رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أهمية علم المواريث

لهذا العلم أعني علم المواريث مكانة ومكانته بين سائر مفردات العلم تلك التركة التي تركها رسول الله — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ — " فإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظَ وَافِرٍ" صحيح الجامع حديث رقم: 6297،يدل على ذلك الحديث الشريف الذي رواه أبو داود والدارقطني من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص — رَضِيَ الله عنهما — أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة)[1]. قال الخطابي أبو سليمان في معالم السنن: الآية المحكمة:هي كتاب الله تعالى: واشترط فيها الإحكام؛ لأن من الآي ما هو منسوخ لا يعمل به، وإنما يعمل بناسخه.والسنة القائمة:هي الثابتة مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من السنن الثابتة. والفريضة العادلة تحتمل وجهين من التأويل:أحدهما: أن يكون من العدل في القسمة؛ فتكون معدلة على الأنصباء والسهام المذكورة في الكتاب والسنة.والوجه الآخر: أن تكون مستنبطة من الكتاب والسنة ومن معناهما؛ فتكون هذه الفريضة تعدل ما اخذ من الكتاب والسنة إذ كانت في معنى ما أخذ عنهما نصا"[2]. وكفي بهذا العلم فخرا أن الله تعالى فرض فرائضه وقدر سهامه فقال عز من قائل " نَصِيباً مَّفْرُوضاً"[النساء:7] وقال:" في ختام آية ميراث الأولاد " فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً" ونصها كالآتي "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا "[النساء:11] *وللقرطبي رحمه الله تعليق دقيق على آية ميراث الأولاد هذه يقول رحمه الله تعالى: " هَذِهِ الْآيَةُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ، وَعُمْدَةٌ مِنْ عُمَدِ الْأَحْكَامِ، وَأُمٌّ مِنْ أُمَّهَاتِ الْآيَاتِ، فَإِنَّ الْفَرَائِضَ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ حَتَّى إِنَّهَا ثُلُثُ الْعِلْمِ، وَرُوِيَ نِصْفُ الْعِلْمِ. وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنَ النَّاسِ وَيُنْسَى رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ أول شي ينسى وهو أول شي يُنْتَزَعُ مِنْ أُمَّتِي). وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ وَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ لَا يَجِدَانِ، مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا (. وإذا ثبت هذا فاعلم أن الفرائض كان جُلَّ عِلْمِ الصَّحَابَةِ، وَعَظِيمَ مُنَاظَرَتِهِمْ، وَلَكِنَّ الْخَلْقَ ضَيَّعُوهُ. وَقَدْ رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ عبد الله ابن مَسْعُودٍ: مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمِ الْفَرَائِضَ وَالطَّلَاقَ وَالْحَجَّ فَبِمَ يَفْضُلُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ؟ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: كُنْتُ أَسْمَعُ رَبِيعَةَ يَقُولُ: مَنْ تَعَلَّمَ الْفَرَائِضَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِهَا مِنَ الْقُرْآنِ مَا أَسْرَعَ مَا يَنْسَاهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَصَدَقَ"[3]وبن يدي إعدادي لهذه المقالة، تذكرت أثناء إحدى زياراتي التوجيهية لمدرسة سيف الدولة الثانوية بإمارة الفجيرة في عقد التسعينات من القرن الماضي، مدير المدرسة يقول لي: ياشيخ: لقد كنت أظن أن التربية الإسلامية آية وحديث، فهى من البساطة والسهولة بمكان، ولكنى — والكلام لمدير المدرسة — وقد كنت مدرس رياضيات — عندما اطلعت على نظام المواريث، وجدت هذا العلم أعقد من اللوغارتمات عندنا في مادة الرياضيات. فحق لهذا العلم أن يكون نصف العلم،أقول: هذه النصوص والآثار آنفة الذكر فيها دلالة على تميز هذا العلم واستقلاليته بين سائر العلوم وقد اشتهر من بين الصحابة بهذا العلم الفاروق وزيد بن ثابت وذوالنورين وابن مسعود والصديقة ابنة الصديق — رَضِيَ الله عنهم أجمعين بل لقد ورد في الحديث "أَفْرضُكم زَيْدُ بنُ ثابتٍ"[4] أَخرجَهُ أَحْمَدُ والأربعةُ سوى أبي داودَ ولا يعنى هذا فراغ وخلو باقي الصحابة من هذا العلم بل شاركوه كما شاركهم فيما نهلوا جميعا منه من علم رسول الله — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ — ولكن تبقي الفروق الفردية ويبقى فضل الله الذي يؤتيه من يشاء ""وفى الصحيح «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي"[5]قال القفال[6]:ما تكلم أحد في الفرائض إلا ووجد له القول في بعض المسائل هجره الناس إلا زيداً فإنه لم ينفرد بقول وما قال قولاً إلا تبعه عليه جمع من الصحابة وذلك يقتضي الترجيح قال الماوردي وفي معنى الحديث أقوال أحدها: أنه قاله حثاً للصحب على منافسته والرغبة في تعليمه كرغبته لأنه كان منقطعاً إلى تعلم الفرائض بخلاف غيره، الثاني: قاله تشريفاً له وإن شاركه غيره فيه كما قال أقرؤكم أبيَّ. الثالث: خاطب به جمعاً من الصحب كان زيد أفرضهم، الرابع: أراد به أن زيداً كان أشدّهم عناية وحرصاً عليه، الخامس: قاله لأنه كان أصحهم حساباً وأسرعهم جواباً وقد كان الصحب يعترفون له بالتقدم في ذلك، وناهيك بتلميذه ترجمان القرآن فإنه أخذ عنه وبلغ من تعظيمه له أن زيداً صلى على جنازة أمه فقربت له بغلته ليركب فأخذ ابن عباس بركابه فقال زيد خلي عنها يا ابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال هكذا نفعل بعلمائنا فقبّل زيد يده وقال هكذا نفعل بأهل بيت نبينا — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ — هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل.

18760

| 14 مارس 2014

العدل أساس قوة وبقاء الملك

قديما قيل إن أعمدة الحكم أربعة: الدين — العدالة — الشورى — الخزينة، ولما ضاعت أربعتها هبت ثورات شعوب المنطقة، لعلها تستدرك بعض ما فاتها من هذه الأربعة رويدا رويدا، وسنتحدث هنا عن العدل وتأصيله ودوره في استقرار الملك قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول فيها "إنها أجمع آية في القرآن للخير والشر" وروى البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن، أنه قرأها يوما ثم وقف، قال: إن الله جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة، فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا؛ ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه. لقد أمرنا الله فيها بخصال ثلاث من أهم خصال الخير؛ فأولها العدل، وهو أن يُعطي كل ذي حق حقه، فالعدل واجب على كل من استرعاه الله رعيّة من إمام وغيره وعدل الحكومة مع شعبها، فعليها أن تجلب له السعادة، وتبعد عنه أسباب الشقاء، وتوفر لكل طائفة من الشعب رقيها وتقدمها. وقد استفاض الكتاب العزيز في الحديث عن العدل فمن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) وقوله تعالى (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) وقوله تعالى (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) وقوله تعالى (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ). عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ قَالَ: "يَوْمٌ مِنْ إِمَامٍ عَادِلٍ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً، وَإِقَامَةُ حَدٍّ فِي أَرْضٍ أَزْكَى لَهَا أَوْ أَنْفَعُ لَهَا مِنْ مَطَرٍ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا" وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيته فالإمام الذى على الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم والعبد راع على مال سيّده وهو مسئول عنه فكلّكم راع وكلكم مسئول عن رعيّته» وسر هذه الاستفاضة في شقي الوحي عن هذا العمود من أعمدة الحكم هو أن العدل من أغلى وأسمى مقومات الحياة، ومبدأ أساسي دبر به رب الكون نظامه، وأسس عليه وجوده ودورانه، وهو رسالة رب الأرض والسماء، وتحقيقه واحد من مهمة الرسل والأنبياء، وهو وطيدة الحكم الصالح ودعامته المتينة، تطمئن إليه النفوس، وترتاح إليه الأفئدة، وبه تصان القيم، وتستقر المبادئ، ويتضاعف شعور المواطن بالانتماء إلى وطنه، وبه يعلو بناء الإنسان، وبه يصان دمه وماله وعرضه، وقديماً قيل: بالعدل ثبات الأشياء، وبالجور زوالها.قال عبد الملك بن مروان لبنيه: كلّكم يترشّح لهذا الأمر، ولا يصلح له منكم إلا من له سيف مسلول، ومال مبذول؛ وعدل تطمئنّ إليه القلوب.. والعدل مظهر من مظاهر شدة السلطان، لا البطش، ولا الغازات المسيلة للدموع، ولا الرصاص الحي الذي يخترق الصدور العارية، ولا انتهاك الحرمات، ولا ترويع الآمنين، ولا قطع الأرزاق، ولا قطع الأعناق، ولا تشريد الناس عن أوطانهم، وتهجيرهم من مساكنهم، وإنما أبلغ مظهر وأحكم نظام هو ما قام على العدل.خطب سعيد بن سويد بحمص، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها الناس، إن للإسلام حائطا منيعا وبابا وثيقا؛ فحائط الإسلام الحقّ وبابه العدل؛ ولا يزال الإسلام منيعا ما اشتدّ السلطان؛ وليس شدّة السلطان قتلا بالسيف ولا ضربا بالسّوط، ولكن قضاء بالحقّ وأخذٌ بالعدل.وكتب إلى عمر بن عبد العزيز بعض عمّاله يستأذنه فى تحصين مدينة؛ فكتب إليه: حصّنها بالعدل ونقّ طريقها من الظلم. ونسب للاسكندر انه قال لجماعة من الهند: لم صارت شُرَط بلادكم قليلة؟ قالوا: لإعطائنا الحق من أنفسنا، ولعدل ملوكنا وحسن سيرتهم فينا. وقال قحطبة بن شبيب لأهل خراسان يستنهضهم لقتال عدوهم بلا هيبة فالهيبة تجر الخيبة.. قال: يا أهل خراسان: هذه البلاد كانت لآبائكم الأولين، وكانوا ينصرون على عدوهم لعدلهم وحسن سيرتهم؛ حتى بدلوا وظلموا، فسخط الله عز وجل عليهم، فانتزع سلطانهم وسلط عليهم أذل أمة، كانت في الأرض عندهم؛ فغلبوهم على بلادهم، واستنكحوا نساءهم، واسترقوا أولادهم.العدل حارس الملك، ومدبر فلك الفلك، وغيث البلاد، وغوث العباد، وخصب الزمان، ومظنة الأمان. وكبت الحاسد، وصلاح الفاسد، وملجأ الحائر ومرشد السائر، وناصر المظلوم ومجيب السائل والمحروم، به تطمئن القلوب، وتنجلي غياهب الكروب، ويرغم أنف الشيطان، وترتفع به قواعد السلطان. عليه مدار السياسة، وهو مغن عن النجدة والحماسة: عن العدل لا تعدل وكن متيقظاً .. وحكمك بين الناس فليك بالقسطوبالرفق عاملهم وأحسن إليهم .. ولا تبدلن وجه الرضا منك بالسخطوحل بدر الحق جيد نظامهم .. وراقب إله الخلق في الحل والربط وبضدها تتميز الأشياء، ولهذا مع الترغيب في العدل يجمل الترهيب من الظلم لذا نقول إياك والظلم فإنه ظلمات، وداع إلى تغيير النعمة وتعجيل النقمة. يقرب المحن ويسبب الإحن، ويخلي الديار، ويمحق الأعمار، ويعفي الآثار، ويوجب المثوى في النار، وينقص العدد، ويسرع يتم الولد، ويذهب المال، ويتعب البال، ويجلب العقاب، ويضرب الرقاب، ويقص الجناح، ويخص بالإثم والجناح، والمظلوم أنفاسه متعلقة بالسحاب، ودعوته ليس بينها وبين الله حجاب: كن منصفاً واسلك سبيل التقى .. فالبغي ليل جنحه مظلمواجتنب الظلم ولا تأته .. والله لا يفلح من يظلم هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل، وللحديث صلة بحول الله وقوته.

4831

| 07 مارس 2014

ضرورة إقرار الذمَّة المالية

إن ولي الأمر في كل أمة، عقدة نظامها وقوامها، وملاك أمرها، وحرزها، وكهفها، ومعقلها الذي يلجأون إليه، شهابها الساطع، ونجمها الثاقب، وبدرها الطالع، وسهمها النافذ، فإذا فسد فمن يصلح ومن أين يكون الصلاح؟؟!!من بالغ الدروس، وأعاجيب أحداث عالمنا العربي المعاصر، أنك ترى تضخما في ثروات رعاة هذا العالم العربي، وعجزا مريعا في ميزانيات دولهم، لم يعرف قانون من أين لك هذا سبيلا إلى تشريعاتهم، ولم يضرب على وتر قلوبهم حديث رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة، حتى يُسألَ عن أربع عن عُمُره فيما أفناه؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟، ولا استشعرت قلوبهم حديث النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "مَنِ استعملناه على عمل، فرزقناه رزقاً، فما أخذَ بعد ذلك فهو غُلول" وقد قال تعالى: "..وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ". لو أنه تتم محاسبة هؤلاء، لما تم نهب وسلب ثروات الأمة، حتى تتجمع في أيدى شرذمة، بينما عامة الشعب يتضورون جوعا، ويفترشون الحرمان، ويلتحفون العراء، وكان لسان الحال عند ضيق الصدور وبلوغ القلوب الحناجر من مثل هذه المظالم.وفي الحديث الصحيح من تقرير مبدأ المحاسبة فى الدنيا ـ قبل القيامة ـ ما يضع حدا لهذه الجرائم: عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ عَلىَ صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ الأُتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: "فَهَلاَّ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّىَ تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً؟" ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّىَ تَأْتِيهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقاً، واللهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلاَّ لَقِيَ اللهَ تَعَالَىَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلأَعْرِفَنَّ أَحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعِرُ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّىَ رُؤيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟" بَصُرَ عَيْنِي، وَسَمِعَ أُذُنِي. شعوبهم لهم بالمرصاد، ومن فوق الشعوب رب العباد، "إن ربك لبالمرصاد".كتب عليّ بن أبي طالب إلى ابن عمه عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنهم ـ واليه على البصرة:أما بعد، فإنه قد بلغني عنك أمر، إن كنت فعلته فقد أسخطت الله، وأخزيت أمانتك، وعصيت إمامك، وخنت المسلمين. بلغني أنك جردت الأرض وأكلت ما تحت يدك، فارفع إليّ حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس والسلام. وما تردد في الآونة الأخيرة من زيادة ثروات بعض هؤلاء الرعاة الطغاة ـ زيادة فاحشة، تكفي لسد العجز في ميزانيات دولهم، بظهور هذه الثروات الخيالية فطنت الشعوب، كيف أصاب ميزانيات دولها العجز مع كثرة الموارد، وتنوع وتعدد مصادر الدخل لإيرادات الدولة، هذا ذكَّرنا بما ورد، في أدبيات تاريخنا العربي مِن أن معاوية خطب يوما فقال: إن الله تعالى يقول: "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ" فعلام تلوموني إذا قَصَّرت في عطاياكم؟ فقال له الأحنف بن قيس: وإنا والله لا نلومك على ما في خزائن الله ولكن على ما أنزله الله لنا من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه. ترى أليس هذا حال كثير من رعاة وطننا العربي؟؟؟؟!!!! ولذلك لا بد من المساءلة العادلة، والمحاسبة المسؤولة ففي الحديث "أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَىَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَىَ بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَىَ مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". بالله قولوا لي: ماذا عساه أن يكون في نفس الرعية وهي تتضور جوعا، بينما رعاتها، تكاد يقتلها البشم والتخمة، أين العدل وأين الشورى، وأين العدالة الاجتماعية؟؟؟!!! ذكرت كتب التاريخ أيضا أنه قد أصاب القوم مجاعة في عهد هشام بن عبدالملك، فدخل إليه وجوه الناس من الأحياء، وفي جملتهم درواس بن حبيب العجلي وعليه جبة صوف مشتمل عليها بشملة قد اشتمل بها الصماء، فنظر هشام إلى حاجبه نظر لائم في دخول درواس إليه، وقال: أيدخل عليّ كل من أراد الدخول. وكان درواس مفوّها فعلم أنه عناه، فقال درواس: يا أمير المؤمنين ما أخلّ بك دخولي عليك ولقد شرفني ورفع من قدري تمكني من مجلسك، وقد رأيت الناس دخلوا لأمر أعجموا عنه، فإن أذنت في الكلام تكلّمت، فقال هشام: لله أبوك تكلّم، فما أرى صاحب القوم غيرك، فقال: يا أمير المؤمنين تتابعت علينا سنون ثلاث، أما الأولى فأذابت الشحم، وأما الثانية فأكلت اللحم، وأما الثالثة فانتقت المخ ومصَّت العظم، ولله في أيديكم أموال، فإن تكن لله فأعطفوا بها على عباد الله، وإن تكن لهم فعلام تحبسونها عنهم، وإن تكن لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين. فقال هشام: لله أبوك ما تركت واحدة من ثلاث، وأمر بمائة ألف دينار فقسمت في الناس، وأمر لدرواس بمائة ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين ألكل رجل من المسلمين مثلها، قال: لا ولا يقوم بذلك بيت المال، فقال: لا حاجة لي فيما يبعث على ذمّك، فلما عاد إلى داره أمر بذلك فبعث إليه فقسم تسعين ألف درهم في تسعة من أحياء العرب، وحبس عشرة آلاف درهم فبلغ ذلك هشاما، فقال: لله دره إن صنيعة مثله تبعث على الاصطناع.ترى هل يصنع أفراد أنظمة الأحزاب الحاكمة في ديارنا، ما كان يصنع سمحاء هذه الأمة عندما كان يغدق عليهم الولاة العطايا والهبات، أم أن أفراد الحزب الحاكم، تجوع الشعوب ليشبعوا، وتعري ليكتسوا، وتظمأ ليرتووا.ومن عجيب أنهم يستخفون بهذه الأموال من الناس، "يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً". نخلص من هذا كله إلى درس بالغ من الدروس المهمة من أحداث الأمة، هو ضرورة تقديم كل موظف كبر أو صغر، إقرارا بذمته المالية عند شغله لوظيفة من وظائف الدولة وعند تخليه أو تركه لها إقالة أو استقالة، فهلا اتخذت وزارة المالية من الاجراءات، ما يجعل هذا في حيِّز التنفيذ.

1429

| 27 فبراير 2014

الفَوَائد الدِّينِيَّة أو الأخروية لِولي الأمر العادل

لما كان العيش عيش الآخرة، للحديث الشريف، والآخرة خير وأبقي، "وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ"[1]"، وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" [2]، وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ"[3].. لهذه كله وغيره عجلنا إلى بيان فوائد الحاكم العادل في الآخرة، حيث هي الدار ، والسعيد حقا سعيدها، والغني حقا غنيها، وهاكم بعض هذه الفوائد والمنافع ليعمل لها العاملون، ويتنافس المتنافسون.إِجَابَة الدُّعَاءالْفَائِدَة الأولى:إِجَابَة الدُّعَاء، فَفِي التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاثَة لَا ترد دعوتهم: الصَّائِم حَتَّى يفْطر وَالْإِمَام الْعَادِل ودعوة الْمَظْلُوم يرفعها الله فَوق الْغَمَام، وتفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء وَيَقُول الرب "وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأنصرنك وَلَو بعد حِين".. رواه أحمد والترمذي وحسنه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". اسْتِحْقَاق التَّقَدُّم على من يظلهم الله فِي ظلهالْفَائِدَة الثَّانِيَة:اسْتِحْقَاق التَّقَدُّم على من يظلهم الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "سَبْعَة يظلهم الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله، إِمَام عَادل، وشاب نَشأ فِي عبَادَة الله، وَرجل مُعَلّق قلبه بالمساجد، ورجلان تحابا فِي الله اجْتمعَا عَلَيْهِ وتفرقا عَلَيْهِ، وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات منصب وجمال، فَقَالَ لَا إِنِّي أَخَاف الله، وَرجل ذكر الله خَالِيا فَفَاضَتْ عَيناهُ" صحيح البخاري كِتَابُ الأَذَانِ، بابُ مَنْ جَلَسَ فِي المَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ، وَفَضْلِ المَسَاجِدِ صحيح مسلم كِتَاب الزَّكَاةِ، بَابُ فَضْلِ إِخْفَاءِ الصَّدَقَةِ. الأحب والأقرب إلى الله تعالى مجلسا يوم القيامةالْفَائِدَة الثَّالِثَة:الْمُسَابقَة بِهِ إِلَى الْمحبَّة من الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَةفَفِي سنن التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ- رَضِي الله عَنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُول الله- صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "أحب النَّاس إِلَى الله يَوْم الْقِيَامَة وأدناهم مِنْهُ مَجْلِسا إِمَام عَادل وَأبْغض النَّاس إِلَى الله يَوْم الْقِيَامَة، وأبعدهم مِنْهُ مَجْلِسا إِمَام جَائِر".. شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ فَضْلِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ... وَمَا جَاءَ فِي جَوْرِ الْوُلَاةِ؛ علو القدر والمنزلة في الآخرة.. حيث يكون يوم القيامة على مَنَابِر من نور عَن يَمِين الرَّحْمَن.الْفَائِدَة الرَّابِعَة: اسْتِحْقَاق الْعُلُوّ بِهِ على مَنَابِر من نور عَن يَمِين الرَّحْمَن، وكلتا يَدَيْهِ يَمِين.. فَفِي الصَّحِيح عَن عبد الله بن عمر- رَضِي الله عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- إِن المقسطين عِنْد الله تَعَالَى على مَنَابِر من نور عَن يَمِين الرَّحْمَن، وكلتا يَدَيْهِ يَمِين، الَّذين يعدلُونَ فِي حكمهم وأهلهم وَمَا ولُوا".. صحيح مسلم - كِتَابُ الْإِمَارَةِ بَابُ فَضِيلَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ، وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ، وَالْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ، وَالنَّهْيِ عَنْ إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ.. ضَمَان الْجنَّةالْفَائِدَة الْخَامِسَة:ضَمَان الْجنَّة بِهِ، فَفِي الصَّحِيح عَن حَمَّاد رَضِي الله عَنهُ، قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول "أهل الْجنَّة ثَلَاثَة( ذو سلطان مقسط ، وَرجل رَحِيم رَقِيق الْقلب لكل ذِي قربى مُسلم، وعفيف متعفف ذُو عِيَال"".. صحيح الترغيب والترهيب..وعن الحسن قال، قال عمر بن الخطاب: حدثني يا كعب عن جنات عدن، قال: نعم يا أمير المؤمنين قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل، فقال عمر: أما النبوة فقد مضت لأهلها، وأما الصديقون فقد صدقت الله ورسوله، وأما الحكم العدل فإني أرجو الله أن لا أحكم بشيء إلا لم آل فيه عدلا، وأما الشهادة فإنى لعمر بالشهادة، قال الحسن: فجعله الله صديقا شهيدا حكما عدلا[4]..

2209

| 20 فبراير 2014

الوظائف السياسية للحاكم المسلم (1)

إن الأمة اليوم تتطلع إلى قيادات سياسية تعفُّ عن أموالها، وتكفُّ عن دمائها، وتلمُّ شعثها، وتوحد كلمتها، وتحسن سياستها، وتحررها من عبوديتها، بعد أن أترعت الدماء على أيدي الطغاة، وأهدرت الأموال، وانتهكت الأعراض، وامتلأت السجون بالمظلومين ببغي المجرمين، وعدوان الآثمين، ونكث الناقضين للعهود، والخارجين على الحدود، واختلطت الأوراق، وكادت أن تضيع الحقائق، ومما يجمل فى مثل هذا الحال، بيان الواجبات التي ينبغي أن ينهض بها القادة السياسيون — ولا سيما ولي الأمر المسلم — وقد أورد الماوردي ستة منها تعد في الحقيقة على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وهي[1] يباشر ولي الأمر هذه الوظائف من خلال أجهزة ينتقيها ويختارها على عينه، ويٌحدد اختصاص كل جهاز منها على حدة، منعا للازدواجية، والتداخل فى الواجبات وهاك البيان أولا: — حماية البيضة (الوطن)، — (وَالذَّبُّ عَنْ الْحَوْزَةِ) ؛ أَيْ: حِفْظُ الرَّعِيَّةِ (وَإِنْصَافُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ) وهو ما يعرف حديثا بالمحافظة على الأمن والنظام العام في الدولة — والذّبّ عن الحرمات مِنْ عَدُوٍّ فِي الدِّينِ أَوْ بَاغِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أو أرض أو عرض.ليتصرّف الناس في المعايش، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال. وهذا ما يقوم به أفراد الشرطة — ومجندو وزارة الداخلية — الآن بتفرغ.ثانيا: — تَحْصِينُ الثُّغُورِ بِالْعُدَّةِ الْمَانِعَةِ وَالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ، — وهو ما يعرف حديثا بالدفاع عن الدولة في مواجهة الأعداء — حَتَّى لاَ يَظْفَرَ الأْعْدَاءُ بِثُغْرَةٍ يَنْتَهِكُونَ بِهَا مُحَرَّمًا، وَيَسْفِكُونَ فِيهَا دَمًا لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ. وهذا ما يقوم به — مجندو وزارة الدفاع أو الحربية أو القوات المسلحة بكافة أفرعها وتخصصاتها — الآن بتفرغ كاملثالثا:الإشراف على الأمور العامة بنفسه — أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ — أَوْ بِأَعْوَانِهِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ مُشَارَفَةَ الأْمُورِ، وَتَصَفُّحَ الأْحْوَال لِيَنْهَضَ بِسِيَاسَةِ الأْمَّةِ[2] —، وحراسة الملّة، ولا يعوّل على التفويض تشاغلا بلذّة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغشّ الناصح. وقد قال تعالى: "يا داوُدُ، إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[3]". فلم يقتصر الله تعالى على التفويض دون المباشرة، بل أمره بمباشرة الحكم بين الخلق بنفسه. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته[4]»[5] ولقد عِيب على بعض الشعراء، وصْفه الخليفة المأمون بالتفرغ للعبادة والانشغال بها عن متابعة أمور رعيته، وهذا هو محرابه الذي تعبده الله تعالى به فعن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، قال: إني بباب المأمون إذ خرج عبد الله بن السمط، فقال لي: علمت أنّ أمير المؤمنين على كماله لا يعرف الشعر! قلت له: وبم علمت ذلك؟ قال: أسمعته الساعة بيتا لو شاطرني ملكه عليه لكان قليلا، فنظر إلى نظرا شزرا كاد يصطلمني. قلت له: وما البيت؟ فأنشد:أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا... بالدّين، والناس بالدنيا مشاغيلقلت له: والله لقد حلم عليك إذ لم يؤدّبك عليه، ويلك! وإذا لم يشتغل هو بالدنيا فمن يدبّر أمرها؟ وقيل إنه قال له: ما زدته على أن وصفته بصفة عجوز فى يدها مسباحها؛ فهلا قلت كما قال جدي في عبد العزيز بن مروان:فلا هو فى الدنيا مضيع نصيبه... ولا عرض الدّنيا عن الدين شاغله[6]فقال: الآن علمت أنني أخطأت[7]رابعا: إقامة العدل بين الناس قال تعالى:" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[8]"" قال تعالى" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً[9]"هذا وإقامة العدل يتمثل في أمرين:1 — النظر في المظالم وتنفيذ الأحكام، بين المتشاجرين، وقطع الخصام، بين المتنازعين، بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا وَاعْتِمَادِ النَّصَفَةِ فِي فَصْلِهَا. حتّى تعمّ النّصفة فلا يتعدّى ظالم ولا يضعف مظلوم. قال تعالى:"" وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَاعَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[10]"(لَو أنصف النَّاس استراح القَاضِي... — _ وَبَات كلُّ عَن أَخِيه رَاض)2 — إقامة الحدود مِنْ غَيْرِ تَجَاوُزٍ فِيهَا، وَلَا تَقْصِيرٍ عَنْهَا. لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من الإتلاف والاستهلاك. ويكون الجميع أمام القانون والشريعة سواء، في الصحيح، عَنْ عَائِشَةَ — رضي الله عنها — أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ —؟فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلاَّ أُسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ —؟فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ —: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟" ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا"[11].

616

| 23 يناير 2014

من واجبات الحاكم المسلم (2-2)

ثالثاً: ـ أن يقوم بجباية ـ جمع ـ الفيء والصّدقات على ما أوجبه الشرع نصّا واجتهادا من غير حيف ولا عسف. والمقصود بالفيء والغنائم: الأموال التي تصل إلى المسلمين من المشركين أو كانوا سبب وصولها. وهناك نصوص تذكر بعض مصادر بيت مال المسلمين، أو قل مصادر الميزانية العامة قال تعالى: "وَمَا أَفَاء الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ".وقال تعالى: "وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَإنَّ لِله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِالله وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.وأما الصدقات فهي الأموال الواجبة على المسلمين نصاً كالزكاة، واجتهاداً كالأموال المفروضة على الأغنياء إذا خلا بيت المال، واحتاجت الدولة لتجهيز الجيش ونحوه من المصالح العامة، وقال تعالى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.ولهذا من أمارات الرشد، وقرائن الحكمة في الحكم، في ـ قطر ـ وجود "صندوق الزكاة" تلك الهيئة الرسمية القائمة على تلقي الزكاة من أصحابها، وتوزيعها على المستحقين لها من الأسر المتعففة في داخل الدولة وخارجها، فكم سدت من رمق، وكم روت من ظمأ، وكم داوت من جراح، وجبرت من كسر، وسدَّت من خلة، وما أكثر مشاريع الخير التي كان وراءها هذا الصندوق، ـ جزى الله القائمين عليه كل خير ـ تأسيسا وتوظيفا وأداء ـ ولعل دولا إسلامية أخرى ـ ولا سيما دول الربيع العربي وفى مقدمتها أم الدنيا أرض الكنانة ـ تحذو حذوها ويكون ثمة الإحصاء الدقيق للأغنياء والموسرين يحصيهم ديوان، وفي المقابل ديوان آخر يحصر الفقراء تنظيما أكثر دقة وشمولا حتى يغنى الفقير، ويكسى العاري، وهذا من أوجب واجبات أولياء الأمور في عالمنا الإسلامي، أو لم يعلنها الصديق حربا مدويا على من منعوا الزكاة، وقال قولته الشهيرة: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، وقفة كان لها ما بعدها، فاستقام الناس، ودامت دولة الإسلام.رابعاً ـ القيام على شعائر الدين من أذان وإقامة صلاة الجمعة والجماعة والأعياد، وصيام، وحج، فبالنسبة للصلاة يعين الخليفة ـ الرئيس أو الأمير أيا ما كان مسماه ـ الإمام والمؤذن، ويصون المساجد ويرعاها، ويؤم الناس في الصلاة الجامعة إذا حضر، ويشرف على توقيت الصيام بدءاً ونهاية، ويعاقب من يعلن الإفطار دون عذر مقبول، وييسر أداء فريضة الحج بتعيين ولاة للسهر على أداء هذا الواجب، والولاية على الحج لتسيير الحجيج وإقامتهم، ومثل ذلك حديثا "بعثة الحج" ـ قِتَال أَهْل الْبَغْيِ وَالْمُحَارِبِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَتَوْقِيعُ الْمُعَاهَدَاتِ وَعُقُودِ الذِّمَّةِ وَالْهُدْنَةِ وَالْجِزْيَةِ. هذا وللحديث بقية بحول الله وقوته، ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل.

806

| 16 يناير 2014

من واجبات الحاكم المسلم الحقيق بالسمع والطاعة (1)

في الوقت الذي يُمكِّن الله تعالى فيه لبعض عباده في الأرض فيضعهم في موقع الصدارة، وفي أعناقهم أمانة إدارة شؤون البلاد والعباد يَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّصَرُّفُ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ ـ وغيرهم من أبناء الوطن ورعايا الدولة، كُلٌّ فِي مَجَالِهِ وَبِحَسَبِ سُلْطَتِهِ. وَفِي ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ "التَّصَرُّفُ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ" وهذا التصرف أو قل يناط بولي الأمر ـ الحاكم أيا ما كان لقبه ـ رئيسا أو أميرا أو ملكا أو خليفة ـ وظائف منها ما هو ديني ومنها ما هو سياسي وهذه إشارات إلى الوظائف الدينية منها ويتمثل ذلك في أمور أربعة: أحدها ـ أن يحفظ على الأمة دينها ـ فكريا ـ على أصوله المستقرّة (الكتاب والسنة الصحيحة)، وما أجمع عليه سلف الأمّة، وإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه، أوضح له الحجّة، وبيّن له الصّواب، حتى تتأخر شبهته افتضاحا، ويتقدم الحق اتضاحا، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ليكون الدّين محروسا من الخلل، والأمّة ممنوعة من الزّلل. فالْمُلك بِالدّينِ يبْقى، وَالدّين بِالْملكِ يقوى. كما قال ابن المعتز[1]. قال تعالى في بيان وظائف من يَصِلون إلى الحكم: "الَّذِينَ إِن مكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[2]"، وما هلك وأهلك من وصلوا قبلُ إلى الحكم عبر القرون الخوالي إلا بسبب إخلالهم بهذه الوظائف التي كلفهم الله تعالى إياها قال تعالى: "أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ[3]" وقال جل مذكورا وعز مرادا: "وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون[4]"والمستقرئ لآيات الكتاب العزيز يلحظ الاقتران الدقيق بين الدين والسلطان، بين الحق والقوة، بين المصحف والسيف، قال تعالى:" لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[5]" وقيمة التلازم بين هذين الأمرين في غاية الأهمية فالحق بغير القوة ضائع، والقوة بغير الحق ظلم وبغي؛ قَالَ بعض القدماء الدّين وَالسُّلْطَان توأمان وَقيل: الدّين أس وَالسُّلْطَان حارس فَمَا لَا أس لَهُ فمهدوم وَمَا لَا حارس لَهُ فضائع، السلطان زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود والقطب الذي عليه مدار الدين والدنيا. وهو حمى الله في بلاده وظلّه الممدود على عباده، به يمتنع حريمهم، وينتصر مظلومهم، وينقمع ظالمهم، ويأمن خائفهم[6].ثانيا: ـ أن يُجِاهِدَ مَنْ عَانَدَ الإْسْلاَمَ بَعْدَ الدَّعْوَةِ حَتَّى يُسْلِمَ، أَوْ يَدْخُل فِي الذِّمَّةِ. ليقام بحقّ الله تعالى في إظهاره على الدّين كلّه. وهذا مشروط بوجود قوة للمسلمين ووجود عدوان على دعاة الإسلام أو بلاده، قال تعالى: "قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَاللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[7]" "قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ[8]" وقال تعالى: "قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً[9] وقال تعالى عن مدافعة أعداء الأمة في الداخل والخارج: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[10]"ثالثًا: ـ أن يقوم بجباية ـ جمع ـ الفيء والصّدقات[11] على ما أوجبه الشرع نصّا واجتهادا من غير حيف ولا عسف. والمقصود بالفيء والغنائم: الأموال التي تصل إلى المسلمين من المشركين أو كانوا سبب وصولها. وهاك نصوص تذكر بعض مصادر بيت مال المسلمين، أو قل مصادر الميزانية العامة قال تعالى: "وَمَا أَفَاء الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ* لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ*وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً للَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ[12]".

2703

| 09 يناير 2014

الإحسان فوق العدل

ليس بدعا من زعماء العالم الغربي ، وصفهم لساسة وولاة فى دول الربيع العربي بالصالحين والطيبين كما ورد على لسان نائب الرئيس الأمريكي السابق ، والطيور على أشكالها تقع ، وكل يغنى على ليلاه ، لئن كان طيبا وصالحا فليستفيدوا من صلاحه وطيبه في ولاية من ولاياتهم الإحدى وخمسين ،أين هذا الطِيبُ والصلاحُ من هؤلاء الولاة الطغاة الظلمة المفسدين ، مع شعوبهم وأمتهم داخل بلادهم ، وفي المحيط العربي ، إن الأصل فى كل واحد من هؤلاء أنه " أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ" المائدة : 54 "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ" الفتح : 29 مُمْقِرٌ[1] مُرٌّ على أعدائِهِ ... وعَلى الأدْنَيْنَ حُلْوٌ كالعَسَلْ والواقع أنه كان عكس ذلك تماما ،َ سَدٌ عَلَيَّ وَفِي الْحُرُوبِ نَعَامَةٌ ... ذُعْرًا تَنْفِرُ مِنْ صَفِيرِ الصَّافِرِ تظلّم أهل الكوفة إلى المأمون من والٍ كان عليهم فقال المأمون: لا أعلم في عمّالي أعدل وأقوم منه. فقام رجل فقال: إن كان عاملنا بهذا الوصف فحق أن تعدل بولايته فتجعل لكلّ بلد منه نصيبا لتسوّي بالعدل بينهم. فإذا فعل أمير المؤمنين ذلك لا يصيبنا منه أكثر من ثلاث سنين. فضحك وعزله. إن الوالي الذي يعدل ولا يحسن ، تتظلم منه الرعية يُعزل ، فما البال والحال إذا كان لا يعدل ولا يحسن، والإحسان: ضدّ الإساءة ، وقد يكون مقصودا به الإنعام والبر واللطف - قولا وعملا – أو قل المعاملة بالحسنى : على حد قول ذي القرنين " مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا " الكهف (88)وقد يكون مقصودا به الإتقان للعمل والتجويد له " إن الله كتب الإحسان على كل شيئ " كما فى الصحيح ، وقد يكون مقصودا به المراقبة لله وحسن طّاعته كما فسّره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين سأله جبريل، صلوات الله وسلامه عليه، فقال: «هو أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لّم تكن تراه فإنّه يراك» ؛ فإنّ من راقب الله أحسن عمله وفى عمله ، ولذلك عظّم الله ثواب أهل الإحسان، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 195) وقال عزّ وجلّ: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (الرحمن/ 60) أي ما جزاء من أحسن في الدّنيا إلّا أن يُحسن إليه في الآخرة. قال الفيروز اباديّ : الإحسان أعمّ من الإنعام، وقال: الإحسان من أفضل منازل العبوديّة؛ لأنّه لبّ الإيمان وروحه وكماله. وجميع المنازل منطوية فيها"، والإحسان من عناصر التّربية الواعية ، وهو في صورته العليا صفة ربّ العالمين، لأنّ الإساءة تنتج عن الجهل والعجز والقصور وما إلى ذلك من أوصاف مستحيلة على الله تعالى. وقد قرن الله- عز وجل- الإسلام بالإحسان، وجعلهما أفضل ما يتحلى به المسلم فقال عز من قائل: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ" النساء/ 125 ، وقال أيضا: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى" لقمان/ 22 وقد قرن الله تعالى الإحسان بالعدل وجعل الإحسان فوق العدل لعلمه سبحانه وتعالى أنه ليس كل النفوس تصلح على العدل بل تطلب الإحسان وهو فوق العدل فقال تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[2]". فلو وسع الخلائق العدل ما قرن الله به الإحسان. والعدل ميزان الله تعالى في الأرض الذي يؤخذ به للضعيف من القوي والمحق من المبطل، وعدل الوالي يوجب محبته، وجوره يوجب الافتراق عنه، وأفضل الأزمنة ثوابا أيام العدل. قال عمر بن الخطّاب: يحتاج الوالي إلى أن يستعمل مع رعيّته في عدله عليها الإحسان إليها، فلو علم الله تعالى أنّ العدل يسع الناس لما قرن الإحسان به فقال " إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان [3]".رُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً رَفَعَتْ عَامِلَهَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ الْعَبَّاسِيِّ، فَحَاجَّهَا الْعَامِلُ وَغَلَبَهَا، بِأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا عَلَيْهِ كَبِيرَ ظُلْمٍ ولا جوره في شي، فَقَامَ فَتًى مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِنَّهُ عَدَلَ وَلَمْ يُحْسِنْ. قَالَ: فَعَجِبَ أَبُو جَعْفَرٍ من إصابته وعزل العامل[4]. جاء فى كتاب أرسطاطاليس إلى الاسكندر : «امْلك الرعية بالإحسان إليها ؛ تظفر بالمحبة منها ؛ فإن طلبك ذلك منها بإحسانك هو أدوم بقاء منه باعتسافك، واعلم أنك إنما تملك الأبدان فتتخطّاها إلى القلوب بالمعروف، واعلم أن الرعية إذا قدرت على أن تقول، قدرت على أن تفعل، فاجْهد ألا تقول تسلم من أن تفعل[5]» . «كان أنو شروان إذا ولّى رجلا أمر الكاتب أن يدع – يترك - في العهد موضع أربعة أسطر ليوقّع فيه بخطه فإذا أوتي بالعهد وقّع فيه: سُسْ خيار الناس بالمحبة وامزج للعامة الرغبة بالرهبة وسُسْ سفلة الناس بالإخافة[6]» . «أسْوَسُ الملوك من قاد أبدان الرعية إلى طاعته بقلوبها[7]» أحسن إلى النّاس تستعبد قلوبهم ... فطا لما استعبد الإنسان إحسان قال سعيد بن عامر كان بالبصرة والٍ يقال له محمد بن سليمان وكان كلما صعد المنبر أمر بالعدل والاحسان. فاجتمع قوم من نساك البصرة فقالوا أما ترون ما نحن فيه من هذا الظالم الجائر وما يأمر به. فأجمعوا ان ليس له إلا أبا سعيد الضبعي. فلما كان يوم الجمعة احتوشوا أبا سعيد وهو لا يتكلم حتى يُحَرَّك فلما تكلم محمد بن سليمان حَرَّكُوه. وقالوا يا أبا سعيد، محمد يتكلم على المنبر يأمر بالعدل والاحسان. فقال يا محمد بن سليمان إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا يفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. يا محمد بن سليمان ما بينك وبين أن نتمنى أنك لم تُخْلق إلا أن يدخل ملك الموت بيتك. قال فخنقت محمد بن سليمان العبرة ولم يقدر على الكلام. فقام أخوه جعفر بن سليمان إلى جانب المنبر فتكلم عنه. قال : فأحبته النساك من حين خنقته العبرة. فقالوا مؤمن مذنب[8]. أُتِى المنصور برجلٍ أذنب فقال: إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان فإن أخذت في غيري بالعدل فخذ فيّ بالإحسان، فعفا عنه[9]. قال معاوية: «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنتُ إذا مدّوها خلّيتها وإذا خلّوها مددتها[10]» . وقال علي بن عبد الله بن عباس: تطلب محبة الرعية فطاعة المحبة أفضل من طاعة الهيبة[11] إن شر الناس من يهدم دينه ليبني دنياه. شراء النفوس بالإحسان خير من بيعها بالعدوان. هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الخطأ والخلل والزلل فى القول والعمل. [1] المُمْقِر: الحامض [2] النحل:90 [3] [البصائر والذخائر 7/ 32] [4][تفسير القرطبي 10/ 168] [5] [عيون الأخبار 1/ 61] [صبح الأعشى في صناعة الإنشاء 1/ 282] [6] [عيون الأخبار 1/ 61] [7] [عيون الأخبار 1/ 61] [8] [عقلاء المجانين لابن حبيب النيسابوري ص: 84] [9] [محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء 1/ 285] [10] [عيون الأخبار 1/ 62] [11] [محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء 1/ 213]

4641

| 04 يناير 2014

أسباب وحِكمة موافقة النبي صلى الله عليه وسلم ومخالفته اليهود في صيام عاشوراء

أولا : حكمة الموافقة فى صيامه  صلى الله عليه وسلم ليوم العاشر من المحرم مراعاة لحقوق الأخوة بينه وبين موسي عليه السلام عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذَا اليَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ»[1]- وهذه أي صيام الرسول صلوات الله وسلامه عليه - يوم عاشوراء مراعاة لحقوق الأخوة بينه وبين موسي الرسول عليه السلام - لها أخت أخرى يوم أن أمكنه الله تعالى من عفريت ليلا وأراد أن يربطه بعمود من أعمدة المسجد فتذكر دعوة أخيه سليمان عليه السلام "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ* وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ"[2] فلهذا أطلق سراحه ، عن أَبى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَهُوَ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ، فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: " لَوْ رَأَيْتُمُونِي وَإِبْلِيسَ، فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي، فَمَا زِلْتُ أَخْنُقُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لُعَابِهِ بَيْنَ إِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ - الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا - وَلَوْلَا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ، لَأَصْبَحَ مَرْبُوطًا بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، يَتَلَاعَبُ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ"[3] من هذين النموذجين يتعلم المسلم فى حياته مراعاة حقوق أخوة الإيمان - ومنها شكر الله على نعمه على أخيك وإن تباعد بينكما الزمان والمكان والفضل ، ومراعاة الخصوصية وعدم تمنى ما فضل الله به بعضكم على بعض - وإن اختلف الزمان والمكان فكم بين محمد وموسي وسليمان عليهم الصلاة والسلام من الزمان والمكان والدرجات ؟؟ وهو درس بليغ مراعاة، من معلم البشرية الأول الذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق ، ولهذا يشكر المسلم ربه صباح مساء على نعمه عليه وعلى إخوانه" عبد الله بن غنام البياضي - رضي الله عنه -: أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قال حين يُصبحُ: اللَّهمَّ ما أصبحَ بي من نعْمَةٍ، أو بأحدٍ من خَلْقِكَ، فَإِنَّها مِنْكَ وحدَكَ، لا شَريكَ لَكَ، لَكَ الحمدُ، ولك الشُّكْرُ، فقد أدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قال مِثلَ ذلك حين يُمسْي، فقد أدَّى شُكْرَ لَيلَتِهِ»[4] ثانيا : حِكْمة مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم اليهود فى صيام عاشوراء بصيام اليومين قبله وبعده مع العاشر أو أحد اليومين معه ؛  لقد قصد النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة اليهود والمشركين وغيرهم قصداً كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام: (خالفوا المشركين) في رواية البخاري لأسباب كثيرة، وحكم عظيمة منها : 1-حتى لا تكون الموافقة الدائمة مدخلاً لإثارة اليهود وغيرهم الشبهات، فإنهم قد يقولون: إن المسلمين إنما فعلوا ذلك موافقة لنا، ومتابعة لنا، وليس عندهم شيء، وما جاءوا به إنما هو من آثار ديننا وكتابنا، بلبلةً للعقول والأفكار، وترويجا للشبهات، فذلك ديدنهم، كما حدث فى تحويل القبلة فقد استقبل النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ، ثم تحول إلى الكعبة  فاتخذ اليهود هذا التحوُّل ذريعة للتشويش على المسلمين، وإدخال البلبلة والاضطراب على معتقدهم ، فأذاعوا أن محمدا صلوات الله وسلامه عليه إنما فعل ذلك على حساب عقيدته ، وأن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء جميعا، فكيف استباح محمد لنفسه أن يخرج على شريعة الأنبياء وهو الذي يدعو إلى الإيمان بهم جميعا؟ فإذا كان دينه من عند الله، فهذا الذي فعله هو إبطال لهذا الدين ، وأما إذا كان ما يدعو إليه من دين هو من عنده وعمله، فإن له أن يغيّر فيه ويبدّل كيف يشاء، لكن على ألا يتحكك بالأديان السماوية، وألا يعقد صلة بينه وبين الأنبياء.! بمثل هذه التخرصات قابل اليهود المسلمين وألقوا على ألسنة المنافقين ومن فى قلوبهم مرض حتى لقد وقع عند بعض المسلمين أن صلاتهم التي اتجهوا بها إلى بيت المقدس لم تكن قائمة على وجهها الصحيح، ولهذا أمرهم الله بالتحول إلى البيت الحرام! فتولى  الله عز وجل الرد عليهم بأن ذلك عن أمره وهذا حكمه، واختباره لصدق الأتباع فى الاتِّباع وجعل ذلك سبيلا للتميز والتفرد لأمة الإسلام. "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"[5]  وأن صلاتهم إلى بيت  المقدس لن تضيع " ..وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ"[6] 2- منها : منع تسرب الأثر السيئ للموافقة؛ لأن طبيعة النفوس إذا وافقت في أمر وآخر وثالث فإنها تميل بعد ذلك إلى موافقة عامة فقطع النبي صلى الله عليه وسلم دابر ذلك ، فكانت الدعوة إلى المخالفة بصيام اليومين قبله وبعده معه ، أو أحدهما معه ، وليست المخالفة في هذا الوجه فحسب، بل لها نظائر كثيرة لمن تأمل وتدبر ، فعن شداد بن أوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: («خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ)[7]..وعند مسلم (خالفوا المجوس، أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى)، فقصد المخالفة لبيان التميز والتفرد فى الآذان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَوَاتِ، وَلَيْسَ يُنَادِي بِهَا أَحَدٌ، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرْنًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ»[8] ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:104] لم تبدل كلمة مكان كلمة وإنما نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم ، لأن اليهود كانوا إذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: راعنا، يُورُّون بالرعونة، يقولون: راعنا، ويقصدون الرعونة والطيش والخفة، ينتقصون بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستهزئون به، ويُحرِّفون الكلم عن مواضعه، ويلوون ألسنتهم بذلك طعناً في الدين، فنهى الله عز وجل عن ذلك. وهناك أمثلة كثيرة من أراد المزيد منها فليطالع كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم 3- منها كذلك: بيان زيادة الفضل والمثوبة والأجر لأمة الإسلام بزيادة العمل الصالح ، فهذا العمل الصالح تتحقق فيه أكثر من نية صالحة فضلا عن الاقتداء والتأسي بالمصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، شكرا لله تعالى على إغراق عدو الله ، فما يُصيب العدو من مضرَّة يُدخل على القلب المسرَّة ، ونجاة نبيه موسي عليه السلام ، وكفارة لذنوبنا ، أضف إلى ذلك التباعد عن النار سبعين خريفا. وسائر فضائل ومنافع الصيام. هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل. [1]  صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار بَابُ إِتْيَانِ اليَهُودِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ[2] ص: 35- 39[3] مسند الإمام أحمد بن حنبل[4] سنن أبى داود في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح[5] البقرة :(142)[6] البقرة : (143)[7] صحيح سنن أبى داود كِتَاب الصَّلَاةِ بَابُ الصَّلَاةِ فِي النَّعْلِ حديث رقم ( 652)[8] صحيح البخاري كِتَابُ الأَذَانِ بَابُ بَدْءِ الأذان مسلم في الصلاة باب بدء الأذان

4712

| 24 نوفمبر 2013

الأيام دول والدول أيام والعاقبة للمتقين

الأيام دول وَمَعْنَاهُ: رُجُوع الشَّيْء إِلَيْك مرّة وَإِلَى صَاحبك أُخْرَى تتداولانه، ومن حاول قهر الحق قُهرِ. والدهر قُلَّب: يوم لك ويوم عليك. وسنة الحياة عدم ثبات الأحوال لكن العاقبة للمتقين فلابد من استحضار هذا عند الابتلاء فعلى الباغي تدور الدوائر، وليعتبر الناس بهذه الأحداث، وأن الأمر أولًا وآخرًا بيد الله -عز وجل- ولا يقع في الكون إلا ما أراد الله؛ فما على المسلم إلا أن يستحضر مثل هذه المعاني ومثل الآيات: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ(1)، لكن الفارق هو أنكم {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ (2) ومهما اشتدت المحن بالمؤمن، فما عليه إلا أن يفزع إلى الله ويستعمل سلاح الدعاء والتضرع لله تبارك وتعالى؛ لأن الله سبحانه هو نصير للمؤمنين ومولى لهم قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ (3)، (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ(4)  يكفي أن المدد مقطوع بين الظالم وبين الله سبحانه وتعالى؛ لأن ما بينه وبين الله خراب ودمار. إذاً: يكفي المؤمن في البلاء أن يفزع إلى الله؛ ولأن الحبل بينه وبين الله متصل، وإذا فزع إلى الله سبحانه وتعالى فإن الله يمده بنصره وبمعونته.إذاً فلا تضِقْ ذرعاً فمن المُحالِ دوامُ الحالِ، وأفضلُ العبادِة انتظارُ الفرجِ، والأيامُ دُولٌ، والدهرُ قُلّبٌ، والليالي حُبَالى، والغيبُ مستورٌ، والحكيمُ كلَّ يوم هو في شأنٍ، يغفرُ ذنباً، ويكشفُ كرْباً، ويرفع أقواماً، ويضعُ آخرين ولعلَّ الله يُحْدِثُ بعد ذلك أمراً، وإن مع العُسْرِ يُسْراً، إن مع العُسْرِ يُسْراً. ينتبه لهذه المعاني أولو الألباب فلا تمر عليهم المواقف مر السحاب حتى يستخلصوا منها العبر والعظات.وكما أن الأيام دول فكذلك الدول أيام.والدهر دولاب، يهبط العالي، ويعلو الذي هبط، ويذل العزيز، ويعز الذي ذل، وإن دار علينا الدهر حينا، فتفرقنا وتباعدنا، ولَفَّنا ليل مظلم، أغمضنا فيه عيوننا، وأغمدنا فيه سيوفنا، فلم نبصر اللص يدخل علينا، ولم ننهض إليه لنرده عنا، وحَسِبْنا لطول الليل أن لا صباح له، فقد طلع الآن الصباح، وانقضى الليل، وهب النائمون يمشون إلى الأمام. . .إلى الأمام! وإلا فما هذه الثورات، وما هذه الوثبات؟ وما هذه الوحدة في العواطف والمشاعر، في العالم لتداعيات أحداث عالمنا، فينبغي عدم اليأس، فالأيام دول، ودولة الإسلام قد بدأت تعود، وإرهاصات النصر قد لاحت، فيومٌ علينا ويومٌ لنا ويوم نُساءُ ويومٌ نسر فلم تدم الدنيا للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فمن الأنبياء من كانت لهم حكومات، ودانت لهم البلاد وطبقوا شريعة الله عز وجل في الأرض وفي الناس، ولا شك أنه لا أحد يتصور أبداً أن هناك ما هو أحسن للبشر من شريعة ربهم، ومع ذلك دارت الدورة، وصار للجاهلية مكانٌ في بعض الوقت، ثم جاء الإسلام وهكذا: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ(5)العضباء ناقة الرسول صلوات الله وسلامه عليههذه السنة إلهية واضحة، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لما سُبِقَتْ العضباء وهي ناقته، سبقها أعرابي، فتأثر لذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {حقٌ على الله ألا يرتفع شيٌ إلا وضعه} فالدنيا ليس فيها خلود، وحقٌ على الله ألا يرتفع شيٌ إلا وضعه.يقول هرقل: الرسل يدال عليهم ثم تكون لهم العاقبةالأيام دول كما أخبر الله جل ذكره، وقد سأل هرقل أبا سفيان عن حالهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل حاربتموه؟ قال: نعم. قال: كيف كانت الأيام بينكم وبينه؟ وكيف كانت الحروب؟ قال: الحروب بيننا وبينه دول، ننال منه مرة، وينال منا مرة.قال هرقل: وهكذا حال الرسل، يُدال عليهم ثم تكون لهم العاقبة. فهذا هو شأن الحياة الدنيا، لا تبقى لشخص على وتيرة واحدة، ولو كان النصر دائماً حليفاً للمؤمنين لأورثهم طغياناً وكبراً واستغناء عن الله سبحانه وتعالى، ولكن يُكسروا ويُدال عليهم مرة، ثم يعلو أمرهم وينتشر قولهم، هذه سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه، وفي ضوء هذا تفهم أحداث غزوة أحد، ووقوع الرسول صلوات الله وسلامه عليه في كمين بن قمئة قمأه الله، وتُكسر رباعيته، وينزف دمه الشريف، بل يُشاع أنه قد قُتل، حتى فتَّ ذلك في عضد البعض حتى ألقي السلاح إلا أن الله تعالى قيَّد من يُعلن التعبئة من جديد، ويقول قوموا فموتوا على ما مات عليه.وتفهم كذلك أحداث غزوة حنين.سنة التدافع مهمة لتصحيح الأوضاعقدر الله أن تكون المعركة بين الحق والباطل، والخير والشر والهدى والضلال إلى قيام الساعة والأيام مداولة بين الناس: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (6)، { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ(7)  إذاً سنة التدافع مهمة لتصحيح الأوضاع، يدفع الله تعالى حزبا بحزب، وأحداثا بأحداث والله قادر أن ينزل النصر بلا جهاد، لكن لا بد من الجهاد لإزالة ما في النفوس من الشوائب، ويعلم الله الصابرين، ويتخذ شهداء، ويعلم المنافقين." وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم(8) وقال تعالى:" وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (9) "انظر إلى يونس بن متَّى عليه السلام في ظلمات ثلاث، لا أهل، ولا ولد، ولا صاحب، ولا حبيب، ولا قريب، إلا الله الواحد الأحد، فهتف بالكلمة الصادقة المؤثرة النافعة: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (10) فجاء الفرج.لا يأس من رحمة الله وفرجهيعقوب عليه السلام، تآمر أولاده عليه وعلى أخيهم حتى فرَّقوا بين أبيهم وأخيهم وأحزنوا أباهم، وابيضت عيناه من الحزن، فهو كظيم يقول لأبنائه: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (11).فلا يأس والله يُدعَى، ولا قنوط والله يُرجَى، ولا خيبة والله يُعبَد، ولا إحباط والله يُؤمَن، جل في علاه، فإذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً}." حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (12).عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ وَاسْتَوَوْا عَلَى أَقْدَامِهِمْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ إلَى اللَّهِ وَقَالُوا يَا رَبِّ مَعَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ مَعَ الْمَظْلُومِ حَتَّى يُؤَدَّى إلَيْهِ حَقُّهُ. وهذا الأثر فيه بشارة لكل مظلوم أن الله تعالى معه فلا يأس ولا قنوط ولا إحباط، ولكن أمل وتفاؤل.هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل(1) النساء:104(2) النساء:104(3) محمد:11(4) الحج:71(5) آل عمران:140(6) آل عمران:140(7) البقرة:251(8)  محمد:4(9) آل عمران:139-140(10) الأنبياء:87(11) يوسف:87(12) يوسف:110 

64323

| 21 نوفمبر 2013

أعضاء فريق السيسي فى الإجرام

العضو الرابع : المتفكهون المتندرون بما يقع على المعتصمين والمتظاهرين من بغي وعدوان تمهيد : حول الإجرام لغة واصطلاحا : الإجرام : مصدر أجرم يجرم. وهو مأخوذ من مادّة (ج ر م) الّتي تدلّ على القطع وقال الرّاغب: أصل الجرم: قطع الثّمرة عن الشّجر، وقولهم: أجرم: صار ذا جرم واستعير ذلك لكلّ اكتساب مكروه، ولا يكاد يقال ذلك للمحمود ، الجُرم (بالضّمّ) فهو الذّنب، والجريمة مثله وقال ابن منظور: الجُرم (بالضّمّ) التّعدّي، والجُرم: الذّنب، والجمع أجرام وجروم، يقال من ذلك: جرم يجرم جرما، واجترم وأجرم، فهو مجرم وجريم، وجرم إليهم وعليهم جريمة، وأجرم: جنى جناية، وأمّا جرم (بالضّمّ) فمعناه: عظم جرمه. والجرم مصدر الجارم الّذي يجرم نفسه وقومه شرّا، والجارم: الجاني، والمجرم: المذنب. وقد أنشد أبو عبيدة للهيردان السّعديّ أحد لصوصهم: طريد عشيرة ورهين جرم ... بما جرمت يدي وجنى لساني هذا عن معنى الإجرام فى اللغة وأما عن معناه فى الاصطلاح فقد عرفنا : أن الجرم هو الذّنب العظيم، والذّنب العظيم: فعل محرّم يقع المرء عليه عن قصد فعل الحرام ويكون ذلك بين العبد وربّه وبين العبد والعبد[1] وعليه فالإجرام : فعل ذنب عظيم يقع المرء عليه عن قصد سواء أكان ذلك في حقّ المولى أو في حقّ العباد. أمّا في كتب القانون والمصطلحات الحديثة، فقد أخذ مصطلح الإجرام والجريمة بعدا اجتماعيّا وقانونيّا واسعا فقيل: الجريمة: كلّ فعل يعود بالضّرر على المجتمع، ويعاقب عليه القانون[2]  راجع : نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (9/ 3780) بعد هذا البيان لمعنى الجُرم والْإِجْرَامُ لغة واصطلاحا، أيتماري  اثنان أو يتناطح عنزان في أن ما ارْتكَبه الانقلابيون منذ الثلاثين من يونيو حزيران فى أرض الكنانة وحتى اليوم إنما هو إِجْرَامٌ ، فى حق الوطن والمواطن بل الأمة جمعاء ، وفى حق أنفسهم كذلك لو يعقلون أو يعلمون - إِجْرَامٌ بكل معنى الكلمة، فهلَّا نهض القانونيون والمحامون  والحقوقيون والمؤرخون والقضاة الذين لا يخشون فى الله لومة لائم ، والذين يرجون لله وقارا ، هلَّا نهضوا لتسجيل وتوثيق مسلسل هذه الجرائم  والأعمال الإجرامية من القتل والحرق والصعق والخنق والتجريف والاعتقال التعسفي وترويع الآمنين ، وانتهاك الحرمات لمقاضاة هؤلاء حتى يكونوا عبرة لغيرهم ، وحتى تستقر البلاد ويأمن العباد وتتقدم الأمة بتقدم أرض الكنانة ، إذا تقرر أن الْمُجْرِم: فَاعِلُ الْجَرِيمَةِ، وَهِيَ الْمَعْصِيَةُ وَالْفِعْلُ الْخَبِيثُ ، وأشرنا إلى أنهم فريق وعدة أعضاء ذكرنا منهم أولا : المعترفين لهم بشرعية زائفة وثانيا : المطيعين لهم من أصحاب الوظائف التي يستقوون بها ، وثالثا: الساكتين عن هذه الجرائم مع القدرة على التغيير بأي مرتبة من مراتب التغيير ، اليوم نذكر عضوا آخر العضو الرابع : المتفكهون المتندرون بما يقع على المعتصمين والمتظاهرين من بغي وعدوان ذَكَرَ الله تعالى هذا العضو بقُبْحَ مُعَامَلَته للمنادين بالحق والحقيقة ، والشرعية والشريعة فِي اسْتِهْزَائِهِمْ بهم وَضَحِكِهِمْ عليهم ، وجعلهم – وما وقع عليهم من اعتداء وبغي - مادة للتفكه والمزاح فى مجالسهم وقنواتهم ومواقعهم ووسائل تواصلهم الاجتماعي وصحفهم وإذاعاتهم ،ومع ذويهم وأهلهم ، ونصَّبوا أنفسهم حُكَّاما فحكموا علي المعتصمين والمتظاهرين بالضلال ، ثُمَّ بَيَّنَ الحق سبحانه ، أَنَّ ذَلِكَ سَيَنْقَلِبُ عَلَى المجرمين فِي الْآخِرَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَسْلِيَةُ الْمُؤْمِنِينَ وَتَقْوِيَةُ قُلُوبِهِمْ ، حَكَى تَعَالَى عَنْ المجرمين هذه الأمور الأَرْبَعَةَ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الْقَبِيحَةِ مع المؤمنين فى أواخر المطففين " إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ*وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ *وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ* وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ"[3] أَوَّلُهَا: الضحك منهم : فى قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ"  أَيْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ وَبِدِينِهِمْ . لقد تسلط المجرمون على المؤمنين بالله، وجعلوا منهم مادة ومسرحا للضحك والعبث، والسخرية بهم ، ومن الحق والشريعة والشرعية التى يُنادون بها، وأصل الضَّحِكُ : انبساطُ الوجه وتكشّر الأسنان من سرور النّفس ويستعمل في السّرور المجرّد نحو: "مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ"[4] " فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً"[5] واستعير الضَّحِكُ للسّخرية، فقيل: ضَحِكْتُ منه، ورجلٌ ضُحَكَةٌ: يَضْحَكُ من النّاس، وضُحْكةٌ: لمن يُضْحَكُ منه ، وعلى هذا المعنى للضحك أي السخرية والاستهزاء وردت آية المطففين هنا وآية المؤمنون: "وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ"[6] وآية الزخرف "إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ[7]"[8] فلآية المطففين - العمدة فى تأصيل جرائم هذا العضو -  أخوات فى الكتاب العزيز 1-فى أواخر سورة المؤمنون" إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ"[9] 2-وفى التوبة إشارة إلى أن هؤلاء المتخلفين عن ركب المناداة بالشرعية والشريعة ، والقاعدين عن نصرة الحق ، فرحين بذلك الإثم العظيم وبهذا الجرم الكبير ، ضاحكين مستهزئين ، سيبكون كثيرا ، ولن يدوم لهم ضحكهم وسرورهم " فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"[10]  .. ألا فليبكوا فى الدنيا توبة قبل يوم القيامة فقد سئل علي – رضي الله عنه – كيف تكون التوبة ؟ قال التوبة : اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب الندامة ، ولتضيع الفرائض الإعادة ، ورد المظالم ، وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية ، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته، فالتوبة مجموع هذه الأمور فالمراد أكمل أفرادها " بتصرف روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ( 13 / 36) 3-وفى الأنعام : وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا"[11] الْآيَةَ  وَكُلُّ ذَلِكَ احْتِقَارٌ مِنْهُمْ لَهُمْ، وَإِنْكَارُهُمْ أَنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِخَيْرٍ، 4-وفى الأعراف: "أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ "[12] 5-وفى الأحقاف " لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ"[13]: وَكُلُّ ذَلِكَ احْتِقَارٌ مِنْهُمْ لَهُمْ. 6-وَفى البقرة :" زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ"[14] 7-وهذا الضحك من المجرمين هزءا وسخرية من أصحاب الحق والداعين إليه ، مما تواصي به المجرمون عبر تاريخ الأمم والرسل عليهم السلام : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ "[15] 8-ولقد أنكر الله تعالى هذا الجرم عليهم ، وأنذرهم وحذرهم غفلتهم وغيَّهم وبغيهم بعد ما ذكر ما أنزله من بأسه على مجرمي قوم نوح وثمود وعاد " هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى * أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ* أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ" [16]": وَأَنْتُمْ سامِدُونَ أَيْ غَافِلُونَ، وَذُكِرَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، لِأَنَّ الْغَفْلَةَ دَائِمَةٌ، وَأَمَّا الضَّحِكُ وَالْعَجَبُ فَهُمَا أَمْرَانِ يَتَجَدَّدَانِ وَيَعْدَمَانِ. وَثَانِيهَا: التغامز قَوْلُهُ: وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ أَيْ يَتَفَاعَلُونَ مِنَ الْغَمْزِ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ بِالْجَفْنِ وَالْحَاجِبِ وَيَكُونُ الْغَمْزُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْعَيْبِ وَغَمَزَهُ إِذَا عَابَهُ، وَمَا فِي فُلَانٍ غَمِيزَةٌ أَيْ مَا يُعَابُ بِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِمْ بِالْأَعْيُنِ اسْتِهْزَاءً وَيَعِيبُونَهُمْ، وَيَقُولُونَ: انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ يُتْعِبُونَ أَنْفُسَهُمْ وَيَحْرِمُونَهَا لَذَّاتِهَا وَيُخَاطِرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ فِي طَلَبِ ثَوَابٍ لَا يَتَيَقَّنُونَهُ ، ويُمنُّون أنفسهم بنصر سراب ، وخلافة إسلامية موهومة ، حتى يقول بعضهم : كفى خداعا القول بأن المصريين متدينين بفطرتهم ، هم علمانيون بفطرتهم !!!، ويقول آخر : من يريد تطبيق سنة النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه فليذهب إلى جبلاية القرود !!!!، وهكذا .. بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر ، لقد نسي القائل بعلمانية المصريين بفطرتهم – الحديث الصحيح " كل مولود يولد على الفطرة " هكذا كل مولود مع اختلاف الجنسيات- إِنَّهم يَتَغَامَزُونَ مِنْ دُونِ إِعْلَانِ السُّخْرِيَةِ بِهِمُ اتِّقَاءً لَتَطَاوُلِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ ،إذا كانوا متمكنين ،  يشير بعضهم إلى بعض بأعينهم وأكتافهم وجوارحهم وشفاههم إشارات وحركات وغمزات كأنهم أمام مشهد عجيب غريب، يثير العجب والضحك تدل على استحقارهم وإهانتهم والطعن بهم والحق تعالى يقول " وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ"[17] ألا : فليعلم القارئ أن الكاتب لا يُكَفِّر أحدا نطق بالشهادتين ، ولا أحدا من أهل القبلة ممن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا كما فى الصحيح ، ولكن أعمال القوم وأقوالهم تفضحهم كما قال تعالى " وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ "[18] " كم ضحك واستهزأ كثيرون بالمنادين بالحق ، وتحكيم الشريعة ، كم ضحك واستهزأ كثيرون بمن كانوا معتصمين بميداني رابعة والنهضة ، كم ضحك واستهزأ كثيرون بما أصاب هؤلاء المعتصمين من بغي وعدوان ، مع اختلاف صور وأساليب الضحك والاستهزاء ، كم ضحكوا واستهزئوا واستخفوا بطموح المعتصمين وصبرهم وصمودهم ؟؟!! وَثَالِثُهَا: التفكه والتندر بالجرائم التي وقعت بالمعتصمين والمتظاهرين  قَوْلُهُ تَعَالَى: " وَإِذَا انْقَلَبُوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين "أَيِ انْصَرَفُوا إِلَى أَهْلِهِمْ وَأَصْحَابِهِمْ وَذَوِيِهِمْ  مُعْجَبِينَ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالتَّنَعُّمِ بِالدُّنْيَا، أَوْ يَتَفَكَّهُونَ بِذِكْرِ الْمُسْلِمِينَ بِالسُّوءِ. وهذا شأنهم بعد أن ينفض مجلسهم الآثم الذي جرحوا فيه المؤمنين بتغامزهم وتلامزهم.. إنهم يعودون من هذا المجلس إلى أهلهم، وعلى أفواههم طعم هذا المنكر الذي طعموه فيها، يتشدقون به ويقصّون على أهلهم ما دار على ألسنتهم من فجور، وما رموا به المؤمنين من هَجْر القول، وفُجْره، يجعلون ذلك مادة للتندر والتفكه. والفكه: كثير الفكاهة والمزاح.. متلذذين فرحين بما فعلوه من الاستخفاف بأولئك الكرام، معجبين بذلك لما له من الوقع في قلوبهم الخبيثة كَمَا فَعَلَ نِّسْوَةُ المدينة اللَّوَاتِي بِمِصْرِ مَعَ يُوسُفَ عليه السلام تندرا وتفكها ، فضلا عن أنَّهُنَّ أَعَنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ عَلَى مَا دَعَتْهُ إلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الْفَاحِشَةِ مَعَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ} وَذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِنَّ {إنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} . ومع أنه لم يتهيأ لواحدة منهن ما تهيأ لامرأة العزيز ، كونها فى بيتها دون غيرها ، وإغلاقها الأبواب دونه ، ومراودتها له ، ومع ذلك نسب إليهن المراودة ، التي نسبها إليها ، باعترافها ، وإقرارها ،   " مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ"[19]فكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رُبَّمَا طَمِعَتْ فِيهِ ، أو كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَاوَدَتْ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهَا أو كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَالَغَتْ فِي تَرْغِيبِ يُوسُفَ فِي مُوَافَقَةِ سَيِّدَتِهِ عَلَى مُرَادِهَا أو كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَاوَدَتْ يُوسُفَ لِأَجْلِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِكُلِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ. وفضلا عن هذا وعن تفكههن وتندرهن بخبر امرأة العزيز ، وكما قلن " {إنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} قال تعالى حكاية عن جرائم هذا العضو وهي" رَابِعُهَا: الحكم علي المعتصمين والمتظاهرين  بالضلال قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ أَيْ هُمْ عَلَى ضَلَالٍ فِي تَرْكِهِمُ التَّنَعُّمَ الْحَاضِرَ بِسَبَبِ طَلَبِ ثَوَابٍ لَا يُدْرَى هَلْ لَهُ وُجُودٌ أَمْ لَا. إنهم كلما رأوا أحدا من المؤمنين أشاروا إليه كمعلم من معالم الضلال، وكأنهم يشفقون عليه من هذا الطريق الذي يسير فيه.. فيقول بعضهم لبعض: انظروا إلى هذا المسكين المغرور، إنه مخطوف ذهنيا ، مخطوف عقليا ،!!!!! هؤلاء ضالون لتركهم زيوف الحياة الخادعة. وما الذي أهَّلهم لإصدار هذا الحكم بالضلال على المؤمنين المهتدين؟  ومُرَادُهُمْ بِالضَّلَالِ: فَسَادُ الرَّأْيِ. لا الضلال الذي هو ضد الهدى بمفهوم الكتاب والسنة ، لِأَنَّ الْمُجرمين لَا يَعْرِفُونَ الضَّلَالَ الشَّرْعِيَّ، أَي هَؤُلَاءِ سيئوا الرَّأْيِ إِذِ اتَّبَعُوا الْإِسْلَامَ وَانْسَلَخُوا عَنْ قَوْمِهِمْ، وَفَرَّطُوا فِي نَعِيمِ الْحَيَاةِ – من وجهة نظرهم - طَمَعًا فِي نَعِيمٍ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْ لِكَوْنِهِمْ عَلَى غَيْرِ منهجهم، ثُمَّ إنَّهم يظنون أنهم على شيء والحال ليس هم على شيء أصلا، قاتلهم الله أنى يؤفكون، ألم يعلموا أنهم هم الظالمون الضالون، ولكن السيء لا يرى إلا السيء، فالمؤمن مرآة أخيه، والكافر مرآة نفسه، والدن ينضح بما فيه، فلماذا يقولون هذا، والله تعالى يقول «وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ»  لهم يراقبون أعمالهم، ويَحْفَظُونَ عَلَيْهِمْ أَحْوَالَهُمْ وَيَتَفَقَّدُونَ مَا يَصْنَعُونَهُ مِنْ حق أو باطل ، فيعيبون عَلَيْهِمْ مَا يَعْتَقِدُونَهُ ضَلَالًا ، إنهم لم يرسلوا عليهم حافظين لهم، حارسين لما يتهددهم من سوء!، فلم يتوكلوا عليهم، بل أُمروا بإصلاح أنفسهم وتهذيبها مما يضرها، وتطهيرها مما يُدَنِّسها، فاشتغالهم بها أولى من تتبع أحوال غيرهم وتسفيه أحلامهم وترك أنفسهم تمرح في هواها وتحارب مولاها، ألا يحملون أنفسهم على قبول الحق، وينهونها عن الضلال؟ ولكن هكذا أهل السوء أبدا، يُشغلون عن أنفسهم وعن حراستها من المهالك والمعاثر، بالبحث عن عيوب الناس، وتتبع سقطاتهم وزلاتهم، والتشنيع بها عليهم.. وهذه الأفعال التى صدرت عن هؤلاء المجرمين لم يكتفوا بوقوعها مرة واحدة وإنما تكررت وتعددت بدليل  مضاريعية الفعل " يضحكون " يتغامزون" وفى سورة المؤمنون " تضحكون " فالتعبير بالْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَأَنَّهُ دَيْدَنٌ لَهُمْ. وأنت خير شاهد على استمرار مسلسل الفكاهة والتندر ليس مع الأهل فقط بل على شاشات ومواقع ووسائط وغيرها ، مما ينبئ بفظاعة الجرم.   الْعِبْرَةُ بِالْعَوَاقِبِ وفى الآخرة العبرة من الذي سيضحك فى الآخرة إن الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ  - لَا عَيْشُ الدُّنْيَا وَلَا مَا فِيهَا - ؛ فإنه عيش دائم، ونعيم لا تنغيص فيه، بخلاف عيش الدنيا فإنه ناقص منغص زائل. "كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ* وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ "[20] "وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ "[21] فى الحديث الصحيح عن المستَوْرِد، رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما مثل الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بما يرجع))[22] وَفِي الْآخِرَةِ سيَضْحَكُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى هؤلاء المجرمين بِسَبَبِ مَا هُمْ فِيهِ يومها مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَالْبَلَاءِ، وَلِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ، وَأَنَّهُمْ قَدْ بَاعُوا بَاقِيًا بِفَانٍ وَيَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ قَدْ فَازُوا بِالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَنَالُوا بِالتَّعَبِ الْيَسِيرِ رَاحَةَ الْأَبَدِ، وَدَخَلُوا الْجَنَّةَ فَأُجْلِسُوا عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ كَيْفَ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ وَكَيْفَ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا وَيَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَيَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.   فى الآخرة سُخْرِيَةَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ سُخْرِيَةِ الْكَافِرِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ سُخْرِيَةَ الْكَافِرِ بِالْمُؤْمِنِ بَاطِلَةٌ، وَهِيَ مَعَ بُطْلَانِهَا مُنْقَضِيَةٌ، وَسُخْرِيَةُ الْمُؤْمِنِ بِالْكَافِرِ فِي الْآخِرَةِ حَقَّةٌ ومع حقيقتها هِيَ دَائِمَةٌ بَاقِيَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا دَخَلَ الْمُؤْمِنُونَ الْجَنَّةَ، وَالْكَافِرُونَ النَّارَ فَتَحَ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ بَابًا عَلَى الْجَحِيمِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ مَسْكَنُ الْمُنَافِقِينَ، فَإِذَا رَأَى الْمُنَافِقُونَ الْبَابَ مَفْتُوحًا أَخَذُوا يَخْرُجُونَ مِنَ الْجَحِيمِ وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا وَصَلُوا إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَهُنَاكَ يُغْلَقُ دُونَهُمُ الْبَابُ، فَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ إِلَى قَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ"[23] فَهَذَا هُوَ الِاسْتِهْزَاءُ بِهِمْ" تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (2/ 310) وذلك سبب ضحك المؤمنين منهم، لأن ما لا قوه في الدنيا من الشدة قد زال وانقلبوا إلى رضاء ربهم ورحمته، كما أن أولئك زال عنهم نعيم الدنيا، وغشيهم عذاب الآخرة الدائم، فاستوجبوا الضحك عليهم لما هم فيه من البلاء، والمؤمنون في السرور والهناءة، وهناك الضحك لا هنا "إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ* لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ"[24] "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ "[25] هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ  والخلل فى القول والعمل وإلى عضو جديد بحول الله وقوته لتستبين سبيل المجرمين. [1] الكليات للكفوى (114، 503) .  [2] معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (90) [3] المطففين : 29 - 33  [4] [عبس/ 38- 39] [5] [النمل/ 19]  [6] [المؤمنون/ 110]:  [7] [الزخرف/ 47] [8] المفردات في غريب القرآن (ص: 502) [9] المؤمنون : (109)  - (111)  [10] التوبة : (81) - (82) [11] الأنعام : 53 [12] الأعراف : 49 [13] الأحقاف : 11 [14] البقرة : 212 [15] الزخرف : (46) - (47) [16] النجم : (56) - (61) [17] الهمزة:1 [18] محمد 30 -31 [19] يوسف :51 [20] الدخان  (25) - (29) [21] العنكبوت :(64) [22] ابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا برقم 4108، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 3/ 347. [23] [الْمُطَفِّفِينَ: 29- 34] [24] يس: (55) (58) [25] الطور (17) -(20)

898

| 12 نوفمبر 2013

فضل العشر من ذي الحجة

نواصل ما بدأناه فى المقال السابق حول الاعمال المستحبة فى الايام العشر من ذى الحجة ومنها:1/ الصلاة على وقتها: يستحب التبكير إلى أدائها في أول وقتها فذلك أحب ما يكون إلى الله تعالى، والإكثار من النوافل فإنها من أفضل القربات من بعد رواتب الصلوات الخمس."وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره..." روى ثوبان — رضي الله عنه — قال: سمعت رسول الله — صلى الله عليه وسلم — يقول: « عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك إليه بها درجة، وحط عنك بها خطيئة[24] » — وهذا في كل وقت. وفي الصحيح: عندما سأل ابن مسعود — رَضِيَ الله عنه — رسول الله — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ — أي العمل أحب إلى الله قال — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ — الصلاة على وقتها"ومن المعلوم أنها لا تسقط في سفر ولا حضر ولا سلم ولا حرب ولا أمن ولا خوف ولا علة ولا عافية. ومن ذلك أيضا2 / أداء الحج والعمرة:فأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة إلا أن ركن الحج الأعظم الوقوف بعرفة ووقته من فجر يوم التاسع من ذي الحجة إلى فجر يوم العاشر من ذي الحجة فمن فاته فعليه الحج من قابل فمن حمله الله تعالى في بره وبحره وبين سمائه وأرضه إلى بيته الحرام في الأيام الفاضلة فليحرص على إتمام الحج والعمرة لله تعالى لقوله عز من قائل " وأتموا الحج والعمرة لله "البقرة: ومن أدى هذه المناسك مع التحفظ مما ينبغي أن يتحفظ منه كان الرجاء في الله تعالى أن يخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه ففي الصحيح " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.هذا ويأتي بعد هذه الفروض العامة التي تشكل الحج وغيره كالصلاة والحج والعمرة لمن خرج إلى بيت الله مجموعة من النوافل يتقرب بها العبد إلى الله تعالى فإنْ فاتك الحج والاعتمار فلا يفُتْكَ الصوم والقيام وكثرة الذكر والاستغفار وسائر القربات الآتية.3 / صيام الأيام التسعة ولا سيما اليوم التاسع يوم عرفةفيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة. فقد اصطفى الله تعالى الصيام لنفسه كما في الحديث القدسي: " قال الله: كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به "[25] لأن النبي — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ — قد حث على العمل الصالح في هذه الأيام العشرة ويدخل في عمومها هذه الأعمال الصيام كما أسلفنا وقد كان النبي — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ — يصوم هذه الأيام التسعة من ذي الحجة.فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر. أول اثنين من الشهر وخميسين "[26]. وما كان — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ — يدع صومها فعن حفصة — رضي الله عنها — قالت: (أربع لم يكن يدعهن النبي — صلى الله عليه وسلم —: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة[27]، قال الإمام النووي عن عشر ذي الحجة " صيامها مستحب استحباباً شديداً "، واكدها صوم يوم عرفة لغير الحاج، فقد ثبت عن أبي قتادة — رضي الله عنه — أن رسول الله — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ — سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفّر السنة الماضية والباقية[28] ).وكان أكثر السلف يصومون العشر، منهم: عبد الله بن عمر، والحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة، ولهذا استحب صومها كثير من العلماء، لكن من كان في عرفة حاجاً — فإنه لا يستحب له الصوم، لأن النبي — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ — وقف بعرفة مفطراً".. وذلك ليتقوى على الدعاء والذكر.

444

| 11 نوفمبر 2013

alsharq
إليون ماسك.. بلا ماسك

لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد...

717

| 16 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

708

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
النهايات السوداء!

تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...

642

| 12 ديسمبر 2025

alsharq
موعد مع السعادة

السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...

624

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
قطر في كأس العرب.. تتفرد من جديد

يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...

621

| 15 ديسمبر 2025

alsharq
التمويل الحلال الآمن لبناء الثروة

في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص...

570

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
تحديات تشغل المجتمع القطري.. إلى متى؟

نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...

555

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
معنى أن تكون مواطنا..

• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...

540

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
عمق الروابط

يأتي الاحتفال باليوم الوطني هذا العام مختلفاً عن...

510

| 16 ديسمبر 2025

alsharq
قطر لن تدفع فاتورة إعمار ما دمرته إسرائيل

-إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح -...

417

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
من أسر الفكر إلى براح التفكُّر

من الجميل أن يُدرك المرء أنه يمكن أن...

396

| 16 ديسمبر 2025

alsharq
اقتصاد قطر 2025 عام تعزيز القدرات المحلية والتكامل الإقليمي

بينما تعيش دولة قطر أجواء الاحتفال بذكرى يومها...

393

| 15 ديسمبر 2025

أخبار محلية