رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير مما حولنا من صمت قد يشي بأن غزة صارت طي النسيان، لكنه في الحقيقة ينذر بأن غزة حاضرة وفلسطين. القصور في موقف الأمم المتحدة وبعض الدول العربية يجد نقدا وانتقادا على صفحات التواصل الاجتماعي. والسؤال مثلا هل تحققت رغبة نتنياهو في تهجير أهل غزة إلى سيناء أو غيرها. لا تهجير ولا هجرة ستحدث. الهجرة التي لا تزال تحدث هي من يهود الأرض المحتلة إلى أوروبا وغيرها. يأتي وسط هذا الصمت صاروخ من اليمن يصل الى مطار بن جوريون فتتوقف الرحلات. صاروخ يكشف عورات نظم الدفاع الإسرائيلية ويوقظ الرعب في إسرائيل، وبالطبع ليس الأول.. الدولة التي أقامتها إسرائيل ومن عاونها على فكرة الأصولية الدينية، وان الأرض لليهود وليست لغيرهم، وتأكدت أصوليتها منذ نشأتها، لم تتحمل كيانا مجاورا هو غزة، وأغفلت أنه رد فعل لأصوليتها، فالدين وهو يؤدي أحيانا بركوب فرس السياسة الخطأ إلى الانغلاق والجرائم كما حدث في الحروب الصليبية، يؤدي حين يركب الفرس الصحيح إلى الكفاح بكل أشكاله من أجل الوطن، وحين يأتي الوطن تتسع الأمور للمراجعة. صمتنا عن غزة ربما فيه يأس عند البعض أو قلة حيلة أو حتى تعاون مع إسرائيل خفيا أو ظاهرا، لكنه بالنسبة لي بعد أن غبت أسابيع عن الكتابة عن غزة، فيه اطمئنان من درس التاريخ. فالطفل الصغير الذي كنته يوما ما في بداية الخمسينيات وأراه أبوه ماكينة حلاقة معه منذ الأربعينيات مكتوبا عليها «صنعت في فلسطين» لم تغب فلسطين عنه في رواياته أو مقالاته. كانت ماكينة الحلاقة نتيجة باقية من رحلة الأب البسيط الذي كان يعمل في السكة الحديد، وكانت تمر من مصر عبر سيناء إلى فلسطين ثم سوريا حتى الشاطئ لتبدأ رحلة السفن الى تركيا. رحلة قطار الشرق الشهيرة. كل ما جرى بعد ذلك من مواقف ضد إسرائيل في حروبها الطاغية على الأراضي الفلسطينية أو العربية، كان نتيجة هذا اليقين الذي استقر في روح الطفل. هذا اليقين عابر الزمان أغفر به لنفسي انشغالي في الكتابة أحيانا بموضوعات أخرى، لكني أعود الآن لأؤكد يقيني بأن إسرائيل حفرت لنفسها الحفرة التي ستتسع مهما طال الزمن، وأدرك إن إطالة الحرب على أهل غزة ليست إلا طريقة بشعة يتصور بها نتنياهو أنه سيظل في الحكم. أخيرا جرت في مصر انتخابات نقابة الصحفيين وفاز فيها خالد البلشي نقيبا للمرة الثانية. كثير من الكلام يمكن أن يقال عن الأسباب النقابية للفوز، لكن السبب الذي لم يتمتع به منافسه، هو أن خالد البلشي جعل رصيف النقابة مكانا للتظاهر والتأييد لغزة، وإدانة إسرائيل ومن معها منذ أن صار نقيبا. كانت غزة أهم وأكبر أسباب فوزه. هكذا لا تضيع الحقائق. وهكذا مهما كانت التفسيرات للصبر أو النسيان فغزة حاضرة، وإسرائيل ستعلِّق يوما مهما ابتعد، على مطاراتها وموانيها، اللافتة التي رآها دانتي إليجيري في ملحمته «الكوميديا الإلهية» وهو يدخل الجحيم.. « أيها الداخل إلى هذا المكان تخلَّى عن كل أمل».
567
| 08 مايو 2025
فاز الكاتب المصري محمد سمير ندا بالجائزة «العالمية» للرواية العربية في دورتها الأخيرة 2025. كعادتي في مثل هذه الحالات اكتفي بالمباركة لمن فاز فقناعتي دائما هي أن الجوائز مثل الجواز «قسمة ونصيب» لكن الضجة فاقت الفضاء ومن ثم أكتب. هذه الجائزة بالذات التي حملت اسم البوكر في سنواتها الأولى، بينما البوكر الإنجليزية لم تكن أكثر من راعية لها، تحظى بالكثير من الاهتمام، وبصفة العالمية رغم أن هناك جوائز عربية أخرى تقدم للفائز ما تقدمه هذه الجائزة من ترجمة وغيره، مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب أو كتارا للرواية العربية ولا توصف بالعالمية، وكلاهما مثلها لكتاب اللغة العربية الذين هم عادة من دول عربية لا دول أجنبية تتحدث بالعربية، كما يحدث في البوكر الإنجليزية التي تمنح أيضا لكتاب من إيرلندا أو دول الكومنولث الذين يكتبون ويتحدثون الإنجليزية. ربما جاءت الصفة من الرعاية القديمة للبوكر. لاقت هذه الجائزة كثيرا من النقد عبر السنوات السبع عشرة السابقة أقله أنه لا أحد يعرف هل الجائزة عن العمل وقيمته، أم هي تقسم بين الشباب أكثر أو توزع بين البلاد. هذا المعنى الثاني تأكد خلال الخمسة عشر عاما السابقة التي غابت فيها الجائزة عن مصر. عادت إلى مصر هذا العام فأشعل حديث غير حقيقي عن تقريرها عن الرواية الفائزة بأنها رواية تتحدث عن وهم الانتصار بعد هزيمة 1967. هكذا تجاهل من قالوا هذا الحديث ما أعلنه تقرير الفوز عن فنية الرواية والجديد في بنائها ولغتها. وهكذا راح المنتقدون للجائزة يتحدثون عن أن السبب في الفوز سياسي ومن ثم موجه ضد مصر. على الناحية الأخرى تحدث الفائز محمد سمير ندا بعفوية عن كيف تم رفض الرواية من أربع دور نشر مصرية لكن دار مسكيلياني التونسية وافقت على نشرها. هنا أيضا اشتعل الحديث. هل الجائزة لتونس أم لمصر؟ ثم ازداد أكثر هل هي لمصر أم للكاتب نفسه كأنه غير مصري. غاب عن الجميع أن رفض أو اعتذار أي دار نشر لعمل ما وراءه أسباب تخص فهم الدار والوضع حولها. أنا مثلا منذ سنوات أنشر بالخارج لاعتذار دور نشر مصرية عن الرواية، ولا أتحدث في ذلك قط فأنا أعرف ما حولي ولا ألوم أي ناشر. لكن ما قاله الفائز عفويا أشعل الدنيا كأن أحدا لا يعرف أنه في كل بلد عربي محاذير للنشر، ومن بينها تونس نفسها لكن يشمل الأمر كتابها أكثر من غيرهم. هكذا ابتعد المنتقدون وما أكثرهم الحديث عن بناء الرواية الفني الذي كنت أنا أول من كتب عنه في سبتمبر من العام الماضي موضحا قيمته وأهميته، وكيف يضع صاحبها في أجمل مكان بين الروائيين. هكذا كانت عبارة لشخص عن بيان لجنة الجائزة سببا في الشيطنة وكذلك الجملة العفوية للكاتب عن فرحه بفوز الرواية التى رفضتها أكثر من دار نشر مصرية. أزاد البعض وقالوا أخيرا جاء الدور على مصر لسبب سياسي، رغم قناعتي بأن فنية الرواية هي ما ساهم في عودة هذا الدور. لم يبقَ غير أن يُغنّي أصحاب كل هذا الضجيج أغنية شادية وسهير البابلي في مسرحية ريا وسكينة «الدور الدور الدور.. موعودة يا للي عليكي الدور» لكني على ثقة من أن محمد سمير ندا سيكتب أعمالا أجمل ولن يتوقف، ولن يحدث له ما حدث للبعض من توقف عن الكتابة بعد الفوز بجائزة، وأرجو من المثقفين أن لا يجروا وراء ما ينشره البعض في السوشيال ميديا دون أن يتحروا الحقيقة كاملة.
1032
| 01 مايو 2025
يتحدث الأدباء عن مصدر أعمالهم فيختصرونها بالواقع يغلفه الخيال. الواقع تراه أو تقرؤه والخيال يأتي به الوحي. كلمة الوحي قد تثير قلق البعض باعتبار أن الوحي أمر خاص بالأنبياء فقط، لكنها تستخدم على سبيل المجاز فمصدر الخيال غير معروف. ثم إن للوحي درجاته أولاها للأنبياء وثانيها مرتبة لأولياء الله وثالثها للفنانين والأدباء. أعني الموهوبين منهم فالموهبة لا تُكتسَب بل هي من أمر الله. لا تنشغل بسلوك المبدعين ففي كل المهن صراعات، لكن حديثي عن الإبداع وساعات الانشغال به. الإبداع الذي يأخذ صاحبه إلى برزخ بين السماء والأرض فلا يدرك أن حوله بشرا في الطرقات. لا أحد مهما فكر يعرف متى سيجلس أمام قصيدة جديدة ومتى سينتهي منها. بل قد تهاجم القصيدة روحه وفي اللحظة التي يبدأ فيها تبتعد وتأتي أخرى. الأمر نفسه في القصة والرواية وطبعا في سائر الفنون. وجدت تفسيرا ابتعد بي عن كلمة الوحي وهو التخاطر، فكثيرا ما يفكر أحد منا في شيء جميل أو شخص غائب فيتحقق أمامه في نفس اللحظة. لم استحضر الكلمة مما سمعته بدءا بهتاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لسارية بن زنيم في معركته بفارس حين سمع صوت عمر يقول «يا سارية.. الجبل الجبل» فتحصن سارية بالجبل القريب ونجا بجيشه من حصار الفرس وهزمهم. رغم أن هناك من يقول أن ابن الخطاب لم يهتف في صلاته بالمؤمنين بذلك، لكن الحكاية تؤكد لي منذ زمن بعيد وجود التخاطر بين الأرواح الصادقة، وكذلك ما عشته أثناء الكتابة. أتذكر أحداثا كثيرة منها مثلا في أيام كتابتي لرواية «في كل أسبوع يوم جمعة» ومن شخصياتها الرئيسية فتى من المصابين بمتلازمة داون، وكيف صرت أراهم في الطرقات كل يوم أخرج فيه، وحين انتهيت من الكتابة لم أعد أراهم إلا نادرا جدا وربما لا أراهم. أتذكر أيام كتابتي لرواية «عتبات البهجة» كيف كنت حائرا في نهايتها، ولأن بها فصلا عن الكلاب أخذني صديقي الراحل الشاعر محمد كشيك إلى سوق الكلاب في منطقة السيدة عائشة في مصر، لأشاهد أنواعها المختلفة التي لن تكفي قراءتي عنها، فالأفضل دائما أن تصحب الرؤية المعرفة. بعد أن انتهينا من الجولة وجلسنا على إحدى المقاهي تقدم إلينا رجل في زي شعبي يسألنا هل نحتاج خادما يعمل لدينا. حين سألته عن اسمه قاله وفي نهايته لقب «أبو صفيحة». اتسعت الدنيا حولي بسبب اسمه ونفحته شيئا من المال وقلت لصديقي وجدت النهاية. كنت أفكر أن تنتهي الرواية ببطليها يشتريان كلبين ويمشيان بهما في الشوارع معتزلين الناس، فوجدت الأفضل أن يشترياهما ويهدياهما إلى أبي صفيحة باعتبار أن البهجة لا تكتمل لبطلي الرواية اللذين تجاوزا الخمسين. أحداث كثيرة كانت تقفز أمامي اثناء انشغالي بالكتابة، فتغير مما أكتب أو تأخذه إلى خيال غير متوقع لم أجد لها تفسيرا غير الوحي الذي أخففه بالتخاطر. وهكذا فالفهم البسيط لهذه المسألة يبعد بالمبدعين عن أي اتهام بالإلحاد لأن تناول العمل الفني بالعقل فقط يجعله عملا فكريا، بينما هو من تجليات الروح أكثر. الإلحاد قال به بعض الفلاسفة باعتبار أن الله بعيد عما هو مرئي أو طبيعي ومن ثم شككوا في وجوده. فكرة واحدة أخذت أشكالا متعددة من التعبيرعند ماركس أو نيتشة أو غيرهما بينما لا يحتاج الإيمان بالله إلى أكثر من سؤال هل استجابة الكون للرغبات الصادقة لأن الكون المادي حولنا يعرف بأحلامنا، أم هي ملمح واحد من التجلي العظيم لوجود الله؟.
489
| 24 أبريل 2025
ما يحدث في عالمنا العربي من أثر السياسة يطول الكلام فيه ولا يتفق عليه الجميع، النتائج حولنا مرعبة في بلاد عربية متعددة مثل العراق أو سوريا أو السودان أو ليبيا أو حتى مصر. لكن في سماء وفضاء العالم العربي شيء يتفق عليه الجميع، ولا يختلف عليه إلا القليلون جدا، وهو الفن والأدب. إذا أخذنا ظاهرة واحدة هي معارض الكتب العربية، سنرى الإقبال عليها من كل من تتم دعوتهم من الكتاب والمبدعين من البلاد الأخرى لا ينتهي. سنرى الندوات واللقاءات تتعدد والنقاش يدور بتفاعل كبير، وباعتبار عالم السوشيال ميديا تظهر صور المشاركين مع بعضهم أو وحدهم تملأ الفضاء وهم في حالة من البهجة. ورغم أن الندوات قد تظهر فيها بعض الأسئلة السياسية فهي تمر ولا تشغل حيزا كبيرا، ولا يحرص المتابعون من الصحفيين على إظهارها فيما يكتبون إلا نادرا. باعتباري أحد الذين شاركوا في كثير من هذه المعارض من المغرب إلى دول الخليج رأيت ذلك وأكتبه من خلال الخبرة بها. هنا يرتفع السؤال: كيف لا يرى السياسيون هذه الظاهرة ودلالاتها على وحدة روح هذه الأمة ؟ تلك الوحدة التي حين رفعت السياسة شعارها يوما فرقت بينها، لأن من رفعوا شعاراتها من الساسة لم ينتبهوا إلى التنوع في الشعوب والأجناس والتراث والتقاليد التي تجعل لكل بلد خصائص من الصعب جدا إنكارها. هذه الخصائص ظهرت وما زالت في فن مثل الرواية، وعادة تكون محل إعجاب كبير من كل نقاد العالم العربي، ولا يقفون عند صحتها أو خطئها أو قربها أو بعدها من غيرها فيقعون في فخ السياسة، بل يقفون عند الصدق الفني في تصويرها، وتكون عادة مادة للبحث النقدي تحت عناوين مثل صورة المرأة في المجتمع المغربي أو المصري أو السوري أو اليمني أوغيرها من الدول. وعناوين أخرى مثل صورة المدينة أو القرية أو الصحراء أو غيرها. كذلك تجد الأنشطة الثقافية مثل هيئات الترجمة من الأدب العربي في بعض البلاد حفاوة وتقديرا من كتاب البلاد الأخرى. حتى الأعمال القليلة جدا التي لا تفوز برضا الجهات الحاكمة في بلد ما، تفوز بالرضا بين قطاعات المبدعين في البلاد الأخرى، وتتغير الأحوال فيعود العمل إلى مكانه وينتهي المنع بتغير الزمن. يوما في بداية التسعينات نشرت أنا رواية بعنوان «البلدة الأخرى» عن مهاجر مصري سافر إلى الخليج في نهاية السبعينيات تم منعها من الدخول تقريبا كل دول الخليج ولم اهتم أو أتحدث في ذلك. كنت أعرف أن كل شيء سيتغير مع الزمن، وحدث وصارت الرواية مسموحا بها. بل خلال تلك السنين تلقيت دعوات كثيرة للسفر الى الخليج واعتذرت عنها حتى جاء اليوم في يناير هذا العام ووافقت على حضور معرض جدة للكتاب، ولم تشغل الرواية غير سؤال واحد في الندوة التي حفلت بالأسئلة والنقاش. حين فزت يوما بجائزة كتارا في دورتها الأولى هاجمني البعض على قبولي الجائزة للخلاف السياسي وقتها ولم أهتم، وبعدها صار المصريون يفوز بعضهم بالجائزة كل عام ولا يهاجمهم أحد ولم تخل لقاءات الجائزة السنوية من المصريين حتى الآن. هذا التجاوز من الأدباء والفنانين للخلافات السياسية له معنى لا يغيب هو أن روح هذه الأمة واحدة مهما فعلت السياسة فلن تفرق بينها، وهنا يقفز السؤال هل يمكن للساسة أن يأخذوا العظة من المبدعين فيبحثون عما يوحد بينهم أكثر مما يفرق؟ كل السياسات تتغير مع الزمن ولا يبقى إلا الفن والأدب عابراً للسنين.
915
| 17 أبريل 2025
من السهل العودة إلى كذبة أبريل. في أي وقت ظهر المصطلح، وفي أي البلاد من العالم، لكن المهم أنه استقر الأمر، وارتبطت الكلمة بشهر أبريل» نَيْسان»، وأصبحنا نتذكرها في اليوم الأول منه. صارت الكذبة مصدرا لأفلام، مثل فيلم «كذبة أبريل» لشكري سرحان وإسماعيل ياسين، وأفلام عالمية كثيرة، ومهرجانات في العالم، وكتابات وخِدَع تتم في هذا الشهر للضحك لا أكثر، وظلت مرتبطة به عبر السنين. لكنها تحولت، فقل الضحك وكثر القلق إن لم يكن الألم. أكبر كذبة عشتها وجيلي كانت في الستينيات، حين كانت إذاعة صوت العرب المصرية تذيع برنامج « أكاذب تكشفها حقائق»، جعلت من القومية العربية شعارا لها، فهاجمت كل من يختلف مع جمال عبد الناصر من الحكام العرب، وبلغ الكذب غايته مع حرب يونيو 1967 حين أعلنوا أننا أسقطنا في اليوم الخامس من يونيو، مائة طائرة حربية إسرائيلية، وأننا على أبواب تل أبيب، حتى استطعت الوصول ليلا إلى محطة إذاعة أجنبية، لأن كل المحطات الخارجية عليها تشويش، فعرفت أننا انسحبنا إلى خط الدفاع الثاني، وهو ما لم تذعه إذاعتنا إلا في اليوم الثامن، وكانت من أطول الليالي في حياتي. اتسع بنا العالم، وجعله التطور التقني في يدنا هاتفا نقالا، فصرنا نرى حول الصدق أكاذيب حين تنشر تتسع، ولا يتوقف الحديث عنها باعتبارها حقيقة، إلا بعد أن يصدر بيان ممن أصابته الكذبة، وحتى رغم ذلك يظل البعض غافلا أو متغافلا عن البيان. * الأمثلة كثيرة جدا تحتاج كتابا، منها أننا نطلق منذ سنين طويلة، على مخيمات الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، «مخيمات لاجئين» كأنهم أتوا من دول أخرى وليس من مدن فلسطينية، بينما الحقيقة الواضحة عبر التاريخ، أن اللاجئين هم اليهود الذين تم طردهم من بلاد مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. صار اللاجئون اليهود هم اصحب الأرض، وصارت الكذبة تعلَق بأصحاب الأرض الحقيقيين، ليس في ابريل طبعا، لكن على طول السنين. من الأكاذيب الشائعة في السياسة أن العالم تخلى عن غزة، بينما المظاهرات تشتعل في أوروبا وأمريكا كل يوم. فقط نحن في معظم العالم العربي لا نتحرك إلا بموافقات أمنية للأسف. والحقيقة أن الذي تخلي عن غزة هي الحكومات المستمرة في كذبتها القديمة، وما فعلته من وعد بلفور وغيره، بينما الأجيال الجديدة في العالم تتحرك لتؤكد عالما جديدا، قد يكون من تبعاته عودة صورة اليهودي القديمة في الأدب العالمي. المرابي الخائن الذي يقتطع من لحم المدين مثل شايلوك عند شكسبير. * الحديث طويل عن الأكاذيب التي صارت طول العام، لكني انتقل إلى غيرها بسرعة مما تحفل به السوشيال ميديا. في الأدب انتشرت صفحات مدفوعة الأجر، للإشادة بأي عمل أدبي، وحيث تقرأه لا تستطيع أن تتقدم فيه عشر صفحات. انتشرت أيضا صفحات طبية تصف علاجا بالأعشاب وغيره، حين تدخلها تجد حديثا طويلا لا تفهم منها شيئا إلا دعاية لصاحبها. انتشرت صفحات الاستثمار المالي يتم فيها النصب على المشتركين، بتقديم فائدة مالية أضعاف فوائد البنوك. أطلق المصريون كلمة «مستريح» على من يدير مثل هذه الاستثمارات، فيجني الملايين ثم تختفي صفحته. يهرب ولكن يظهر غيره ويستمر الضحايا في الوقوع في الفخ. اتسع « المستريح» في السياسة، وأتاحت له السوشيال ميديا التحقق، عبر صفحات للجان مدفوعة الأجر تدافع عن الخطأ، ولا أرى أصحابها إلا وهم يضحكون، حين يتقاضون رواتبهم والتعليمات بالكذب الجديد، وهم ينامون سعداء في عالم، جعلوا فيه شهر أبريل لا ينتهي.
546
| 10 أبريل 2025
هذا عنوان كتاب صغير صدر هذا العام عن دار صفصافة بالقاهرة، تخيلته رواية قصيرة ثم رأيت على الغلاف كلمة «سيرة»، فقرأته في شغف لأعرف من هي هذه المرأة التي تستحق كتابا ولو صغيرا. خاصة أننا نعرف ما فعله هتلر، ليس بالمعارضين فقط، لكن بالأسرى في الحروب، وبذوي العاهات الذين كان يقتلهم لتخلو المجتمعات من المعاقين، ما فعله باليهود معروف رغم المبالغة في حجم الأعداد، لكني أتذكر ما يفعله الصهاينة في أهل غزة وغيرهم الآن، وكيف جعلوا من هتلر رسولهم، لذلك لا أعيده. الكتاب للكاتب الألماني وولفجانج مارتن روث الذي يعيش في النمسا، ومن ترجمة الدكتورة إشراقة مصطفى حامد التي تعيش في النمسا أيضا. وجدت أن سؤالي عن هذه المرأة التي قالت لا لهتلر، قد شغل الكاتب منذ رآها وهو يمشي طفلا مع أبيه، الذي أشار إليها وذكر ذلك لزوجته، وحين أخذه الفضول ليعرف حكايتها، قال له أنت صغير لن تفهم ذلك، ظل هذا السؤال كامنا، ليقفز بعد خمسين سنة، حين كانت زيارته لقرية «التاوسي» التي عاشت بها المرأة بالنمسا. هل كانت امرأة حقيقية وكيف عاشت، رحلة بحث في الصحف القديمة وبين الناس، وكيف أن اسمها هو ماريا هايم كوسلر، لكن أطلقوا عليها اسم «الرافضة «. * تبدأ الحكاية مع إعلان هتلر ضم النمسا إلى ألمانيا بعد غزوها عام 1938. وهذا القرار بالمناسبة كان سبب اشتعال الحرب العالمية الثانية المباشر، كما عرفت من قراءاتي وأنا أكتب روايتي» لا أحد ينام في الإسكندرية». كيف بعد أن أعلن هتلر عن هذا الضم، أقام استفتاء بين السكان، ومنهم أهل قرية التاوسي، في أبريل من نفس العام، ليعطي الضم شكلا ديمقراطيا. كان هناك 1225 صوتا في التاوسي صوتوا كلهم بنعم، ماعدا صوت واحد قال لا. كان هو صوت الفتاة ماريا هايم كوسلر التي كانت في الواحدة والعشرين من عمرها، فهي من مواليد 1917، لم يكن المؤلف يصدق أنها يمكن أن تعيش بعد ذلك، لكن هذا ما حدث. من خلال رحلة البحث في الصحف القديمة أو الناس، نرى علامات كثيرة مما يفعله كل ديكتاتور، منها الاحتفالات التي تملأ الشوارع بقراره، وتقوم بها جماعات من إنتاجه للشباب والكبار، يذكرها المؤلف كلها. أو تأييده من رجال الدين، وهنا تأييد الكنيسة له في بيانات تجعله أقرب إلى المهدي المنتظر. هذه أشياء رأيناها، ورأيتها أنا في مصر، ومنها الحشود التي كانت تخرج مدفوعة الأجر تأييدا للزعيم، جاء ذكرها في رواياتي. لم يقتلوها حقا، لكن انصرف الجميع عنها، وصارت كما قلت يشار إليها بالرافضة، حتى أنها تزوجت في الثالثة والأربعين، وعاشت آخر أيامها في مركز رعاية لكبار السن مع زوجها، حتى ماتت عام 1986، وبعد أن دُفنت مع أختها نزعت اللوحة التي بها اسمها. يكتشف الكاتب ذلك كله، ويقدم صورا للوثائق وغيرها، لكن بعد صدور الكتاب لأول مرة عام 2017، يتم إعادة اللوحة إلى المقبرة، ويتم تكريمها في الإعلام، وبلوحات فنية تذكارية لها. كانت كما أخبره قليل ممن عرفوها كاثوليكية، لكن ديانتها في قلبها، ومن ثم فرفضها لم يكن وراءه أي سبب سياسي أو ديني، لكنه أشبه بتحذير من أنقياء الروح، أو نبوءة بالقادم. هكذا رآه المؤلف وهو على حق. ورغم أنه لا أحد يدرك النبوءات إلا بعد حدوثها، يبقى ما فعلته هذه المرأة، رغم ما يبدو من بساطته، درس التاريخ الذي لا يفهمه الطغاة، ولا من يصنعونهم.
747
| 03 أبريل 2025
ينتهي شهر رمضان الكريم هذا العام، ويأتي بعد يومين عيد الفطر فيقفز في الفضاء سؤال المتنبي «عيد بأي حال عدت يا عيد.. بما مضي أم لأمر فيه تجديد «. لا أحب أن أرى الحياة على طريقة السوشيال ميديا، فأعتبر السؤال يشمل كل الناس، فمن المؤكد أن الأغلبية من البشر، تعيش حياتها وتفرح بالعيد، وتحتفل به مع أبنائها وأحبابها، وتزور حتى مقابر موتاها فلا تنسى يوم الحساب. السؤال يخص قطاعا من المثقفين مشغولين دائما بما حولهم. وحتى في هذا ينقسم المثقفون لأسباب يطول شرحها، فحول قضية ناصعة الحضور مثل الشمس، وهي قضية الإبادة الجماعية لأهل غزة، وجدنا ما هو مخزٍ، مثل من يلقون باللوم على حماس وكتائبها، بينما القضية الوطنية لا لوم فيها. فقط هم الباحثون عن المدينة الفاضلة، يقدرون نضال الشعب الفلسطيني. ورغم أن المدينة الفاضلة هي الجنة الموعودة عند نهاية العالم، فالإنسان ناضل من أجلها عبر التاريخ كله، ووصل في دول إلى المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات، ولا يزال يناضل في غيرها وسيظل، فالحلم عظيم وإن لم يتحقق كله في الدنيا، وبدونه كنا يقينا في الكهوف والمغارات نخشى الخروج. الحقائق التي أمام أي شخص إذا أراد، هي أن ما يحدث في غزة ليس سحرا ولا رواية خيالية. فالأخبار عن خمسين ألف شهيد لا يمكن أن تكون ملفقة، خاصة أننا نرى الصور أمامنا للخراب الذي أحدثته إسرائيل في المكان والناس. وكيف لم تترك حتى المستشفيات. الأمر نفسه في أخبار الجرحى والمصابين الذين فاق عددهم الشهداء. من فقد شيئا من أعضائه الذين تُظهِر الصور أن أكثرهم من النساء والأطفال. لا يعني هذا أنه لو كانت الأغلبية من المصابين للرجال يُعد أمرًا يمكن تحمله، لكن كونها للنساء والأطفال، فأقل ما يُقال أن هذا العالم يعيش على خطيئة كبيرة. تعرف كقارئ للتاريخ الحقيقي، أن وراء ذلك حلما كاذبا للصهيونية، كأحلام الحروب الصليبية القديمة، التي رفعت راية الدين من أجل السياسة. ودول كبرى تتحكم فيها شركات السلاح ورجال المال، وأن هذا الشرق الأوسط منبع الديانات، مستهدف على مر التاريخ من الأعداء. لكن هذا لا يكون مبررا للراحة النفسية، ما دمت معنيا بما يحدث حولك، وهي عناية لا يختارها الكاتب بنفسه، لكنها رغم آلامها، نفحة يهبها الله لقليل من عباده، تتجسد في موهبة الإبداع والفكر والكتابة، التي تصل ببعض أصحابها إلى الانتحار يأسا. الانتحار الذي هو في حالتنا أقل، ليس لإحساس أقل بالجرائم، لكن لحرمته الدينية والأمل، فهناك دائما إله حقيقي، سيأتي اليوم الذي يغير فيه الأمور التي عجز البشر عن تغييرها، بطرق كثيرة لا ندركها إلا بعد حدوثها، ويُسخِّر من عباده من يقوم بها، فكل من ارتكب مثل هذه الجرائم لم ينتهِ نهاية طبيعية، بالموت العادي مثل بقية البشر، لكن بكوارث لم يتوقعها، مثل حادثة طريق، أو ظهور من هو أقوى منه ينقلب عليه، أو ضياع بلدته كلها، فالله لا يحرس الجبارين. لكل شخص نقطة ضعف وإن لم يدركها، ستتسبب في نهايته. الطغاة لا يدركون ذلك رغم أنه درس مستمر في التاريخ. وما أكثر الأسماء والبلاد التي عاشت على خطيئة ثم زالت، يمكن أن أذكرها. فلا هتلر ولاموسيليني ولا بشار الأسد مثلا ببعيد. فالعيد قادم إجابة على سؤال المتنبي، بما هو أفضل مهما طال الوقت، وإن ظل سؤاله بمعناه الفلسفي عابرا للزمن. ومهما احتارت نفوس الموجوعين، ستنتصر غزة وفلسطين، فالإيمان بالله، وبأهدافنا الإنسانية شمس لا تغيب.
357
| 27 مارس 2025
اشتعلت السوشيال ميديا في مصر بالنقد، لسيدة سورية مصرية الأصل، نشرت صورة لها في المتحف المصري إلى جوار تمثال رمسيس الثاني، وعليها الآية القرآنية الكريمة « ذروني أقتل موسى وليدعُ ربَّه». دفاع المصريين عن رمسيس الثاني بلغ السماء، فكل الدراسات تنفي علاقة رمسيس أو غيره بخروج اليهود من مصر. بل تنفي وجود اليهود في مصر أصلا. كل آثار مصر على المعابد أو في ورق البردي لا وجود لليهود فيها. أحالني الأمر إلى قضية أكبر، وهي العلم والدين. اعتبار الدين مصدرا للعلم لا يبدو أنه انتهى. لقد وصل إلى إسرائيل التي تدعي العلمانية، لكن قادتها مثل نتنياهو يرون في قصص التوراة، مبررا لقتل وإبادة شعب فلسطين، والتمهيد لغزو بلاد عربية أخرى. نحن نؤمن بما جاء في القرآن من قصص التوراة وغيرها ليس لحقيقتها، لكن للعظة العابرة للتاريخ منها. ولما استقر في نفوس البشر من معانيها السامية. إذا اعتبرتها حقيقة فستفعل ما فعلته محاكم التفتيش مع العلماء في العصور الوسطى. الإيمان الذي عرفه الإنسان منذ فجر التاريخ مكانه القلب لا العقل. العظة منه تظل قائمة. هذه السيدة وغيرها لم يأتوا من فراغ. لا أنسى برنامج «العلم والإيمان» للدكتور مصطفي محمود، كان يستدل به من آيات القرآن الكريم على انجازات العلوم. كان يدهشني أنه يعتمد على حقائق علمية لعلماء ملحدين، أو أفلام علمية من دول شيوعية. استمر هذا البرنامج سنوات طويلة حتى تم إيقافه، ثم ظهرت بعده كتابات زغلول النجار، التي أعادت كل انجازات العلوم إلى آيات سابقة في القرآن الكريم. ما فعله مصطفى محمود لا يقلل من قيمته الأدبية ككاتب مسرح أو كمفكر، كان من أوائل من مُنعت كتبهم في الخمسينيات، وخاصة كتاب «الله والإنسان». ولا يقلل من كتاباته عن رحلته من الشك إلى اليقين، ولا من مشروعه الخيري بإنشاء مستشفى مصطفى محمود لغير القادرين. * أعود إلى الحقيقة التي يتغافل عنها الكثيرون وهي أن الإيمان هو ما وقر في القلب للعظة، أما العلم فمتغير، بل إن النظرية العلمية هي ما يقبل الكذب، بمعنى أن كل نظرية تأتي بعدها نظرية أكثر شمولا منها، ومثال على ذلك قوانين الجاذبية التي اكتشفها نيوتن، فجاءت بعدها نظرية النسبية، ثم جاء اكتشاف أحمد زويل للفيمتو ثانية. الحكايات الدينية في التوراة لها أصول في الحكايات المصرية القديمة والأشورية، كثير منها في ملحمة جلجامش بأسماء أخرى، لكنها عاشت واستقرت في روح المؤمنين لما فيها من عظة، وليس مهما الحقيقة. علميا هناك خلاف كبير على وجود كثير من الأنبياء قبل نبينا محمد، ولا أقول هذا لأني مسلم، لكن لاختلاف زمن الكتابة والتدوين. لكنها حكايات جعلت الإيمان قلعة في الأرواح، وأتى بها القرآن الكريم فاستقرت أكثر في الضمير الإنساني بعد آلاف السنين. ومن ثم فعلى الناحية الأخرى لا يجب أن يقلل العلمانيون من القيمة الإنسانية هذه القصص. أذكر يوما في آخر الثمانينيات كنت أمشي في الموصل بالعراق فرأيت مسجد النبي يونس. كان معي شاب عراقي فقلت له سأتركك لحظات أصلى في رحاب من أنجاه الله من بطن الحوت، فقال لى هل تصدق. هل يوجد في نهر دجلة التي تقع عليه الموصل حيتان؟ قلت له لا تخلط بين العلم والدين، ثم ما أكثر اسم «ذو النون» في الموصل، ولم يأتِ ذلك إلا للإيمان بالقصة. للأسف دمرت داعش هذا المسجد، لكن ليس بسبب العلم، لكن لأنها تعتبر أضرحة الأولياء كفرا، وهي ملاذ الحائرين والمظلومين.
564
| 20 مارس 2025
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس، أتذكر أياما كثيرة يحتفل بها العالم، مثل اليوم العالمي للطفولة، أو حقوق الإنسان، بينما ما حولنا معاكس لها تماما. كيف مثلا يكون هناك احتفال بالمرأة ونساء السودان يتعرضن لكل هذا البؤس في الحرب القائمة هناك، واغتصاب بعضهن من قبل ميليشيات حميدتي، ونساء غزة يتعرضن إلى المذابح الجماعية والإبادة، والأمم المتحدة مصدر هذا الاحتفال، والداعية له، لا يتيح لها نظامها الداخلي أن توقف هذه الحروب كلها وغيرها. سأبتعد عن الألم قليلا وأذكر حكايتين في التاريخ الأسطوري للشعوب، قدمتا لنا المرأة في أعظم الصور العابرة للزمن. الأولى هي أسطورة إيزيس المصرية التي حين قتل "سِت" أوزوريس، جمعت هي أشلاء أوزوريس من كل مكان، بعد أن فرقها ست حتى لا يتم جمعها، وأنجبت منه حورس لينتقم لأبيه ويقتل قاتله، ويعود العالم إلى حقيقته، فلا يمكن قهر الخير. أسطورة إيزيس لا تعني عودة روح أوزوريس فقط، لكن تعني عودة الروح إلى الحياة نفسها، وتظل المرأة باعثة الأمل. الحكاية الثانية هي شهرزاد مع شهريار الملك الذي خانته زوجته، فصار يتزوج امرأة كل يوم يقتلها في اليوم التالي. كانت شهرزاد في الحكاية ابنة وزيره فطلبت منه الزواج رغم ما تعرفه عنه، وصارت تحكي له كل ليلة حكاية مشوقة لا تنتهي، وتتركه مشتاقا إلى نهايتها لليوم التالي، حتى مرت ألف ليلة شملت ألف حكاية، وشفي الملك بعدها مما أصابه من خيانة زوجته له. أنقذت شهرزاد كل النساء وأعادت ميزان العدل، فكما أن هناك امرأة يمكن أن تخون، فهناك رجل يمكن أن يخون، والمهم أن يكون العقاب للخائن لا لبقية النوع، وليس امتلاك السلطة مبررا للجبروت. هاتان الحكايتان وغيرهما كثير، هما من تجليات العالم في حالته البكر التي نسميها بدائية. الحالة التي لم تكن مرتبطة بقضايا سياسية كبيرة، ولا مصالح، ولا بناء إمبراطوريات، لكن بالروح الحقيقية للبشر. السياسة مهما رفعت من شعارات، فهي تحركها المصالح التي أبسط تجلياتها التنوع الطبقي. حالة المرأة في الحكايتين عكست القوة من ناحية في إيزيس، والعقل أو الذكاء، ولا أقول الدهاء، فمهما اتُّهِمَت المرأة بالدهاء لم تفعل ما فعله الرجال من شر بدهائهم. يحتاج فهم المرأة إلى إعادة قراءة التاريخ لنرى من صنع الشر في هذا العالم. هل كانت النساء في مراكز السلطة والقوة كما الرجال، أم هم الرجال الذين جعلوا الخير حلما غائبا، فظهر الإصلاحيون نساء ورجال يتحدثون عن النِّسْوِيَّة كحركة ضرورية لإعادة حقوق المرأة الضائعة عبر التاريخ. والآن ونحن نتحدث عن اليوم العالمي للمرأة يمكن أن ننسى كل التاريخ القديم ودلالاته حتى في أساطيره عن المرأة، لكن كيف ننسى ما حولنا في هذا العالم مما ذكرته في السودان وغزة أو غيرهما في بلاد أفريقيا وآسيا. اليوم العالمي للمرأة يثير السؤال كيف تعلنه الأمم المتحدة بينما تعجز عن إنقاذ نساء العالم إلى هذا الحد، أم أن نساء العالم هن فقط في الدول الكبرى التي قطعت شوطا كبيرا في الحرية والمساواة بين شعوبها، وهي الدول التي لها حق الفيتو أو الاعتراض في مجلس الأمن. متى تنهي الأمم المتحدة نظام عملها في مجلس الأمن لتتساوى فيه الدول، وهو النظام الذي يجعلها لا تؤمن بقرارات محكمة العدل الدولية مثلا، فيكون هناك معنى للأيام التي أعلنتها للمرأة أو الطفولة أو العدالة أو غيرها.
537
| 13 مارس 2025
كالعادة مع شهر رمضان الكريم يشيع الجدل حول المسلسلات التليفزيونية، ومع أول حلقة دون انتظار لبقية الحلقات أو عدد كاف منها. جدل هذا العام عنيف حول مسلسل «معاوية»، وحول تجسيد الصحابة والأنبياء في الأفلام أو المسلسلات وحرمته. ففي المسلسل شخصيات كثيرة من الصحابة. أول ما أحب أن أشير إليه هو أن الفن لا يُحدِث تحولا في فكر المشاهد إلا إذا كان لديه استعداد نفسي لذلك. في الفن حرية وأكثر الشخصيات فتنة للقارئ في الروايات أو الأفلام، هي الشخصيات المغامرة والخارجة على المألوف. كم شخصا تأثر بها؟ ربما لا أحد غير من يدفعهم المجتمع إلى ذلك. قرأنا كثيرا أن روايات مثل «كوخ العم توم» للكاتبة الأمريكي هارييت بتشر ستو، ساهمت في إشعال الحرب الأهلية الأمريكية. والحقيقة أن الحرب اشتعلت لرغبة الشمال في ثروات الجنوب الطبيعية التي هي أكثر، وظلت العبودية بعدها لعشرات السنين. وأن رواية «الأم» لماكسيم جوركي أشعلت الثورة الشيوعية في روسيا، والحقيقة أن الشيوعيين كان لهم تاريخ من النضال قبلها بكثير. وأن رواية « عودة الروح « لتوفيق الحكيم كانت أحد أسباب حركة يوليو 1952، والحقيقة أن طريق الليبرالية في مصر كان تقريبا قد أنهى على نفوذ الملك فاروق، وجاء عصر الانقلابات وكانت أمريكا من مشجعيه، لتحتل مكان بريطانيا وفرنسا، اللتين خرجتا من الحرب العالمية الثانية أضعف. إذن ماذا يفعل الفن؟ يصنع إنسانا سويا بالقراءة أو المشاهدة والمتعة التي يشعر بها. يأتي مسلسل معاوية فتشتعل الآراء حوله، تُصدر هيئة كبار العلماء بالأزهر في مصر، بيانا بتحريم المشاهدة بسبب تجسيد الصحابة وتمنعه العراق. أعرف أن العراق يعيش تحت صراع بين السنة والشيعة، والموالون لإيران لهم النفوذ الأكثر، وفي الوقت الذي يمنعون المسلسل لا يمنعون مسلسلات إيرانية جسدت الصحابة مثلا. للأمر في العراق خلفية سياسية. في مصر سبب تحريم تجسيد الصحابة والأنبياء في الفنون أنهم أعظم من أي ممثل. هنا يتناسى الذين يحرمون ذلك أن من تشاهده على الشاشة ليس الممثل، بل شخصية فنية. كم شخصية يتمثلها الممثل في حياته وأين هو منها؟ ثم نحن في مصر خارج الصراع بين السنة والشيعة. عقولنا سنة لكن قلوبنا مع آل بيت الرسول وحبنا لهم فائق، وليس أجمل لدى المصريين من زيارة ضريح السيدة زينب أو الحسين. تحريم تمثيل الصحابة أمر قديم للأزهر ليس مفاجئا لي. أذكر اجتماعا لنا أنا وبعض الفنانين مثل حسين فهمى والمخرج مجدي أحمد علي والمنتج محمد العدل منذ عشر سنوات تقريبا، مع شيخ الأزهر ورجاله لنقنعهم بتجسيد الصحابة، ولم يوافقوا. لكن هل يصلح المنع أو التحريم في هذا الزمن. المنع فاشل مقدما لأن هناك وسائط للفرجة غير التليفزيون شائعة حتى مع الأطفال، مثل الهاتف النقال. المنع يجذب المشاهد أكثر للعمل. هو فقط يريح المسؤولين. أنظر إلى الفن التشكيلي في أوروبا عبر الزمان، وكيف جسد كل الأنبياء ومن معهم قبل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، في لوحات فنية باهرة. لم يرَ أحد هذه اللوحات ليؤمن أو يكفر، لكنها المتعة البصرية لا أكثر. كذلك فعلوا في السينما. أنظر كم ضاع علينا من متعة بسبب التحريم. كان على المهاجمين الانتظار ويكون النقد الفني لمفردات البناء الدرامي، من أزياء ومبان ولغة وغيرها ومناسبتها. كذلك النقد الفكري إذا حرص المسلسل على تبرئة معاوية دائما، خاصة في أحداث الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان ابن عفان. وفي النهاية لن يغير المسلسل العالم.
1203
| 06 مارس 2025
جنين وطولكرم ومنع سكانهما من العودة والكل يتفرج وساكت... منذ أيام في الثاني والعشرين من فبراير، قفزت إلى ذهني ذكرى إعلان الوحدة العربية بين مصر وسوريا، التي تم الإعلان عنها ذلك اليوم عام 1958. وكيف رأيت في صباي، وبسرعة مدهشة، سوق المنشية بالإسكندرية وقد امتلأ بالبضائع السورية، حتى صار اسمه سوق سوريا. وكيف غنت صباح أغنيتها التي ملأت فضاء البلاد» من الموسكي لسوق الحميدية.. أنا عارفة السكة لوحديا. كلها أفراح وليالي ملاح...» لم يكن حب السوريين جديدا، فهم أحد الروافد الكبرى في النهضة المصرية، وخاصة في الثقافة والفن منذ نهاية القرن التاسع عشر. فمن الشام وفد جورجي زيدان وأقام دار الهلال التي لا تزال قائمة، وتنشر المجلات وتطبع الكتب. ومن الشام وفدت مجلة المقتطف الفلسفية والعلمية، وكذلك أسس الأخوان بشارة ووليم تقلا اللبنانيان جريدة الأهرام. في السينما وفد الكثيرون مثل الأخوين لاما. أيْ بدر وابراهيم لاما، واقاما ستوديو للأفلام في الإسكندرية في عشرينات القرن الماضي. أما الأغاني والموسيقى والممثلون فالأسماء معروفة لكل الدنيا. كانت الوحدة بين مصر وسوريا تجليا لفكرة القومية العربية. انتهت هذه الوحدة بعد ثلاث سنوات في عام 1961 وأُعلن الانفصال من قبل سوريا. كان جمال عبد الناصر قد ولى المشير عبد الحكيم عامر رئيسا للإقليم الشمالي كما صارت تسمى سوريا. ألغى عامر الأحزاب، وسيطر عسكريا على الاقتصاد، وغير ذلك من مظاهر الديكتاتورية، فجاء الانفصال. لقد حاول جمال عبد الناصر أن يصل بشعبيته الجارفة إلى الوحدة بقوة مع غير سوريا، فدخل في حرب لا معنى لها فى اليمن تحت شعار القومية العربية، ولم تتحقق أي وحدة. هذا ما تداعى على عقلي بسبب ذكرى الوحدة بين مصر وسوريا، لكن من المهم أن أعود إلى التجلى الأول لفكرة القومية العربية الذي سبق هذه الوحدة، وكان في ظهور جامعة الدول العربية عام 1945. كان في ظهورها مقاومة للدول الاستعمارية مثل إنجلترا وفرنسا وإيطاليا التي كانت تحتل دولا عربية كثيرة. فكرة القومية أصلا ظهرت في أوربا في القرن التاسع عشر مقاومة للاحتلال العثماني لبعض دولها. وهكذا ظهرت في الشام ومصر وغيرها حتى جاءت الجامعة العربية. لكن فكرة أن يكون العرب دولة واحدة لها رئيس واحد كانت غير صائبة، وما فعله عبد الناصر كان له أثره السلبي ربما حتى الآن. هناك شعوب مختلفة وتراث مختلف في كل أمة. لكن تظل اللغة العربية هي أكبر ما يوحد البلاد العربية، وهو أمر تتميز به علي أوربا التي أقامت الاتحاد الأوربي رغم اختلاف أجناسها ولغاتها. فهل يحدث يوما هذا الحلم من الاتحاد العربي - وليس الوحدة - ويمر المواطن العربي مثلا بين البلاد العربية بفيزا مثل الشنجن الأوربية، فيمر كذلك الاقتصاد بسهولة، وتكون لنا عملة موحدة، خاصة أن الصحافة والكتب صارت تعبر البلاد في فضاء السوشيال ميديا. هذا حلم بعيد فدعنا في القريب. ستجتمع جامعة الدول بعد أيام في الرابع من مارس. مؤكد لن توافق الدول العربية على تهجير الفلسطينيين. لكن الآن تقوم إسرائيل بإخلاء مخيم جنين ومخيم طولكرم بالضفة الغربية، وإجبار أربعين ألفا من السكان على المغادرة. لقد صارت الضفة الغربية هي الجبهة الرئيسية لإسرائيل الآن، وفقا لتصريحات وزير الجيش الإسرائيلي، أتمنى أن تنشغل الجامعة العربية بذلك مع غزة، فالمعنى الحقيقي للجامعة وقيامها هو التحرر من الاستعمار. كل الطرق مفتوحة أمامها في العالم للدفاع عن غزة والضفة معا.
459
| 27 فبراير 2025
الكوميديا مقابل التراجيديا فن قديم. ظهرت في البداية مع المسرح، ثم انتلقت إلى السينما منذ بدايتها الصامتة في أفلام لشارلي شابلن، أو لورين وهاردي، الذين قدموا سلسلة أفلام ممتعة. من أفلام الكوميديا التي أخذت مكانها في التاريخ فيلم «الديكتاتور العظيم» لشارلي شابلن، ساخرا من هتلر وما أقامه من إبادة لليهود. كان هذا الفيلم عام 1940، وأول أفلامه غير الصامتة، ووجد قبولا كبيرا في العالم، في الوقت الذي كان الصهاينة فيه يهيئون الظروف، ليكون لهم وطن قومي في فلسطين، على حساب الشعب الفلسطيني صاحب الوطن. مؤكد أن شارلي شابلن لم يكن معنيا بهذا، فضلا عن أن ما فعله هتلر باليهود أمر حقيقي، وكان مقابله استقبال اليهود الفارين، في مصر وفلسطين وغيرها من البلاد العربية، فالشعوب العربية كانت تفرق ما بين اليهودية كديانة، والصهيونية كعقيدة سياسية. كان النضال الفلسطيني على أشده ضد الاحتلال البريطاني، وضد التمهيد لدولة يهودية، وما تفعله القنصليات الأجنبية من شراء أراضٍ من الفلسطينيين وبيعها لليهود، فقيل لاحقا إن الفلسطينيين باعوا أرضهم، وهي الكذبة الشائعة حتى الآن عند الكثيرين للأسف. إما بسبب الجهل بالتاريخ، أو بسبب الترويج للصهيوينة التي تدعمها دول مثل أمريكا وفرنسا وإنجلترا، لها صحف وشبكات إذاعية وتلفزيونية يعمل فيها الكثيرون، ويمكن أن يتجاهل بعضهم الحقيقة من أجل العوائد المالية من عملهم، هذا في أقل تقدير. شخصيات شهيرة تمثل بعض حكام من العالم، ظهرت في أفلام تراجيدية وكوميدية يطول ذكرها، منها ما هو عن تاريخ معروف، أو تاريخ أسطوري، مثل ملوك بابل أو نيرون أو ماري انطوانيت حتى محمد رضا بهلوي. أتذكر كل هذا وغيره وأنا أقرأ تصريحات جديدة كل يوم من ترامب، آخرها القول بأن هناك من سكان غزة من يتصل به على الواتس، يخبره أنهم مستعدون للتهجير. وسواء كان هذا صحيحا أم لا فهو يليق بترامب. لأني أتصور ترامب في كل أحاديثه وفي لغة جسده، كأنما يبحث عن دور سينمائي أو بطولة سينمائية. أعرف أن رونالد ريجان بدأ حياته ممثلا. وشارك في أفلام بعضها كوميدي مثل «فتاة من شاطئ جونز» عام 1949، أو درامي مثل «سجين حرب» عام 1954 وغيرها، حتى انتقل إلى السياسة وصار رئيسا للولايات المتحدة وكان مناصرا لإسرائيل. بدوره قام ترامب بأدوار صغيرة، أو مجرد ضيف شرف ترويجا لنفسه كرجل أعمال. أفلام منها «لا تستطيع الأشباح أن تفعلها» الذي نال عنه جائزة التوتة الذهبية عام 1990 التي تُعطى لأسوأ عمل وأسوأ ممثل. هو بالمناسبة صاحب شركة إنتاج سينمائي أنتجت أفلاما وثائقية. وفاز بنفس الجائزة عام 2019 عن بعض الأفلام الوثائقية. وهي جائزة ساخرة عبارة عن توتة برية مصنوعة من البلاستيك ثمنها خمسة دولارات، ولها شهرتها بالضحك والسخرية، فضلا عن أفلام ساخرة عنه، ولوحات وتماثيل ساخرة له، والكاريكاتير، مما يمكن أن تتيحه الحياة الأمريكية من حرية. ربما كان ترامب بذلك أكثر الرؤساء حظا، نقدا أو احتفاء، لكن يبدو من أقواله عن القضية الفلسطينية أنه لا يزال يمارس تمثيله بنزعة لا يقبلها العقل، بل يحاول تجسيد الكوميديا التي لم يتقنها. سيكون لذلك توابع قادمة في السينما بأفلام أكثر عنه، ساخرة منه رغم مأساوية موضوعاتها. لا ينسى ترامب أنه ممثل فيتقمص أدوارا تثير الضحك، ويبدو سعيدا كأنه يحقق مجدا سينمائيا لم يتحقق في الحقيقة. وربما يكون سببا في عودة السينما الصامتة، حتى تكون السخرية بالحركة والصورة.
1953
| 20 فبراير 2025
مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...
4020
| 04 نوفمبر 2025
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس...
3636
| 11 نوفمبر 2025
8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...
2187
| 04 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف...
2127
| 05 نوفمبر 2025
تستضيف ملاعب أكاديمية أسباير بطولة كأس العالم تحت...
1476
| 11 نوفمبر 2025
تشهد الصالات الرياضية إقبالا متزايدا من الجمهور نظرا...
1422
| 10 نوفمبر 2025
من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...
1344
| 04 نوفمبر 2025
عندما صنّف المفكر خالد محمد خالد كتابه المثير...
1050
| 09 نوفمبر 2025
تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...
1014
| 04 نوفمبر 2025
مضامين ومواقف تشخص مكامن الخلل.. شكّل خطاب حضرة...
987
| 05 نوفمبر 2025
أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...
972
| 05 نوفمبر 2025
ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة...
879
| 06 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية