رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في زحمة المسابقة إلى الموت الذي هو الحياة بعينها حقيقة لمن يرد هذه الأوقات ممن باعوا أنفسهم لله وفداء للأوطان للخلاص من الظلم والطغيان، كما حدث في ثورات الشعوب، خاصة الشباب في تونس ومصر وليبيا واليمن وسواها وهم ممن نحسبهم شهداء عند الله، حيث يعتبر ابن مسعود رضي الله عنه أن موتهم خير موت. استقبلت تركيا والعالم العربي والإسلامي نبأ رحيل أحد أهم وأبرز أعلام هذا العصر في العلم والتخطيط والذكاء والسياسة الرجل الذي وهب نفسه لوطنه والإسلام والحق والحرية والعدالة المرحوم البروفيسور نجم الدين أربكان عن خمسة وثمانين عاما ونحسب أنه فارق الدنيا على الإخلاص لله وعبادته بالمفهومين الخاص والعام ومن أتحفه الله بهذا مات وقد رضي عنه كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم، ولقد كنت عازما إثر عودتي من السفر أن أدبج مقالا عن ليبيا المنتصرة والممتحنة هذه الأيام ولكن الخبر فاجأني بوفاة من ننعاه كذلك للبشرية لما كنز في نفسه من الخير العميم في حين نرى هؤلاء الزعماء الهالكين حقيقة لم يتركوا في الغالب إلا الآثار السيئة عن ذكرهم ومن هنا نعلم مغزى كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. موت الصالح راحة لنفسه وموت الطالح راحة للناس، يأتي موت هذا الرجل المصلح العظيم والرجال قليل في هذه الأوقات المباركات التي نشهد فيها القلوب الصافية والتضحيات العظيمة وأحاديث الفداء والشهداء في صراع الحق مع الباطل، ومع من يا ترى؟ مع هؤلاء الحكام المستبدين الذين قررت الشعوب التخلص منهم. ويأتي انتقال أربكان إلى ربه تذكرة لنا جميعا بسنة الزوال فالخلود لله وحده وما نحن إلا ودائع في هذه الحياة على حد ما قال لبيد: وما المال والأهلون إلا ودائع ولابد يوما أن ترد الودائع ولكن من مات على شاكلة أربكان وشهدائنا الأبرار لم يموتوا حقيقة في الدنيا فإنما الميت ميت الأحياء كما قال المتنبي وكما قال الآخر: قد مات قوم وهم في الناس أحياء، وتأسيا برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حيث يقول اذكروا محاسن موتاكم فإنني مع حزني الكبير على فراق هذا الجبل الأشم والبحر الخضم الذي عرفناه أبا للأتراك الإسلاميين أي أتاتورك الإسلاميين إن جاز التعبير لما يحمله من قيم نبيلة وأفكار جليلة تمثل أمته خير تمثيل وكم سمعنا من الرجل العالم الصالح الكبير ومؤسس الحركة الإسلامية في تركيا الشيخ أمين سراج حفظه الله عن مآثر هذا الرجل العظيم، فإنني أجريت اتصالا هاتفيا مع الأصدقاء في اسطنبول وأفادوني بأن التليفزيون التركي قد نعاه وبدأ كبار المثقفين والمفكرين والساسة يثنون على حياته خيرا وتقدم رئيس الجمهورية التركية د. عبدالله غول بالتعزية لابنه الكبير فاتح، حيث كان المرحوم مولعا بالسلطان محمد الفاتح وقد نشأ نفسه وربى الآخرين للسيرورة على منهاجه رحمه الله وقد أشاد الرئيس بالأستاذ الكبير وأقر له بالأستاذية في خدمة تركيا وبالسياسة الممتازة التي أحسن التدبير فيها، كما تحدث عنه عبر التليفزيون وأرسل رسالة كتابية عن مناقبه الحميدة، وكذلك قام رئيس الوزراء السيد رجب طيب أردوغان بأن تحدث في التليفزيون وعزى الأمة بفقيدها الذي كان رجلا كبيرا صابرا مخلصا في خدمة الوطن وزار مركز حزب السعادة معزيا. أما رئيس البلدية في اسطنبول السيد مليح جكجك فقد قال: إننا تعلمنا الكثير الكثير من أستاذنا أربكان والحق يقال إنه سبب عظيم من الأسباب في تقدم تركيا الحالي أقول: ولا ريب أننا شعرنا منذ بداية السبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي كيف أحبه الأتراك، حيث استطاع أن يحشد الطاقات ويجذب الشباب والشواب إلى فكره ومنهجه للنهوض بتركيا بعد سقوط الخلافة 3 مارس 1924م، ولا ريب أنه كان في معظم الميادين فارسا بطلا.. إننا في هذه الأيام نعيش ذكريات الماضي والحاضر بكل فخر واعتزاز فمن ليس له ماض ليس له حاضر ومن ليس له حاضر ليس له مستقبل كما قال غاندي وإننا لنرجو أن يتشكل هذا المستقبل على ما يرضي الحق والعدالة، حيث يرضي الله والشعوب. إن نجم الدين أربكان لم يكن رجلا عاديا في هذا العصر ولكنه كان لوذعيا ألمعيا فطنا ذكيا متسلحا بجانبي معادلة النجاح من حيث الإخلاص والاختصاص وقد انتقل كما يقول د. زياد أبو غنيمة من هندسة محركات الديزل التي تخصص فيها إلى درجة الأستاذية في هندسة الحركة الإسلامية الحديثة لتركيا المعاصرة حتى أصبح جزءا من تاريخ هذا البلد لا يفارقه وحتى قال الأتراك: إن أربكان هو أبو السبعة أرواح من كثرة ما دخل وخرج من محاكم وسجون وكثرة ما أسس أحزابا بلغ عددها في فترة زمنية قصيرة خمسة أحزاب إذ كلما أغلق العلمانيون له حزبا وختموه بالشمع الأحمر قام بتأسيس آخر ليسير بسياسة النمل الذي لا يكل ولا يمل إلى أن يحقق أهدافه القيمة نصرة للدين ودحضا لأعدائه وتلك الأحزاب هي حزب النظام الوطني عام 1970م ثم أصدرت محكمة أمن الدولة العليا قرارا بحله 1971م فعاد وأسس باسم أتباعه حزب السلامة الوطني عام 1972 وأصدر صحيفته الرسمية مللي غزته 1973م وبعدها حكمت المحكمة 24/2/1984 بحل الحزب وبسجن أربكان 4 سنوات ثم أسس حزب الرفاه الذي حصد 185 مقعدا في الانتخابات ديسمبر 1996، حيث تسلم أربكان رئاسة الوزراء مع شريكته في الحكم تانسو شيللر وفي 9/6/1997 تقدم المدعي العام بدعوى قضائية لحل الرفاه بدعوى تهمة العمل على تغيير النظام العلماني في تركيا ومنع أربكان وعدد من رجاله من ممارسة السياسة خمس سنوات، ثم أسس رجال الرفاه بعد ذلك حزب الفضيلة وخرج منه حزب السعادة الحالي وهكذا كان الرجل ينتقل من نصر إلى نصر ولا ييأس والعلمانيون والماسونيون والصهاينة يحسبون له ألف حساب لما له من القدرة الفائقة على استقطاب الجماهير، ثم ظهر حزب العدالة بقيادة تلميذه رجب طيب أردوغان وبقي حزب السعادة الآن على نشاطه، وهكذا يكون الرجال وهكذا يجب أن تستفيد الحركة الإسلامية وأحرار العالم اليوم في ثورات الشعوب والشباب من مثل سير النبلاء هؤلاء الذين هم من جملة شموس وأقمار هذا العالم. إن أربكان كان من نسل الأمراء السلاجقة وكان جده آخر وزراء ماليتهم فهو سليل السياسة والمنصب، وقد وصل أربكان إلى منصب رئيس اتحاد الغرف الصناعية عام 1967م، وخاض من مدينة قونية الإسلامية موطن العالم الرباني جلال الدين الرومي معاركه السياسية وانتخب من قبل نائبا عنها وكان يخطب ويقول: لابد أن نعيد تركيا إلى سيرتها الأولى، ثم أصبح نائبا لرئيس الوزراء بولاند أجاويد عام 1973 وقد بدأت جرائد الغرب تخوف من أربكان كصحيفة لوس أنجلوس تايمز وكذلك البريطانية الايكونومست والفرنسية لوفيجارو، حيث أبدت كلها أن الغرب ينظر بتشاؤم إلى وضع تركيا بسبب هذا الرجل! أما في دفاعه عن فلسطين ففي الاحتفال بيوم القدس العالمي في قونية عام 1980 حيث شارك في المظاهرة الكبرى أكثر من نصف مليون ينادون بالإسلام وتحرير فلسطين مما دفع العلمانيين للقيام بالانقلاب في اليوم التالي على يد الجنرال كنعان ايفيرين 7/9/1980 ليوقف العسكر المد الإسلامي واقتيد أربكان إلى السجن وكم دافع لأجل قطع العلاقات مع إسرائيل وقد عمل رحمه الله في حكمه على تحريم الماسونية والبدء في تشريع الحجاب وكان عربي الهوى يعمل على إعادة العلاقات مع العرب والمسلمين، خاصة في باب الاقتصاد، فهل يستفيد ثوار اليوم من هذا البدر النوراني؟.. رحمه الله رحمة واسعة.
1146
| 28 فبراير 2011
لا ريب أن الشباب في كل أمة ووطن هم عماد النهضة المنشودة وأساس البناء المكين، والشباب المتوثب المتدفق بعطائه بل ودمه هم الأمل الباقي الذي ينشده شداة الحرية ليبزغ من جديد شعاع النور من خلف الظلام والسديم وباختصار فإن نصوص الإسلام ركزت على قيمة الشباب ودورهم أيما تركيز وقال (غوتة) إنما يتوقف مصير كل أمة على شبانها. ولكننا ونحن نعيش اليوم هذا المخاض العسير والابتلاء الممحص بين الحكام والشعوب والذي نجح إلى حد كبير في ثورتي تونس ومصر ونقل العدوى الخيرة إلى بلدان أخرى بامتداد كاسح لابد لنا أن نذكر بأمور من البصائر التي أكد عليها الإسلام واعتبرها من عوامل النجاح المهمة في الجهاد المدني والجهاد المسلح على حد سواء لإسقاط كل الأقنعة الواهية التي كان يبدو أنها تكون ستارا حديديا أمام الشعوب يمنعها من الجرأة وتجاوز الخوف، ولعل المشكلة في حياتنا اليوم ليست عدم التقدم للحرية والكرامة فقد بدأ هذا المشوار وعلى صفيح ساخن ولكن المشكلة أيضا تكمن في ندرة أهل البصائر والحكماء الذين هم الملاذ الأكبر الواقي من بعض التهورات أو المؤامرات التي تحبط عمل الشباب وتسرق ثورات الشعوب وفي التاريخ أكثر من دليل على ذلك ومن هنا نؤكد على ضرورة اقتران حماسة الشباب بحكمة أهل التجارب من الشيوخ الذين حلبوا الدهر أشطره، أما كان الشاعر العربي معروف الرصافي ينبه إلى ذلك بقوله: وهدى التجارب في الشيوخ وإنما أمل البلاد يكون في شبانها وإن السياسة الحكيمة في ذلك لتظهر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لنعيم بن مسعود (إن الحرب خدعة) وقوله في في قصة الشاعر أبي عزة الجمحي الذي أراد خدعة الرسول فقاتل ضده مرة ثانية ونقض العهد (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) وأمر بضرب عنقه، وهذا ما فهمه عمر رضي الله عنه (لست بالخب ولا الخب يخدعني). ولعلنا نشير إلى بعض المعالم والأفكار التي تظل مساعدة للشباب في نهضتهم وثورتهم على الظلم والطغيان على نور وبصيرة. أولاً: لابد من الاستناد إلى الإيمان العميق بصدق المطلب فهو الأول الأول والركن الركين الذي لا يخون وهو بمثابة الماء والهواء والغذاء والدواء بل هو الشفاء كله ومن طلب المزيد فليقرأ كتاب إذا هبت ريح الإيمان للعلامة أبي الحسن الندوي رحمه الله ليرى مصداق ذلك، إن هذا الإيمان هو الذي يجعل صاحبه مخلصا في أدائه وهو أمر سماوي من الحق تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء..) "البينة". وكذلك فهو بشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى، وفي المثل العربي كن مخلصا في عملك تبلغ أقصى أملك ولا شك أن المرء يشعر بالراحة مع الإخلاص بينما تعتبر الحياة كلها بلا إخلاص نوعا من الوقاحة على حد ما عبر عنه امرسون بل كان أبلغ في التعبير منه الشاعر المعري: ثوب الرياء يشف عما تحته فإذا اكتسيت به فإنك عار فلابد للثوار أن يحافظوا على هذه العملة النادرة الاخلاص كي ينجحوا ولا اعتبار لأي توجه ينصر أي سياسة أو شخص من دون الاخلاص إذ أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه. ثانياً: الإرادة والحزم والعزم: فمن كانت له الإرادة كانت له القوة وسهلت عليه صعاب الأمور لأنه كما قال ابن عطاء الله السكندري في حكمه إن لله عبادا إذا ارادوا أراد أي أرادوا الهداية والثبات على الطاعة فأراد الله عونهم على ذلك، وكما قالوا من يصمم على الانتصار يقترب جدا من النصر وكما جاء في المثل العربي الإرادة نصف الطريق بل سر النجاح وأن التردد أكبر عقبة في طريقه وكما قال عباس محمود العقاد ما الإرادة إلا كالسيف يصدئه الإهمال ويشحذه الضرب والنزال، إذ بالإرادة تصنع المعجزات ولا مستحيل امام العزيمة كما قال جون هيود، ويجب أن تكون هذه الإرادة عاقلة ومقدرة للأمور لا عشوائية هوجائية لأن كل إرادة لا تتغلب على العاطفة تنهار وتفشل، كما قالوا وعندها يأخذ الحزم والعزم دورهما كما قال عمرو بن يحيى: الحزم قبل العزم فاحزم واعزم وإذا استبان لك الصواب فصمم وعندها تصل المبتغى مع المتابعة الدؤوبة دون كلل أو ملل، كما قال صالح عبدالقدوس: وما لحق الحاجات مثل مثابر ولا عاق منها النجح مثل توان ولعلنا نلحظ أنه بالإرادة الحازمة استطاع الثوار في تونس ومصر أن يتقدموا. ثالثاً: الأمل والتفاؤل: فالإنسان البصير بطبيعة الحياة يدرك دائما أنه بعد الشتاء القارس لابد أن يأتي الربيع الجميل وان وراء الدجى فجرا يبتسم ويتبع الشاعر الطغرائي: أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ويتفاءل على الدوام لأنه يدرك أنه إذا أشعل شمعة خير له من أن يلعن الظلام أن بل لا ينسى وهو في المدلهمات توجيه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم (واعلم أن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا). فالتفاؤل من الله، أما التشاؤم فيولد من دماغ الإنسان كما يقول الحكيم، ولا يغيب عنه إرشاد أبي الفتح البستي عن قضاء الله في الأمور: ما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال رابعاً: الثقة بالله والنفس.. فإن من يثق بوعود الله للعاملين رغم الابتلاء يقطع أشواطا كبيرة إلى مسافات الأهداف ووعد الله لا يتخلف وفي النهاية فإن العبد راجع إليه وهو لا يهتم بسخرية الآخرين، كما قال سفيان الثوري رحمه الله: من عرف نفسه لم يضره ما يقوله الناس فيه، بل يثق بنفسه المستقيمة، فالثقة بالنفس والتفاؤل معديان في الخير ويا نعم العدوى كما أشرنا بل ان الواثق بنفسه يقود الآخرين كما قال هوراس: إن الرجل العصامي محل إكبار الناس جميعا كما قال الطغرائي: وإنما رجل الدنيا وواحدها من لا يعول في الدنيا على أحد وهو ما أكده شوقي: كم واثق بالنفس نهاض بها ساد البرية فيه وهو عصامي خامساً: الشجاعة والتضحية: وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال لا تعطه مالك قال: أرأيت إن قاتلني قال: قاتله، قال أرأيت إن قتلني، قال فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته قال: هو في النار فكيف بالذي يضحي لأجل وطنه وشعبه وحريتهما، بل انه إن ضحى ولم يمت شهيدا وسأل الله الشهادة بلغه ثوابها وهكذا يجب أن نكون: مشيناها خطا كتبت علينا ومن كتبت عليه خطا مشاها تقضي البطولة ان نمد جسومنا جسرا فقل لرفاقنا أن يعبروا كما قال عمر أبو ريشة: فالشجاع المضحي لا يأبه بالموت حتى لو جاء في كفاح سلمي مدني فهو فرح بكلام ابن مسعود رضي الله عنه أشرف الموت موت الشهداء وان اول عناوين الفضيلة التضحية بالنفس، كما قال مدام دوستايل حيث إنه ثبت أنه لا يعيش الحب إلا بالتضحية كما أشار رابليه. سادساً: التعاون والاتحاد: فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بعون المظلوم فنحن جميعا نجذف في قارب واحد كما قال زينون وكما قال دايل كارنيجي: عندما يعمل الاخوة معا تتحول الجبال إلى ذهب وفي المثل العربي لا يعجز القوم ما تعاونوا على ان يكون هذا التعاون على البر والتقوى وحسب خطاب الاسلام الإنساني فالمؤمن المؤمن كالبنيان المرصوص، ومع أن ذا القرنين قد آتاه الله من كل شيء سببا لكنه طلب الاعانة ممن طلبوا منه أن يقيم السد.. وإنما يكون هذا التعاون بالاتحاد لا بالتفرق فالجماعة رحمة والفرقة عذاب كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم وقد وعظ الحكيم أبناءه بالاتحاد وهو معن بن زائدة: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أحادا فيد الله مع الجماعة وكما قال حافظ إبراهيم: رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها وهذا ما فعله بنا الطغاة المستبدون الفرديون وعلى كل فالتعاون والاتحاد قانون الله ورسوله والطبيعة والواقع، فعسانا بمثل هذه المعالم نؤمل استمرار النجاح للشباب والثورة مع الأخذ بالحيطة والحذر.
851
| 21 فبراير 2011
شاء قدر الله – تعالى – إكراما لأهل الحق وشداة العدل والحرية في أرض الكنانة وأم الدنيا مصر المحروسة أن تفتح أبواب الفرح والفرج كبداية للدخول في حديقة السعادة والسرور والتخلص من مستنقع الكآبة والشقاء والحزن والشدة، وكان من كمال إعجاز القدر أن يتم كل ذلك بعد بذل الأسباب الموجبة من الجهاد المدني الذي مارسه الثوار على أعلى مستوى حضاري وذلك بفترة وجيزة جدا هي ثمانية عشر يوما لتقتلع ثلاثين عاما من الطغيان والقهر والاستبداد، وأسفر الصبح بعد هذا الليل العاتي البهيم وحق لأهل مصر والعرب والمسلمين والناس في العالم أجمع أن يفخروا ببهجة هذا اليوم البسيم الذي نتمنى أن يذهب معه البؤس الذي كان سيد الموقف في البلاد إلى غير رجعة ولا غرو ونحن ننطلق من نظرة إسلامية في التحليل أن نجد أنه من الواجب علينا أن نذكر بأن السنن الإلهية تقتضي هذا التبديل بالنسبة للسياسة والساسة في تعاطيهم مع الرعية عدلا أو ظلما حتى في نطقهم وكلامهم معهم وكما يقال: فكلمات الساسة حساسة وقد بدا لنا ذلك من خطابات مبارك المخلوع وكيف ألهبت الجماهير غضبا عليه بدل أن تهدئهم وترضيهم حتى لكأنه مصري ولكنه لا يعرف طبيعة المصريين أو يتغابى بل يتعالى عليهم. ولا يعرف الدهاء السياسي الذي يفضل أربابه أن يبقوا دوما مع شعرة معاوية رضي الله عنه ليلا ينفرط العقد بين الراعي والرعية ونحن عندما نقرأ في كتاب تهذيب الرياسة وترتيب السياسة مثلا للإمام محمد بن علي القلعي "ت 630 هـ من ص 94" عندما يؤكد أن نظام الدين والدنيا مقصود ولا يحصل إلا بإمام عادل يكون ظل الله المدود في الأرض يأوي إليه كل مظلوم كما قال عثمان رضي الله عنه "إن الله ليزع أي يردع ويمنع بالسلطان مالا يزع بالقرآن" قال القلعي: والسلطان العادل بمثابة السواد من العين بل بمنزلة السويداء من القلب وهو الأمين على الرعية فإن أدى الأمانة أدوها وإن رتع رتعوا كما قال عمر رضي الله عنه وذلك بعكس الإمام الخائن الجائر وقد دعا رسول الله كما في صحيح مسلم "6/7" للعادل ودعا على الظالم (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن رفق بهم فارفق به) ولعل ما فعله مبارك مع شعبه بل والعرب في التفريط والظلم والانحياز للأعداء على حساب ثوابت الأمة، خاصة القضية الفلسطينية وبالأخص حصار غزة يدل قطعا على أنه قد أشقى نفسه وشعبه وإن ظن أنه سعيد ثري زعيم محارب وطني صادق بل رئيس حزبه الوطني الحاكم الظالم وهنا أتذكر قول علي رضي الله عنه. من حكم ولم يفرط في الأمر عاش سعيدا وأتذكر قول سقراط: أعمل لسعادتي، إذا عملت لسعادة الآخرين لأنه بذلك يريح ضميره ولا سعادة تعادل راحة الضمير كما قال ابن باجة وكأني بطل مواطن مصري يقول ما قاله المفكر عباس محمود العقاد: أعطني بيتا سعيدا وخذ وطنا سعيدا فماذا أعطى مبارك شعبه غير الضياع والجوع ولنسأل الوطن! أفنعجب بعد ذلك أن يذله الله على رؤوس الأشهاد في مصر والعالم وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسقط بسقوطه نظامه الذي ظهر أنه أوهى من خيوط العنكبوت بعد هبة الشعب وثورة الأحرار، فأين الحراس وأين الأمن والتأييد الدائم الذي ادعوه حتى قدم مبارك تنازلات لم تكن متوقعة كاعتزامه عدم الترشح للرئاسة ثم تعديل بعض مواد الدستور وعدم التوريث لابنه جمال ثم تنازل أكثر ثم عاند وعزم ألا يتنحى مقدما تنازلات أكبر ليحل الأزمة مؤكدا أنه سيحيا ويموت في مصر، ولكن هيهات هيهات أمام زئير الأسود الذين كان أول مطالبهم تنحية وكانت جمعة الزحف بصلاتها ودعائها وتحديها، فإذا به يجمع حقائبه وأسرته ويمم شرم الشيخ منعزلا منهزما ثم لا يجد بدا من تجرع كأس الذل فيتنحى صاغرا مقهورا مع نائبه المعروف بمواقفه المرذولة الأمر الذي كان يستبعده العديد من المحللين وبعض حكام العرب الذين آزروه وهددوا حتى أمريكا كما يقولون ألا تسقطه ولا تهينه وأنها إن قطعت المساعدات عن مصر فإنهم سيعوضونها أي لأجل مبارك، ولكن الله غالب على أمره وهو الذي جعلهم يصرحون الآن بأنهم مع خيار الشعب وذلك بعد أن ضل سعيهم وخاب فألهم في حين كان الغربيون وكبار ساستهم وعلى طليعتهم الأمريكان وبعض البريطانيين كانوا يتوقعون ذلك بل قال الكاتب البريطاني جون برادلي كما ذكرت جريدة الشرق الأوسط الأحد أمس عدد "11765" أنه تنبأ بسقوط مبارك قبل ثلاث سنوات وبقيام ثورة شعبية نتيجة الظلم الهائل في مصر وكان يسخر منه الصحفيون الغربيون في تكهنه بعد نشره كتابا بعنوان (داخل مصر أرض الفراعنة على شفا ثورة) أي بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية على مدى 30 عاما أقول: ومن تابع مواقف الساسة الأمريكان الذين حرصوا على وضع مصر من قبل ومن بعد وكشفوا الساعات الحاسمة قبل تنحي مبارك يدرك عمق تحليل برادلي ودقته، لقد استطاع أسود ثورة مصر أن يغيروا المعادلة تماما من خلال صراعهم السلمي الحضاري حتى مع البلطجية الذين زحفوا عليهم بخيلهم ورجلهم في ميدان التحرير وآثروا إراقة دمائهم شهداء وجرحى من أجل الله والوطن فتمكنوا بذلك أن يكنسوا الذل والاستكانة حيث أراد مبارك وأن يلبسوا الأمة المصرية بل العربية ويتوجوها بالفخر والعز والصمود فطوبى لهم من رجال ونساء رقوا هامات الشرف والبطولة والمجد. لقد حق لهذا الشعب الذي برهن أنه لا صوت فوق صوته أن يفرح مبدئياً منتظرا كمال هذه الفرحة حين تتحقق جميع مطالبه من رفع حالة الطوارئ وتحقيق مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والإفراج عن معتقلي الرأي السابقين واللاحقين من أبطال الثورة وأن يعرف الجدول الزمني من قبل القيادة العليا للقوات المسلحة لتلبية بقية المطالب مثمنين تعليق الدستور وحل مجلسي الشعب والشورى ولكن لابد من التعامل المطمئن للجيش تجاه مطالب الشباب الذين لهم الفضل لأنهم المبتدي بذلك حتى وإن أحسن المقتدي بعد ذلك، كما أنه لم يكن من المناسب من بعض قوات الجيش الضرب والاعتداء لبعض المتظاهرين أمس في الميدان لإخراجهم جبرا بل يجب أن توجه هذه المواجهة للذين تسببوا بظلم الشعب في مصر ولأعداء الأمة من صهاينة ومتآمرين غربيين آخرين بأن وجههم الأسود وأنهم لا يهتمون إلا بمصالحهم في الأغلب مهما نادوا بالديمقراطية ولا أدل على ذلك من تناقض تصريحاتهم حيال الثورة، كما أشرنا في مقال الأسبوع الماضي، إن الفرح الذي يعني انشراح الصدر والفرج الذي يعني انكشاف الغم على ما حدده الراغب في المفردات "ص 628" لن يكتمل حقا حتى تتحرر ذات مصر والأمة العربية من كل من قتلوا الشهداء أو شاركوا في تعزيز مبارك حتى الحكومة الحالية فما هي إلا من تعيينه والإعلاميين الحزبيين الداعمين والذين أخذوا الآن يؤيدون القوات المسلحة وثورة مصر وما حالنا وحالهم إلا كما قال المتنبي: إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى يحق لثوار مصر أن يفرحوا وإن لم تنجز ثورتهم كامل أهدافها ولكنه فرح الخطوة خطوة ولابد لمجلس الشباب الثوري من الحفاظ على الثورة من لصوص وسراق الثورات من أبناء الجلدة ولكن لن تكون فرحتنا حقيقية ما لم يقل الشعب كلمته الفاصلة مستقبلا في شأن السلام مع الصهاينة لا طمأنتهم كما جرى بين المشير طنطاوي ونتنياهو هاتفيا كما لابد من محاسبة السابقين ومحاكمتهم ثأرا للشهداء وإنصافا للشعب وليعلم الجميع أنه لابد من نصر مصر بالحق إذ من صارع الحق صرعه كما قال علي رضي الله عنه. Khaled-hindawi@hotmail.com
489
| 14 فبراير 2011
الاتحاد قوة والتفرق ضعف، عبارة حفظناها منذ الصغر مؤيدة بقول الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..) آل عمران وعرفنا من ذلك عظمة التضامن والتعاون لصد اعتداء المستعمر من جهة أو الوقوف في وجه الطاغية المستبد من جهة أخرى وأفدنا- كما في المقالة السابقة- كيف أخذ الداعية المجاهد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله يعلمنا من تجاربه الكثير النافع قال في كتابه "هكذا علمتني الحياة": صادفت جماعة من النمل بعيراً متجهاً نحوها فقال بعضهن لبعض: تفرقن عنه كيلا يحطمكن بخفه فقالت حكيمة منهن: اجتمعن عليه تقتلنه! فالتكاتف والتعاضد يأخذ بيد الضعفاء المتفرقين إلى القوة ماداموا على ذلك واذا تشتتوا وافترقوا ولم يعتصموا قلبا بقلب ويدا بيد ذهبوا أدراج الرياح وذلك كما أكد الشاعر: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا وهكذا فما رأيناه ونراه في اسبوع الصمود هذا من تزاحم المتظاهرين من أركان مصر الأربعة وجموعهم بالملايين في ميدان التحرير يؤكد معنى الاتحاد والاعتصام ليرسل رسالة إلى طاغية مصر وطواغيت العالم أن الشعب وحده هو صاحب ومالك القرار لاسيما أن الجميع يلتقون شبابا وشوابا رجالا ونساء مسلمين ومسيحيين لهدف واحد هو إعلاء الحق ورفع راية الكرامة والحرية وتطبيق التغيير الذي يجب الوصول إليه بالاصلاح السلمي والإرادة وليس بالقوة المستبدة، هؤلاء هم أسود مصر الذين يعتبرون في هذه الحقبة من تاريخها كما كان أسلافهم الرجال الأحرار الذين يكونون محور المعادلة في الصراع بين الحاكم المتجبر والمحكوم المظلوم وهم أول اللاعبين وأقواهم أمام المشهد السياسي الحالي في ميدان التحرير لأنهم عرفوا دورهم نحو الوطن الغالي بدينهم العظيم وأخلاقهم النبيلة يريدون أن يحبطوا سحر الساحر ويخذلوا فرعون وهامان وجنودهما وكما يقول السباعي فإن الوطنية والرجولة أن تحبط مكر أعدائك وبهذا تكون وفيا للدين والوطن: إن هؤلاء الاشاوس علمونا كيف يمكن كسر حاجز الخوف الذي يهيمن على الكثيرين من المضطهدين والبؤساء فمن كان يتصور أن الجيل المخنوق في مصر والذي جعله الطاغية مستكينا قهرا واستعبادا في واقعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ينهض من هذا القعود وثابا كالأسد الهصور، لا ريب أن الضغط يولد الانفجار وأن دماء ودموع الثكالى والمظلومين لابد أن تفتح منافذ الأنوار من ثقوب الظلماء الدامسة لقد سطر هؤلاء ويسطرون ملاحم البطولة، بمختلف المعاني، بطولة الشجاعة والصمود وبطولة الوقفة الانسانية التي لم تفرق في التلاحم بينهم وإن اختلف البعض ديناً، إنهم التقوا بكل أطيافهم السياسية لهدف التغيير بكل محبة وتضحية إذ لا يزول نظام فاسد ورأسه دون الاتحاد والتفاني، وثمن الحرية عظيم عظيم إنه الدم والتعب ومواصلة الاصطبار، إنهم الطلقاء الحقيقيون في ميدان التحرير بينما نجد قصور الظالمين قد أصبحت سجونا إذ يرتعدون من هذا الشعب الأبي العزيز، بل يفهمون أولئك الطغاة الذين لا يستطيعون الانتصار على أنفسهم حقنا لدماء الشعب أنهم الاقل قوة وهيبة كما قال مكرم عبيداً قد يكون المنتصر على غيره قويا لكن من ينتصر على نفسه هو الأقوى، ولكني أقول: أين قوة الضمير عند هؤلاء الطغاة إن جنرال آخر زمان الذي طويت صفحته إلى غير رجعة كما قال محمد حسنين هيكل يريد أن يحرق مصر ويدمرها من أجل أن يبقى، لقد جاء هؤلاء الاسود ليكرروا على مسمع النظام في مصر والعالم قول أبي العلاء المعري: إذا لم تقم بالعدل فينا حكومة فإنا على تغييرها قدراء ويكرروا قول (سالازار) قد يكون من السهل الوصول إلى الحكم لكن من الصعب أن تحكم، أي لابد أن تحقق النتائج على الأرض دون ظلم ثم هل أتاكم أن الفرحة إنما تنبع من أعماق الحزن كما ينبثق الفجر من الظلام، أليست فرحة العبادة والصلاة في الميدان والدعاء ومؤازرة العالم لهم أعز وأكبر من المعاناة التي تمثلت في الهجوم عليهم، هناك قتلى وكلمى بالمئات والآلاف بل لقد تمت فرحة أحد الفتيان وإحدى الفتيات بعقد القران في ميدان التحرير وبين حشود المتظاهرين إنها ذكرى لن تمحى من ذاكرة الزمان أبداً للعروسين والناس. فيا شباب مصر الاشاوس البسلاء إن معرفتكم بأهداف المعركة مع أعداء الأمة قد تقصر أو تطول ولكنكم في تجربة إثر تجربة تنتقلوا من نصر إلى نصر فلا تيأسوا واذكروا قول الشاعر عمر أبي ريشة: شرف الوثبة أن ترضي العلا غلب الواثب أم لم يغلب لكنكم غالبون بإذن الله وأنتم الرقم الصعب في المعادلة استراتيجيا وأهم الظواهر المميزة لجيل اليوم والغد يا أغرودة الأمل الباسم في النيل والوادي الجميل يا من هم أحق بحماية الوطن من غيركم فابقوا حارسين له داخليا وقفوا من أعداء الخارج الذين يتربصون بكم كالأمريكان والإسرائيليين موقف الليوث إذ تذود عن عرائنها، وتأكدوا أن سجالكم على الجهتين لم ولن ينتهي أبدا لأن صراع الحق والباطل كذلك وإن العالم إلى اليوم لم يحظ بقيادة راشدة حكيمة تنهي النزاعات وإذا أردنا معكم أن نحلل أحداث مصر اليوم في هذا الصدد فإننا نتساءل بدهشة: هل غدت أمريكا ألعوبة إسرائيل أحرص من زعماء مصر وأغير عليها أم أن الأمر مختلف ومبني فقط على المفاجأة التي أذهلتهم أن يبدأ بالتهاوي أكبر حليف استراتيجي لهم اليوم لاعتداله حسب وصفهم سياسيا، خاصة تجاه مصالحهم ومصلحة إسرائيل لاشك أنه معتمد عليهم وهم الذين يكيلون بمكيالين لن يخسروه فبماذا يجيبون، وبما أنهم يدعون إلى الحرية وحقوق الإنسان ظاهريا مع أنهم يعملون على مسخ الهوية للشعوب فإنهم بداية أيدوا المتظاهرين ودعوا إلى الاصلاح ووقفوا منزلة بين المنزلتين دون الخيار إلى مبارك ولا إلى الشعب مذبذبين دون قرار وقد بدا هذا من تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون خاصة بعد جمعة الغضب ثم كونت الإدارة الأمريكية حلقة نقاشية لمعالجة الأزمة ثم عقد الرئيس أوباما جلسة مع كبار مستشاريه وكذلك مع نائبه جوبايدن في جلسة أخرى ومستشار الأمن القومي توم دونيلون، واذيع أن واشنطن تعمل على رفع حالة الطوارئ بالضغط على القاهرة. وقد صرح أعضاء جمعية الصداقة المصرية الأمريكية بأن التغيير تأخر كثيرا وصرح ديفيد لابان المتحدث باسم البنتاجون بأن الأحداث كشفت ضعف أمريكا في المنطقة واستبان بعد ذلك أن واشنطن اسرعت للتوفيق بين مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ودعوتها للاصلاح لكن أوباما صرح أكثر من مرة ومازال يصرح بأنه يريد انتقالاً فورياً للسلطة ولكنه بعد أن ارسل مبعوثه ويزنر إلى مصر طلع علينا الأخير يقول: على مبارك أن يبقى حتى يقوم بالتعديلات وأن هذا أولى لاستقرار مصر، ثم عادت الإدارة الأمريكية لتنوه بأن هذا رأى ويزنر وليس رأى الإدارة! إلى غير ذلك من هذه التحولات السريعة المتقلبة التي تثبت بلا ريب أن الوحش إنما يستر مخالبه بالحرير ليخدع فريسته فهي لا تريد إلا حاكما تابعا لها وتعمل على كسب الوقت عسى يبقى مبارك ليحقق لها أهدافها أكثر للمرحلة المقبلة فهي الوحيدة التي تتحكم بمصائر الملايين وليس مصر فقط زد إلى ذلك امتلاكها مراكز بحوث همها الوحيد إجهاض أية نهضة عربية أو إسلامية، أمريكا لا تعمل إلا لبقاء مصالحها وإن تغيرت الشخوص، ولكنها مسألة وقت وإن كانت تثق تماما برئيس الجيش طنطاوي وبنائب الرئيس عمر سليمان خاصة فيما يخص تلبية ربيبتها إسرائيل إذ تعمل على احتكار قوتها في المنطقة وترفع يدها عن مطالب الفلسطينيين، إن أمريكا وإسرائيل شريكان ولن تخرج أمريكا من الكهف الإسرائيلي وهي المتفهمة لملاحظات نتنياهو عن وضع إسرائيل حيث بقي ومايزال على التشاور قبل أو بعد تنحي مبارك، وهو الذي يشبه ثورة الشباب بثورة إيران ويخوف من الإخوان المسلمين ويشترط في كل حكومة استمرار اتفاقية السلام السابقة ويجتمع مع مجلسه المصغر عدة مرات ويصغي لابن اليعازر وهو يعتبر أن مصر هي الدولة الأهم لإسرائيل فهل نقلل من دورهم في الاحداث؟ لا ولكن يد الله فوق كل الايادي. Khaled_hindawi@hotmail.com
824
| 07 فبراير 2011
قال القرطاس للقلم لولاي لما حفل بك الناس! فقال القلم: لولاي لما كان لوجودك معنى! كذلك الحاكم مع شعبه.. إنها حكمة أفادنا بها الداعية الكبير المجدد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في جملة حكم عديدة خصصها لمعالجة الحكام والشعوب والسياسة الصالحة أو الطالحة في كتابه النفيس "هكذا علمتني الحياة"، أجل فإن ألسنة الخلق أقلام الحق، وإن الجماهير في كل زمان ومكان هي تراجم حكامها فكما يكونون تكون، وقد قالوا: الناس على دين ملوكها، بمعنى أن الجميع يدورون في هذا الفلك صلاحا أو فسادا وكم شقيت رعية بشقاء راعيها وسعدت أخرى بطهارة هذا الراعي، وإذا أردنا أن نطوف قليلا ونحن نرى الكم الهائل من المفارقات بين الحاكم والمحكوم في وقتنا هذا بالذات والذي بدت مظاهره أخيرا في الانتفاضة الشعبية التونسية العارمة التي أراد الشعب فيها الحياة وما نحسه اليوم بالثورة الكبرى التي هبت عاصفتها في مصر كاسرة كأختها التونسية حاجز الخوف ناهضة بشبابها المتوثب بدمه المتدفق لدحر الطغيان والطغاة إذا تأملنا ذلك بوعي واتعاظ رأينا كيف يتأخر أو لا يكون على وجه الحقيقة فهم المستبدين والفراعنة لطبائع النفوس والحقائق والأشياء لأنهم غائبون عن السنن الإلهية وعبر التاريخ، فمثلاً بينما رأينا ابن علي في تونس بعد ثلاثة وعشرين عاما يخاطب شعبه بأنه الآن قد فهمهم وأخذ يعد بإعادة الديمقراطية والحقوق إليهم، ولكن بعد أن فات الأوان لكثرة ما جرب القوم عليه من الكذب والظلم والحقد، فكذلك رأينا حسني مبارك يطل بعد صمت مريب أو انتظار لأسياده حتى يسمحوا له بالكلام فيتشدق بكلام مكرر لا طائل تحته، مدعيا أنه صانع الديمقراطية والحرية وأنه لولاها لما استطاع المتظاهرون أن يقفوا في الساحة محتجين عند كل مدينة بدءاً بالقاهرة وهنا نعود مع شيخنا السباعي لنؤكد أن هؤلاء الطغاة لا يخرجون عن طبيعتهم في كل وطن وزمن لأنهم حين يدعون ينسون أو يتناسون مظالمهم للناس وكبت أنفاسهم ومنعهم حتى من التواصل فيما بينهم بتاتا وتسليط أوحش القوات القمعية لقتلهم وجرحهم يقول رحمه الله: إن من أكبر الخرافات التي يروجها الزعماء في عصرنا أن يسموا الديكتاتورية ديمقراطية وينادوا بالحرية من أجل أن يئدوها، وقد سبق أن أشرنا من قبل كيف أكد المفكر جان جاك روسو أن الديمقراطية السلبية هي التي يقتل الحكام خصومهم باسمها ويؤكد السباعي أن الديكتاتورية هي أبشع أنواع الردة في عصر الذرة هذا إلى عصر الاسترقاق الجماعي في العصر الحجري وهكذا فالشعارات الكاذبة إنما هي مطية الطغاة من الحكام، وهي لافتات أحزابهم الضيقة الرخيصة التي تدني وتقرب التحوت الأسافل اللئام وتنظر إلى الأشراف والأحرار من الجماهير نظرها إلى الأنعام. إن مثل هؤلاء المستبدين لهم علامة من جملة علامات الساعة كما جاء في الحديث الشريف "لا تقوم الساعة حتى يرتفع التحوت على الوعول قيل يا رسول الله من التحوت؟ قال: أسافل الناس، قيل فمن الوعول؟ قال: كرام الناس". إن أولئك الطغاة هم أسواق النفاق في كل عصر ومصر وإنهم مهما اعتمدوا على قوتهم الظاهرية فإنهم مغلوبون ومهما اعتمدوا على جاههم فإنهم مخلوعون لا محالة لأن ناموس الكون لابد أن يطولهم وإن المظلومين الذين قهروا من قبلهم لهم أهم جزء في هذا الناموس، إن الظلمة أساس نكبة هذه الأمة وهم أعدى أعدائها الحقيقيين لأنه كما قال السباعي: لا يبلغ الأعداء من أمة ما يبلغ منها استغلال ساستها لمثلها العليا، وليس ذلك غريبا فمن لم تملأ قلبه مشاعر الإيمان بالله ومراقبته كيف يؤمن على وطنه وشعبه ولا خير في سلطان لا يشعر بسلطان الله عليه ويمعن في الحقد على خيار الرعية مع أن المقنع الكندي ينصح في شعره: وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا بل عنترة بن شداد إذ يقول: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب إن مثل هؤلاء الفراعنة يشعرون بأنهم يشيرون ولا يستشيرون ويستغلون العواطف البريئة لأغراض غير بريئة ويسبحون في بحور الظلمات كالسمك الكبير الذي يأكل السمك الصغير، انهم يدمرون البلاد والعباد تدميرا ويكفي أن يذلوا الأمة ويعزوا أعداءها بعد ذلك، ولكننا مع ذلك نقول: إن وجودهم وتماديهم هو السبب الحقيقي لبزوغ النور من بين الظلام ولولا الطغاة لما عرف أدعياء الحرية من شهدائها كما قال السباعي: إن هذا اليوم في مصر لهو يوم الفصل لا الهزل، يوم الانتفاض على الظلم والظالمين، يوم التضحية بأزكى الدماء التي بأياديها المضرجة تدق أبواب الحرية يوم الشروق الباسم بلا حدود فقد قال الشعب كلمته ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر ومن ينظر اليوم إلى هذه الجموع المحتشدة بأكثر من 150 ألفا في ساحة التحرير في القاهرة وهم يصلون المغرب ساجدين لله وحده عبيداً له لا لسواه يجأرون بالدعاء أن يحفظ الله مصر العروبة والإسلام مترحمين على الشهداء الأبرار صارخين وحناجر عشرات الآلاف في جميع ربوع أرض الكنانة تشاركهم وداعا للقهر والاستعباد والطغيان والفساد، ورفضا للرأس اللامبارك وزبانيته من الأشرار وللسياسة الحمقاء الخرقاء التي دمرت البلاد دينيا وأخلاقيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلى جميع الأصعدة، إضافة إلى كل من آزرهم ويؤازرهم من مصريين ومتضامنين في أرجاء العالم أمام السفارات أو في الساحات والمراكز والمواقع إنه يوم الفرحة التي نرجو من الله أن يتمها على الأمة ويحفظها من أي انتكاسة ويصون الثورة من السراق واللصوص الداخليين والخارجيين، إذ المجرمون دوما يتربصون بنا الدوائر ولكن الحق معنا ما دمنا معه ومن أوضح هذا الحق ألا يسمح لذيول النظام إن ذهب رأسه بالبقاء وأن يجتهد الأحرار للعمل على إلغاء قانون الطوارئ والمطالبة بحل مجلس الشعب والشورى وإنقاذ البلاد بحكومة وطنية صادقة فعالة، إذ أن تغير الأشخاص مع بقاء سياسة الفساد يضر أكثر فأكثر وإن شأن الطاغية المفسد مهما زعم وادعى ووعد بالإصلاح فإنه يفسد أكثر مما يصلح كما كان قال البشير الإبراهيمي رحمه الله، إن ذلك مع الدعوة لانتخابات نزيهة وشفافة بعد المرحلة الانتقالية لكفيل بإذن الله أن يخلص البلاد من هذه الأزمة الظلماء وذلك بعد أن يرحل الرئيس لأن ذلك هو المدخل الأساسي لحل هذه المعضلة ويكفيه حكم 30 عاماً كما قال العلامة الشيخ القرضاوي فإن كانت هذه السنون غرما فحسبه ذلك وإن كانت غنما فما غنمه خلالها يفيض ويفيض، إن إسقاط النظام لابد منه وأن الجماهير لقادرة أن تفعل المستحيل بعون الله مهما طغى المتجبرون سيما أنهم غير مقبولين لا في الدنيا ولا الآخرة. وإنه كما قال السباعي: يجب ألا نغتر بامتداد سلطان المفسدين فإن من حكمة الله ألا يأخذهم إلا بعد أن لا يوجد من يقول عنهم رحمهم الله، وإن لله سيوفا تقطع رقابهم ومنها أخطاؤهم وحماقاتهم، حيث إنهم كم آذوا الصادقين والدعاة والأحرار والوطنيين المخلصين فأمهلهم الله سنين لكن هذا يوم القصاص إذ انكشف أمرهم أكثر وأكثر فلا غرو أن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فيا شباب مصر والعرب جميعاً لا تيأسوا فلابد لليالي أن تتمخض عن أملكم المنشود وعلى الباغي تدور الدوائر، فمتى يفهم الطغاة؟ khaled_hindawi@hotmail.com
1449
| 31 يناير 2011
إنها كلمة خالدة تلك التي نطق بها في وحي القلم مدده الإسلام والعربية مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، وإنها حكمة تبقى محفورة ومركوزة في خواطر وقلوب كل الذين ينشدون الإصلاح والتغيير لما هو الصحيح الذي يجعل من البداية التواصي بالحق الذي نبهنا الله تعالى إليه هو المنار الذي لا محيد عنه للهداية في حالك الظلمات، ولعلنا ونحن مازلنا نعايش والعالم أجمع الانتفاضة التونسية المباركة وما ستؤول إليه مجريات الأحداث بعد هرب الطاغية من ريح شعبه الصامد الذي أراد حياة العز والشرف، حيث نشعر حقا بضرورة تمثل هذه اللافتة المضيئة التي رفعها أمامنا الرافعي استهلها ما من معاني القرآن والسنة وما أصله السلف الصالح ليدفع جسومنا وأرواحنا في هذا الاتجاه، نعم الحق أقوى من القوة، بمعنى أن الحق الأصيل الذي فتح ويفتح للبشرية دوما الميادين الحقيقية للأمل والعمل الحق الذي طرد ويطرد باطل القوة الغاشمة المحتلة مهما ذهبت الظنون أنها ستبقى على مثل ما أشار إليه أمير الشعراء أحمد شوقي دم الثوار تعرفه فرنسا وتعلم أنه نور وحق وأنه الفائز دوما في حلبة الصراع مع الغاضبين والظالمين: علمت أن وراء الضعف مقدرة وأن للحق لا للباطل الغلبا نعم إنه الحق إذا جاء دفع الباطل فإذا هو زاهق لأن من صارع الحق صرعه كما قال علي رضي الله عنه منبها إلى أن جولة الباطل ساعة وصولة الحق إلى قيام الساعة هذا الحق الذي نريده أن يبقى هو الدافع الحقيقي للصحوة التونسية التي تروم التحرر من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان من جهة، وهو الثمرة التي يجب أن تصان عند من جناها وهو الشعب البطل الذي لا يسمح بحال من الأحوال أن تسرق من قبل زبانية الباطل الذين حكموا مع زعيمهم الهارب تونس بالحديد والنار ويريدون أن يلتفوا على عاصفة التغيير التي انتفض لها الشباب والشواب بملايين الحناجر في ربوع البلاد وسقوا أرضها الخضراء بدمائهم الزكية نعم ان ما دعا إليه سماحة إمامنا العلامة يوسف القرضاوي من عدم مبايعة هذه الحكومة التي تسمى جديدة وهي في المعظم من الحرس القديم الفاسد نفسه الذي يعتبر جسم الحية الرقطاء بعد جزر رأسها لهو الحق الذي يجب أن يتبع حتى لا يبقى للباطل فكره وأيديولوجيته وإن تغيرت الشعارات وبعض التحولات مبدئيا لاحتواء ثورة الشعب ثم محو مكاسبه وتحقيق المآرب الخبيثة الداخلية والخارجية التي ترجع بعقارب الساعة إلى الوراء، لقد نسي هؤلاء أو تعاموا أن الأخطاء حيث لا تصحح من الحاكم المستبد حين توضع تحت المجهر فإنها تتجمع كما يتجمع البخار حتى إذا طفح الكيل أدت إلى الانفجار كما يقول عبدالكريم بكار في كتاب البصائر "ص 91" وعليه فلابد لتونس اليوم من حكومة إنقاذ وطنية مخلصة وصادقة تسير بالسفينة نفسها على الهبة نفسها التي اشتركت فيها أطياف الأمة جميعها، بمعنى أنه إذا بقي أزلام النظام السابق وحكومته فإن ذلك احتقار للشعب وسرقة حقيقية لمكاسبه وتضحياته، خاصة أننا في زمان لا نرى فيه سياسيا إلا الألاعيب التي لا يوثق بها التي تخدع الجماهير ولا تحسن في حكمها التدبير لأنها عارية من المبادئ والقيم البيضاء وقد قال المعري قديما: قل الثقات فما أدري بمن أثق لم يبق في الناس إلا الزور والملق ثوب الرياء يشف عما تحته فإذا التحفت به فإنك عار أجل إن فاقد الشيء لا يعطيه وإن من يكافئ الناس بالمكر يجب عليهم أن يكافئوه بالغدر به لا قبوله كما قال عمر المختار رحمه الله، إن هذه الشلة القديمة من الحزب الحاكم تريد شيئا فشيئا أن يضمحل حق الشعب ويتصل رئيس وزرائها بالرئيس المخلوع سعيا وراء هذا الاتجاه ولكنهم يتناسون أنه: لا يموت الحق مهما لطمت عارضيه قوة المغتصب كما أكد عمر أبو ريشة، إن سرقة حق المصير من قبل الفاسدين إنما تعني ببساطة قتل الأمة، خاصة شبابها وعلى حد ما قال "غوتة" فإن مصير كل أمة إنما يتوقف على شبابها. وإنه لا يمكن بحال أن يكون الشعب التونسي صاحيا وواعيا ثم يقبل بهذه الطغمة الراسبة لأن تاريخها السابق يشهد لها بالاستبداد والفساد، إن هبة تونس قد اخترقت وأوسعت لنفسها منذ أن قام محمد البوعزيزي بحاله يقول: فيا موت زر إن الحياة ذميمة وإن كنا لا نبرر الانتحار بحال ومآل صاحبه إلى الله في هذا الظرف العصيب وكان جواب الأمة في انتفاضتها: ويا نفس جدي إن دهرك هازل فالحق أقوى فلماذا نبقى ضعفاء وقد صدق هيغل حين قال: إذا كان الحق فوق القوة فمن الحكمة ألا نكون ضعفاء ولذلك انتصر الحق وبات الذي أمر بطرد البوعزيزي من البيع في الساحة الصغيرة مطرودا من ساحة تونس كلها بأمر الله، حيث إنه تعالى يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن مفهومنا للقوة الحقيقية غير مفهوم الطغاة الجبارين إن القوة عندنا إنما تعني في هذه الظروف أنها تأتي من عزيمة الإرادة التي قام بها الشعب في حين يظن أولئك أنها تقوم بامكاناتهم المادية ولكن ماذا أغنى عنهم الجيش والشرطة والمخابرات إن القوة عندنا تعني نصرة الضعيف حتى يأخذ حقه وهي تعني عندهم سحق هذا الضعيف بكل غرور وصلف ونسوا ما قاله الشاعر بدر الدين الحامد: إذا كنت يا هذا قويا فلا تكن غريرا فكم خيل بفرسانها تكبو إن القوة عندنا قوة الضمير وإنها عندهم خنق هذا الضمير إن القوة عندنا تستند إلى العقل وأن العقل لا مكان له عندهم وان القوة عندنا مقترنة بالأمانة (إن خير من استأجرت القوي الأمين) "القصص: 26"، وانها عندهم مقترنة بالخيانة التي لا نزاهة ولا عدل فيها، وان سياسة القوة عندنا تتسم بسعة الصدر كما قال علي رضي الله عنه وانها عندهم تضغط على صدر الأمة صباح مساء وليس لديها من شعرة معاوية شيء ينفس عن هذا الصدر لأنها ليست على بصيرة ونحن بأمس الحاجة إلى البصراء وخاصة في هذا العصر المشحون بالمحن والفتن، ان قوة السياسة لدينا تتمثل في الصمود امام الطغيان والعدوان وانها عندهم صامدة في وجه شعوبها البائسة المكلومة التي تسطر اخلد الاسماء بشهدائها، هؤلاء الشهداء الذين هم يعتبرون اول من يضع اسس الحضارة على حد ما قال بنيامين فرانكلين، إن القوة لدينا تعني الا يضحك علينا احد ويخدعنا وان نتبع توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين" قالها لأبي عزة الجمحي حين اسر في غزوة بدر واطلقه الرسول لما عاهده انه لا يقاتل ضد المسلمين مرة اخرى ولكنه اسر في غزوة احد ثانية فأمر الرسول بضرب عنقه، فلا يظن احد اننا لا نعرف ان الحرب خدعة ونتبع عمر رضي الله عنه في توجيهه لست بالخب ولا الخب يخدعني واننا نرى انه لا يؤمن من جانب الحكومة الحالية اخذا بماضيها كما قال يعقوب عليه السلام لأبنائه (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل ..)، "يوسف: 64"، إننا نؤمن ألا تسرق قوة ثورة الخبز التي كانت أقوى من سيف ابن علي وان مثل هؤلاء الأشقياء يجب ألا تشقى بهم الرعية ثانية فلابد من حكومة تحمل الأسوة الحسنة والوطنية الصادقة، وعلى هذا ستبقى للشعب كلمته حيث اسقط هذه الأقنعة الواهية وهو أقوى من السلطة الفاسدة وقادر على تغييرها بالحق والقوة والعدل والحرية.
2306
| 24 يناير 2011
عانقتك ياصاحبي التونسي السيد فتحي بلطف وأنا أهنئك والتونسيين طرا وجميع من في العالم من الأحرار مباركاً بالفرحة الكبيرة التي بسطت بهجتها على القلوب والوجوه إذ رحل ظلام الطغيان هارباً من ضياء الفجر الذي هزمه بعد ثلاثة وعشرين عاماً وحصحص الحق وزهق الباطل، فلماذا جذبتني يا صاحبي وضممتني بكل قوة والدمع ينهمل من عينيك بل قلبك وروحك ووجدانك وضميرك وإذا بي أبكي معك وكلانا يستشعر حال كل مظلوم وحزين كان طيلة هذه المدة مسجوناً في قفص الاستبداد، محرما عليه أي هواء للحرية كالبلبل الضعيف الممنوع من التحليق في أجواء الحياة وحدائق النور، وإن أنس لا أنسى تلك اللقطة التي بثتها قناة الحوار التليفزيونية في لندن حيث وقفنا أمامها نستدر الدمع ثانية فهي مشهد حقيقي لرجل نزل من بيته ليلا إلى ساحة الشارع بعد معرفته بهروب الطاغية والناس نيام فأخذ ينادي ويكلم نفسه ويتحرك حولها بكل نشاط ثم يهتف بقوة عسى أهل العمائر كلهم يسمعونه: المجد لتونس، تونس حرة، تحيا الحرية، تحيا تونس، المجد للشهداء، الشعب هو الذي يحكم يا شعبنا الذي ضحيت بأولادك، دماؤهم لم تذهب خسارة، أزاحت ابن علي، هرب المجرم فر السارق، السفاح هرب، يا شعبنا العظيم، يا شعبنا العظيم قدمت ثورة الياسمين.. لقد أخذ هذا الرجل الذي لم يستطع النوم يكرر هذه العبائر والشعارات وهو على يقين أنها في قلب وعلى فم كل تونسي حر وكل إنسان متطلع إلى نور الحرية من عظم وفداحة المأساة التي كانت ملهاة لدى الطغاة والظالمين. كم كان بوح هذا الرجل معبراً ومؤثراً حتى إن مذيع القناة وهو يقابل الأستاذ المجاهد راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي أخذ يغرق في الدموع فيبادله ضيف القناة بالبكاء الذي يسح على خده فيمسح ويمسح هذه اللآلئ لتعود أكثر وضاءة وبريقاً ثم يجيب المذيع: نعم إن الطاغية المهزوم كان رجلا بلا قلب كان سفاحا مجرما، ولعل القارئ يذهب إلى أن مئات من المشاهد في انتفاضة الاحتجاج السلمية كانت أشد أثرا، فالدماء تسيل والجراح تتحدث والشهداء يرسمون الطريق بتضحياتهم من أجل الحرية وأنا أجيبك يا أخي إن كل هذه المثيرات ما هي إلا الشعل المتصلة ببعضها كالسلسلة القوية التي لا تعرف الانفكاك، ولكن هذا المشهد أيضا قد هيج خاطري وأشعل ناره فوق اتقادها، إن هذا الرجل يعلن في شعاراته أن الحرية أثمن ما في الوجود ولذلك كان ثمنها باهظاً كما يقول المفكرون، فبالأمس لا يمكن لهذا البلبل أن يصدح ويصرخ، إن ثورة الشعب هي التي تمكن للحرية وتقول لا أحد يحب القيود حتى لو كانت من ذهب، إنه يشعر وهو في الظلام أن شمس الحرية هي التي تشرق في النفوس ليل نهار، إنه اليوم حر تماماً لا كما كان الطاغية ينادي بالحرية، ثم يرتكب أفظع الجرائم من القتل والسجن والنفي والتعذيب الخاص والعام لشعبه باسم هذه الحرية والديمقراطية، يتذكر صاحبنا وهو يفرح ويصدح أن الشعب أي شعب إذا أراد الحياة الحرة الكريمة السعيدة فإن الله يوفقه لبلوغ شاطئها ثم الإبحار في العباب دون خوف من الوحوش والمتجبرين: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر أي قدر الله فإنه يكون في صالح الذين أذعنوا للسنن الإلهية في الأمل والعمل والتغيير والإصلاح، أليس ابن عطاء الله السكندري كان يقول في حكمه العطائية: إن لله عبادا إذا أرادوا أراد أي إذا أرادوا الهداية والثبات على الحق، أراد توفيقهم إلى ذلك وكان معوانا لهم في تحقيق أهدافهم، لقد حرك الشاعر العملاق الشاب أبو القاسم الشابي مشاعر الأمة بشعره المؤثر الجميل الذي كان ومايزال وقودا حياً في المعركة وزادا لا يستغنى عنه عند المتظاهرين والمحتجين في كل مكان ضد الظلم والطغيان، وهو الذي بعث الأمل وبين أن الضعف الذي ألحقه الحكام في النفوس لن يمنع من الانتفاضة عليهم: سأظل رغم الداء والأعداء كالصقر فوق القمة الشماء إن إرادة الشعب من إرادة الله وإن حريته هبة من الله لا يجوز لأحد أن يحاصرها أو يحتلها، إن صاحبنا لا ينسى وهو يهتف ما أصَّله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في معنى الحرية عندما قال: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، وكذلك مقالة علي رضي الله عنه: لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حراً، كأن هذه الحرية المطالب بها هي المذهب الإنساني من حيث الأصل ليقول كل امرئ: إنني حر ومذهب كل حر مذهبي كما أنشدنا الشاعر أبو ماضي وهي تعني أن الإنسان لا يمكن أن يتنازل عن شيء منها ولو فعل لباع دينه وعرضه وكان خاسراً: الحر يأبى أن يبيع ضميره بجميع ما في الأرض من أموال كما قال الشاعر محمد الفراتي أو كما نبه المثل أن تموت جوعاً وأنت حر خير من أن تعيش عبداً وأنت سمين، نعم إنه الفرق الكبير بين حياة العز وحياة الذل كما قال المتنبي: عش عزيزاً أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود يتذكر صاحبنا أن ثورة المحتجين في جميع ربوع تونس كانت سلمية وردية ولكن الطغاة هم الذين جعلوها شلالات من الدماء، لا بأس فهي قد لا تنال إلا بهذه المهور كما قال شوقي: وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق أو كما قال غاندي الهندي: إن طريق الحرية يجب أن تمهد له الدماء والأشلاء، ذلك أنه حيث توجد الحرية يكون الوطن ومن دونها يظل سجنا كبيرا للبشر كما قال أحدهم: حيث تكون الحرية يكون الوطن، ثم إنا إذا أردنا أن نحلل بعض شعارات صاحبنا نرى أنه إنما قصد بالحرية تلك التي تكون مسؤولة لا تنطلق إلا بعصمة الدين ومصباح العقل الذي هو أساس الشرع ويقول (لبنتز) العقل روح الحرية، وعلى هذا فمبناها ومعناها يجب أن يرتبط بالمسؤولية العاقلة التي تحفظ لها بقاءها وخلودها لأن المحافظة عليها أهم من الحصول عليها كما يقول فؤاد شهاب ولا حرية دون مسؤولية، كما قال جان جاك روسو وكما قال فيكتور هيجو: الحرية هي الحياة ولكن لا حياة بلا فضيلة فيا إخوتنا في تونس الحبيبة والعالم أجمع لنفهم حقيقة الحرية وننفذها وألف مبروك للشعب الذي جاهد وانتفض فاستجاب له القدر.
1417
| 17 يناير 2011
لعل ما يجري الآن بوتيرة عالية من حركتي الاحتجاج على سوء الأحوال الاقتصادية واستفحال الفقر والبطالة في تونس والجزائر يدعونا للحركة من أجل تأكيد الخطاب الإسلامي الأصيل الداعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على حقوق الإنسان دوماً والذي أثبت فعاليته بمر العصور على وجه التغليب وبحيث انه كلما غاب تطبيقه يعيش الناس في الشقاء والتعاسة وتراق الدماء غزيرة للوصول إلى شيء من السعادة، ففي تونس بلغ عدد القتلى من الثائرين المحتجين حوالي عشرين على أيدي الجيش بعد أن فشلت قوات الشرطة في إلجامهم، ناهيك عن القتلى الذين سقط بعضهم انتحاراً والآخرين الجرحى نتيجة المواجهات التي دخلت أسبوعها الرابع بين صوت الرصاص الحي وصراخ المتظاهرين العزل من السلاح، إضافة إلى الصدامات التي تلقاها مجموع المحامين ضربا وركلاً، مما جعل الاتحاد العام التونسي للشغل يدين هذه الأفعال غير المسؤولة التي زادت المحرومين قهراً بدل حل مشكلاتهم والكل أبناء وطن واحد يجب ألا يتضرر فيه أحد على حساب أحد ويجب أن يصان حق الأمن والغذاء للجميع وفي المشوار الناري نفسه هبت حركة احتجاج الشبان في الجزائر وربما لم يكن من باب العدوى من تونس لأن الجزائريين أشداء كذلك ولا يمكن أن يستمروا على ما يسمى الصبر على ضيق المعيشة والغلاء إلى هذا الحد، ولذلك فقد قبلوا التحدي وسقط منهم عدة قتلى ومئات الجرحى، إضافة إلى مئات آخرين من رجال الأمن ومازال اللهيب مشتداً وعلى حين تذهب حكومتا البلدين إلى أن ما يجري يمكن أن يبدأ بعلاجه والنظر فيه مع التهديد بيد الحديد وبلا هوادة لمنع من وصفتهم بمثيري أحداث الشغب، والذين لم يكونوا حضاريين في احتجاجاتهم التي لم تكن سلمية، حيث حرقوا وضربوا ونهبوا ممتلكات الآخرين واعتدوا على الأجهزة الحكومية العامة والخاصة، يذهب الثائرون المتظاهرون الغاضبون وغالبهم تصل نسبتهم إلى 75% من الشباب إلى أنه قد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى فتمادت الحكومات في طغيانها، حيث لم تصغ للدين ولا للقانون الآمرين بالعدل والحق، ويقولون: قد صبرنا إلى أن مل من صبرنا الصبر، حيث كنا كلما تأملنا شيئا خذلنا فهم كما قال البحتري: شر العواقب يأس قبله أمل وأعضل الداء نكس بعد إبلال أو كما قال راجي الراعي: أكبر القتلة قاتل الأمل، فإنهم قد غدوا بلا أمل في الحياة ويحاربون في قوتهم وعيشهم والجدير بالذكر أن الكثيرين منهم حملة الشهادات العليا والمؤهلات المعتبرة ويعتذرون عن انتحار أخيهم الذي أحرق نفسه بالبنزين جراء مصادرة عمله البسيط وهو بأمس الحاجة أنه إذا كان ريختر يقول: وإن اليأس هو انتحار القلب، فإن صديقهم أو ملهمهم لثورة سيدي بوسعيد قد احترق قلبه قبل جسمه فعبر بإضرام النار فيه إذا اسودت في وجهه الدنيا وأنا اعترض هنا بمداخلة أن الانتحار لا يجوز البتة مهما كانت الظروف والمظالم وأحمل الجميع مشكلة هذا الفراغ الديني الذي بسببه يحدث مثل هذا، وإن كنت ممن يجيز الصلاة على الميت المنتحر لأن أصله مسلم موحد ولو ارتكب كبيرة قتل نفسه، كما قال العلماء ثم هم يقولون أيضا كيف يمكن أن نحب خصومنا والحال أن الفقر إذا دخل من النافذة فإن الحب يخرج من الباب، وإذا اعتبرونا مجرمين فإن الفاقة أم الجرائم، كما قال كابرولي، ثم هم يعتزون بأنه لا الفقر يستطيع إذلال النفوس ولا الثروة تستطيع أن ترفع النفوس الدنيئة كما قال فونتارغ، حيث إنهم على حين يرون أصحاب السلطة يصطادون الفيلة فإنهم كفقراء غير مستطيعين أن يصطادوا حتى البق، ثم هم يناقشون بكل ثقة مستدلين بالحديث الذي أورده العجلوني في كشف الخفاء "2/141" من رواية أحمد بن منيع عن الحسن أو أنس مرفوعا كاد الفقر أن يكون كفرا، وكذلك تعوذه صلى الله عليه وسلم من الفقر فيما رواه النسائي وصححه ابن حبان عن أبي سعيد كما في المرجع نفسه وموضعه (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر) ثم ألم يقل لقمان الحكيم: وذقت المرارات فلم أر أمر من الفقر، ألم تجمع الأديان كلها على العناية بالفقراء حتى جاء الإسلام وأوجب ذلك حتما بدءا من المرحلة المكية بالحض على طعام المسكين والمحروم وانتهاء بالمدنية التي أصلت نصوص الزكاة والصدقات، انظر القرضاوي فقه الزكاة "ص/152"، أتروننا مشاغبين جانحين والفقر أبو الجرائم كما قال (الابرويبر) بل إن حق الفقير إنما يستلبه الغني كما قال علي رضي الله عنه: ما جاع فقير إلا متع به غني، إنهم يؤكدون أنهم ما خربوا إلا غضبا وانتصارا للحرية وانتزاعا لها من أيدي الغاصبين المستبدين الذين يخيطون الألسنة ويكسرون الأقلام الحرة فهم مع (سبينوزا) أن القوانين التي تلجم الأفواه وتحطم الأقلام إنما تهدم نفسها بنفسها، ويردون على من يتهمهم بالسرقة للممتلكات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقطع الأيدي في عام الرمادة والبعض إن فعل فإنه محتاج وعلى الدولة أن تتحمل وكما يقول المثل العربي: الحاجة لا تعرف القانون ويستأنسون بقول جبران خليل جبران: هل الخوف من الحاجة إلا الحاجة بعينها؟ وقول الشاعر: وإذا لقيت صعوبة في حاجة فاحمل صعوبتها على الدينار ويقولون: إن ثروات البلاد محصورة في عائلة معينة أو حزب محدد أو شلة منتفعة، فأين تداولها الذي أمر به الإسلام مع أنهم يستحقونها إما لجدارتهم بها أو لفقرهم وضغط الحياة عليهم ويستدلون بقول أبي حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، على ولي الأمر تزويد العامل بآلة العمل وإن كان عاجزا أو مريضا أو ذا شيخوخة فعلى الدولة تأمين حاجته من بيت المال وفي مقابل مقاومة الغلاء في الأسعار حيث التضخم فلابد من وضع السعر ومراقبته حتى لا يزيد التجار، حيث يؤكد ابن القيم رحمه الله أن على صاحب السوق منع الزيادة ومن خالف عوقب وأخرج من السوق وأن المجتمع الإسلامي قائم على التكافل وهو التساند الذي أقامه النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بين المهاجرين والأنصار وأن على الدولة كذلك أن تكفل حد الكفاية، "انظر د. أحمد العسال النظام الاقتصادي الإسلامي ص 10"، وهو ما يطلقون عليه اليوم: الضمان الاجتماعي، ثم يقول هؤلاء إن البطالة التي ضربت فئة الشباب في البلدين ظاهرة خطيرة جدا وان معدلاتها تتجاوز المقاييس العالمية وأنها في تفاقم مستمر وقد تجاوزت بين الشباب الخريجين 25% على ما أكده خبراء اقتصاديون جزائريون وقريب منها في تونس، مما أدى حقيقة إلى انعكاسات وآثار خطيرة من الاقصاء والتهميش بل الجنوح أحيانا وعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي وإضعاف العلاقة بين الأفراد والمجتمع وزاد من حدة الفوارق بين مستوى الترف والشظف، إن هؤلاء المحتجين يؤكدون أن ما تسميه الدولة تخريبا إنما هو للفت نظرها جديا إلى المعالجة، وهذا ما جعل الحكومة تتحرك بعد تحرك الدماء من الفريقين إلى البدء في الحل ورأت مثلا أن تخفف أسعار الضروريات 14% قبل يومين ثم أمس صرحت بأنها رفعت النسبة إلى 41%، ثم دعا المحتجون إلى إنصاف العائلات المحرومة من السكن الاجتماعي في الجزائر، حيث هددت 17 عائلة بالانتحار وقامت امرأة فعلا بمحاولة طعن نفسها حدث هذا وسابقة في باب الوادي وهي ديار الشمس في العاصمة، ويتساءل المحتجون اعذرونا إذا رشقنا بالحجارة من يدافع عن الظالمين ضد الضحايا وإذا أقمنا المتاريس في وجه جبروتهم واغتيالهم للشباب البريء، فالصراع لابد أن يدوم فللحرية ثمن باهظ أين ثورة الإعلام معنا والشد على أيدي الأحرار والشرفاء أين من يرفع صوته بأننا في الجزائر بلد غني مصدر للنفط ولكن شعبه فقير أي سوء إداري هذا حتى يضطر الشباب للبحث عن الرغيف قبل العمل لا تلومونا في هبتنا بل لوموا من يدخل البلاد في الأزمات الذي جعل الفقر سببا لولادة ونشأة البطالة، إن البطالة هي الظاهرة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة التي تحدث الفراغ القاتل في الأوقات، كما قال المفكر ديل كارينيجي ساعات الفراغ أخطر الساعات، وبدل أن تنفق في ذلك فلتنفق في العمل، ثم يقول التونسيون كم هي إيرادات الموسم السياحي في تونس التي تؤمها الملايين وماذا يأتي الشعب من فائدة من هذا الإيراد للمحرومين على حين يتمتع السائحون أهل الفراغ الحقيقي وكذلك أصحاب السلطة بملء الجيوب. وإننا بعد هذا التعليق السريع الذي لامس الأحداث ولم يسبرها لابد أن نعزز نصائحنا للحكومتين من جانب وللشعب خاصة الشباب أن يعمل الجانب الأول على: تقوى الله في شعوبهم المقهورة وحل مشكلتي الفقر والبطالة وعلى التعامل بالحوار مع الرعية وليس بالحديد والنار والاستكبار غالبا وأن يضربوا السيف الأعزل بوردة لا برصاصة وأن يرجع الجيش إلى ثكناته وأن يستغلوا الطاقات الشبابية فيشغلوها ولا يقتلوها أو يقيموا للعاجزين نظام التكافل الإسلامي، فالدولة بحر يجب أن يستوعب كل ما يصب فيه وأن يعملوا على تداول الثروة والسلطة ليتحقق العدل الواقعي أما الشعب الثائر والشباب الهائج اليوم، فمع حركتهم لابد أن يقوم كل قادر ولو على عمل بسيط أن يقوم به فإن الله لا يحب الرجل البطال كما في الأثر ومن تعطل وتبطل دون عذر فقد انسلخ عن الانسانية وصار من الموتى "انظر كتاب البطالة وعلاجها لجمال حسن السراحنة من ص 240" وذلك حتى لا نشارك في مشكلة الضياع العام وقد تعوذ رسول الله من العجز والكسل وليتمثلوا بالأشعريين حين الفقر، حيث يقسمون ما عندهم بينهم حتى تنجلي الليالي السود ويطلع فجر الفرج ويراجع الجانبان الحساب على فهم الإسلام.
534
| 10 يناير 2011
هل مضى العام الميلادي دون رجعة بكل أو بجل ما يتمناه الإنسان ليصل إلى شاطئ السعادة وبر الأمان ويرى العالم من حوله وقد رفرفت عليه تلك الراية ليكون أليق وأوفق لأن يحتفل مع البشر سروراً وابتهاجاً يجني الثمار، وعندها لا يكون مسرفاً معهم إذا نثر مليارات الدولارات وفرح لإذعان الإعلام الخاص والعام لأمره وجيّشت جيوش في ليلة الظلام ليسفر من رحمها صباح الحرية والعدالة والسلام، كما انبثق ضوء العام الماضي الذي يراه هذا الإنسان، وبالتالي يرتاح ضميره وضمائرهم فيصدق أنهم سعداء إذ لا سعادة تعادل راحة الضمير كما قال ابن باجة رحمه الله.. هل الأمر هكذا أم أننا أصبحنا نخادع أنفسنا ونغني ونرقص وننافق ونكذب ونعوض نقصنا بالاحتفال بالأوهام ونحن نحس بذلك تماماً لأن شواهد العام مبنى ومعنى أكبر دليل على هذا الكلام، نعم ثمة جوانب مضيئة لا ينكرها إلا مكابر وهي وحدها التي تستحق الإجلال والاحترام والاحتفال بها دوماً لا في ليلة واحدة فقط، وهذا ما جاء به المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وعززه ونشره رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ليهتم به العالم أجمع، إذ ان مغزى رسالته أن يبقى رحمة للعالمين وقد سجلنا ذلك في ذكرى هجرته صلى الله عليه وسلم في عامها القمري والقمر ناصع يستعصي على التزييف والتدجيل دوماً، إننا نقول هذا ونحن أمام حساب العام والأيام ولدى محكمة الضمير التي تدخل نفوسنا وتبقى يقظة تحكم بالعدل على الدوام لا تحابي أحداً ولا تنتصر لغيره، إن الضمير فيها هو الوجدان الذي يتمتع بالقدرة على التمييز بين الحق والباطل والخير والشر والطيب والخبيث وهو الذي يعرفنا حاله بأنه ليس شأناً ذاتياً محضاً وإنما هو جملة المعايير والتوجيهات التي تعني التربية الخلقية أو هو – كما يقول الفيلسوف توما الأكويني: تعقيب العقل على ما يصدر منا من أفعال في كل وقت إذ العقل هو أصل عتيد للطبع والشرع بمعنى أنه نبراسهما والشرع عاصم للعقل على كل حال، والضمير كذلك عند أرباب العلوم الإنسانية وظيفة من وظائف الدماغ تقوم على الإيثار المتبادل بالسلوك الموجه لكل فرد أن يقوم على رعاية الآخرين ويعتبر هذا الضمير في الإسلام نعمة من الله لبناء كل ما هو إيجابي في الحياة إذ هو ربان السفينة والقائد والمشرف على مسارها بل هو المرآة التي تعكس السلوكيات وهو المعيار والمقياس الذي بميزانه الدقيق يحكم السيطرة على الذات والشخصية فيعرف نضوجها من عدمه فيمدحها على المحاسن ويقدحها على المساوئ وهو المراقب الأمين والدليل الأصيل بل والقاضي المقرر للتبرئة أو الاتهام والتأنيب، ولا يستطيع إنسان أن يهرب من محكمته لأنه يقف سداً منيعاً أمامه ينهاه عن خرق الأصول الأخلاقية ويأمره بالتربية الهادفة التي ترتقي به في جميع مراحل الحياة إلا أنه في بعض مراحلها قد يصاب ضميره بالتلوث، كما تصاب البيئة ويغشاه سبات رقيق أو عميق فيقع في صغائر المقابح أو كبائرها وتلك آفات خطيرة قد تأتي على مقاتله فينسى مفهوم الحق بل لا يعود مكترثاً بالأخطاء ويتبلد شعوره حتى لا يحس بقتل الآخرين بل قد يتمتع بذلك فتقتل فطرته ويختفي ضميره ويسقط سقوطاً ذريعاً، ولابد في هذه الحال من التصدي لمرضه والبداية بالعلاج من هذا الفساد، إن أراد ألا يسيطر الران على قلبه ومن هنا يعتبر الحفاظ على الضمير حفاظاً على الأمانة التي ناطها الله بالإنسان (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)، "الأحزاب: 72". فإذا ما استطاع أن يحاور نفسه حواراً داخلياً واعياً وكان دائم اليقظة، مراعياً جانب الله في التوجه سائساً نفسه بحسن التدبير مبتعداً عن المزالق حاملاً صفة النفس اللوامة التي تقف عند المحاسبة لها بدقة حتى تملك الصلاح، داعية غيرها للتأثر بالهداية لتصل إلى مرتبة الإصلاح كان بذلك بعيداً عن الغفلة التي اعتبرها ابن تيمية رحمه الله أصل الشر، وبالتالي يكون قد حمل ضميراً حياً نقياً نظيفاً شريفاً عفيفاً وإذا كان هذا الضمير لا يهدأ ولا ينام فإن صاحبه ينام على وسادة ناعمة، كما في المثل الفرنسي أو يكون محروساً به من الله إذ هو عين الله على الأرض كما قال شكسبير ولأن نفس الإنسان هي أهم ما يهتم به فقد أفنى الأنبياء حياتهم في خدمتها وكانت بعد التوحيد موضوعهم الوحيد كما نقل د. سعيد إسماعيل علي في كتابه "الحوار منهجاً وثقافة ص 107" ولعل ما يصدق على هذه النفس فردياً يصدق على الأسرة والمجتمع والدولة والحكومة تماماً فإذا ما كانت ضمائرها ذكية تفرق بين الحق والباطل لأنها هي أصوات الحق، كما قال مينا ندر فإن الأمة تعيش حياة مطمئنة عادلة يأخذ فيها الضعيف حقه كما يناله القوي وعندها تعرف حقوق الإنسان رسالتها وهدفها، وإن المتأمل فيما جرى العام الماضي إقليمياً ودولياً وعلى مختلف الأصعدة في الحياة يرى ظلماً لا نظير له، بحيث يكون مطمئناً إذا قال: مات الضمير، فهذه قضايانا وأولها فلسطين مازالت على مذبح الجزارين من ذوي القربى والأجانب من صهاينة وصليبيين، وإذا نظرنا ببصر حديد كما يقول محمد الغزالي في قذائف الحق "ص 272" عن محنة الضمير هناك مذكراً بمقال نشرته مجلة تابلت الانجليزية الكاثوليكية للكاتب ف.س اندرسون في 26/10/1957 فحواه أن الكاثوليك يقولون لليهود: إننا احتللنا فلسطين قبلكم وبقينا فيها سنين عددا، ثم استطاع المسلمون إخراجنا وتهديم مملكة بيت المقدس وذلك لأغلاط ارتكبناها وها نحن أولاء نشرح لكم تلك الأغلاط القديمة حتى لا تقعوا فيها وأفيدوا من تجربتنا حتى تبقى لكم فلسطين ولا يعود أهلها إليها. نعم إنه الحق الدفين القديم والحديث وذلك سر قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، "البقرة: 120". ثم تأتينا قضية العراق الجريح الذي احتله أولئك الصليبيون وظاهرهم اليهود على ذلك بغير أي حق، فلحساب من قتل فيه أكثر من مليون إنسان ناهيك عن الجرحى والثكالى والمشردين والدمار الرهيب الذي نقض صروحه من أساسها ونهب آثارها وغلب في البلاد فريقا على فريق لينتصر الهوى على الوطن والحرية، ثم انتقل إلى أفغانستان لتقتلك الدماء والأشلاء باسم محاربة الإرهاب ولترى جنود الباطل من كل مكان تزرع الخوف وتقتل الأبرياء حتى أهل الأعراس والأفراح دون أي وازع من ضمير، ثم انتقل إلى السودان لترى مؤامرة التقسيم والاحتلال الحقيقي للغرب وأمريكا وإسرائيل، فانفصال الجنوب إنما يعني باختصار إنشاء كيان صهيوني جديد في إفريقيا وليس في السودان فقط وتلك سنة سيئة ستطول بلادا أخرى بلاشك، ثم انتقل إلى الصومال لترى الفتنة بين الإخوة الأعداء وقد أهلكت الحرث والنسل بلا حق واضح ولا دليل أصيل فأين تغليب المصلحة العليا على الدنيا وأين الرحمة بالمواطنين؟ وانظر إلى كشمير وإغراقها في المظالم والدماء والفقر والتمييز لترى كذب الديمقراطية هناك ممن يتشدقون بها، واجلس بعض الوقت مع تصريحات أوباما الخاصة والعامة لترى أن ما وعد به العالم الإسلامي لم يكن صحيحا وأن غالب الشعارات لا حقيقة لها عنده وعليه وعلى أمثاله يصدق قول أبي تمام: إذا قلت في شيء نعم فأتمه فإن نعم دين على الحر واجب وإلا فقل لا تسترح وترح بها لئلا يقول الناس أنك كاذب وذلك على المستوى السياسي بل والاقتصادي إذ لم يفعل شيئا إزاء الأزمة المالية العالمية، وإذا تأملت من نواح أخرى الموقف من الكوارث الطبيعية وأضخمها فيضانات باكستان لم تر هذا العالم ذا ضمير حي أبدا، وانظر إلى فداحة عمليات التنصير في الأقليات الإسلامية والبلاد الفقيرة وإلى تخريب الأخلاق المتعمد وفرز الميزانيات الهائلة لدعمه والهجوم على الأسرة المسلمة في حجاب المرأة ونقابها ومساجد المسلمين والاعتداء على مقدساتهم، إنك بذلك ستجد الغريب عنا معتديا والقريب منا مجرماً بحق الشعوب، إذ هم بين أحمق ومجنون في قيادة أغرار لا خبرة لهم وهم ينالون منا أكثر من العدو وكل طاغية منهم كما يقول د. مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه "هكذا علمتني الحياة ص 310"، إنما يتراوح الغرور الذي يلد ثلاثة أولاد الحمق والحقد والجريمة ويسمى ديكتاتورية الحكم ديمقراطية ويحتكر السلطة له ولحزبه وعائلته أما أتباعه فإنهم يدافعون عنه حفظا لحياتهم لا لحياته، إنه موقف عجز لا موقف ولا يقظة للضمير فيه وكلما نحف ضمير المنحرف سمن جسمه، أما السياسة عند معظم حكامنا فهي سمكة تأكل من يصغر عنها فأي احتفالات نقوم بها ونحن في محكمة الضمير متهمون فمتى نقوم بواجبات الضمير ليرتاح ونحتفل حقاً؟
2644
| 03 يناير 2011
لعل من لطائف رحمة الله تعالى بالإنسان أن يعرضه في حياته للعديد من المواقف التي تؤثر فيه أياً كان اتجاهها نحو نفسه ولا سيما تلك التي يفاجئه الابتلاء فيها من خوف أو جوع أو برد أو حيرة مثلا، خاصة في حالة السفر إذ يستوفز الشعور أكثر فأكثر أليس لنا أن نتذكر دوماً أن الإنسان خلق ضعيفا في كل شيء وأن تدخل العناية الإلهية لمعونته، حيث يحتاجها يعتبر عنوانا بارزا للرحمة به، وبالتالي مدعاة له للانتظار دوما على أعتاب طاعة مولاه تعالى والتأمل العميق بما يريده له مما يصلحه ويصلح له لقد لامست بصدق ويقين مشاعري هذه الخواطر وأنا في سفر من الدوحة إلى اسطنبول وسراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، حيث عشت في هذه الرحلة مع ركاب الطائرة مواقف لساعات ولكن فيها عبراً وعظات وكم في السفر من عبر. وقد دأبت منذ سنين أن أزور بلاد البوسنة رحلتين كل عام في الصيف وفي الشتاء متذكراً رحلتي قريش إلى الشام واليمن في الفصلين وإن كان الشبه مختلفاً لقد أسرتني فردوس البوسنة بجمالها الأخاذ سهلا وجبلا ونهرا وشجرا وثمرا وبشرا وفكرا، فأحببت التمتع بخلق الله في الكون واجتناء العلم والثقافة في تلك الأصقاع البعيدة، فالمعرفة وطن ليس له مكان وما أحيلى تلك الساعات التي أقضيها وأنا عاكف على مخطوطاتها البوسنية وباللغة العربية، حيث مجد الإسلام وعلومه ورجاله فيها، تاريخ كم يحتاج لنفض الغبار عنه واغتنام هذه الكنوز الفريدة منه ولعل مثل كتاب الجوهر الأسنى في علماء وشعراء بوسنة المطبوع لمصنفه العلامة المرحوم محمد الخانجي يضع القارئ على أعتاب هذا التراث الأصيل ورجاله العلماء والأدباء الأفذاذ، وما أحيلي الليالي والأيام التي أتفيأ مع لفيف من الأساتذة هناك بعض ظلالها وهم من هم نماذج للنهضة، حيث نتعاون على البر والتقوى دعما للتعليم والثقافة والعناية باللغة العربية لقد يممت في الأسبوع الماضي السفر إليهم مع أني كنت أشعر وأعرف والجميع أن هذا الشتاء بارد جدا في أوروبا والأجواء مضطربة والشواهد لوقوع أحداث وتعطل مطارات وقعت وألغيت وأخرت رحلات، لكن القدر ساقني رغم ذلك أن أكون في رحلة عادية إلى اسطنبول، وقد أكرمني الله بصلاة الفجر في مطارها وانشرح صدري، حيث كان الانتظار قليلا والطائرة البوسنية الكبيرة لأول مرة في موعدها وكانت مغرية للاطمئنان بخلاف لما كانت صغيرة لا تتسع إلا لأربعين راكبا فقد عانيت منها في سفر الشتاء سابقا، فحمدت الله على تيسير الطائرة الكبيرة التي هي أكثر صمودا أمام الرياح والأجواء المتقلبة، وزادني فرحا أنني تعرفت على أخ أستاذ وإمام بوسني يتكلم العربية وقد درس في دمشق مما أراحني نفسيا وطمأنني، وقد امتطيت الطائرة برفقة هذا الأستاذ "اسمير" لكن مقعده كان في الخلف فقلت له: بعد الإقلاع أعود إليك إن شاء الله، لقد كان الجو ثابتا وعاديا منذ خروجنا وفرحت لهذه الطائرة الواسعة النظيفة المجهزة التي تحمل شعار البوسنة وخطوطها، ونظراً لكوني لم أكتحل بشيء من النوم في الليل اجتهدت أن استريح قليلا ثم أمر على السيد اسمير، لكنني نظرت إلى الخلف فرأيت بجانبه امرأة أشبه بالعجوز أجنبية ظننتها بوسنوية وهما يتحدثان، فلم أشأ أن أقطع مشوارهما، وما إن سار شيء من الوقت حتى بدأ الجو يضطرب شيئا فشيئا وأخذت الرياح تلطم الطائرة فتهتز وتميل وترتفع وتنخفض حتى استمر ذلك دون توقف وسمعت بعض الراكبين من أصل 150، حيث لم تمتلئ سفينتنا وهم يضحكون فقلت في نفسي ما شاء الله الناس معتادون على المطبات الهوائية واضطرابات الأجواء وأنا أشعر أن ذلك ليس عاديا فرجعت إلى نفسي ولمتها وقلت كن مثلهم، فالشجاعة ها هنا تعرف، ثم أخذ الوقت يمر سريعاً أو بطيئاً وقد دخلنا أجواء البوسنة بالاتجاه إلى سراييفو المحاطة بالجبال ونحن لا نرى إلا القتام والضباب وكأننا ريشة في مهب الريح وإذا بقائد الطائرة يعلن أنه بعد اتصاله بالبرج لن يتمكن من الهبوط وأنه بعد عشرين دقيقة سوف يتصلون به ليخبرنا بالجديد، ورجع الرجل للتحليق بنا أعلى مرة أخرى حائما حول الجبال دائراً وسائراً في اتجاهاته أكثر من ساعتين ولم يخبرنا بشيء وحتى لما سألت إحدى المضيفات قالت "وي دونت نو أني ثينك" إنها المضيفة نفسها لا تعرف شيئا والربان لم يعد ينقل الخبر السار للركاب الذين تأملت فيهم ورمقتهم مليا والحال هكذا فلم أجد إلا صمت القبور يلفهم ولا تسمع منهم إلا همسا، لقد كان الجزع والقلق سيد الموقف، قلت: يا سبحان الله رحلة وقتها ساعة ونصف الساعة تأخذ منا أكثر من خمس ساعات ونصف الساعة، وأخذت أفكر ويخطر كل شيء في بالي، وقلت لابد أن أكلم اسمير فهو الوحيد الذي يعرف العربية، ما الخطب وإلى أين نسير فمنعتني المضيفة، فألححت أن أجلس بجانبه فاعتذر إليّ ببسمة ضيقة، وقال ونحن لا نعرف شيئا إلا أن هذه العجوز التي بجانبي وقد جاءت من قطر من زيارة صهرها الطبيب في مستشفى حمد هي بولندية تسكن في البوسنة وقد آثرت إتمام الحديث معها عن الإسلام وهي فرحة إلا أنها جد غضبانة من هذا "الكابتن" الذي لم تر أجهل منه، لماذا لا يهبط في مطار موستار المعروفة بقلة برودتها مثلا أو مطار زغرب أو سلوفينيا أو يعود بنا إلى اسطنبول، فلا شك أن الوقود سينتهي، وحدها تلك العجوز التي رأيتها تشكو ولم أر أحدا من الركاب الذين هم خليط من المسلمين والكروات والصرب وبعض الأتراك وغيرهم ينبس ببنت شفة ولا يمكن أن تلحظ الترابط الذي يجب أن يكون بينهم إنسانيا فإن الخلاف في الأديان يكون داعية للتعاون بدافع الحاجة البشرية كما يقول أبو الحسن الماوردي وهنا خطر في بالي أن الإنسان لا يدري متى يبغته الموت هذا الموعد المجهول وقد ألقى الله على نفسي السكينة أي والله وسلمت الأمر إليه وتذكرت قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثديي أمه فازددت اطمئناناً ولكن خطر في بالي أيضا كم نحن مقصرون في كتابة الوصية التي قد لا تستغرق إلا قليلا وهذا من الواجبات، وكذلك إجراء الوكالة المالية مهما كان الأمر والوكالة بكل ما هو مطلوب، فالمسلم يجب أن يريح من بعده ويوثق الأمانات والعهود في حياته وكذلك خطر في بالي كيف يذكر الفقهاء والمفسرون عند قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة...)، "البقرة"، إن البحر يحظر ركوبه أثناء ارتجاجه خوفا من الغرق، فقس ذلك على الجو والبر، ثم تذكرت كيف يقوم الإسلام بالتسلية والتسرية للناس عند المصائب ليخففها، حيث إن المصائب يجمعن المصابينا على غرار ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة في غزوة الخندق، حيث البرد والجوع فيتمثل لهم الرجز وهم يجيبونه لتسهيل الخطب وقلت أين مدينة اليوم من حضارة الإسلام. وأخيراً جاء الأمر بالهبوط في مطار بانيالوكا المدينة الثانية بعد سراييفو وإذا بصديقين عزيزين شهمين من السعودية في الطائرة معنا انتظرا وآنسانا وأكرمانا السيدين محمد الرشيد إبراهيم وسلطان داود بخلاف إدارة المطار السيئة ثم عدنا بعد ساعة إلى سراييفو وصفق الجميع.. فيالها من رحلة!
1019
| 27 ديسمبر 2010
بمناسبة مباركتنا جميعا لدولة قطر حكومة وشعبا باليوم الوطني الذي شارك في احتفالاته كل من يحب وطنه ويشعر بضرورة الانتماء إليه والدفاع عنه، فإننا نبارك لجميع الدول العربية والإسلامية إحياء ذكرى أيامها الوطنية القائمة على أساس الدين والحرية والحق والعدل، ولعل من عظيم الفائدة أن نذكر بعضنا بعضا بوجوب معرفة أمجادنا الوطنية والمعنى الصحيح لها ونؤكد على قضية أهمية الوطن للناس ومن الذي يعتبر وطنيا بحق ومن الذي يوضع في خانة الأدعياء والمتاجرين باسم الوطن دون صدق وإذا سرنا على نهج الألى في الشعار والتطبيق، فإننا نرى كيف أن الوطنية الصادقة قولا وعملا وحالا، إنما تعنى المحبة الحقيقية للوطن والقيام بواجباته وحقوقه التي تجلب له المصالح النافعة وتدرأ عنه المفاسد الضارة، دون استناد إلى عصبية قبلية ولا إقليمية عنصرية تختزل المعنى في مظلة منغلقة لا تنفتح على شعبها والناس ضمن ضوابط الدين والأخلاق والمروءة، إن مثل هذه الوطنية هي التي تعتبر أساس بناء التقدم وأعمدة الرقي حقا فإذا ما انحرفت عن ذلك بتقديس الوطن على حساب المبادئ والثوابت، أو حصرته بالجغرافيا الأرضية فقط أو جعلته مذهبا فكريا حصاديا لماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها فقد جاوزت الحد ودخلت في عالم الأوهام على حساب الحقائق لأنها ستكون وطنية حزبية لا نفع للناس منها استراتيجيا، حيث إن الوطنية الحقة هي التي تكون ينبوع العمل والتضحية لجميع الناس لا كلمات رنانة في وعاء صغير ولذلك يشير القرآن الكريم بصراحة إلى هذا المعنى (... وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، "الحجرات: 13". فقد جعل الناس إخوة في الإنسانية للتعارف والتعاون وبما لا يناقض الأسس المتواضع عليها بشريا، ومن هنا كانت أهمية الأوطان الخاصة والعامة في الإسلام فقال الشاعر: وكلما ذكر اسم الله في بلد عددت أرجاءه من لب أوطاني وجاء التأكيد بطلب الرحمة لجميع الناس ما لم يحاربونا ويظلمونا، ففي الحديث الذي خرجه الطبراني وقال عنه الهيثمي رجاله رجال الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حث الصحابة على الرحمة فقالوا: كلنا رحيم فقال: ليس برحمة أحدكم صاحبه إنما برحمة سائر الناس، وكيف لا وقد أرسله الله رحمة للعالمين جميعا وهكذا فكما أن المسلم يعتبر أن جنسيته هي عقيدته التي هي وقود الوطن، فكذلك يعتبر أن الدنيا كلها وطنه لنشر الخير العام وقد أخذ المثل الانجليزي بهذه القاعدة فقال الأوطان ليس لها مكان، ومع هذا فإن أهمية الوطن الأم الذي يعتبر مسقط رأس الإنسان وارتباطه به مسألة فطرية متجذرة في كل نفس وكيف لا والوطن مستقرها فبه تحيا وبه تسود وهو بيئتها لعبادته ومعاشه، بل هي من أجل نعم الله عليها ومن هنا وجبت محبة الوطن ونقل الناس الحديث الذي اشتهر على الألسنة (حب الوطن من الإيمان) لكن قال علماء الحديث ومنهم العلامة محمد بن طولون الصالحي "تـ 953" هـ، في كتابه الشذرة في الأحاديث المشتهرة "ص 246": لم أقف عليه حديثا ومعناه صحيح، أقول: نعم إذ لما اشتاق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة قال فيما خرجه الترمذي صحيحا عن ابن عباس رقم "3083" (ما أطيبك من بلد وما أحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك)، وقال لأصيل الهذلي عندما جاء من مكة إلى المدينة حسبك لا تخرلي دع القلوب تقر. ومن يعرف قيمة الوطن كالذي يخرج أو يخرج منه، ولذلك قرن الله بين حب الوطن والحياة وبين الإخراج منه فهو قتل للحياة (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعله إلا قليل منهم)، "النساء: 66"، وكذلك لما اتخذ الرسول المدينة وطنا لهجرته أصبح يحن إليها ويدعو لها (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) كما في فتح الباري "6/87". وقال ابن حجر في الفتح "3/621"إن حب الوطن والحنين إليه مشروع. أقول: لأنه من المعروف أن هذا مركوز في جبلة المرء والذي لا يحبه أو ينفر منه غير سوي الطبع والشرع ومع هذا فلو تعارض أمر العقيدة مع الوطن قدمت العقيدة كما هاجر رسول الله والصحابة وتركوا مادياتهم في مكة وانتقلوا إلى حيث حفظ الدين والقيم ففتح الله عليهم بعد ذلك مكة وربحوا الدنيا والآخرة ورجعت إليهم ممتلكاتهم، وهكذا أحب الرسول وطنه كما أحب إبراهيم مكة ودعا لها بالأمن والرزق والمرء لا يدعو إلا لشيء يحبه، ولعل من تمام ذلك أن يقوم بحقوق وواجبات الوطن وأن يستشعر المسؤولية نحوه فيحفظ جواره والقرابة فيه ويعمره بكل ما أمر الله ليحقق معنى الاستخلاف عن الله في الأرض ويذود عنه من هجوم الأعداء والمحتلين، ويسكنه سويداء قلبه غير مغال ولامتماد على نحو ما قال الشاعر: لو مثلوا لي موطني وثنا لهممت أعبد ذلك الوثنا فالوطن حيث تسمو الحياة الحقيقية ويكرم الإنسان وينال حقوقه وإلا فقس ذلك على ما قال علي رضي الله عنه: الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة، وكم من ناس كالذين نراهم يهربون من أوطانهم ويموت منهم الكثير غرقا في البحار أو يكون مصير الآخرين السجن مرة والتشرد والعناء أخرى بسبب الظروف الاقتصادية وظلم أكثر الحكام. إن الغريب معذب أبدا إن قر لم ينعم وإن ظعنا أو آخرين من المثقفين حرموا حتى من الكلام والرأي الآخر ففقدوا الحرية أغلى القيم بعد العقيدة. كيف يا سادتي يغني المغني بعدما خيطوا له شفتيه فلابد من شعور الإنسان بانتمائه الحقيقي لوطن يحترم الجميع وبعد ذلك لو حدثت هنات وهنات وأخطاء محتملة فنقول: بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام فالوطن هو الأم والدم اللذان لا يحيا إنسان إلا بهما والمواطن الحق الصالح هو الذي يعمل أكثر مما يتكلم والرجل المصلح الوطني المخلص كما يقول شكيب أرسلان هو الذي يفكر ويعمل لحاضر ومستقبل الأجيال، أما السياسي –أي بالمصطلح المعاصر: فهو الذي لا يفكر إلا بالانتخابات حفاظا على مصلحته الخاصة ورئاسته أقول: وقد ضرب لنا تاريخنا العظيم أروع الأمثلة في المواطن الوطني القائد كرسولنا العظيم وصحابته المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان في السلم والحرب ولعل المقام يقتضي أن نذكر أن من أعظم مؤسسي دولة قطر الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني رحمه الله فقد كان مجلسه عامرا بالعلماء والأدباء وكان سليل علم وسياسة وخطيبا وشاعرا وقاضيا وفارسا وتاجرا ومحسنا فوق كونه حاكما وكان ضد الامتيازات الأجنبية ومصلحا يحقن الدماء، حيث منع حملة عسكرية عثمانية على نجد بتشاور مع السلطان وكان يقدم التاريخ الهجري نحسبه والله حسيبه صالحا سائلين الله أن يبقى حديث الخلف عن السلف. وكل عام وأنتم بخير.
1253
| 20 ديسمبر 2010
إن أقل القليل وخواص الخواص هم الذين يدركون لعبة الديمقراطية وما حفها ويلصق بها من مخاطر في حين نرى الأكثرين يتغنون بشعار هذه الديمقراطية التي انتشرت في العالم وكأنها المخلص الوحيد للشعوب من معاناتها لتدخلها في حديقة السعادة الغناء، وذلك اعتمادا على ما تتحفها من الحرية العامة والمساواة بين الأفراد واحترام الإنسان وتكريمه باعتباره واحدا من الشعب الذي يجب أن يكون مصدر السلطات جميعا بالفعل والممارسة لا بالقول والنظر فقط، وهذا ما يجب أيضا أن يساوق تعريف الديمقراطية التي هي حكم الشعب بوساطة الشعب من أجل الشعب كما يقولون ولكن هؤلاء الكثيرين ممن باتوا يلمسونه في عالم التطبيق الواقعي في الحياة غربا وشرقا وشمالا وجنوبا قد وصل جلهم إلى الحقيقة التي لا معدل عنها وهي أن هذه اللعبة في جميع العالم، خاصة الثالث منه إنما يستخدمها الساسة لشرعنة تسلطهم على رقاب الشعوب وبنسب مختلفة ربما تصل في بلادنا إلى 99% فقط! يستوي في ذلك من يحكمون بالملكية والوراثة والجمهوريون المزيفون الذين صاروا يتعشقون الوراثة أكثر من أصحابها والعسكريون المتسلطون غالبا والذين لا يفقه أكثرهم ألف باء السياسة مما يعود بنا لإقرار الحقيقة التي فرضت ويجب أن تفرض نفسها وهي استبدال الشورى بالديمقراطية، إذ الشورى نظام إلهي منبعه الوحي الذي يستلهم منه المشرعون الفقه والفكر الواعي الذي هو الأقرب للصواب على حد قول هارون الرشيد رحمه الله "من شاور كثر صوابه" وقول سقراط: "شاور الجميع" ولأنه كما يقول المثل العربي "المشورة عين الهداية" وقد استبد برأيه من خاطر بالبعد عن الشورى، كما قال علي رضي الله عنه وكما في الحديث الشريف (ما تشاور قوم إلا هداهم الله لأرشد أمورهم واعتبر الإسلام أن كل ذلك من واجبات الحكومة بتطبيق مبدأ الشورى والإفادة به من الرجال والنساء، وضرب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم والتابعون والسلف الصالح أحسن المثل في ذلك عبر التاريخ سلما وحربا، وأقاموا هذه الشورى على أسس عتيدة ليس فيها فوضى ولا غوغائية وعشوائية بل هي شورى حقيقية معتبرة تشمل الجميع لتحقيق العدل القومي والإنساني، منطلقين من توجيه الله لرسوله (وشاورهم في الأمر)، "آل عمران: 159"، والمدح الذي أثنى به على المؤمنين (وأمرهم شورى بينهم)، "الشورى: 38"، وهذه سورة كاملة في كتاب الله بهذا الاسم نفسه تعظيما لحق هذه الشورى وتنويها بضرورتها للحياة، ولكن وللأسف الشديد فقد بات من ينقد الديمقراطية السالبة التي أهلكت الحرث والنسل والتي هي أقرب إلى الدم قراطية بفتح الدال لا كسرها يعتبر متشدداً يسبح ضد تيار حريات الشعوب وحقوقها بل لم يسلم هذا المصلح حتى من بعض الإسلاميين غير اليقظين. إن أصل مصطلح كلمة الديمقراطية لاتينيا هو ديموس أي الشعب وكراتوس أي السلطة فهي سلطة الشعب فأين سلطة الشعب يا جماعة التي اعتبرها مدره الإسلام مصطفى صادق الرافعي أقوى من الحكومة كما اعتبر أن الحق أقوى من القوة. إن هذه الديمقراطية الغربية والعربية والإسلامية الرسمية المعاصرة لا تبني مرتكزاتها في الغالب إلا على الوصاية المفروضة على الشعوب المقهورة وبمركزية للحكم لا نظير لها على حد ما نراه ونعاني منه بأمثلة لا تحصر أمثلة توضح لكل ذي عينين أن الشعوب تابعة كالقطيع ويجب أن تسير في سعير الأيديولوجيات الفاشية والدكتاتوريات المتفننة وتصطلي بنارها وأن هذه الديمقراطية السلبية لا تعني سوى الانتخابات الشكلية، ومع ذلك فأكثرها مزور ويخدم أجندة إقليمية وخارجية ولا يمكن أن يعبر الحاكم فيه والنواب عن أشواف وحاجات وعواطف الشعب وأن الحزب التابع له هو سيد الموقف عموما وهذا ما كان يراه ريتشارد جاي سابقا في الغرب وهو ما يجري الآن في بلادنا، حيث إن هذه الديمقراطية لا تدعو إلى التفاؤل في ظل نمو البيروقراطية وتضخم أجهزة الحكم وتزايد اعتماد الجماهير على الدولة وحدها في تسيير شؤون الحياة متوصلا إلى نتيجة انقراض عوامل حكم الشعب بعد ذلك على ما نقله الدكتور بشير زين العابدين في مقاله بمجلة السنة العدد "106 ص 57" مردفاً أن الكثيرين من أعضاء مجلس العموم البريطاني مثلا يعترفون أنهم لا يملكون أي سيطرة لاتخاذ القرارات لأن زمامها أصبحت بيد قيادة الحزب بالتحالف مع الشركات العملاقة والاستخبارات السرية وامبراطورية الإعلام وبالطبع فهذا يصدق على أمريكا في الغالب وعلى أحزاب حكومات العرب التي يأتي بعض رجالاتها إلى الحكم معدما ثم يثري ثم يكون هامورا يمتلك الكنوز من عرق هذه الشعوب البائسة المسكينة ويا ويل من ينبس ببنت شفة، إذ ليس له إلا أن يساق إلى ما سيق إليه يوسف الصديق نبي الله إلا أن يوسف لم يصب عليه العذاب صبا ولم تستخدم نحوه أبشع تقنيات التعذيب بلا هوادة وفي هذا الغضون تأتي وثائق موقع "ويكي ليكس" بأرقام هائلة لفضح ديمقراطية أمريكا والغرب فيشهد شاهد من أهلها على ديمقراطية الدم في العراق وفلسطين وأفغانستان خصوصا وفي العالم عموما لأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، هؤلاء الناس الذين لا يريدون خيرا ومكسبا إلا لأنفسهم كاليهود المعادين لكل ما ليس منهم وإنه وكما قال هيكل الخبير على قناة الجزيرة الأسبوع الماضي إن إسرائيل إلى زوال بأفعالها الإجرامية فإن أمريكا ألعوبتها والغرب المترصد بنا لن يفلحوا مستقبلا كما يدعون بحضارتهم مهما زخرفوا خطاباتهم البراقة الجوفاء كالطبل الفارغ وهذه هي سنة بقاء الأمم وزوالها ولن تتخلف وفي هذا كل الدافع لنا كي نستأنف دورنا الزاهي الذي أسس مجدنا من جديد، وإذا كان بعض المفكرين يرون تشابها بين دولة الاستسلام والدولة الديمقراطية كالتركيز على مكانة الأمة وحكامها وكالاشتراك بمعاني المساواة أمام القانون وحرية العقيدة، وكذلك الفصل بين السلطات فإن ثمة نقاط خلاف أشد من التشابه وأهمها أن الشعب في الديمقراطية محصور جغرافيا وهو ما يعني القومية والعنصرية، بينما الإسلام نظام إنساني لا تعصب فيه ولا عنصرية، وكذلك فإن هدف الديمقراطية مادي بحت في حين أن هدف الإسلام يجمع الدنيا والآخرة وأيضا فلا ننسى أن سلطة الديمقراطية مطلقة حتى لو خالفت النظام الأخلاقي كإعلان الحرب واستعمار الشعوب الأخرى كما وقع ويقع اليوم وكذلك السماح باسم حرية الفكر والتعبير للانتقال إلى حرية الكفر والتحقير حتى لأخص المقدسات شخصا وموضوعا كالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وكتاب الله والحضارة العربية والإسلامية، وكذلك إباحة الشذوذ مثلا وتقنينه مع أنه يخالف الجبلة الإنسانية بينما نجد حرية الإسلام مقيدة بالشريعة وصالح العباد والأخلاق راجع في هذا كتاب الأخلاق السياسية لمحمد زكريا النداف "ص 437-439"، فعلينا أن نعي هدف وجودنا في الحياة وألا تنطلي علينا الحيل باسم الديمقراطية وإني لأقول: إذا كنا نرى ملايين البائسين هم من حصاد هذه الديمقراطية بل ملايين قتلى الحروب فكيف إذا لم تكن ديمقراطية؟! لابد من صهر الشعوب حقيقة في بوتقة ديمقراطية غير التي نراها وسمها ما شئت إلا أن حكم الله بالشورى أولى بالصواب ولعل هذا ما نبه إليه جان جاك روسو سابقا من أن العبودية تسيطر على الشعب بعد انتخاب نوابه وما صرح به جوزف شمبتر محذرا: يروق للسياسيين استخدام الديمقراطية للجماهير فتحبها لكنها هي التي تمنحهم فرصة تجنب المسؤولية وسحق خصومهم باسم الشعب فأين العقلاء؟ khaled_hindawi@hotmail.com
590
| 13 ديسمبر 2010
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4335
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
2208
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
2139
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1455
| 06 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
978
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
735
| 10 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
678
| 05 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...
633
| 11 ديسمبر 2025
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...
630
| 08 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
570
| 07 ديسمبر 2025
يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا...
570
| 07 ديسمبر 2025
تعود بي الذكريات الى أواسط التسعينيات وكنت في...
480
| 05 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية