ظل مستمراً في تطوره وتنوعه وثرائه.ويقول الفقيه الكبير شيخ الإسلام (سفيان الثوري): منْ يزداد علما يزداد وجعا ولو لم أعلم لكان أيسر لحزني.
1547
| 20 يونيو 2014
الإنسان ذلك الكائن العنيد الذي تميز من بين جميع سكان الكرة الأرضية بأنه الوحيد القادرعلى تطويع الطبيعة وترويضها لمصلحته، الكائن البارع الذي اخترع اللغة ونظّم الهياكل الاجتماعية المعقدة، وأقام شبكة من التفاعلات الاجتماعية أسفرت عن العديد من المعايير الأخلاقية والطقوس الدينية، وأبدع في إعطاء كل ما حوله قيمة جمالية وفنية وأدبية وثقافية، الكائن العنيد صانع الحضارات ومشيّد الصروح العظيمة، واضع العلوم والتطبيقات التي غيرت العالم، الكائن العنيد الذي اخترق الفضاء وسير المركبات خارج حدود الأرض، وهبط الى أعماق المحيطات واستكشف أسرارها واستغل كنوزها الدفينة. الإنسان العنيد هو نفسه الذي تحدى الصحارى المتجمدة وشيد من الثلج بيوتاً تعد معجزة معمارية، حيث تمنح بيوت (Igloo) ذات البناء المعقد الدفء لساكنيها، وتحتفظ بدرجة حرارة تصل الى عشرين درجة مئوية بينما في خارج البيت الثلجي تتجاوز درجة الحرارة الخمسين درجة تحت الصفر. إنسان الأنويت أو الأسكيمو الذي تكيف مع البرد القارس لا يختلف في شيء عن البدوي الذي يعيش في الصحراء المجدبة القاسية، حيث على البدوي أن يعمق معرفته ببيئة الصحراء حتى يعزز فرصته في البقاء ويتغلب على تحديات المعيشة الصحراوية، التي لا تقتصر على محدودية مواردها ولا على مخاطر الغزو والحروب، وإنما كان على البدوي ان يحمي نفسه من برودة الشتاء وحر الصيف، والوديان والسيول الجارفة في موسم الأمطار، ومن لدغات الأفاعي والعقارب والحشرات السامة، ومن الذئاب والضواري، ولكثرة هذه المخاطر نجد البدوي حذراً في نومه حتى انه كما يقولون ينام نومة ذيب أي أنه ينام بعين واحدة بينما الأخرى متيقظة تترقب أي خطر مفاجئ قادم. لكن الإنسان هذا الكائن البارع برع كما لم يبرع أي مخلوق آخر غيره في استباحة دم أبناء جنسه، فبرع في اختراع الأسلحة وأدوات القتل ونجح في تبرير كل الجرائم التي يرتكبها بأسباب دينية وعقائدية وأخلاقية.
926
| 13 يونيو 2014
فيما يتجه الطلبة لأداء امتحاناتهم النهائية، تعيش عائلاتهم من خلفهم حالة من الاستنفار والقلق والتوتر قد يفوق ما يشعر به الطلبة أنفسهم، وغالباً ما تؤجل هذه العائلات الكثير من المناسبات الخاصة حتى موعد الانتهاء من الامتحانات.فالامتحانات موسم يتكرر في السنة عدة مرات ويتم من خلالها تحديد مصير الطلبة الممتحنين، ورغم ارتباط الامتحانات بالدراسة المكثفة والساعات الطويلة من المذاكرة الممزوجة بالارهاق والتعب، الا أن النتائج قد تنسي الممتحنين وعائلاتهم هذه المعاناة الكبيرة، لتبدأ بعدها الاجازة الصيفية التي تعني للطلبة الحرية والراحة والانطلاق بعيداً عن قيود الدراسة.. لكن الاجازة الصيفية قد تحمل معها من مظاهر الازعاج للعائلة التي عانت مع الممتحنين كثيراً، ويترافق مع الاجازة الصيفية الاحساس بضياع الوقت والفراغ الكبير من جانب الطلاب، ومما يفاقم من هذا الوضع ان المجتمع لم يوفر لفئة التلاميذ والطلاب المرافق الكافية التي تمتص طاقتهم وتلبي احتياجاتهم، فالعدد القليل من النوادي الرياضية للشباب ونوادي الفتيات لن يستوعب الأعداد الهائلة من الطلبة والطالبات الذين يتحينون الفرص لقضاء أوقات ممتعة ومفيدة تجدد نشاطهم وتمنحهم الطاقة لعام دراسي مقبل، بالاضافة الى ان معظم شباب ومراهقي وأطفال هذا الجيل بلا هوايات، فالتكنولوجيا التي أصبحت سمة العصر حرمتهم من تطوير أنفسهم والاجتهاد في تعلم مهارات جديدة والاستمتاع بالهوايات المحببة مثل الرسم والقراءة والتصوير وغيرها. يجب ألا تكون العطلة الصيفية فترة معطلة من السنة لفئة كبيرة وفتية من المجتمع يعول عليها الكثير في المستقبل وحان الآن وقت التفكير الجدي للاستفادة من طاقة هؤلاء الفتية والشباب.
1242
| 06 يونيو 2014
قد لا يحظى شيء باهتمام الناس وشغفهم مثلما يحظى السفر وإن اختلفت أهداف الناس منه باختلاف مشاربهم وطبائعهم.فالسفر كان وما يزال وسيلة البعض من الناس للإحساس بالحرية والانطلاق والمتعة وكسر قيود الحياة اليومية التي تكبّلهم بأعبائها، وتشدّهم بمشاغلها.ونفس الإحساس بالسعادة والمغامرة وتغيير المألوف هو ما يدفع العربي منذ القدم ممتطياً بعيره لاقتحام مجاهل الصحراء متحدياً العواصف الرملية وأشعة الشمس المحرقة وقلة الزاد والماء، ولا أنيس له إلا مناجاته لجمله أو لرفيق سفره أو إطلاق ما يعتمل في مكنونات نفسه شعراً يعبّر فيه عن لوعته من فراق الأهل والأحبه حتى قيل ثلثا الشعر العربي القديم على ظهور الإبل كما تقول المصادر الشعرية.وإذا كانت البداوة تعني في جوهرها التنقل والترحال بحثاً عن موطن مؤقت أكثر كلأً وماءً أو هرباً من بطش قبيلة قوية تقطن في الجوار، فإن التجارة كانت مصدر الدخل الرئيس للبدو وغيرهم من قدماء العرب، الذين دفعتهم حاجتهم هذه لطلب الرزق منذ قديم الزمان للتوغل بعيداً نحو المدن والقرى المترامية على حدود الصحراء أو باتجاه المناطق البعيدة عنهم نحو مراكز التمدن والحضارة في بلاد الشام ووادي الرافدين واليمن حاملين معهم ما ينتجونه أو ما تجود به بيئتهم الشحيحة، وفي المقابل يحضرون معهم من المدن ما يحتاجون له من مواد غذائية ومصنوعات يدوية.فالتجارة التي مارسها البدو والحضر من عرب شبه الجزيرة العربية والتي كانت لبعض القبائل العربية مثل قريش صولات وجولات فيها حتى عدّت مصدر ثرائهم وسر تميزهم بين قبائل العرب ووسيلة رزقهم الرئيسة، والتي شكَّلت نشاطاً موسمياً سنوياً، حيث يرتحلون صيفاً الى بلاد الشام وشتاءً نحو اليمن والبلاد الواقعة على المحيط الهندي، وقد ذكر القرآن الكريم هذه الرحلات المهمة في سورة قريش.وتنطلق القوافل عادةً في بداية الخريف لتنهي رحلتها قبل الشتاء تجنباً لبرد الشتاء القارس وحر الصيف الحارق. حيث يستعد الرجال المرتحلون في القوافل للرحلة استعداداً جيداً قبل الرحلة بفترة معينة، ويتولى رئيس أو مشرف القافلة مسؤولية الإشراف على كافة الاستعدادات وتأمين متطلبات وسلامة الرجال المنضمين للقافلة وحماية ما تحمله من بضائع من قطاع الطرق المنتشرين على طرق القوافل وذلك بحمل البواريد والسيوف، حيث غالباً ما يكون الرجال المرتحلون من القافلة من ذوي النشاط والهمة والمعرفة بفنون الحرب والقتال للدفاع عن أنفسهم وعن أمتعتهم. فتسير القافلة نحو بغيتها مدفوعةً بعزيمة رجالها وبصبرهم وتحملهم المشاق والأهوال، وحبهم للسفر والمغامرة وكرههم لحياة السكينة والخمول، وحفزت هذه الرحلات والأسفار البعض من الموهوبين لتدوين رحلاته ومغامراته ليخرج من خلالهم جنس جديد من الأدب هو أدب الرحلات الذي تذكر المصادر الأدبية أن العرب هم أول من ابتكروه وتركوا به تراثاً ثرياً ومنه استمد أدباء الرحلات في العصر الحديث أفكارهم وقصصهم. فإذا كان الفينيقيون والإغريق في الماضي هم سادة البحر، فإن العرب هم سادة الرحلات البرية من غير منازع.
1936
| 30 مايو 2014
الماء سر الوجود وأصل الحياة، التركيب الكيميائي الفريد الذي وهب للأرض قدرتها على احتضان الكائنات الحية، الماء الذي قدسته الشعوب وقامت على ضفافه الحضارات الكبرى، وتنازعت عليه الدول والأقوام، الماء الذي وصفه الخالق جل وعلا بانه أساس لكل شيء حي (وجعلنا من الماء كل شيء حي).وللعرب منذ القدم مع الماء شؤون وشجون، فالماء الذي يشح في الصحارى حتى يكاد ينعدم، فيموت الزرع والضرع وينتظر البشر حبة مطر كإنتظار الحبيب لمحبوبه الغائب، يبثه الشكوى والنجوى، ويطلق عليه التسميات والأوصاف ويتوسل إليه بالأشعار والدعاء.وتروي لنا كتب الشعر عن أعرابية من بني أسد تبث شكواها من انقطاع المطر وشح الماء في شعر جزل مفعم بالأحاسيس، حيث تقول:ألم ترنا غبنا ماؤنا زمانًا فظلنا بكد البيارافلما عدا الماء أوطانه وجف الثمار فصارت حرارًاوفتحت الأرض أفواههاعجيج الجمال وردن الجفاراوضجت الى ربها في السماء رؤوس العضاة تناجى السراراوقلنا أعيدوا الندى حقه وعيشوا كراماً وموتوا حرارًاومن شدة تقديس العرب للماء نجد الرجل يشبَه حديث محبوبته بصوت المطر المنهمر على أرض طال عهدها بالمطر حيث يستقبل راعي الإبل هذا المطر بكل فرح وحبور..وحديثها كالغيث يسمعهراعي سنين تتابعت جدبًافأصــاخ مستمعًا لهويقول من فرح هيا ربًابينما يصف شاعر آخر صوت النساء العذب وحديثهن اللطيف بالماء البارد الذي يصادفه الظمآن:فهن ينبذن من قول يصبن بهمواقع الماء من ذي الغلة الصاويتقدير العرب للماء جعلهم يتعارفون على أعراف وتقاليد عند ورود الماء، حتى إن أحدهم إذا أدرك عدوه وهو يرد الغدير أو ينبوع الماء تركه يشرب ويرتوي، قبل أن يفكر في التصدي له، وحتى الطرائد البرية فان من المتعارف عليه بين العرب أن يتركها الصياد تشرب قبل أن يهم باصطيادها، وفي هذا يقول الشاعرالمخضرم الحطيئة:عطاشًا تريد الماء فأنساب نحوهاعلى أنه منها إلى دمها أظلمافأمهلها حتى تروي عطاشهافأرسل فيها من كنانته سهمًاوقد أطلق العرب على الماء تسميات كثيرة حسب نوعه ومصدره، فالماء غير الصالح للشرب آسن، وإذا اجتمعت فيه الملوحة والمرارة فهو أجاج، وإذا كان به شيء من العذوبة وصالح للشرب فهو ثريب، وإذا كان عذبا فهو فرات، وإذا كان سهلا سائغا في الحلق من طيبه فهو زلال، وإذا كان خالصا لا يخالطه شيء فهو قراح، وإذا كان باردا فهو فار، وإذا كان جامدا فهو قارس، وإذا كان الماء شديد الحرارة فهو حميم. وإذا أراد العرب أن يطلقوا اسمًا على امرأة ذات جمال وبركة وحسن وصفاء وبياض أطلقوا عليها (ماء السماء)، والعرب إذا وصفت الماء والشراب بالصفاء قالوا كأنه الدمع وكأنه ماء قطر، أو ماء مفصل.
2073
| 23 مايو 2014
للكلمة المكتوبة تاريخ طويل ورحلة مليئة بالأسرار والتحديات والصعاب منذ ان عبّر إنسان الكهوف عن مخاوفه ومعتقداته برسم الثيران والغزلان والخيول على جدران الكهوف، ثم في مراحل تاريخية لاحقه دفعت حاجات الإنسان الإجتماعية والاقتصادية إلى اكتشاف وتطوير طرق أخرى للتدوين والتوثيق، فكانت الكتابة المسمارية قبل أكثر من سبعة آلاف سنة في العراق القديم والتي سميت مسمارية لاستعمال المسامير المعدنية في الكتابة على الألواح والرُقم الطينية، وكان استعمال الكتابة المسمارية أول الأمر محدوداً ومحصوراً في إدارة شؤون الدولة والمعاملات التجارية الكبرى ثم يتسع مع مرور الوقت نطاق استخدامها، حيث دون السومريون ومن ثم البابليون والآشوريون والأكاديون بها أعمال وتاريخ الملوك والأحوال الشخصية والمراسلات والآداب والأساطير والنصوص الدينية والعبادات. أما الكتابة الهيروغليفية في مصر القديمة والتي تعني في اللغة اليونانية القديمة (الكتابة المقدسة) التي شملت مجموعة كبيرة من الرسومات مثل صور البشر والطيور والثدييات والنباتات وأشياء متنوعة من البيئة المصرية، حتى وصل عدد الرموز الهيروغليفية الى سبعمائة رمز، فقد بدأت كذلك محدودة الانتشار في المجتمع المصري القديم ثم استخدمت في مراحل لاحقة في نقش وزخرفة النصوص الدينية على جدران القصور والمعابد والمقابر وأسطح التماثيل والألواح الحجرية المنقوشة والألواح الخشبية الملونة، لتشهد فيما بعد تطورات متتالية واستخداماً واسعاً في كافة مناحي الحياة. ثم قفزت الكتابة قفزتها الكبرى مع تطوير الفينيقيين والكنعانيين الكتابة الهيروغليفية،حيث نجح الفينيقيون وبحكم نشاطهم التجاري الواسع في تطوير الرمزية التصويرية، طريقة الكتابة القديمة، الى حروف أبجدية، حيث استخدم الفينيقيون اثنين وعشرين حرفاً، أصبحت فيما بعد أساساً للكثير من الأبجديات الحديثة، مثل أبجديات اللغات الأوربية واللغات السامية مثل العربية والعبرية.التطور في استخدام الرموز والحروف صاحبه تطور آخر في وسائل وأدوات الكتابة، فبعد جدران الكهوف نجح الإنسان القديم في صقل الألواح الحجرية ليدون عليها معاملاته ومعتقداته ثم استخدم الألواح الطينية بعد أنتعلم صناعة الفخار وتجفيفه، وتحول الإنسان في مراحل تالية لاستخدام ورق البردي، الذي اشتهرالمصريون القدماء بصناعته من سيقان نبات البردي ثم نشروه بدورهم في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، واستخدم العرب للكتابة العظام والرق وهو الجلد المدبوغ الرقيق، حتى اكتشف الصينيون صناعة الورق في بداية القرن الثاني الميلادي، ومن ثم انتشر الورق في العالم الإسلامي ثم في أوربا بعد ان وصلت الفتوحات الإسلامية الى شرق آسيا وتعرف المسلمون على أسرار صناعته.الأحجار المسنونة والمسامير التي أخذت لغة السومريون منها اسمها وقطع الأخشاب أخلت المكان لأدوات أخرى للكتابة واصلت رحلة التطور، فالقصبات المبراة وريش الطيور ثم الأقلام المدهشة بأنواعهاالمعدنية والحجرية كلها كانت شواهد على رحلة الكلمة المكتوبة.حتى سجل الصينيون إنجازاً حضارياً آخر باختراع الطابعة اليدوية، حيث طوروا نوعاً من القوالب الخشبية وذلك لطباعة الكتاب المقدس لدى البوذيين والمسمى (تيبيتاكا)، وانتشرت في الصين في فترات لاحقة طريقة الطباعة بالقوالب لتطبع أعدادا كبيرة من الكتب، أتاحت للعامة الحصول على قسط من العلم.ثم شهدت الكلمة المكتوبة ثورة كبرى بعد اختراع الألماني يوهان غوتنبرغ في منتصف القرن الخامس عشر للطابعة التي تعد أحد أهم الاختراعات البشرية، وذلك بتطوير قوالب الحروف التي توضع بجوار بعضها البعض ثم بوضع الورق المضغوط عليه لتكتمل المطبوعة، هذه الطابعة كانت سببا في تطور الحضارة وانتشار المعرفة بشتي لغات الأرض. ولايمكن الحديث عن تطور الكلمة المكتوبة بدون الحديث عن الآلة الكاتبة التي يعود تاريخها الى بداية القرن الثامن عشر، والتي تعتبر الأم الأولى لما نراه من آلات كاتبة في وقتنا الحاضر.رحلة الكلمة المكتوبة واصلت التطور مارةً بمحطات كثيرة ومدهشة الى ان انتهت الى آخر ما توصلت اليه التكنولوجيا الحديثة وهي الكتابة بلمس شاشة الآي باد والهاتف الذكي، وفي انتظار محطات أخرى لنكتشف ماذا يخبئ لنا مستقبل الكلمة المكتوبة.
2932
| 16 مايو 2014
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5058
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3690
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2799
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
2679
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2361
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1494
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1071
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
978
| 21 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
915
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
906
| 23 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
846
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
825
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية