رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تونس تعج بميلاد الجبهات "الهشة"

لا يختلف اثنان في تونس عن أداء الحكومة التي تشكلت مع بداية سنة 2015 لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وفي القلب منها موضوع خلق فرص عمل للعاطلين عن العمل، من أنه أداء فاشلٌ. وكنا قد تناولنا في مقالات سابقة العديد من مكامن هذا الفشل. وبالمقابل، لم تكن المعارضات على اختلاف مسمياتها أحسن حالا من أداء الائتلاف الرباعي الحاكم، ومع ذلك يشهد المشهد السياسي منذ العام الماضي ولغاية اليوم، ميلاد العديد من الجبهات السياسية "الهشة"، تطرح نفسها على أساس أن تكون قوة فاعلة، وتقدم حلولاً ومقترحات بعد أن أفرزت نتائج الانتخابات التشريعية في خريف عام 2014، بروز قطبين في المشهد السياسي التونسي، وهما: حركتا "نداء تونس" و"النهضة" وثلاثة أحزاب أخرى: وهي الاتحاد الوطني الحر، وآفاق تونس، والجبهة الشعبية، شكلت لاحقا مع بعضها ائتلافا حاكما باستثناء الجبهة الشعبية، اجتمعت العديد من الأحزاب المهزومة في الانتخابات الرئاسية، التي ضمت في البداية الحزب الجمهوري، وحزب التكتل الديمقراطي، والتحالف الديمقراطي، وحركة الشعب، والتيار الديمقراطي، وحركة الديمقراطيين الاجتماعيين، قبل أن ينسحب منها التيار الديمقراطي ومن بعده حركة الديمقراطيين الاجتماعيين، بهدف تكوين جبهة ديمقراطية اجتماعية، تكون قادرة على التموقع من جديد في المشهد السياسي. غير أن هذه المبادرة لم يكتب لها النجاح بسبب الانسحابات التي طالت هذه الجبهة الديمقراطية، والصراعات على الزعامة، إضافة إلى عدم التوحد في الرؤية السياسية.ومؤخرا، عقدت هذه المجموعة "الديمقراطية الاجتماعية" التي تضم عددًا من أحزاب وسط اليسار والديمقراطيين الاجتماعيين، اجتماعا في أحد فنادق العاصمة، وبعد المداولات والنقاش المستمر منذ أسابيع قررت المجموعة الالتحاق بمبادرة المترشح السابق للانتخابات الرئاسية "منذر الزنايدي" المتوقع الإعلان عنها رسميا يوم 28 فبراير الجاري. ويضم المشروع الجديد الذي يقوده الزنايدي مجموعة من الحساسيات الديمقراطية الاجتماعية ووسط اليسار والنقابيين والدساترة. وتعتبر المجموعة الاجتماعية أن المشروع السياسي الجديد يجب أن يكون منفتحا على كل من يؤمن بالحداثة والجمهورية والديمقراطية ودور الدولة الاجتماعي، وهو مشروع غير معني بالانتماءات السياسية السابقة، ولا يوجد أي إشكال مع أي انتماء سابق، ومن بين الذين التحقوا بهذا المشروع مع المجموعة الديمقراطية الاجتماعية قدماء الطلبة والشباب الدستوري، واعتبر أحد الناشطين في المجموعة الاجتماعية أن جميع المنخرطين في هذا المشروع قاموا بمراجعات لتجاربهم السياسية، ويرون أن الحل اليوم هو في ولادة مشروع ينخرط فيه طيف واسع من التونسيين، وقائم على مكاسب الاستقلال، وتجاوز تجربة دولة الاستقلال بمرحلتيها التي اتسمت بغياب الديمقراطية والحريات، ولا يمكن العودة إلى الوراء، ولابد من التأسيس على الطموحات والأحلام المتصلة بـ14 يناير 2011 الذي مثّل منعرجا حاسما في تاريخ تونس المعاصر. وفي ظل انعدام الثقة بين مكونات الشعب التونسي، وعشرات الأحزاب السياسية التي تشكلت، وجميعها تدعي أنها تمثله سياسيا، تشكلت مؤخرا "تنسيقية اللقاء الوطني"، وهو آخر مولود على الساحة السياسية لأحزاب المعارضة من خارج البرلمان، وضمت كلا من حزب الوحدة، وحزب السيادة للشعب، وحزب الخضر للتقدم، والحزب الشعبي التقدّمي، وانبنت على "مشروع طموح قادر على أن يكون بديلا لما تشھده الساحة السیاسیة من فراغ واضح" وفق ناطقها الرسمي الأمين العام للحزب الشعبي التقدمي هشام حسني. وإذا كان هشام حسني قد يبدو محقا في قوله لـصحيفة "الصباح" التونسية، "إن أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، غرقت في الحسابات السیاسوية، الأمر الذي جعلھا تحید عن بعض المسائل الحیوية المتعلقة بالشأن العام"، فإنه ليس من السهل أن تتحول هذه التنسيقية في وقت قياسي إلى قوة اقتراح وقوة ضغط على الحكومة كما يطمح إلى ذلك مؤسسوها، باعتبار أن تحقيق هذا الهدف يستدعي العمل في مختلف الاتجاهات من أجل تجميع مختلف القوى الحية والفاعلة، وهو ما يبدو على الأقل في الوقت الراهن أمرا صعبا أولا، ومستبعدا ثانيا، وشبه مستحيل ثالثا في ظل التشتت الذي تشهده الساحة السياسية.وفي 14 يناير 2016، تم الإعلان عن تشكيل جبھة "اتحاد القوى الوطنیة الديمقراطیة" التي ضمت 5 أحزاب لديها توجهات قومية ويسارية لا وزن لها، و لا تشكل أي ثقل في المشهد السياسي التونسي، لا من حيث شعبيتها ولا من حيث حضورها على الساحة بما أنها شبه غائبة، وھي: حزب العمل الوطني الديمقراطي، والحزب الاشتراكي، وحزب الغد، وحزب الثوابت، وحزب الطريق. واعتبر الأمين العام لحزب العمل الوطني الديمقراطي عبد الرزاق الهمامي أن هذا الكيان السياسي سيظل "منفتحا على مختلف القوى السیاسية". والمتابع للشؤون السياسية التونسية، يرى أن هذه الجبهة لن تختلف كثيرا عن بقية الجبهات التي ترفع الشعارات نفسها، ولن يكون لها أي تأثير في المشهد السياسي بعيدا عن جبهة واسعة للقوى الوطنیة والتقدمیة من أحزاب وغیرھا من الشخصیات الوطنیة. ورغم التقلبات التي شهدتها الساحة السياسية على مدى السنة الماضية، فإننا نكاد لا نرى أثرا لهذه الجبهة سوى في تنسيق بعض التحركات الاحتجاجية التي كادت تقتصر بدورها على مناهضة مشروع قانون المصالحة الاقتصادية.

397

| 05 فبراير 2016

النهضة أصبحت القوة الأولى في البرلمان التونسي

بعد أن بلغ عدد المستقيلين من كتلة «حزب نداء تونس» في مجلس نواب الشعب (البرلمان) 22 نائباً، وشكّلوا كتلة جديدة اسمها (الحرّة) وعدد أعضائها 22، تقلص عدد نواب «حزب نداء تونس» الذي كان يحتل الصدارة في البرلمان التونسي بنحو 86 نائباً طيلة السنة الماضية، إلى نحو 64 نائبا عقب الانفلاق الكبير الذي شهده الحزب الحاكم. و الحال هذه، وأصبحت حركة النهضة (69 مقعداً) صاحبة الغالبيّة في البرلمان، يليها «حزب نداء تونس» (64 مقعداً)، ثم «الحرّة» (22)، و «الاتحاد الوطني الحرّ» (16)، و«الجبهة الشعبية» (15)، و«آفاق تونس» (10)». وكانت أحزاب «نداء تونس» و«النهضة» و«الوطني الحر» و«آفاق»، شكّلت ائتلافاً حكوميّاً رباعيّاً إثر الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أجريت نهاية العام 2014 وفاز فيها حزب «نداء تونس» الذي أسّسه الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي. ولن تؤثّر استقالة 22 نائباً من «نداء تونس»، في الوقت الحالي، على الائتلاف الحكومي الذي لا يزال يحظى بالغالبيّة في البرلمان (159 مقعداً من إجمالي 217). لكنَّ الاستقالات تمثّل مرحلة جديدة في تفكّك «حزب نداء تونس» الذي تمزقه حرب زعامات. وينتمي أغلب النواب المستقيلين من «نداء تونس» إلى شق الأمين العام المستقيل من الحزب محسن مرزوق، الذي أعلن أنَّه سيطلق حزباً جديداً في 2مارس المقبل. ويتنافس مرزوق (يساري) على القرار داخل الحزب مع حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الذي يتّهمه خصومه بالسعي إلى «خلافة» والده في منصبه.ولن تتحالف هذه الكتلة الجديدة «الحرة» التي استقالت رسميا مع أي من الأحزاب الأربعة الحاكمة فهي لن تتحالف منطقيا مع الكتلة الندائية الباقية وإلا لما انشطرت عنها، كما أنها لن تتحالف بالضرورة مع كتلة النهضة لأن نوابها يتناغمون مع مشروع محسن مرزوق الرافض لأيّ تقارب أو تعامل مع حركة النهضة. وعليه فلن يكون هناك أيضا سبيل للتحالف أو التقارب مع نواب حزبي «آفاق تونس » و«الاتحاد الوطني الحر» ما داما شريكين للنداء (الأم) والنهضة في الحكومة. لهذا نجزم بأن التحالف لن يكون إلا مع كتلة معارضة للحكومة والأقرب للمنطق أن يكون مع كتلة الجبهة الشعبية حيث تتقارب الأهداف والآراء والمواقف وخاصة منها معاداة حركة النهضة. النتيجة الحتمية لهذا التحول هي ارتفاع نسبة المعارضة في مجلس نواب الشعب على حساب نسبة الدعم وهذا الاختلال لن يكون كافيا لسحب الثقة من الحكومة ولكنه سيكون مدعما لقوة الاعتراض،

288

| 29 يناير 2016

عَوْدَةُ المسألة الاجتماعية إلى تونس بِصٌورَةٍ مُخَرِّبَةٍ

شهدت تونس خلال الأسبوع الماضي احتجاجاً اجتماعياً لافتاً في محافظة القصرين (التي تبعد 260 كلم جنوب غرب العاصمة تونس)، على أثر وفاة أحد العاطلين عن العمل، ويدعى رضا اليحياوي (28 عاماً) بصعقة كهربائية بعد تسلقه عمودا قرب مقر الوالي في القصرين احتجاجاً على سحب اسمه من قائمة توظيف في القطاع العام، فاتسعت دائرة المواجهات إلى خارج تلك المحافظة لتشمل تقريبا مختلف المحافظات التونسية من الشمال الغربي إلى الجنوب..وأعادت احتجاجات الفئات الشبابية المهمشة والعاطلة عن العمل، وأعمال العنف التي رافقتها، إلى الأذهان بدايات الثورة التونسية في ديسمبر العام 2010، والتي احتفل التونسيون بذكراها قبل أسبوعين.وقد شكلت هذه الحادثة الشرارة الأولى للزلزال الاقتصادي والاجتماعي الذي ضرب هذه المحافظة التونسية النائية الواقعة في الجنوب الغربي على الحدود التونسية – الجزائرية، وقادت إلى تفجير انتفاضة شعبية ذات طابع اجتماعي عمّت المدن والبلدات التونسية في باقي المحافظات.. ولخصت صحيفة «الشروق» التونسية هذه الانتفاضة الشعبية بعبارة: «كأننا لم نغادر أواخر سنة 2010 وأوائل سنة 2011». وفي إشارة إلى محمد البوعزيزي، البائع المتجوّل الذي أضرم النار في نفسه قبل ما يزيد قليلاً على خمسة أعوام، ليصبح رمزاً للشباب الطامح إلى العدالة الاجتماعية، فكتبت تقول: «من البوعزيزي إلى اليحياوي، تكررت الدوافع والأساليب، فهل ستتكرر النتائج؟». لا أحد يستطيع أن يتكهّن بالآفاق التي ستبلغها التظاهرات الأخيرة، بالرغم من كونها حركة احتجاجية ذات طابع اجتماعي، لا يقودها أي حزب سياسي، ولا نقابة، ولا منظمة من منظمات المجتمع المدني الحديث، لكنها ترفع شعارات صحيحة: مقاومة الفساد والمحسوبية والإفلات من العقاب.ورغم الإجماع الوطني على أحقّية المطالب التي خرج من أجلها الشباب الغاضب إلى الشوارع، فإن اللافت للانتباه أن أحزاباً ومنظمات وطنية تونسية باتت تنظر بشك وريبة إلى حركة الاحتجاج، التي تحوّل الكثير منها إلى نهب وإجرام منظم، وسط مخاوف من تحرّك بعض الخلايا الإرهابية في غرب البلاد وجنوبها، ما دفع وزارة الداخلية إلى إعلان حظر التجوّل على امتداد الأراضي التونسية، ابتداءً من الساعة الثامنة مساءً وحتى الخامسة صباحاً، في محاولة لعزل العناصر المخرّبة، واستعادة السيطرة على الوضع الأمني المهدد بكل الاحتمالات السيئة.لا شك أن المطالب الاجتماعية العادلة التي حملها الشباب الغاضب والمهمش والعاطل عن العمل في حراكه الاجتماعي السلمي في البداية، والمتمثلة في الحق بالعمل، والتنمية، والعدالة الاجتماعية، والحوكمة الرشيدة، تم إجهاضها من خلال الأعمال الإجرامية التي تحدثنا عنها في البداية، الأمر الذي جعل كثيرين يتحدثون عن «مؤامرة ضد الثورة وضد إرادة الشعب»، لكن المشكلة الأكبر، في هذا السياق، أن كل طرف سياسي بات يحاول توظيف الحديث عن «المؤامرة» ضد خصومه السياسيين. فالإسلاميون «حركة النهضة» المشاركون في الحكم يتهمون اليسار بالعمل على إسقاط الحكومة، وتأجيج الفوضى والانفلات، في حين أن اليسار ممثلاً في «الجبهة الشعبية» ائتلاف من 11حزبا يساريا وقوميا يتهم الإسلاميين والمهربين بتخريب الثورة لوراثة حزب «نداء تونس» الفائز بأكبر عدد من مقاعد مجلس النواب.هذا الجدل السياسي بين اليمين الديني والليبرالي واليسار القومي، أصبح مألوفاً في المشهد السياسي التونسي، خلال السنوات الماضية، لكن ماهو مؤكد هو وجود اختراقات إجرامية لحركات الاحتجاج للشباب الغاضب والمهمش، ومحاولات لإنهاك المؤسستين الأمنية والعسكرية لخلق ثغرات أمنية، وذلك بغرض تأمين تحرّك الخلايا الإرهابية، ومجموعات مرتبطة بكبار المهربين الذين قاموا بتوزيع الأموال على عدد من الشباب المنحرف فى هذه المناطق المحرومة والفقيرة من أجل التصعيد والحرق والتخريب، ومهاجمة المقارّ الأمنية والحكومية.. فالمتابعون للشأن التونسي الداخلي يلمسون بوضوح أن ثمة وجود مؤامرة على الحراك الاحتجاجي، وتتمثل في أعمال إجرامية منظمة تستهدف مقارّ الأمن والديوانة (مصالح «القمارق» حيث توجد مضبوطات التهريب، و«قباضات المالية» إدارة الضرائب حيث توجد أموال وممتلكات واحتكارات التبغ، بالإضافة إلى أعمال نهب منظمة لمستودعات المضبوطات لدى الدولة والبلدية والبنوك والمؤسسات التجارية.وبالتوازي مع ذلك، شهد غرب تونس محاولة خلية إرهابية - محسوبة على تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب العربي» - نقل مؤونة ومعدات حربية ومتفجرات إلى جبل الشعانبي المحاذي لمدينة القصرين، فيما قال المتحدث الرسمي باسم الجيش التونسي بلحسن الطرابلسي إن دوريات عسكرية ضبطت مجموعة مهربين تونسيين وليبيين بصدد تبادل كمية كبيرة من البضائع في المنطقة الصحراوية العازلة بين تونس وليبيا، مشيراً إلى أن الدورية العسكرية تعرضت لإطلاق نار من المهربين مما جعلها ترد على مصادر النيران، فتمكنت من السيطرة على الوضع، وتوقيف عدد من الأشخاص، بينهم شخص يحمل وثائق ثبوتية سورية.قبل ثماني سنوات، وتحديداً في مطلع 2008، كانت محافظة قفصة التي تقع هي أيضاً في الجنوب التونسي، والتي اشتهرت تاريخياً بأعمال استخراج الفوسفات من أرضها وفق الطريقة النموذجية للأنماط الاستعمارية الفرنسية، قد شهدت كذلك ما بات يعرف بانتفاضة الحوض المنجمي، التي شارك فيها عمّال المناجم وعائلاتهم، والعمال والعاطلون من العمل وطلاّب المدارس. وكانت العناوين الرئيسة لهذه الانتفاضة الشعبية، تتمثل في الاحتجاج ضد مظاهر الفقر المدقع وارتفاع الأسعار، وانتشار ظاهرة البطالة، وضد الفساد المستشري في نظامٍ محلّي يقوم على التحالفات الزبائنية، والعصبيات القبلية والعائلية.وفي ظل الحراك الاجتماعي الأخير للشباب المهمش الذي عم تقريبا معظم البلاد التونسية، يصل القارئ الموضوعي لهاتين الانتفاضتين الشعبيتين، إلى نتيجة محددة وهي أن جذرهما واحد، وهو اقتصاديٌّ اجتماعي بامتياز ينبعث من هيمنة الشعور بالظلم، في ظل تفشي أزمة البطالة، لا سيما بطالة حاملي الشهادات الجامعية من الشبان، واستشراس منظومة الرشوة والمحسوبية التي عادت أقوى مما كانت عليه قبل الثورة، وأحيانا بنفس الأشخاص والأسماء، وأن دولة ما بعد الثورة عاجزة أو متواطئة مع مافيات الفساد،بسبب ما يسمونه من «غلبة الفساد وخيانة النخبة» على «مشاعر التغيير».فالاحتجاجات لم تندلع هذه المرة بسبب البطالة وانسداد الآفاق فقط، بل بسبب ما يسميه الشباب «التلاعب في قوائم تسميات انتداب عمال الحضائر»، أي اعتماد الرشوة والمسحوبية والعلاقات الخاصة لتثبيت المسجلين في قوائم «الحضائر» ليصبحوا موظفين حكوميين. و«الحضائر» هي صيغة تشغيل هشة في المؤسسات الحكومية بأقل من الأجر الشهري الأدنى المضمون بالقانون، وتعتمدها الدولة التونسية منذ نظام بن علي، كحل مؤقت لامتصاص غضب الشباب العاطل من العمل، وخصوصا من متخرّجي الجامعات، واتسع نطاقها بعد الثورة كثيرا، في ظل غياب كامل لمشروع تنموي في المناطق الفقيرة في غرب تونس.. وعلى هذا الأساس، كان الشباب يشاهد كيف يتفرغ الإعلام منذ نصف عام لتفاصيل عراك زعامات حزب «نداء تونس» بعد فوزه بأكبر عدد من مقاعد مجلس النواب، وتفاصيل الفساد السياسي الذي يختلط بالفساد المالي، فيما وضعه يزداد سوءاً.لقد انفجرت ظاهرة «الفساد المنظم، والمحسوبية، وتحويل وجهة المساعدات الدولية للمناطق المحرومة والمهمشة في تونس إلى المسؤولين المحليين وحلفائهم من المتنفذين، بطريقة أسوأ مما كان يحدث في زمن بن علي»، في وجه كل الحكومات الثماني المتعاقبة بعد الثورة، ولكن أحداً لم يواجه هذا الفساد بطريقة جدّية، حيث توافقت كل هذه الحكومات الثماني على ترحيل المسألة الاجتماعية، بوصفها المعضلة الحقيقية للثورة التونسية، والتي في ضوء حلها يتم قياس مدى نجاح عملية الانتقال الديمقراطي في تونس. فالحكومات المتعاقبة منذ الثورة، لم تتجاوز مرحلة تصريف الأعمال، في ظل غياب «مشروع مارشال» وطني يليق بما بعد الثورة، ويؤسس لنموذج تنموي جديد، يحقق التنمية المستدامة، ويقوم على أساس محاربة الفساد والمحسوبية، وتحقيق العدالة الجبائية، وبالتالي العدالة الاجتماعية.

403

| 25 يناير 2016

عودة حزب التجمع بزعامة حافظ قائد السبسي

بعد أن أخفقت لجنة الـ13 التي كونها مؤسس «حزب نداء تونس» ورئيس الجمهورية الأستاذ الباجي قائد السبسي لتنفيذ خارطة الطريق التي أعدّتها لحل أزمة الحزب وأقرتها الهيئة التأسيسية في بيانها الختامي «باعتبارها تمثل الإطار العملي لإنجاز مؤتمر توافقي ينقذ الحزب ويحافظ على وحدته بالاستناد إلى مبادئ الديمقراطية والتوافق والتمثيلية»، عقد «حزب نداء تونس » شق حافظ قائد السبسي مؤتمره التأسيسي في مدينة سوسة يومي 10و11 يناير الجاري، بحضور شرفي من قبل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، الذي لم يفوت فرصة منذ عودته إلى المشهد السياسي بعد فوز «حزب نداء تونس» بالانتخابات التشريعية والرئاسية دون أن يذكر بأنه كان وسيظل طوال مدته الرئاسية رئيسا لكل التونسيين بكل انتماءاتهم واختلافاتهم الحزبية، مستحضرا في ذات الوقت وعوده الانتخابية، ولكن وهذا الأهم، التزامه بما ورد في دستور الجمهورية الثانية. غير أن مواكبة الرئيس الباجي قائد السبسي على افتتاح أعمال مؤتمر «حزب نداء تونس» شق حافظ قائد السبسي، أثار موجة من الانتقادات الحقيقية سواء لدى شق الأمين العام السابق للحزب محسن مرزوق، أو لدى أطراف المعارضة الديمقراطية، لاسيَّما أن الحزب الذي أسسه رئيس الجمهورية، والذي يعتبر الأب الروحي له، شهد انفصالاً نهائياً، بين شق نجل الرئيس حافظ قائد السبسي الذي عقد مؤتمره في سوسة، وبين شق مدير حملة الرئيس الانتخابية والأمين العام السابق للحزب محسن مرزوق الذي عقد بدوره يوم 9و10 يناير الجاري بقصر المؤتمرات اجتماعا موازيا لإعلان مشروع «النداء الجديد».ولما كانت تونس تعيش في ظل تجربة ديمقراطية ناشئة، لا تخلو من الهشاشة، وتواجهها تحديات داخلية وإقليمية كبيرة، وتتعرض لضغوطات دولية، فإن حضور رئيس الجمهورية مؤتمر شق نجله حافظ قائد السبسي، بعد أن شهد الحزب الأم صراعات غير مسبوقة، قادت إلى ظهور شقين متخارجين، وإلى تداعيات كبيرة على موقع الحزب الحاكم في البرلمان بعد استقالة عدد من النواب في صفوفه، فإن حضور رئيس الجمهورية هذا المؤتمر عبر عن عدم حياديته، حين تظاهر بالانتصار لشق لنجله، ووقع في الفخ بقبوله اختراق الدستور. وحين نقول هذا الكلام لا يعني أننا نفاضل بين طرفي النزاع داخل «حزب نداء تونس»، أو ما بقي من هذا الحزب، ولكن الأمر يتعلق «بالاستشراف واليقظة» إزاء مستقبل التجربة الديمقراطية في بلادنا.. وبين نداء الرئيس أو نداء تونس، يبقى الأهم إنقاذ تونس. في تشخيصه للأزمة الداخلية التي شهدها «حزب نداء تونس» اعتبر الرئيس الشرفي للحزب أن سببها بعض الأفراد الذين لم يتخلصوا من نكران الذات. واتهم رئيس الجمهورية المنشقين من دون تسميتهم بالابتعاد عن المبادئ والقيم المعتدلة والوسطية التي تأسس عليها الحزب. وعلق قائد السبسي على فقرات من مشاريع لوائح المؤتمر ومن بينها ما يدعو إلى التمسك بالوحدة الوطنية واستطرد متحدثا عن المنشقين قائلا: «تونس ما يخربها إلا أولادها».إذا كان المؤتمر التأسيسي الذي عقد مؤخرا في سوسة لإنقاذ «حزب نداء تونس»، يعتبر حلاً من الحلول التي اقترحها نائب رئيس حزب نداء تونس حافظ قايد السبسي، ومع هذا فإن مؤتمر سوسة لم يبرز شروط الممارسة الديمقراطية التي يجب أن يبنى عليها الحزب لانتخاب قياداته، وتحديد وجهاته وأولوياته وخياراته وأهدافه..

421

| 15 يناير 2016

تونس.. تعديل وزاري يخدم مصالح البرجوازية الطفيلية

على الرغم من مرور خمس سنوات من عمر الثورة التونسية مع اقتراب موعد 14يناير الجاري، وكذلك مرور سنة كاملة من عمر الحكومة التوافقية التي تشكلت عقب الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أنهت المرحلة الانتقالية، فإن تونس لا تزال بعيدة كل البعد نحو التوجه إلى بناء دولة ديمقراطية حقيقية تستجيب لانتظارات ثورة الشعب التونسي. فالحكومة التوافقية التي تشكلت برئاسية السيد الحبيب الصيد، جمعت في بوتقتها تحالف اليمين الليبرالي العلماني مع اليمين الديني، وعكست أيضا، طبيعة العلاقة الإستراتيجية بين حركة «النهضة» وحزب «النداء»، عندما فهم المتابعون من أن العلاقة هذه أصبحت الآن ذات طبيعة إستراتيجية أي من ثوابت الواقع السياسي التونسي، ولم تعد مجرد تحالف تكتيكي بين طرفين سينتهي بانتهاء المرحلة أي بانتهاء ما بقي من الفترة الحالية التي تمثل امتدادا للمرحلة الانتقالية.هذه الحكومة التوافقية باتت تعبر عن المصالح الفئوية والاجتماعية والطبقية للبرجوازية الطفيلية التونسية المدافعة عن خيار الاندماج في نظام العولمة الليبرالية، والخضوع لشروط مؤسساته المالية، وتركز كل خياراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في خدمة لوبيات مالية وسياسية تنتمي إلى العهد السابق، ومافيات التهريب والإرهاب والنهب المتشكلة بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق، وتحويل وجهة الثورة بالاستئثار بثروات الشعب في مقابل تفقيره وتهميشه ووضعه خارج دائرة الإنتاج وتركه في هامش إدارة الأزمة لا غير، وهو ما جعل المعارضة الوطنية والديمقراطية التونسية تقول عن حكومة الحبيب الصيد إنها حكومة تصريف أعمال، أكثر منها حكومة تمتلك رؤية إستراتيجية وسياسة واضحة. فقد عجزت حكومة الحبيب الصيد عن القيام بإصلاح اقتصادي عميق، يُعيد للطبقة الوسطى مكانتها القوية، ويُحقق عدالة تنموية جهوية فعالة، وإصلاحا جبائيا حقيقيا يُشرك الجميع في الأداء الضريبي بشكل أكثر عدالة ويقلص من الضرائب على الشركات ويجعل الأداء على القيمة المضافة أقل بكثير مما عليه الآن.ولهذا لم يكن الشعب التونسي ينتظر شيئاً من التعديل الوزاري الذي قام به رئيس الحكومة السيد الحبيب الصيد، يوم الأربعاء 6 يناير الجاري. لقد أقدم رئيس الحكومة الحبيب الصيد على إجراء هذا التعديل الوزاري الجديد بهدف إعادة هيكلة الحكومة سواء بالتقليص من عدد الوزارات وحذف عدد هام ومن كتابات الدولة، أو بإجراء «أقطاب وزارية» يتم ضمنها تجميع عدد من الوزارات تحت إشراف وزير واحد.. لكن هذا التعديل جاء في ظل تزايد المشهد السياسي ضبابية في تونس للأسباب التالية: أولاً: تعيش تونس في ظل نظام مؤسساتي هجين. فمن الناحية الدستورية، تم التوافق على النظام «البرلماني المعدل» الذي قيّد صلاحيات رئيس الجمهورية حتى تقطع تونس نهائيا مع «النظام الرئاسي» ولا تُعاد تجارب سابقة، ومنح صلاحيات واسعة للبرلمان والحكومة، باعتباره نقطة التقاء بين حركة النهضة التي دفعت في سياق «النظام البرلماني المحض» والمعارضة التي دفعت في سياق «النظام الرئاسي». ففي ظل هذا «النظام البرلماني المعدل» أصبحت السلطة التنفيذية موزعة بشكل لا متكافئ بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الذي تم تمكينه من صلاحيات أوسع ومنحته إدارة الشأن العام في تونس، في حين يضطلع البرلمان بالسلطة التشريعية والبعد الرقابي على نشاط الحكومة، إضافة إلى أن الكتلة الأكبر تحت قبة البرلمان هي التي تختار الشخصية التي تراها الأجدر لتشكيل الحكومة وترأسها. ثانياً: حالة التشظي التي يعيشها الحزب الحاكم «حركة نداء تونس» في ظل خروج الأمين العام السابق للحزب محسن مرزوق، وسعيه إلى تأسيس حزب جديد، إذ يمثل شق محسن مرزوق الذي نَهَلَ من التجربة اليسارية للوطنيين الديمقراطيين بالجامعة التونسية، والذي اختار لاحقا الفضاءات الليبرالية، تيار ما يطلق عليه في عصر العولمة بــ«اليسار الليبرالي الأمريكي»، إضافة إلى تبنيه مشروع الحداثة للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة. ثالثاً: ستكون هناك تداعيات كبيرة لهذا الانفجار في رأس «حزب نداء تونس»، على صعيد عمل مؤسسات الدولة في ظل تجربة ديمقراطية هشة، وعلى اختلال التوازن بين الحزبين الكبيرين في تونس. فمن تداعيات هذا الانفجار، سيناريو حدوث الانقسام في كتلته البرلمانية (86 نائباً)، بعدما تشبث عدد من نواب نداء تونس (21) بالخروج من كتلة النداء نهائيا، وتشكيل «كتلة موازية». فإذا ما انقسم الحزب إلى قسمين، أصبحت الكتلة الممثلة له أقل عددا من الكتلة الثانية (حركة النهضة 69 نائبا)، وسيشهد المشهد البرلماني آنذاك انقلابًا جذريًا. أخيراَ، تعتبر حركة النهضة المستفيد الأول من هذا التعديل الوزاري، إذ يعود وزير تكنولوجيا الاتصال السابق منجي مرزوق إلى التشكيلة الحكومية الجديدة في منصب وزير للطاقة والمناجم.وبعودته يتعزز نصيب حركة النهضة إلى التشكيلة الحكومية الجديدة ليصبح لها وزيران أحدهما قيادي في الحركة وهو وزير التشغيل زياد العذاري، والثاني محسوب على الحركة وقريب منها وهو مرزوق الذي سبق وأن تم تعيينه في حكومة الترويكا ضمن حصة حركة النهضة.. هذا ويتردد أن وزير العدل عمر منصور تم اقتراحه من حركة النهضة.

375

| 09 يناير 2016

2015 سنة التحدّيات الجسام في تونس

طوت تونس سنة 2015 بتحقيق إنجاز مهم، تمثل في عملية التحوُّل الديمقراطي الناجحة في العالم العربي. ففي حين أنَّ بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط قد ارتدَّت بعد الربيع العربي من جديد إلى حالة من الفوضى والديكتاتوريات، فإنَّ تونس تشكِّل حالة استثنائية. حيث يعتبر المسار الديمقراطي الواعد بالنجاح في تونس، مسقط رأس الربيع العربي، بمثابة شوكة في عين القوى المتطرِّفة. ولذلك فإنَّ الهدف من هذه الهجمات هو زعزعة الديمقراطية الفتية في تونس. إنها اللبنة الأولى في بناء مؤسسات الدولة المدنية الديمقرطية التعددية، التي عجزت الأيديولوجيات الشُمُولِيَة (الإسلامية والقومية والماركسية) عن بنائها في العالم العربي، لكن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة المتشبع بالثقافة الفرنسية والمتأثر بكمال أتاتورك، كان أول من أرسى الدولة المدنية ذات الاتجاه العلماني عند العرب، لاسيما أن الدولة المدنية ليست بدولة عسكرية، وليست أيضاً بدولة دينية، لكنها ليست بالضرورة أن تكون دولة علمانية بالمعنى الغربي للكلمة. وتمثل الوجه المشرق لتونس في سنة 2015، في نيل المنظمات الأربع الراعية للحوار الوطني، جائزة نوبل للسلام، التي منحت الشرف لتونس، ولكل فعاليات المجتمع المدني وعموم التونسيين الذين آمنوا بقيمة السلم الأهلي ودافعوا عن حقوقهم المدنية بكل شجاعة، لاسيما أن هذه الجائزة تشكل في الوقت الحاضر سندا دوليا جديدا لثورة تونس ولشعبها ودعما لها في اتجاه استكمال بناء أسس ديمقراطيتها الناشئة بالحوار والتوافق الضامن للتعددية ووحدة الوطن وأمنه في منطقة تعصف بها الصراعات. باستثناء ذلك، عاشت تونس في ظل ديمقراطية ناشئة، وواجهت تحدّيين أساسيين، أولهما: الصعوبات الاقتصادية، إذ عانت تونس ولا تزال من ظواهر خطيرة باتت تشكل أمراضا هيكلية للاقتصاد التونسي، ألا وهي ظاهرة البطالة التي تؤثر على أكثر 17 في المئة من عدد سكانها البالغ عددهم 11 مليون نسمة، واستفحال الأمراض الإدارية المعدية مثل الروتين والرشوة وعدم الشعور بالمسؤولية، وسقوط القيم الوطنية وبالتالي القيم الاجتماعية إلى الهاوية، وانتشار الذاتية والأنانية الموغلة في الفردانية، وظاهرة الفساد وسرقة المال العام وتجاوز السلطة والاعتداء على أملاك الدولة، ممّا نتج عنه وجود شبكة مصالح أوجدت لوبيات بشكل حتمي لها ارتباطات قوية فيما بينها للدفاع عن وجودها، فبقائها، فتطوّرها وانتشارها، فاتساع رقعتها، وأصبحت تلك الارتباطات تنشط خارج إطار الدولة من خلال التهريب والتهرب الضريبي، الأمر الذي تحوّل بمرور الزمن إلى ثقافة عامة تسرّبت حتى إلى مؤسسات الدولة. تفيد كلّ المعطيات الرسمية وغير الرسمية، أنّ الوضع الاقتصادي في البلاد سيّئ وتؤكد كلّ المؤشرات على خطورته إذا تواصلت حالة الانكماش، وكان من استتباعات ذلك سيطرة الاقتصاد غير الموازي على اقتصاد الدولة، وانتشرت بذلك ظاهرة التهريب، وأصبحت الأرقام تتحدث عن تجاوز الاقتصاد الموازي نصف الاقتصاد الوطني الشرعي، وأمام انتشار رأس المال غير المراقب وغير المهيكل والخارج عن مسارات الدولة التي لها القدرة دون غيرها على منعه من الانخراط في الجريمة، وقد أكدت المعطيات ارتباط جزء كبير من الاقتصاد الموازي واقتصاد التهريب بالإرهاب، لأنه لا يستطيع الحركة إلاّ خارج أُطر الدولة وفي ظل غيابها أو تغييبها. رغم أن طبيعة رأس المال هي طبيعة توسّعية، فإنه ينحو في الوقت عينه إلى التمركز، لذلك أصبحت حركة رأس المال المرتبط بالتهريب في تونس تتمركز لدى بعض الأشخاص الذين يمكن عدّهم، وأصبح بعض العشرات يحتكرون نصف الاقتصاد التونسي وتمكنوا بناء على ذلك من الارتباط بشبكات ومافيات إقليمية ودولية، بعد أن أصبحت تونس فضاءً مناسبا لتحركهم في ظل عملية تغييب الدولة وغيابها بسبب الاضطرابات الأمنية والمؤامرات الداخلية والخارجية. إن تمركز حركة رأس المال تحرم الجماهير الشعبية من التوزيع العادل للثروة وبالتالي تحرم المدن والولايات المهمشة من حقها في التنمية وفي الرخاء، ويزداد فقرهم، فيزداد الفقير فقرا ويزداد الغني غنًى، ويمكن بذلك في المجال السياسي إلغاء دور الجماهير الواعية القادرة على الاختيار بين البرامج على الأساس الطبقي أو الاجتماعي أو القيمي أو الثقافي... فتحويل الجماهير إلى مجرّد مجموعة أرقام يتم استعمالها للتصويت، في عمليات انتخابيّات صورية شكلية، يتمّ منذ البداية تحديد اللاعبين الأساسيين فيها وتُعرف منذ البداية نتائجها. ولم يكن في برنامج حكومة «الديمقراطية التوافقية» التي يترأسها الحبيب الصيد، أي مسعى لمحاربة الفساد، الذي أصبح له لوبيات قوية داخل هياكل ومؤسسات الدولة نفسها، حيث أصبح بعض الفاعلين في حركة رأس المال الموازي ولوبيات ومجموعات ضغط سياسية وإعلامية، يمارسون المزاوجة بعد الثورة بين التهريب والإرهاب. فهم يمتلكون قنواتهم وإذاعاتهم وصحفهم الخاصة التي تدافع عن مصالحهم وتروّج للمواقف التي تخدمهم، وقد ارتبطت مصالحهم بوجهات وتصورات سياسية معينة، فتداخل المالي بالسياسي والإعلامي وأصبح للمافيات المحلية الكمبرادورية دور أساسي في تسيير المال والسياسية.. كما عجزت حكومة الصيد عن انتهاج نموذج جديد للتنمية يقوم على إعطاء دور حقيقي للدولة لكي تضطلع بالمشاريع الإستراتيجية المنتجة، والتحرر من ضغوطات الدول والمؤسسات المالية المانحة التي تريد فرض شروطها، لاسيما برامج الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، التي تفرض التضييق الأقصى من مجالات تدخّل الدولة، وتوسيع مجال الأفراد الخواص الذين لا يتجاوز عددهم بعض العشرات على حساب الملايين من الفقراء، وعلى ضرب منظومة الفساد، وانتهاج سياسة إغراق البلاد في الديون الأجنبية. وثانيهما، الإرهاب المستوطن، حيث أصبحت تونس مؤخرًا وبشكل متزايد هدفًا لهجمات إرهابية. فبعد الهجوم الذي استهدف في 18مارس 2015 متحف باردو، والذي قُتل فيه اثنان وعشرون شخصًا، وبعد الهجوم الذي وقع في فندق في مدينة سوسة في 26يونيو 2015 وقُتل فيه ثمانية وثلاثون شخصًا، تُوفِّيَ في الرابع والعشرين من شهر نوفمبر 2015 اثنا عشر شخصًا في هجوم انتحاري استهدف حافلة للحرس الرئاسي بالقرب من شارع محمد الخامس، الذي يعتبر من الشوارع الأكثر حيوية وازدحامًا في تونس العاصمة. ومن الواضح أن الحكومة الحالية بقيادة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عاجزة عن مواجهة تحديات الإرهاب الجديدة. إذ لا يتم اتِّخاذ إجراءات ضدَّ هذا التهديد إلاَّ بشكل حذر ومتحفِّظ للغاية، مما يؤدِّي إلى فقدان المدنيين ثقتهم في الحكومة، بسبب غياب إستراتيجية وطنية لمحاربة الإرهاب.

333

| 02 يناير 2016

انقسام في «حزب نداء تونس»

كان الاجتماع الذي انعقد نهاية الأسبوع الماضي وبداية الأسبوع الحالي بالحمامات مفصليّا في علاقة عدد من كوادر وقيادات حركة« نداء » بحزبهم، خاصة بعد أن أصدر شق محسن مرزوق الأمين العام السابق للحزب بياناً ينص على ما يلي :«نحن إطارات نداء تونس على المستوى الجهوي والمحلي، والإطارات الشبابية والنسائية وممثلي الخارج، المجتمعين يومي 19 و20 ديسمبر الجاري بالحمامات..إيمانا منا بضرورة مواصلة المشروع الوطني الإصلاحي العصري الذي تأسست عليه حركة نداء تونس، وضرورة التصدي للمسار غير الديمقراطي القائم على التعيينات بالولاءات والمساومات والمماطلة والإقصاء، والذي يستهدف تصفية المبادئ والأهداف التي انبنى عليها المشروع الوطني العصري لحركة نداء تونس، نعلن ما يلي: 1-الانفصال التام عن كل المكونات والهياكل المسؤولة عن الأزمة الحالية وعن إعادة إنتاجها والتنكر لشرعية المسار غير الديمقراطي، وعدم الاعتراف بكل القرارات الصادرة عنها.2-إطلاق مسار إعادة تأسيس المسار المشروع الوطني الأصلي المتواصل مع الفكر البورقيبي وذلك بمشاركة مباشرة من القواعد والإطارات الملتزمة في الحوار حول مبادئ وأهداف المشروع. 3- تشكيل لجنة وطنية للمتابعة والاتصال وتشكيل لجان جهوية ومحلية مماثلة مفتوحة لكل الطاقات والقدرات الوطنية. 4-تكوين لجان : لجنة قانونية، لجنة سياسية، ولجنة تنظيمية. 5-تنظيم ندوة إطارات يوم 9 يناير2016 للنظر في نتائج أشغال اللجان والمصادقة عليها. 6-عقد اجتماع وطني شعبي للإعلان عن النتائج النهائية لأعمال اللجان يوم 10 يناير2016 7-دعوة كل المعنيين بالمشروع الوطني العصر الإصلاحي في البلاد للانضمام لهذا المسار». المتابع الدقيق لمسيرة هذا الحزب منذ تأسيسه في سنة 2012، كرهان حقيقي لمؤسسيه من أجل تحقيق التوازن المطلوب في المشهد السياسي التونسي آنذاك عبر تكوين حزب جماهيري قادر أن يخوض الصراع ضد الترويكا الحاكمة بقيادة حركة النهضة الإسلامية التي تسلمت السلطة عقب انتخابات 23أكتوبر 2011، يلمس بوضوح أن هذا الحزب يعاني من غياب المرجعية الفكرية .وبعد نجاح الحزب في الانتخابات التشريعية في 26 أكتوبر 2014، وفوز زعيمه التاريخي في الانتخابات الرئاسية، تفجرت مسألة المرجعية الفكرية و السياسية لحزب «نداء تونس» بين قياداته من الهيئة التأسيسية التي كانت تضم 14 عضواً، فمنهم من أصبح ينادي بأن المدرسة البورقيبية التي تنادي بالحداثة هي المرجعية الفكرية و السياسية للحزب، و منهم من يقول بأن الإسلامي الإصلاحي عبد العزيز الثعالبي مؤسس الحزب الحر الدستوري التونسي في عام 1920 هو المرجعية، في حين أن الكراس الذي يحدد مرجعية الحزب كان قد أشار إلى أن مرجعية الحزب هي الحركة الإصلاحية التونسية منذ الشيخ عبد العزيز الثعالبي.ولعل ذلك يؤكد أن من انخرطوا في التجربة في البدء لم يفكروا يومًا أنهم سيتصارعون على إعادة تحديد مرجعيات الحزب لكن أصبح ذلك من أبرز محاور الصراع اليوم. ما من شك أن محسن مرزوق لعب دوراً محوريًا ضمن النخبة الضيقة في تأسيس «حزب نداء تونس»، وكان أيضاً المدير التنفيذي للحملة الانتخابية للرئيس الباجي قائد السبسي ، فلكل هذه الاعتبارات ، يشكل انفصاله عن «حزب نداء تونس»ضربة كبيرة للحزب الحاكم، الذي التفت حوله التونسيات والتونسيون بمئات الآلاف وتطلعوا بالملايين إلى حزب «نداء تونس» كحزب إنقاذ وطني.. وكحزب حامل لمشروع إصلاحي حداثي في مجابهة مشروع حركة النهضة . لقد كشفت الأزمة السياسية الأخيرة في «حزب نداء تونس»، أنها ليست أزمة ناجمة عن خلافات أيديولوجية و سياسية أو خلافات في البرامج و الخيارات الاقتصادية ، بقدر ما هي صراعات وحرب مواقع حول «التموقع» المستقبلي سواء للأفراد أو للتيارات التي تشكل هذا الحزب. فالمشكلة الكبرى في أن «حزب نداء تونس»حقق أهدافه المشتركة في الفوزبالانتخابات التشريعية والرئاسية فكان لا بد من التفرغ إلى الأهداف الضيقة والشخصية، والأخطر أنه تخلى عن ثوابته و«روحه» وجانب من حقوقه بالتخلي عن تشكيل حكومة حزبية أو على الأقل ائتلافية والقبول بحكومة تشاركية مع غريم الأمس حركة النهضة.ومع هذه المآسي لم يجد الحزب وقتا ولا شجاعة ولا توافقا لعقد مؤتمره التأسيسي الذي يحل الشرعية الانتخابية محل الشرعية التأسيسية وشرعية الإنجاح فظلت كرة الخلافات تكبر يوما بعد آخر وظلت الوصفات والمسكنات والقرارات أحادية الجانب تزيد في تعميق الجروح والشقوق وتضاعف في حدة الألم حتى كان أفضل الحلول في الانقسام درءا لمزيد من التعفن وإنهاء للتدمير الذاتي بإعلان شق محسن مرزوق « الانفصال التام عن كل المكونات والهياكل المسؤولة عن الأزمة الحالية وعن إعادة إنتاجها» . ستكون هناك تداعيات كبيرة لهذا الانفجار في رأس «حزب نداء تونس»، لا سيما أن الموجات الارتدادية ستصيب هياكله الجهوية و المناطقية ، خصوصاً إذا شكل شق محسن مرزوق حزباً جديداً، أو في حال انشقت مجموعات أخرى و شكلت حزباً ثالثًا. كما أن شظايا هذا الانفجار الذي حصل ستكون له تداعيات على صعيد عمل مؤسسات الدولة في ظل تجربة ديمقراطية هشة، وعلى اختلال التوازن بين الحزبين الكبيرين في تونس ،وعلى الاستحقاقات الانتخابية البلدية القادمة ، التي من دون شك ستكون سلبية، لجهة زيادة عزوف الناس وخاصة الشباب عن النشاط الحزبي و السياسي بشكل عام ، و الذهاب إلى صناديق الاقتراع، بسبب انعدام الثقة بينهم وبين الأحزاب السياسية. فمن تداعيات هذا الانفجار ،سيناريو حدوث الانقسام في كتلته البرلمانية (86نائباً). فإذا ما انقسم الحزب إلى قسمين ، أصبحت الكتلة الممثلة له أقل عددا من الكتلة الثانية (حركة النهضة 69 نائبا ) ، وسيشهد المشهد البرلماني آنذاك انقلابًا جذريًا.

305

| 25 ديسمبر 2015

الحصاد المرّ لخمس سنوات من الثورة التونسية

أحيت تونس مهد «الربيع العربي» يوم الخميس 17 ديسمبر الجاري، في أجواء كئيبة وباهتة الذكرى الخامسة لانطلاق الثورة التونسية، التي جاءت قوّية في صراعها مع النظام الديكتاتوري السابق، بنهجها السلمي وتَفَوُقِهَا الأخلاقي، وبعدالة مطالبها في الحرّية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وقوية بقاعدتها الاجتماعية العريضة التي انخرطت فيها طبقات المجتمع وفئاته وأجياله كافة، وقوية بالتماسك الداخلي للقوى المشاركة في صنع فصولها البطولية، ثم قوية بنفَسها الثوري الطويل الذي لا يكل. ومع ذلك، فإن خمس سنوات عجاف كافية لتقديم الحصاد المر. أولاً: كان الامتحان الحقيقي للحكومة الجديدة التي تشكلت ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية بزعامة السيد الحبيب الصيد يتمثل في قدرتها على مواجهة التحديات الداخلية في شقيها الاقتصادي والأمني التي تعانيها تونس، فهل قدمت الحكومة الجديدة «حلولاً سحرية» للأزمة الاقتصادية الناجمة بصورة رئيسية عن وصول الأنموذج التنموي السابق الذي كان سائدا منذ أكثر من خمسة عقود من الزمن إلى مأزقه الأخير مع اندلاع الثورة، الأمر الذي بات يتطلب من حكام تونس الجدد، انتهاج خيار جديد من التنمية قادر على تحقيق نسب نمو مرتفعة، لا يدفع المواطن البسيط فاتورته من «دمه». لم يكن للحكومة المنتخبة ديمقراطيا أي برنامج حقيقي لمحاربة الفساد، وبالتالي لبلورة نموذج جديد للتنمية، قادر أن ينقذ تونس من أزمتها البنيوية العميقة.ومن الواضح أن هذه الحكومة المتشكلة من أحزاب ليبرالية، والبعض منها يدافع عن الليبرالية المتوحشة كما هو الحل لحزب آفاق تونس، لديها نفس البرامج والتصورات فيما يتعلق بالاقتصاد، أسقطت من برنامجها مسألة محاربة الفساد كبند من بنود خارطة الطريق للمرحلة المقبلة.ويعتبر ملف محاربة الفساد ملفاً مفصلياً في نجاح أي حكومة ما بعد الثورة. فالمراقب للوضع السياسي التونسي يلمس بوضوح أن الحكومات المتعاقبة، سواء في عهد الترويكا السابقة بقيادة حركة النهضة، أم في عهد رئيس الحكومة المتخلى مهدي جمعة، لم تبلور خطة حقيقية لمقاومة الفساد، وإقرار الحوكمة الرشيدة، بل إن جميعها همشت ملف الفساد. وكان «البنك الدولي» قال في تقرير بعنوان «الثورة غير المكتملة» في مايو 2014 إن «الفساد يكبد تونس اثنين في المئة من إجمالي الناتج المحلي سنويا»، مشيراً إلى «تفاقم» هذه الظاهرة منذ الثورة، ومؤكداً أن «معدل انتشار الفساد في تونس بغرض تسريع الأمور، يعد من بين أعلى المعدلات في العالم حسب المعايير الدولية».وقد تراجع ترتيب تونس في لائحة الفساد لمنظمة الشفافية الدولية من المرتبة 59 في 2010 لتحتل المرتبة 79 في سنة 2014، من مجموع 175 دولة في مؤشرات مدركات الفساد بتراجعها نقطتين عن ترتيب 2013 وبعشرين نقطة كاملة عن ترتيب 2010. وتزامن هذا التدهور في النتائج الاقتصادية مع ارتفاع نسبة البطالة من 15% في سنة 2010 إلى 23% في سنة 2013، فبلغ عدد العاطلين عن العمل مليون شخص، منهم 250 ألفا من حاملي الشهادات الجامعية. كما فقدت تونس خلال هذه الفترة أكثر من 230 ألف موطن شغل نتيجة تراجع الاستثمار بنحو 28%. وفضلا عن ذلك، فقد تجاوزت الديون الخارجية حوالي 25 مليار دولار في سنة 2015، ليصل مؤشر الدين الخارجي حاليا إلى نحو 52.3% من الناتج المحلي الخام، ليتجاوز بذلك مرتين إيرادات البلاد من العملة الصعبة، وازدياد نسبة الفقر من 15.5% سنة 2009 إلى حوالي 31% في الوقت الراهن. ثانياً: لما كانت الإرادة السياسية في مقاومة الإرهاب في تونس ضعيفة جدًّا بين سنتي 2011 و2013، فإن خوض الحرب على الإرهاب من قبل حكومة الحبيب الصيد في سنة 2015 تطلب الاهتمام بمناطق الظل وهي كثيرة في البلاد، وتكاثرت بعد الثورة، حيث إن هناك ثلث المدن التونسية تحتاج إلى برامج تنموية مستعجلة، لكن الحكومة لن تستطيع لوحدها النجاح إذا لم تجد تفهمًا من السكان لضرورة ترتيب أولويات التنمية. ولا تمكن محاربة الإرهاب بدون إشراك الحكومة مكونات المجتمع المدني الحديث في هذه المعركة، باعتبارها تمتلك القدرة على معاضدة جهود الدولة، سواء في برامج التنمية أم بخصوص تنظيم ندوات فكرية وإعلامية لإشعار المواطن بخطر الأفكار الإرهابية، وزرع الأمل لدى الشباب، الذي حلم بالشغل وحرية التعبير لم ير أمامه لحد الآن آفاقا واعدة، ولم يسترجع ثقته بعد في الطبقة السياسية الحاكمة. لا يخرج التطرّف والإرهاب من العدم، بل من صلب المجتمع التونسي بسبب الفقر والتهميش والاستبداد. وهو دلالة أوّلاً وأساساً على مشكلة اجتماعيّة، قبل أن يكون أزمة فكر، إن كان ذلك في تونس، أو في فرنسا، أو في العراق وسوريا.لقد تركت الحكومات المتعاقبة، سواء في عهد الديكتاتورية أو في عهد حكم الترويكا، أو في عهد الحكومة المنتخبة ديمقراطيا حاليا، حيث تقاسم بعض القائمين على اللعبة السياسيّة تركة بن علي الريعيّة، المشكلة الاجتماعيّة تتفاقم، وهي التي كانت في أصل الثورة.. وبقيت مؤسّسة الدولة معطّلة بفعل تناحر السياسيين على السلطة، وأزمة الحزب الحاكم في الوقت الحاضر، ولم تقم، رغم كلّ التحذيرات، بأيّ شيء يجعل الناس في الولايات الفقيرة والمهمشة والتي تنتمي إلى تونس العميقة، يشعرون بأنّ الثورة أتت لتحسين أحوالهم المعيشيّة.

351

| 21 ديسمبر 2015

دلالات فوز اليمين المتطرف في فرنسا

شكلت الهجمات الإرهابية على العاصمة الفرنسية التي شهدتها باريس في 13 نوفمبر الماضي، والتي خلفت نحو 130 قتيلاً نوفمبر الماضي، حافزًا قويًا لصعود اليمين المتطرف في فرنسا، عقب الجولة الأولى من الانتخابات المحلية التي جرت يوم الأحد الماضي، التي حقق فيها حزب «الجبهة الوطنية» الذي أسّسه جان ماري لوبان والذي تترأسه ابنته مارينا الآن، فوزًا تاريخيًا حيث تصدّر النتائج بنسبة تفوق 30 في المائة وجاء في الطليعة في ست مناطق من جملة ثلاث عشرة منطقة في البلاد، متقدما بذلك على حزب الجمهوريين الذي يقوده الرئيس السابق ساركوزي والحزب الاشتراكي حزب الرئيس هولاند. فقد أجمع المحللون في فرنسا، على أن من أهم عناصر نجاح اليمين المتطرف، هو تنظيم «داعش»، الذي أثار بهجومه الإرهابي، الخوف والذعر في نفوس الفرنسيين في الفترة الأخيرة لاسيما بعد الأحداث الدموية، التي شكلت أفضل حملة انتخابية لحزب «الجبهة الوطنية»، المعروف بمواقفه المتشددة والقاسية تجاه الإسلام، والمسلمين.. فالصدمة التي خلفها هجوم «داعش» الإرهابي، لجهة عدد القتلى الكبير بالطبع، وفرّت الكثير من الجهد على حزب «الجبهة الوطنية» في إقناع الناخبين الفرنسيين لكي يصوتوا لمصلحته، لاسيما أنه الحزب الوحيد الذي يطالب باتخاذ إجراءات أكثر حزما من غيره، ضد المسلمين، كما أن مارين لو بان استغلت الوضع المتوتر الذي تشهده فرنسا بعد الهجمات، حيث أكدت أنها توقعت هذه الهجمات، وقالت إن لديها الحلول المثالية لمواجهة المخاطر التي تدق باب فرنسا. كما شكل إعلان الحكومة الفرنسية حالة الطوارئ وملاحقة الملتحين في الداخل وفرض الرقابة على الحدود وإدانة الإخفاقات الأوروبية من الناحية الأمنية، عاملاً إضافياً خدم الحملة الانتخابية لزعيمة الحزب المتطرف مارين لو بان. وبالمقابل، فإن فوز حزب «الجبهة الوطنية» يخدم أيضاً مصلحة «داعش»،لأنه في حالة تولي أشخاص من الحزب اليميني المتطرف مقاعد في المجالس المحلية بفرنسا، سيطبقون برنامج الحزب المعلن المتمثّل في التضييق على المهاجرين ثقافيا، وفي تفضيل الوطنيين ذوي الأصل المسيحي في التشغيل والمساعدات الاجتماعية. ولعلّ الفوز في الانتخابات المحلية إن تأكد سيمكن هذا الحزب من آليات عمل وقرار فعلية في أكثر من مجال هام مثل المجال المدرسي والتنموي والأمني ستجعله يستقرّ بصورة دائمة في المشهد السياسي الفرنسي ويصبح حزبًا عاديًا ومقبولاً، وسيمارس التمييز العنصري، بين المسلمين والمسيحيين في فرنسا، وسيعمل على تهميش المسلمين، وهذا يصب من ناحية أخرى في صالح تنظيم «داعش» الذي يبحث عن التفريق بين الأمم، ويدعو إلى صدام الحضارات والأديان. علماً أن حزب«الجبهة الوطنية كان إلى وقت قريب قوة ثانوية في المشهد السياسي الفرنسي، لكنه تحول اليوم بفضل نتائج الدور الأول للانتخابات المحلية إلى «الحزب الأول في فرنسا» على حد تعبير مارين لوبين، زعيمة الحزب وابنة مؤسسه التاريخي. وهو الحزب المعروف بعدائه التاريخي للمهاجرين، وبعنصريته للعرب والمسلمين واليهود. فقد حصل حزب «الجبهة الوطنية» (اليمين المتطرف) على أكثر من 30.6% من أصوات الناخبين متقدما على بقية الأحزاب. وجاء في المركز الثاني، حزب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي «الاتحاد من أجل حركة شعبية» حيث حصل على أكثر من 27 في المائة، فيما حصل حزب الرئيس فرانسوا أولاند الاشتراكي مع حزب يساري آخر على نحو 23 في المائة. ويمكن للاشتراكيين بدعم من الخضر والأحزاب اليسارية المتشددة أن يحصلوا في انتخابات الجولة الثانية يوم الأحد المقبل على أكثر من 10 في المائة. وأشادت رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» مارين لوبن الأحد بـ«النتيجة الرائعة» التي حققها حزبها في الدورة الأولى من انتخابات المناطق بفرنسا، مؤكدة أنها قادرة على «تحقيق الوحدة الوطنية» في البلاد إثر هذا النجاح التاريخي لحزبها. وقالت لوبن «لدينا القدرة على تحقيق الوحدة الوطنية». وفي أول ردّ فعل له على نتائج الانتخابات، رفض زعيم المعارضة اليمينية في فرنسا الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أي تحالف مع اليسار في الدورة الثانية من انتخابات المناطق الأحد المقبل لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف الذي حل في الطليعة في الدورة الأولى. ورفض ساركوزي أي «اندماج» مع الاشتراكيين وأي «سحب» للوائح حزبه (الجمهوريون) الذي قال إنه يمثل «البديل الوحيد الممكن» في المناطق التي قد يفوز فيها حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن. لم يكن صعود حزب «الجبهة الوطنية» في انتخابات الأحد الماضي مصادفة في شيء، فالحزب الذي كان يعتبر صغيرًا وشاذًا في المشهد السياسي الفرنسي، حقق اختراقات كبيرة منذ الانتخابات الرئاسية لعام 2002، إذ تمكن مرشحه ومؤسسه جون ماري لوبين من حصد 17% من الأصوات والمرور للدور الثاني في مواجهة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، وهو ما اعتبر حينها سقوطًا وتمزقًا لليسار الفرنسي وليس صعودًا لليمين المتطرف، ومنذ ذلك الوقت بقي الحزب المعروف بمواقفه العنصرية والمناهضة للهجرة والاتحاد الأوروبي يترنح في المركز الثالث خلف اليمين الجمهوري واليسار الاشتراكي اللذين تناوبا على الحكم واللذان يشكلان ثنائية قطبية سياسية فرنسية منذ تأسيس الجمهورية الخامسة سنة 1958. ومن المتوقع أن يتنافس في الانتخابات الرئاسية لسنة 2017، الرئيس الحالي فرنسوا هولاند عن الاشتراكيين، ونيكولا ساركوزي عن اليمين الجمهوري، ومارين لوبين زعيمة الجبهة الوطنية، وهو ما يعني في حالة تكرار نتائج الدورة الأولى من الانتخابات المحلية الأخيرة، وصول زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي للدور الثاني من الرئاسيات، وبالتالي الاقتراب أكثر من قصر الإليزيه، وهو الذي يتوفر قاطنه على صلاحيات كبيرة جدّاً في الدستور الفرنسي خاصة في الأمن والدفاع والسياسة الخارجية، وهو ما سيمكن الجبهة الوطنية من تطبيق برنامجها الذي يستهدف تشديد قوانين الهجرة، والتضييق على المهاجرين عمومًا والمسلمين خصوصًا، إضافة إلى استعادة الصلاحيات السيادية في مجال الأمن والدفاع والهجرة من الاتحاد الأوروبي لصالح الإدارة الفرنسية؛ مما قد يضع مسلمي فرنسا وأوروبا في وضعية أقل أريحية من الوضعية الحالية والتي توصف كذلك بكونها صعبة.

403

| 11 ديسمبر 2015

معوقات دخول المنطقة العربية في الحوكمة الرشيدة

كنت ضيفاً مشاركاً في الندوة الفكرية المهمة التي نظمتها منظمة الإسكوا في بيروت يومي 1و 2 ديسمبر الجاري، التي شارك فيها خبراء بارزون من منظمات دولية ومؤسسات أكاديمية ومراكز أبحاث، إضافة إلى صناع قرار ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من الأحزاب المدعوة.. وكانت ندوة مكثفة جدا، بسبب الموضوعات التي تطرقت إليها. ففي اليوم الأول، هيمن النقاش حول موضوع: «تأثير الصراع: تحديات التطوير وإضعاف مؤسسات الدولة»، ومحفزات التطرف والراديكالية العنيفة في المنطقة». وكانت الأسئلة المطروحة للبحث والنقاش في آن معاً تدور كلها حول المسائل التالية: كيف نُعرّف مؤسسات الدولة في البلدان المختلفة للمنطقة؟ وكيف يستشف المواطنون دور الدولة ومؤسساتها في البلدان المختلفة للمنطقة؟ وكيف يؤثر النزاع في تطور نظام الحكم (رسمي أو غير رسمي) في البلدان المختلفة؟ وكيف يؤثر النزاع الحالي والاضطراب السياسي على تطوير الإجراءات المؤسساتية في المنطقة العربية؟ وبأية طرق تفرض البنية الحالية للمؤسسات في العالم العربي تحديات على بناء السلام الوطني الذاتي والنسيج الاجتماعي؟ وما الشروط التي يجب تواجدها من أجل أن يبدأ التحول؟ وما تأثير الحركات الراديكالية على الحكم والانتقال إلى السلام؟ ما هو دور هياكل ومؤسسات الحكم في الوقاية والاستجابة (بما فيها قدرة وملاءمة نماذج الحكم الحالية)؟وعلى الرغم من أن ربع سكان العالم يعيش في البلدان ذات الأوضاع الهشة في هذه المرحلة التاريخية، فإن المنطقة العربية تشهد نزاعات عنفية مسلحة منذ انطلاق ثورات «الربيع العربي». وقد تسببت هذه الحروب في المنطقة في خسائر كارثية وتهجير أكثر من 22 مليون شخص، كما أثرت بصورة سلبية جدا على قدرات الناس في أن يعيشوا حياة كريمة، وقوضت بشدة فرص التنمية المستدامة، وتسببت في تعميق استقطاب السكان على أساس مذهبي وطائفي وعرقي، وهو ما قاد إلى حدوث تصدع مجتمعي كبير في معظم البلدان العربية.في المنطقة العربية، هُمِشَتْ آليات المساءلة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإدارية السيئة التطوير لعقود ولم تلب احتياجات قسم كبير من السكان، كما تسببت في ارتفاع معدلات الفقر،واتساع التفاوت في الدخل، وارتفاع معدلات البطالة وخاصة بين الشباب والنساء وبحسب تقرير الأمم المتحدة، وصلت نسبة البطالة بين الشباب في المنطقة العربية إلى 24 في المائة في الفترة الممتدة بين عامي 2005 2008، وهو ما يربو على ضعف المتوسط العالمي الذي بلغ 11.9 في المائة في الفترة عينها. كما تشكل شريحة الشباب حوالي 50 في المئة من إجمالي معدّل العاطلين من العمل في المنطقة العربية..ويكمن أحد الأسباب الرئيسية لذلك في صعوبة إيجاد الوظائف الملائمة بعد الانتقال من الدراسة إلى العمل، لا سيما لدى خريجي الجامعات. وفي العالم العربي، يزداد معدل البطالة طردياً مع نسبة التعليم.

1106

| 04 ديسمبر 2015

تونس تدخل مرحلة جديدة في محاربة الإرهاب

فيما كانت تتأهب تونس أمنياً، لاسيما بعد هجمات باريس، وبعد إعلانها الأسبوع الماضي تفكيك خلية إرهابية كانت تحضّر لـ« كارثة»،ضرب الإرهاب المتنقل من مكان إلى آخر، ومن عاصمة إلى أخرى، موعداً جديداً له يوم الثلاثاء 24 نوفمبر الجاري، في شارع محمد الخامس في تونس العاصمة، إذ أدى هجوم انتحاري على حافلة للأمن الرئاسي كانت تقل رجال الأمن وسط العاصمة إلى مقتل 12 من عناصرها على الأقل، وإصابة 17 آخرين، وفق حصيلة غير نهائية أعلنتها السلطات التونسية التي رفعت حالة التأهب الأمني في البلاد إلى الدرجة القصوى، وفرضت حالة الطوارئ مجدداً في البلاد لمدة شهر. وكان تنظيم «داعش» الإرهابي تبنى في بيان صادر له، هذا الهجوم الإرهابي، الناجم عن تفجير انتحاري لأحد عناصره من التونسيين، باستعمال حقيبة ظهر أو حزام ناسف يحتوي على عشرة كيلوجرامات من مادة متفجرة عسكرية، يرجح أن يكون ردّاً قوياً ورسالة واضحة إلى رئيس الجمهورية السيد الباجي قائد السبسي، على أثر قتل الجيش التونسي خمسة عناصر إرهابية في جبل مغنية بولاية سيدي بوزيد، بعد عملية قطع رأس الشاب الراعي مبروك السلطاني قبل عشرة أيام.ففي غياب الوعي المجتمعي، تحول قسم من فقراء الولايات الفقيرة والمهمشة في تونس، لا سيما من بنقردان وسيدي بوزيد، إلى خزان بشري احتياطي لتنظيم «داعش»، الذي يمعن في إبراز الإسلام دين عنف ومذابح وجهاد، من خلال تجسيمه العمليات الإرهابية التي تستهدف قتل المدنيين الأبرياء على أرض الواقع بدء بأرض الإسلام، وفي باريس. وفي كلمة وجهها إلى الشعب، شدد رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد على أن تطبيق حالة الطوارئ وفرض حظر التجول «سيطبق بكل صرامة»، داعياً التونسيين إلى «تقديم التضحيات من أجل المحافظة على نمط حياة اختاروه». وأعلنت الحكومة التونسية في بيان قرارها بـ «إحكام تجسيم حالة الطوارئ بحذافيرها وحظر التجول وإعلان حالة التأهب القصوى وتعزيز وجود الوحدات العسكرية في المواقع الحساسة وتكثيف حملات مراقبة نقاط دخول المدن والخروج منها ومداهمة الأماكن المشبوهة».. وأضافت أنه سيتم «تطبيق قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال على كل من يقوم بتمجيد الإرهاب وتبييضه والدعاية له بصفة مباشرة أو غير مباشرة». لقد اغتال الإرهاب «الداعشي» الدين الإسلامي بداية، ثم اندفع يغتال الدولة التونسية بكل مؤسساتها، والمجتمع التونسي بكل مكوناته، وحوّل الإسلام التونسي المعتدل والمتسامح إلى وحش أسطوري كاسر يمتهن تدمير الدولة والمجتمع التونسيين، وحوّل الإنسان التونسي الفقير والمهمش في الولايات الفقيرة، إلى سفاح ومجرم يحترف القتل الجماعي بغير تمييز بين الرجال والنساء، بين الأطفال والشيوخ، وبين التونسيين وغير التونسيين، وبين المسلمين وأتباع الأديان الأخرى. استفاد الإرهاب «الداعشي» من تهالك النظام الديكتاتوري السابق، ومن الاختراق الأمني الكبير للأجهزة الأمنية التونسية في عهد حكم الترويكا، ومن الفشل الكبير للحكومات المتعاقبة في مرحلة ما بعد الثورة، في حماية أحلام الشعب التونسي في بناء دولته الوطنية الديمقراطية التعددية، حيث اغتال الإرهاب، زعماء المعارضة الديمقراطية حَمَلة الأفكار المبشرة بغد أفضل، والعاملين لإخراج الناس من ليل التخلف والجهل والديكتاتورية.ولقد اخترق الإرهاب المؤسسة الأمنية، في زمن حكم الترويكا، فقهر الإرهاب الوطنية التونسية التي استنزفها النظام الديكتاتوري السابق، والحكومات المتعاقبة التي ورثته في الحكم، التي انتزعت الوطنية التونسية من حَمَلة راياتها، أي القوى الوطنية والديمقراطية ومكونات المجتمع المدني، الذين يدافعون عن المشروع الوطني الديمقراطي الحداثي، وأخفقت في محاربة الإرهاب، الذي تغول بقوة، فالتهم إشعاع تونس الفكري والثقافي والحضاري والسياحي والثقافي. بات الإرهاب «الداعشي» يعرف أكثر مما يجب عن النظام التونسي الوليد بعد الثورة، لا سيما عن المؤسسة الأمنية، والمؤسسة العسكرية، والمؤسسة القضائية، والتهريب بشبكاته المنتشرة والمتفرعة، وكذلك مفاتيح السلطة فضلاً عن مصدر القرار، شبكة الاتصالات ومجالات الحركة بالحلفاء والمتعاونين والخصوم الذين لابد من إرجاء الصدام معهم، ولو إلى حين، وكذلك «الأصدقاء» ممن يمكن أن يبيعهم من كيسهم عن خصومهم الفعليين أو المحتملين على قاعدة: أعطيني، فأعطيك..الإرهاب «الداعشي» أصبح خطراً وجودياً، يحتاج إلى قيادة سياسية قوية تتبني إستراتيجية وطنية لمحاربته، تنخرط فيها، الدولة، بكل مؤسساتها، والشعب التونسي، والأحزاب السياسية، ومكونات المجتمع المدني، من أجل القضاء على هذا الخطر الوجودي. الإرهاب عدو الحياة وأبناء الحياة في تونس وفي كل العالم العربي.

286

| 30 نوفمبر 2015

مسلمو فرنسا ضحايا التهميش والإرهاب

تعطي ضاحية سان سانت دينيس في شمال العاصمة الفرنسية باريس التي حصلت فيها الاعتداءات الإرهابية الأخيرة، وباقي الضواحي الفقيرة المتمركزة على تخوم المدن الفرنسية، صورة واضحة ودقيقة عن «الانقسام الاجتماعي» الذي تعيشه فرنسا، وعن وضع المهاجرين العرب والمسلمين الذين يعيشون «مهمشين» في الأحياء الفقيرة أو «الغيتوهات»على أطراف المدن الفرنسية. والحال هذه، وجد تنظيم «داعش» في هذه الأحياء الفقيرة حاضنة حقيقية لتفريخ إرهابه، إذ حينما نشاهد تسجيلات الفيديو التابعة لــ «داعش»، فإنها غالبا ما تتضمّن تهديدات موجهة لفرنسا، ودعوة إلى انتفاضة السكان المسلمين المقيمين في هذا البلد، والذين تتجاوز أعدادهم الـ 5 ملايين نسمة، وفقاً لأحدث التقديرات. وما انفكت التنظيمات الجهادية المتشددة من «القاعدة» إلى «داعش» تحاول استقطاب الكثير من الشباب المسلمين المهمّشين، الذين باتوا يشكّلون احتياطيًا جهاديًا محتملاً لن يتأخر في الانضمام إلى معسكرالتنظيمات الجهادية. وتأتي هجمات 11 سبتمبر الفرنسية الأخيرة، وهي عملية استعراضية ومشهدية بمنزلة «إغواء» هؤلاء المسلمين، من خلال فرض أنفسهم كفاعل قادر على توجيه ضربة مثيرة للإعجاب، في ظل الفشل الذريع التي منيت به أجهزة الاستخبارات الفرنسية. الشباب الغاضب الذي خرج إلى ما كان يعتقد أنه «الجهاد في العراق وسوريا» منذ سنوات عديدة، فعل ذلك عن إحساس بالظلم وعن ضجر لأنه كان ضحية تلاعبات سياسية استمرت سنوات طويلة.. وتتراوح أعمار هؤلاء الشباب بين الخامسة عشرة والثلاثين من العمر، كلهم من مواليد فرنسا ويحملون الجنسية الفرنسية بموجب ذلك. ومع ذلك يعيشون وضعا مختلفا وغير سوي في آن واحد.. أكثر من 66% من هؤلاء الشباب يعيشون بلا وظائف مستقرة، ويعيشون ثقافة مختلفة بحكم عائلاتهم المنحدرة من دول مغاربية مسلمة أو أفريقية مختلفة. يعيشون ثقافة مزدوجة بين ثقافة الأهل والوطن الأم والثقافة الفرنسية بكل ما فيها من تباين بين الشخصية والمجتمع. إضافة إلى كل هذا يتواجد الشباب في أحياء منغلقة على الآخرين، حيث لا توجد فيها إلا مشاكل سرعان ما صارت مشاكل عنف ومخدرات وانقسامات خطيرة على الصعيد الفردي والاجتماعي ككل. هؤلاء عجزوا في أن يكونوا مغاربة تماما أو أفارقة تماما أو أن يكونوا فرنسيين حقيقة. صاروا يعيشون وضعا مأساويا يبحثون من خلاله عن هويتهم، ومن تداعيات الهجمات الإرهابية الأخيرة التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس، وقوع أكثر من32 حادثة مناهضة للمسلمين خلال الأسبوع الماضي.. وذكر المرصد الوطني لمناهضة الخوف من الإسلام وهو مؤسسة تربطها صلات بالمجلس الإسلامي الفرنسي أنه سجل 178 حادثة مناهضة للمسلمين في يناير 2015 بعد هجوم إسلاميين متشددين على صحيفة شارلي إبيدو ومتجر للأطعمة اليهودية في نفس الشهر. ويصل عدد أفراد الأقلية المسلمة في فرنسا إلى خمسة ملايين مسلم، وهي أكبر أقلية مسلمة في أوروبا وتمثل نحو ثمانية في المئة من السكان. ويتوقع المراقبون المزيد من الحوادث في الأسابيع المقبلة لأن هجمات الأسبوع الفائت شجعت «جماعات قومية متطرفة واليمين المتطرف وعنصريين» على استهداف المسلمين.. فهم يستغلون هذه الأجواء للهجوم على المسلمين، الذين أصبحوا «العدو في الداخل».. فظهرت رسوم غرافيتي مناهضة للمسلمين في أنحاء كثيرة. ففي بلدة إيفري بشمال فرنسا كتبت على مبنى البلدية ومبان أخرى عبارات مثل «الموت للمسلمين» و«حقيبة سفر أو كفن» في تهديد يشير إلى أن المحتجين يرغبون في أن يترك المسلمون البلدة.. وأفادت تقارير بأن صلبانا معقوفة رسمت على حوائط المساجد من الخارج في منطقة باريس وفي منطقة بونتارلييه قرب الحدود مع سويسرا. وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات العنصرية والمناهضة للمسلمين بعد أن انتشرت أنباء الهجمات.. وأدت حالة الطوارئ التي فرضت في فرنسا بعد هجمات باريس أدت تزايد الشكاوى من وحشية الشرطة التي دهم أفرادها منازل لتفتيشها ووضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية.

624

| 23 نوفمبر 2015

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5067

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

4923

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3699

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2799

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2382

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1536

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1071

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1032

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

984

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

978

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

846

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
توطين الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي القطري

يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية...

714

| 23 أكتوبر 2025

أخبار محلية