رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين رسم الإنسان القديم على حوائط الكهوف رسوما لحيوانات شرسة لم يكن ذلك لحبه لها، لكن كان اتقاء لشرها، ومن هنا جاء السحر، فالساحر يقول دائما أحضروا لي شيئا من أثره، يقصد الذي سيسحره. وسواء آمنا بالسحر أم لا فهذه ظاهرة بين البشر وإن قلّت فلم تعد المجتمعات كلها بدائية. على الجانب الآخر جاء الفن معبرا عن آمال الناس في عالم أفضل. قبل الأديان السماوية أدرك قدماء المصريين أن هناك يوما للحساب فصنعوا المسلات التي تنتهي إلى السماء دلالة على رحلة الصعود، وكذلك كانت الأهرامات. الأمر نفسه حدث في أوروبا. فبلاد مثل اليونان أو إيطاليا أو غيرهما بها في المعابد القديمة رسوم وتماثيل، من حكايات ابتدعها الإنسان عن الآلهة التي لم تخل في مخيلتهم من الصراع بينها أيضا، تماما كما راج عن صراع بين أوزوريس وسِت في مصر مثلا. الأساطير القديمة كلها من صنع الإنسان في محاولة منه للتواؤم مع هذا العالم الواسع غير محدد البدايات والنهايات، فضلا عن مشكلة العدل الذي لم يكن دائما يتحقق كاملا، فوجد الإنسان في يوم الحساب غاية تريحه من ظلم الدنيا، وحين ترسخ يوم الحساب بنزول الديانات السماوية صار المؤمن إذا ضاقت به الأرض من الظلم يقول "حسبي الله ونعم الوكيل " ويجد في ذلك راحة، فمهما بلغ الطاغية من القوة فهناك يوم للحساب. بعيدا عن الفن كان الشعر، وبه جاءت القصص القديمة كلها والملاحم. لم يكن فن الرواية قد استقر أو ظهر بعد. كان الشعر وكان المسرح شعرا وكانت الملاحم إنتاجا شعريا أكثر مما هي نثرية. هذه الفنون كلها بعثت على راحة الإنسان وحين شاعت جعلت من يراها أو يقرأها إنسانا سويا، ولم تكن يوما وراء الثورات في العالم. الثورات كلها حدثت نتيجة تغير المجتمعات. فالثورة الفرنسية جاءت رد فعل للعصر الإقطاعي، والثورة الشيوعية جاءت رد فعل للنظام الرأسمالي وهكذا. هذه الثورات وغيرها عبر التاريخ، فهم من تملكوا الحكم بعدها الفنون والشعر والرواية والمسرح بالخطأ، فهما سياسيا، واعتبروها سبب الثورات تجاهلا للسبب الرئيسي وهو الظلم الاجتماعي وعدم المساواة. كثير من النُظم بعد الثورات أحرقت الكتب. حتى في العصر الإقطاعي في أوروبا أحرقوا كتبا للفلاسفة، وبعد أن سقطت الأندلس أحرق من طردوا العرب كتبا كثيرة، وفي العصر الحديث أحرق هتلر آلاف الكتب وهجر ألمانيا كثير من الكتّاب والسينمائيين والروائيين. الأمر نفسه حدث في إيطاليا الفاشية وفى الاتحاد السوفييتي الشيوعي، لكن انتهت هذه البلاد إلى الانهيار كما حدث في ألمانيا وإيطاليا مع الحرب العالمية الثانية، والاتحاد السوفييتي تفكك بدءا من التسعينيات لأسباب منها حرب أفغانستان التي كانت بلا جدوى، ومنها أن مميزات الحياة كانت تذهب لأعضاء الحزب أو قياداته، لا للشعب على الإجمال. حدث في الصين في الستينيات ما سُمي بالثورة الثقافية من قبِل الزعيم ماوتسي تونج ضد ما أسموه بقايا البورجوازية، لكن الصين الآن نصف نشاطها الاقتصادي في يد الدولة والنصف الآخر في يد القطاع الخاص، وهذا التطور أحد أسباب نجاحها. لماذا أقول هذا الكلام الآن؟ للتأكيد على أنه لا معنى للخوف من الفنون والآداب فهي لا تغير العالم. هي تصنع إنسانا سويّا، والإنسان السوي هو الأصل في تطور المجتمعات. كذلك لأنه في مصر حدثت هجمة كبيرة على ديوان شعر لناشط سياسي هو أحمد دومة، ولم يتركوا الفرصة حتى لنقاد الأدب، وتجاهلوا درس التاريخ، أن الكتب الممنوعة تبقى وتنتشر أكثر ويذهب من منعها.
1287
| 01 أغسطس 2024
منذ يومين كان الثالث والعشرون من يوليو وهو عيد الثورة كما تعودنا، أو كما تعود جيلي ممن عاشوا تلك الأيام. يرتفع في الفضاء العام التي صارت تتيحه السوشيال ميديا سؤال هل كانت ثورة حقا أم كانت انقلابا عسكريا. كنت طفلا حين قامت الحركة المباركة أو الثورة ولم أعرف منها إلا ما رأيته ولم يكن سيئا، ثم جاء ما عرفته شابا بعد هزيمة 1967 وكان مرعبا. دخلت المدرسة في سبتمبر عام 1952 نفسه وكانت المدارس الحكومية هي المنتشرة، ولم تكن هناك مدارس خاصة إلا ما ندر. كانت المدارس مراكز ثقافية أكثر منها تعليمية وبها جماعات للفن والموسيقي والرياضة والأدب والرحلات وغير ذلك، ولم يكن هذا من صنع يوليو، لكن من تراث الفترة الملكية. حضرت العدوان الثلاثي على مصر بسبب تأميم قناة السويس ورأيت البلاد كلها محتشدة وراء قرار عبد الناصر في التأميم. أقول البلاد كلها وليس المصريين فقط، بل كذلك الجاليات الأجنبية التي كانت في مصر، حتى إن اليونانيين في الإسكندرية مثلا شكلوا فريقا منهم للذهاب إلى بورسعيد للمقاومة. كنا نعيش بين الإذاعة المصرية الموجهة وبين صحف ثلاث هي الأخبار والأهرام والجمهورية وأضيفت إليها جريدة المساء، ولا شيء يصل إلى مصر من الخارج، وكل الإذاعات الأجنبية عليها تشويش لا يصل إليها أحد إلا بصعوبة كبيرة. رأيت مع بداية الستينيات المصانع الجديدة تتم إقامتها والمدارس والمستشفيات وكانت الخطة الخمسية الأولى لبناء ألف مصنع حقيقية، وكنت سببا خفيا لجر مصر إلى الحرب والهزيمة عام 1967. كانت المصانع والمدارس والمستشفيات تكفي الأغلبية أن لا يتحدثوا في السياسة ويبدون في رضا تام عن سياسة النظام. تغير الحال بعد الهزيمة وصار يتم تهريب صحف وكتب من الخارج وعرف جيلي الشاب ذلك الوقت لأول مرة كيف كانت المعتقلات في مصر قائمة بشكل بشع للمخالفين في الرأي من أهل اليسار أو اليمين. عرفنا أن المشكلة الكبرى هي أن حركة يوليو وهي تقدم المشروعات والتعليم والصحة كانت نظاما شموليا ديكتاتوريا يقوم على فكر الزعيم الأوحد. حين جاء السادات كانت بداية الضربة القوية لإنجازات يوليو نفسها، فهو بطريقة الزعيم الأوحد راح بشكل مضاد يمسح كل الانجازات السابقة. استمر الأمر ولم يبق من يوليو غير فكرة الزعيم الأوحد. أدركت مثلا أن الجاليات الأجنبية التي تم إخراجها من مصر بحجة تمصير الاقتصاد مرة، ثم التأميم مرة أخرى، لم يكن وراءها فكر اقتصادي، لكن رغبة الزعيم أن لا يكون هناك فكر آخر غير فكره. أن المظاهرات التي كانت تخرج تأييدا للزعيم من المصانع كانت مدفوعة الأجر للعمال مقدما وبدا ذلك عام 1954 ضد من كانوا من رجال الثورة أنفسهم يريدون عودة الجيش إلى ثكناته بعيدا عن السياسة مثل محمد نجيب وخالد محيي الدين وعودة الأحزاب من جديد. جاءت المعلومات من كل الدنيا لجيلي بعد هزيمة 1967 وهو أن ذلك الزمن كان عصر الانقلابات الذي بدأ مع حسني الزعيم في سوريا عام 1949 وتتالى بعد يوليو في بلاد مثل العراق واليمن وليبيا والسودان، وأن أكبر كارثة وقعت بمصر هي إيقاف طريق الليبرالية الصاعد بعد ثورة 1919. ما فعله السادات من إعادة الأحزاب واستمر حتى الآن هو أشكال صورية، فلا أحد يستطيع الخروج عن مركزية الدولة، ومن ثم فالجدل حول يوليو هل كانت ثورة أم انقلابا ينتهي بأنها كانت انقلابا بدليل أن كل انجازاتها في الصناعة مثلا انتهت بفكرة الزعيم الأوحد نفسها!
786
| 25 يوليو 2024
تاريخ الفلسفة هو تاريخ فهم العالم. الفيزيقي، أو الطبيعي، الذي نعيشه، والميتافيزيقي الذي لا نراه أو «ما وراء الطبيعة». لم يكن الفلاسفة وهم يفكرون مجبرين، لكن كانوا يضعون أسسا للتفكير الإنساني اختلفت بينهم، ويطول فيها الكلام. هكذا صارت الفلسفة عونا لكل الباحثين في شتى المجالات، وعونا في طرق الحكم، ولكل المبدعين أيضا في الفنون بكل تجلياتها البصرية أو اللغوية. لم تكن الفلسفة بعيدة عن فهم الاقتصاد وكيف يمكن تفعيل الأفكار المختلفة لبناء الحياة. أخذ الاقتصاد أشكالا عبر التاريخ ووجد من يقدم التبرير الفلسفي لها، سواء في عصور الاستعباد أو العصور الإقطاعية أو الرأسمالية أو الشيوعية أو الرأسمالية الجديدة بأشكالها المتوحشة. مشكلة الحكم في مصر الآن أنك لا تستطيع أن تضعه بين أي من أشكال الاقتصاد. في الفترة ما قبل 1952 كانت الرأسمالية تحت شعار النهضة والحرية تبني نفسها، فالمجتمع الأهلي هو الذي أقام المصانع والمدارس والمستشفيات والجامعات والسينما والمسرح والمجلات الأدبية والثقافية رغم أي عيوب يمكن ترديدها، فلا يوجد نظام كامل وإلا توقفت البشرية، فسعي البشرية دائما هو البحث عن الأفضل. بعد انقلاب يوليو صار الشعار هو الإشتراكية، فأممت الحكومة كل الإنجازات السابقة وصارت دولة مركزية. قلت مساحة الحرية وانفتحت المعتقلات، في نفس الوقت الذي أقامت فيه الدولة المركزية أكثر من ألف مصنع جديد ومدارس ومستشفيات كثيرة. كانت هناك فلسفة رغم عيوبها ظهرت بشكلها المقنع لمن لم ينشغل بالسياسة أيام عبد الناصر إذ رأى المصانع والمدارس والمستشفيات يتم بناؤها، وغطى شعار الاشتراكية على مركزية الدولة. مع السبعينيات وسياسة الرئيس السادات عاد الحديث عن الحرية وتشجيع القطاع الخاص ولا أحد ضد ذلك، لكن الذي حدث أن الدولة المركزية ظلت تمسك في يدها كل شيئ وبدأت مرحلة معاكسة وهي بيع المصانع، ولا يعني تشجيع القطاع الخاص أبدا بيع المصانع لأن من اشتروها في الأغلب هدموها وتحولت إلى بنايات وعمارات وهي الثقافة الأسرع ربحا. ظل النظام مركزيا من ناحية ومشجعا للقطاع الخاص بشكل صوري فلم يكن للتشجيع معنى إلا بيع أصول الدولة من المصانع. استمر الأمر سنوات مبارك وزاد الأمر سوءا أن المركزية الجديدة وهي تبيع المصانع فتحت الطريق واسعا للمستشفيات والمدارس والجامعات الخاصة فتدهور التعليم والعلاج العام وتراجعت أحوال البلاد أكثر. كان الحديث عن تشجيع القطاع الخاص هو الفلسفة في النظام الاقتصادي رغم أنها فلسفة خادعة. هذا لا يزال في مصر حتى الآن، بيع ما تبقى من المصانع مستمر، ووصل إلى الشواطئ وإلى المباني القديمة ذات الطراز الأوربي التي تم تأميمها في الستينيات وصارت ملكا للدولة. لم نعد نسمع كلمة تشجيع القطاع الخاص التي كانت مبررا للبيع من قبل، لكن صرنا نسمع عبارة بيع أصول الدولة لتسديد ديونها. هذه الديون التي جاءت بسبب مشاريع غير منتجة مثل الطرق والكباري بالمئات أو بناء عاصمة جديدة. ووضع الدولة رهينة للبنك الدولي وقروضه التي لا تذهب أبدا إلى مشروعات منتجة. لا هو يوافق ولا النظام الحاكم يريد. رغم أخطاء الفترات السابقة، فالآن لا توجد لا فلسفة حقيقية مثل أيام عبد الناصر وشعار الإشتراكية، ولا فلسفة خادعة مثل أيام السادات ومبارك، لكن يوجد صراحة بأن مصر مديونة ديونا كبيرة، لكن لا صراحة في سبب هذه الديون. كيف لا يتعظ أحد مما سبق، وما هي الفلسفة التي وراء هذا الاقتصاد حتي لو كانت خادعة. لا فلسفة ولا عِلم في الاقتصاد وكيف تزدهر البلاد.
417
| 18 يوليو 2024
هذا عنوان رواية صغيرة صدرت هذا العام عن الدار المصرية اللبنانية. كتبتها الكاتبة والإعلامية ريم نجمي. لريم رواية سابقة هي « تشريح الرغبة» وهي أيضا شاعرة ومترجمة وإعلامية في قناة دويتش فيلا حيث تعيش في ألمانيا مع زوجها المترجم العظيم سمير جريس. هي أصلا مغربية ووالدها هو الشاعر والروائي الكبير حسن نجمي، ووالدتها هي الشاعرة والروائية عائشة البصري. ليس هذا هو ما دفعني لقراءة الرواية، لكن روح المغامرة الواضحة من العنوان. ممكن أن نعرف من هي فراو ميركل، لكن من هو عشيقها السري، وهل نحن أمام رواية أم أحداث حقيقية. تقرأ الرواية بلا توقف من لغة السرد التي تتنوع بين شخصيات الرواية. يونس الخطيب وأبوه الطبيب وفراو ميركل أو أنجيلا ميركل رئيسة وزراء ألمانيا السابقة، وآية خطيبة يونس كما أراد أهلهما منذ طفولتهما. يونس الخطيب الشاب الذي لا يزال يدرس في الجامعة، لم يجد رعاية طيبة في طفولته من أبيه اللاجئ من سوريا والذي صار مشرفا على المركز الإسلامي الذي يُعني بالإخوان المسلمين، ولا من أمه الألمانية التي صارت منقبة وتحمل اسم فاطمة. الضرب والتأنيب أصاباه بالمرض النفسي وحاولا علاجه. نضج لكنه فجأة يجد حبيبة عمره في خياله وهي أنجيلا ميركل، ولا يحب زوجها الذي يراه لا يستحقها ويكتب الكثير في ذلك. تفاصيل متناثرة لحالة المهاجرين والإرهابيين حتى من الألمان، وحضور لما حدث ويحدث في سوريا من النظام الحاكم في إبادته للمعارضين. حياة أنجيلا ميركل السياسية وحياتها مع زوجها، وغير ذلك كثير يتناثر بين الرواية بشكل متقن، فيكون سببا وخلفية للأحداث التي ساعدت هذا الشاب أن يجد ملاذه في حبيبة وهمية. يتابع أنجيلا ميركل في أعمالها وفي أسفارها ويعرف حتى أشياء يرثي لها مثل الفوبيا التي تصيبها من الكلاب. يكتب الرسائل إلى أنجيلا ميركل ويتصور أنها وصلتها، وأنها فيما تفعله في الحياة ترد عليه، ويحاول اقتحام بيتها، فيتم نقله إلى مستشفي للأمراض العقلية. يصف لنا المستشفى وكل ما حوله بعقل ناضج وكامل لكنه متيم بإنجيلا ميركل، فتؤكد الكاتبة على ما يعانيه من شيزوفرينيا. يخرج من المستشفى بعد مدة ليست بالقصيرة فيسرق مسدسا من والده، ويذهب محاولا اغتيالها. وصل نضجه وهو يخمن الرقم السري للخزانة التي بها المسدس، أنه تاريخ نشأة جماعة الإخوان المسلمين في مصر ويجده صحيحا. يطلق عليه الحرس رصاصتين تصيبانه ويتم نقله إلى المستشفي للعلاج ثم مرة أخرى إلى المصحة العقلية. جميل جدا أنك وأنت تنهي الرواية وعرفت ما آل إليه يونس وخطوبته، وندم والده على مافعله معه وغير ذلك، تكون عرفت الكثير جدا من الأمور السياسية وغيرها، لكن فتنة الرواية هي من تعدد الأصوات واختلاف رؤيتها مع يونس أو اتفاقها. هنا يساهم شكل الرواية في مصداقيتها بين ضمير الغائب في الحكي وضمير المتكلم. إن شكل أي رواية وتعدد لغات شخصياتها هو ما يجذبني فالموضوعات كثيرة، لكن كيف ينسج منها الكاتب عملا حافلا بالمعاني الغائبة الناتجة من تتابع الفصول أو تغيرها أو تناقضها، هو الأمر المغري في أي كتابة أدبية، فالفن ليس حكيا دون شكل. في هذه الرواية القصيرة تنجح ريم نجمي ببراعة في تقديم هذا البناء. إن الصفحات القليلة مثلا من تعليقات الصحف على ما تفعله أنجيلا ميركل في الحياة السياسية، تجعلك تكاد تصدق أن الرواية حقيقية. تبدو الرواية بسيطة لأن وراءها جهدا رائعا في البناء، ونجحت ريم نجمى في هذه الرحلة الفنية التي تستحق الاحتفاء.
1527
| 11 يوليو 2024
جاء يوم الثلاثين من يونيو، ومثل كل عام انفجرت صفحات السوشيال ميديا بالجدل حول ذلك اليوم، وظهرت الإدانات والدفاعات. حتى ظهور اعتذارات من بعض من أيدوا ذلك اليوم، وهو أمر يتكرر كل عام، لم يسلم أصحابه من الإدانة. هذا الجدل يمضي كالعادة الى الفضاء لكنه يعكس انقساما لا أدري إلى متى يستمر، وقد مضت إحدى عشرة سنة على ذلك اليوم. لا ألوم أحدا ولن أدخل في الجدل ولن أكرر حتى أن الثلاثين من يونيو غير الثالث من يوليو. في كل الأحوال وبشيء من الموضوعية لا يمكن النظر إلى ذلك اليوم دون زمنه، فهو لم يهبط من السماء. مهم أن نتذكر قبل الإدانات أمرا شديد الأهمية، وهو أنه في العامين التاليين لثورة يناير، كانت روح الثورة في كل الأجيال، ومن ثم كان سلوك الكثير من أيقوناتها متسقا مع هذه الروح. أعطيكم مثلا واحدا يفسر ما أقول وهو عندما صارت الانتخابات عام 2012 بين أحمد شفيق ومحمد مرسي، ذهب الكثير من الشباب إلى محمد مرسي بروح الثورة التي أعلنت رفضها للحكم العسكري، وكان شعارهم مع محمد مرسي، أن الشارع موجود يمكن الخروج عليه إذا ابتعد عن روح الثورة، ولقد حدث فلم تتوقف المعارضات لسياسة الإخوان المسلمين. ضاعت أصوات المقاطعين والمبطلين لصوتهم في تلك الانتخابات باعتبار أنه لا فرق بين حكم عسكري وحكم ديني. لقد كانت الثلاثين من يونيو هي تجلي للروح العام رغم قلة كانت ضدها، فالأغلبية لم تكن تدري مَن وراءها، إلا ما يرونه بأعينهم من تشجيع بعض السياسيين ورجال الأعمال في أعمال بسيطة مثل طبع استمارة تمرد وتوزيعها، ولا يعرف الكثيرون مثلا ما اعتبروه مؤامرة. لكن بعد ذلك جرى ما جرى من وأد روح ثورة يناير. لقد حدث هذا بطريقة نعرفها كلنا، أقلها أنه خلال العام من الحكم الانتقالي بعد الثالث من يوليو، ظهرت قوانين مضادة لروح وأهداف الثورة، ومضادة لكل تقدم، مثل قانون الحبس المفتوح الذي يصل إلى عامين وقانون التظاهر، حتى صار الحكم عسكريا في كل تجلياته من الاقتصاد إلى غيره. من ظل مخلصا لثورة يناير من الشباب أو الكبار صارت القوانين الجديدة طريقه إلى السجن، فانطفأت روح الثورة وصارت الآن صرخات على السوشيال ميديا، فحتى الأحزاب التي نشأت مع الثورة تم إفراغها من قوتها بالحصار. ما أقوله ليس رأيا لكنه واقع الحال. وأعود إلى سؤالي عن الجدل السنوي وعدم جدواه. بالطبع السوشيال ميديا تساعد على ذلك فهي المتنفس الباقي، لكن ألا تكفي عشر سنوات. أعرف أن الإدانات ستمضي مثل كل عام، ويبقى الحال على ماهو عليه مادامت النفوس قد ارتاحت. لكن هل ارتفاع الإدانات سيساهم في أي حل إيجابي، أم النظر إلى ما حولنا هو الأجدى؟ أكرر أهمية عبارة النظر إلى ما حولنا. لم تعد روح الثورة موجودة عند الأغلبية، ولم يعد «الشارع لنا « كما كان الشعار وقتها. إدانات كل عام هي حالة من الراحة النفسية، لكن كيف حقا لا ينظر الجميع حولهم؟ أعرف أن كلمة ثورة صارت عند الأغلبية تثير الشفقة وعدم الالتفات، وأقصد هنا ثورة يناير التي يروج النظام مقولة أنها سبب فيما نحن فيه من خسارات، بينما هي لم تحكم. حين تفشل الثورات تحتاج الأمم إلى أعوام طويلة تتجاوز عشرات السنين لتعود إلى قوتها، والمهم هو أن تنظر حولك، فالإدانات مريحة نفسيا لكنها لا تتقدم بأصحابها ولا بالبلاد.
495
| 04 يوليو 2024
ليس لأننا لا نستطيع أن نتظاهر ضد الاحتلال الصهيوني، فكل أنظمتنا تمنع التظاهر، وحتى ما كان يحدث أمام نقابة الصحفيين في مصر قلّ هذه الأيام. سامحينا يا غزة لأننا نبدو وقد نسينا ما يحدث من مذابح مستمرة للكبار والأطفال، ومجاعات لشعبك العظيم. الحقيقة أننا لم ننس. حقا لم تعد تغريداتنا عما يحدث لشعبك وأرضك على السوشيال ميديا بكثافة الشهور الأولى، لكن ليس لأننا تعودنا، كما تعود الصهاينة، على المذابح فيكم، ولا كما تعودت الدول المساندة للصهاينة. للأسف صرنا في مصر التي كانت يوما مفتاح الأمل للأمة العربية، مشغولين بالحياة بشكل لا يتوقعه بشر. لن أتحدث عن الغلاء، ولا عن المعتقلين، ولا عن حرية الصحافة الضائعة، لكن سأتحدث عن شيء واحد آخر فقط، وربما شيئين أو ثلاثة. الأول هو أننا صرنا نعاني من قطع الكهرباء ساعات طويلة كل يوم، يزيدون فيها وتتكرر، بحيث يبدو أنه حتى في هذا القطع، لانظام ولا مواعيد، لكن شخصا أو أشخاصا يلعبون، فيقطعون الكهرباء كلما فكروا أن يتركوا العمل ويذهبون إلى المقهى! تغريدات الناس على السوشيال ميديا من جميع أنحاء البلاد عن قطع الكهرباء مؤلمة، حوادث موت لبعض من كانوا في المصاعد وقطعت الكهرباء والمصعد معلق. ورغم أنها أحداث قليلة، لكن في النهاية فموت واحد بلا سبب ولا عدو واضح، لا يقل عن موت الجميع. كذلك في خراب كثير من الأجهزة المنزلية التي صارت غالية الثمن، كأن الدولة تعمل لصالح تجار هذه الاجهزة من ثلاجات أو غسالات أو غيرها. الأهم هو عدم إدراك الحكومة لشيء بديهي، وهو أن قطع الكهرباء يوقف مصانع، ويمنع محلات ومولات من البيع، ويوقف من يعملون من بيوتهم، وهذا كله يساهم في قلة الانتاج في البلاد، ويفاقم من الأزمة الاقتصادية التي يقترضون من أجلها المليارات، ولا أحد يعرف لها نهاية. كيف غاب هذا عن قاطعي الكهرباء الذين يتشدقون أنهم يعملون من أجل اقتصاد مصر. كيف لا يدرك أحد من الحكام أن مجموع ساعات التوقف عن العمل في مصر، هو من أكبر أسباب الفشل الاقتصادي. بل يزيدون من ساعات قطع الكهرباء الآن، ولا نسمع منهم إلا اعتذارا لا معنى له. كيف صار اللوم الذي نسمعه من الحكومة ورجالها للشعب في كل شيء، سياسة. فمع عيد الأضحى يخرج من يقول ان المصريين استهلكوا ثلاثمائة ألف طن بصل من أجل «الفتّة». طبعا ناله من النقد والسخرية الكثير، فالفتّة لا تتم بالبصل بل بالثوم. ولو تحقق كلامه يكون نصيب كل فرد ثلاثة كيلو جرامات من البصل، فكيف تكون أنفاس الناس ورائحتها وهم يتجمعون في العيد في البيوت وغيرها! حضرته جعل رائحة الشعب «وحشة» ولا يدري! ما الذي جعله يقول هذا الكلام الفارغ؟ سياسة لوم الشعب السائدة. لكن الشيء الثالث شديد الإيلام، والذي لا إجابة عليه غير لوم الناس، فهو بخصوص موت أكثر من ستمائة مصري في مكة وقت الحج من الحر. كانوا في أغلبهم ضحايا شركات سياحية لا علاقة لها بطريق الحج المشروع. عرفنا ذلك، لكن ألم تكن الدولة تعرف ماذا تفعل هذه الشركات؟ هل كان هذا هو العام الأول في السفر بهذه الطريقة؟ هم يذهبون كل عام. عدد الموتى الكبير هو الذي أظهر المشكلة، فمن ترك هذه الشركات تفعل ذلك من البداية؟ وهل يكفي قلة حيلة الناس التي تفرح، لأن الضحايا من عائلاتهم ماتوا في بلد الرسول الكريم، لعدم إعلان الحداد حتى ليوم واحد على الأرواح المسكينة؟.
966
| 27 يونيو 2024
لا أحد يختلف على أن ارتفاع عدد السكان في مصر شهد قفزات كبيرة، هذا ليس الآن فقط، بل لعله الآن أقل لانخفاض الزواج بسبب العوائق الاقتصادية، بسبب الارتفاع المجنون في أسعار كل شيء. فلا عادت الشقة الصغيرة بعشرات الآلاف، ولا عاد أثاث البيت متاحا بسعر طبيعي، والكلام في هذا كثير. ارتفاع عدد السكان بدأ في القفز مع حقبة السبعينات مع ارتفاع شعارات الإسلام السياسي بأن كل مولود يأتي برزقه، اختفت هذه الشعارات لكن ظلت المواليد في ارتفاع، ماذا فعلت الدولة أو الحكام في الأمر؟ حتى إعلانات تنظيم الأسرة تقريبا انتهت، لكن ليس هذا هو المهم، أعني هل فكرت الدولة في الاستفادة من ذلك؟ في عهد مبارك كان هناك مشروع للتعليم الفني لتدريب الشباب على الأعمال الفنية التي تجد لها مجالا في الخارج، حدث ذلك باتفاق مع دول أوروبية لكن المشروع توقف بعد سنوات، منذ عشر سنوات لم نسمع عن أي محاولة للاستفادة من زيادة السكان، كتبنا كثيرا عن ضرورة إنشاء مدن في صحراء مصر الواسعة، محاطة بمصانع صغيرة وأرض زراعية، ومنحها للشباب ليتركوا المدن الرئيسية لكن لم يحدث، رأينا أبراجا عالية تقام في مناطق مثل العلمين يسكنها الأغنياء شهرا أو شهرين في العام. رأينا الساحل الشمالي لمصر يمتلئ بالقرى السياحية لقضاء الوقت في الصيف، ولم نر مزارع أو مصانع وبيوتا يعيش فيها الشباب، رأينا منشآت سكنية «كومباوندات» تصل فيها أسعار الشقق إلى السماء، وغير متاحة حتى للطبقة الوسطى، باختصار رأينا البلد يفتح ذراعيه للأغنياء. ارتفعت أعداد التلاميذ في المدارس العامة ليتجاوز عدد الفصل الواحد الثمانين تلميذا، ولم نر مدارس جديدة، وصل الأمر أخيرا تقريبا إلى إخلاء المدارس فصار التعليم عن بعد من البيوت، المهم أن حكاية ارتفاع عدد السكان قفزت في الأيام الأخيرة مع ارتفاع درجة الحرارة، فرأينا مسؤولين من الوزراء يقولون إنها سبب ارتفاع درجة الحرارة في البلاد، بل أعلن مجلس الوزراء أن التصحر والجفاف سببهما تزايد أعداد السكان بشكل يزيد الطلب على الموارد، ويسبب ضغطا مفرطا على الأراضي إلى حد التدهور. وطبعا الموارد هنا يقصد بها المياه، دون إشارة إلى ما يحدث وسيزداد بسبب سد النهضة، وأيضا من الموارد الكهرباء دون إشارة إلى فشل توفيرها، رغم المشاريع التي عرفنا بها من محطات توليد كهرباء، انتهى أمرها إلى افتقاد المواد البترولية التي يتم بها تشغيلها. طبعا جاء ذلك في مواجهة الحملة الكبيرة على الدولة بسبب قطع الأشجار في كل مكان، أعرف جيدا أن تغيرا في المناخ شمل العالم كله بسبب تغيرات طبيعية، وبسبب التلوث الناجم عن مشروعات صناعية وغيره، لكن لم أعرف أبدا أن دولة أو نظام حكم يضيف إلى ذلك قطع الأشجار، لم تجد الحكومة ردا مقنعا واحدا على انتقاد مذابح الأشجار، بل تغافلت كل الانتقادات التي ملأت السوشيال ميديا، مع الصور الفاضحة لميادين وحدائق وشوارع وأراض تم قطع أشجارها التاريخية، لم تجد الدولة ما تقوله غير أن زيادة أعداد السكان هي السبب، كأن السكان جميعا يعيشون في شقة واحدة أو بيت واحد مثلا. أيقظ هذا التبرير التافه لارتفاع الحرارة موضوع زيادة السكان، والسؤال الذي لم نجد إجابة عليه أبدا، كيف فشلت الدولة في الاستفادة من هذه الزيادة، ولم يعد أمامها غير لوم الشعب، وكما قال أحد الأصدقاء على تويتر «ما يضربونا بالنووي ويرتاحوا» وأضيف أنا لم يبقَ غير إعلان الإخصاء لكل الرجال.
735
| 20 يونيو 2024
كثيرا ما أقرأ على صفحات السوشيال ميديا آراء تعبر عن رغبات البعض في إلغاء معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، أو على الأقل تغيير بعض بنودها ليتم السماح للنظام المصري الحاكم بالتدخل أكثر في المعابر إلى غزة مثلا، لضمان وصول المساعدات دون أي تقصير، أو مراجعة من جهة العدو الصهيوني. ورغم الأهمية الكبيرة لذلك، سأتحدث عن كامب ديفيد من زاوية أخرى. لقد كنت من الجيل الذي عارض الاتفاقية عام 1978 ثم اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 وما أكثر المظاهرات التي خرجنا فيها ضدها، كما كنت عضوا في لجنة الدفاع عن الثقافة القومية التي أنشأها حزب التجمع نهاية السبعينيات، وكانت لجنة جبهوية تضم المثقفين من كل الاتجاهات وليس أعضاء الحزب فقط. نالني ما نال غيري من سجن، لكن لوقت قليل مع عدد كبير من المثقفين، وكان ذلك قَدَر كل عام مع بداية السنة الجديدة. عادة قديمة من أيام عبد الناصر. استقرت كامب ديفيد ورأى البعض فيما بعد، أنها كانت الطريق الوحيد لمصر، خاصة مع ضعف وتفكك الاتحاد السوفييتي وتصدر أمريكا للمشهد السياسي، ولم يعد هناك ما كان معروفا بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية. لكن السؤال هل أتت كامب ديفيد بنتائج إيجابية لحياة المصريين؟ على الجبهة الوطنية ضمنت مصر عدم الاعتداء من إسرائيل، وعدم نشوب حرب أخرى، فماذا فعلت النظم الحاكمة في داخل مصر؟ بدأ السادات سياسة التفريط في المكاسب الاجتماعية والاقتصادية من مصانع وتعليم مجاني وصحة مجانية وما تشاء. لقد قال السادات كلمة لا تُنسى وهي أن «من لن يغتني في عصري لن يغتني». تصور البسطاء أن الفرصة ستكون للجميع، لكنها صارت لكبار الحزب الوطني الحاكم. استمر الأمر مع حسني مبارك، مع استثناءات طبعا لرجال أعمال حقيقيين أقاموا أعمالهم بجهدهم بعيدا عن الحزب الحاكم. المهم أن النظام الحاكم ضمن أنه لن يدخل في مغامرات بالحرب مع إسرائيل، وتفرغ لإفراغ البلاد من عوامل نموها التي مهما اختلفنا فيها كانت تحدث. بل كان من أهم أسباب حرب 1967 والتدبير لها، إيقاف النظام الحاكم عن الخطة الصناعية التي كانت تتسع كل يوم، حتى تم بناء ألف مصنع جديد في الخطة الخمسية الأولى 1961- 1965. نظرة بسيطة للتراجع في الحياة الاقتصادية وغيرها، تجعل أي شخص يفكر كيف قد تم ضمان السلام مع إسرائيل، يحدث هذا التراجع في الحياة المصرية اقتصاديا وصحيا مثلا؟ النظام الحاكم يحمِّل الشعب المسؤولية في كل الإخفاقات الاقتصادية، مرة لازدياد النسل، ومرة لأنه شعب مسرف في استخدام المياه والكهرباء، وغير ذلك حتى في الطعام، فيقال اكتفوا بوجبة واحدة! والشعب لم يقم بمشروعات الكهرباء لتتعثر، بل قام بها النظام الحاكم مثلا، ولم يستمر في بيع المصانع ليتم هدمها. الشعب لا يحكم ولا يقرر أي شيء، ومجلس الشعب في أغلبيته شبه معين لا يختلف مع النظام في شيء. أي لا يوجد من يمثل الشعب تمثيلا كاملا، بعد أن تم إضعاف الأحزاب القديمة والجديدة، وقبضة الحكم تزداد قوة على كل شيء. وهنا يأتي السؤال، لقد تم ضمان السلام مع العدو، وانتهى شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. فهل كانت كامب ديفيد سببا في السياسة الخاطئة اجتماعيا أو اقتصاديا؟ مضت سنوات طويلة على المعاهدة، وأي بنود سرية فيها صارت متاحة، ولم يُنشر ما يشي بذلك، فلماذا ونحن في أمان يحدث كل هذا الخطأ؟ ومن المستفيد من هذه السياسات الخاطئة؟
765
| 13 يونيو 2024
أحمد زين واحد من أبرز الكتاب اليمنيين الآن. له خمس روايات سابقة عن هذه الرواية ذات العنوان المثير «رماية ليلية»، والصادرة عن دار المتوسط بميلانو بإيطاليا هذا العام، كما صدرت روايته السابقة «فاكهة للغربان» عن نفس الدار من قبل، وله مجموعتان قصصيتان. يعيش ويعمل في المملكة السعودية في مجلة الفيصل. جذبني لقراءة الرواية معرفتي السابقة بأعماله، لكن أيضا شكل الرواية المغامر في تتابع الفصول، سواء بضمير الغائب أو ضمير المتكلم، هذا يحتاج مهارة فنية تجدها عند أحمد زين فلا تتشتت. تتعدد الشخصيات لكن بقليل من التأمل فهذا حال اليمن. التشظي الذي يتفرق في أماكن كثيرة بعد ما جرى في اليمن منذ أكثر من عشر سنوات، فتنازعت القوى التي يرى كل منها أنه الأولى بالحكم. عسكريون مهزومون أو سياسيون متكسبون أو إعلاميون من النساء أو الرجال. شخصيات الرواية متفرقة أكثرها في المملكة العربية السعودية، وما بين العمل في الإعلام والحياة في فندق فاخر ترى اليمن موزعا مشتتا رغم أن الرواية تضمهم. الرواية هي المكان الضائع فلقد ضاقت بهم اليمن. الصراع القاتل في اليمن الذي يعكس انتماءات مختلفة دينية أو قبلية تعلو على ما هو وطني، وكل يرى الحق معه رغم أنهم تركوا خلفهم بؤسا رهيبا في حياة أهل اليمن لا يغيب عن الرواية. لغة أحمد زين محملة بالدلائل والإثارة والترقب تتحرك بمشاعر شخصياتها وبالقارئ الذي كلما ابتعد عن محور واحد واضح للعمل، يجد أنه في قلب اليمن الضائع. البناء الفني للرواية يعكس مهارة أحمد زين، فكما أنه مهم جدا الوقوف عند موضوع الرواية، فمهم جدا الوقوف عند كيف كتب أحمد زين رواية تتعدد فيها اللغات، ومهما ابتعدت الشخوص أو بدت غير متوافقة مع بعضها، تعكس حالة أمة وزمن. الوقوف عند كل شخصية على حدة وتفسير سلوكها أنثى أو ذكرا، تلعب فيه المكونات الثقافية والأمل الضائع، أو اليقين من تحقيق الأحلام لكن بلغات مختلفة، وتصوير يكاد يكون سينمائيا للأحداث الصغيرة والكبيرة. أنت مع أحمد زين تقرأ وترى. مونتاج تعدد الفصول وتتابعها متضادة أو مكملة لبعضها قدرة سينمائية بارعة. الصورة السينمائية حاضرة بقوة في الحكي فالكتابة مع أسئلتها، كاميرا بارعة للمكان في السعودية أو اليمن. ليست معرفتي السابقة بأحمد زين إنسانا وكاتبا هي سبب قراءتي للرواية وإكمالها، لكن شغفي بمساحة الحرية التي يتيحها أحمد زين لنفسه في تشكيل بناء روائي مختلف. من السهل جدا أن ترى الفارق بين تصوير الشخصيات ورغباتهم وصبواتهم، لكن تعددها وقدرة الكاتب على الإمساك بروح هذا التعدد، درس للنقد الأدبي يجعله يبحث عن طرق جديدة للحكي، وكيف تتحقق بعيدا عن النظريات السائدة عن الكتابة. النظريات النقدية هو بنت الكتابة، وليست الكتابة ابنة الفهم النقدي إلا في بدايات الكاتب. هنا مع أحمد زين حين تسأل كيف صارت الرواية محفلا للغات وطرق السرد، تنسى السؤال أيضا مع متعة الصورة، وتستمر في القراءة بشغف كبير. أنت هنا موضوعا مع اليمن وآلامه وأحلامه الضائعة، والطرق المختلفة لتحقيقها بين السخرية والتقدير، لكن مع قفزة في البناء الفني المغامر. من السهل جدا أن أقول إنك ترى اليمن بعيون الأشقياء والأوفياء، لكن الأهم أنك ترى كاتبا يقيم متحفا للغات والمشاعر يضمها جميعا حلم ضائع قد يعود يوما. رماية ليلية ليست مجرد عنوان عابر، بل هي عمل يحاول أن يحقق النور وسط الظلام، حتى لو لم يبق معك غير متعة الفن، ونسيت الطموح والآلام.
1023
| 06 يونيو 2024
ثلاث كوارث كبرى في يومين. * الأولى هي الاعتداء بالغارات على مخيمات اللاجئين في رفح من قبل الصهاينة يوم الأحد الماضي السادس والعشرين من مايو الجاري. المخيمات التي نزح إليها من أمروهم بالنزوح من غزة، فمات العشرات حرقا وأصيب الآلاف. يحدث هذا رغم قرارات محكمة العدل الدولية بإدانة نتن ياهو دراكيولا العصر الحديث. ولا يتعظ الصهاينة باستمرار الفلسطينيين في المقاومة، ولا استمرار الاحتجاجات في العالم علي ما يفعلونه من مذابح لأهل غزة، ولا اعتراف ثلاث دول أوروبية هي أسبانيا وإيرلندا والنرويج بدولة فلسطين. يستمر الصهاينة في ممارسة مرضهم النفسي بإزاحة محارق هتلر وأوروبا لهم على الفلسطينيين! * الثانية هي استشهاد جندي مصري على حدود رفح المصرية صباح اليوم التالي الإثنين، في قتال قيل إنه بين الصهاينة والجنود الفلسطينيين، وقيل إنه بين الصهاينة والجنود المصريين. قيل أيضا إن الذين استشهدوا اثنان، ضابط وجندي مصريان، لكن موقع «ما تصدقش» نشر اسم الجندي الشهيد وهو عبد الله رمضان، وكتيبته وموقعه على الحدود المصرية. * الثالثة جاءت في مساء اليوم نفسه الإثنين، وهو حكم محكمة جنح الاستئناف بتأييد الحكم السابق بالحبس سنة مع الأشغال، على أحمد الطنطاوي البرلماني السابق، الذي حاول استكمال التوكيلات الخاصة للترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة نهاية العام الماضي، فأغلقت أبواب مكاتب التسجيل بالشهر العقاري أمام مريديه، وطبعا لم يعطه أعضاء مجلس الشعب أي توكيلات كما أعطوا لغيره. صدر الحكم عليه وعلى مدير حملته محمد أبو الديار وواحد وعشرين من أعضاء الحملة. الحكم جاء من محكمة الاستئناف، وهذا يعني أنه نافذ حتى يتم النقض وهم في السجون. كلنا نعرف أنه حين عجز أحمد الطنطاوي عن تحقيق العدد المطلوب من التوكيلات له من مكاتب الشهر العقاري، بسبب منع مريديه الذي رأيناه جميعا، لجأ إلى الحراك الشعبي، وهي عمل توكيلات غير رسمية من الناس في الشوارع، وكان واضحا أن ما يفعله وحملته ليس إلا وسيلة ضغط لتحريك الماء الراكد، وفتح أبواب مكاتب الشهر العقاري المغلقة، لكن تم اعتبار هذا الحراك السياسي عملا غير قانوني، وترتب عليه الحكم في أول درجة، ثم تأكيده في محكمة الاستئناف. لقد حدث ذلك من قبل في مصر بعد الحرب العالمية الأولى عام 1919 حين رفضت إنجلترا سفر سعد زغلول ورفاقه ممثلين للشعب المصري إلى مؤتمر باريس لحق تقرير المصير، وتم القبض على سعد ورفاقه ونفيهم إلى مالطة، فاشتعلت ثورة 1919 وقام الشعب بعمل التوكيلات في الشوارع لسعد ورفاقه كوفد رسمي يمثل مصر والمصريين، مما جعل إنجلترا تعيد سعد ورفاقه من المنفى، ويسافرون إلى باريس للعمل لتحقيق الاستقلال.. كانت التوكيلات وسيلة ضغط كبرى على الاستعمار البريطاني وتفجرت الثورة، ولم يكن أحمد الطنطاوي يطمح لأكثر من ضغط فيتم فتح مكاتب الشهر العقاري. *** ثلاثة أحزان إضافية لما حولنا، جعلتني أتساءل ألا يوجد ما يدعو إلى الفرح في هذه البلاد. ثلاث ضربات في يومين جعلتنا ننسى ما فعله جمهور النادي الأهلي في نهائي أبطال أفريقيا مع الترجي التونسي يوم السبت، حين هتفت جماهير النادي بالنصر لفلسطين، ووقفوا بظهرهم في اتجاه الممثل محمد رمضان الذي جاء يفتتح المباراة بالغناء، وقد أخذوا شكل حنظلة الفلسطيني في رسوم ناجي العلي. *** ثلاث ضربات الأولى سيكون لها مردودها بين شباب العالم، بينما نحن في حالة حصار من النظم السياسية، والثانية لا نعرف ماذا سيحدث بعدها، وكيف سيأتي حق شهيدنا، أما الثالثة فهي تثير أسئلة مثل هل هناك أمل في أي حوار وطني؟
783
| 30 مايو 2024
كلما حاولت الابتعاد عن الأخطاء أو الخطايا التي تحدث حولي قفزت إليّ مئات المقالات التي كتبتها في حياتي وغيري عن التناقض البشع بين شعار تشجيع القطاع الخاص وبيع ممتلكات الدولة التي هي في الأساس ملك للشعب، فالدولة التي يتردد لفظها تعبيرا عن الحكام ليست هي الدولة في العرف السياسي. في العرف السياسي الدولة شعب وأرض ونظام حاكم، والنظام الحاكم يتغير ويبقى الشعب والأرض. لكن هكذا شاءت الأحاديث والأفعال، فكل شيء ملك للدولة يعني ملكا للنظام الحاكم، لا علاقة للشعب به. تشجيع القطاع الخاص يعني تركه للقيام بأعماله لا التضييق عليه، ولا بإعطائه ممتلكات الشعب يا سادة! آخر المستجدات المؤلمة هو إعلان نية تأجير المستشفيات العامة - أكثر من مائتي مستشفى- التي أقامتها نظم الحكم السابقة منذ العهد الملكي لخدمة الشعب، تماما كالمدارس العامة التي كان طه حسين أهم من نادي بانتشارها هي والجامعات، ولم يكن أبدا مع التعليم الخاص الذي بدأ في الانتشار منذ أيام السادات، ومعه المستشفيات الخاصة التي لا يقدر عليها إلا الأغنياء. عبر العشر سنين السابقة لم نسمع عن مستشفى ولا مدرسة عامة جديدة، لكن سمعنا عن العديد الخاص. الآن يقولون إنهم سيقومون بتأجير المستشفيات العامة للقطاع الخاص. طبعا كالعادة يقولون إن هذا لن يؤثر في تكلفة العلاج أو زيادتها، لكن ما تعودناه أنهم بعد أن يعهدوا بالممتلكات العامة للقطاع الخاص، يتم اهمالها أو هدمها، وحدث ذلك في المصانع والأمثلة كثيرة. منذ عشر سنوات قدم رجال الأعمال اقتراحا بدفع خمسة بالمائة إضافية للضرائب، لكن ليس نقدا للحكومة، وإنما في هيئة مشروعات، وكتبت أنا طالبا من الحكومة أن تتركهم يبنون مدارس ومستشفيات، لكن الذي حدث أن الدولة ألغت اقتراح رجال الأعمال كأنما تريد الخمسة بالمائة نقدا لا مشروعات. لم تقل السبب لكن أي سبب آخر يمكن أن يكون، وقد قرر رجال الأعمال مساعدة الدولة فترفض!. المجتمع الأهلي هو صانع النهضة منذ بدأت مصر نهضتها الحديثة، فكان الباشوات ورجال المال كانوا يبنون المدارس ويعهدون بها إلى وزارة المعارف، أو المستشفيات ويعهدون بها إلى وزارة الصحة. راجع تاريخ المدارس لتعرف من بناها أو المستشفيات، وكيف عهدوا بها للوزارة المختصة ولم يديروها لحسابهم. حتى جمعية دينية قديمة مثل العروة الوثقى التي أنشأها محمد عبده مع جمال الدين الأفغاني واستمرت بعدهما، أهدت عشرات المدارس إلى وزارة المعارف حملت عنوان مدرسة العروة الوثقى ولم تديرها الجمعية. لم يعد ذلك يحدث بعد أن أمسكت الدولة المركزية في يدها كل شيء إلا في إعلانات عن تبرعات لبعض المستشفيات القليلة التي أنشاها المجتمع الاهلي وليس الحكومة أيضا، لكن ليس بالزخم القديم. للأسف الدولة المركزية ترى الأرض وما عليها ملكها، تتصرف فيها لتحل أزمتها المالية دون أن تفكر كيف حدثت هذه الأزمة بسبب مشروعات لا عائد منها على الشعب فهي ليست مصانع مثلا. صرنا نسمع كل يوم عن بيع أراضٍ وعقارات ملك للدولة – الشعب من فضلك – لكن وصل الأمر إلى الحديث عن تأجير المستشفيات العامة التي لم تزداد، وصارت متخمة بالمرضى، وصار الحصول على سرير فيها أمرا شاقا لقلة أعدادها قياسا على عدد المرضى من الشعب. يريدون تأجيرها وأي عاقل يعرف أنها ستتحول إلى فنادق غالية، وقد يتم تقليل عدد الأطباء والممرضين توفيرا على المستأجر. أيتها الدولة التي تحمل الاسم الخطأ، لا قيمة لشعب ولا قيامة لدولة دون علاج وتعليم بالمجان. راجعوا تاريخ النهضة المصرية وتعلموا، أو انظروا في العالم حولكم.
747
| 23 مايو 2024
كل من درس تاريخ العمارة في مصر يرى كيف تقلبت بين العمارة الإسلامية والفاطمية والمملوكية والعثمانية، ثم العمارة البحر متوسطية مع العصر الحديث، أو مزيج من هذا كله. عرفت مصر مهندسين وفنانين ومفكرين من كل الملل والأجناس، فكما كان هناك علي مبارك كان هناك ماريو روسي الإيطالي وحديثا الدكتور محمد عوض وعائلة محمد عوض التي كان لها دور كبير في العمارة في الإسكندرية. أسماء كثيرة لا يتسع لها المقال عرفتها الإسكندرية والقاهرة وغيرها من البلاد المصرية، وكتب كثيرة كتبت عنهم، لكن الدرس الذي تخرج به من القراءة عنهم وعن إنجازاتهم في العمارة، هو أن العمارة بنت المكان والتاريخ. بنوا قصورا للباشوات والأغنياء وبنوا مساجد شهيرة في مصر مثل مسجد عمر مكرم ومسجد المرسي أبو العباس ومسجد القائد إبراهيم ومسجد الرفاعي على سبيل المثال، أو أعادوا بناءها، وكذلك فنادق لا تزال موجودة مثل فندق سيسيل أو متروبول في الإسكندرية في منطقة محطة الرمل أو غيرها في القاهرة والأقصر وأسوان. الأمر نفسه بالنسبة للعمارات والبيوت، بل والمدافن لكثير من الحكام والمشاهير. كان هناك قانون يحكم عمليات البناء عبر العصور، يمنع أن يشغل البناء مساحة تعتدي على الفراغ حوله أو خلفه، فعلى الشواطئ مثلا كنت لا تجد عمارة أو مبنى يرتفع عن ستة طوابق، فالهواء والماء ليس لسكانها فقط، بل لمن حولهم وخلفهم رغم أن طريق الكورنيش أمامه متسع ولا نهاية للبحر. صار القانون معروفا على نطاق واسع بأن لا يرتفع المبنى عن مرة ونصف عرض الشارع، فالشارع الذي يكون عرضه عشرة أمتار لا ترتفع العمارة عن خمسة عشر مترا، وهكذا في كل الشوارع. لن أتحدث عما جرى من فساد ضرب بهذا القانون عرض الحائط، فصارت العمارات ترتفع إلى عشرة أو خمسة عشر طابقا في شوارع عرضها ستة وعشرة أمتار. صارت هي العشوائيات الحقيقية، وليست عشوائيات المناطق الفقيرة فقط. سأتحدث عما قرأته من تطوير سيحدث في المناطق حول مسجد السلطان حسن ومسجد الرفاعي. مسجد السلطان حسن، بناه السلطان الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون في القرن الثامن الهجري خلال حكم المماليك البحرية لمصر. مسجد الرفاعي بُني منذ نحو مائة وخمسين عاما. بنته خوشيار هانم أم الخديوي إسماعيل وبه دفنت وأسرة الخديوي، وبه دفن أيضا السلطان حسين وزوجته والملك فؤاد الأول والملك فاروق. حولهما أو قريبا منهما مساجد أثرية أخرى مثل مسجد جوهر اللالا، أو مسجد محمد علي بالقلعة وغيرهما. المسجدان علامتان فارقتان في تاريخ العمارة، وما دمت سمعت عن تطوير ما حولهما بمساعدة من قبل طائفة البهرة وسلطانها الذي زار مصر، فكل ما أرجوه أن لا يدخل التطوير إلى المسجدين فيكون سببا في ضياع الملامح المعمارية في الأسقف والجدران والمئذنة والقباب مثلا، فنجد أنفسنا كما حدث في تطوير مسجد أبو العباس المرسي بالإسكندرية، حين طمس المقاولون زخارف في جزء كبير من سقف المسجد بالمحارة والأسمنت، فأوقفت المحافظة الأعمال بعد الضجة التي أثيرت. وكما حدث في مئذنة وقبة مسجد الحسين التي تم تشويهما بالطلاء. لست مهتما أن تكون طائفة البهرة متحملة التكلفة في التطوير، ففي مصر لا نفرق بين شيعة وسنة، لكن الخوف هو من المقاولين الذين لا يعرفون معنى الثقافة، فيخفون معالم أثرية كثيرة بالأسمنت أو المحارة أو غيرها فتثور الدنيا. في مصر علماء ومهندسون وهيئات للحفاظ على التراث أتمنى أن يوكل لها الأمر منذ البداية ولا تتكرر الأخطاء.
810
| 16 مايو 2024
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6540
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6423
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3138
| 23 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2031
| 28 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1866
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1677
| 26 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1272
| 27 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1023
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
933
| 27 أكتوبر 2025
يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية...
906
| 23 أكتوبر 2025
“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
870
| 27 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية