رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يعتبر الفقر سبباً ونتيجة معاً في سلسلة المشكلات التي نعاني ويلاتها والفقر- في نظر الدين الإسلامي- قد يكون معصية يسأل الفرد عن الوقوع فيها، وقد يكون نكبة تسأل الدولة عن ضرورة تلافيها.فالفقر استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم في كل صلواته: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر".فهو مصيبة يعمل على التخلص منها ومن آثارها جهد المستطاع.فالإسلام يكره الفقر والحاجة للناس، لأنه يريد أن يعفيهم من ضرورات الحياة المادية ليفرغوا لما خلقوا من أجله، ولما هو أليق بالإنسانية وبالكرامة التي خص الله بها بني آدم، فإذا لم يتوفر لهم من ضرورات الحياة ما يتيح لهم فسحة من الوقت والجهد لأشواقهم الروحية ومجالاتهم الفكرية، فقد سلبوا ذلك التكريم، وارتكسوا إلى مرتبة الحيوان، فما هو بالحيوان ولا بالإنسان الكريم على الله، ذلك الذي تشغله ضرورات الطعام والشراب.إن الإنسان خليفة الله في أرضه، لينمي الحياة فيها ثم يجعلنا ناظرة بهيجة ليستمتع بجمالها ونضرتها، ثم يشكر الله على نعمائه التي آتاه.ويكره الإسلام الأثرة وحب الذات التي تكون الفوارق بين أفراد الأمة، فأناس لا يجدون ما يأكلون وأناس لا يعرفون ماذا يأكلون جماعة تعيش مترفة (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله"، ويقول: "ما آمن بالله من بات شبعاناً وجاره جائع".فالإسلام يكره هذه الفوارق لما وراءها من أحقاد وأضغان تحطم أركان المجتمع لما فيها من إثرة وجشع وقسوة قلب ولما فيها من اضطرار المحتاجين، أما إلى السرقة والغصب وربما الابتذال والذل وبيع الشرف والكرامة وسلوك ما لا ترضاه الكرامة والخلق الكريم.وقد قيل: صوت المعدة أقوى من صوت الضمير وشر من هذا أن يؤدي ذلك الفقر إلى التشكك في القيم الأخلاقية وعدالة مقاييسها وأشرُ من ذلك كله أن يكون الفقر مدعاة للشك في حكمة التنظيم الإلهي للكون والارتياب في عدالة التوزيع الإلهي للرزق وخاصة إذا كان الفقر مدقعاً بجانبه، ثراء فاحش وكان الفقير ساعياً كادحاً والمترف متبطلا قاعدا.لذلك كره الإسلام أن يكون المال دولة بين أغنياء الأمة وألا تجد الكثرة ما تنفق.هذا إذا كان الفقر ناشئاً المال وسوء التوزيع فبغى بعض الناس على بعض وأترقت أقلية في المجتمع على حساب الكثرة، فهذا هو الفقر الذي يثير النفوس ويحدث الفتن والاضطرابات ويقوض أركان المحبة والإخاء بين الناس.وإذا كان الإيمان يقتضي ألا يُقرَر للإنسان ملك وألا يُضاف إليه شيء وأن يكون الملك كله لله، فهو أقل شأناً في هذا الكون الكبير أن يضاف أو يضيف إلى نفسه شيئاً، لأن الناس جميعاً يرقبون عطاء الله (كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا).وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
673
| 04 يوليو 2015
في الدنيا صنف من الناس لا يعرف إلا هات، إنه يركض في فجاج الأرض ليأخذ لا ليعطي، وإذا أخذ هاجت غرائزه إلى المزيد كشارب ماء البحر لا يزداد إلا ظمأ، وإلى أن يضم طريفاً إلى تليد وقديماً إلى جديد فهو يأكل ولا يشبع إثرته وحبه لنفسه تجعله بليد الإحساس بحاجات الآخرين فليس يبالي أن يجتاح ضرورات الآخرين ويبني على أنقاضهم مجده، فهو لا يتصدق لأن الصدقة عطاء وهو لم يوق شح نفسه- لأنه ليس من المفلحين- وفي تجارته وفي فضول ماله يطلب الربح العاجل والأجدر، ولا يبالي بآلام الناس لأن نفسه مشغولة بآمالها الخاصة.وظاهر أن الفكر اليهودي الذي عبد العجل الذي صنعوه من ذهب أقباط مصر من وراء هذه السيرة الوضيعة والذي ينظر في سير أكثر ساسة الغرب، ومن شايعهم من ساسة أولاد يعرب فقدوا كل حصانة دينية أو رحمة إنسانية لمقاومة سياسة "أكل أموال الناس بالباطل"..إن الكثير من دول العالم الثالث والأغلبية من المسلمين يترنحون تحت وطأة ديون تقصم الظهور لأن التطبيق الهابط الزائغ لدي أنظمة هذه الدول في توزيع الثروة وإدارتها أوصل الناس إلى ما وصلوا إليه، وإلا بما معنى أن يكون زعيماً عربياً يمتلك سبعين مليار مخزونة مصونة وأكثر من أربعين بالمائة من أهل دولته أو رعيته يعيشون دون مستوى خط الفقر وزعماء آخرون مثله وشعوب أخرى مثل ذلك الشعب فأين والإمام راعٍ وهو مسئول عن رعيته وأني لأظن أن مسئوليته التي فهمها هي دخول الجميع إلى النار (فأوردهم النار فبئس الورد المورود) وإلا أما ترى تلك الشعوب ما يفعل بهم ذلك الإنسان الجشع فلو أنهم أخذوا على يده لما تداركوا جميعاً في النار. عندما تعرض المذاهب العلمانية برامجها السياسية والاقتصادية تستطيع أن تحسن التفاهم مع الناس وطبيعتهم البشرية وتحسن التحايل على عقول البسطاء والأذكياء وتقدم الزعيم والحاكم والحكومة بريئين من نزوات الاستعلاء، بعيداً عن شهوات الشح والأثرة والظلم والتظالم البغيض.ويجيء متطوعون يحبون الزلفى ويقرعون الطبول للزعيم فيحشدون جملة من الآثار الصحيحة والواهية المعتلة يتبعونها بشرح معتل ثم يخرجون بقاعدة مفادها.الفقير الصابر خير وأفضل من الغني الشاكر، وأغفلوا النص القرآني الذي لا مراء فيه وهو الثناء على الاثنين كل حسب مقامه.فقال عن سليمان النبي الملك الشاكر (نعم العبد إنه أواب) وقال عن أيوب النبي الصابر (نعم العبد إنه أواب)، ولو أنهم قالوها تسلية لمصاب أو تهويناً لجماعة من الناس منكوبة لأصبح الأمر هيناً ولكنهم أطلقوها كلمة عامة كحكم شرعي حتى كذبوا على الله ورسوله وجعلوا عبدالرحمن ابن عوف رضي الله عنه وهو من العشرة المبشرين بالجنة ومن السابقين إلى الإسلام: أنه يدخل الجنة زحفاً أو بعد عناء مضنٍ لأن الأموال طعنت في تقواهم.فكيف تقوم أمة وفي مثل هؤلاء السراق وقطاع الطريق من الزعماء وكيف تقوم أمة وفيها من يزينون لها وجه الشر القبيح فيجعلون القتلة يدخلون الجنة بغير حساب والذين (يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله) يدخلون الجنة زحفاً لشدة وطئة أموالهم على ظهورهم، فأين ذهب الذين يكتنزون الذهب والفضلة ولا ينفقونها في سبيل الله، أيحسب أن هؤلاء عندهم حصانة. زعيم يسرق 50 مليار دولار وآخر يسرق 70 مليار دولار وثالث يسرق 65 مليار من أقوات الذين ينامون على الأرض ويلتحفون السماء ثم يأتي من يقول: إن هؤلاء عباد الله الصالحون، ترى فما يكون نصيب فقراء الشعوب من رحمة الله بعد أن فاز بها هؤلاء قطاع الطريق وأكله أقوات الفقراء؟ إن الإسلام حين يكره الجشع والبغي لا يوصف بأنه يمحق العمل والسعي والغنى وجمع المال إن الله لم يكره قارون أن كان صاحب مال وثروة تعجز العادين، ولا يكره القوة في بدن صحة القوة (وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء) وإنما كره من قارون هذا الثراء الوافر ثم إنه إذا قيل له أنفق (وأحسن كما أحسن الله إليك) قال: إن ذلك الغنى ثمرة جهدي وذكائي وعرق جبيني فليس لأحد فيه حق من قبلي (إنما أوتيته على علم عندي)، هذا الذي يحمى عليه ماله فتكوى بها جبهته وجنبه بل ويستعر عليه ناراً هذا هو الغنى المطغي الذي استعاذ منه نبي الرحمة (اللهم إني أعوذ بك من غنى مطغ وفقر منسٍ).انظر إلى النبي الملك الشاكر سليمان عليه السلام لما شهد سعة الملك والثروة اللتين تفرد بهما قال: (هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر...).وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
452
| 03 يوليو 2015
للكفر سببان يضارع أحدهما الآخر ويساويه في الخطر والأثرة.السبب الأول: عقوق بعض الطباع وكفرها بولي نعمتها واستكبارها على هداياته والسبب الثاني عرض الدين مشوهاً معلولاً بما يثير الاشمئزاز والكراهية والسخط عرض الدين في أوربا على أنه ضد العلم وهو خصيم الحياة السوية وخليط من أوشاب الأرض في غلاف مزعوم من السماء بتمتمات وهمهمات وترنيمات فكان أن كفر العلم وكفرت به الحضارة الحديثة.ومن سوء الطالع وحظ العالم العاثر أنه لم يجد من يأخذ بيده ويهديه إلى رشده فظلت المدينة الذكية تعاني استخدام ذكائها فيما يرديها.والآن وفي يومنا هذا مازال السببان معاً يستبقيان الإلحاد والانحلال لأن دعاة كثيرين يقولون كلاماً يستغربه ألو الألباب حتى شاع : إن الإسلام دين حفنة من الحكام الظلمة المترفين تعيش وسط أمم تبحث عن الأكل لا يعنيها إلا ذاك، لا تعرف حرية ولا تفكر في كرامة ولا إبداع أو إنتاج.إن الإسلام يحرم كافة أنواع الاستغلال، ويحترم الشريف، ويحث المسلم على كسب قوته بالوسائل المشروعة والاعتدال في إنفاقها (ولا تجعلْ يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً).إن العوج النفسي منتشر بين البشر انتشاراً ذريعاً، واكتشاف جراثيمه قد يحتاج إلى البصر الدقيق المتفرس، ولكنه يسهل بين عوام الناس ويصعب اكتشافه بين المتدينين، فإن الشعائر الرتيبة من صوم وصلاة وحج وزكاة قد تنسج حجاباً سميكاً على طبائع الناس ولكنها لا تمحو رذائلهم إلا إذا شمروا عن ساعد الجد وجاهدوا أنفسهم جهاداً مريراً، ولكن كيف يجاهد نفسه وهو معجب بها راض عنها وكأنّه يمن على الله بما يقوم به من طاعات.إن الذي لا يحسن التنقيب في جنبات نفسه لاكتشاف عللها لا يصلح أن يكون داعياً ولا مربياً، والذي هم له إلا إتهام الناس بالكفر والإغضاء عن محاسنهم والشماتة في أخطائهم وتتبع عوراتهم وعثراتهم هو إنسان مريض الفؤاد وإن قام الليل حتى تورمت قدماه أو صام النهار حتى يبست عروقه.ويتبع الكفر بولي النعمة المولى عز وجل الكفر بالحياة وجهل وظيفة الإنسان فيها، الكفر بالإنسان نفسه، وبخس قيمته وتشويه حقيقته من كونه مستخلفاً في هذا الوجود.إن المتدين المنحرف يسيء تصور الملكات والشهوات الإنسانية، وينظر إليها نظرة ازدراء واحتقار.الواقع أن النفس الإنسانية في ظل التدين المعلول تعجز عن القيام بمهام وظيفتها في الحياة بينما تستطيع القيام بهذه الوظيفة نفس ليس لها من التدين إلا ما جبلت عليه من طباع الخير وأفكار الفطرة.ولو ألقيت نظرة عجلى على الطريقة التي كون المسلمون بها أفكارهم وتصوراتهم عن الدين وعن الدنيا في القرون الأخيرة لرأيت أساليب الجاهلية عادت إلى الأذهان من جديد في ميدان العلوم الشرعية والكونية على حد سواء فلا عقل ولا نقل فيما يروج من أوهام في كل ناحية فلماذا إذاً لا يهان المسلمون في أعين أعدائهم ويتخلفوا في دنياهم .إن التدين المعلول الفاسد غمط مصادر اليقين التي لفت القرآن إليها أنظار البشر وظلم السمع والبصر والفؤاد، واستغل بضروب من التفكير أقل ما يوصف به أصحابه قول المولى عز وجل (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، ولقد علموا لمنْ اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ماشروا به أنفسهم لو كانوا يعملون).وأنا على يقين أن حب النفس وحب الظهور والغرور والشره والمكاثرة بالمال والجاه لا يمكن أن يمحو من نفس الإنسان إلا بالوحي المنزل والتعلق الشديد والإيمان السديد الرشيد بالله وبما عند الله تبارك وتعالى.إن أسباب طغيان الحاكم وغش الغاش عند التعامل بالتطفيف أو الخيانة واستكبار الأغنياء وجر الذيول في الأرض مرحاً إن أسباب ودوافع انحراف هذا الصنف من البشر لا يكون إلا بسبب قلوب خالية من الله جل وعز خاوية على عروشها بعيدة عن الشعور بعظمة الجبار المنتقم (لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) (وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون)(وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسةٍ إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة...)عند فساد الفطرة لا يوجد دين، وعند اختلال العقل لا يفهم وحي وعند تغليب الغرائز لا يبقى خلق.إن التدين الفاسد مولع بالتحريم تضحك حرام تركض حرام تأكل على خلاف ما يهوى حرام إنه راغب في تضييق دائرة المباحات كأنه يفهم (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) على خلاف ما فهمه علماء الأمة الموثوقون والذين قالوا: الأصل في الأشياء الإباحة.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
746
| 02 يوليو 2015
إن صوت الحق يهتف في كل مكان: ليهتدي الحائرون ويتجدد ثوب البالين فالله تبارك وتعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له".إنها لحظة إدبار الليل وإقبال أنوار الفجر، وعلى إطلالة الماضي القريب والبعيد يمكنك أن تنهض من كبوة وتقوم من عثرتك وتنادي في الأسحار: يا مقيل العثرات .. يا مجيب الدعوات يا غافر الزلات.. لابد أن يجثو المذنب في ساحة الرحمن ثم يهتف بانكسار من أعماق قلبه.قصدت باب الرجا والناس قد رقدواوقلت يا أملي في كل نائبةأشكو إليك أموراً أنت تعلمهاوقد بسطت يدي بالذل مفتقراًفـلا تردنهــا يا رب خائبةوبت أشكو إلى مولاي ما أجديا من إليه نكشف الضر أعتمدما لي على حملها صبر ولا جلدإليك يا خير من مُدت إليه يُدفبحرُ جودك يروي كل من يردُ(رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين)واحذر التسويف، فقد جاء في الأثر: هلك المسوفون، إن كل تأخير لإنفاذ منهاج تجدد به حياتك وتصلح به أعمالك وتسكن به ثائرة نفسك وشرودها لا يعني إلا إطالة فترة العناء والمعاناة التي تبغي الخلاص منها، وبقاءك مهزوزاً حائراً متردداً مهزوماً أمام نوازع الهوى والتفريط.إني بُليت بأربع ما سلطواإبليس والدنيا ونفسي والهوى إلا لشدة شوقتي وعنائيكيف الخلاص وكلهم أعدائيانتهاز اليوم أفضل من انتظار الغد، بل إن كنت في الصباح فلا تنتظر المساء، فلا مكان لتريث أو تلكؤ، إن الزمن قد يفد بعون يشد به أعصاب الحائرين ويثبت به أقدام السائرين في طريق الحق.إياك والأماني، لا تعلق بناء حياتك على أمنية يلدها الغيب، فإن هذا التأخير لن يعود عليك بخير.لا مكان لإبطاء وانتظارإن الإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء النفس وحناياها، وتعهد حياته الخاصة والعامة بما يصونها وينقيها مما لحق بها من إثم مثلما تزال القمامة من الساحات الطهور ليعيد إليها توازنها واعتدالها ونظافة فطرتها.قم في الدجى يا أيها المتعبدقم وادعُ مولاك الذي خلق الدجىواستغفر الله العظيــم بذلةواندم على ما فات واندب ما مضىواضرع وقل يا رب عفوك إننيأسفاً على عمري الذي ضيعته حتى متى فوق الأسرة ترقدوالصبح وامضي فقد دعاك المسجدواطلب رضاه فإنه لا يحقدبالأمس واذكر ما يجي به الغدمن دون عفوك ليس لي ما يعضدتحت الذنوب وأنت فوقي ترصدإن الله يفرح بتوبة عبده، لأنه تعالى لا يريد عذابه (ما يفعل الله بعذابكم).إن الله أبر بالناس وأكثر سروراً بأوبة العائدين إليه مما يظن القاصرون، يجب أن تكون التوبة نقلة كاملة من حياة إلى حياة، وفاصلاً قائماً بين عهدين متمايزين كما يفصل الصبح بين الظلام والضياء، هذه هي العودة التي يقول الله في صاحبها: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى).وإياك، أخي التائب أختي التائبة، أن تنظروا إلى صغر الخطيئة، فإن الله أخرج آدم من الجنة بأكلة وطرد إبليس من رحمته بسجدة، ولكن انظر إلى من عصيت فقد كانت الصغائر عند الخائفين كبائر "وإياكم ومحقرات الذنوب".لننسَ تلك الهفوات ونبدأ مع الله صفحة جديدة، وإقامة المناحات على الهفوات الماضية علالة سخيفة يتوهم البعض أنها تزيد في طهر القلوب، لأن الأصل في التوبة أن تكون برزخا بين عهدين وأن يصبح التائب كأنه ولد من جديد "غفرتها لك ولا أبالي".ومع هذا فالتائب يرى ما يناسبه من اجترار الماضي لدعم توبته وهجر الآثام وحث النفس على الطاعات.وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
993
| 01 يوليو 2015
لما كان الإسلام يعني الخضوع التام لله عز وجل فربما يظن الإنسان لأول وهلة أن المسلم لا ينبغي أن يرتكب مخالفة، ولا أن يقع في معصية، إذ أن العصيان ينافي الخضوع والاستسلام.إن الأخطاء صنعة أصيلة في الإنسان فكل ابن آدم خطاء وذلك أثر من آثار العجز البشري من أجل السعي في بلوغ الكمال، والخطأ يتولد من تلقاء نفسه في الغالب لا أثر فيه لرغبة أو تعمد.والواقع أن المسلم لا يطيق عصيان الله ولا يرضى به ولا يبقى عليه إن وقع فيه بل إن ما يعقب المعصية في نفسه من غضاضة وندامة يجعل عروضها له شبه مصيبة لأن المعصية تأتي في غالب أحوالها عند غفلة عقل أو خور عزم أو هجوم ومباغتة شهوة يصبحها غفلة، وهو في توقير الله وحرصه على طاعته ماحدث منه منكراً يجب استئصاله ولو بقي المسلم طول حياته ينقي عمله من هذه الأخطاء التي تهاجمه أو من هذه الخطايا التي يقع فيها إن ذلك لا يحول بينه وبين دخوله في عصمه الموحدين ولا حرمه المولى من غفرانه، وربما هو المقصود من معنى الحديث القدسي: "يا ابن آدم إنك مادعوتني ورجوتني غفرت لك على ماكان منك ولا أبالي"نعم: إن المعصية شيء خطير واتجاه الإرادة إليها وانصراف الخواطر فيها زلزال يصيب الإيمان أو ضباب يغطي حقيقة معرفة المسلم لربه.هناك فرق بين الخضوع والتمرد، فنية الخضوع المتواصل لا تخرج صاحبها عن معنى الإسلام أما نية التمرد والإصرار على الانقياد لأوامر الله والانزجار عن نواهيه لا يمكن أبداً أن يسمى ذلك إسلاماً وأن صاحبها يعد مسلماً لأن ذلك في الغالب يقود إلى استباحة ماحرم الله وجحد وإنكار ما أوجب وذلك الكفر بعينه لذلك يقول الله تعالى في هذا النوع من العصيان: (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً).إن الفرق واضح بين إنسان يرتكب المعصية وهو يعلم أنه سيحاسب عليها وإن اقترفها مع نفسه وإنسان ارتكب معصيته وهو في وضح النهار جهاراً لذلك الفرق بين يعصي وهو مغلوب على عقله بغفلته وبين من يعصي في يقظة فكر وإعمال الرأي، بين معصية تمشي على استحياء ومعصية تتبجح ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع إن مثل هذا النوع الفاجر بعصيانه السافر باعتدائه على حدود الله ومحارمه وإطراح فرائضه يستحيل أن ينسب مثل هذا إلى الإسلام وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم.لابد لكل مسلم من تأهيل عال يجعله حقيقاً بالانتساب إلى الله والخلود في رحمته.إن التوبة أول مراحل الطريق في السير إلى الله ونيل رضاه بل هي المدخل المفضي إليه والقرين المتنقل في مدارجه من البداية إلى النهاية.والطريق إلى الله تعبير لطيف عن جهود المسلم في تصفية نفسه من الأكدار وترضية ربه والتحول عن مواطن الغفلة إلى مواطن الذكر والحركة، فالتوبة نقلة نفسية وخطوة متميزة فيما يتركه المرء وراءه من أحوال لا تليق بمقام العبودية بين يدي المولى عز وجل ودقة تصرف وتصحيح مسار وجهته إلى الله، عدته في ذلك- ندم على مافات وجد في السير، وعدة صالحة من الأخلاق والأعمال (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) لأن العبد بتلك الحال (فإنه يتوب إلى الله متابا).ذلك لأن الله وعد المقبلين عليه بإقبال أعظم "ومن جاءني يمشي أتيته هرولة"." يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة". وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
346
| 30 يونيو 2015
الإخلاص روح الدين، وآية الصدق وسياج العمل، وضمان قبوله في الدنيا والآخرة، هو عنصر نادر بين الناس، لأننا نقصد بالإخلاص: تجريد القصد لله وحده وابتغاء وجهه الكريم.والبواعث التي تسوق الإنسان إلى العمل وتدفعه إلى إجادته وتغريه به بتحمل التعب فيه أو بذل الكثير من أجله، كثيرة متبانية وأغلب الناس يدورون حول أنفسهم فيما يعملون ويتركون، فمنها القريب الذي يكاد يُرى مع العمل ومنها الغامض الذي يختفي في أعماق النفس، إلا أن أغلب الناس يدورون حول أنفسهم فيما يعملون أو يتركون، وينشدون مصالحهم الخاصة أو منافعهم العاجلة.والغرائز البشرية المعروفة هي قواعد السلوك العام وقيمة العمل ترجع قبل كل شيء إلى طبيعة البواعث التي تمخضت عنه.ومحمد، صلى الله عليه وسلم، أخلص إنسان عرف الله ودعاه ودعا إليه، وقد حدد موقفه من الدنيا حيث قال: "مالي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم تركها.."..وقد حدد مسار قلوب المؤمنين كما جاء في الحديث الصحيح: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".إن صلاح النية وإخلاص الفؤاد لرب العالمين يرتفعان بمنزلة العمل الدنيوي البحت إلى أن يكون عبادة متغبلة وإن خبث الطوية يهبط بالطاعات المحضة فيقلبها معاصي شائنة فلا ينال منها الإنسان إلا التعب، فرب قائم ليس له من قيامه إلا التعب ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والنصب، فليس لمثل هؤلاء إلا الفشل والخسار.وفي جميع الأحوال فإن الإخلاص لله قد يكثر في أول العمل ولكنه أثناء السير يقل أو يتضاءل.إن القلب السليم هو المحور الأساسي لقبول الأعمال عند الله والله وحده يعلم أين تكون القلوب السليمة.وقد كان علماؤنا الأوائل موفقين عندما قسموا المعاصي إلى معاصي قلوب ومعاصي جوارح، فالمعاصي التي يقترفها الإنسان بجوارحه هي ما يطلق عليها بالمعاصي البدنية وهي شهوات محدودة الأثر على قبحها وسوء مغبتها كالإسراف في الطعام مثلاً وهكذا مطالب البدن الأخرى فربما أعوزت صاحب هذه المعاصي إلى المهانة وسلب الإنسان كرامته ومع ذلك فهي أدنى من جنون العظمة وحب الذات التي تقود في النهاية إلى الفرعنة أو النمردة وقسوة القلب وإهلاك الحرث والنسل حتى يخيل إليه بدلاً من فرعون الأول فيقول في دخيلة نفسه: وما علمت لكم من إله غيري.إن الفساد السياسي في العالم الإسلامي يعتمد على رجال دين باعوا ذممهم للشيطان.إن شهوة الملق عند شيخ عليم اللسان فاسد القلب أوغل في الفساد أعظم من شهوة الزنا عند شاب طائش.إن الاغترار بالنفس أو الدوران حول الذات لا يبدو في طلب المناصب الرفيعة فحسب، إنه قد يبدو في تنقص رجل معروف أو اعتناق رأي شاذ أو المكابرة والتنطع في حوار لأناس يعملون في الميدان الديني أو الميدان المدني.وقد جاء في القرآن الكريم ذم أمثال هؤلاء الناس فقال الله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). إن هؤلاء المرضى بالشذوذ النفسي والحقد يكثرون من الأذكار والتلاوة وصور العبادة، ينتهزون الفرص التي تتنفس فيها طباعهم فيضربون ضربتهم.إن المتدينين من هذا الصنف الغاش بلاء.إن مظهر القسوة في قلوبهم وسلوكهم اعتداد بالشخصية، لا يعرفون التواضع وهم كثيرو الاتهام للغير، لا يقبلون عذر معتذر، ويفرحون بافتضاح المخطئين، الشماتة تملأ صدورهم.إن الكبر والحسد والافتخار بالنفس أو النسب أو الجاه أو المال، وحب المراء والجدال وحب الظهور والسمعة والرغبة في التسلط والرغبة في هضم أولي الكفاية واحتقارهم. إن هذه الرذائل أشنع من ترك نزوة طائشة عند شاب معلول تنطلق على النحو السيئ الموجود في ظل المدنية الحديثة.إننا، نحن المسلمين، نضار كثيراً من المعاصي النفسية، من آفات الرياء والكبرياء المبعثرة في كل نواحي حياتنا، من اللباس إلى الزواج والأعراس.إن الارتقاء الخلقي لدى المسلمين كان الرصيد الذي ينفق منه أولوا الحجى والسياج الذي يحتمون به وإنها لجريمة قتل عمد أن تنتمي إلى الإسلام ثم ندس عليه ولا نحسن فهمه ولا عرضه ولا العمل به ولا الدفاع عنه.والله لن يترك هذه الجرائم دون قصاص (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، فهل نحسن العودة والعمل.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
339
| 29 يونيو 2015
إن الله خلق السموات والأرض بالحق، وطلب إلى الناس أن يبنوا حياتهم على الحق فلا يقولوا إلا الحق ولا يعملون إلا بالحق.وهكذا كان المجتمع الإسلامي قائماً على محاربة الظنون والإشاعات وأطراح الريب إن الحقائق الراسخة وحدها هي التي يجب أن تظهر وأن تعتمد في إقرارالعلاقات المختلفة.ولقد نعى القرآن الكريم على أقوام يجرون وراء الظنون فأفسدت حاضرهم ومستقبلهم بالأكاذيب فقال عز وجل: (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقدجاءهم من ربهم الهدى) وقال (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً). ولاحترام الإسلام الشديد للحق طارد الكذابين وشدد عليهم النكير فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي ما كان » الله عنها وصلى الله على زوجها أنها قالتمن خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب).لذلك كانت العلامة الأولى للجماعة المسلمة هو صدق الحديث وضبط الكلام.أما الكذب والإفتراء فهي أمارات النفاق لأن الكذب رذيلة محضة تبين أن صاحبها قد تغلغل الفساد في نفسه.قد تكون هناك بعض الأعذار لمن يشعرون بالخوف في بعض المواقف، ولكنه لا عذر أبداً لمن يتخذون الكذب خلقاً ويعيشون به ومعه على استغفال الناس وخداعهم ، لذلك لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جباناً قال نعم قيل له أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال : « نعم قيل له : أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: لا لأن المؤمن يطبع على كثير من الخلال إلا الخيانة والكذب كما هو في مسند أحمد. لأن الكذاب رجل أو إنسان يريد مع سبق الإصرار أن يشوه الحقائق فيبعد القريب ويقرب البعيد ولديه القدرة عندما يكون الكذب طبعاً له أن يشوه تاريخ أشخاصوأمة ودين. وكلما اتسع نطاق ضرر الكذب إثر كذبة يشيعها أفاك كان الوزر عند الله أعظم فالحاكم الذي يكذب على شعبه والإعلامي الذي ينشر كذبته على الألوف أو الملايين والسياسي الذي يتملق الناس ويعطيهم الوعود الكاذبة والصور المقلوبة عن حقائق كبرى كل هؤلاء يرتكبون جرائم أشق على من لفقها وأسوأ عاقبة فقد روى الإمام البخاري أن رسول الله رأى ورؤيا -الأنبياء وحي- قال: رأيت الليلة رجلين أتياني قالا لي الحديث بطوله وفيه وأما الرجل الذي أتيت عليه بشرشرة شدقية إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من الحديث. «.... بيته فيكذب الكذبه تبلغ الآفاق وأشنع أنواع الكذب هو الكذب على دين الله وهذا النوع من الافتراء فاحش في حقيقته وخيم في نتيجته وهو ما يعني الكذب على الله ورسوله قال تعالى (إنّ الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) وقال (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب).وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح إن كذباً علي ليس ككذب على أحد، فمن » : البخاري .« كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ولا يخرج من هذا التحذير أحد لا سلطان ولا عالم ولا جاهل، فكل ما يدخل في دائرة الكذب والافتراء حتى الذي ابتدعه الجهال وجعلوه من الدين من محدثات لاأصل لها وعدها عوام الناس ديناً وهي في حقيقة أمرها أهواء ابتدعها مفرطون جهلة. وقد روى الإمام مسلم يكون » : في صحيحه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر أمتي أناس دجالون كذابون... فإياكم وإياهم.وقد حرص الإسلام على غرس فضيلة الصدق حتى في نفوس الأطفال فعن عبدالله بن عامر قال: دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فيبيتنا فقالت: تعال أعطك فقال لها رسول الله صلى قالت: أردت أن «؟ ما أردت أن تعطيه » الله عليه وسلم أعطيه تمراً فقال لها : أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت.« عليك كذبة فانظر أخي – أختي كيف يعلّم إمام الأنبياء وسيد أهل الصدق الأمهات والآباء أن ينشئوا أولادهم تنشئة يقدسون فيها الصدق ويتنزهون عن سوءة الكذب.وقد نهى الإسلام عن الكذب حتى لا يبقى لإنسان منفذ إلى الشرود عن الحقيقة فقال النبي صلى الله أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك » : عليه وسلملا يؤمن » وفي مسند أحمد « الكذب وإن كان مازحاً العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح والمراء وهناك أناس يتخذون المدائح الفارغة « وإن كان صادقاً والملق بضاعة يتملقون بها لمن يرجون خيره أو يخافون شره كشأن الكثير من الإعلاميين فيكيلون الثناء جزافاً و يهرفون بما لا يعرفون وربما قادهم البلاء إلى وصف الظلمة وسارقي حريات وأقوات الشعوب بالعدل.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
752
| 27 يونيو 2015
دخل الإسلام ناس أول ما تلحظه فيهم أنهم أصحاب تحرر عقلي، يتم لأن الإيمان في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم في كتاب أو سنة طبيعة تقدمية لا يقبل فيها التقليد، ونحن في عالم اليوم يتبارى الزعماء والمفكرون بأنهم تقدميون وكل يدعي وصلاً لليلى حتى الجبابرة المفسدين في الأرض يزعمون أنهم تقدميون الحقيقة أن العالم فعلاً ارتقى عملياً في جوانب وتراجع في جوانب أخرى ولكن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم غير ما يعرضه الطغاة وسدنة السلطان وحملة المباخر من إعلاميين وفقهاء، ربما نظر إليه الناس من خلال النماذج الهابطة المنتسبة إليه فاستهانوا به وبقيمه والإنسان عدو ما جهل كما يقال.لنقرأ معاً الآيات التي أمن بها حملة الوحي الأوائل عن إخلاص وصدق وقالوا للناس نحن جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده (حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم، إنّ في خلق السموات والأرض لآيات للمؤمنين، وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يؤمنون، واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون. تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) هذا هو الخطاب العقلي التقدمي لا حديث خرافة (وجعلنا على قلوبهم أكنة أنْ يفقهوه وفي آذانهم وقراً، وإنْ يرو كل آية لا يؤمنوا بها...) إذاً بدأ الإسلام بحرية عقلية فكان الجيل الذي اعتنق الإسلام يمثل مجتمعاً تقدمياً أرقى فكراً وأعمق استدلالاً وانضم إلى ذلك قدرتهم على التخلص من الموروث الجاهلي في بيئتهم المنحرفة ومن تقاليد لا يمكن أن توضع في ميزان العقل.لقد ربى القرآن الجيل الذي تكون قبل الهجرة رباه على قدرة مخالفة المواريث والتقاليد السائدة والتيارات الغالبة، لقد رباهم السيد النبيل محمد صلى الله عليه وسلم تحت أنوار الوحي وهو يتلو عليهم: (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون).عندما يكون الإنسان تاجراً ثم تقرر مقاطعته، أو عندما يكون له بنات وبنون فيتقرر ألا يتزوجوا من أحد أو يتزوجهم أحد، وهكذا صنع عباد الأحجار المشركون العرب بأتباع محمد عليه الصلاة والسلام (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) لكنهم تحملوا هذا كله تحملوا الفقر والفاقة وفراق الأهل والمال والوطن لأجل أن يقيموا دولة الإسلام هاجروا من مكة أحب أرض الله إلى رسول الله وأصحابه إلى المدينة المنورة ليقيموا فيها شرع الله بعد أن عجزوا أن يقيموا دولتهم في مكة.إن المسلمين الذين تركوا مكة إلى المدينة يمكن أن يوصفوا بتعبير العصر الحديث بـ (المغامرون) لأنه لم يكن لهم على وجه الأرض نصير، كانت الدنيا كلها ضدهم لأن الدين الذين جاءوا به وحملوا رايته حقر الأوثان وأنكر أن يكون لله شريك أو ولد فهدم تقاليد الجاهلية وجعل الإله إلها واحدا، هذا الإعلان الصريح الذي ظهر في مكة جعل المشركين عباد الأوثان ونصارى الثالوث يحقدون على الإسلام وحملته.الهجرة إلى المدينة المنورة كان رائدها الحق وهدفها إعلاء كلمة الله ونشر الدين تحت راية السمو الأخلاقي، الأنصار في المدينة يستقبلون الوافدين عليهم بصدر رحب (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) فلا سلطان ولا قوانين ومع ذلك فما نزل مهاجر على أنصاري إلا بقرعة، كان التنافس بين بيوت الأنصار على استقبال القادمين الذين جمعهم الإيمان (يحبون من هاجر إليهم).إن المسلم الحق ليشعر بغضاضة واحتقار من تطاول السفهاء الروافض على صحابة رسول الله بهذه الجرأة، من حمل لنا الوحي من نقل إلينا السنة وآثار النبوة؟ إنهم ذلك الجيل المبارك الذي رباه محمد على عين الله.الذين (رضي الله عنهم ورضوا عنه...)إنها الجنات والخلود وأعلى المراتب إنه رضا الله ورضاهم بما منحهم الله ذلك الفوز العظيم.فلا تكن عبداً رافضياً فتعتدي.... فويل وويل في الورى لمن اعتدىوآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
861
| 26 يونيو 2015
لقد شاعت في أوساط اجتماعية كثيرة فكرة : إن ما لله لله وما لقيصر لقيصر وهو أن المرء يقاطع الدين أو يجامله بكلمات باهتة، ثم يختط لنفسه طريقاً في الحياةلا تعرف المسجد ولا تقيم وزناً لمواريث السماء ومع هذا فهو يزعم أنه استكمل أسباب الثقافة والتمدن والكرامة واستجمع خصال الخير.لقد صالح الإسلام في تعاليمه بين مطالب الجسد ومطالب الروح، وبين واجبات الدنيا وواجبات الآخرة فكأنه عقد صلحاً بين متطلبات الدارين، كيان واحد يستقبل به عالماً ليست فيه فواصل بين الموت والحياة .قال الله تعالى (وأبتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إنّ الله لا يحب المفسدين).ليس في الإسلام انفصال بين العمل للدنيا والعمل للآخرة فإن العمل للدنيا بطبيعته يتحول إلى عبادة مادام مقروناً بشرف القصد وسمو الغاية.عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مر بنا رجل فعجبوا من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا: يارسول الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: إن كان يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه ليعفها ففي سبيل الله، وإن كان يسعى على أهله ففي سبيل الله، وإن كان خرج يسعى تفاخراً .« وتكاثراً ففي سبيل الطاغوت إن عبادة الجسد وعبادة المادة والتمرد على الأساس الإلهي في الحياة الإنسانية عوج لا يتمخض عنه إلا الشر والبلاء، وآفة الحضارة الحديثة أنها سخرت العقول للشهوات وأسكتت نداء الروح وجحدت إن الإنسان نفخة ونفحة من روح الله (ونفخت فيه من روحي). إن الإسلام يلح على كل إنسان فوق ظهر الأرض ألا ينسى صلته بالسماء وألا يتجاهل أصله المنبثق من روح الله.إن الحرية الحقيقية ليست في حق الإنسان أن يتدنس إذا شاء ويتطهر إذا شاء بل الحرية أن يخضع الإنسان نفسه ليقود الكمال الإنساني وأن يتصرف داخل حدود رسمت له ومن أجله (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً) إن الحرية التي تهفو إليها الشعوب، وتنادي بها كبار القلوب، إنها حق البشر في أن يعيشوا بها حياة زكية نقية فليس من حق أي إنسان أن ينسلخ عن طبيعته أو يتمرد على فطرته باسم الحرية.إن الحرية ليست حقاً للإنسان بأن يتحول إلى حيوان مستأنس، إذا شاء أو يجحد نسبه الروحي إلى رب العالمين، أو يقترف من الأعمال ما يوهي صلته بالله،ويقوي صلته بالأرض (واتل عليهم نبأ الذي ءايتانه ءاياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه).إن الحرية بهذا المعنى عن إبعاد الأمور عن مجراها الصحيح فإنك إن سبرت مثل هذا الإنسان لوجدته ذليلاً لنفسه منقاداً لشهواته عبداً لبطنه أو فرجه.كم يكون الإنسان نازل الرتبة تافه القيمة إذا كانت وظيفته في هذه الحياة لا تتجاوز بضع عشرات من السنين يقضيها على ظهر هذه الأرض ثم يقضي دونعودة وينتهي بذلك أمره كأن لم يكن كما تنتهي آجال الذئاب في الغاب أو الشياه في الحقول ألهذا خلق الإنسان؟أو لهذا استخلفه الله في هذا الكون.(والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) (كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون).إن الله سبحانه كما شرف الإنسان بالكثير من النعم كلفه بالخطير من الحقوق لله أولاً ولهذا الكون الذي هو جزء منه (أيحسب الإنسان أن يترك سدى).ولما كان الإسلام كلمة الله الأخيرة لأهل الأرض، وهو دين يحترم طبائع الأشياء لأنه دين الفطرة (التي فطر الله الناس عليها) فيستحيل عليه أن يلحقه تعديل أو تبديل لذلك قال عز في علاه (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم).إنه الأثر السماوي الفذ الذي بقي مستعلياً على التحريف والتغيير يصل الإنسان في هذا الكون بخالق الأكوان، ويرتفع به عن مستوى التراب وآمال التراب والذين أخلدوا إلى التراب، إنه يعرف الناس بربهم أولاً لكنه لا يصلهم بالله على ما بهم من شراهة وبغي وأثرة واعتداء وظلم، بل يغسل عن قلوبهم وأرواحهم أوحال الأرض ويشرع لهم من العقائد والعبادات والأخلاق والمسالك ما تزكو به أنفسهم وما يدربهم على فعل الخيرات وحب المعروف وتحسين الحسن وتقبيح القبيح.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
702
| 25 يونيو 2015
إن أهل الإسلام الأولين عرفوا عالمية رسالتهم وبدأوا يتجاوبون مع مطالب هذه العالمية، ولما قامت للإسلام دولة في المدينة المنورة وتنفس الناس نسائم الحرية بدأ النبي المرسل صلى الله عليه وسلم يرسل كتبه إلى كل حاكم ذي شأن حوله وإلى كل بلد يمكن أن يكون فيها من يفقه الدعوة وتلبية الرسالة وبعد لحوق النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الأصحاب يمدون هذه الرسالة ويوسعون دائرتها وأتقنوا مع ذلك اللغة العالمية لتحقيق كل رسالة حق واللغة العالمية التي يعرفها أهل الأرض جميعاً على اختلاف الألسنة والألوان والمراكز الاجتماعية هي لغة: الخلق الفاضل والمسلك العادل والشرف العالي، مع تجرد لله وإخلاص في العمل، كانت مسالكهم مع الآخرين سبباً في دخول جماهير هائلة في الإسلام حتى صارت متعصبة له حانية عليه مدافعة عنه، لأن الإسلام لم يشرع- كما شرعت الكنيسة- قوانين لاستئصال الوثنية أو المخالفين له بالسيف كما صنعت الكنيسة بتنصير اليهود بالعنف وإبادة الخصوم في الرأي- ولو كانوا مسيحيين.بل أقر الإسلام حرية العقل والضمير، إن الأجناس التي دخلت في الإسلام لم تلق في وجهها أحداً يزعم أنه أولْى منهم بالله أو أحق برسوله بل (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى" حتى خاطب المولى عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه محدداً لهم مسلكهم من المشركين المقاتلين لهم فقال: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين، ونفصل الآيات لقوم يعلمون).الإسلام دين متحرك سيال لا يعرف الجمهود في زمان ولا مكان، وهذا التمدد في طبيعته يتم وفق عناصر الشمول والمياسرة التي بناها ويقوم عليها وتبليغها رجل: جيد العقل يلتمس الحق من مصادره وحدها الكتاب المنزل، وما حدّث به النبي المرسل فإذا عرفه التزمه واحترمه واستقام على طريقه حتى يتوفاه الله فلا يقفوا ما ليس له به علم ولا مكان للتخامين والأوهام في فؤاده.أننا نؤكد أن الإسلام كبير ونحن لا نخون ديننا لأن الدين عند الله الإسلام، وإذا كان أصحاب الجرأة على دين الله قد سنحت لهم فرص يكذبون بها وفيها على الإسلام فإن على المدافعين عن هذا الدين أن لا يتركوا لهم الفرصة لنجاح المؤامرة الأخيرة على الإسلام، إن هناك بعض الرجال وبعض النساء مهمتهم أن يظهروا أنفسهم مسلمين لكنه إسلام بلا نصوص إسلام شهوات وأهواء تمشي مع الأمة ومن ورائها فلا يمكن أن يترك الجو خالياً لهؤلاء أبداً.أياً كان الأمر فقد بسط الإسلام جناحه على العالم قديماً وترك الحرية لأتباع الديانات الأخرى أن يصروا على موروثاتهم أو يهجروها إلى الشريعة الجديدة (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر....).فبقيت فئات من الناس داخل الرقعة التي ملكها الإسلام، متمسكة بأديانها ولا حرج في ذلك فهذا هو مبدأ من مبادئ الإسلام- حرية التدين .نعم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فنحن وحدنا أتباع موسى وأتباع عيسى وأتباع النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم – الذي أنصفهم وشرفهم وأبان للعالم مكانتهم وسيظل المسلمون إلى قيام الساعة فوق الذين كفروا- في ميزان الله وسيظل القرآن الكريم الكتاب السماوي الوحيد الخالد المحفوظ، وهو وحده مصدر الحقائق الدينية التي يحاسب الناس على التمسك بها أو التفريط فيها كما أخبر بذلك المولى عز وجل فقال (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه....).فالله مظهِرٌ دين الإسلام على كل الأديان بعز عزيز أو ذل ذليل إلا أن الأمر خاضع لقوانين محكمة يجب أن يحترمها المسلمون قبل غيرهم فالحق لا ينتصر إلا باتباع أيقاظ ساهرين مضحين، ولا ينتصر إلا بعد عراك مرير مع مبادئ وملل أخرى انخدع بها أصحابها واستماتوا هم أيضاً في نصرتها. أما نحن فسنبقى على ديننا وسنحيي تراثنا وسنجمع الأمة في موكب الحق فلا يكبَّر إلا الله ولا يحترم إلا دينه(وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) (إنّ الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً).وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
319
| 24 يونيو 2015
جمهرة الناس تغلبهم طبيعة العيش وضرورات النفس والأبناء وظواهر الحياة الدنيا فتراهم منصرفين بأفكارهم ومشاعرهم إلى تأمين حاضرهم والاحتباس في مثل هذا التفكير.فلو أن الواحد منا تسمع وهو يتجول في الأسواق وأصغى إلى الضجة التي تسود سوقه وأسواق العالم في محاولة من خلال تفكيره في الحال التي علينا البشر لما وجد إلا صراخ الغرائز المهتاجة تريد إثبات نفسها وتحقيق غاياتها ورغباتها ولو تلمس أحدنا مكان الإيمان خلال هذا الضجيج العالي لما وجد إلا همساً لا يكاد يبين إن كان ذلك بين الأمم الكافرة بالله – وهي اليوم تملأ الأرض ولا عبث عليها، إذ كيف تذكر من لا تعرف أو من تجحد.وإذا نظرت إلى ديار المسلمين وجماهير المؤمنين، فإن معرفتهم بالله كامنة في حنايا صدورهم. قد تذكرهم المآذن بالله أحياناً وقد تحول بينهم وبينه بعض ما تتلوث به النفوس من إثم ومع الركض المجهد في ساحة الحياة وراء الأرزاق والمآرب الأخرى تبقى معرفة الذي ينبغي أن يذكر فيشكر خافتة.لأجل هذا حث المولى عز وجل عباده المؤمنين به أن يقاوموا هذا الصخب والذهول السائد وأن يتخلصوا من هذه الإغماءة والغيبوبة العامة وأن يذكروه رغم هذه المنسيات وأن يحاولوا الاستضاءة بوجهه الكريم خلال غواشي الدنيا وكرباتها وزحمة الحياة. وهذا سر الوصايا المتكررة بإدمان الذكر وإطالته.(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)، (ولا تكن من الغافلين).وذكر الله من أشرف العبادات وأنفس ما يجري على اللسان من كلمات، وأزكى ما يمر بالخاطر وما يثبت في القلوب من معان، وهو مفتاح الصلة المباشر بفاطر الأرض والسموات.وقد تنافس فيه الصالحون وربطوا أفئدتهم وأذهانهم به، لم يتوهوا عنه في زحام الحياة ولم تفتنهم عن ذكره ملذات ولم تشغلهم عنه محنة، هو منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل ومن حرم منه خذل، هو قوت قلوب الموحدين الذي متى فارقها صارت الأرواح مواتاً والأجساد قبوراً وإذا تعطلت عمارة ديارهم عنه صارت بواراً.إذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، هو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع طريق الدنيا والآخرة، به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات وتهون عليهم المصائب إذا نزلت بهم النوازل في الدنيا والآخرة، وماء حياتهم الذي يطفئون به لهيب الذنوب، ودواء سقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، فهو السبب الواصل بينهم وبين الرحمن الرحيم علام الغيوب.إن ذكر الله تعالى أشرف ما يخطر بالبال، وأشرف ما يمر بالفم وأجمل ما يتألق ويتأنق به العقل الواعي ويستقر في العقل الباطن.نعم هو من أشرف العبادات وأنفس ما يجري على اللسان من كلمات، وأزكى ما يمر بالخاطر. والذكر عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة، بل يذكرون مولاهم الحق وخالقهم ومديم فضله عليهم ومحبوبهم في كل حال وفي جميع الأحوال.فالناس قد يقلقون للمستقبل أو قد يشعرون بالعجز أمام ضوائق أحاطت بهم أو نوائب نزلت بساحتهم، وقد رأوه طريقاً سريع التوصل إلى مقام الإحسان، والأنس بمشاهدة القرب من الله عما تزخر به الحياة من فتون وفتن ومجون، وسعي وراء العبث حتى وصل الحال ببعضهم أن مقام الإحسان وليد حالاته وإشراقاته لما روجه الشيطان وبعض الجهلة في تفسير معنى الحديث الصحيح، أنه أعلى من الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام إلا أن الذي يتبادر إلى الذهن غير هذا وأن الجهاد يبقى ذروة سنام الإسلام، به تصان الدماء والأعراض والأموال ويذاد به عن حوزة الدين.إن الجهاد أرفع درجات الذكر والمجاهد في سبيل الله إنسان عرف ربه وأرخص روحه، ويريد أن يغرس هذه المعرفة في الحياة وأن يرويها بدمه حتى تزدهر وتنمو، فهو يذكّر الآخرين بالله بعد أن امتلأ هو بهذا الذكر.لقد ذكر ربه عند التقاء الجموع وارتفاع أزيز الطائرات والرصاص استجابة لقول الملك الجبار، الله مولانا ومولاه: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار)، بل اثبتوا ثم استعينوا بمن (ولله جنود السموات والأرض)، ثم، (واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون)، نعم، (إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله لعلكم تفلحون)، فعند اشتداد المعارك وتلاقي الجموع وتكالب العدو واستمرار القتل في إخوان له، وهذا هو جهاد الذاكر الصابر المحتسب وهو أعلى درجات الإيمان (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وهو أشرف أنواع الذكر وأشرف من ذكر اللسان.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
454
| 23 يونيو 2015
إن الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين جعلوا عالمية الرسالة حقيقة واقعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لحق بالرفيق الأعلى ودينه لم يتجاوز حدود جزيرة العرب، وقد علم الأصحاب الكرام عليهم رضوان الواحد الديان- أن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث للعالم كله، (وما أرسلناك إلا كافة للناس) (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً).فشرعوا ينساحون في الأرض مبشرين ومنذرين، ولم تكن المهمة سهلة، فرعاع العرب حاولوا إحياء الجاهلية المسحوفة، كما أن مجوس فارس وصليبي الرومان اعترضوا بالعنف مسار الدعوة، غير أن الجيل الذي رباه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كان صلب المرأس، شديد البأس، جمع بين الصرامة والكرامة (أشداء على الكفار رحماء بينهم)، فلم يكن أمام الباطل حتى كسر شوكته وأسقط دولته مما جعل أبا لؤلؤة المجوسي عليه لعنة الله، أن يقول مخاطباً نفسه: "أكل قلبي عمر"، فمازال بعمر حتى اغتاله عند صلاة الفجر في محراب الصلاة. لقد كانت تربية محمد صلى الله عليه وسلم لهذا الجيل معجزته الكبرى بعد القرآن الكريم، لأن صحابة محمد صلى الله عليه وسلم تشدهم إليه جاذبية معنوية وتنظم ما أودع الله في نفوسهم طاقة ونورا.ذكر أن قلب الصحابي مطعم بن جبير رضي الله عنه كاد أن يطير من الرغبة والرهبة والخشوع وهو يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بسورة "الطور" في صلاة المغرب، ترى كيف حال من صلى وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن كله آلاف الركعات وخالطه في شؤون حياته وتقلبه في الساجدين وبين الناس، نعم لقد صنع محمد صلى الله عليه وسلم جيلاً لا نظير له ولا مثيل في تاريخ الرسالات.والنظر إلى هذه الموازنة، أن بطرس وهو أحد حواري عيسى عليه السلام ومن كبارهم صحب السيد المسيح طويلا، وعندما تعرض السيد المسيح إلى فقهاء من اليهود والرومان وصدرت الأوامر للشرطة بملاحقة النصرانية وأتباعها واعتقالهم، وتعرض السيد المسيح لحرج شديد في هذه الفترة ألقي القبض على الحواري الكبير بطرس وسئل: أتعرف عيسى ابن مريم؟ قال: لا، وأنكر أن يكون قد عرف عيسى عليه السلام يوماً وأنه لا صلة له البتة.لقد آثر النجاة بنفسه والتخلص من السجن أو العذاب، وبقي السيد المسيح يعاني اضطهاد اليهود والرومان لوحده.انظر هذا الموقف الغريب ثم اقرأ قصة زيد بن الدئنة أحد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهو ليس من حوارييه ولا من وزرائه، فقد أسره المشركون وساقوه إلى ساحة الأعوام وأحاطوا به في لحظاته الأخيرة ليتشمتوا به ويتشفوا غيظ صدورهم، عندها سأله أبو سفيان – وكان مازال على شركه- ورمحه موجه إلى بطن زيد ليغرسه في أحشائه، سأله: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمداً الآن مكانك تضرب عنقه وأنت سالم في أهلك؟. قال زيد: والله ما أحب أن محمداً صلى الله عليه وسلم الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي.فقال أبو سفيان: ما رأيت أحداً يحب أحدا كحب أصحاب محمد لمحمد، وقتل الصحابي المحب لرسول الله وهو يقول: اللهم بلغ عني رسولك السلام.إن الفرق بين بطرس وأمثاله وزيد وأمثاله هو الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الناس.الحبيب المصطفى:يا من تحركت لتعظيمه السواكن، فحن إليه الجذع، وكلمه الذئب وسبح في كفه الحصى، وتزلزل له جبل أحد، كل كن عن شوقه بلسانه.عجب القوم من علوّ منزلته فقالوا بلسان الحسد: (لولا نُزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم). إلا أنني أقول: إن المغفلين الذين خدعتهم أجهزة الزور يحسبون أننا نتبع محمداً عن تقليد ساذج مرّض القوم داء الحسد فأروه بغير عينه فقالوا مجنون، يا جملة الجمال، ويا كل الكمال أنت واسطة العقد وزينة الدهر، يزيد على الأنبياء زيادة الشمس على البدر، والبحر على القطر والسماء على الأرض.أنت صدرهم، وبدرهم، وعليك يدور أمرهم جمعهم من أرسلهم له ليلة الإسراء فافتدوا به، "ولو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي".يا طريداً مـلأ الدنيا اسـمه وغدا لحناً على كل الشفاهوغدت سيرتـه أنشــودةً يتلقـا رواة عــن رواةنعم أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنُا وأنت لنا التاريخ أنت المحرِرُوآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
3952
| 22 يونيو 2015
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4197
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
1773
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1752
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1608
| 02 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1422
| 06 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1158
| 04 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1149
| 03 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
900
| 03 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
657
| 05 ديسمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
615
| 04 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
549
| 07 ديسمبر 2025
ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...
495
| 03 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية