رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نشأت في بيئة بسيطة كانت القضية الوطنية هي موضوعها الأول الذي لا يختلف عليه أحد. لم يكن مَن حولي مفكرين وكتابا، لكن كانوا أهلي وسكان حي كرموز الشعبي في الإسكندرية والمدرسين في المدرسة. كان نشيدنا الصباحي في المدرسة «اسلمي يا مصر إنني الفدا» وكان من بقايا الفترة الملكية، وعرفت متأخرا أن كاتبه «مصطفى صادق الرافعي» وملحنه «صَفَر علي» في عشرينيات القرن العشرين، كانا به يواجهان الاحتلال البريطاني الذي اغتصب الأرض المصرية. تم تبديل النشيد عام 1956 بنشيد «الله أكبر» بعد العدوان الثلاثي على الأرض. وحين تم تغييره في عصر السادات بنشيد «بلادي بلادي» لم ينسَ أحد أنه النشيد الذي كتبه ولحنه سيد درويش في مواجهة الاحتلال البريطاني أيضا. لم أرَ أو أسمع أحدا يختلف مع النظام الحاكم حول الأرض. كل الخلافات في التاريخ كانت في شكل الحكم وأدواته من استبداد، وصراع من أجل حياة ليبرالية أو مشاركة شعبية، وهذا صراع شغل قرونا طويلة في العالم كله، وحدثت بسببه ثورات وانتفاضات في كل الدنيا. حين عرفت بعد هزيمة 1967 ما كان خفيا عن الاعتقالات التي قام بها نظام عبد الناصر، أدركت أن السبب لم يكن خلافا على الأرض ومواجهة الاحتلال، لكن على شكل نظام الحكم. أنهى عبد الناصر هذا الخلاف بالاعتقالات والسجون فجاءت هزيمة 1967 وكشفت هشاشة النظام الذي أقام مصانع ومزارع ومدارس ومستشفيات وغيرها أسعدت الملايين. هشاشته لأنه لم يسمح بأحزاب أو معارضة تقول له ما يمكن أن يغيب عنه، ولم يكونوا ضد مقاومة الاحتلال. هكذا الأرض التي خلقها الله، هي الأم التي تحتضننا، والتي عليها نقف وننمو ونحلِّق في الفضاء. هكذا يمكن إجمال القضية الفلسطينية باعتبارها قضية الأرض التي سرقها الصهاينة، وأي خلاف عربي على حق الفلسطينيين في أرضهم، يعني ضياع الأرض التي يقف عليها المختلف أيضا. كل الخلافات مع حماس، يجب أن تؤجل من أجل القضية الوطنية. ما يحدث الآن هو قفزة كبيرة مهما كان الثمن لأهل غزة من أجل القضية الوطنية، وليس شكل الحكم ولا النظام السياسي. لذلك حسرتي على من يهاجمون حماس وكتائب القسام ومن يشاركهم في الهجوم على المستعمرات الإسرائيلية، التي يخدعون العالم باسم المستوطنات، وهي لم تكن أبدا وطنا لهم من قبل. لقد وصل الأمر إلى أن قناة تلفزيونية عربية تذيع تقريرا تدين فيه حماس. صحيح تم حذف التقرير بعد احتجاجات كبيرة، وبعد إيقاف القناة نفسها في أكثر من بلد عربي، وصحيح أنه صدر بيان من القناة يدين صاحب التقرير، وكلنا نعرف أنه لم يفعل ذلك وحده، لكن يقفز السؤال هل أرض أي بلد عربي غير فلسطين ليست قضية شعبها الوطنية؟ هل لو تم غزو بلد عربي من الصهاينة الذين يحلمون بدولة من النيل للفرات، ستقف شعوبها تتفرج؟ وهل لن نؤيدها في حقها في المقاومة؟ صحيح أن الجامعة العربية التي كانت نتيجة نضال عظيم للدول العربية، صارت مجرد بنيان أمامه جراج سيارات، لكن هذا لا ينفي أبدا حق الشعوب العربية في مقاومة الصهاينة، وكل خلاف على شكل الحكم بعد الاستقلال كما قلت وقال غيري ممن يدركون هذه الحقيقة مؤجل. إن ما تفعله حماس أو من يقاومون إسرائيل، هو قضية وطنية تتعلق بالأرض وتحريرها لا بشكل الحكم ونظامه. إذا لم تعجبكم حماس فاصمتوا، واتركوا الفرصة لفرسان الوطن يحققون عودته بعودة أرضهم. عودة الأم المسروقة.
927
| 24 أكتوبر 2024
صرح رئيس الوزراء في مصر عن الحروب التي تحدث حولنا، وكيف في حالة توسعها سيكون اقتصادنا اقتصاد حرب. أثارني التصريح وأعادني أربعين سنة تقريبا إلى الخلف، وكيف بدأت سياسة الرئيس أنور السادات التي أسماها الانفتاح الاقتصادي، وكنا انتهينا من حرب أكتوبر وانسحبت إسرائيل من سيناء. أي أنها السياسة التي رافقت السلام ولا تزال ترافقه حتى الآن، فمن يومها لم ندخل حربا. أبرز ملامح هذه السياسة هي البدء في بيع شركات القطاع العام بحجة تشجيع القطاع الخاص، رغم أن تشجيع القطاع الخاص لا يعني التخلى عما أقامته الدولة من مشروعات صناعية عظيمة. مشت السياسة ولا تزال وآخر مشاهدها إغلاق مصانع مثل الحديد والصلب وراكتا للورق في الأشهر الأخيرة. أسماء المصانع بالمئات راحت كلها وهدمت من أجل بناء عمارات أو مولات. حين بدأت حرب أوكرانيا ارتفعت أسعار القمح في مصر ومن ثم الخبز، لأننا نستورد القمح منها، رغم أن الأسعار لم ترتفع في أوكرانيا. نسمع ونقرأ عن مزارع سمكية، فترتفع أسعار الأسماك إلى السماء، وتتسرب الأخبار عن فشل المشروع. هكذا صار الغلاء سمة النظام السياسي، وحين يتحدثون عن الأسباب يقولون لأننا لم نبنِ مصانع، بينما هم يهدمون المصانع ويبيعون أرضها. صار الطريق لذلك واضحا منذ سنوات طويلة، وهو تعيين مسؤول عن المصنع يتسبب في خسارته، فيتم بيعه ثم هدمه. وأخيرا يتناثر الحديث عن أننا نحن الشعب نتسبب في استيراد بضائع استهلاكية بملايين الجنيهات مثل ورق الفويل والجبنة الفلمنك والهواتف المحمولة وغيرها، وكأننا منعناهم من إعطاء فرصة للمصانع في إنتاج ذلك أو غيره. يقولون إن الحل هو الصناعة بينما بيع المصانع ثم هدمها مستمر. مصانع قليلة اشترتها دولة الإمارات أو استحوذت على غالبية أسهمها بعد أن حققت خسائر كبيرة، مثل شركة موبكو للأسمدة وأبوقير للأسمدة والشركة الشرقية للدخان، فقفزت أرباحها إلى السماء، والسؤال كيف خسرت معنا وكسبت معهم. أليس هو إهمالنا وتقصيرنا في الإدارة السبب؟ من يختار المديرين والمسؤولين؟ هذه الأمور كلها هي السبب فيما وصلنا إليه في زمن السلام، وليست أبدا بسبب الحرب. لقد عشت أيام هزيمة 1967 وأيام حرب الاستنزاف وأيام حرب أكتوبر، ولم تكن هناك أزمة اقتصادية في عمل المصانع، ولا في المأكولات إلا في أشياء قليلة ارتفع سعرها مثل السكر والأرز، وكانت تتوفر في الجمعيات التعاونية، والطوابير عليها تنتهي بسرعة، فالدولة تستورد ما نقص منها. انتهت المشكلة التي عادت مع سياسة الانفتاح وما جرى للمصانع، ثم ما جرى من تحول ملايين الأفدنة من الأرض الزراعية إلى مبانٍ. أعذار كثيرة تقدمها الدولة باعتبارها سببا في الأزمات وارتفاع الأسعار، وكلها من صنع سياستها، والاستمرار في السياسات الاقتصادية السابقة، لكن في كل حديث الشعب هو السبب. بعد الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف السبعينيات دخلنا حروبا عديدة مع إسرائيل أعوام 1948- 1956- 1967- 1973 إلى جوار حرب اليمن، ولم تشهد الأسعار ارتفاعا هاما إلا في زمن السلام للأسباب التي ذكرتها، كأن الدولة وجدت لها عدوا جديدا تحاربه هو الشعب، فراحت تعمل على هدم مصانعه وتبوير أرضه الزراعية. أتذكر مظاهرت عام 1977 وشعاراتها ومنها "سيد مرعي يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه" وسيد مرعي كان رئيس مجلس الشعب. الآن أكثر من ثلاثمائة جنيه. رغم ذلك أحمد الله أننا لا ندخل حربا، وإلا كانت سببا ينتظرونه للقضاء على كل ما بقي من أصول الدولة، هم الذين يقضون على كل ذلكفيزمنالسلام.
1089
| 17 أكتوبر 2024
في كل عام يحتفل المصريون بذكرى السادس من أكتوبر عام 1973، يأخذ الاحتفال شكلين، الأول شعبي على السوشيال ميديا، والثاني رسمي في الإذاعة والتليفزيون. في الرسمي نشاهد شيئا من خطب الرئيس السادات، وشيئا من مشاهد العبور العامة. في الشعبي نرى احتفالا كأنه استعادة ليوم البعث، ترندات من نوع أذكر صورة لا تنساها من الحرب، وبها نجد مئات الصور تتداعى للعبور وللأسرى الإسرائيليين. أو أذكر شخصية لا تنساها، وتتداعى أيضا أسماء أبطال القوات المسلحة من قياداتها، مثل المشير أحمد إسماعيل والفريق سعد الدين الشاذلي والمشير محمد الجمسي والمشير محمد على فهمي والمشير فؤاد ذكري وحسني مبارك والسادات، والقادة الآخرين لتفريعات القوات، ومعها آلاف الصور لضباط وجنود يضعها أبناؤهم الأحياء أو إخوتهم أو من بقي منهم. تشعر مع الصور غير الرسمية أن مصر كلها كانت على الجبهة. ولأني حضرت هذه الأيام، كما حضرت هزيمة 1967، يأخذني الحنين إلى أيام أكتوبر. ورغم دراستي وقراءاتي فيما حدث أثناءها من توقف عن الحرب عدة أيام بعد العبور، مما أعطى فرصة لإسرائيل أن تنفرد بجبهة الجولان الشمالية، فتعيد الجيش السوري وتحتل الجولان من جديد، ثم تعود إلى مصر التي تأخرت في تطوير الهجوم، فتخسر مصر عددا كبيرا من دباباتها في أول مجابهة بعد هذا التوقف، الذي كان بأمر من السادات. رغم معرفتي أن ذلك كان نقطة تحول كبيرة انتهت إلى الثغرة التي نفذ منها جنود إسرائيليون، ثم اتفاق وقف إطلاق النار، ثم ما تداعى بعد ذلك من عملية السلام التي انتهت بمعاهدة كامب ديفيد، وبعودة ما بقي من سيناء وإن بشروط مجحفة كتحديد عدد القوات في الخطوط الأخيرة، وأن يكونوا بلا دبابات أو مدافع وغير ذلك، إلا أنه في النهاية «سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد» هذه الأغنية تظل علامة ولا تقل قيمتها مع الزمن. رغم موافقة السادات على الشروط الإسرائيلية وغير ذلك، إلا أني أرى صورة السادات في لقائه مع بيجن في تل أبيب، حين يقول بيجن في الحوار التليفزوني أتمنى أن يدعوني السادات لزيارة مصر، فيقول السادات «سأدعوك طبعا ونلتقي في سيناء». يتساءل بيجن مندهشا ماذا تقول؟ يرد السادات قائلا «سيناء». وكانت المفاوضات لم تبدأ بعد لاسترداد ما تبقى من سيناء. يعجبني ذكاء السادات وأنسى ما حدث منه أثناء الحرب وبعدها. ولا يتوقف المصريون عن الدعابة والنكت ففي صورة فوتوشوب تقول جولدا مائير «خط بارليف لا تهدمه غير قنبلة ذرية» فيقول السادات «هدمناه بخرطوم مياه». وطبعا كلنا نعرف حكاية المياه التي توصل إليها اللواء باقي زكي يوسف والتي أذابت الحائط الترابي الصلد، ونفذت منه القوات بعد عبور القناة، ولم تكن إسرائيل أبدا تتوقع أن يهدم الخط بالمياه. وكذلك دعابة الجنود الأسرى الإسرائيليين الذين تمت إعادتهم إلى بلادهم وهم يرتدون البيجامات الكستور. الدعابة تقول «عندنا لسه كستور كتير يا إسرائيل» وهكذا. في الحقيقة تجاوز الأمر النوستالجيا إلى اليقين بسهولة هزيمة إسرائيل. ورغم أن مصر الآن في موقع آخر بعد معاهدة السلام، لكن الاحتفاء الشعبي يوضح ذلك واستعدادنا له. خمسة وأربعون عاما على معاهدة السلام والمصريون لا ينسون عدوهم الأكبر إسرائيل. أقفز إلى السابع من أكتوبر وما يحدث في غزة ثم لبنان تنفيذا لشهوة نتنياهو النازية، وأذكركم بمدن القناة التي دمرتها إسرائيل في الحرب وهاجر أهلها وبقيت فيها المقاومة، وفي النهاية تمت هزيمة إسرائيل وعادت المدن إلى مجدها.
507
| 10 أكتوبر 2024
قد يأتي عليك وقت ترى فيه الأساطير تحلق حولك، ولأنك تعرف أن الأساطير هي رموز لمعان بين الخير والشر، تمر عليها وتتعظ. الأساطير لم يبقَ منها غير حكايات في شكل ملاحم، أو صور رسمها فنانون، أو منحوتات لأبطالها وشخصياتها، لكن لا حقيقة باقية تشهد على وجود أحد منهم. الأمثلة كثيرة يمكن ذكرها مرورا بالملاحم اليونانية والمصرية والأشورية والسومرية، وغيرها في العالم. أبشع الأساطير في العصر الحديث هي أسطورة شعب الله المختار، وأن لإسرائيل أرض الميعاد في فلسطين، والدولة من النيل إلى الفرات. كلنا ولو بقليل من العلم، نعرف كيف نشأت إسرائيل ككيان تركته وراءها بريطانيا في الشرق الأوسط المحتل، ليبقى في صراعات لا تنتهي. كل حكاياتهم التي ذاعت خلال ذلك منذ نهايات القرن التاسع عشر عن فلسطين كذب، ففلسطين مثل غيرها من الدول العربية كانت ملاذا لليهود، من محارق أوربا في إسبانيا وفرنسا وروسيا ثم ألمانيا لهم. من أبشع ما قيل أن الفلسطينيين باعوا كثيرا من أرضهم لليهود، بينما الحقيقة أن ذلك لم يحدث، ومن باع لليهود هي القنصليات الأجنبية، ورغم ذلك ما باعوه لا يصل إلى عشرة بالمائة من أرض فلسطين. كلنا نعرف ما فعله اليهود من مستعمرات يسمونها مستوطنات وإبادة جماعية للسكان الأصليين، وكيف جاء تقسيم فلسطين بين دولتين مع قرارات الأمم المتحدة بعد حرب عام 1948 وظلت إسرائيل رغم ذلك تناور ولا تعترف بدولة فلسطينية، وشنت حروبا على مصر وسوريا والأردن رغم أن قرار التقسيم كان جناية على الحقيقة. يمر كل هذا الزمن يدفع ثمنه أهل فلسطين، ويقاومون كثيرا في انتفاضات وثورات، ولا ينتهي الأمر لا بدولتين، ولا دولة واحدة للجميع تحت ظل العدل والمساواة. نصل إلى ما نحن فيه في غزة ثم الهجوم على لبنان، ويحتفل أكثر من مائة ألف صهيوني بالمزامير أمام الحائط الخرافي حائط المبكى، باعتبار أن القدس لهم. تقتل إسرائيل قيادات من فلسطين ومن حزب الله في لبنان، ثم تقتل السيد حسن نصر الله أمين الحزب، وهنا يظهر الشامتون في مقتله، كأن ذلك الهدف لإسرائيل ليس ضد محور للمقاومة، وكأنها دخلت المعركة بين السنة والشيعة، انتقاما مما فعله حزب الله في سوريا لوأد الثورة على بشار الأسد، بينما ما جرى خطوة في الشعار الذي صار يرفعه نتنياهو لكسب رضاء المعارضين له، ويحقق لهم اسطورة أرض الميعاد من النيل إلى الفرات. بالضبط كما قال الاستاذ جابر الحرمي في تغريدة له على تويتر موجزها: «الكيان الصهيوني لم يُقدِم على اغتيال حسن نصرالله انتقاما للأبرياء من الشعب السوري الشقيق، أو دفاعا عنهم، ويجب ألا يعمينا ذلك عن المشروع الصهيوني، ففلسطين وغزة هي البداية». ينسى الشامتون أن عشرات الآلاف من السنة، وحتى من المسحيين، قد قتلوا في غزة ولبنان. نتنياهو بتوسيع الإبادة للعرب يحاول أن يخفي إخفاقه في غزة، فرغم كل دمار لم يستسلم أهلها ولا جنودها. وأيّ عاقل يعرف أن نتنياهو لن يقف عند ذلك وسيتسع، ولقد بدأ الغزو البري لجنوب لبنان وأنا أكتب هذا المقال. مجنون يصدق أنه يحقق أرض الميعاد، ويأتي شامتون، مع تقديري لمأساتهم في سوريا التي لا يوافق عليها أيّ عاقل، يشمتون في حسن نصر الله، كأن مقتله لا يواكبه تدمير لبنان. للأسف عشت لأرى زمنا تصبح إسرائيل فيه هي المُخلِص للسنة، ومادامت إيران صامتة، فربما يقفز من يعتبر إسرائيل أيضا، هي المهدي المنتظر، بينما تحقق إسرائيل أسطورتها.
579
| 03 أكتوبر 2024
تابعت في ألم ما فعلته إسرائيل بأجهزة "البيجر" التي انفجرت في حامليها من أعضاء حزب الله في بيروت، فأصابت حوالي ألفين ومات عدد يزيد على العشرة، وبين المصابين خمسمائة حالة خطرة. كانت صدمتي في أن الحرب مع إسرائيل قد أخذت شكلا غير متوقع وهو الوصول إلى حياة الناس عن طريق أجهزة الاتصال الحديثة. أثير كلام كثير حول السبب، وهل الأجهزة من البداية بها مواد متفجرة، أم هي على اتصال بمركز يستطيع الإشارة إليها أن تنفجر. إلى جانبه هل تم الإعداد لذلك مبكرا في الدولة المصدرة التي لم يستقر عليها الرأي، هل هي في آسيا مثل تايوان أم أوروبا مثل المجر. ظلت صدمتي بما حدث باعتباره تطورا غير متوقع في الحروب، خاصة أنه وصل إلى ما يحمله أي شخص قد لا يكون له علاقة بالسياسة أو الحرب، وسألت نفسي هل يمكن أن يحدث هذا في بقية أنواع الأجهزة وما أكثرها. من هو صاحب هذه الفكرة الجهنمية في القتل غير المتوقع للبشر. نعرف جيدا أن هذه الأجهزة مهما ابتعدت عن مصدِّريها تظل مجالا للتجسس على حامليها، فكل أحاديثهم عليها لا تضيع. بل كل المواقع مثل الفيسبوك وتويتر وغيرها عليها كل المعلومات عن مستخدميها، ونحن نعرف ذلك ولا نهتم، لأنه من ناحية لا يمكن الحياة الآن بدونها، ومن ناحية أخرى ليس في حياة الأغلبية من البشر ما يخيف. حتى فكرة أنه على كل بلد أن تصنع أجهزتها حتى تتجنب التجسس لا تصلح رغم أهميتها، لأن كثيرا من الحكومات تتجسس بدورها على المستخدمين. صارت مراقبة المواقع وصفحات السوشيال ميديا مثل مراقبة الصحف، لأنها صارت الصحف التي تصدر بعيدا عن الحكومات. مرة أخرى أقول إن ما أثارني هو تعمد قتل المدنيين بهذه الطريقة. حقا إسرائيل لا تتوقف عن قتل المدنيين في غزة، فهي حتى الآن لا تعرف أين هم العسكريون من كتائب القسام، لكن وصل ما تعتبره جبروتا إلى المدنيين بلا غارات. يحدث هذا والعالم يقف يتفرج ودوله المؤثرة رافعة شعار الديمقراطية لم تحتج. أن تصل الفُرجة بالدول الكبرى في العالم إلى هذه الدرجة من الاستهانة بالمدنيين ليس جديدا منذ بدأت الحرب على غزة، ويؤكده ما حدث ويحدث في لبنان الآن من غارات إسرائيلية. لكن ما حدث تأكيد على أننا في مرحلة جديدة لم يعرفها التاريخ من قبل. على طول التاريخ هناك إمبراطوريات زحفت على غيرها وقتلت شعبها جنودا ومدنيين والعالم غائب عن الأخبار، لكن أن يحدث هذا التطور في القتل على مرأى من العالم، فهي مرحلة جديدة تعجز أقذر الكلمات عن توصيفها. هل يتصور هؤلاء أن التاريخ سينتهي إلى ما يريدون؟ هل انتهت الحرب على غزة باستسلام غزة رغم مضي عام كامل؟ أليس هذا فشلا كاملا لإسرائيل يمكن أن يفسر ما حدث بأجهزة البيجر كنوع من إعلان الحضور بما لا تتوقعون. ورغم ما حدث بعد ذلك من غارات بين إسرائيل وحزب الله فلا يجب أن ننسى السؤال، إلى أين سنصل في هذا العالم ودوله الكبرى تغلق عينيها عما جرى، ولا تعتبره إرهابا وتجاوزا إنسانيا لم تعرفه البشرية، وتصم آذانها كأن شيئا لم يحدث، فلا تتوقف عن دعم الصهاينة ولا توريد السلاح لهم مثلا. هل تنتظر هذه الدول الديمقراطية في بلادها من فضلك، أن تقوم الأحزاب المتنافسة فيها إلى تفجير أعضاء بعضها بما يحملونه من أجهزة اتصال، ولا تكتفي بالتجسسحتىتتعظ؟
2097
| 26 سبتمبر 2024
يوم السبت الماضي الرابع عشر من هذا الشهر سبتمبر وقع حادث تصادم في مصر بين قطارين في منطقة الزقازيق. كالعادة دخلت على السوشيال ميديا لأرى الحادث وتداعياته. رأيت صورا بشعة لمكان الحادث وعرفت أن الضحايا أربعة والجرحى يزيدون عن الأربعين. عرفت كيف أعلنت محافظة الشرقية التي بها مدينة الزقازيق الطوارئ في كل المستشفيات، وكيف أرسلت المحافظة على وجه السرعة خمسا وعشرين سيارة إسعاف إلى مكان الحادث، مما هو جدير بالاحترام والتقدير لمن فعلوا هذا، سواء كان المحافظ أو غيره من المسؤولين. أجل. لم يحدث منهم أي إهمال. مشهد الحادث ذكرني بمسلسل حوادث القطارات أيام الرئيس مبارك. هو مسلسل يطول الحديث فيه أبشعه حادث قطار الصعيد المتجه من القاهرة إلى أسوان بعد منتصف الليل في العشرين من فبراير عام 2002 قرب محطة اسمها العياط في الطريق إلى الجنوب. وكيف اشتعلت النار في عرباته وراح ضحيته 361 شخصا غير الجرحى. معظم الحوادث كانت تتم بالقرب من مدينة العياط حتى طالبت ساخرا في مقال لي أن يغيروا اسمها، فهو يجلب البكاء او العياط بالعامية المصرية. في صباح وقوع ذلك الحادث القديم كنت مسافرا إلى باريس، وبينما أنا جالس في التاكسي الذي يقلني إلى مطار القاهرة أذيع خبر الحادث وأنه لم يقع ضحايا له. وصلت إلى باريس وجلست أمام التلفزيون أتابع الاخبار في محطة أجنبية، فعرفت بالعدد الهائل للضحايا. لم يدهشنى كذب من أذاعوا أنه لا ضحايا للحادث، فلقد تعودنا على الكذب في الإعلام الرسمي. حوادث كثيرة قدمها لنا الإعلام الرسمي على غير حقيقتها التي تظهر فادحة ومؤلمة بعد ساعات. كانت حوادث القطارات تتكرر أكثر من مرة في العام بشكل بشع. من أغربها حادثة خرج فيها القطار عن طريقه وانحرف إلى أحد الأسواق في مدينة دمنهور! لا أنسى يوما كنت أركب القطار عائدا من الإسكندرية إلى القاهرة فسمعت خبطات في الجانب، ورأيت الزلط يرتفع عن الأرض مما جعلني أدرك ان القطار خرج عن القضبان. جذبت ذراع آلة صغيرة ترسل إشارة إلى السائق موجودة على جدار كل عربة وتوقف القطار. كيف لم يشعر السائق قبلي بما جرى؟ ليس مهما. الحقيقة أن كل الحوادث كان وراءها إهمال كبير. توقفت عن ركوب القطارت بعد عام 2012 لأن كل التأخير في حركتها كان يبدو بسبب التجمعات الثورية التي توالت بعد يناير 2011 كما قيل لنا، حتى عرفت بالصدفة أن التعطيل يتم بتعليمات لإلصاق التهمة بثورة يناير. استيقظ كل هذا مع حادثة قطار الزقازيق لكني فوجئت بتصريحات كامل الوزير وزير النقل. ألقى باللوم على من أرسلوا عربات الإسعاف بهذا العدد الكبير فبدا الأمر على غير حقيقته. كان عليه أن يشكرهم لسرعة تصرفهم واستعدادهم. الأغرب أنه قال إن كثيرا ممن دخلوا المستشفيات لم يكونوا ضحايا، غير مدرك أنه بعد حادثة كهذه، فالقلق يأخذ بكل انسان يشعر بأي ألم في جسمه. كان حديث الوزير محاولة تبرير لا معنى لها، ولا أدري كيف لم يفكر أنه لو وقع حادث آخر ستتأخر سيارات الإسعاف حتى لا يتم إحراجه. كما يمكن أن تتوقف المستشفيات عن استقبال الكثيرين للكشف، أو ينتظروا أن يحدد لهم ما يفعلون. لقد صار الاحتشاد لإنقاذ الضحايا خطأ. طبعا هذه لم تكن الحادثة الأولى عبر السنوات العشر السابقة، لكن تصريحات الوزير فتحت باب الأسئلة عما يعلنه دائما من تحديث في حركة القطارات. أسئلة أيقظتها تصريحاته العجيبة .
1032
| 19 سبتمبر 2024
في الثالث من يوليو الماضي تم اختيار وزير الثقافة الجديد الدكتور أحمد فؤاد هنّو، القادم من دنيا الفنون الجميلة أستاذا أو عميدا في بعض الجامعات، والذي هو في سن الخامسة والخمسين تقريبا، لكن يبدو شابا أصغر بكثير، مما أثار الفضول والترقب عند الكثيرين، بعد شبه موات للوزارة لقرابة العامين قبله. أخذني أيضا الفضول رغم محاولتي الابتعاد عن المشاركة في الحديث في هذه الأمور، من كثرة ما كتبت في الأعوام السابقة عما أراه طيبا للوزارة وتقدما لها، ولا أحد استمع. قرأت أكثر من خبر عن أفكار جديدة للوزير في النشر أو غيره، لكنها لم تصل إلى قرارات واضحة يمكن مناقشتها. أفكار يتم طرحها بالصحف باعتبارها منه، ولأني أعرف ما جرى في الصحافة الخبرية أتردد في التعليق باعتبار أن المانشتات أو العناوين الجاذبة كثيرا ما تكون أهم من الخبر. انتظرت شيئا عمليا. عرفت أنه طلب من اتحاد الكتاب المصري لقاء مع بعض المثقفين فرشح الاتحاد له أعضاء مجلس إدارته! أثار هذا شيئا من النقد باعتبار أن مساحة المثقفين أوسع من أعضاء مجلس الإدارة، وكثيرون منهم يكتفون بالإنجاز الفكري أو الأدبي ولا يدخلون عالم العمل النقابي، كما أن بالمجلس الأعلى للثقافة جماعات للفلسفة والقصة والشعر والعلوم الاجتماعية وغيرها يمكن للوزير أن يختار منها، فاعتبرت أن الأصل في الخبر هو رغبته في لقاء أعضاء مجلس إدارة اتحاد الكتاب أنفسهم، ليعرف منهم القضايا السارية بين الكتاب والأحلام والآمال مثلا، وأرحت نفسي. لكن جاء الخبر اليقين الذي لا يمكن الاختلاف عليه، وهو الاحتفاء بالفائزين بجوائز الدولة الثلاث. جائزة النيل والجائزة التقديرية وجائزة التفوق عبر السنوات 2019 – 2024 في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. كان هو الخبر اليقين لأني كنت واحدا من المدعوين يوم التاسع من شهر أغسطس، باعتباري فائزا بجائزة النيل في الآداب عام 2022، ومن ثم رأيت ذلك بنفسي. ذهبت لا لأقول شيئا، ففي مثل هذه الاحتفالات لا مجال للحديث، لكن لأرى عددا كبيرا من الأصدقاء ورفاق الرحلة باعدت بيننا الأيام. كان الحفل لتكريم الجميع بشهادة بسيطة لا لتوزيع الجوائز عليهم، فالجوائز تم تسليمها من قبل بلا احتفالات في الأعوام السابقة، لكن من المجلس الأعلى للثقافة. هذا على الأقل منذ خمسة أعوام. فرصة أن أرى كثيرا جدا من الأصدقاء كانت هي حافزي الأكبر، وفرصة أن أرى وزيرا يفعل ذلك مع عدد كبير جدا لا يقل عن مائة فائز في كل أفرع الجوائز وهو أمر مرهق. كان اللقاء جميلا بلقائي بالعديد من الأصدقاء ومدهشا بسلوك الوزير الرائع في الاحتفاء والنزول أحيانا من فوق المنصة للفائز العاجز عن الحركة أو مساعدة غير القادر على صعود السلالم القليلة التي لا تزيد على سبع درجات، ومعه رئيس المجلس الأعلى للثقافة الدكتور أسامة طلعت، أو في كلمة كل منهما الرائعة عن الثقافة والمثقفين. فكرت في سنوات سابقة كانت الجوائز توزع كالأسرار وسألت نفسي هل يريد الوزير بذلك التقرب من المثقفين؟. بالطبع هذا وارد، لكن لابد أنه يعرف أن من تم تكريمهم سيعودون، أو سيعود الكثيرون منهم إلى المشهد ويتابعون إنجازاته ويكون لهم فيها رأي، ولن يتوقفوا عند التكريم ويعتبروه آخر العالم، ومن ثم من الجميل أن يتبع ذلك لقاءات خاصة مع البعض. قضايا الثقافة كثيرة ومتراكمة بعضها صار مثل الحفر، وكثير منها آمال ضائعة، وتحتاج تشاورا عميقا والأمر لا يحتاج منه إلا الإرادة.
738
| 12 سبتمبر 2024
بعد شهر يكون قد مضى عام على عملية طوفان الأقصى التي تمت في السابع من أكتوبر العام الماضي. والسؤال هل حققت الصهيوينة هدفها من الرد على طوفان الأقصى. أي حرب بين الدول تستمر لعام كامل في مكان محدود ولا تنتهي لنتيجة، فهذا أوضح دليل على الفشل. كم ألفا استشهدوا في غزة من الأطفال والرجال والنساء؟ أكثر من أربعين ألفا. كم جريحا في غزة؟ ما يقترب من مائة ألف. كم بيتا تهدم وكم مستشفى وكم منطقة لجوء. آلاف. كم من الأسلحة استخدمتها إسرائيل وما هي أنواعها. آلاف من الصواريخ وهجوم الطائرات والطائرات المسيرة وغيرها، واستيراد الأسلحة لا ينقطع من دول مثل الولايات المتحدة. ما هو السر في هذا الفشل؟ صمود أهل غزة وحماس وكتائب القسام. إسرائيل قامت على أسطورة أرض الميعاد فلماذا ننسى أسطورة الإمبراطور هيرودس الأول الذي أمر بقتل كل الأطفال في بيت لحم تحاشيا لظهور المسيح، فجاء المسيح من مريم العذراء وهربت به إلى مصر. الأسطورة تتكرر لأن معناها عابر للزمن. إذا كانت لدى الصهاينة أساطير فلدينا. فالأطفال قادمون رغم عشرات الآلاف من الشهداء منهم بيد الصهاينة. هذه ليست أرض الميعاد التي اختلقها الصهاينة في سبيهم البابلي، لكنها ارض الميعاد مع الحق. والحق هو أن الفلسطينيين هم السكان الأصليون. نتنياهو الذي يحكم بصيغة الديكتاتور يعيش في الوهم لأن السؤال البسيط جدا ماذا كسب غير دمار يمكن إعادته، وقتل شهداء سيأتي غيرهم بالملايين مع الزمن. نتنياهو يعرف أنه في اليوم الذي سيتوقف فيه عن الحرب لأي سبب ستبدأ محاكمته في دولته العابرة رغم ما يبدو عليها من استقرار. إنه استقرار الوهم. نتنياهو ومن يناصرونه يحفرون نهاية اسرائيل التي كانت تبدو بعيدة، والتي نرى أبسط ملامحها في هجرة مئات الآلاف من الصهاينة من إسرائيل، فضلا عن المظاهرات ضده، لأن ما يفعله حتى الآن لم ينتهِ بالإفراج عما بقي من الأسرى لدى كتائب القسام. لا يستطيعون الوصول إلى اتفاق لأنه يخاتل لتستمر الإبادة الجماعية. لا يستطيعون الوصول إلى يحيى السنوار قائد حماس الآن، ويندمون أنهم أفرجوا عنه يوما. الأسرى من الصهاينة الآن صاروا في مقدمة مشهد ضحايا الغارات الإسرائيلية. مواقع تبحث اسرائيل عنها وتهاجمها ولا تعرف أين أسراها. يتهمون حماس كأنها التى شنت الغارة أو الهجوم. أي عاقل ينظر إلى ما تستمر الصهيونية في ارتكابه من إبادة جماعية سيسأل أين غاب العقل. وكيف مضى العام دون نتيجة غير خراب يمكن إعادته، وبشر سيولدون ومعهم الذاكرة لن تنسى. يتوسع نتنياهو ويهاجم بجيشه الأجير الضفة الغربية وبعض مستوطناتها ليقول أنا هنا. يذكرني بفيلم شيء من الخوف حين كان الفنان أحمد توفيق يهتف: « أنا عتريس. أنا بلوة مسيحة. انتم ما بتخافوش مني ليه» بعد أن أصابه الجنون. لكن يبدو نتنياهو ممثلا فاشلا يريد أن يظل يلعب دورا عبثيا، كأن المجتمع الإسرائيلي سينتظر ذلك كله، وكأن العالم لن تتغير فيه مواقف بعض الدول، ناهيك عن المظاهرات التي بدأت تعود إلى العالم مع بدء الدراسة في الجامعات الأوروبية والأمريكية، ونشاهدها كل يوم على السوشيال ميديا التي لا تخفي شيئا، رغم ما تنفقه إسرائيل علي بعض المواقع مثل الفيسبوك وانستجرام وغيرها، من أموال لترويج الأكاذيب وإخفاء الحقائق. نتنياهو في أزمة نفسية رغم ما يفعله، وما يفعله هو إصرار الفاشل على الفشل. مجنون يقود إسرائيل إلى نهايتها مهما تأخرت.
888
| 05 سبتمبر 2024
كل يوم نسمع عن حلول للأزمة الاقتصادية وآخرها بيع أصول الدولة، هذا البيع ليس جديدا، فمنذ منتصف السبعينيات حين بدأ الرئيس السادات ما أسماه بالانفتاح الاقتصادي، بدأ بيع شركات ومصانع الدولة وما بقي منها قليل جدا، حتى أن النظر ذهب إلى المباني القديمة التي بدأ التفكير في بيعها أيضا فضلا عن الشواطئ. كذلك ظهر التعليم الخاص والجامعات الخاصة والمستشفيات الخاصة. ومن ثم تقفز الأسئلة مثل، هل فتْح الباب للتعليم الخاص كان لابد أن يواكبه إهمال التعليم العام الذي كان يوما مجانيا للشعب. والأمر نفسه في المستشفيات العامة التي يعاني الكثير منها من الإهمال ونسمع أنه بدأ التفكير في بيعها. هل أتت سياسة وجود صناديق يسمونها سيادية بها تقريبا ما يعادل نصف ميزانية الدولة الرسمية بفائدة ما على الشعب. صناديق من اسمها باعتبارها سيادية لا تخضع للنقاش ولا للرقابة كما تخضع ميزانية الدولة الرسمية. استطاعت الدولة المصرية حماية سلطتها بعد عام 2013 بقانونين هما قانون التظاهر وقانون الحبس الاحتياطي. تم تحريم المظاهرات، وتم زيادة مدة الحبس الاحتياطي إلى عامين يتم خلالهما التجديد في كل مرة يعرض على المحكمة، ثم بعد انتهاء العامين تتم إعادة تدوير المتهم في قضية جديدة لا تختلف عن القديمة، فمحورها الاتصال بجماعة إرهابية وهو موجود في السجن لدى السلطات الحاكمة! طبعا هناك من يتم الإفراج عنهم بين حين وآخر، لكن كل الإحصائيات تقول إن من يتم القبض عليهم عددهم يفوق كثيرا جدا من يتم الإفراج عنهم. أكثر من يتم حبسهم احتياطيا هم من كتاب الرأي مثل المهندس يحيى حسين عبد الهادي والكاتب محمد سعد خطاب وفنان الكاريكاتير أشرف عمر والأسماء كثيرة، وأخيرا تم القبض على عدد من العمال في مصنع وبريات في مدينة سمنود لأنهم اعتصموا في مكان عملهم يطالبون بتحقيق الحد الأدنى للرواتب الذي قرره رئيس الجمهورية نفسه من قبل، ومن قبلهم عدد من الشباب رفعوا لافتات تأييد لفلسطين، وكل ذلك وغيره تحت شعار تنفيذ قانون التظاهر الذي يمنعها تماما. أخيرا قرأنا أن رئيس الجمهورية أمر بتحويل مقترح جماعة الحوار الوطني بإعادة النظر في قانون الحبس الاحتياطي إلى مجلس الشعب، ليكون متسقا مع الدستور ويؤكد حقوق المعتقل. بالمناسبة لعشر سنوات الآن نقرأ أنه لا يوجد معتقلون في مصر، فالاعتقال مصطلح قديم يتم فيه القبض على الضحية دون قانون، أما قانون الحبس الاحتياطي فهو ينفي كلمة الاعتقال، فما يحدث يتم وفقا لقانون رسمي!. الأصل في العامين أن تتم مناقشة القضية والحكم فيها خلالهما وليس مرورهما دون حكم. كان الأمر قديما عدة أشهر يتم فيها الحكم ولا يتم تدوير المتهم، لكن اختيار عامين كان حتى يلتقط النظام الحاكم أنفاسه بعيدا عن أي معارضة، فعامان ليسا بالأمر القليل. كان القانونان، التظاهر والحبس المفتوح، من أهم الأعمال لتفريغ ثورة يناير من قوتها، وقد حدث. هل سيكون في القانون الجديد إن تم تعديله، ما يجعل القضاء يحكم ولا ينتظر نهاية العامين أو المدة الجديدة إذا حدثت. دون ذلك لا معنى لأي تغيير. على أيّ حال أعود إلى مثال واحد مما وصلنا إليه وهي أنه بعد عشر سنوات صارت البلاد تقترض من البنك الدولي لتدفع له فوائد تأخرها في تسديد الدين وليس الدين نفسه. ألا يعني هذا أنه آن الأوان بالاعتراف بأن كل ما مضى كان خطأ ولابد من طريق آخر معاكس لهذا الطريق تماما؟.
1017
| 29 أغسطس 2024
الصدفة جعلتني أشاهد في التلفزيون فيلمين تم فيهما ذكر المليون جنيه كآخر ما يطمح إليه الفرد. الفيلم الأول وهو فيلم «مليون جنيه» تمثيل نعيمة عاكف وكوكبة رائعة من الممثلين. محبتي لنعيمة عاكف تجعلني أجلس أمامها حتى الآن إذا عرفت بعرض فيلم لها. الفيلم كوميدي من إخراج زوجها حسين فوزي عام 1953 يترك فيه كبير العائلة مليون جنيه للورثة على تعددهم. غيرت المليون جنيه حياة الورثة ودراما وكوميديا ليس مجالها هنا، لكن ما فعله المليون جنيه بعد توزيعها عليهم جعلهم أغنياء يصرفون ببذخ وحفلات وغير ذلك. بعد يومين وبالصدفة أيضا رأيت فيلم «اللص» لفاروق الفيشاوي ونجلاء فتحي الذي أخرجه سعد عرفة عام 1990. الصراع على المليون جنيه وكيف فاز بها اللص فاروق الفيشاوي، وماذا فعل بها من بذخ على العشرات من الناس والعائلات. الفارق أربعون سنة تقريبا بين الفيلمين. تذكرت حال المليون جنيه الآن في مصر. صارت الشقة في حي شعبي تصل إلى خمسة ملايين. وفي الإسكان الاقتصادي للدولة تتجاوز المليونين. أما في الكامباوندات فتصل إلى عشرة ملايين، وكما افتخر رئيس الوزراء ففي مدينة العلمين الجديدة يصل سعر الشقة التي مساحتها تسعون مترا إلى ثلاثة عشر مليون جنيه، وهو كما قال سعر مناسب جدا للطبقة المتوسطة. عن أي طبقة متوسطة يتحدث رئيس الوزراء؟ لا أحد يعرف. شهدت الطبقة الوسطى والفقيرة خروجا كبيرا من مصر في منتصف السبعينات إلى دول الخليج العربي، وعادت لتشتري الشقق التي لا يزيد سعرها في الثمانينات عن خمسة عشر ألف جنيه. ارتفعت الأسعار شيئا فشيا لكنها حتى عام 2013 لم يكن الميلون جنيه ضمن حسابات أسعار الشقق إلا نادرا. انهيار سعر الجنيه أدى إلى ارتفاع أسعار مواد البناء حقا، لكن ليس لكي يحدث هذا الجنون. وكما تفعل الحكومة يفعل القطاع الخاص. لم لا؟ صارت أسعار الشقق لا يحكمها أي منطق، وفي كل يوم نسمع عن شاليهات في الساحل الشمالي مثلا يصل سعرها إلى سبعين مليون جنيه تباع في دقائق. هذا البيع في دقائق يجعل الحكومة تتصور أن الشعب قادر، ولا تسأل نفسها عن مرتبات العاملين وهل يمكن أن تساعد في ذلك. حتى السفر إلى الخليج لم يعد بكثافة الماضي ولا يصل إلى خمسة بالمائة منه. لو سألت الدولة نفسها ستعرف أن هذه الأموال إما أجنبية لأشقاء عرب أو لمصريين لا تتجاوز نسبتهم خمسة عشرة بالمائة من الشعب. فيلم نعيمة عاكف أضحكني وفيلم فاروق الفيشاوي حرك في السؤال عن الجنيه الذي انخفض إلى درجة أنه لم يعد موجودا. تذكرت المشروعات الأيقونية كما يُقال التي تقوم بها الدولة في مدن جديدة مثل العاصمة الإدارية، وآخرها مشروع بناء برج أيقوني جديد كما ذكر الدكتور محمد أبو الغار على صفحته في الفيسبوك نقلا عن مجلة النيوز ويك، بتكلفة بليون دولار- أي مليار- يرتفع إلى خمسين طابقا. العاصمة التي تم بناء أيقونات فيها مثل البرج الأيقوني المعادل لبرج دبي والجامع الأيقوني والكنيسة الأيقونية وغير ذلك ولا تزال خالية إلا من موظفين يذهبون إلى أعمالهم ويعودون. ما جرى للجنيه المصري قصة قد أكتبها أتخيله فيها يجلس بالليل وحده في الميادين يبكي وكلما سأله أحد لماذا تبكي يا حاج؟ يقول بهدلتوني وقللتم قيمتي بين العملات الأجنبية ببناء الكباري والمدن الخالية، وبعتم المصانع، وصار الشحاذ إذا أعطيته جنيها يلقيه في وجهك، أنا الذي كنت يوما أساوي ثلاثة دولارات يا مصريين!.
1002
| 22 أغسطس 2024
لا أحد في مصر شاهد فيلم «الملحد» ورغم ذلك فالسوشيال ميديا امتلأت بالانتقادات والشتائم له ولصناعه، وكان من أثرها منع عرض الفيلم الذي كان مقررا في منتصف هذا الشهر بعد أن تم تأجيل العرض عدة أشهر. لا أحد يعرف السبب الحقيقي لمنع العرض، ومن يعرفون السبب لا يقولونه صراحة، وأقصد بهم صناع الفيلم نفسه. ربما لديهم أمل أن تعود الأمور إلى نصابها ويتم عرض الفيلم. سبب المنع لن يكون الرقابة على المصنفات الفنية لأنها وافقت، ولا بد كان لها ملاحظات على السيناريو والتنفيذ التزم بها صناع الفيلم. نحن هنا في قلب مغالطة عجيبة تسببت فيها السوشيال ميديا. لا أحد ينكر قوة تأثيرها على صناع القرار، لكن أن يكون القرار استجابة لنقد أو انتقاد لشيء لم يره أحد، فهو أمر عجيب. أنا لا أعرف ما الذي لا يعجب من انتقدوا الفيلم وصناعه، ما داموا لم يروا الفيلم. هي ضجة بحثا عن انتصار على شيء وهمي، فمنع فيلم أو الموافقة حتى عليه لن يعدل حال البلاد. والأهم الذي يتغافل عنه كل من دعوا لمنع الفيلم، هو أن الرقابة على الأفلام والمسلسلات لا توافق أبدا على فيلم فيه انتقاد للنظام السياسي، فهل ستوافق على فيلم يمجد الإلحاد مثلا. أبسط تفكير في أحوال الرقابة على الأفلام قبل وبعد تنفيذها، يجعلنا نقول إنه وهو يناقش أزمة الإلحاد لن توافق الرقابة عليه إلا إذا ظهر الملحد طائشا أو غبيا غير مدرك معنى ما يدعي، ولابد سينهزم ممن حوله من أسرته أو أصدقائه. قالت بعض الصحف والمواقع إن مخرج الفيلم الشاب محمد العدل، كتب «بوست» على صفحته قال فيه إن المنع ليس حلا، وهذا حقيقي. لأن المنع هنا جاء بعد الموافقة والإعلان عن موعد العرض. فضلا عن أنه - تاريخيا- منع أي كتاب أو فيلم أو لوحة فنية ليس حلا طبعا لتقدم المجتمع، فما أكثر الكتب التي تم حرقها في التاريخ، وما أكثر الكتّاب الذين عرفتهم السجون أو تم قتلهم، لكنهم عاشوا أكثر من قاتليهم، وعاشت كتبهم. أضف إلى ذلك أن المنع هنا مضحك لأنه استجابة لانتقادات على السوشيال ميديا لفيلم لم يشاهده من انتقده كما قلت. ربما رأى البعض أن مناقشة قضية الإلحاد في فيلم أمر سيئ. لكن ما الرأي في البرامج التي تتحدث كثيرا عن الملحدين كأنهم في مصر ظاهرة حقيقية. أجل. في الإعلام أحاديث كثيرة عن الملحدين الذين لا يذكرهم أحد ولا ينتبه إليهم، فيكون للإعلام الذي يتصور أنه يدافع عن الدين، دور في إظهار القضية التى في رأيي تحتاج دراسات فلسفية صعبة لا أحاديث تليفزيونية، وأنا على يقين إيماني بأن الملحدين ينتهي أكثرهم نهايات بشعة، لأنهم لا يفكرون في سند من الله في أوقات محنتهم، ولا يجدون حتى مساندة نفسيه بعبارة مثل «حسبي الله ونعم الوكيل». تاريخ الملحدين يقول لنا ذلك. كثيرون منهم انتحروا حين أحسوا بعجزهم عن التوافق مع العالم، لذلك لا أقف كثيرا عند هذه القضية، لأني أعرف أنها قضية فلسفية صعبة، وليست كلمات على السوشيال ميديا، ولا صرخات في البرامج الإعلامية. هل سيعتبر معارضو الفيلم حديثي موافقة عليه؟ أرجو ألا ينسوا أن من وافق عليه هي الرقابة على المصنفات الفنية. وكما قلت لن توافق أبدا على انتصار الملحد، ولا شيوع أفكاره، فلماذا كل هذا الضجيج؟ ألا يدرك الغاضبون أن الفيلم هكذا ستعرفه مواقع السوشيال ميديا قريبا وسيكون الأكثر مشاهدة؟.
1098
| 15 أغسطس 2024
بالصدفة انتهيت قبل أن أكتب هذا المقال من مراجعة كتاب لي قيد النشر، يجمع عددا من مقالاتي ودراساتي. منذ أربع سنوات حين داهمني المرض وقطعت رحلة طويلة مع العلاج، فكرت أن أجمع مقالاتي في كتب حتى لا تضيع إذا شاء الله ورحلت عن الدنيا، وبالطبع لن تجد من يستطيع أن يجمعها كلها. رغم ذلك اخترت القليل حتى الآن فالرحلة طويلة. فضلا عن أني لا أتوقف عن القراءة، ومن ثم أنشغل بكتب للآخرين من الكتاب. بالطبع لا أستطيع أن أتابع كل ما يصدر من كتب عظيمة، لكني بقدر ما أستطيع أقرأ ما أصل إليه منها. في كل مرة أجمع بعض مقالاتي لا أفكر فيما كتبته أنا من قضايا وموضوعات في الأدب أو الفلسفة أو السياسة أو الفنون، لكن أنشغل بالأسماء التي كتبت عنها، وأتساءل كيف لوطن عامر بهذه الأسماء يعاني من كبوات ثقافية واجتماعية وسياسية لا يبدو في الأفق أن هناك حلولا لها. أتوقف عند الأسماء التي قرأت أعمالها ويعاودني السؤال، كيف لا يكون بينهم من له الرأي عند النظام الحاكم. لماذا يغلق الدائرة على الوزراء حتى لو تغيروا في الحكم منذ عام 2014 الذي ارتفعت فيه الشعارات عن مستقبل رائع ثم انتهى الأمر بما حولنا من أزمات. ليس في الاقتصاد فقط لكن في فنون كالسينما مثلا صار إنتاجنا خمسة عشر فيلما معظمها يدور حول العصابات وتعدد الزوجات، بينما كنا يوما ننتج سبعين وثمانين فيلما، وكانت مصر تسمى هوليود الشرق. لقد حققت السينما تقاربا بين الشعوب العربية والمصريين أكثر مما حققته السياسة، التي رفعت لواء القومية العربية، بينما ثار الخلاف كبيرا بين مصر وغيرها من الدول العربية. كيف كانت الكتب رخيصة الثمن يستطيع من يشاء أن يشتريها دون تكلفة ترهقه. حتى في قلب نظام مبارك رغم الأزمات السياسية في الحكم، كان هناك مشروع القراءة للجميع يطبع من الكتاب ما بين عشرين وثلاثين ألف نسخة لا يزيد سعر النسخة التي تتجاوز صفحاتها أربعمائة صفحة عن ثلاثة جنيهات، وما هو أقل في عدد الصفحات كان سعر النسخة لا يتجاوز جنيها ونصفا. كانت وزارات كالتربية والتعليم والتعليم العالي والشباب تساهم في دعم طباعة الكتب، وتقتني عددا كبيرا منها تضعه في مكتباتها. الآن صارت وزارة الثقافة وحدها هي من تطبع ولا دعم من وزارات أخرى، ومن ثم لا تتجاوز نسخ الكتاب في المشروع نفسه الثلاثة آلاف نسخة وطبعا بسعر أعلى مما سبق. أما الكتب خارج هذا المشروع، فحَدِّث ولا حرج عن الأسعار التي تصل أحيانا إلى خمسمائة جنيه بسبب انهيار العملة المصرية أمام الدولار، والورق وأدوات الطباعة في أغلبها مستورد. كيف لا يعود تعاون الوزارات من جديد. هل لابد من رعاية شخصية كبيرة في الحكم، وهل بدونهم لا توجد ثقافة؟ أشياء كثيرة يمكن أن أقولها لكن أعود إلى الأسماء العظيمة التي أقرأ لها وكيف يستطيعون إيجاد ألف حل لكل مشكلة في أيّ مجال لكن لا أحد يهتم، وتظل دائرة الحكم ومستشاريه ضيقة يبررون فشل إنجازهم بتقصير الشعب نفسه كأنه هو الحاكم. وهكذا يعود السؤال الذي يرهقني مع كل كتاب أقوم بإعداده للنشر، وأقرأ فيه ما كتبته عن غيري وكتاباتهم، هو لماذا تكتب وكل هذه الإنجازات الفكرية وأصحابها لا يعرفها الحكام ومستشاروهم؟ لماذا لا يدركون أن هناك طرقا أخرى غير ما أغرقوا فيها البلد. أحاول أن أتمسك بالأمل. لكن السؤال يقف أمامي معلقا في فضاء الغرفة.
894
| 08 أغسطس 2024
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6429
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6390
| 24 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3840
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2946
| 23 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2859
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1854
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1650
| 26 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1575
| 21 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
996
| 21 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
987
| 21 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
987
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
984
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية