رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الرحمة المهداة

لقد كانت بعثة النبي العظيم صلى الله عليه وسلم أكبر حدث في تاريخ البشرية وإيذانا بفجر جديد أشرقت شمسه على البشرية فكشفت عنها غيوم الجهل وظلمات الأوهام وأطلقت القلوب والعقول من قيود الخرافات والأوهام ومن التقاليد البالية والعادات المستهجنة ،فإن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم هي ميزة شخصيته الكبرى حتى إنه ليحدد مهمة رسالته بقوله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)رواه أحمد، فالإسلام دين الشمول والكمال لذلك ارتضاه الله لعباده ليكون لهم شرعة ومنهاجا فعلمنا الله سبحانه وتعالى أن الدين عند الله الإسلام فمن فضائل هذا الدين إنه يدعونا إلى الفرائض التي تقربنا من الله تعالى ومنها الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من الطاعات وإننا في هذا الشهر الكريم شهر رمضان نرتقي إلى أعلى الدرجات بأدبنا مع الله تعالى في تنفيذ فرائضه والتحلي بالأدب في جميع مجالات الحياة فلقد حدد رسول الإسلام الغاية الأولى من بعثته والمنهاج المبين في دعوته بأنه إنما بعث ليتمم أحسن الأخلاق.فلقد حبا الله تبارك وتعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم من الخصائص القوية والصفات العلية والأخلاق الرضية ما كان داعيا لكل مسلم أن يجله ويعظمه بقلبه ولسانه وجوارحه، فإن حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم أجل وأكرم وأعظم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادة على مماليكهم ،والآباء على أولادهم لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة ،وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة ،فهدانا به لأمر إذ أطعناه فيه أدنانا إلى جنات النعيم ،فأية نعمة توازي هذه النعم وأية منة تداني هذه المنن، فالرحمة عند النبي تعمل عملها في إيجابية سليمة ويتتبع القلب الكبير قلب محمد صلى الله عليه وسلم كل الأسباب التي تجعلالرحمة حقيقة واقعة وسابغة ينعم بها كل إنسان ،وفي ضوء هذا الموقف ينبغي علينا أن نفهم جميع التوجيهات والوصايا التي يدعونا فيها الرسول إلى الطاعة وإلى الخير، فهو لا يريد بوصاياه وتوجيهاته أن يتحكم فينا أو أن يسوقنا إليه، وإنما تمام رحمته بالناس أن يدفع عنهم الأخطاء ويجنبهم هبات الريح الباردة واللافحة ،فإن دعا إلى الخير وحض عليه فبدافع من رحمته وإذا نهى عن شر وحذر منه فبباعث من رحمته، فالرحمة بالإنسانية هي التي تشحذ حرص النبي صلى الله عليه وسلم على خيرنا وعلى مصيرنا وهي التي تجعله يأمر بالحسنة وينهى عن السيئة ،ومن أجل هذا كان يخاف على الناس من ذنوبهم وكان يرى تلك الذنوب كأنها أخطاء داهمة تتهدد حياتهم وسلامتهم والنبي صلى الله عليه وسلم على الرغم من أنه رسول مسؤول عن رسالته لا يقف من العصاة موقف المتألي بل موقف الرؤوف الرحيم العزيز عليه عنتهم وعصيانهم الحريص كل الحرص على نجاتهم وسلامتهم، فرسالة الإسلام هي الرسالة التي خطت مجراها في تاريخ الحياة وبذل صاحبها جهدا كبيرا في مد شعاعها وجمع الناس حولها وتأسيسهم على الحق والفضائل والآداب فعملت على تدعيم فضائلهم وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم حتى يسعوا إليها على بصيرة، فمما لا ريب فيه إن علينا تجاه النبي الكريم صلوات ربي وتسليمه عليه حقوقا كثيرة يجب القيام بها وتحقيقها فلابد من تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر،وألا يُعبد الله إلا بما شرع وأن ننصره ونؤيده ونمنعه من كل ما يؤذيه ويسيء إليه ،وإن من أهم ما يجب علينا تجاه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نحقق محبته اعتقادا وقولا وعملا ونقدمها على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين.

313

| 08 يونيو 2016

رحمتي سبقت غضبي

إن الله سبحانه وتعالى فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم بما تدعو إليه من الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،لذلك يغتنم المسلم أيامه بالذكر والتعبد لله تعالى، فالرحمة صفة من صفات الله عز وجل وهذه الرحمة كاملة لا يصيبها العجز أو النقص كما هي الرحمة الموجودة في قلوب بعض البشر، وقد وسعت رحمة الله تعالى العباد في كل شيء ،فلم يعذب الله عز وجل المخطئين من دون أن يبيِن لهم طريق الصواب وطريق الخطأ، ثم يسلك الإنسان ما يشاء وبناء عليه تتم محاسبته، وقد كان هؤلاء الرسل والأنبياء رحيمين بالعباد ويدعونهم بالموعظة الحسنة بعيدا عن التعصب والكراهية والبغضاء، فإن الرسالة التي يحملها الأنبياء والرسل ما هي إلا رحمة من الله تعالى للعباد ،فمن آثار رحمة الله تعالى بعباده أن وعد الله تعالى عباده المخطئين بفتح باب التوبة لهم قبل غرغرة النفس، وقبل طلوع الشمس من مغربها، وهذا من رحمته عز وجل بعباده وإعطائهم الفرص لإنقاذ أنفسهم من عذاب جهنم. إن صور الرحمة كثيرة منها رحمة الله تعالى بعباده عندما ينزل لهم الغيث فتنمو النباتات وتحيا الكائنات الحية ،كما قسم الله تعالى اليوم ليلا ونهارا فالليل سكون وراحة والنهار نشاط وعمل واجتهاد، فمن يلجأ إلى رحمة الله تعالى ويقتنع بها، فإنها تغنيه عن رحمة كل من في السماوات والأرض، فرحمة الله أوسع وأشمل يشعر بها العبد حوله ومعه في كل مكان وفي كل زمان غير منقطعة ،كما أن العبد بذلك يسارِع إلى التقرب من الله عز وجل للفوز برحمته، التي إذا أرسلها الله لأحد فلا منقطع لها بينما إذا قطعها عن أحد فلا مرسل لها ؛ فيبقى العبد بين الرجاء والأمل ،فقد اختص الله تعالى نفسه بتسعة وتسعين جزءا من الرحمة ووزع جزءا واحدا من هذه الرحمة على جميع الخلق لتحقيق معنى الطاعة والقرب لله تعالى وهذا شهر كريم وموسم عظيم خصه الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم،وأنزل فيه القرآن وفرض صيامه وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه، فهو شهر البركات والخيرات شهر الرحمات التي ينزلها الله على عباده فيمنع غضبه عنهم ويحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم فرحمته سبقت غضبه وهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن ، شهر الصدقات والإحسان، شهر تضاعف فيه الحسنات وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات وترفع فيه الدرجات وتغفر فيه السيئات وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين ، شهر رمضان فضائله كثيرة فيجب علينا أن نستقبله بالرحمة والمودة والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه، والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة إلى التوبة النصوح من سائر الذنوب والسيئات وعن كل ما يؤثر على صيامنا من اللهو واللغو والعبث وارتكاب المحرمات لذلك ينبغي علينا أن نستغل كل دقيقة منه بالإكثار من الأعمال الصالحة، كتلاوة القرآن والذكر والصلاة والصدقة والدعاء وسائر العبادات، فعلى كل مسلم الاستفادة من أيامه ولياليه والإكثار من الطاعات والعبادات، فالصيام جُنة ووقاية وله فوائد عديدة ومن هذه الفوائد إنماء الشخصية أي النضج وتحمل المسؤولية والراحة النفسية فإنه يعطي الفرصة للإنسان لكي يفكر في ذاته، ويعمل على التوازن الذي يؤدي إلى الصحة النفسية ، و الصيام يدرب الإنسان على الصبر والتحمل وينمي قدرته على التحكم في الذات وإنه يخضع كل ميول الدنيا تحت سيطرة الإرادة، وكل ذلك يتم بقوة الإيمان وتتجلى في رمضان أسمى غايات ضبط النفس وتربيتها، فالصائم يشعر بالطمأنينة والراحة النفسية ويحاول الابتعاد عما يعكر صفو الصيام من محرمات ومعاصٍ.

1063

| 07 يونيو 2016

وربك الغفور ذو الرحمة

إن الرحمة من صفات الكمال التي يتصف بها الخالق سبحانه وتعالى، فله جل وعلا رحمة تليق بذاته وجلاله، فلا تشابه صفات المخلوقين فهو سبحانه منزه عن ذلك، فهو أرحم الراحمين وخير الراحمين وسعت رحمته كل شيء وعم بها كل حي، وهذه ملائكة الرحمة تثني على ربنا جل وعلا "ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما "وهو الحق سبحانه يصف نفسه بقوله ورحمتي سبقت غضبي ،فالله سبحانه وتعالى جعل رمضان موسما للطاعة والقرب من الله تعالى ففرض علينا صيامه وسن لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قيامه وأمرنا بالصيام والقرآن والإحسان ،فالإنسان هو الكائن الوحيد في هذا الوجود الذي نفخ الله فيه من روحه، وقد كانت هذه النفخة الروحية الإلهية هي مناط التكريم الذي حظى به الإنسان ومن أجل ذلك طلب الله سبحانه وتعالى من الملائكة أن يسجدوا لآدم تكريما له ليس لأنه خلق من طين ولكن لأن الله قد نفخ فيه من روحه ،فكان هذا التكريم الذي جعله للإنسان سببا في استخلافه في الأرض وتعميره لها ببقاء النوع الإنساني، فالرحمة صفة عظيمة مشتقة من اسم الخالق الرحمن جل في علاه فالإيمان والرحمة أمران متلازمان فأكمل المؤمنين إيمانا أعظمهم رحمة. إن من رحمة الحق سبحانه وتعالى أنه خلق الخلق وأنعم عليهم بنعمه الظاهرة والباطنة، وبرحمته أرسل الرسل للعباد وأنزل عليهم الكتب، فاهتدوا إلى الصراط المستقيم، فإننا مطالبون أن نتعرض إلى رحمة الله تعالى، وأن نسعى للتعرف على أسبابها حتى ننال منها حظا وافرا، فهي المنحة القيمة ،فجميع الرسل والأنبياء جاءت دعوتهم متفقة على مبدأ واحد وأصل ثابت وهو الدعوة إلى الإيمان بالله عزوجل الواحد القهار ،ووضعت لذلك أسسا وشرائع من عبادات ومعاملات تقوم عليها سعادة البشرية ،فبهذا الإيمان تستطيع هذه البشرية التي استخلفها الله تعالى في الأرض أن تعيش في سعادة وأمان ويتحقق لها الرخاء والطمأنينة ، فالرحمة من الصفات التي يوصف بها الله سبحانه وتعالى ويوصف بها الإنسان فإذا نظرنا إليها باعتبارها صفة لله تعالى كان معناها الصفة التي بها الإنعام والتفضل والإحسان ،أما إذا نظرنا إليها باعتبارها صفة للإنسان فإن معناها الرقة في القلب والتعطف، فما أعظم نعمة الله على عبده إذا وفقه للإحسان لنفسه بفعل كل عمل صالح، ووفقه للإحسان إلى خلق الله بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، فذاك الذي فاز بالخيرات ونجا من المهلكات ،فتفاوت الناس بالهِمم لا بالصور والله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم وحتى يصل الإنسان إلى هذه المرتبة ،فإن عليه أن يعمل على استقامة صلته بنفسه وبالله وبالناس وبالعالم الذي يعيش فيه ،الأمر الذي يؤدي إلى أن يصبح بحق جديرا بأن يكون وكيلا عن الله في الأرض يقيم فيها موازين العدل، ويرسي دعائم الحق ويزرع الخير الذي تعود ثمرته على الآخرين وهذا ما ينبغي على هذا الوكيل أن يفعله إلى آخر نفس في حياته وإلى يوم القيامة كما ورد في جميع الشرائع السماوية التي حثت على فعل الخير والبعد عن كل شر والعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يحقق للإنسان البقاء وللأرض الإعمار والصلاح وللبشرية بالأمان، فالرحمة من الخلق العظيم أودعها الرب في من شاء من خلقه، وحرِمها الشقي من الخلق، وقد رغب الإسلام في التخلق بالرحمة، ووعد الله على الرحمة الأجر الكريم، والسعادة الدنيوية والأُخروية، فلابد من إمساك الجوارح عن اقتراف الآثام والذنوب والمعاصي فليتنبه الإنسان لذلك وليبتعد عن كل ما ينقص الصوم ويضعف الأجر ويغضب الله عز وجل من سائر الذنوب والمعاصي.

656

| 06 يونيو 2016

السباحة في نهر الرحمات

إن المسلم يبادر بالتوبة ويعجل بالإنابة فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر، وقد رغب الله -سبحانه وتعالى- عباده في التوبة، وفتح لهم بابها ونهاهم عن اليأس من رحمته والقنوط من مغفرته، فإن الله -عز وجل- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، ففي هذه الأيام المباركة المقبلة يستعد المسلمون بقلوبهم وأبدانهم لاستقبال ضيف كريم يأتي في العام مرة، إنه شهر رمضان خير شهور السنة وأفضل أيام الله، الحسنة بعشر أمثالها وتضاعف إلى سبعمائة ضعف، فليكن التنافس في أعمال الخير والبر، فهل أدرك هؤلاء الذين يسر الله لهم العيش لحضور رمضان هذا وهم في أتم الصحة والعافية قيمة هذه الفريضة الربانية، وعرفوا مالهم وما عليهم فتخلصوا من الحقوق ورد المظالم إلى أهلها وتطهير القلوب واستعدادهم للتخلص من الذنوب والآثام، فعزموا على السباحة في هذا النهر العذب الجاري نهر الرحمات والبركات والسعي إلى رب السموات والتضرع إليه بقبول التوبة وإخلاص العمل لله تعالى، والسير في روضة الرحمن الرحيم والتي لا يذبل زهرها ولا ينفد رحيقها، فإن الله يغفر الذنوب ويقبل التائبين ويقيل عثرات المذنبين مما يعود على الإنسان بالخير في الدنيا والآخرة وهي محبة الله للتائب وطهارة النفس وتنقيتها من الآثام والخطايا وعدم الوقوع في المعاصي والندم على ما كان منها. فإن الذنوب والمعاصي تحجب المرء عن نور الله من علم وهدى ومعرفة فيكون عنصرا سيئا في المجتمع، فلا يفيد المجتمع وتكثر الفواحش والرذائل التي تفتك بالمجتمع المسلم، ولكن لابد أن يسعى كل مسلم لإصلاح نفسه وإبعادها عن خطر المعصية، فيستفيد من نور الله من علم وهدى ويفيد مجتمعه الذي يعيش فيه، لذلك لابد أن تعلم أنه لم يفتح لك باب إذا أغلق الله باب رحمته وتوبته في وجهك، وتوقع حينها كل أمر يحدث لك، أما آن الأوان لك أيها المسلم أن تتوب وتؤوب وتفتح صفحة جديدة ناصعة البياض مشرقة بفعل الطاعات والقربات لرب الأرض والسموات، وتتعلق بأستار المساجد وتقف على أعتابها متضرعا إلى الله تائبا مستغفرا، فعلى قدر نقاء السريرة وسعة النفع تكتب الأضعاف، وليس ظاهر الإنسان ولا ظاهر الحياة الدنيا هو الذي يمنحه من الله رضوانه، فإن الله -تبارك وتعالى- يقبل على عباده المخبتين المخلصين ويقبل منهم ما يتقربون به إليه، أما ما عدا ذلك من زخارف الدنيا وتكلفات البشر فلا قيمة له ولا اكتراث به. لذلك يعلمنا الهدي النبوي "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم"، فمن ربط حياته بهذه الحقائق فقد استراح في معاشه وتأهب لمعاده فلا يضيره ما فقد ولا يحزنه ما قدم، فبادروا واستقبلوا الخيرات أيها الإخوان ولا تتواكلوا وسارعوا ولا تتأخروا، فإن كان حب الدنيا يعيقكم فلابد من الرجوع إلى الله، فيا خيبة من ضيع منه الليالي والأيام، ويا حسرة من انسلخ عنه الهدى بقبائح الآثام ويا خسارة من كانت تجارته في الذنوب، ويا ندامة من لم يتب إلى علام الغيوب، فلابد أن يعلم مهما كانت ذنوبه عظيمة فإن الله يغفرها جميعا ما لم يشرك به وليعلم أيضا أن الحسنات يذهبن السيئات، فلابد وأن يتسلح بسلاح التوبة، ويملأ نفسه ثقة ورجاء بعفو الله، فإن المتأمل في صفات الله وأسمائه وآلائه ونعمائه يحصل له في قلبه معرفة حقيقية بالله العظيم الرحيم الرؤوف الغفور سبحانه وتعالى، وإن مما تكاد النفوس تطير به فرحا وتمتلئ به أنسا، هو معرفة قدرة الله -سبحانه وتعالى- الرحمن الرحيم مع عبده الضعيف المذنب يدعوه ويرجوه إلى أن يتوب إلى علام الغيوب، فيا له من فضل عظيم من رب كريم وخالق رحيم أكرمنا بعفوه وغشانا بحلمه وهدانا ووفقنا لأسباب التوبة والأوبة والرجوع إلى التواب الرحيم -سبحانه وتعالى- فهيا معا نركب ركب المستغفرين إلى ديار التائبين قبل فوات الأوان، فمن أشرقت له بدايته أشرقت نهايته، ومن صدق مع الله في توبته صدق الله معه ووفقه لحسن الخاتمة فيا سعادة من أتقن السباحة في نهر الرحمات، لذا ينبغي مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به من المنزلة والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة، ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرمه الله -تعالى- فينعم بما أعده الله لعباده التائبين من جنة عرضها السموات والأرض، فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

519

| 02 يونيو 2016

مصابيح الحياة

إن الحياة تعلم العاقل فيها أن يجعل قلبه مدينةً بيوتُها المحبة وطرقُها التسامح والعفو، وأن يعطي الخير لمن حوله وينشر الحسن والجمال ولا ينتظر الرد على العطاء، وأن يصدق المرء مع نفسه قبل أن يطلب من أحد أن يفهمه، وأن لا يندم على شيءٍ وأن يجعل الأمل مصباحا يرافقه في كل مكان، فالمرء حسب تعاليم الإسلام وهديه منوط بالتكليف، فهو مسؤول عن عمله، إن خيرا فسوف يجزى به، و إن شرا فسوف يعاقب عليه، ويؤتى يوم القيامة كتابه إما بيمينه أو بشماله، فهو يقوم بدوره وواجباته في المجتمع انطلاقا من المسؤولية التي سيسأل عنها يوم القيامة، فكل عبد فسوف يأتي الله عز وجل فردا، فالنجاح سلم صعب المنال ويأتي إلا بعد جهد وعرق فلا تستطيع تسلقه ويداك في جيبك، فالعواصف الشديدة تحطم الأشجار الضخمة، ولكنها لا تؤثر في العيدان الخضراء التي تنحني لها، لذلك علمتني الحياة أن أجمع بين كلٍ من الجمال والقسوة في آن واحد، الجمال لمن يقدِّر الجمال دون أهداف أخرى، والقسوة في وجه من يلجأ إلى الخداع ولمن يحاول أن يقطف الزهرة كي يستمتع بها دقائق ثم يلقي بها في أقرب طريق يلقي بها تحت الأقدام، وكل إنسان من ذكر وأنثى في مجتمعه يمارس مجموعة من المسؤوليات التي يفرضها عليه مكان وجوده وقدراته ومقدار معرفة الفرد لمسؤولياته وفهمه لها، ثم حرصه على تحقيق المصلحة والفائدة المرجوة منها، مما يجعل المجتمع متعاونا فعالا تسوده مشاعر الانسجام والمودة بين أفراده. فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا) رواه البخاري، فمن المعلوم أن المجتمع هو هذه السفينة يركب على ظهرها البر والفاجر والصالح والطالح والمحسن والمسيء والمتيقـظ والغافل تحملهم هذه السفينة جميعا لوجهتهم، ولكنها وهي محكومة بالموج المضطرب والرياح الهوجاء من كل جانب تتأثر بكل حركة تقع فيها، فتهتـز مرة ذات اليمين ومرة ذات الشمال وقد تستقيم على الأفق أحيانا أو ترسب إلى الأعماق أحيانا، وإن كثيرا من الناس لينسى في غمرته هذه الحقيقة، ينسى سفينة المجتمع أو سفينة الحياة، ينسى فيخيـل إليه أنه ثابت على البر قوي راسخ، لا يضطرب ولا يميل ولا يزول ومن هنا يفجر ويطغى، ولو تذكـر من استكبر وطغى أنه ليس راكزا على شاطئ الأمان، وليس دائما في مكانه ولا خالدا في سطوته وإنما هي رحلة قصيرة على سفينة الحياة، لو تذكر ذلك ما استكبر ولا طغى ولعاد إلى مصدر القوة الحقيقيـة في هذا الكون يستلهم منه الهدى ويطلب منه الرشاد، ويسير على النهج الذي أمر به وارتضاه للناس، ولكنها الغفلة السائدة التي تخيم على البشرية إلا من آمن واتـقى وعرف ربه واهتدى، والرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من هذه الغفلة التي ترين على القلوب ويصورها في صورة السفينة الماخرة في العباب يقسم ركابها بحسب أماكنهم الظاهرة في المجتمع، فالأمر حينئذ لا يخلو من إحدى نتيجتين، إما أن يقوم أهل العلو بواجبهم في منع هذه الكارثة فينجو الجميع، وإما أن يتركوهم وشأنهم بدعوى أن هذا نصيبهم يفعلون فيه ما يشاءون، وحينئذ تكون النتيجة الحتمية هي هلاك الجميع، فالهدي النبوي يبين أنه هكذا تكون حال الناس في المجتمع، فإنه لا يخلو مجتمع من بعض صور المنكر والفساد التي يقدم عليها ضعاف الإيمان، وقد يلتمس بعضهم لنفسه مبررا فيما يفعل كأن يقول هذه حرية شخصية وأنا حر أصنع في ملكي ما أشاء، فإن قام أهل الرشد بواجبهم في إنكار هذه المنكرات والأخذ على أيدي الظالمين صلح المجتمع ونجا الجميع من غضب الله عز وجل، فالعاقل في الحياة هو من يقابل الخير بالخير ومن يقابل الشر بالخير، ومن يقابل الإحسان بالإحسان ومن يقابل الإساءة بالإحسان، وعلمتني أن أحاول إصلاح الكون من حولي وتزيينه بلمسات من الجمال، فلابد من تبصر مواطن النقص والخلل في المجتمع، والتي تحتاج إلى تحسين وإحساس النفس بالمسؤولية تجاهها والحرص على المشاركة الإيجابية في بناء المجتمع وإصلاحه.

560

| 26 مايو 2016

جراح أرباب العلم

إن الإنسان الحق هو الذي أكرمه الله تعالى بقلب خاشع وجوارح لينة يلتجأ بها إلى ربه فيتجدد لديه الإيمان والإسلام، ويقوى فيه العزم والإرادة فيسعى إلى الخير والصلاح ويبتعد عن الشر والفساد، وهذه اللحظات تشهد أنك ما تزال تحت ثقل اختبار قاس، ليس بمقدورك أن تهرب منه إلى الظل البعيد ولا أن تقبع في حجرة نائية تعيش وحدك ، لأنّك لا تقدر في هذه الساعة أن تعيش لنفسك فترصد من الهواء المتحرك عطرا زكيا تستنشقه وحدك، وتمنع غيرك من الاقتراب منه فلولا المشقة يا صاحبي، ليس بإمكانك أن تحرك الأشياء فتجعلها تمر أمام ناظريك كما تلذ لها عيناك، أو أن تجعل الأصوات تتشكل في نغمة دافئة تذوب في الحزن فيخفق لها السمع، فلا يدخل فيه ما يزيدك حزنا إني أراك في صراعٍ مع دقات الزمن، الذي يسير على هذه الشاكلة من الشدة والضيق، فلا يبعث في نفسك ضوءا خافتا تشعر من خلاله ببقايا حياة لأناس يتحركون، فإن هدي الدين الحنيف في تشريعاته السامية وإيجابية عباداته وطهارة قيمه وسمو آدابه يطهر نفس المؤمن وينطلق به إلى ما فيه سعادة الدارين فيأخذ بيده ويرتقي به، ويهذب من سلوكه ويغير من عاداته، وفق ما يلقاه المسلم في يومه من مواقف دينية أو دنيوية، فمثلك في الناس كثير قد نفذ إليهم الشقاء والعناء بأبشع صوره تراهم في مكان يسافرون من أرض إلى أرض ومن بحر إلى بحر، فلا يرون ما سعت إليه أقدامهم ولا ما طمحت إليه نفوسهم أو هربت إليه أفكارهم. إنها حقا لمأساة مؤلمة ترتفع ألسنة لهبها في صميم المتعلمين، سواء الذي لا يزال ملتحقا بجامعته أو معهده، أم ذاك الذي خرج إلى الواقع فوقف على محطة الانتظار الطويل في سوق العمل إنها عقدة طريق المتعلمين أنهم يعيشون في واقع بعيد عن العلم والمنطق وهم يرون بأعينهم كيف تطوى قدراتهم ومواهبهم وكفاءاتهم أمام المسؤول، فيبعدها جانبا، ويضع مكانها مصلحته الخاصة، إن المتعلمين الذين خرجوا من أنياب تعب الدراسة إلى معصرة سوق العمل، وطمحوا أن تتهذب نفوسهم بالآداب وتغوص عقولهم في المعرفة والخبرات، ليسوقوا الخير والصلاح للأمة وكي يصنعوا في غيرهم ما خلق الله فيهم من المحبة للخير والعطاء لأن المجتمع يقاس بقدر حظه من المعرفة والثقافة والمتعلمون هم عقول المعرفة وغواصو الثقافة وصناع الحضارات في كل المجتمعات المتحضرة، يحكم العلم العالم بحكمه المميز ذاك الذي جعلها في مسافة الارتفاع فسادوا به العالم وخضعت لهم الرقاب وجعلنا خلفها أتباع خيال الارتفاع، وصلوا القمر ونكشوا تربته وحدقوا في النجوم، كما نحدق في صحن الطعام وما يزال الواحد منا يتثاقل من بناء بيت صغير لابنه أو لنفسه على الأرض، ولا يصل لأدنى حلم إلا بشق الأنفس وألم السنين، فربما ثقل على النفوس فظاعة الحقيقة أكثر من أن يحرك شعرة في رأس مسؤول أو سامع عابر، إنها البساطة في التفكير حين تعتقد أن الألم الذي يصيب غيرك بسيط لأنه أخطأ الطريق إليك، فكأنه عثرة خاصة، إن العمل للوصول إلى العزة والرفعة لن يكون طريقه الخطأ والفساد والفوضى، ولن يمر على جراح أرباب العلم ومحبيه، ولا من تعذيب العقول التي شع نورها وزاد توهجا بالإيمان والفضيلة والعطاء لن يكون إلا بعمل الصواب والبدء بانعكاس مشاعر الانتماء لهذا الدين الحنيف على الجوارح، سيعيش المتعلمون زمنا صعبا بعضهم سيترك سلاحه المقدس ويلتحق بركب المنافقين ليجد له مكانا في سوق العمل، وعندئذ لن يجد نفس المتعلم الذي بداخله منذ بدأ وبعضهم سيعض على الجمر ، فثق بعزمك ووعد الله وابق على حب حاملي هذه الراية، فالطريق صعب لأن طريق المتعلمين طويل جدا وشاق وملتوٍ وصعب، لكنه يجعلك تتنسم لذة الكفاح وأنت موقن بالنصر فما أروعها من فرصة للمسلم كي يغيِر من نفسه ويرتقي بها فالذي يلبي نداء الله عز وجل مستشعرا عظمة الخالق سبحانه وتعالى ، يعلم حق العلم أنه ما خلق في هذه الحياة إلا للعبادة والعمل لذا فهو يشعر بلذة المناجاة عندما يتضرع إلى ربه يقوى فيه العزم والإرادة، وينشط فيه الحرص على الطاعة والعمل الصالح.

457

| 19 مايو 2016

عثرات العروبة

الأمم تصنع التاريخ والمستقبل فقد كانت الأمة العربية لها الريادة بين الأمم بما تأمر به من معروف وتنهى به عن المنكر، فعندما تتعثر قوى العروبة بالبعد عن قيم الدين وآدابه تذل وتصاب بالمهانة، فمازالت هذه المنطقة الحيوية في العالم العربي مستهدفة، واستمرارا لأشكال هذا الاستهداف ينتشر التشويه للأمة بدءا من الفرقة والاختلاف بين العرب وعزلهم عن بعض عبر عدة إجراءات منها إثارة الطائفية، وإقامة الحواجز بين أفراد الأمة، فليعلم كل عربي أن الاتحاد يقوي الضعفاء ويزيد الأقوياء قوة على قوتهم، فهو وسيلة العزة لهذه الأمة التي يجب أن تعود لعزتها وتستعيد هيبتها بين الأمم، فالعرب قد تشرفوا بنزول كل الديانات وأرضهم مهبط الوحي من إبراهيم أبي الأنبياء وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام وغيرهم من الرسل، فقد استوعب العرب دعوتهم التوحيدية، فالقومية العربية تتحمل المفهوم الديني دون تعصب أو عنصرية، فاللبنة وحدها ضعيفة مهما تكن متانتها، وآلاف اللبنات المتفرقة والمتناثرة ضعيفة بتناثرها وإن بلغت الملايين، ولكنها في الجدار قوة لا يسهل تحطيمها لأنها باتحادها مع اللبنات الأخرى في تماسك منظم قوي ومتين، أصبحت قوة لا يستهان بها، وهذا ما أشار إليه الهدي النبوي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه) متفق عليه. فالإنسان العربي يتضامن مع اخوانه ويتعهدهم بالرفق واللين ليبتعد عن كل أسباب الفرقة والاختلاف ويحرص على ما ينفعه وينفع اخوانه، لأن الأخوة الحقيقية في الإسلام نعمة يمتن الله بها على المسلمين، وهي نعمة يهيئها الله لمن يحبهم من عباده، وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة، وما كان إلا حبل الله الذي يعتصم به الجميع فيصبحوا بنعمة الله اخوانا، وما يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في الله تصغر إلى جانبها الأحقاد والأطماع الشخصية والرايات العنصرية، فإن العبد عليه أن يسعى لمصلحة هذا الدين ولمصلحة الأمة والبلاد والعباد وأن يسعى لجمع الصف ونبذ الفرقة ودرء الفتن عن الأمة فتؤتي ثمارها كما وصفها الباري بأنها خير أمة أخرجت للناس، لذلك يجب أن يكون هدف أئمة الإسلام والقائمين على شؤون هذه الأمة الدعوة إلى الاتحاد والألفة واجتماع القلوب والتئام الصفوف والبعد عن الاختلاف والفرقة، وكل ما يمزق الجماعة أو يفرق الكلمة، من العداوة الظاهرة،أو البغضاء الباطنة وكل ما يؤدي إلى فساد ذات البين، مما يكون سببا في ضعف الأمة ووهن دينها ودنياها.فلا يوجد دين على وجه الأرض دعا إلى الأخوة التي يتجسد فيها الاتحاد والتضامن والتساند والتآلف والتعاون والتكاتف وحذر من التفرق والاختلاف والتعادي مثل الإسلام في هديه وشرائعه وقرآنه وسننه، فالاتحاد عصمة من الهلكة، والفرد وحده يمكن أن يضيع ويمكن أن يسقط وتفترسه شياطين الإنس والجن، ولكنه في الجماعة محمي بها كالشاة في وسط القطيع، لا يجترئ الذئب أن يهجم عليها فهي محمية بالقطيع كله، إنما يلتهمها الذئب حين تشرد عن جماعتها وتنفرد بنفسها، فيجد فيها ضالته ويعمل فيها أنيابه ويأكلها فريسة سهلة، فإننا نناشد اخواننا في أرجاء المعمورة أن يستيقظوا لما يتعرض له ديننا الحنيف من هجمات شرسة من هنا وهناك بالإساءة إلى الدين ومحاولة تمزيق صفوف المسلمين. أقول لأبناء هده الأمة هل نسيتم قضيتكم الأساسية وسرتم وراء أهوائكم الشخصية وإن أمتنا الإسلامية تختلف عن سائر الأمم، فإن أوطاننا هي كل بلاد المسلمين وأينما ذكر اسم الله في بلد كان هذا البلد وطنا لكل المسلمين، وأفضل من هذا كله أن تجتمع الأمة على عقيدة وعلى مبدأ أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام الذي يجب أن نلتف حوله ونتمسك به، يقول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) آل عمران:103فكلما حدثت جفوة أو حصل هجر عدنا إلى الدين، فمنهج الإسلام في تربية النفوس قائم على التحابب والتقارب والتآلف، ومن هنا فلا تباغض ولا تحاسد ولا تدابر في حياة المسلم الصادق، فالهدي النبوي يسكب في سمعه أروع منهج للأخلاق عرفته البشرية منذ أن كان إنسانا على ظهر الأرض بقوله: (لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله )رواه مسلم، فالأمة الإسلامية تمر في هذا العصر بمرحلة من الهوان والضعف لم تبلغها في أي حقبة من حقب التاريخ الإسلامي، فقد اجتمعت قوى الشر من شرق وغرب فرمت بسهامها من قوس واحدة تعمل على تمزيق الجسد المتماسك وتفتيت لحمه وتكسير عظامه.

387

| 12 مايو 2016

العون الإلهي (2)

إن النفس الإنسانية مجبولة في أصل فطرتها على الإحساس والشعور، ذاك الشعور بلذة النعيم والشعور بألم الجحيم، فأنت كإنسان لابد أن تشعر بالنعيم أو أن تشعر بالجحيم هذه جبلتك وهذه فطرتك وهذه خصائص بشريتك، وهي مجبولة على أن تركن إلى الأول أي إلى النعيم، وعلى أن تفزع من الثاني وهو الجحيم وتلك حقيقة في أصل خلق الإنسان، وحينما يوطن الإنسان نفسه على تحمل كل أنواع الضر والعذاب وهو يؤدي رسالة ربه مبتغيا بها وجهه ورضوانه لا يعني أنه لا يتألم للضر ولا يستريح للنعيم، فالنفس البشرية مهما تسامت لا تخرج عن دائرة بشريتها، ولكن حينما يفضل الإنسان عن وعي وعن إدراك وعن محاكمة وعن اختيار حر الضرر من دون أن يكون الضرر مقصودا لذاته إنما فرضته طبيعة الظروف التي أرادها الله وسمح بها، فكل شيء وقع بإرادة الله وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، وأن لكل واقع حكمة بصرف النظر عن الموقع حكيما كان أم غير حكيم، حينما يؤثر المؤمن الضر على النعيم إرضاء لوجه ربه وأداء للرسالة التي أنيطت به عندئذ يستحق جنة ربه إلى أبد الآبدين، حيث يجد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، لقد كان سيد البشر حينما لم ينتصر لذاته.لقد ذاق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من قومه الأذى ما لا يحتمله بشر على الإطلاق، بيد أن الإنسان يجد أيضا مع كل نوع من أنواع الأذى، ومع كل مرحلة من مراحله ردا إلهيا على هذا الإيذاء مواساة وتبشيرا وإكراما وتأييدا حتى لا يجتمع في النفس من عوامل الألم والضجر ما قد يدخل إليها اليأس، وما الإسراء والمعراج في حقيقته إلا رد إلهي تكريمي على المحنة القاسية التي كشفت حقيقة الحرص النبوي على هداية الخلق وكشفت صبره الجليل على إيذائهم، لأنه جاء جبريل قال: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين ، فقد مكنه الله أن ينتقم منهم وأن تزلزل أرضهم، فما كان إلا قوله عليه الصلاة والسلام ، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون لعل الله يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله، فهذه حقيقة النبوة لو ناداك إنسان باسمك من دون لقبك العلمي لأقمت عليه النكير، هؤلاء ضربوه و سخروا منه وكذبوه ، فقد علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن مع العسر يسر ومع الضيق شدة، فأسرى الله سبحانه وتعالى بنبيه كيف شاء ليريه من آيات ربه الكبرى، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد فالإسراء كان مسيرا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس في جزء من الليل ثم رجوعه بنفس الليل والمعراج هو الصعود به صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماوات السبع وما فوق السبع ، حيث فرضت الصلوات الخمس ثم رجوعه إلى بيت المقدس في جزء من الليل، فقد قال الله تعالى:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء:1، فلقد كانتا ترويحا للنبي صلى الله عليه وسلم عما لقيه من أحداث جمة أثقلت كاهله فبعد كل ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من الهوان والأذى والجفاء في الطائف، ومن قبل حزنه لفراق عمه أبي طالب وزوجه السيدة خديجة رضي الله عنها، فكان الترويح عن النفس المحمدية بالإسراء به وعروجه إلى السموات العلى ومنه إلى ما شاء الله من القرب والدنو والسير في السماوات ومشاهدة الآيات والاجتماع بالأنبياء.

327

| 05 مايو 2016

العون الإلهي

‏إن الحق سبحانه وتعالى أكرم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم برحلة لم يسبق لبشر أن قام بها، فقد شاهد من آيات ربه ما لا يمكن لبشر أن يراه إلا عن طريق العون الإلهي، ووصل إلى مستوى يسمع فيه كلام الله تعالى الأزلي الأبدي الذي لا يشبه كلام البشر، فقد منحه الله في هذه الرحلة عطاء روحيا عظيما تثبيتا لفؤاده، ليتمكن من إتمام مسيرته في دعوة الناس إلى طريق الحق والهداية، فقد سار النبي محمد صلى الله عليه وسلم تحت الإشراف الإلهي المباشر حتى يكون أسوة وقدوة للمجتمع الإيماني، ولذا قال له ربه ما ودعك ربك وما قلى فهو الذي اصطفاه واختاره من بين الناس ليكون بشيرا ونذيرا بقدرة الخالق سبحانه وتعالى فزكاه ربه بقوله وإنك لعلى خلق عظيم ويعلمنا الله سبحانه وتعالى أن هديه صلى الله عليه وسلم إن هو إلا وحي يوحى، لذلك لم تفارقه العناية الإلهية لأن الخالق هو الذي يعصمه من الناس فقد جعل الله سبحانه وتعالى لنا في أيام دهرنا نفحات وأمرنا بالتعرض لها لعل أحدنا تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا،‏ فإن القدرة الإلهية التي خلقت هذا الكون الكبير لن تعجز عن حمل بشر إلى عالم السماء وإعادته إلى الأرض، في رحلة ربانية فإنها حقا معجزة لا يدري كيفيتها بشر، فالإسراء آية من آيات الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى، وهو انتقال عجيب بالقياس إلى مألوف البشر ولهذا ‏فقد أثار كفار قريش حوله جدلا طويلا، وتساؤلات كثيرة ولا يخفى على كل عاقل متدبر يتقي الله ويخافه بأن الله تعالى واضع نظام هذا الكون وقوانينه، وأن من وضع قوانين التنفس والجاذبية والحركة والانتقال والسرعة وغير ذلك، قادر على استبدالها بغيرها لتكون للعالمين آية وعبرة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا. ‏فعندما يطلع الإنسان على عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه وعظيم قدرته، يثق بنفسه ودينه ويطمئن إلى أنه بإيمانه يكون قد لجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلا الأصلح، ولا يريد له إلا الخير قادر على كل شيء ومحيط بكل الموجودات، فكان مسراه معجزة وآية من آيات الله الكبرى وكان بلاء وتمحيصا ليزداد المؤمن إيمانا، وأمر من الله بقدرته وسلطانه فيه عبرة لأولى الألباب وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق،فإن أهل قريش لم يتركوا فرصة للتشهير بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إلا انتهزوها ولكن رسول الله أَبى إلا أن يصدع بالحق لأنه صاحب دعوة ومأمور بالتبليغ، وليس من طبيعة دعوة الحق أن ترضى بالحصار أو تستكين للتعتيم عليها، فالذي لقيه النبي عليه الصلاة والسلام من مختلف ألوان المحن لاسيما بالذات الذي رآه في الطائف إنما كان من جملة دعوته للناس، فكما أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء ليبلغنا العقيدة الصحيحة عن الكون وخالقه، وعن الحياة وحقيقتها وعن الإنسان ورسالته وعن أحكام العبادات والمعاملات وعن مكارم الأخلاق، إنما جاء ليعلم الناس طريقا آخر من خلال السلوك العملي وهذه سنته العملية جاء ليبلغنا أن الله كلفهم بالصبر والمصابرة والبذل والمثابرة، فكما أن النبي عليه الصلاة والسلام علم الناس بأقواله كذلك علمهم بأفعاله، فقال بلسان حالها العملي اصبروا كما رأيتموني أصبر، فإن محنة الطائف وما بعدها محنة كأن الخط البياني لدعوته صلى الله عليه وسلم وصل إلى الحضيض، كذبوه وسخروا منه ونالوه بالأذى ولم ينثن النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوته بل زاده الصبر تثبيتا ورحمة بالناس، فالمسلمون اليوم في أمس الحاجة إلى هذا الدرس البليغ، اصبروا كما رأيتموني أصبر لأن مكر الأعداء، أعداء المسلمين وصفه رب العالمين بانه تزول منه الجبال، أتصدقون أن قوى الأرض مجتمعة تستطيع أن تزيل جبلا صغيرا متواضعا، والذي يمكننا من إلغاء هذا المكر أن نلتزم منهج الله وشريعته، ألا ترون بأعينكم أن المسلمين هان أمر الله عليهم إلى درجة أنهم لا يبالون بحلال وحرام، ولا بواجب أو ممنوع، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله.

751

| 28 أبريل 2016

سوء الظن

إن من أمارات التقى في الإنسان وعلامات الصلاح سلامة الصدر وطهارة القلب من الغل والحقد والحسد والضغائن والرذائل، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ولا يكون صلاح ذات البين إلا بسلامة الصدر من تلك الآفات، لذلك فإن دين الإسلام قد حرص حرصا شديدا على أن تكون الأمة أمة واحدة في قلبها وقالبها تسودها عواطف الحب المشترك والود الشائع والتعاون على البر والتقوى، والتناصح البناء الذي يثمر إصلاح الأخطاء مع صفاء القلوب وتآلفها دون فرقة وغل وحسد ووقيعة وكيد وبغي، لذا يجب أن ننطلق لإصلاح ذات بيننا لإعداد جيل منتج مبدع يسهم في بناء مجتمعه فكلما أصلحنا ذواتنا صلح مجتمعنا يقول الله تعالى:- (يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم) الحجرات:12، فسوء الظن له أثره السلبي على حياة الأفراد وسلوكياتهم وأخلاقهم، والإنسان اجتماعي بطبعه يسعى للتعامل مع الآخرين بالخلق الحسن والتعايش الإيجابي، ولكن أمراض القلوب التي يصــــــــاب بها الفرد أحيانا تؤدي إلى دماره النفسي والجسدي، ومن أخطر أمراض القلوب النفس التي تكون أمارة بالسوء، والتي يغذيها سوء الظن بالآخرين يقول الله تعالى :(إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) الحجرات10.فالأخوة الإيمانية تعلو على كل خلاف مهما اشتدت وطأته واضطرمت شدته، لذا يجب بناء العلاقات بين الأفراد على أسس متينة ونقية خالية من الظنون والفتن لا تشوبها شائبة وتكون مبنية على المبادئ الأخلاقية السليمة، فسوء الظن مرض قلبي يصيب الإنسان ويؤدي إلى تلف الروابط البشرية الإيجابية وتحويلها إلى روابط سلبية تضر بصاحبها والمحيط الذي يعيش فيه، وترجع أسبابه إلى البعد عن تقوى الله سبحانه تعالى وعدم الثقة بالآخرين وبناء علاقات سيئة معهم وقلب مغمور بالكراهية وانعدام السعادة والراحة والأمان النفسي لدى الشخص الظان، لذلك أدعو كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد إلى بتر هذا المرض من قلوبهم ونفوسهم، وتعزيز روح المحبة والتعاون والألفة وحب الخير للآخرين، كما يجب علينا أن نكون سفراء لديننا بأخلاقنا اقتداء برسلنا ونعلم حق العلم أنه يبدأ العلاج من إصلاح الفرد لذاته، وإدراكه لمخاطر هذه الآفة على نفسه والآخرين والتماس العذر للشخص المظنون به وتحويل المسار العقلي والقلبي عند الإنسان من سوء ظن إلى حسن ظن، والمصارحة والمواجهة اللطيفة والحكيمة، فإن من فضائل سلامة الصدر جمع القلب على الخير والبر والطاعة والصلاح فليس أروح للمرء ولا أطرد للهم ولا أقر للعين من سلامة الصدر مع عباد الله المسلمين ومنها أنها تقطع سلاسل العيوب وأسباب الذنوب فإن من سلم صدره وطهر قلبه عن الإرادات الفاسدة والظنون السيئة عف لسانه عن الغيبة والنميمة ومقالة السوء، فإن من أقوى العلاجات لهذه الآفة عقل حكيم، وقلب مؤمن ونفس صافية خالية من الشـــــوائب، لأن الـــظنون تدمر النفس وتســبب أضــــرارا جسيمة في شخصية الفرد وسلوكه، وتحوله من فرد سليم إلى فرد معاق نفسيا من الصعب علاجه، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فمثل هذا الهدي النبوي الذي يوقظ القلوب ويحيي الضمائر ويجمع الأمة بعد شتاتها، ويوحدها بعد فرقتها، ولا يؤتي هذا الجمع ثماره وهذا الاتحاد فوائده، إلا بسلامة الصدور وطهارة القلوب فإن منهجية ديننا الحنيف تقوم على أواصر المحبة والبعد عن الضغينة، فإن سلامة الصدر من الضغائن تفرض على المؤمن أن يتمنى الخير للناس وإن عجز عن سوقه إليهم بيده وأول المستفيدين من إسعاد الناس هم المتفضلون بهذا الإسعاد يجنون ثمرته عاجلا في نفوسهم وأخلاقهم وضمائرهم، فيجدون الانشراح والانبساط والهدوء والسكينة، ويستطيعون التفكير السليم والمواجهة الحقيقية التي تخلف نصرا لهذه الأمة فإذا طاف بك طائف من هم أو ألم بك غم فامنح غيرك معروفا وأسد له جميلا تجد الفرج والراحة وتجد السعادة تغمرك من بين يديك ومن خلفك.

477

| 21 أبريل 2016

الأشهر الحرم في كتاب الله

إن العمل الصالح شجرة طيبة تحتاج إلى سقاية ورعاية واهتمام، حتى تنمو وتنبت وتؤتي ثمارها، وإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله، فإنه يكرم عبده إذا فعل حسنة وأخلص فيها لله فيفتح له بابا إلى حسنة أخرى ليزيده منه قربا، لذا يجب أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها فنحافظ عليها، ونزيد عليها شيئا فشيئا للوصول إلى الثبات ولنحافظ على الاستقامة والمداومة على العمل الصالح، فإن من أراد أن يداوم على أعماله الصالحة بعد مواسم الطاعة، فمن المفيد له أن يعرف أهمية المداومة عليها وفوائدها وآثارها والأسباب المعينة عليها وهدي الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: ( يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة) قال: (ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) متفق عليه.فمن أهمية المداومة على الأعمال الصالحة دوام اتصال القلب بخالقه مما يعطيه قوة وثباتا وتعلقا بالله عز وجل وتوكلا عليه ومن ثم يكفيه الله همه، لأن الأعمال المداوم عليها أحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) متفق عليه، إن للأشهر الحرم مكانةً عظيمة ومنها شهر رجب لأنه أحد هذه الأشهر الحرم ومن اختياره وتفضيله اختيار بعض الأيام والشهور وتفضيلها على بعض، وقد اختار الله من بين الشهور أربعة حرما قال تعالى :( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) التوبة: 36، أي لا تحلوا محرماته التي أمركم الله بتعظيمها ونهاكم عن ارتكابها فالنهي يشمل كل فعل القبيح من المعاصي والمنكرات وما يبغض الله تعالى، فينبغي مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به من المنزلة والتحذير من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة.وحيث إن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرمه الله، لذلك حذرنا الله في الآية من ظلم النفس فيها مع أنه أي ظلم للنفس يشمل المعاصي فإنه يحرم في جميع الشهور ولاشك أن لشهر رجب مكانة عند الله تبارك وتعالى، فهو أحد الأشهر الحرم التي كرمها الله جل ذكره في كتابه ونهى الناس عن الظلم فيها، ولا يعني هذا أنه يجوز تخصيصه بعبادة معينة دون غيره من الشهور، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك، فإن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع لا يجوز لأنه لا فضل لأي وقت على وقت آخر إلا ما فضله الشرع، فليس للطاعات موسم معين ثم إذا انقضى هذا الموسم عاد الإنسان إلى المعاصي بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياته كلها، ولا ينقضي حتى يدخل العبد قبره، فمما لا شك فيه أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات، والاستمرار في الحرص على تزكية النفس ومن أجل هذه التزكية شرعت العبادات والطاعات، وبقدر نصيب العبد من الطاعات تكون تزكيته لنفسه، وبقدر تفريطه يكون بعده عن التزكية؛ لذا كان أهل الطاعات أرق الناس قلوبا وأكثر صلاحا، وأهل المعاصي أغلظ قلوبا وأشد فسادا فلقد اختار الله من الأزمان أياما مباركات تكون وسيلة للإكثار من للطاعات، اصطفى فيها أياما وليالي وساعات فضلا منه وإحسانا، يمسحون فيها عن جبينهم وعثاء الحياة، ويستقبلها المسلمون ولها في نفوس الصالحين منهم بهجة، وفي قلوب المتقين فرحة، فرب ساعة قبول فيها أدركت عبدا فبلغ بها درجات الرضا والرضوان.

948

| 14 أبريل 2016

أوجعتني دموعك

إن فقدان الأب في الصغر من أصعب الأمور وأشقها على نفس الإنسان، فالأب هو المعيل والمربي والصديق والملجأ ومنبع الحنان كله، لهذا فقد أوجبت الإنسانية والأديان السماوية احترام الأيتام والعطف عليهم، ومراعاتهم إلى أن يكبروا ويصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم، فالصغير يكون بحاجة ماسة إلى العون والدعم النفسي قبل المادي كي يكمل حياته بشكل طبيعي، ومما يضع البلسم على جراح الأيتام في المجتمع المسلم، أن نبينا -عليه الصلاة والسلام- أراده ربه أن ينشأ يتيما غير أنه حاز الكمال في التربية برعاية ربه له، والذي خاطبه في معرض المن والتذكير بالنعمة "ألم يجدك يتيما فآوى"، فالأيادي الندية التي تنفق من عطاء الله -تعالى- كالمياه العذبة تنساب على الأرض العطشى لتعود الحياة إليها وتزهر وردا لتغدو طاقة وسعادة بعطاءات مباركة على بيوت اغتمت بدموع حارقة لفقدان الراعي والمعيل لتحول نفوس ساكنيها إلى طمأنينة.بوركت تلك الأيادي البيضاء التي امتدت إليها وأنارت ظلمتها وزرعت فيها ابتسامة يشرق منها نهار يمتلئ بالأمل لجني ثمار فردوس ربنا الدائمة ومرافقة نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- فيها، فالمسلم الحق كريم مهما كان فقيرا ومهما كان عطاؤه قليلا، يأمره الإسلام أن تنبجس في نفسه عاطفة الرحمة بمن هو أفقر منه ويحس ما يعانيه غيره من ألم وحرمان، ومن أجل ذلك جاءت النصوص تحض المسلمين على الإنفاق من طيب ما يملكون كل منهم حسب استطاعته، لتبقى نفوسهم ممتلئة بنداوة المشاركة الوجدانية لإخوانهم، ووعد الله هؤلاء المنفقين على عطائهم باستثمار صداقتهم وتنميتها حتى تصبح كالطود الشامخ. يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:(من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) متفق عليه، ولكيلا تنغلق النفوس وتحتجب عن المشاركة الوجدانية في المجتمع ولكيلا تجف ينابيع الخير والرحمة والتعاطف فيها دعاها الرسول الكريم إلى الإنفاق اليسير وحذرها من السلبية والانغلاق والإمساك لأن في ذلك مهلكة وبوار وعذاب فقال:(اتقوا النار ولو بشق تمرة) رواه البخاري، فلقد وسع الإسلام دائرة الخير ليلجها كل مسلم ففتح له أبواب هذه المشاركة فجعل كل عمل نافع يقوم به صدقة له يثاب عليها كما يثاب الغني على إنفاقه فكل معروف صدقة، وبذلك ضمن مشاركة جميع الأفراد في بناء المجتمع وخدمته وتحسينه، وأدخل على قلوب أبنائه جميعا الراحة والسرور، والابتهاج بهذه المشاركة التي ترد للإنسان اعتباره وتحفظ كرامته وتحقق مثوبته فكفالة اليتيم من الأمور التي حث عليها الشرع الحنيف، وجعلها من الأدوية التي تعالج أمراض النفس البشرية وبها يتضح المجتمع في صورته الأخوية التي ارتضاها له الإسلام، وكفالة اليتيم ليست في كفالته ماديا فحسب بل الكفالة تعني القيام بشؤون اليتيم من التربية والتعليم والتوجيه والنصح، والقيام بما يحتاجه من حاجات المأكل والمشرب والملبس والعلاج، فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما) رواه البخاري، فكانت عناية الإسلام باليتامى غير مقتصرة على الحث على الكفالة والرعاية، بل كذلك في إشعارهم بالحنان والمحبة، وإدخال الأنس في قلوبهم الذي كانوا يألفونه من آبائهم، حتى لا يشعروا بفقد الأب الحاني لوجود من يعوضهم عن حنوه وعطفه وبره، هذه هي طرق البر التي يسلكها المنفق الجواد يبتغي بها مرضاة ربه ومثوبته ومنها كفالة اليتيم والإحسان إليه محتسبا ما ينفقه في هذا السبيل عند الله الذي أعد لكافل اليتيم مقاما عليا بمنحه شرف جوار الرسول الكريم في الجنة .

669

| 07 أبريل 2016

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4335

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

2184

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

1977

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1797

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1455

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1173

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

978

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

732

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

672

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

651

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

627

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

573

| 11 ديسمبر 2025

أخبار محلية