رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

نصف دستة أشرار

التحيز ضد الإسلام -على عكس التحيز ضد السود، اللاتينيين، المرأة، الشواذ- يبدو أمراً مقبولاً في الولايات المتحدة. ولذا جاءت تصريحات المرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية بخصوص الإسلام والمسلمين متجاوزة للحدود الطبيعية في النقد. فعلى العكس من حملة التزلف لليهود التي تسبق أي موسم انتخابي، تبدأ حملة موازية من الانتقادات الموجهة للإسلام والمسلمين كطقس ثابت ودوري، وبدلاً من تقديم الوعود الانتخابية للمسلمين، يتباري المرشحون في توجيه أكبر كم من الانتقادات لهم ولدينهم الذي يعتنقونه. نستعرض في هذا المقال تصريحات ستة من هؤلاء المرشحين (ليس من بينهم جيب بوش وتيد كروز اللذان استعرضنا طرفا من خطابهم السياسي في مقالات سابقة). في سياق الملاحظات السلبية عن الإسلام عادة ما يأتي المرشح الجمهوري ليندساي جراهام في المقدمة، إذ يحمل هذا المرشح موقفا سلبيا من الشرق الأوسط بشكل عام، ولكنه يركز عداءه تجاه من وصفهم بالجماعات الإسلامية المتشددة، ممن يريدون أن يكون لدينهم السيادة على العالم. ويعتقد جراهام أن ما تواجهه الولايات المتحدة هو حرب دينية تستهدف قتل كل المسيحيين وتدمير إسرائيل، ولهذا يتعين "التصدي لها بالقوة المناسبة". ويؤكد جراهام، على أن هذه الحرب الدينية، لم تبدأها الولايات المتحدة ولكن سيتعين عليها إنهاءها. ويعتبر جراهام أن الوقت هو وقت الحرب، وأنه لا مكان للسلام في المنطقة، "فالمنظمات الإرهابية صارت أعدادها أضخم، وإمكاناتها أعقد، وأصبحت تعمل بحرية أكبر"، ويرى أن دوره يتمثل في إبقاء الحرب بعيدا عن الولايات المتحدة، وذلك بمهاجمة الإرهابيين في عقر دارهم، قبل أن يتسنى لهم مهاجمة الولايات المتحدة على أراضيها، فهدفه أن ينقب عمن يهددون الولايات المتحدة وقتلهم "لأنه لا بديل سوى ذلك". المرشح الثاني على قائمة الأشرار هو ريك سانتوروم عضو مجلس الشيوخ ومنتج الأفلام الدينية. يؤيد سانتوروم التدخل والعقوبات الاقتصادية ضد الدول الراعية للإرهاب. ويلخص الصراع في الشرق الأوسط بأنه نتاج معركة قديمة بين الغرب وأولئك الذين يرون العالم بطريقة "مختلفة جذريا"— يقصد المسلمين. وخلال كلمته أمام تجمع من أنصاره أوضح سانتوروم عن قناعته بوجود خط فارق بين "العالم الإسلامي" و"العالم الغربي"، معتبرا أن صراع أمريكا الحالي مع الدولة الإسلامية في العراق وسوريا يعكس "صراعا أكبر بين الحضارات"، ويعتقد سانتوروم "أن المسيحية قد تجاوزت العنف الذي تمارسه الجماعات الإسلامية. فرغم أن سانتوروم يقر بأن"المسيحية قد انتشرت بحد السيف، إلا أنه يستدرك "إن هذا لم يعد يحدث حالياً" فوفقا له.. "لم يعد هناك مسيحي يخرج من أجل الجهاد"، ويضيف سانتوروم "إن العالم الغربي أصبح مرادفا للحرية الدينية وحرية الضمير، وبات الغربيون مقتنعين أن التفاهم هو السبيل لنشر الدين، أما في الإسلام فإن ثمة مشكلة تأسيسية تجاه قضايا الحرية الدينية وحرية الرأي بشكل عام، "فقيم مثل المساواة لم تنبع من الإسلام وإنما من إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب"! المرشح من أصل هندي "بوبي جندال" انضم إلى قائمة المهاجمين، من زاوية انتقاد قوانين الهجرة الحالية، معتبرا أن ما يقوم به بعض المهاجرين المسلمين (من عمليات إرهابية) لا يمكن أن يصنف تحت بند الهجرة ولكن الغزو، ومؤكداً أن بعض المسلمين يأتون إلى أمريكا لتغيير قيم الأمريكيين وثقافتهم، فيما يشكل احتلالاً للأراضي والقيم الأمريكية، وطالب من ثَمَّ بتشديد قوانين الهجرة لفرز من يصل إلى أمريكا منهم. معتبرا أنه لا بأس من ممارسة بعض التمييز السلبي إزاء المهاجرين المسلمين. ولم تتوقف ملاحظات جيندال السلبية على المهاجرين، ولكنه تعداها للمسلمين عبر العالم، مطالبا هؤلاء بأن يدينوا بالقول والفعل الإرهاب الذي يتم باسم الدين، وإلا أصبحوا شركاء فيه. المرشح دونالد ترمب بدوره، يعتبر أن هناك مشكلة تخص الإسلام من حيث هو دين، ويرى أن هناك طاقة كراهية هائلة بداخله، ولا يصدق أن اللاجئين المسلمين يتدفقون إلى الولايات المتحدة بسهولة تفوق تلك التي يتدفق بها اللاجئون من المسيحيين، معتبرا هذا أمرا يجب عكسه فورا. أما المرشح ماركو روبيو فيقترح منع منح أي تأشيرات دخول جديدة للمسلمين خصوصا من الشباب، على اعتبار أنه إذا كان الوقت لا يسمح بالتعامل مع كل المسلمين الذين دخلوا بالفعل واستقروا في الولايات المتحدة فإن أقل شيء أن يمنع أي مسلمين جدد من دخول الأراضي الأمريكية. المرشح السادس على القائمة السوداء هو مايك هاكابي، الذي انتقد أوباما لكون "كل شيء يفعله هو ضد المسيحيين، واليهود في إسرائيل. وفي صالح المسلمين". ومما يأخذه هاكابي على أوباما أنه في كل مرة يدين فيها أفعال الجماعات الإسلامية المتشددة فإنه يقارنها بما فعله المسيحيون أثناء الحملات الصليبية. وعندما أعلنت مدينة نيويورك أن المدارس العامة ستغلق في أعياد المسلمين، اعترض هاكابي بالقول إنه ليس بمستبعد على المسلمين أن يمارسوا العنف حتى في أعيادهم. البعض يرى أن العداء الجمهوري (الذي تنضح به عبارات هؤلاء المرشحين) ضد الإسلام والمسلمين والذي يفوق ما كان سائدا في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر يرجع بالأساس إلى ميراث "الحرب على الإرهاب" التي بدأها بوش الابن. فالجمهوريون من أنصار نظرية العدو الضروري، يتوجهون، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بطاقة الكراهية التي يحملونها للإسلام ومعتنقيه. فيما يرى آخرون أن ميراث العداء يسبق ذلك التاريخ، وأنه انتظر السياق المناسب لكي يفصح عن نفسه. وأيا ما كان الأمر فإن الخطير بحق أن تكون تلك الانتقادات المتلاحقة من المرشحين المحتملين مقدمة لحملة مكارثية جديدة لا تطال فقط مسلمي الشرق الأوسط ولكن أيضا مسلمي الولايات المتحدة، وذلك إذا ما نجح أحد هؤلاء المتطرفين من الوصول إلى المكتب البيضاوي في يناير القادم.

568

| 05 أغسطس 2015

الجمهوريون وعقدة الفوضى الخلاقة

رغم الأثر السيئ الذي أحدثه آل بوش على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يبدو الكثير من المرشحين الجمهوريين أسرى البدائل التي مارسها بوش خلال فترتي ولايته. فعلى مدار ثماني سنوات هي مدة حكم بوش الابن تورطت الولايات المتحدة على نحو صريح في حربين فاشلتين، كان من نتائجهما أكثر من 7000 قتيل أمريكي، وحوالي 60000 مصاب، وتم إنفاق حوالي 2 تريليون دولار، فضلاً عن سن سلسلة من القوانين المقيدة للحريات التي لم تجعل حياة الأمريكيين أكثر سهولة، ولم تجعل العالم أكثر أمنا. ومع ذلك، فإن الكثير من المرشحين الجمهوريين المحتملين في الانتخابات الرئاسية القادمة، يعتقدون أن السياسات الفاشلة الخاصة ببوش الابن، والتي تسببت في العديد من الأزمات الداخلية والخارجية، أساسية لتحقيق الاستقرار في العالم، تماما كما كانت أساسية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011 من وجهة نظرهم، هذه العقلية صارت تسيطر على الكثير من مرشحي الحزب الجمهوري، الأمر الذي قد يجعل منهم مصدرا محتملا للمزيد من الفوضى في الشرق الأوسط والعالم. الغريب أن الكثير من الجمهوريين يقرأون الكوارث التي تسببت فيها سياساتهم على نحو معاكس لما يقرؤها عليه الآخرون، فبالنسبة لهم فإن حرب الخليج الأخيرة أدت إلى ميلاد عراق مزدهر وحر، وحرب أفغانستان أنتجت ديمقراطية فعالة وأخلاقية! ويبدو أن الكثير منهم ينوون الاستمرار على هذا الأسلوب، إذ هم مقتنعون أن لهم دورا أساسيا في تحقيق الأمن العالمي، وأن أي انسحاب من ساحات النزاع الكبرى عبر العالم يعني أن الإرهاب قد انتصر وأن أعداء أمريكا قد نجحوا في إذلالها. المرشح الجمهوري للرئاسة "تيد كروز"، أحد معاوني بوش خلال حملته الرئاسية عام 2000، (شغل منصب مستشار بوش للسياسة الداخلية)، يعكس هذه التصورات بوضوح، إذ هو لا يكاد يختلف عن بوش الابن في تصوراته الشرق أوسطية. ورغم أن كروز يضع نفسه في مكان متوسط بين الانعزاليين والتدخليين، إلا أن تصريحاته تنم عن رغبة واستعداد للتدخل في شؤون المنطقة على نحو كبير، فهو يرفض استهداف نظام بشار الأسد بضربات جوية، كما يعارض قيام إدارة أوباما بتسليح فصائل المعارضة السورية، معتبرا أن هذه المعارضة لا تختلف كثيرا عن تنظيم القاعدة. ولكنه رغم ذلك يؤمن بضرورة استهداف تنظيم الدولة وتوجيه ضربات قوية له. وقد قرر كروز أن يدلف إلى الشرق الأوسط من بوابة التطرف الديني، واختار أن يدعم الملف المسيحي في هذا الصدد. ولكن كروز مثل سلفه بوش لا يدرك طبيعة تعقيدات الشرق الأوسط، فهو لا يدرك مثلاً الفارق بين المسيحيين الأمريكيين ومسيحي الشرق الأوسط. وقد اتضح هذا الخلط على نحو صادم خلال مؤتمر نظمته مجموعة تعرف بالـ IDC (In defense of Christians) تعنى بشؤون مسيحي الشرق الأوسط، وتسعى لإيجاد نوع من الوحدة بين المذاهب المسيحية المختلفة (الأرثوذكس، الكاثوليك، الأقباط، السريان، الآشوريين، الموارنة إلخ). في البداية استقبل الجمهور المسيحي خطاب كروز بتصفيق شديد، إثر دعوته للوحدة بين المسيحيين واليهود وكل أصحاب النوايا الحسنة للوقوف في وجه المتعصبين ممن لا يقبلون أن يختلف معهم أحد في معتقدهم، مشيراً إلى تنظيم الدولة، وتنظيم القاعدة، وحزب الله، وحماس، معتبرا أن كل هذه التنظيمات تشارك في حملة الإبادة الشرسة لتدمير الأقليات الدينية في الشرق الأوسط، ورافضا ما يقال عن وجود اختلافات بين هذه الجماعات وبعضها البعض. ولكن جهل كروز بالمنطقة اتضح عندما صرح بالقول إن السبيل الأساسي لحماية المسيحيين يكون من خلال إسرائيل، بوصفها الحليف الطبيعي لمسيحي الشرق الأوسط. عند هذه النقطة قوطع كروز من قبل الحضور، الذين اعترضوا على فكرة توكيل إسرائيل في حمايتهم أو الدفاع عنهم، وبدأوا في الصياح ضده، ولكن كروز المتصهين رد بالقول إذا لم تكونوا في صف إسرائيل فلن أكون في صفكم، فمن يكرهون إسرائيل يكرهون أمريكا. حالة هذا المرشح الجمهوري نموذجية في إظهار كيف يسقط المرشحون الجمهوريون الخبرة الأمريكية المتصهينة على الآخرين فيفترضون مثلاً أنه طالما أن أمريكا ليس لها حليف أفضل من إسرائيل فإنه بالنسبة للآخرين أيضا يجب أن تكون إسرائيل أفضل حليف لهم. وأنه طالما أن التهديدات الذي تواجهها الولايات المتحدة تنبع من الجماعات الدينية المسلحة، فإنه لابد وأن يكون اضطهاد المسيحيين الشرقيين على يد إسلاميين بالضرورة. ولم يدر بخلد كروز أنه ربما تكون إسرائيل متورطة بشكل ما في اضطهاد المسيحيين الذين يسعى لكسب أصواتهم. الغريب أن كروز بعد أن أدرك كراهية الجمهور المسيحي لما يقوله لم يتراجع، وإنما استمر في التأكيد على فكرته، وهو ما أدى إلى أن انقلب عليه الجمهور تماما ومنعوه تقريبا من إكمال كلمته فاضطر إلى الانسحاب. لاحقا أكد المرشح الجمهوري أن ما جرى لم يكن بسبب تصريحاته المستفزة وإنما بسبب سيادة جو من التعصب والكراهية ومعاداة السامية بين مستمعيه! المرشح الجمهوري تيد كروز يؤكد إذن صفة الجهل المترسخة لدى المرشحين الجمهوريين بشؤون الشرق الأوسط، ويعيد إنتاج خطاب وسياسات جورج بوش الابن، على نحو يجعل المفاضلة بين المرشحين الجمهوريين لاختيار واحد منهم لخوض الانتخابات الرئاسية مجرد تحصيل حاصل، فمعظمهم إن لم يكن كلهم ينوون استكمال ما بدأه بوش الابن من سيناريو الفوضى التي وصفها في حينها بالخلاقة!.

343

| 29 يوليو 2015

الشرق الأوسط في أجندة مرشحي الحزب الجمهوري

استعرضنا في المقال السابق المبادئ العامة للحزب الجمهوري، وسلطنا الضوء على التحولات الكثيرة في مواقف الحزب من القضايا الداخلية والخارجية، وافترضنا أن استشراف سياسة الإدارة الأمريكية القادمة لا يتحقق فقط من خلال معرفة الخلفية الحزبية للمرشح، ولكن من خلال استعراض برامج المرشحين المحتملين، كل على حدة. وفي هذا الإطار يبدو "جيب بوش" صاحب الحظ الأوفر في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، وعليه نستعرض فيما يلي أهم ما جاء في خطاباته الانتخابية عن الشرق الأوسط وقضايا العالم العربي والإسلامي.ينطلق جيب في رسم سياسته الخارجية من انتقاد مواقف الإدارة الديمقراطية الحالية وعلى رأسها باراك أوباما، حيث يفترض جيب أن أوباما بدلا من أن يظهر الزعامة الأمريكية ويدافع عن القيم الأمريكية، انسحب من المسرح العالمي واختار مهادنة أعداء أمريكا. وفي هذا الصدد يرفض جيب الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع إيران، ففضلاً عن أن إيران عدو تقليدي للولايات المتحدة وراعية للإرهاب والحروب بالوكالة ضد المصالح الأمريكية وفقا له، فإن وجه الخطورة الأساسي في الاتفاق النووي معها أنه لا يمس البنية التحتية للقدرات النووية الإيرانية ويترك إيران كخطر محتمل على إسرائيل. ويعتبر جيب بوش أن الاتفاق النووي كاشف للطريقة التي تتعامل من خلالها الإدارة الأمريكية مع قضايا السياسة الخارجية بشكل عام، والتي تتلخص في التفريط في الهيمنة الأمريكية والتسامح مع الأعداء (إيران) والإساءة للأصدقاء (إسرائيل).أما فيما يتعلق بتنظيم الدولة، يرى جيب أن إدارة أوباما مارست الكلام أكثر مما مارست الأفعال لمواجهة التهديد الذي يمثله هذا التنظيم، كما أنها قدمت القليل من العون للدول التي تواجه التهديدات الإرهابية، ويخص جيب بالذكر اليمن – التي يفترض أنها تمثل شريكا أساسيا وموثوقا به في الحرب ضد تنظيم القاعدة والشبكات الإرهابية الأخرى. كما ينتقد جيب انخفاض الدعم الموجه للعراق لتجنب الوقوع في فلك الهيمنة الإيرانية.وفيما يتعلق بملف العلاقة مع إسرائيل يعتبر جيب بوش أن العلاقات بين البلدين قد تراجعت — بسبب سياسات أوباما — عن المستوى الذي ينبغي أن تكون عليه، ويدين جيب التعامل الفاتر بين أوباما ونتنياهو، ويؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يستحق المزيد من الدعم على كافة المستويات ومن ذلك ضرورة تدخل الإدارة الأمريكية لمنع أي قرار يتعلق بإدانة حكومته وسياساتها في الأمم المتحدة.ولا يرى جيب أنه يتعين إجبار إسرائيل على تقديم أي تنازلات لإقناع الفلسطينيين بالجلوس على مائدة المفاوضات، كما لا يرى أن تدين الإدارة الأمريكية أي توسع تقوم به الحكومة الإسرائيلية للمستوطنات في أي من الأراضي التي تحتلها، ويرى جيب أن أي حل للأزمة الفلسطينية يجب أن يتم عبر تعاون وثيق واتفاق كامل بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية (لا يذكر جيب الطرف الفلسطيني هنا)، ويؤكد في المقابل أن حل الدولتين لا يمكن أن يتحقق قبل أن يتوفر للفلسطينيين قادة قادرون على الالتزام بتعهداتهم وبنتائج ما يتم الاتفاق عليه (في تلميح منه إلى أن الطرف الفلسطيني هو المسؤول عن عدم التوصل إلى حل للأزمات التي يعاني منها). ويؤكد جيب أن من حق إسرائيل ألا تقدم أي تنازل للتوصل إلى سلام في الشرق الأوسط طالما أنها لا تشعر بالأمن!.وفيما يتعلق بموقفه من بعض الأنظمة في المنطقة، صرح جيب بوش بأنه ينوي دعم النظام المصري، مؤكداً أن الرئيس المصري يستحق أن يكافأ لدوره في مواجهة ما يسميه "التشدد الإسلامي"، معتبرا أن دعمه سوف يساعد الإدارة الأمريكية على تنفيذ سياساتها في المنطقة. مبديا دهشته إزاء تردد الإدارة الحالية في التصريح بالوقوف في صفه في الحرب التي يشنها ضد المتشددين. وعندما سئل المرشح الجمهوري المحتمل عما إذا كان يعتقد أن الرئيس المصري يمكن تصنيفه على أنه رئيس ليبرالي، أجاب بأنه ليس كذلك، ولكنه أضاف أنه يتعين أن تتسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة بالبراجماتية، وذلك بأن توازن بين إيمانها بالقيم الليبرالية، وبين احتياجها للأمن.وبشكل عام يعتقد جيب أن "الأمن" مقدم على الديمقراطية، ولهذا يذهب إلى أن من الأفضل أن يتم دعم الأنظمة غير المستقرة في المنطقة وتعزيز أمنها على اعتبار أن ذلك من شأنه أن يدعم الديمقراطية بها (لا يوضح كيف). ولا يرى جيب في هذا نكوصا عن رسالة الولايات المتحدة، فوفقا له فإن الديمقراطية هي واحدة من القيم التي يتعين على الولايات المتحدة أن تدعمها ولكنها ليست القيمة الوحيدة.ورغم أن تصريحات جيب توحي أنه ليس متحمسا لنشر الديمقراطية، إلا أن هذا لن يمنعه من تبني عقيدة تدخلية في شؤون المنطقة. فالتدخل في حالة جيب سيكون لتثبيت الأوضاع الراهنة ودعم الحلفاء المتعاونين مع الإدارة الأمريكية، وهذا هو نمط التدخل التقليدي، الذي مارسته الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ بداية انخراطها في الشرق الأوسط في منتصف القرن الفائت.أما عن موقفه من الإسلام، وفي رده على سؤال عن اعتقاده إذا ما كان الإسلام دين سلام، أجاب، أن بعض المنتسبين للإسلام مسالمون، أما الإسلام كدين فإنه يعتقد أنه قد تم اختطافه من قبل البرابرة (!) الذين يريدون تدمير الحضارة الغربية، وأنه بهذه الكيفية لا يعد دين سلام!. في المجمل لا تبدو التعليقات السابقة للمرشح الجمهوري مثيرة للدهشة، فهي مجرد امتداد لسياسة أخيه جورج دبليو بوش، والذي أعلن جيب أنه مستشاره الأساسي لشؤون الشرق الأوسط. وكأن المرشح الجمهوري المحتمل يريد أن يستفيد من نفس الأوراق التي استفاد منها أخوه من قبل، وخاصة أصوات اليمين المتدين، واللوبي الصهيوني، وذلك حتى يزيل المخاوف التي يحتفظ بها البعض تجاهه (والتي ناقشناها في مقال سابق)، حتى لو كان ثمن ذلك أن يعيد نفس الأخطاء التي وقع فيها آل بوش من قبل.

386

| 22 يوليو 2015

الجمهوريون المتحولون

التحول في المواقف هو شعار الحزب الجمهوري ومرشحيه عبر تاريخ الحزب الذي يمتد لأكثر من 150 عاما، ومن ثم لا يمكن المراهنة على فوز الجمهوريين (المحتمل) في الانتخابات الرئاسية القادمة لبناء توقعات محددة حول موقف الإدارة الأمريكية مما يجرى فى الشرق الأوسط.فقد تأسس الحزب الجمهوري عام 1854 من قبل ناشطين تلخصت قضيتهم فى مكافحة العبودية ومقاومة انتشار ظاهرة الرقيق، وعلى هذا الأساس نجح المرشح الجمهوري الأبرز إبراهام لينكولن في الوصول إلى السلطة عام 1860، ليخوض حربا ضد الانفصاليين المعارضين لبرامج الحزب الخاصة بإلغاء الرق وترسيخ حقوق متساوية للمواطنين الأمريكيين. وعلى الرغم من الدور التاريخي للحزب الجمهوري فى مجال الحريات المدنية، إلا أن اهتمام الحزب تحول عن هذا الملف تدريجيا، إلى التركيز على حقوق أرباب الأعمال وحمايتهم عبر فرض الرسوم الجمركية المرتفعة. وتدريجيا أصبحت الإجراءات الحمائية وليس الحقوق المتساوية هي السمة المميزة للحزب الجمهوري. ولكن سرعان ما تضاعفت الرسوم الجمركية لصالح قطاع الأعمال الخاصة والشركات الكبيرة، حتى أصبحت الصفة المميزة للجمهوريين هي الانحياز للأغنياء. من ناحية أخرى فإن الارتباط التقليدي بين الحزب وبين المواطنين من ذوي الأصول الإفريقية قد انفصم بدوره منذ البدء بتطبيق سياسات "العهد الجديد" التي دشنها الرئيس الديموقراطي فرانكلين روزفلت، إذ استفاد السود من برامج التشغيل التي أطلقتها الحكومة الديموقراطية، فضلاً عن برامج الإغاثة والرعاية الاجتماعية التي انتشلت الكثير منهم من تبعات الكساد الكبير. من جانبهم اعتبر الجمهوريون أن سياسات روزفلت تضفى طابعا اشتراكيا على الولايات المتحدة، ودعوا الشعب الأمريكي لنبذها، ولكن الأمريكيين صوتوا لصالح روزفلت مرة ثانية عام 1936، وثالثة عام 1940 ورابعة 1944، وبعد روزفلت فاز الديموقراطي هاري ترومان، ما ترتب عليه أن ظل الجمهوريون بعيدين عن الرئاسة لمدة 20 عاما.وخلال تلك الفترة بدأت بوادر تحالف الجمهوريين مع المحافظين، وتحول مركز ثقل الحزب إلى الجنوب الأمريكي بعد أن كانت معاقله التقليدية فى الشمال. وبحلول ستينيات القرن العشرين تحول الحزب بشكل صريح لتمثيل النخب الأمريكية من الـ WASP (White Anglo-Saxon Protestants). الأمر الذي ساهم في زيادة الانفصال بين الحزب وبين مناصريه التقليديين من السود. حتى إن الإحصائيات تشير إلى أنه فى فترة الثمانينات والتسعينيات (من القرن الماضي) كانت نسبة السود الذين يصوتون للحزب الديموقراطي لا تقل عن 90 %. وكانت درة تاج هذا الانفصام أن أتى ترشيح ومن ثم فوز أول رئيس أسود للولايات المتحدة من بين صفوف الحزب الديموقراطي وليس من بين صفوف الجمهوريين.ولم يكن هذا هو التحول الوحيد فى تاريخ الحزب، فثمة تحولات أخرى شهدها فيما يتعلق بموقفه من التدخل الخارجي، فقد تبنى الحزب سياسات تدخلية في الفترة من 1890 وحتى العام 1916، ثم تبنى مواقفا انعزالية في سياسته الخارجية خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، وخلال هذه المرحلة كان الحزب الديموقراطي هو صاحب الصوت الأعلى فيما يتعلق بتأييد التدخل الخارجي، حتى إن قرار التدخل ضد هتلر خلال الحرب العالمية الثانية حمل لواءه بالأساس الديموقراطيون وليس الجمهوريون. ولكن عاد الحزب إلى تبني أجندة تدخلية مع تولى الجمهوريين دوايت أيزنهاور، وريتشارد نيكسون، ورونالد ريجان، وأخيرا مع كل من جورج بوش الأب والابن. في الانتخابات الرئاسية المقبلة تتنوع مواقف المرشحين الجمهوريين من التدخل الخارجي، فالبعض مثل "تيد كروز"، يعدون بالتدخل القوى فى الشؤون الدولية، فيما يتمسك البعض الآخر بما يسميه الخط الأصلي للحزب الجمهوري، ممثلاً في مبدأ عدم التدخل، وأبرز من يعبرون عن هذا الاتجاه المرشح "راند بول".من تناقضات الحزب أيضا موقفه مما يسميه الحكومة الكبيرة، فعلى الرغم من أن الخط التقليدي للحزب ينادي بتقليص الحكومة، ويطالب بأن تكون محدودة الصلاحيات، فإن الحكومة الفيدرالية قد شهدت توسعا وتضخما غير مسبوق فى حجمها في عهد الجمهوريين، وأبرزهم جورج بوش الابن، كما أن الحزب الذي ينادي بتشجيع قطاع الأعمال الخاصة، والتعويل على اقتصاد السوق الحر وتقليص نفقات الحكومة، قد تورط في العديد من الصفقات الخاسرة وورط البلاد في حروب خارجية لم تعد بالنفع سوى على طائفة قليلة من الرأسماليين المشتغلين في مجالات الطاقة وإعادة الإعمار. من التناقضات الواضحة أيضا في مواقف الجمهوريين أنه في الوقت الذي يصرون فيه على أن للحكومة أن تتدخل فى حياة الناس الخاصة لتنظيم أخلاقياتهم، (من خلال تشريعات لتجريم الشذوذ والإجهاض على سبيل المثال)، إلا أنهم على الجانب الآخر يرون أن مجال الأعمال الخاص يشكل مساحة مقدسة، ينبغى أن يترك للأفراد إدارتها على نحو كامل من دون اي تدخل أو توجيه من الحكومة. لكل هذه التناقضات يمكن القول إن وصول الجمهوريين للبيت الأبيض لا يسمح بصياغة توقعات محددة حول مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية، فقد تكون تدخلية وقد تكون انعزالية، وقد تتبنى نشر الديموقراطية وقد تراهن على الأنظمة الاستبدادية، وقد تتعاطى على نحو إيجابي مع التجارة الحرة عبر العالم، وقد ترتد إلى ممارسة سياسات حمائية.ولهذا يحسن ان يدرس كل مرشح جمهوري على حدة، فلا توجد خطوط عامة يمكن أن يصنف في إطارها كافة المرشحين الجمهوريين. فقط دراسة برنامج كل مرشح على حدة ودراسة مواقفه من المنطقة هي ما قد يفيد في بناء تصورات حول السياسة الخارجية الأمريكية فى المرحلة المقبلة، كل ذلك على افتراض أن ساكن البيت الأبيض فى يناير القادم سيكون جمهورياً.

346

| 15 يوليو 2015

عن الأخلاق والسياسة والرئاسة

بعد مضي سنتين على قرارها القاضي بأن الزواج ليس حكرا على أشخاص من جنسين مختلفين، اعتبرت المحكمة العليا الأمريكية أن الولايات التي لا تزال ترفض مثل هذا الزواج يجب أن تعترف به. وكانت نفس المحكمة قد أبطلت نهاية يونيو 2013 قانونا ينص على أن الزواج محصور بين الرجل والمرأة، وفتحت المجال بذلك أمام منح الحقوق الفيدرالية لكل الأزواج سواء أكانوا طبيعيين أو شواذا. ومنذ هذا القرار، ارتفع عدد الولايات التي تسمح بزواج الشواذ من 9 إلى 36 ولاية من أصل 50، وكل ما فعله القرار الأخير أنه ألزم الأربعة عشر ولاية المتبقية بأن تنضم إلى ركب المجيزين.عقب صدور القرار سارع الرئيس الأمريكي إلى إبداء سعادته، واصفا إياه بأنه "خطوة كبيرة في المسيرة نحو المساواة". وتوجه بالتهنئة إلى جميع الأشخاص الذين "أمضوا عقودا في العمل والصلاة من أجل حصول التغيير". ورغم اعتبار أوباما القرار بمثابة نصر سياسي له ولحزبه من الليبراليين، يبدو أن القرار يصب مباشرة لصالح خصومه الجمهوريين، الذين يتمتعون بتأييد الكثير ممن لا يستسيغون تقنين الشذوذ. هؤلاء الأمريكيون مقتنعون أن الشذوذ يخرج عن إطار الحرية الفردية، ويضرب في الجوهر الأخلاقي للمجتمع، فالسماح بالشذوذ من وجهة نظرهم ليس شكلا من أشكال التسامح، ولكنه تآكل بطيء للمجتمع وتفريط في قيمه الدينية. الغريب أنه قبل صدور هذا القرار وأشباهه لم تكن الولايات المتحدة وطنا طبيعيا للشواذ، فمنذ القرن السابع عشر، كان لدى كل الولايات الأمريكية قوانين لتحريم الشذوذ بكافة أنواعه، وقد تراوحت عقوبته وقتها بين الغرامة والإعدام، كما كان المجتمع الأمريكي يمنع الشواذ من الالتحاق بالخدمة العسكرية. وفي العام 1953 وقع الرئيس أيزنهاور على قانون يمنع توظيف الشواذ في الوظائف الفيدرالية على اعتبار أنهم يشكلون خطرا على الأمن القومي للولايات المتحدة، وعلى مدار الحرب الباردة، كان الشذوذ، بعد الشيوعية، يعد الخطر الأساسي الذي يتهدد القيم الأمريكية. وقد اعتبر الشذوذ على أنه بمثابة تهديد للنظام الاجتماعي والسياسي لأمريكا، كما اعتبر الممارسين له على أنهم خارجين عن الهدف الذي يفترض أن أمريكا قد أنشأت من أجله؛ وهو أن تكون بمثابة "مدينة على التل"، أي بقعة بعيدة عن شرور العالم. وقد ارتبط الشذوذ في أذهان الأمريكيين بأشكال التآمر السري على المجتمع (كالماسونية). وحاول المجتمع الأمريكي التبرؤ منه بنسبته دائما إلى مجتمع المهاجرين الأوروبيين الذين جلبوا معهم الموبقات إلى التراب الأمريكي!ولكن بعد أن نشطت حركات الحريات المدنية، المنادية بحرية ممارسة الرغبات الجنسية الشاذة، بوصفها جزءا من الحرية الفردية، اعتبر على نطاق واسع أن التدخل في تنظيم "السلوك الجنسي" يعد شكلا من أشكال قمع الدولة وتدخلها في المجال الخاص للأفراد! وقد اكتسب مؤيدو "الشذوذ" زخما واضحا بعد أن اصطفوا مع الحركات الراديكالية الأخرى، مثل حركات السود، وحركات اليسار الجديد، والحركات المناهضة للحرب، من أجل كسب الاعتراف، وتحصيل المزيد من الامتيازات السياسية.وتدريجيا تغير اللفظ المستخدم للإشارة إلى "الشواذ"؛ فبعد أن كان يشار إليهم على أنهم "السدوميون"، نسبة إلى المدينة التي اشتهرت بهذه الفعلة قديما، أصبح يشار إليهم باسم المثليين، أي أصحاب الميول الجنسية المتوجهة إلى نفس النوع.ولكن بشكل عام مازال الأمريكيون ينتظرون من ساستهم أن يتبنوا أخلاقيات وقيم الأسرة التقليدية، القائمة على العلاقة بين رجل وامرأة، حتى إنه لا يوجد شخص واحد غير متزوج تولى رئاسة أمريكا أو ترشح للرئاسة خلال القرن العشرين، كما أن الوفاء الأسري هو السلوك المتوقع من أي رئيس أمريكي تجاه زوجته، وعندما أعلن حاكم ولاية نيو جيرسي في العام 2004 بأنه ذو ميول جنسية شاذة، تعرض لانتقادات اضطر على إثرها أن يتقدم باستقالته.من ناحية أخرى فإن النجاحات التي تحرزها حركات الشواذ عادة ما تستفز المعسكر المحافظ، وتدفعه للرد بقوة، وقد دخل موضوع الشذوذ الجنسي إلى صلب السياسة الأمريكية منذ إدارة ريجان، وذلك مع صعود نجم التيار المحافظ داخل الحزب الجمهوري، ومن المعروف أن الأجندة "الأخلاقية" لهذا الحزب تتضمن ثلاث قضايا تقليدية وهي (مقاومة الإجهاض، عدم الاعتراف بحقوق الشواذ، والدفاع عن الحق في امتلاك السلاح). وقد وقفت إدارة ريجان بقوة أمام تمدد حركات الشواذ، وقامت بدور مؤثر في تعبئة قطاعات كبيرة من المجتمع الأمريكي ضد القوانين التي تشرع زواج الشواذ والتحاقهم بالخدمة العسكرية. وهو الدور الذي أكمله جورج بوش الأب بعد ريجان. وقد فسر المراقبون تفضيل الأمريكيين انتخاب بيل كلينتون في مواجهة بوش الأب، على أنه تصويت ضد سياسات الجمهوريين المتزمتة، ومحاولة لاستعادة الوجه الليبرالي لأمريكا. ورغم هذا فقد استطاع الجمهوريون المحافظون أن يعكسوا هزيمتهم، وذلك بأن دفعوا بملف فضائح كلينتون إلى الواجهة.وقد كان سجل الفضائح الأخلاقية لكلينتون أحد العوامل المهمة التي ساعدت الجمهوري بوش الابن على الفوز في انتخابات العام 2000، ومنذ اللحظة الأولى حاول بوش أن يظهر نفسه أمام الجماهير المحافظة على أنه صاحب مهمة رسالية، وكانت أحد أهم أدواته في ذلك هي التأكيد على موقفه الرافض من زواج الشواذ.الغريب أنه بعد أن ثبت أن بوش لا يمتلك مقومات الرئاسة، بعد أن ورط بلاده في حربين فاشلتين، وتوقع الجميع أنه لن يتمكن من الفوز بفترة رئاسية ثانية، جاء القرار الذي أصدرته المحكمة العليا لولاية ماساتشوستس (والتي تعد الأقدم على مستوى البلاد) بالسماح بزواج الشواذ، ليثير مخاوف واسعة لدى القطاعات المحافظة من الشعب الأمريكي، ويدفعها للتصويت لبوش الابن في انتخابات العام 2004 ليفوز عن غير استحقاق بفترة رئاسة ثانية. وقد كانت نسبة الأصوات المحافظة والمتدينة التي حصل عليها بوش شديدة الدلالة، فقد شكلت ما نسبته 40 % من جملة الأصوات التي حصل عليها.فهل يعيد التاريخ نفسه، ويوجه قرار المحكمة العليا بتقنين زواج الشواذ ضربة للجهود الديمقراطية للبقاء في البيت الأبيض، لصالح خصومهم من الجمهوريين؟

531

| 01 يوليو 2015

آل بوش والرئاسة الأمريكية

إذا كانت هيلاري كلينتون تبدو المرشح الأقرب للفوز بثقة الحزب الديمقراطي، فإن الكثير من التحليلات تشير إلى أن "جيب بوش" الابن الثاني لجورج بوش الأب، ربما يكون هو المرشح الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، مما يرفع احتمال أن تكون المنافسة في الانتخابات القادمة بين عائلتين رئاسيتين، عائلة بوش وعائلة كلينتون. وإذا كانت المنافسة في الجولة الأولى (انتخابات 1993) قد انتهت بفوز كلينتون (الزوج) على بوش (الأب)، فإن الأمور قد لا تسير على نفس الوتيرة في الجولة المقبلة (انتخابات 2016)، خصوصا في ظل حالة التململ من الأداء الديمقراطي لحكومة أوباما طوال السنوات الثماني الماضية، فهل يعني هذا أن آل بوش على موعد مع الحكم من جديد؟لا تبدو الإجابة بـ"نعم" قاطعة في ظل العقبات الكثيرة التي تلاحق المرشح الجمهوري الثالث من آل بوش. فـ"جيب" الذي شغل منصب حاكم ولاية فلوريدا في الفترة من 1999إلى 2007، تورط بشكل غير مباشر في الأزمة التي صاحبت فوز أخيه جورج بوش بالانتخابات الرئاسية عام 2001، ففي المرحلة الأخيرة من هذه الانتخابات فاز المرشح الديمقراطي "آل جور" بأغلبية أصوات الأمريكيين، فيما فاز جورج بوش بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي بفضل الوزن النسبي الذي تتمتع به ولاية فلوريدا، وقد اقتضى الأمر في حينها إعادة فرز أصوات الولاية مرتين للتوصل إلى إعلان النتيجة النهائية المتمثلة في فوز بوش، وقد أثيرت العديد من علامات الاستفهام حول الدور الذي قام من خلاله جيب بمساعدة أخيه جورج للفوز بالانتخابات بعدما أعلن على نطاق واسع أن آل جور هو الفائز بمنصب الرئاسة، قبل أن تنقلب الأمور رأسا على عقب، وتتحول نتائج ولاية فلوريدا لصالح جورج بوش!وليست الخبرة السيئة المرتبطة بالطريقة التي فاز بها بوش الثاني هي كل ما سيتعين على المرشح الجمهوري تجاوزه، فهناك أيضا موقفه من التركة الثقيلة التي تركها أخوه في الحكم، وأبرزها تداعيات غزو العراق. فحيثما حل، يواجه جيب بسؤال حول موقفه من قرار إدارة أخيه غزو العراق، ورغم محاولته المستمرة الظهور بمظهر المستقل عن أسرته، إلا أنه لم يستطع التبرؤ من قرار الحرب التي شنها شقيقه استنادا إلى معلومات استخباراتية خاطئة (تتعلق بمزاعم امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وعلاقة مفترضة بين نظام الرئيس العراقي وتنظيم القاعدة)، حتى أنه اضطر بعد كثير من المراوغة إلى التصريح بأنه لو كان مكان أخيه، وتوافر لديه ما توافر له من معلومات استخباراتية (زائفة)، لاتخذ قرارا مماثلاً بغزو العراق. وهو الأمر الذي لم يرق لكثير من الأمريكيين الذين يعتبرون أن دفاعه عن قرار خاطئ هو موقف خاطئ بالضرورة.وكان جيب قد حاول في خطاب إعلان ترشحه الخروج من صورة الوريث السياسي لشقيقه ووالده، واستخدم شعارا دعائيا لحملته يظهر فيه اسمه الأول فقط دون ذكر اسم عائلته. ورغم ذلك تظهر تصريحات جيب ومواقفه السياسية أنه يعاني من نفس ما عانى منه أخوه من قبل من جهل وتضارب في المواقف خصوصا فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي يدعم فيه جيب أجندة الحرية القائمة على دعم التحول الديمقراطي، فإنه عند سؤاله عن موقفه إزاء الأوضاع التي شهدتها مصر، بوصفها إحدى الحلفاء التقليديين لأمريكا، صرح بأن الإدارة الديمقراطية قد أخطأت بتخليها عن الرئيس المصري حسني مبارك، على اعتبار أن وجوده ضروري لحماية الاستقرار الذي تتطلبه المصالح الأمريكية. وليس تضارب موقفه من مسألة الحريات هي الثغرة الوحيدة التي يواجهها المرشح الجمهوري على المستوى الخارجي ولكن حتى علاقته بإسرائيل لا تخلو هي الأخرى من تناقضات، فرغم تعهد جيب بوش بالوقوف إلى جانبها، وتعهده بتطوير العلاقات التي شهدت تراجعا في فترة إدارة أوباما، فإنه يستعين بالسياسي المخضرم جيمس بيكر ضمن فريقه. وجيمس بيكر ليس بالشخصية المفضلة لدى الإسرائيليين، على اعتبار أنه سبق ومارس ضغوطا على حكومة إسحاق شامير (وقت أن كان وزيرا لخارجية بوش الأب) لوضع حد للبناء في المستوطنات اليهودية في المناطق المحتلة من خلال التلويح بقطع الدعم الأمريكي. وهو ما اعتبر بسببه شخصية معادية لإسرائيل، الأمر الذي تأكد في حقه مؤخرا بعد أن ألقى خطابا أمام مجموعة يهودية تعرف باسم J Street، انتقد فيها سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي وصفها بأنها لا تصب في اتجاه حل الدولتين. جر هذا على جيب بوش انتقادات الجمهوريين الموالين لإسرائيل، فضلاً عن انتقادات اللوبي الصهيوني.وعلى غرار ورطته مع الإسرائيليين يواجه جيب ورطة مماثلة مع المحافظين المسيحيين (الحلفاء التقليديين للجمهوريين)، فلسبب ما، تحول جيب بوش عن معتقده البروتستانتي عام 1995 إلى المعتقد الكاثوليكي، وانضم على إثر ذلك إلى جمعية فرسان كولومبس الكاثوليكية (تأسست عام 1882) وتم منحه لقب فارس كولومبس من الدرجة الرابعة. ومن الوارد أن يحرمه توجهه الديني من أصوات اليمين البروتستانتي التي تمتع بها أبوه وأخوه من قبل، بل ومن الممكن أن يشكل له الانتماء إلى جماعة فرسان كولمبس الكاثوليكية مشكلة حقيقية، خاصة أن هذه الجماعة كان ينتمي إليها الرئيس الأمريكي جون كينيدي، الذي تعرض لعملية اغتيال قيل أنها كانت لأسباب دينية. ورغم أن المواقف السياسية لجيب تصطف به في جانب المحافظين البروتستانت، إلا أن هذا قد لا يشفع له لدى المتدينين منهم الذين لن يستسيغوا التصويت لصالح مرشح كاثوليكي. المدهش أنه رغم كل هذه العقبات التي تعترض سبيل بوش الثالث، فإن حظوظه تبدو مرتفعة في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، لا لشيء إلا لأنه يحمل اسما معروفا لدى الناخب الأمريكي، فمن ضمن الأسماء الكثيرة التي أعلنت عزمها الترشح عن الحزب الجمهوري، يبدو اسم "بوش" الأقرب إلى سمع وذاكرة الأمريكيين. فعلى الأقل يعرف الناس اسم عائلته حتى لو كانوا لا يعرفونه شخصياً، وهو ما يعطيه وزنا أكبر لدى شريحة واسعة من أعضاء الحزب، ولكن الأمر المؤكد أن فوز جيب بترشيح الحزب الجمهوري لن يجعل الطريق ممهدا أمامه لبلوغ المكتب البيضاوي بأي حال.

518

| 24 يونيو 2015

المسلمون والسياسة الأمريكية

على مدى أجيال متتابعة تواجد المسلمون بكثافة على أرض الولايات المتحدة، غير أنهم كانوا دوما على هامش الواقع السياسي بها. ففي وقت مبكر (تحديدا خلال القرن السابع عشر)، تم جلب أعداد كبيرة من الأفارقة المسلمين إلى الأمريكتين، وبحكم كونهم استقدموا كعبيد فإنهم لم يمارسوا أي تأثير على الحياة السياسية. ولكن حتى عندما بدأت الهجرة الطوعية من العالم الإسلامي إلى أمريكا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يتغير الأمر كثيرا.حاليا يمثل المسلمون واحدة من الأقليات الأسرع نموا في المجتمع الأمريكي، وتتراوح أعدادهم بين 1.4 مليون (0.6 في المئة من إجمالي السكان) إلى 6 ملايين (حوالي 2 في المئة من السكان). والسبب في هذا التفاوت الكبير في التقديرات أن جهاز الإحصاء الأمريكي لا يجمع بيانات عن الانتماء الديني، ولذا فإن فمن الصعب تحديد عدد مسلمي الولايات المتحدة بشكل دقيق. وقد قدرت دراسة أجراها مركز "بيو" للأبحاث عام 2007، أن أعداد المسلمين في الولايات المتحدة لا تقل عن أعداد اليهود.ولا يمكن تصنيف المسلمين الأمريكيين وفقا لمعتقداتهم السياسية على نحو قاطع، فرغم أن أعدادا كبيرة من المسلمين يفضلون نمط حكومة الخدمات العامة، وهو ما يتسق مع الخط الديمقراطي، فإن نسبة كبيرة من هؤلاء تعارض الحزب الديمقراطي في دفاعه عن حقوق المثليين وعن الإجهاض.من ناحية أخرى لم يعد من اليسير أن يصنف المسلمون الأمريكيون أنفسهم في خانة الجمهوريين، وخاصة بعد هجمات 11 سبتمبر، والتي انعكست بالسلب على معظمهم. حتى أن الكتلة التصويتية المسلمة التي دعمت جورج بوش الابن في الانتخابات الرئاسية للعام 2000، تحولت لصالح جون كيري في انتخابات عام 2004. وكان القلق والخوف على الحرية الشخصية في إطار سيناريو "الحرب على الإرهاب" الذي تبناه الجمهوريون السبب الأساسي وراء هذا التحول، حيث وقع العديد من المسلمين تحت وطأة التنميط والتمييز على يد الإدارة الجمهورية. وقد تأثرت قدرة الأمريكيين المسلمين على المشاركة السياسية بمجموعة متنوعة من العوامل، أبرزها غلبة الانقسامات العرقية واللغوية والطائفية. ولهذا لم يكن الصوت الإسلامي واضحا حتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، عندما تشكلت مجموعة من المنظمات غير الحكومية الإسلامية، أبرزها اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز (تأسست سنة 1980). والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (تأسست في 1982) والتي هدفت إلى التقليل من شأن العوامل السابقة وإعداد جيل من القادة المسلمين في مجالات القانون والإعلام والسياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.وقد أسهمت هذه المنظمات في زيادة الوعي السياسي، حتى أصبحت الغالبية العظمى من المسلمين الأمريكيين مقتنعة بأهمية المشاركة السياسية، ولم تعد ترى تناقضا بين كون المرء مسلما وكونه منخرطا في الشأن العام. وتشمل المشاركة السياسية للمسلمين التصويت في الانتخابات، والمساهمة في الجمعيات الأهلية، ودعم المرشحين السياسيين، والكتابة إلى وسائل الإعلام أو المسؤولين، وحضور الاجتماعات الجماهيرية، والانضمام للأحزاب. وقد أفاد مسح إحصائي أجري في عام 2004 أن نسبة المشاركة السياسية بين المسلمين أعلى إذا ما قورنت ببقية السكان. فوفقا لهذه الدراسة، صوت 61 في المئة من المسلمين الأمريكيين في انتخابات عام 2000، مقارنة بحوالي 50 في المئة من عموم الأمريكيين في سن التصويت.ويعد المسلمون من أصول إفريقية هم أول من نشطوا في مجال المشاركة السياسية، ففي عام 1991 أصبح الإمام سراج وهاج (من أصول إفريقية) شخصية أمريكية عامة بعد أن قاد حملة وطنية لمكافحة الإدمان أتت بنتائج غير مسبوقة، وفي العام 2006 أصبح الأمريكي الأسود كيث إليسون أول مسلم ينتخب للكونجرس عن الحزب الديمقراطي (عن ولاية مينسوتا)، أعقب ذلك انتخاب عضو ثان، أيضا من أصول إفريقية، وأيضا عن الحزب الديمقراطي وهو أندريه كارسون (عن ولاية إنديانا). كما أن هناك العديد من القضاة الأمريكيين المسلمين من ذوي الأصول الإفريقية. وكان القاضي الأسود آدم شكور في ديترويت أول مسلم يشغل منصب نائب رئيس بلدية على مستوى الولايات المتحدة. كما كانت شيلا عبد السلام ذات الأصول الإفريقية أول قاضية مسلمة في المحكمة العليا في ولاية نيويورك.وكان العامل الأساسي وراء النمو في عدد ونشاط المنظمات الإسلامية هو محاولتها مقاومة الصورة السلبية التي تقدمها وسائل الإعلام الأمريكية عن الإسلام والمسلمين، والتي تربط على نحو متعسف بينهم وبين الإرهاب، وقد أدت هذه الجهود إلى تعزيز الشعور بالهوية المشتركة لدى المسلمين، ما ساعد الائتلافات الأمريكية المسلمة على توسيع أهدافها وتشجيع المسلمين على الانخراط في ممارسة الضغط السياسي. الأمر المؤسف أن العديد من هذه المنظمات مارست دورها السياسي بقليل من الخبرة، حتى أنها عملت في العام 2000 على تعبئة "الصوت الإسلامي" لصالح دعم المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش في الانتخابات الرئاسية، معتبرة أنه الأكثر إنصافا فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، إذا ما قورن بالمرشحين الديمقراطيين آل جور ورفيقه جو ليبرمان، وهو الأمر الذي ترتبت عليه نتائج كارثية بالنسبة للمسلمين في أمريكا وفي أنحاء العالم.وقد تحولت العديد من المنظمات الإسلامية عن دعم الجمهوريين لصالح دعم الحزب الديمقراطي منذ هذه الخبرة السلبية. ومؤخرا قدرت أعداد المسلمين المؤيدين للحزب الديمقراطي بما يقرب من ثلثي المسلمين الأمريكيين. ولكنهم بفعل هذا الاصطفاف يجدون أنفسهم لا إراديا في نفس المربع الذي يقف فيه اليهود الأرثوذكس والبروتستانت الإنجيليون والكاثوليك الذين لا يحملون مشاعر إيجابية تجاه الوجود المسلم في الولايات المتحدة بشكل عام. المرجع الأساسي: The Princeton Encyclopedia of American Political History

772

| 17 يونيو 2015

السباق نحو البيت الأبيض (4)

نناقش في هذا المقال موقف الحزب الديمقراطي والرؤساء المنتمين له من دول وقضايا الشرق الأوسط. بشكل عام يشتهر الديمقراطيون بنزعتهم غير التدخلية، وبسبب هذه السمعة اللاتدخلية آثر الكثير من أعضاء الحزب الديمقراطي الانفصال عنه والانضمام إلى الحزب الجمهوري، في إطار ما عرف لاحقا بجماعة المحافظين الجدد وذلك لافتقادهم النزعة التدخلية التي تؤمن بنشر المبادئ الأمريكية ولو بالعنف في برامج الحزب الديمقراطي!. كما يشتهر الديمقراطيون بكونهم رعاة السلام الرئيسيين في الشرق الأوسط، وأنهم مستعدون دوما إلى تقديم الحوافز إلى الأطراف المختلفة من أجل حثها على الاستمرار في مسار المفاوضات. ورغم هذه السمعة الجيدة إلا أن للصورة دوما جانبا آخر، ذلك أن السجل السياسي للرؤساء الديمقراطيين إزاء القضايا العربية لم يكن مشرقا في معظم الأوقات، بل إن أشهر مشاعر العداء نحو العرب حملها رؤساء ديمقراطيون بالأساس. فمع بداية انخراط الأمريكيين بالشرق الأوسط لم تظهر إدارة هاري ترومان الديمقراطية ميولا إيجابية تجاه المنطقة، بل سادت قناعة لدى مسؤوليها (أفصحت عنها تقارير مخابراتية رفعت عنها السرية) بأن العرب كائنات غير عقلانية، لا يمكن توقع سلوكهم، ولديهم نزوع طبيعي للعنف والتطرف الديني والسياسي، وأنهم بهذه الكيفية يشكلون خطرا حقيقيا على المصالح الأمريكية في المنطقة.تكرر نفس الأمر خلال إدارة كينيدي، التي أوصى خبراء الشرق الأوسط فيها الرئيس الديمقراطي بتبني برامج تتضمن تفضيل الإسرائيليين، نظرا لعوامل تتعلق بتفوقهم العقلي والحضاري على العرب (!)، كما وصفت تقارير بعث بها دبلوماسيون أمريكيون يعملون في الشرق الأوسط العرب بأنهم قوم تسيطر عليهم مشاعر الانتقام والرغبة المستمرة في الثأر، على نحو لا يصلحون معه للعب دور الحلفاء الإستراتيجيين للولايات المتحدة. أما أشهر الرؤساء الأمريكيين عداء للعرب فكان الديمقراطي ليندون جونسون، والذي يوصف بأنه الصديق الأكثر تحمسا لإسرائيل، والعدو الأبرز للقومية العربية، وذلك منذ أن كان زعيما للأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. كان جونسون يعتبر بدوره أن الشرق الأوسط زاوية متخلفة وغريبة من العالم. وفي إحدى مناسبات العشاء في البيت الأبيض في أبريل 1964، امتدح جونسون الملك حسين عاهل الأردن لكونه "جلب تلك الأرض القديمة، أرض الإبل والنخيل، لعتبة مشرقة ومستقبل واعد"، وذلك من خلال انفتاحه على الغرب. من ناحية أخرى، لم يكن جونسون يثق في القادة القوميين مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وكان يصرح في جلساته الخاصة بأن المكان المناسب للرئيس المصري هو الجحيم.كما أن جونسون هو صاحب البطاقة الصفراء الشهيرة للإسرائيليين قبل قيامهم بشن عدوان 1967، فأمام العالم ظهر جونسون على أنه لم يمنح الإسرائيليين بطاقة بيضاء للهجوم، كما لم يشهر في وجوههم بطاقة حمراء تمنعهم منه، ولكنه أظهر لهم ما صار يعرف بالبطاقة الصفراء التي تؤيد الهجوم الذي شنه الصهاينة على ثلاث دول عربية دون أن تتبناه. ومرة أخرى شجعت التقارير الاستخباراتية الأمريكية الرئيس الديمقراطي على أن يقف بوضوح في صف الإسرائيليين على اعتبار أن العرب لا يمكنهم التعاطي مع فكرة الحرب الحديثة، ولا القيام بمتطلباتها، لكونهم يفتقدون الحافز والشجاعة. وعلى هذا الأساس اعتبرت حرب 1967 النقطة الفاصلة التي قررت الولايات المتحدة عندها اتخاذ إسرائيل حليفا إستراتيجيا.من جانبه كان اللوبي الصهيوني يعتبر الرئيس جونسون أهم حلفائه، وذلك منذ أن كان زعيما للأغلبية في مجلس الشيوخ وبعد أن شغل منصب نائب الرئيس جون كينيدي ثم بعد توليه الرئاسة، حيث أحاط جونسون نفسه بمجموعة من الصهاينة ومؤيديهم في كافة المناصب والإدارات الحساسة. التقارب بين الحزب الديمقراطي وبين الصهاينة امتد لما بعد جونسون، ففي انتخابات العام 1968 بين الجمهوري ريتشارد نيكسون، والديمقراطي هربرت همفري، حصل الأخير على أكثر من 85% من أصوات اليهود نظرا لتأييده الأعمى للمطالب الصهيونية على حساب الحقوق العربية.إدارة كارتر كانت أقل انجذابا ناحية الصهاينة من سابقاتها، وانخرط كارتر شخصيا في مباحثات السلام بين العرب والإسرائيليين، وهو الأمر الذي يذكر دائما ضمن مآثره، ولكن الدور الذي لعبته إدارة كارتر الديمقراطية يمكن أن يقرأ في إطار خشية كارتر والديمقراطيين من تكرار سيناريو الثورة الإيرانية في المنطقة، بمعنى أن جهود الديمقراطيين كانت جهودا محافظة، تستهدف الحفاظ على الوضع الراهن، وعدم السماح للشعوب بأن تكرر تجربة الثورة على أنظمة الاستبداد المتعاونة مع الولايات المتحدة.إدارة كلينتون أيضا ورغم دورها الإيجابي (ظاهريا) في محاولة التوصل إلى اتفاق سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، انتهكت أحد الثوابت المعلنة للحزب الديمقراطي، بشأن تجنب التدخل العسكري في المنطقة، وقامت بتوجيه ضربات جوية مكثفة، كما فرضت حصارا اقتصاديا خانقا على الشعب العراقي، بحجة إرغام الرئيس العراقي صدام حسين على التعاون مع فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أنه خلال فترتي إدارة كلينتون في الحكم، تبلورت العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى أصبحت مكونا أساسيا من مكونات السياسة الخارجية الأمريكية.سلبيات الدور الأمريكي خلال إدارة أوباما تمثلت بالأساس في التراجع تماما عن محاولة دفع عملية السلام في المنطقة، وعدم التحمس لثورات الربيع العربي، والاعتراف بالمحاولات الانقلابية التي أجهضت الموجة الأولى منها في العديد من البلدان. وقياسا على هذا السجل، يمكن توقع أن يستمر الديمقراطيون على نفس النهج حال فوز هيلاري كلينتون، وخاصة فيما يتعلق بالموقف من التحول الديمقراطي، حيث يجد الديمقراطيون صعوبة كبيرة في الاتساق مع مبادئهم المعلنة، وأغلب الظن أنهم سيستمرون في دعم الأنظمة الاستبدادية القادرة على حماية أو التعهد بحماية المصالح الأمريكية في الاستقرار الإقليمي.

494

| 03 يونيو 2015

السباق نحو البيت الأبيض (3)

وصلاً لما بدأناه فى المقالات السابقة عن حظوظ المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية المقبلة، نخصص هذا المقال للحديث عن الحزب الديموقراطي الذي تنتمي إليه، من حيث نشأته ومواقفه السياسية من القضايا المختلفة. يعد الحزب الديموقراطي أحد أقدم الأحزاب المستمرة في العالم، ويرجع بجذوره إلى ما كان يعرف بالحزب الديموقراطي الجمهوري، الذي أسسه كل من توماس جيفرسون وجيمس ماديسون، فبعدما ظهرت الخلافات بين الآباء المؤسسين، انقسموا إلى فريقين الأول بقيادة ألكسندر هاملتون، ونادوا بحكومة مركزية قوية، واقتصاد قائم على التصنيع، وعلاقات وثيقة مع المملكة المتحدة، والثاني، تزعمه توماس جيفرسون، وجيمس ماديسون، وأكدوا على حقوق الولايات، واقتصاد يقوده صغار المزارعين، وعلاقات خارجية أقرب إلى فرنسا، ومن هؤلاء ولد الاتجاه الديموقراطي، ولكن "الحزب الديموقراطي" لم يظهر ككيان مميز إلا في العام 1828 بانتصار أندرو جاكسون، الذي يعد الأول في سلسلة خمسة عشر رئيسا ديموقراطيا تولوا رئاسة الولايات المتحدة. عرف الديموقراطيون فى البداية باسم الجمهوريين! وأطلق عليهم خصومهم اسم الديموقراطيين، كنوع من التشنيع عليهم، واتهامهم بأنهم أنصار لحكم الغوغاء. ولكن لاحقا أصبح الحزب يستخدم وصف الديموقراطي دون الإحساس بأى حرج، ثم صار ذلك هو الاسم الرسمي للحزب منذ العام 1844. ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي يستفيد الديموقراطيون من خصومهم فيها، فالمرة الثانية كانت بمناسبة اختيار رمز الحزب، فعندما وصف المعارضون للديموقراطيين الرئيس جاكسون "بالحمار"، في إشارة إلى غبائه وعناده، استمر الديموقراطيون فى استخدام نفس الوصف للإشارة إلى حزبهم، حتى أصبح الحمار هو رمزهم الرسمي. كثرة الأعضاء الأوربيين داخل الحزب خلال العقود الأولى من القرن العشرين أدت بالحزب إلى تبنى مواقف خارجية متضاربة في كثير من القضايا، وقد استجاب قادة الحزب للمشاعر المتداخلة بطرق مختلفة، واستغرق الأمر حتى تولي فرانكلين روزفلت الرئاسة لتطوير سياسة خارجية تحكمها الاعتبارات الاستراتيجية للولايات المتحدة وليس مصالح المهاجرين الأوربيين.ورغم ذلك انقسم الديموقراطيون في أعقاب الحرب العالمية الثانية حول طريقة التعامل مع الاتحاد السوفيتي، ففيما أسس فرانكلين روزفلت سياسته على أساس من إمكانية التعايش مع السوفييت، فإن خليفته هاري ترومان تخلى عن سياسة التعايش وتبنى سياسة المجاهرة بالعداء. وخلال الحرب الباردة اتحد الديموقراطيون والجمهوريون خلف مقولات كينان حول سياسات الاحتواء، وبرغم ذلك كان دائما ما يوجه الاتهام إلى الديموقراطيين أنهم غير حاسمين في عدائهم للشيوعية، وأنهم الاختيار الأسوأ عندما يتعلق الأمر بالشؤون الدفاعية، وأنهم لا يمكن الوثوق بهم فيما يتعلق بالأمن القومي. ولهذا السبب افترض البعض أن رئيسا جمهوريا مثل ريتشارد نيكسون هو من يمكنه التعامل مع الصين، ومن يمكنه الدخول في صفقات لتخفيض التسلح مع الاتحاد السوفييتي. وفي أعقاب نهاية الحرب الباردة، عانى الديموقراطيون من اتهامات مماثلة بشأن عدم وضوح رؤيتهم بخصوص المشاكل الدولية، واتهم حزبهم بأنه قابل للاستدراج بسهولة للتدخل الخارجي لاعتبارات إنسانية، والتضحية بالمصالح القومية الأمريكية بهدف الالتزام باتفاقات دولية.انقسام داخلي مماثل حدث أيضا بمناسبة الحرب في فيتنام، فالرئيس الديموقراطي جون كينيدي كان أول من أرسل بطواقم أمريكية عسكرية للعمل كمستشارين، وفي عهد ليندون جونسون تم التوسع في القوات لتضم طواقم من المقاتلين، حتى أصبح نمط القيادة الذي مثله جونسون محل انتقاد لمن هم داخل وخارج الحزب، فمن هم خارج الحزب اتهموه بأنه لم يكن يدير الحرب بالشدة اللازمة، أما من هم داخل الحزب فكانوا يرون أن الحرب كانت غلطة تورط فيها الديموقراطيون.ولا تشكل السياسة الخارجية العنصر الوحيد المثير للانقسام داخل الحزب، إذ تشكل التجارة عنصرا إضافيا للانقسام بداخله، فعلى الرغم من سمعته كمساند للتجارة الحرة، فإن ثمة مواقف مختلفة بداخل الحزب الديموقراطي يمكن التمييز في إطارها بين أربعة اتجاهات: الاتجاه الأول يمثله اليسار الجديد New Left، ويعكس موقف الجناح الأكثر ليبرالية داخل الحزب، ويشجع تدخل الحكومة لصالح الفئات الأقل حظا، من السود، والمقعدين، والمهاجرين، والشواذ، ويتميز بنزعة غير تدخلية على المستوى الخارجي، ويتمتع بشعبية وسط الشباب والأقليات، ومن هذا المعسكر ظهر المرشح السابق جيسي جاكسون. الاتجاه الثاني ويمثله الليبراليون الجددNeo-liberals ، وانشق هذا الاتجاه عن اليسار الجديد، ليؤكد على التنافسية بدلاً من فرض الضرائب من أجل الإنفاق على برامج الرفاه، ولكنه رغم ذلك يؤيد الحريات المدنية وحقوق الأقليات. الاتجاه الثالث ويمثله النظاميون Regulars، وهم التيار الرئيسي داخل الحزب، ممن يؤكدون على تدخل الحكومة في الاقتصاد، وأهمية برامج الرفاه الاجتماعي، ولديهم نزعة تدخلية على مستوى السياسة الخارجية.الجنوبيون Southerners، وينتمى إليهم كل من بيل كلينتون وآل جور، ولدى هذا الاتجاه نزعة محافظة في العديد من القضايا، وهم أقل حماسا للتدخل الحكومي، وأكثر تفضيلاً لسياسات السوق الحرة، ومواقفهم أكثر تشددا على مستوى السياسة الخارجية، ولا يكادون يختلفون عن الاتجاه الجمهوري المحافظ إلا في موقفهم من الإجهاض وحق حيازة السلاح. ولذا لا يبدو غريبا أن كلينتون قد حصل على أصوات خصومه من الجمهوريين عند مناقشة الانضمام لاتفاقية منظمة التجارة العالمية وتوقيع اتفاقية الدولة الأولى بالرعاية في التجارة مع الصين، في الوقت الذي عارضه كثير من حلفائه الديموقراطيين.ومنذ الدورة الرابعة عشرة للكونجرس والتي تلت انتخابات العام 2014، يشغل الحزب الديموقراطي أقلية في مجلسي النواب والشيوخ، كما يمثل أقلية في معظم مجالس الولايات. ولذا فإن انتخاب رئيس ديموقراطي يحتاج إلى كسب الجماهير الأمريكية بالأساس، وهذا ما تجيده مرشحة مثل هيلاري كلينتون، التي يمكنها أن تتغلب على ضعف تمثيل الديموقراطيين في كافة المجالس النيابية، بقدرتها على التواصل مع الجماهير وحضورها الذاتي، وهما الأمران اللذان يصنعان فارقا كبيرا لدى الناخب الأمريكي.

321

| 27 مايو 2015

السباق نحو البيت الأبيض (2)

في مذكراتها التي أصدرتها تحت عنوان خيارات صعبة، حرصت هيلاري كلينتون على إظهار سعيها إلى إحداث تغييرات في الشرق الأوسط من قبل نشوب ثورات الربيع العربي، وصدرت فصلها عن الربيع العربي بعبارة تقول فيها، إن الحكام العرب يجلسون على برميل من البارود، وإذا لم يتغيروا فإنها سرعان ما ستنفجر بهم. ويظهر من خلال أسلوبها محاولة إضفاء الطابع البطولي، والبروز بمظهر المرأة التي تسير عكس التيار، والقادرة على اتخاذ القرارات غير الاعتيادية، أو التي لا تتهيب من مواجهة الآخرين بعيوبهم وتوجيه النقد المباشر لسياساتهم، حتى إنها تصف دهشة الصحافيين الأمريكيين الذين كانوا يرافقونها في رحلاتها للشرق الأوسط من جرأتها وصراحتها. وقد حاولت كلينتون على مدار صفحات مذكراتها أن تنأى بنفسها وبحكومتها عن التاريخ الأسود للاستبداد فتشير إلى استخدام قانون الطواريء بنوع من الأسى، كما تنعى على دول المنطقة رزوحها تحت كافة أنواع الفساد، كما تتحدث عن غياب التعددية، وضعف المشاركة السياسية، وعدم السماح بتكوين الأحزاب، والتضييق على المجتمع المدني، وتسييس القضاء، وبعده عن الاستقلال والنزاهة، وتزوير الانتخابات أو عدم إجرائها بالكلية، والتنكيل بالمعارضين، كأمثلة على بعض ما كانت تأخذه على أنظمة المنطقة. وأخيرا فإنها تنعى على زعماء المنطقة استمرارهم في الحكم على الرغم من كل هذه المآسي. ورغبة منها في أن تبدو كصاحبة موقف متوازن فإنها تتوجه أيضا بقدر من اللوم للإدارات الأمريكية المتعاقبة التي رغم حسن نواياها تجاه المنطقة (كما تزعم)، فإنها مدفوعة بالاعتبارات الاستراتيجية، مثل مكافحة الإرهاب، ودعم إسرائيل، ومواجهة الطموحات الإيرانية النووية، لم تمارس ضغوطا كافية على حلفائها من أجل ممارسة إصلاحات سياسية، ظنا منها أن هذا يخدم أغراضها في حماية الاستقرار، كما تعترف أن الإدارات الأمريكية قد استمرت في التنسيق مع هذه الأنظمة لمواجهة المخاطر الأمنية ولم تفكر مطلقا في قطع العلاقات العسكرية معها، على الرغم من سوء أدائها في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات.تعترف كلينتون أن هذا التناقض مثل معضلة أمام أجيال متتابعة من صانعي القرار الأمريكيين؛ التناقض بين القيم الديموقراطية والمصالح الاستراتيجية. وأنه على الرغم من وقوف المسؤولين الأمريكيين في الجانب الصحيح في الكثير من الأوقات إلا أنهم يندمون كذلك على الكثير من المواقف التي لم يتخذوها، والتداعيات التي لم يتوقعوها، والبدائل التي لم يختاروها. وكانت أبرز المناسبات التي ظهر فيها مثل هذا التناقض "اندلاع ثورات الربيع العربي"، حينما وقفت وزيرة الخارجية والإدارة الأمريكية في مجملها إزاء قرارات صعبة، كانت تستدعي اتخاذ مواقف محددة، إلا أن هذا بالضبط ما لم يحدث على أرض الواقع. فبشكل عام ظهر من خلال مذكرات هيلاري عدم امتلاكها لموقف محدد من الثورات، التي مثل نشوبها أزمة حقيقة لها كما للإدارة الديموقراطية بشكل عام. فخلال هذه الفترة تبين أن المرشحة الحالية للرئاسة ووزيرة الخارجية وقتها ليست الشخص المناسب لاتخاذ "القرارات الصعبة"، فقد بدت مترددة وغير متيقنة. فمع تصاعد المظاهرات التي انطلقت في تونس، لم تستطع كلينتون أن تتخذ موقفا حاسما إزاء نظام بن على الذي وصفته بطريقة توحي أنه كان من الممكن التغاضي عن عيوبه، بالنظر إلى انفتاحه على القيم الغربية، وحجم الحريات التي كان يمنحها للمرأة التونسية. قبل أن تعود وتؤكد أن قمع نظامه وقسوته دفعا بالمواطنين في النهاية إلى النزول إلى الشوارع رفضا للفقر والإحباط الذي عانوا منه في ظل حكمه.نفس الأمر فيما يتعلق باليمن إذ تعترف كلينتون بأن الإدارة الأمريكية كانت تقايض نظام عبد الله صالح في إطار نفس العلاقة البراجماتية؛ التغاضي عن الاستبداد والاستمرار في الدعم بالمال والسلاح، في مقابل قيام الأخير بلعب دور الوكيل عن الجانب الأمريكي في التصدي للجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في اليمن.هذا التردد والازدواجية في المواقف وتغليب المصالح البراجماتية على المقولات المبدئية مثَّل مرة أخرى موقف الوزيرة الأمريكية عندما اندلعت الثورة المصرية، ففي وصفها للرئيس السابق، اهتمت بأن تؤكد كيف أن مبارك مثل حليفا استراتيجياً للإدارة الأمريكية، وكيف أنه أظهر قدرة متميزة في مقاومة الإسلاميين، كما حمدت له الضغوط التي مارسها على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من أجل القبول باتفاقية السلام التي كانت برعاية زوجها بيل كلينتون في العام 2000. قبل أن تبرر الثورة عليه بالطبيعة الاستبدادية لنظامه وسوء إدارته للوضع الاقتصادي.هذه الازدواجية في مواقفها أعاقت قدرتها على الرد على أسئلة الإعلام بشكل محدد وحاسم حول موقف الإدارة الأمريكية مما يجري في مصر، فقد كان من الصعب أن تقدم إجابة تحمل (ما يفترض أنه) المباديء الأمريكية حول الحرية والديموقراطية، وتحفظ لأمريكا في نفس الوقت مصالحها في المنطقة، ولهذا كانت إجاباتها تأتي مائعة، وغير محددة، من نوعية "دعم حق المتظاهرين في التعبير عن الرأي، ودعم حرية التجمع، ورفض استخدام العنف"، ثم التعقيب على كل ذلك بالقول بأن تقديرها "أن الحكومة المصرية مستقرة وتبحث عن طرق للاستجابة للمطالب المشروعة للجماهير".إن الخيار الصعب الذي أثاره الربيع العربي أمام هيلاري كلينتون، وقت أن كانت أحد صانعي القرار، يتعلق بمدى قدرتها على إدارة التعدد، فالتعامل مع حليف واحد قوي مثل دوما بديلاً أفضل من التعامل مع جماهير غفيرة تمارس حريتها لأول مرة. لذا تحركت وزيرة الخارجية ببطء، وترددت في التجاوب مع حركة الشارع، وكان رأيها أن التزام الإدارة الأمريكية بموقف محدد ربما ينعكس بالسلب على مصالحها، لذا آثرت أن تتعامل مع جميع الاحتمالات، وهو ما تأكد بدرجة أكبر في أعقاب نجاح الموجة الارتدادية، ورجوع ممثلين للأنظمة التي قامت ضدها الثورات إلى الحكم، وقبول الإدارة الأمريكية، ووزيرة الخارجية نفسها، التعامل معهم بأريحية لافتة. وبناءً على ما سبق يمكن القول إن فوز هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة سيوفر أجواء مثالية أمام أنظمة الوضع الراهن، أو على الأقل لن يمثل عاملا محفزا لاستئناف ثورات الربيع العربي المجهَضة.

331

| 20 مايو 2015

السباق نحو البيت الأبيض (1)

على الرغم مما أثارته من مشكلات خلال فترة وجودها فى منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، تبدو هيلاري كلينتون المرشح الأقرب للفوز بتزكية الحزب الديموقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة (نوفمبر 2015). هذا وكانت هيلاري قد لفتت اهتمام المتابعين لقدراتها السياسية فى العام 2008، حينما دخلت في منافسة مع الرئيس الحالي باراك أوباما على ترشيح الحزب الديموقراطي، ورغم فشلها في التغلب عليه، إلا أنها تم اختيارها لاحقا لشغل منصب وزيرة الخارجية استغلالا لشعبيتها التي ظهرت بوضوح خلال هذه المنافسة، ورغم استقالتها من منصبها في العام 2013، إلا أنها عادت إلى الأضواء معلنة ترشحها للرئاسة لتحصل على دعم الرئيس الأمريكي، الذي وصفها بأنها ستكون صاحبة رؤية واضحة بخصوص مستقبل الولايات المتحدة.صحيح أن منافسة قوية سيتعين على هيلاري أن تخوضها مع بقية المترشحين من داخل الحزب الديموقراطي لتمثيله في الاستحقاق الرئاسي، إلا أن الكثير من المحللين يرون أن فرصة هيلاري تبدو كبيرة في الفوز بثقة الحزب، وفقا لاستطلاعات الرأي التي أظهرت نجاحها في التقرب من المواطنين العاديين، وحجم الدعم الذي تحظى به من مؤسسات عديدة في البلاد، فضلاً عن كونها حال نجاحها ستكون أول امرأة تتولى منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يشعر معه الأمريكيون أنهم تأخروا فيه عن دول كثيرة، وتنتظره الكثير من الأمريكيات المتحمسات لفكرة تولى امرأة للمنصب الأهم في العالم.ولن تكون المنافسة الحزبية الداخلية هي الصعوبة الوحيدة أمام المرشحة الديموقراطية، فالديموقراطيون بشكل عام أمامهم خصوم أقوياء من الجمهوريين الذين يمثلون أغلبية في الكونجرس وفي مجلس الشيوخ، كما أن مرشحا من بيت رئاسي مثلها (جيب بوش) يمكن أن يكون منافسها النهائي في الانتخابات الرئاسية.هذا وقد أثارت هيلاري كلينتون أزمتين على الأقل خلال فترة انضمامها للفريق الرئاسي لباراك أوباما، الأولى متعلقة بهجوم بني غازي الشهير، والثانية متعلقة بأزمة الرسائل الإلكترونية. فوقت أن كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية وقع هجوم كبير على مقر القنصلية الأمريكية ببني غازي، أسفر عن مقتل أربعة أمريكيين من بينهم السفير كريس ستيفنز، واثنان من عناصر وكالة الاستخبارات المركزية. حينها غمرها الجمهوريون بعاصفة من الاتهامات بعدم اتخاذ إجراءات كافية لضمان سلامة المواطنين الأمريكيين، ما اضطرها إلى إعلان مسؤوليتها عن عواقب الهجوم وتحملها مسؤوليته السياسية، ثم لم تلبث أن تقدمت باستقالتها لاحقاً. أما الأزمة الثانية فقد ثارت هي الأخرى في أعقاب هجوم بني غازي، حين كشفت صحيفة التايمز أنه خلال تولي هيلاري كلينتون لمنصب وزيرة الخارجية، استخدمت حساب بريد إلكتروني خاص بدلاً من الحساب التابع للحكومة الأمريكية في إجراء جميع اتصالاتها سواء الخاصة بها أو المتعلقة بوزارة الخارجية. وقد أثارت هذه الأزمة الكثير من الجدل حول المخاطر الأمنية التي قد تكون هيلاري كلينتون قد أثرت بها على الأمن القومي الأمريكي. كما امتدت آثار هذه الأزمة لتصل إلى الرئيس أوباما نفسه، وذلك بعد أن تأكد أنه كان على علم بأن هيلاري استخدمت بريدا إلكترونيا خاصا لأغراض العمل الحكومي. وقد أربكت قضية البريد الإلكتروني حسابات كلينتون بشأن الترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، حيث استغلها الجمهوريون لإثارة مزاعم بأنها كانت تحاول تجنب الشفافية، وكانت لجنة تابعة للكونجرس تحقق في الهجمات على القنصلية الأمريكية في بنغازي قد أصدرت مذكرة للكشف عن رسائل البريد الشخصي الخاص بهيلاري كلينتون، ما اضطر الأخيرة إلى تسليم كافة رسائلها الخاصة لفحص محتواها، ولكن هذا لم ينه الأزمة فقد اتهمها الجمهوريون لاحقا بمحو رسائل مهمة، مطالبين إياها بتسليم الخادم الخاص ببريدها الشخصي (Server) لفحصه واسترجاع أي رسائل قد تكون قد محيت من عليه بتاريخ سابق، الأمر الذي رفضته كلينتون بشدة، فما كان من رئيس اللجنة المكلفة بالتحقيق في الهجوم "تري جودي" إلا أن أكد أنها ستستدعى للمثول أمام اللجنة لتوضيح هذه المسألة.وقد تراجعت كلينتون عن الاستمرار في مواجهة الكونجرس والجمهوريين عندما اعترفت بأنه كان من الأفضل لو أنها استخدمت حسابا بريديا خاصا بالتراسل الرسمي، ولو أنها حملت هاتفا نقالا آخر خاصا بالاستخدام الرسمي، ولكنها على الجانب الآخر أكدت إن تحقيقات الكونجرس بشأن الأزمتين (هجوم بني غازي، وأزمة الرسائل) لن تردعها عن السعي إلى الرئاسة. مؤكدة أنها وإن كانت "مسؤولة عن سلامة موظفيها" إلا إن المسائل المتعلقة بالإجراءات الأمنية لم تكن في نطاق اختصاصها.من جانبهم يسعى الجمهوريون بكل ما لديهم من قوة لاستغلال مضمون هذه الرسائل لإدانة هيلاري تمهيدا لاستبعادها من سباق الرئاسة أمام مرشحهم المزمع، كما تعتزم اللجنة التابعة للكونجرس ذي الأغلبية الجمهورية إجراء جلسة استماع حول نفس هذه القضية لوزيرة الخارجية السابقة، ومن المتوقع أن يتوقف على نتائج هذه الجلسة المستقبل السياسي لهيلاري كلينتون، وبيان حظوظها في استكمال مشوار الترشح من عدمه. وإذا قدر لكلينتون أن تنجو من مقصلة الجمهوريين في الثامن عشر من الشهر الجاري - تاريخ عقد لجنة الاستماع لشهادتها- فإن هذا سيستدعي إلقاء الضوء على مواقفها الخاصة بالمنطقة، وفق ما أفصحت عنه في مذاكراتها الشخصية التي أصدرتها تحت اسم "خيارات صعبة" والتي سنستعرض بالتحليل أجزاء منها لاستشراف المسار الذي يمكن أن تسير فيه العلاقات الأمريكية الشرق أوسطية في الفترة المقبلة، إن استمرت الإدارة الأمريكية ديموقراطية التوجه.

396

| 13 مايو 2015

الوطن والجسد

يمكن النظر إلى العلاقة بين الجسد والوطن من أكثر من زاوية، فالوطن هو ذلك الجسد المعنوى، والجسد هو ذلك الوطن المادي، الوطن هو الوجود الممتد، والجسد هو الوجود الضيق. وتنعكس على الجسد كل معالم وثقافة وخصائص وملامح الوطن الكبير، فالإنسان يدرك الوطن من خلال ذاته، قبل أن يدخل فى أي علاقات مع الآخرين، وقبل أن يتحمل بالالتزامات أو يكتسب الحقوق التي يخوله إياها انتماؤه إلى وطن بعينه. والترادف بين الوطن والجسد يبدو أمرا مألوفا، وبخاصة فى أوقات الحروب، فانتهاك أجساد المواطنين يمثل فعلاً مقصودا من قبل "العدو" لتحطيم كبريائهم الوطني، أو لتحطيم رمزية الوطن الذي يمثلونه أو ينتمون إليه، ولذا كان الصهاينة يحرصون على تصوير أسراهم من العرب في أوضاع مهينة ومخجلة، ليحطموا معنى الوطن في نفوسهم من ناحية، ويزعزعوا الأوطان التي ينتمون إليها من ناحية ثانية، وذلك على اعتبار أن انتهاك الأجساد بالأسر والتعذيب والقتل والتشويه هو بمعنى من المعاني إذلال للوطن الذي ينتمي إليه هؤلاء. ولا يعنى ما سبق أن الجسد المعبر عن الوطن هو فقط جسد الجندي بما يرمز إليه من قوة وبسالة، ولكن كذلك جسد الفرد العادي، بضعفه وهشاشته، جسد الفرد الذي قدر له ان يحيا على أرض بعينها فى زمن بعينه. بحيث يمكن القول إن انتهاك جسد أضعف مواطن هو انتهاك للوطن بأكمله، وان إهانة جسد أقل الناس شأنا هي إهانة لدولته التي ينتمي إليها. ومن هنا نفهم حرص الدول الغربية على كرامة مواطنيها فى أوقات السلم وفي أوقات الحرب، وتدخلها فورا لإزالة أى انتهاك او امتهان قد يتعرضون له.أما في أوطاننا فالأمر الغريب أن يأتي انتهاك وامتهان الأفراد على يد مواطنيهم، وبواسطة المؤسسات التي أنشئت في الأصل لتحافظ عليهم، والتي كان يفترض فيها ألا تستبيح أجساد أبنائها، فتنتزع بذلك معاني الوطنية من نفوسهم، أو تحدث انفصاما بلا رجعة في قلوبهم بين ثنائية الوطن والجسد، فلا يعودوا يشعرون بما يربطهم بأوطانهم من وشائج وصلات. لقد أدركت الأنظمة الأكثر رقيا أهمية هذه الثنائية فأقلعت عن معظم العقوبات المهينة للكرامة والمحطمة لمعاني الانتماء، وانصرف تركيزها على تأكيد حتمية العقوبة لتحقيق الردع، كما توقفت عن اعتبار الإسراف فى العنف تأكيد للقدرة الباطشة للدولة، فتم الاستعاضة عنه بالعقوبات القانونية المجردة التي ترمي إلى تحقيق الانضباط الجسدي. بحيث لم يعد إيقاع العذاب بالأفراد تعبيرا عن قوة الدولة أو هيبتها، وإنما أصبح ينظر إليه على أنه خصم منهما معا.وعلى العكس يشهد عالمنا العربي توسعا في اللجوء إلى إجراءات الانتهاك الجسدي للمواطنين بالاعتقال، والتعذيب، والإيذاء النفسي، وهدم المنازل، والتجريم على أساس الهويات السياسية، وانتهاء بإصدار أحكام قضائية تجافي العدالة والمنطق، كيما تضفي غلالة واهية من القانون على قرارات تسلبهم حرياتهم وحياتهم. حتى تحولت العديد من أوطاننا إلى سجون كبيرة، يدور النقاش فيها حول شروط الحبس، وظروف الاعتقال، وليس حول عدالة أو قانونية أي منهما، حتى سمعنا أحد الأكاديميين المعروفين مؤخرا يوصي بعزل المعتقلين من الشباب المقبوض عليهم لأسباب سياسية، عن المجرمين الجنائيين، على افتراض أن هذا أفضل ما يمكن أن يقدم لهؤلاء، أما مناقشة عدالة الاعتقال نفسه، آو عدالة الأحكام التي تصدر بحق هؤلاء الشباب فلم تعد تشغل بال الكثيرين. على الرغم من تأثيرها الكارثي عليهم. إن انتهاك الأجساد هو نزع بطيء لمواطنية الأفراد، وقطع للرباط الذي يربطهم بأوطانهم، وانتهاجه كسياسة لن يسفر إلا عن نتائج كارثية، فهو كما يحرم الفرد من مزايا الانتماء إلى وطنه، فإنه يحرم الوطن من الاستفادة بولاء أبنائه وانتمائهم له، عندما يحتاج إلى اصطفافهم للدفاع عنه أو للذود عن وجوده ومصالحه. لقد ضاقت الكثير من أوطاننا بأهلها، وأصبحت علاقتها بمواطنيها علاقة التزام من طرف واحد، فهي تحملهم بالواجبات من دون أن تمنحهم حقوقا، الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى الانصراف إلى الاهتمام بأمنهم الشخصي وسلامة كيانهم المادي، فالأمن الجسدي، هو آخر ما تبقى لهؤلاء من معاني المواطنة. ولكن أن تتردى الأوضاع إلى حد حرمان الأفراد حتى من أمنهم الشخصي وسلامتهم الجسدية، فإن هذا ينذر بموجة جديدة من الثورات، التي لن تكون كسابقتها؛ تبتغي الحرية والعدالة والمساواة، ولكنها تبحث عما هو أكثر أولية من ذلك، وهو حماية الكينونة الشخصية والحق في الحياة.

1936

| 06 مايو 2015

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6540

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6423

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3906

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

3126

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2874

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1866

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

1767

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1677

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1575

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1221

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...

1023

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

999

| 24 أكتوبر 2025

أخبار محلية