رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

النفط بعض من السياسة والاقتصاد

يبدو أن العالم من أقصاه إلى أقصاه مهموم بشأن تدبير موارد الطاقة الموازية لحجم الاحتياج الفعلي المتنامي تبعاً للتزايد السكاني وتوسع بعض المجتمعات في نموها واحتياجاتها؛ فيتحدثون عن الطاقة البديلة لمجرد كبح جماح الأسعار المتزايدة للنفط الذي يعد عصب الطاقة الآن ويتحدثون أيضاً عن النفط الصخري كمورد منافس للإنتاج الأحفوري للنفط والغاز، وهي أحاديث تُفهم غالباً في نفس السياق الخاص بالأسعار وتحجيم المنتجين أو مجرد تخويفهم بوجود بدائل تغني عن مواردهم ومنتجاتهم وهذه ورقة نفسية اُستخدمت فعلاً لعقود زمنية طويلة سوى أنها لا تعطي فائدة على المدى البعيد لما للنفط وأسواقه من "دينامكية " واسعة ترتبط بحقيقة موارد النفط وأسواقه بل عطلت تلك الأطروحات أحياناً مهام البحث والتنقيب عن مكامن جديدة في بعض الدول مما أسهم في زيادة الأسعار دون أن يكون كابحاً لها " ولكنها تظل ورقة سياسية تدعمها بعض الأبحاث والتحليلات العلمية والإعلامية لإضافة قدر من المصداقية عليها " أيضاً يبقى النفط ثروة تدعم الكثير من التوازنات العالمية في مجالات السياسة والاقتصاد ويحتاج التعامل به هكذا كورقة إستراتيجية ومحورية إلى جملة احتياطات وتحفظات لا تضمن انعكاساً مضراً على كل الأطراف من منتجين ومستهلكين تجرهما لحالات من المواجهة والتنافس قد يتوسع مداها وانعكاسها على كل العالم ومجالات تطوره خاصة البحثية والاستثمارية منها التي يعرقلها غالباً الدخول في تنافسات ومزايدات وتحليلات غير واقعية لمستقبل الطاقة ؛ فقبل أيام كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في حوار مع مواطنيه تخلله الحديث عن العوائد النفطية في بلاده وتأثرها بالأوضاع والمستجدات العلمية في مجالات النفط فكان يشيد بالسياسة السعودية في مجال إدارة الإنتاج النفطي وتقنين تدفقاته إلى الأسواق العالمية مشيراً إلى التنسيق الروسي السعودي في هذا المجال باعتبار السعودية هي الدولة الوحيدة القادرة على ضمانة المستوى السعري المناسب تبعا لقدراتها الإنتاجية لضخ المزيد من النفط للأسواق. عموماً تصريحات بوتن وإشادته المباشرة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز واصفاً العلاقات بين بلاده والسعودية بأنها "طيبة جدا " رغم التباين في المواقف تجاه سوريا ورغم التهديدات العلنية المتكررة والتي أطلق آخرها في مطلع العام الحالي حين تعرضت روسيا لهجوم " فولغوغراد " الإرهابي والتي هدد فيها بتغيير خارطة الشرق الأوسط متهماً السعودية وقطر بدعم الإرهاب دون مبرر منطقي سوى أنها الحماسة لامتصاص غضب الشعب الروسي وصرف ميوله نحو اهتمامات أخرى؛ ففي استقراء للموقف ربما أخذ الرئيس الروسي على عاتقه بعد تصريح الغزل الأخير تجاه السعودية مهمة مصالح بلاده مستخدماً النفط كبوابة للتعاطي مع الظروف وبناء تفاهمات جديدة؛ ومن جانب آخر تنتهج السعودية سياسات لا ترتهن مباشرة إلى مكانتها النفطية وملأتها المالية بفرض النفط كورقة تفاوضية لتمرير سياستها المعتدلة أصلاً معتبرة أن مثل ذلك الأسلوب غير مجد على المدى الطويل ومضر بالأسواق العالمية بل ترتهن إلى تأسيس علاقات ذات فهم أعمق دون أن يكون النفط محورياً في كل الآراء والمواقف، وقد أشار إلى ذلك وزير النفط السعودي المهندس علي النعيمي في معرض حديثه في لاهاي بهولندا يوم الجمعة الماضي حين كان يستعرض رؤى المملكة كدولة كبرى منتجة للنفط ومبيناً مواقفها تجاه المصادر المستحدثة للطاقة وتحليله للسوق النفطي في ضوء ذلك مشيراً إلى أنها عامل استقرار لأسعار النفط؛ أخيراً تظل الطاقة بوابة العالم نحو مستقبل البشرية ونموها وسعادتها في حين يظل من يجعلها مشجباً للمصالح والصراعات أيضاً.

453

| 20 أبريل 2014

فصل التوائم " كورونا " التحدي

في حين تستمر الجائحة "كورونا" في اقتناص الحالات وترويع العامة في المملكة إثر تسجيل تزايد الإصابة بهذا الفيروس الغامض الذي لا تزال الأوساط الطبية العالمية بكل إمكاناتها ومختبراتها وأبحاثها عاجزة عن تحقيق الوصول إلى نتيجة حاسمة بشأن معالجته أو حتى الوقاية منه أو تحديد مصدره؛ مما يسبب إحباطاً عاماً وحالات من الخوف والهلع بين الجميع لعدم معرفة مصادر العدوى به والسبل الفاعلة للوقاية منه مما يجعل الجهات الصحية في عموم المملكة محل متابعة وتمحيص للتحقق من فعالية مواجهتها لهذه الجائحة وإلا تكون غرف المستشفيات وموجوداتها سبلاً لنقل العدوى بهذا المرض القاتل. وفي خضم ذلك تسجل الأوساط الصحية السعودية نجاحاً جديداً في حالات فصل التوائم السيامية بعد نجاح العملية رقم 32 في سلسلة هذه العمليات الكبيرة والمعقدة؛ حيث نجح الفريق الطبي السعودي في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية والتابعة للحرس الوطني برئاسة وزير الصحة السعودي الدكتور عبدالله الربيعة في فصل الطفلتين العراقيتين كريس وكريستيان مؤخراً وانفكاكهما عن قيود التلاصق الصعب الذي فرضته حالاتهما بعد الولادة؛ سوى أن الخبرة السعودية في هذا المجال والتي سبق لها إجراء حالات مماثلة جعلت من السعودية وجهة المعالجة للكثير من الحالات من مختلف دول العالم؛ بل إن جميع هذه العمليات وتكاليفها تتم على نفقة خادم الحرمين الشريفين بما فيها نقل التوائم وذويهما مع تقديم مجمل الخدمات اللازمة لهم منذ لحظات تقرير ذهابهما إلى المملكة وهو ما يؤكد النهج الإنساني لخادم الحرمين الشريفين وجهوده العالمية في هذا المجال وغيره مما يعزز التعاون بين الشعوب وخدمتها بروح محبة للعطاء والتعاون وهو ما يعطي أيضا انطباعاً عاماً عن مستوى الخدمات الطبية في المملكة وتقدمها للتعامل مع هذه الحالات الصعبة خصوصاً وأن هناك جملة مشاريع طبية واسعة تتمثل في إنشاء المستشفيات والمدن الطبية في المناطق وتطبيق الرعاية الصحية الأولية في خطة شملت إنشاء أكثر من 2000 مركز صحي في عموم مدن المملكة وقراها، وحقيقة في ظل هاتين الصورتين مابين المرض المخيف "كورونا" وسرعة تفشيه واتهام مستويات الأداء والتعقيم في المستشفيات المحلية وبين عمليات فصل التوائم المعقدة التي تستمر المملكة في القيام بها وكذلك جهود الدولة لتعميم التأمين الطبي والتأهل لهذه المرحلة لتشمل كافة القطاعات بما فيها المواطنين؛ نجد أن الصورة الأبلغ هي تعميم الإيجابية بين الناس وضرورة بث شعور الاطمئنان بين العموم؛ خاصة وأن الجوائح الطبية المستجدة وفق الأسانيد العلمية لا تقتصر على وطن محدد بل هي ابتلاء عالمي عام تشترك فيه كل البشرية وتظل الجهود السعودية محل تقدير للوقاية من المرض ومستوى الشفافية الذي تعمل به للحرص على سلامة الناس وطمأنتهم خاصة وأن السعودية وجهة دولية مستمرة لأداء مناسك الحج والعمرة على مدار العام؛ وكما في إشارة وزير الصحة في بيانه حول "كورونا" إلى ضرورة الابتعاد عن الشائعات والأقاويل التي تتناقلها وسائل الاتصال الاجتماعي دون أسانيد أو دلالات رسمية حرصاً على سلامة العامة وعدم تهويل الوضع وتحميله ما لا يحتمل في تأكيد على جاهزية وزارة الصحة ومستوى تعاملها مع ظروف الحالة والتي ستنقضي قريباً بإذن الله محققة السلامة للجميع ولتظل الصورة الأجمل عن الأداء الصحي هي تلك النجاحات المستمرة في العمليات الكبيرة والمعقدة في فصل التوائم.

529

| 13 أبريل 2014

الربط الكهربائي الخليجي .. خطوة للتكامل

تحقق الكهرباء ما تعجز عنه السياسة الخليجية في صناعة الربط المتكامل بين دول المنطقة وشعوبها والتي تعيش منذ عقود أحلام الوحدة والتكامل في كل المجالات بما فيها الرؤى والتطلعات التي تحفظ أمن الخليج وتعزز استقراره ؛ ومؤخراً احتفلت دول التعاون بتدشين مقر هيئة الربط الكهربائي الخليجي الرئيسي في مدينة الدمام السعودية بحضور أمين عام مجلس التعاون والوزراء المعنيين بشؤون الكهرباء في دول المجلس التي باشرت هذا المشروع الحيوي الضخم " الربط الكهربائي " مبكراً لتحقيق جملة فوائد اقتصادية لشعوبها في تأكيد على أهمية مثل هذه المشاريع المشتركة التي تحقق التكاملية وتخفض التكاليف وتضمن التعاطي البيني من الطاقة بين دول المجلس من خلال هذا المشروع الذي تم تشغيله في العام 2009م والذي يوفر حسب أحد المسؤولين فيه 5 آلاف ميجاواط من الطاقة الكهربائية ويُغني دول الخليج لاحقاً عن بناء محطات جديدة لمدة 20 سنة قادمة مما يخفض التكاليف ويوفر لخزائن الدول الخليجية المليارات من الدولارات والتي ستذهب لإنشاء محطات يُعرف بأنها باهظة التكلفة في الإنشاء والصيانة؛ وحيث تعاني بعض دول المنطقة من نقص حاد في قدرات التوليد لا توازي حجم احتياجها اليومي ولا تسمح لها بالتوسع في الاستثمارات الأخرى ربما لأسباب فنية أو نقص في الموارد الأساسية ؛ فيأتي هذا المشروع ليحقق منفعة التبادل والبيع البيني للطاقة؛ وهو مشروع جميل في فكرته التي تجاوزت عقبات التنفيذ وبيروقراطية الأداء المعتادة في الكثير من المشاريع المشتركة لتنتصب سريعاً آلاف الأعمدة والأبراج الناقلة لخطوط الربط بين الدول الست، محققة حلماً كبيراً لكل أبناء الخليج الذين تخذلهم غالباً ظروف المجلس وتحديات واقعه في مختلف المجالات؛ وحقيقة نحن نشيد بمثابرة وزراء الكهرباء ومهندسي المشروع الذين وصلوا به إلى هذا المستوى من الإنجاز وهو ما يحفز غيرهم في القطاعات الأخرى على العمل التكاملي والمضي نحو الإنجاز المشترك سواء في مشاريع الربط المائي أو غيره من المجالات الحيوية التي تدعم البنية التحتية لكل الدول وتوحد مسارها الاقتصادي وتوفر لشعوبها فرص العمل والكفاية في شتى المجالات وحتى المستلزمات الصناعية أو الاستثمار المشترك للموارد المحلية ؛ فعلاً نحن في الخليج وجدنا هكذا كتلة واحدة منذ القدم ونواجه مصيراً واحداً ومستقبلاً مشتركاً رغم كل الظروف ورغم كل ما يحاك ويقال ضدنا؛ فإذا اختلفنا في بعض مجالات السياسة مثلما حصل مؤخراً بين بعض دول الخليج التي تباينت بينها الرؤى في بعض المواقف؛ فالأمر بإذن الله، لا يعدو كونه سحابة صيف "كسحب الموسم" لا بد أن تمر بسلامة وأمان لتعود المياه إلى مجاريها في التكامل والشركة وصولاً إلى الوحدة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين أمام إخوانه قادة دول المجلس ؛ ولحين الوصول إلى ذلك الهدف يجب أن نعمل جميعاً على تعزيز الشراكة والتواصل المفيد بيننا تماماً كما فعل المعنيون بالكهرباء حين وصلوا بمشروعهم إلى مراحل التشغيل، متخطين كل العقبات ؛ فهذه دعوة للعاملين في كل القطاعات الخليجية الحيوية ومن تحت يدهم ملفات المشاريع المشتركة بين دولنا، سواء في الربط المائي أو المواصلات والقطارات أو حتى الصناعية منها والخدمية، مثل تطبيق نظم العمل والتأمينات الموحدة أو غيرها، أن يبادروا في دفع مشاريعهم إلى حيز الوجود والوصول بها إلى أن تكون عياناً يخدم الجميع؛ وحقيقة فهذه مرحلة هامة يجب أن تستثمرها أمانة مجلس التعاون لدفع التعاون في عموم مجالات التنمية فربما هي الأكثر قدرة على بناء الوحدة وتفعيلها.

488

| 06 أبريل 2014

زيارة أوباما للسعودية الفهم الأقرب

شاهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أجواء الربيع العربي على حقيقتها في روضة خريم الشهيرة شرق العاصمة الرياض والتي يتخذها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مقراً ربيعياً لإقامته واستقبالاته الرسمية في جزء من العام. وربما حملت ورود وأزهار الربيع كما تبدو في روضة خريم للرئيس أوباما الذي زار السعودية اليومين الماضيين مشهداً مغايراً لما يرسمه مخيال السياسة الأمريكية للربيع العربي المزعوم والذي حمل لمنطقتنا الكثير من صور الأذى والدمار المبرمجة في غالبها. الصور في روضة خريم طبيعية تنبئ بأن في وسط الجزيرة العربية خصوبة تلقائية تعبر عن الربيع بمعانيه ولا تحتاج إلى محفزات أو صياغات لتمرير دلالات أخرى ؛ فقبل وصول الرئيس أوباما للسعودية بأقل من 24 ساعة كانت الأنباء من الديوان الملكي السعودي تحمل بشارة إلى المجتمع المحلي والعالمي المحب لهذه البلاد بأن السعودية ماضية نحو بناء استقرارها وتوطيد مؤسسة الحكم فيها من خلال ما صدر عن تعيين ومبايعة سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز خليفة لولي العهد ثم للملك في حال شغور المنصبين ؛ وهي خطوة لها جملة مضامين واعتبارات تلقاها المجتمع السعودي بترحاب وفرح ؛ أيضاً كان العالم بمن فيهم الأمريكان يتابعون نتائج الجولة الآسيوية الموسعة لسمو ولي العهد مؤخراً وجملة الاتفاقيات التي وقعت مع تلك الدول، وهي متابعة لا تخلو من تقييم أمريكي للمصالح ؛ وهي من جانب سعودي استحقاق عالمي تفرضه مصالحها وحريتها. أعود إلى زيارة الرئيس أوباما للسعودية والتي حملت هي الأخرى جملة من الرسائل للعالم أجمع، خاصة فيما يخص المنطقة العربية وأحداثها ؛ فقد جرت الرياح في المنطقة غير طبيعية في غالبيتها وهناك من يفرض لنفسه بحكم القوة والهيمنة بعض الاستحقاق في تغيير ملامح الواقع واستنتاج تاريخ جديد بشخوص ورسوم بديلة على حساب الشعوب المحلية وقيمها؛ وفي هذه الحالة فتش عن الأمريكان دائماً، فهم دعاة التغيير وهم رواد العولمة دون أن تكون كل الضوابط والمقدرات في أيديهم، ربما لفهمهم الخاص والمغلوط لجدليات المنطقة، وربما أيضا أن مشكلة السياسة الأمريكية مكشوفة للعالم أجمع ويمكن استنتاجها بتتبع مكامن المصلحة والمنافع؛ الرئيس أوباما حضر إلى السعودية بعد تعديلات موسعة في رحلته اكتفت بالرياض كمحطة وحيدة في الشرق الأوسط وفي ذلك رسالة لأهمية المملكة وحضورها في صناعة توازنات المنطقة وكذلك لتصحيح بعض المسارات في العلاقات بين البلدين والتي أخذت تشوبها بعض المنغصات والطوارئ تبعاً لتباين المواقف بينهما في عدد من قضايا المنطقة، خاصة مصر وسوريا والبحرين أيضاً والتدخل الإيراني في شؤون المنطقة بتعزيزات مبطنة من بعض الدول الغربية لفسح المجال أمام المد الفارسي وبرامجه النووية للتوسع في المنطقة لحسابات وتخمينات ترتبط بأحداث الحادي عشر من سبتمبر ومنفذيها؛ سوى أن البحث عن بديل لتولي زمام الهيمنة في المنطقة دون مسوغات تاريخية وأيديولوجية ولمجرد غضب سياسي أو حنق مرحلي هو من الغباء الذي يجر خلفه المزيد من الويلات والثبور على العالم أجمع ؛ فالرسالة السعودية منذ اللحظات الأولى لأحداث الحادي عشر من سبتمبر أنها، حكومة وشعباً، تدين الإرهاب والتعصب بأي أشكاله وتعمل على اجتثاث مسبباته ودواعيه وهو ابتلاء عالمي تغذيه الدوافع الغربية وممارساتها تجاه قضايا المنطقة التاريخية ؛ ولعل في صور "اليوتيوب" التي تناقلتها الأوساط العالمية لعدد من الشباب السعوديين وهم يمزقون وثائقهم الرسمية للتخلي عن البلد وهم في حالة حنق من القرارات السعودية الأخيرة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين والتي تجرم المشاركات العسكرية في الدول الأخرى والانتماء للجماعات والأحزاب الإرهابية في دلالة على مضي الدولة لمواجهة هذا الابتلاء وبرأتها وعموم المجتمع السعودي منه، ففي تلك الصور دليل على معاناة الدولة والشعب السعودي من هذا الفكر وأتباعه. مرة أخرى الولايات المتحدة تعيد حساباتها نحو المنطقة وتؤكد وفق البيانات الختامية الصادرة عقب زيارة الرئيس أوباما على الاهتمام بمصالحها المرتبطة بأمن المنطقة. والجميل في مباحثات الطرفين حسب بعض المراقبين أنها كانت شفافة ومباشرة ولا تحمل تخمينات ولا لبس وتعيد العلاقات إلى المسار الصحيح وفق الاتفاقيات التاريخية بين البلدين والتزاماتهما المشتركة تجاه المنطقة وتعطي فهماً أقرب للأحداث ونتائجها. أعتقد أن المرحلة القادمة ستحمل تغييراً في نمطية التعاطي مع الكثير من الملفات الخاصة في المنطقة، فلننتظر.

408

| 30 مارس 2014

هزائم العلم بين سكاي لاب والطائرة الماليزية

الاختفاء الغريب للطائرة الماليزية ذات الرحلة رقم 370 بطاقمها وركابها الـ 239 عن أنظار العالم وشاشات الرادار الدولية الواسعة منذ الثامن من مارس الحالي يؤكد أن القرية العالمية الصغيرة التي يتغنى بها دعاة العولمة والمؤمنون بالعصر الرقمي تمتحن الآن في قدراتها وتقنياتها الواسعة؛ فحادثة الطائرة تهزم بهرجة الإعلام الواسعة التي تبرز التفوق العالمي وإمكاناته حين تصطدم بواقع مثل حادثة تلك الطائرة التي لا يزال سرها غامضاً ولوعة أقارب ركابها تتزايد رغم محاولات البحث الكثيفة التي استنهضت لها العديد من دول العالم قدراتها وتقنياتها ؛ بيد أن لا أحد حتى الآن يجزم بأي معلومة عن مصير تلك الطائرة، مما أدخل العالم أجمع في حالة فريدة من القلق والخوف، عموماً نحن نصلي مع كل العالم من أجل الركاب وسلامتهم؛ وتذكرني هذه الحادثة بحالة القلق التي مر بها العالم عند ترقب سقوط المركبة الفضائية الأمريكية المسماة مختبر الفضاء Skylab في صيف العام 1979م، فرغم محدودية تقنيات الاتصال العالمي والتي لم تكن قد وصلت لهذا الحد الواسع الذي نعيشه الآن؛ إلا أن الناس كانت لهم سبلهم في الوصول بالمعلومة إلى أبعد مدى، فأخذت حادثة سقوط المركبة أبعاداً وزوايا تتعدى مضمون بيانات وكالة الفضاء الأمريكية NASA والمواقع التي توقعت عملياً سقوط المركبة فيها؛ فكانت المعلومات تصل إلى الناس محرفة ومحملة بالمزيد من الإضافات المغلوطة؛ فالكل في بقاع الأرض كان يتوقع سقوط أشلاء المركبة على رأسه، فعم الهلع بين الناس ودب الخوف بينهم؛ فالكل كان يُفتي في الموضوع؛ حتى اجتماعات شاي الضحى لسيدات الحي في قريتنا لم تنأى عنه، فجارتنا حملت إلى الجميع معلومة مخيفة مفادها أن حجم المركبة يتجاوز نصف حجم الجزيرة العربية وأنها حين سقوطها سيكون الجميع هنا في منطقة حوض الخليج العربي في عداد الأموات؛ كانت المعلومات حول سقوط "سكاي لاب" تتناقل بيننا جزافاً دون أن يكون هناك احتياطات أو تدابير معلنة، مما أقلق حتى طفولتنا وامتنعت الأمهات في القرية عن إرسال أطفالهن إلى الشوارع خوفاً على الجميع من هذا الجرم الفضائي الضخم الذي رسمته الجارة التي تدعي العلم بكل شيء أمام نساء الحارة. وأذكر أيضاً أن العمل الفني الكويتي "بساط الفقر" والمُنتج في نفس الفترة رصد الموقف ووثق له بين مشاهده حين قالت الفنانة سعاد عبد الله، وهي تؤدي دور عبلة، لعشيقها عنترة المكبل بحديد والده: "نجيت من جراح سكاي لاب ولم تنجو من جراح أبيك"؛ والشاهد في الموضوع أن قدرات الطبيعة الكونية التي تحكمها إرادة الخالق عز وجل تتحدى دائماً القدرات العالمية وميكنة الصناعة الآخذة في النمو والتطور؛ فالطائرة الماليزية لا تزال حتى كتابة هذه السطور مفقودة والعجيب أن من بين المحاولات العالمية لكشف هذا الغموض التوجه نحو "السحر والسحرة" للاستدلال على مصير الطائرة وموقعها فيما لو تحققت فعلياً فرضية سقوطها؛ فالعالم الآن أمام تحدٍ جديد يكشف عجز الإنسان عن مجرد فك لغز اختفاء طائرة ومعرفة مصير ركابها؛ فهل تفقد هذه الحادثة الثقة في المنجز الحضاري العالمي وتبرهن على العجز البشري أمام حوادث بسيطة؛ ربما لأن الإنسان قد صرف الكثير من اهتماماته نحو التسلح وصناعة أدوات الحروب والتناحر دون أن يُحقق للبشرية منجزاً يضيف لجهود التقدم والتطور ما يعزز مكانة الإنسان. كذلك تبرهن حالة الطائرة الماليزية على أهمية التوجه نحو التطوير والبحث فيما يخدم البشرية ويعالج ظروفها وحاجاتها؛ لا أن تنصرف الجهود إلى ما لا ينفع حتى إذا واجهت العالم حالة كحالة الطائرة الماليزية ظلت جهوده وخبراته عاجزة عن مجرد طمأنة أسر الضحايا وتبرير دموعهم.

739

| 23 مارس 2014

المرور يوحدنا خليجيا

انقسمت دول الخليج سياسياً في الظروف الراهنة بينما اجتمعوا في أسبوع المرور الموحد الذي انطلقت فعالياته مؤخراً تحت شعار "غايتنا سلامتك". وحقيقة نحن في كل دول الخليج نخوض حرباً مرورية واسعة سجلت بسببها أرقام مخيفة للحوادث التي راح ضحيتها عشرات الألوف بين وفيات وإعاقات مستديمة تؤثر مباشرة في حياة الأسر ومجمل المجتمعات المحلية ومقدراته. ففي دولنا وحدها يسجل سنوياً قرابة 500 ألف حادث مروري وأكثر من 7 آلاف حالة وفاة وعشرات الألوف من الإصابات الخطيرة المقعدة؛ ورغم تشغيل نظم المراقبة الإلكترونية لضبط حدود السرعة القصوى وفرض الجزاء المالي الرادع على المخالفين لتحقيق بعض الفعالية للحد من السرعة وخفض الحوادث. إلا أن مسلسل الحوادث مستمر ومسبباتها في تنامي مخيف؛ فهناك عدو جديد يحضر في طرقنا الآن يتمثل في حالات الانشغال بالمكالمات الهاتفية وكتابة الرسائل أثناء القيادة وكذلك تصفح المواقع ومشاهدة المقاطع حيث غدت تلك ظاهرة عامة تشاهدها في كل مكان؛ فكثير من الحوادث المرورية الآن سببها هذا الانشغال غير المبرر والذي يصرف اهتمام السائق وتركيزه بعيداً عن مهمة القيادة وظروفها. عموماً الأسبوع المروري الخليجي الموحد موسم جماعي مميز تتوحد فيه كل الجهود نحو تحقيق السلامة المرورية وتكثيف الوعي العام نحوها بكل السبل المتاحة. ومؤخراً صادف أن استمعت عبر الإذاعة لبرنامج جميل يرصد معاناة بعض الأفراد الذين تسببت الحوادث لهم في الإعاقة وكذلك الأسر التي تضررت بسبب فقد عائلها أو أحد أفرادها بنفس السبب؛ وحقيقة حمل البرنامج إلى مسامع الجمهور الكثير من المواقف المؤلمة والآثار الجانبية الصعبة فقد حولت لحظات بسيطة جداً من الغفلة أو اللهو وعدم التركيز أثناء القيادة مسار الفرد أو العائلة إلى واقع مؤلم ترافقه صور عديدة من العوز والفاقة والحاجة للعون من الغير بل واليتم أو ملازمة الفراش وشلل حركة الأطراف. وقد تحدث في البرنامج أحد الضيوف ممن عانى ولا يزال من أثار حادث تصادم مروع تسبب له في إعاقة كبيرة؛ بقوله كنت أقود سيارتي بسرعة 170 كيلومترا في الساعة وصادف أن قطعت الطريق أمامي إحدى السيارات فقد تسببت في وفاة السائق الآخر وأعاني إلى جانب إعاقتي من آلم نفسي مستمر رغم ما بذل معي من تأهيل ومحاولات لإعادتي إلى ظروف حياتي الطبيعية فقد خسرت عملي وأصبحت لا أقوم بواجباتي الشخصية إلا بمساعدة الغير وكذلك واجبات أسرتي فأنا الآن أدفع عمراً طويلاً ومستقبل أسرة كاملة بسبب لحظة غفلة وتهور على الطريق كان يمكن تداركها بالقليل من الوعي "انتهى حديث ضيف الإذاعة". فإلى جانب السرعة والتهور أنظم اللهو وصرف التركيز بالانشغال بأجهزة الاتصال وغيرها أثناء القيادة إلى مسببات الحوادث وهذه حالة متطورة ومتوسعة لا يمكن السيطرة التامة عليها أثناء القيادة؛ فالأمر في غاية التعقيد ولا يمكن تحقيقه سوى بتعميم الوعي بين السائقين وقناعتهم بخطورة الحالة وضمان تفاعلهم مع محفزات تجنب الانشغال بالهاتف. وعليه يمكن لإدارات المرور الخليجية تبعاً لهذا التزايد في حجم الحوادث أحقية فرض المزيد من الحزم وفرض غرامات مضاعفة على المخالفين في استخدام الأجهزة أثناء القيادة بل وتقرير أقصى ما يمكن من العقوبات عليهم دون هوادة أو تهاون. ونعود إلى أسبوع المرور والذي تحول إلى ممارسة تقليدية لا تقدم الرسالة الناجعة للمتلقي فهو مجرد نشاط تقوم به الإدارات المعنية وتقارير تكتب إلى الجهات العليا دون أن يكون هناك قياس فعلي لمدى التفاعل مع أطروحات المناسبة وتأثير مضمونها على الوعي العام في مجالات القيادة. فقد عايشنا زمن أسبوع المرور الذي يُفتش فيه عن "المثلث والطفاية" فقط والتأكد من وجودهما في السيارات وكان المخالفون يضطرون إلى وقف استخدام سياراتهم خلال الأسبوع خشية الغرامة والعقوبة. آما الآن فالحالة كما نرى ونشاهد في شوارعنا وطرقنا تمتلئ بالتجاوزات التي تفوق الالتزام مما يحتم المزيد من ضرورة حضور الوعي والحزم معًاً. وجميل أن يوحدنا المرور خليجيا.

420

| 16 مارس 2014

خليجنا واحد

ماذا ستكتب هذا الأسبوع في قطر؛ سؤال وجهه لي أحد الأصدقاء من لندن مباشرة بعد سحب سفراء الدول الخليجية الثلاث من الدوحة بما فيهم سفير بلادي السعودية وما صاحب ذلك من ضجيج إعلامي واسع يحاول استغلال الحدث في بث الفرقة وتعميق الخلافات بين أبناء اللحمة الواحدة، وبما إني لم أكن وقتها أخمن موضوع الحديث في المقالة ولم أحدد بعد مسارها، سوى أني قد أجبته قائلا: لن أكون صامتاً أو أقول كما قال عبدالمطلب "للبيت رب يحميه" بل سأكتب في ذات الموضوع تبعاً لمسؤوليتي كمواطن خليجي يتنفس هواء المنطقة ويعشق كل شبر في أراضي دولها عموماً ولأعمل على نبذ الفرقة ومنع محاولات التصيد في مثل هذه الظروف؛ فالبيت الخليجي لن تحميه بعد حفظ الله سوى وحدة أهله وتعاونهم وحرصهم الذي يجب أن يرقى فوق كل الاختلافات والظروف والتحديات التي تبرز يومياً في مجريات حياتهم؛ فالسياسة لها ظروفها ومعادلاتها الصعبة والمعقدة غالباً؛ كما أن اختلاف وجهات النظر بين الدول وارد ومفيد في بعض حالاته لتصحيح المسارات وتبادل الرؤى؛ والمهم ألا تغزو الظروف الحالية نفوس العامة من الشعوب ولا تعزز فيهم حالة النفور والتنابذ والتراشق فالعلاقات بين الدول والحكومات في كل العالم معروفة تاريخياً بالتبدل والتحول وفقاً للظروف والمصالح؛ مما يعني أن الحالة السياسية لا يجب أن تغير في مجريات الحياة اليومية بيننا وفي تواصلنا بأي مؤثر؛ وبالذات نحن وقطر فما من بيت هنا إلا ولهم هناك أهل وأحبة وأصدقاء فنحن شركاء في الكثير من المحاور الرئيسية للأمة وللمنطقة؛ كما أن العلاقات بيننا ليست وليدة المصلحة أو الصدفة فهي ذات عمق وتاريخ تنطلق منه كل العلاقات اللاحقة؛ أيضاً اختلاف حكوماتنا في قضايا معينة لا يعني أن نختلف نحن أو نؤسس لمشروع اختلاف شعبي؛ بل علينا أن نتحمل مسؤولياتنا كشعوب ونعمق التواصل بيننا لنحافظ على أعلى مستويات الاحترام والتقدير دون أن نتيح للسلبية والتدخلات الرخيصة مجالاً لفرض محددات العلاقة أو توجيهها نحو ما يرغبون من مسارات ونتائج؛ فلطالما تفوق تواصلنا الشعبي الحميم على ظروف السياسة بل ودعم في حفز أواصر التلاقي الجديد في جولاته المتعددة؛ ولست هنا بصدد التذكير بمواقف سابقة بل أود أن أنوه فقط بالرسائل الجميلة التي تبادلها أبناء الخليج عموماً عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد أخبار سحب السفراء والتي تدعو إلى الوحدة وتعزيز أواصرها بين الجميع والتي حملت التحذير أيضا من تداول الشائعات أو النزول إلى مستويات أقل نبلاً مما اعتاده عموم أبناء دول الخليج فيما بينهم من حوارات وتعاملات؛ أيضاً حتى الصحافة الخليجية وعموم الإعلام وقنواته وكذلك الكتاب والمثقفين يجب أن يقوم كل بدوره الرئيسي في خدمة شعوب المنطقة وتعزيز لحمتهم بالتعامل الراقي مع الحدث من منطلق تلك المسؤولية أمام الشعوب والتصدي لمحاولات الاستغلال البغيض للظروف والذي لا يصطدم بوازع ضمير ولا يلتفت إلى عمق الروابط ومتانتها بل يبرر ذلك السيل العرم لنفسه اقتناص الفرصة وخلخلة المجتمعات مستغلاً هذا الظرف السياسي الذي سيزول بلا شك لتستمر شعوبنا تردد "خليجنا واحد".

520

| 09 مارس 2014

أسطورة الأناناس

ليست الصواريخ وحدها من يعبر القارات؛ فثمة العديد من الممارسات المغلوطة في إرث الشعوب وثقافتهم تعبر إلى البعيد، بل وتجتاز حتى حدود الزمن، تحمل تدميراً يهلك الحرث والنسل دون ضجيج غالباً؛ سوى أن لأنات الضحايا صدى يوسم القلوب ويحيلها إلى فراغات تتوه فيها جل المعاني والقيم التي يفترض أن تكون رافداً يحفظ للإنسانية حياض معانيها السامية, هكذا خُيل لي وأنا أقرأ لحائز الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر 2013" الروائي الكويتي سعود السنعوسي وهو يتنقل بقرائه بين الكويت والفلبين في صفحات روايته الجميلة "ساق البامبو" سارداً قصة الشاب هوزيه ميندوزا JOSE MENDOZA أو عيسى كما هو اسمه العربي الذي فقده وهو يعيش في أرض جده ميندوزا في ضواحي العاصمة مانيلا بين أشجار البامبو والمانجو والموز والأناناس بعد أن رفضت جدته الكويتية وفقاً للعادات والتقاليد زواج ابنها راشد من الخادمة الفلبينية؛ ويوغل الحفيد هناك بعيداً عن أرض والده الذي اعتقل في العراق ثم عاد رفاته فقط ضمن جموع المقاومة الكويتية التي دفنت في مقابر جماعية إبان الغزو العراقي للكويت صيف 1990م, فرغم عودته إلى أرض الأحلام التي رسمتها له والدته ظل عيسى منبوذاً من بين أفراد عائلة والده بحجج العادات التي ترفض مثل هذه الزيجة التي تخلخل العائلة وتطرد عنها النسب المحلي الأصيل؛ عموماً في سطور الرواية الكثير من النقد لتلك الظروف العقيمة، مثلها مثل ظروف "البدون" التي صورها المؤلف كحالة معيبة للمجتمع الكويتي توسم واقعه بالخلل في التعامل مع جزء من نسيجه الإنساني دون أن يكون لهذه الجماعة حل جذري يستوعب حب "البدون" لأرضهم ومشاركتهم للمجتمع في كل ظروفه وتفاعلاته وحتى همومه، تماماً مثل موقفهم أثناء الغزو؛ ومؤمل في الحكومات الكويتية المتعاقبة أن تنظر إلى قضيتهم بعين المسؤولية تجاه مستقبل البلد وأن تفرض الحلول العاجلة التي تضمن دمجهم في المجتمع دون أن تكون قضيتهم محل استثمار لبعض ممارسي السياسة في دولة الكويت التي تعد وفقاً للمشهد السياسي من أعرق الديمقراطيات العربية وأكثرها نضجاً وفقاً لتاريخها الدستوري. أعود إلى "هوزيه" الشاب الذي فقد هويته ودينه وربما كل شيء حين قفل راجعاً إلى أرض جده ميندوزا المحارب القديم ليمارس طقوساً وعادات فرضتها ظروفه بعد أن كانت عادات مجتمع الخليج حائطاً صلداً أمام قبوله؛ أيضاً من العادات المحلية التي تجرنا لذكرها مضامين الرواية؛ تلك التفرقة بين طبقات المجتمع وحدود التواصل القاسية التي تفرض بين طبقة وأخرى وفق أسانيد موروثة لا يقرها الشرع أو النظام سوى أن ذاك العرف القبلي ظل سائداً وملتزما به ليفرز تبعات قاسية تنم عن خلل موروث يوسم مجتمعاتنا بما لا ينبغي وهو من "المسكوت عنه" غالباً؛ مما يحتم العمل نحو إزالته بالمراس الثقافي المكثف لهدم العوائق وتعزيز عرى التواصل المجتمعي دون خلفيات موبوءة؛ ومثلما ضمن الروائي السنعوسي روايته الحديث عن أسطورة الأناناس حين تمنت أم الطفلة "بينيا" أن تنبت لها ألف عين حتى ترى الأشياء بوضوح؛ فاستحالة الطفلة حسب الأسطورة في البلاد الاستوائية إلى ثمرة صارت تعرف لاحقاً باسمها Pinya أو Pineapple وهي الأناناس؛ فنحن ومجتمعاتنا بحاجة فعلاً لأن تنبت لنا ألف عين لنرى الأشياء بوضوح، لنتجاوز معاً بعض موروثاتنا البالية.

2726

| 01 مارس 2014

عشاء بنكهة السليكون

في رحلتنا ضمن برنامج الزائر الدولي الذي تنظمه الخارجية الأمريكية كانت مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا هي محطتنا الأخيرة؛ وصادف أن حل شهر رمضان المبارك الماضي ونحن في أجواء تلك المدينة الساحرة بمعالمها وحضورها العالمي الشهير؛ وقبل يوم السفر للعودة إلى الوطن وجهت لنا جميعاً نحن ضيوف البرنامج الدعوة لتناول الإفطار الرمضاني "وكنا عدد من أبناء الدول العربية" في ضيافة مجموعة من الأخوة الباكستانيين المغتربين والمقيمين هناك، كانت دعوة كريمة وثرية ليس في مجرد أصناف الطعام الباكستاني الشهير بل في أجوائها الرمضانية المحفوفة بالروحانية وصلاة التراويح ودعاء القنوت الذي أمن عليه الحضور المنوع من الشخصيات الباكستانية التي حضرت إلى الولايات المتحدة مبكراً وسجلت حضوراً مؤثراً لذاتها ولسمعة بلادها فصار منهم السياسي المشارك في صناعة القرار والمستثمر الذي يعزز اقتصاديات محيطه والطالب المجد في أعرق جامعات الغرب الأمريكي؛ كان الحديث ذلك المساء كثيفاً حول تجربة الحضور الباكستاني في وادي السليكون Silicon Valley والذي يعد الآن العاصمة التقنية للعالم حيث تتمركز صناعة الترانزستور وخبراته التي غيرت مجريات الحياة العالمية الحديثة فهو مكان استثنائي تتخذه معظم شركات التقنية مقراً لمراكزها الرئيسية رغم كلفة أسعار الأراضي المرتفعة جداً هناك، إلا أن المكان بتاريخه ظل ملهماً للتحدي ومقاومة ظروف التعطل عن العمل تماماً كما كانت بدايات نشأته وارتباطه بالتقنية في الثلاثينات من القرن الماضي عندما أقنع أستاذ الهندسة في جامعة ستانفورد العملاقة فريدريك إيمونز تيرمان اثنين من طلابه وهما ويليام هيموليت وديفيد باكادر على تحدي ظروف البحث عن فرص العمل التي كانت شحيحة آنذاك والبقاء في المكان وتأسيس شركتهما الخاصة في مرآب أحد المنازل في الوادي وهي شركة hp وليحققا بعد ذلك شهرة عالمية لهما وللوادي الذي استقطب كبرى الشركات العالمية للحضور والعمل للإنتاج في صناعات الكمبيوتر التي تعد الآن عصب الحياة وأيقونة التقدم والتطور في مختلف المجالات وهي الأكثر تأثيراً في اقتصاديات العالم وموارد الولايات المتحدة تحديداً؛ كان هذا حديث المساء الرمضاني في وادي السليكون مع الأخوة الباكستانيين وغالبيتهم كان عاملاً أو مستثمراً هناك في جوانب هذا القطاع الحيوي حضروا مفعمين بالإرادة وطموح التفوق على إثر سمعة الوادي ونجاحاته التاريخية وفي وجود أنظمة وبنية تحتية عملاقة وإستراتيجية توفر للمستثمر أياً كان حجم قدراته المشاركة والنجاح دون قيود أو حساب لمرجعية الأصول والفكر؛ المهم أن يكون الحاضر هنا مقتنعاً بفكرة المكان وأهدافه التي لا تقبل سوى النمو والتطور وشحذ الهمة لإضافة الجديد إلى البشرية عموماً، كانت قصص النجاح التي لا ترتهن إلى الخيال والمبالغات تتوالى على مسامعنا من مضيفينا وهم جزء من عشرات الألوف بل الملايين ممن يسيل الوادي برزقهم الذي ينبع بالفكر والتطور؛ حضروا مؤمنين بأن العمل يحتاج للتوافق بين الإرادة والطموح والتحدي والابتكار التراكمي؛ فقد تعلمنا في مدارسنا أن العلم بحر لا شاطئ له سوى أننا من نفتقد غالباً مهارة السباحة فيه والاكتفاء فقط بمشاهدة روعة تلك السفن العملاقة التي تتحدى أمواجه وتعبر محيطاته بثقة وثبات , أعتقد أن فكرة وادي السليكون ليست معجزة عصية على الإنسانية فهي فقط تجربة عملية لا تحتمل التوقف أو الاستثناء سوى للمزيد من التعاطي مع النمو والتفوق على الظروف وتحويل الفكرة والحاجة إلى منتج ملموس يضيف للحياة أبعاداً جديدة؛ فقد سمي بالسليكون عندما صنعت شريحة الترانزستور من مادة السليكون لتكون هي القلب النابض للبشرية في قرونها المشرفة وهي محرك عمل المعلوماتية وأجهزتها في كل الأنحاء وكل الأوقات بما فيها لحظات كتابة وقراءة هذا المقال؛ وأخيراً تحية لمضيفينا الأخوة الباكستانيين فقد أرادوا أن يكون العشاء ذلك المساء بنكهة السليكون؛ بقي أن أقول أن دعاء القنوت آنذاك تضمن الدعوة بأن يوفقنا الله جميعاً لكل خير.

472

| 23 فبراير 2014

الجنادرية ملتقى الثقافة

انطلقت يوم الأربعاء الماضي في الرياض فعاليات مهرجان التراث والثقافة " الجنادرية " بحضور لفيف من الأدباء والمفكرين العرب والعالميين ليكون المهرجان في نسخته الـ 29 إضافة نوعية مميزة لمخزون التراث السعودي المتنوع والمرتبط بتاريخ الأمة وموروثها العريق. وتتركز ورش العمل الثقافية التي يحضرها أكثر من 300 مثقف ومفكر عالمي حول الأمن القومي العربي والمتغيرات الدولية والإقليمية في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها من المناقشات الفكرية والأدبية المنوعة التي تستهدف تنمية الفكر العربي وتأهيل دور المثقفين المحليين في التعاطي مع النخب الفكرية المنوعة وأطروحاتها لاسيَّما الشباب منهم حيث تقام سلسلة هذه المناشط أمام العامة وفي أجواء تجيد التلقي المرن والفرز المحكم للأخذ بما يتوافق وفكر الأمة ومحددات ثقافتها. وحقيقة تعد التداولات الثقافية في الجنادرية عبر عقود هذا المهرجان مرتكزاً لبناء الفكر العربي عموماً حيث تصاغ أجندة المهرجان دائماً بعناية فائقة تحقق المفيد وتضيف الكم النوعي المميز في نماذج الطرح والمحتوى، وهذا تأصيل يشهد به الحضور ويظهر في كتاباتهم ومرئياتهم، وهو ما يحقق الفكرة الرئيسية التي قام عليها المهرجان منذ انطلاقته الأولى إذ ظل هو الملتقى الأبرز للمثقفين العرب في بيتهم الكبير المملكة العربية السعودية، فما نحضر من ملتقى أو مؤتمر يهتم بالثقافة العربية إلا ويشار إلى الجنادرية كمناسبة ثرية ومهمة بل ويعطى المشاركون في فعالياته اعتباراً وتميزاً يضاف إلى سيرتهم، فقد كنت مبكراً في بغداد أحضر فعاليات احتفاليتها بمرور ألف عام على تأسيسها في زمن أبو جعفر المنصور وكان يزاملني في الرحلة الأستاذ حسن الخليل رئيس تحرير مجلة الحرس الوطني العريقة وهو أحد أعمدة المهرجان لاسيَّما الجانب الثقافي منها وكنت طوال الرحلة ألمس الاهتمام الكبير بالزميل الخليل واستشارته في الكثير من الجوانب التنفيذية مما يعني التقدير الكبير لمؤسسة الجنادرية والعاملين فيها، أيضاً يعد المهرجان عرساً كبيراً للمثقفين السعوديين وهم يلتقون بقرنائهم من الأدباء العرب والعالميين وكذلك وهم يزفون رموز الأدب المحلي إلى التكريم الكبير من يد مقام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، فقد كرم هذا العام الأديبين سعد البواردي وعبدالله شباط وهما من الرواد والأسماء التي صنعت مبكراً ثقافة البلد وصحافتها. ويعد هذا تكريماً لكل أدباء المملكة ومثقفيها، هذا جانب من المهرجان الذي تزينت ساحاته في أرض الجنادرية بالجديد والمميز الذي يبرز جهود وإنجازات الجهات المشاركة من وزارات ومناطق ومؤسسات عامة خاصة حيث تختزل ساحات العرض تاريخ المملكة الشاسعة بأراضيها وتنوع موروثها. ومن جديد المهرجان هذا العام استمرار الاستضافة للدول الصديقة والشقيقة كضيف رئيسي فقد حلت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لتكون الضيف الرئيسي في الدورة 29، وتعرض دولة الإمارات من خلال موقعها العديد من صور التراث الشعبي والتميز الحضاري النوعي الذي صاحب الدولة في كل إمارتها منذ التأسيس، وكانت أرض المهرجان قد استضافت في دورات سابقة الصين وألمانيا وكوريا واليابان. وفي بيت المنطقة الشرقية "بيت الخير" والذي تضاف إلى مكوناته الجمالية هذا العام المدرسة الأميرية بالهفوف ومجسم برج جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ومجسم جسر الملك كإضافات مميزة لمكونه الذي يضم جبل القارة والواحة الزراعية بقنوات هيئة الري والصرف بالأحساء وبيت البيعة وبرج الطوية والشواطئ ومجمل فعاليات المنطقة إلى جانب العروض الثقافية والفنية والتعريف بتاريخ المنطقة، كذلك دشنت وزارة الزراعة ضمن موقعها مسرحاً فنياً يشارك فيه نخبة من الفنانين المحليين مثل علي المدفع وبشير الغنيم ومحمد المنصور وسعد المدهش لتقديم إرشادات زراعية وبيطرية في قالب فني كوميدي يستهدف تعميم الوعي الزراعي بين الجمهور. عموماً جمهور الجنادرية وهم من عموم مناطق المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي على موعد مع موسم نشط ومميز، ونتمنى التوفيق للقائمين على هذه الفعالية المتنامية.

651

| 15 فبراير 2014

زيارة أوباما للسعودية .. عفا الله عما سلف

يبدو أن العلاقات السعودية الأمريكية ماضية نحو محاولة جادة لصناعة ربيع جديد في مارس المقبل حيث يزور الرئيس باراك أوباما الرياض وفي حقيبته الكثير من الملفات الساخنة التي تستلزم صياغة توافقية تعيد العلاقات التاريخية بين البلدين إلى مسارها الصحيح الذي يحقق الرضا ويزيل التضاد في بعض المواقف وجوانب العلاقات الواسعة في الكثير من الجوانب السياسية والاقتصادية؛ كما أن العلاقات بين البلدين لم تصل إلى مثل هذا المحك الحرج سوى في هذه المرحلة التي نأت فيها السياسة الأمريكية عن التنسيق مع الجانب السعودي والأخذ في الاعتبار للمصالح المشتركة وذات العلاقة بالشؤون الإقليمية رغم أن الشكل العام للعلاقات السعودية بالبيت الأبيض كان يحافظ على توازنات وتقديرات محرجة غالباً للسياسة السعودية أمام العامة محلياً وإقليميا خاصة فيما يخص الشأن الفلسطيني وعموم قضايا المنطقة؛ ويبدو أن الطرف الأمريكي وفقاً لأيدلوجياته ومصالحه كان يشط بعيداً عن محددات العلاقة ويمارس الابتزاز السياسي في بعض القضايا وصولاً إلى حد الإقصاء السياسي في تقديرات غير متوازنة لمكونات المنطقة ومراكز التأثير في مجرياتها؛ عموماً الرئيس أوباما وجملة نسور السياسة الأمريكية يدركون حجم الدور السعودي في صناعة مستقبل المنطقة لا من منظور اقتصادي فقط بل لعوامل تاريخية ومؤثرات فكرية عميقة يصعب على المخطط الاستراتيجي الأمريكي تجاوزها دون أن يضع الحسبان الكبير لها في صياغة معادلة التعاطي مع المنطقة؛ ولعل في منتجات مشاريع السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة مثل الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة والربيع العربي وجملة ما أعقب الحادي عشر من سبتمبر من مخرجات واقعية وفرتها الذهنية الأمريكية لصناعة مستقبلها وعلاقاتها في المنطقة تجد صعوبة في جني ثمارها وفق الرؤية النهائية للمخطط الأمريكي؛ ذلك أن استثناء السعودية من بعض جوانب المعادلة كسياسة أو كأمة كاملة يعيق المنتج النهائي المؤمل لدى الطرف الأمريكي ويبدو ذلك جلياً حسبما يتحقق في المشهد المصري وكذلك في البحرين باعتبار البلدين من أهم المواقع المؤثرة في مزاج السياسة السعودية حيث كان للسعودية مواقف ربما لم تحسب لها الإدارة الأمريكية حساب؛ وتتجدد الجولة الآن في سوريا وفي المواقف الأمريكية وعلاقاتها المبطنة مع النظام الإيراني. كما أن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي حتى نهاية الجولة لتكون في نهاية المطاف هي وشعبها الهدف الأخير لجملة المخططات والمشاريع المستحدثة للمنطقة؛ ورغم ذلك تظل السعودية تحافظ على جملة توازنات تراعي فيها المصالح الكبرى للأمة ولكل علاقاتها وتلتزم بحسن التعاطي مع الولايات المتحدة وتحد حتى من حماسة الجماهير غير المستسيغة للتعاطي الأمريكي مع قضايا المنطقة مثلما صدر عن العاهل السعودي مؤخراً من قرارات تُجرم التدخل في شؤون الغير وهو ما يندرج ضمن جهود الدولة للنأي بشعبها عن مواطن الفتن والصراعات وهو ما يحلو للبعض نعته بتفريخ الإرهاب وإلحاق هذا النعت بالسعودية حكومة وفكراً عاماً؛ كما أن السعودية من خلال جملة تحركاتها على الصعيد الأوروبي والتفاوض مع الروس كانت تبعث برسائل غير عصية على الفهم الأمريكي في إمكانية التحالفات البديلة وبناء ركائز السياسية لا تستند على الحجم الاقتصادي الكبير كما أسلفت بل على رهانات أكبر ترتبط بفكر الأمة وحجم تأثيره؛ والمتابع للمواقف الحالية يدرك أن الخطوة الأمريكية المتمثلة في زيارة أوباما المرتقبة للسعودية وتصريحات وزير خارجية البيت الأبيض السيد كيري الناعمة مؤخراً تجاه قضايا المنطقة بما فيها الموقف الأمريكي تجاه سوريا والنووي الإيراني يلمس مدى العودة إلى الملف السعودي لصناعة تشاور وانسجام جديد ربما يحمل في طياته منهجية "عفا الله عما سلف ونحن عيال اليوم" أملاً في فتح صفحة جديدة تراعي فيها الولايات المتحدة تأثير حليفها القديم الذي ما إن تحاول الصد عنه أو تجاوزه نحو غيره تجده حاضراً يفرض ورقته بهدوء.

824

| 09 فبراير 2014

الحلو والمر.. في السودان

عندما انهزم رامي القرص "جلبرت أوسمان" في لندن، وتمرغ طويلاً في ليل المدينة وحاناتها لم يجد مجالاً لإثبات الذات سوى قبول التحدي والذهاب إلى أرض السودان ممتطياً ظهر سفينة قطعت رحلتها من ليفربول إلى ميناء الإسكندرية، كان ذلك إبان الانتداب البريطاني ثم واصل الرحلة عبر سفن النيل المتجهة جنوباً لينتظم ضمن قوافل الجمال العابرة إلى عمق السودان، هذا البلد البكر كما تصفه رواية أمير تاج السر "أرض السودان.. الحلو والمر"؛ كان الإنجليزي أوسمان هو بطل الرواية الذي تمحورت حوله كل المواقف والفصول بداية من رفقته لسيف القبيلة تاجر الإبل الذي نصحه بالتخلي عن أزياء "الحماريط"، وهكذا يسمون الأوروبيين وأصحاب البشرة الحمراء إلى رجل يرتدي الزي التقليدي "العرَّاقي"، ويمتطي في يده عصّا من خشب المهوقني، كل ذلك لتأنس الجمال شكله ويستطيع امتطاء ظهورها بسهولة في هذه الرحلة الطويلة؛ هكذا استجاب أوسمان لنصيحة رفيق الرحلة تاجر الإبل العريق سيف القبيلة الذي قال له إن خبرتي في الإبل مثل خبرة الأوروبيين في إخضاع الشعوب المسالمة وتلويث عقولها؛ المهم وصل رفاق الصدفة إلى سوق الشمس في العاصمة الخرطوم بعد رحلة شاقة فوق ظهور الجمال لتكون أولى مشاهدات أوسمان لجنود الإنجليز وهم يجلدون رجلاً قيل إنه سرق مجرد حزمة جرجير خضراء حيث لم يجد رابطاً بين من يسرقون كنوز البلد وبين لص الجرجير الضعيف! وكيف ارتعد جسده وهو يسمع لأول مرة تلاوة شجية للقرآن الكريم يرددها صبية صغار خلف معلم لهم؛ وصل أوسمان إلى نُزل السيدة مستكة في المدينة لتبدأ فصول أخرى من حكايته ومشاهداته وممارسته لتجارة الدواب وولعه بتفاصيل الحياة البكر في هذه البلد بما فيها قصة البنت شرفية ماضغة الليمون الحامض في حفلات الاستقبال الأسبوعية التي تقيمها السيدة مستكة في نزلها الشهير للأوروبيين والأجانب من سكان المدينة؛ كانت شرفية زوجته لاحقاً في ختام الرواية عندما كشف عن قصة عيشها في خرائب المدينة وعلاقتها بصاحبة النُزل بعد أن حامت الكثير من التكهنات بأنها مجرد جنية تعايش بنو البشر في مدينة تسكنها الغرائب والعجائب التي يتولع فيه الباحثون عن النوادر وقصص الخيال وطرق معاش الناس، وحياتهم المتشبثة بالعقيدة التي أفضى إليها بجوانح روحه ليعلن اعتناقه دين الإسلام ويغير اسمه إلى عثمان زمزمي.. تلك هي الرواية أو الحلم الذي لم تتكامل فصوله كما سردها أمير تاج السر، يحمل خلال سطورها الحلو والمر من أرض السودان في حقبة ربما لم تجد من يؤرخ لها بواقعية ومصداقية, كنت قد قرأت الرواية في رحلة إلى مدينة لوزان السويسرية في الصيف قبل الماضي وعدت إليها في أرفف مكتبتي وأنا أقرأ عن إعفاء الخارجية الأمريكية لسفيرها في الخرطوم السيد جوزيف ستافورد من منصبه بعد تكهنات عن اعتناقه الدين الإسلامي وبناء علاقات وصداقات وطيدة له مع مشايخ الطرق الإسلامية هناك وزياراته لهم, فربما تأثر السفير جوزيف بالمجتمع السوداني كغيره من الزائرين لهذا البلد خاصة الغربيين منهم ممن تشدهم طبيعة الناس وبساطة حياتهم؛ الخارجية الأمريكية بدورها لم تعلق على الخبر وتعتبر على لسان أحد موظفي السفارة أن اعتناق السيد جوزيف للدين الإسلامي مسألة شخصية ولا يوجد سند قانوني لإعفائه في حال اعتنق الدين الإسلامي معتبراً أن إعفائه جاء بناء على استقالة مسببة بظروف عائلية؛ وفي كل الحالات وكما تأثر رامي القرص الإنجليزي بمغريات العيش في وسط السودان ربما تأثر السيد السفير بنفس الظروف؛ وهي حالات تتكرر في غالب الأحيان عندما يكون المجتمع عفوياً وودوداً في علاقاته مع الآخرين تماماً كما في السودان الذي يضم عرقيات وعقائد شتى؛ بل أن السودان كان من الشجاعة حين سمح بقيام دولة الجنوب مؤخراً ليؤكد للعالم أن العبرة في التسامح وليس في التناحر والتباغض.. لذلك، يبشر المتابعون للحالة في السودان أن هذا البلد يسير إلى مستقبل خير وسلام بين الجميع فيما لو تغاضت السياسة عن صلفها وسمح لمجريات الحياة أن تشكل نفسها بهدوء.

624

| 02 فبراير 2014

alsharq
وزارة التربية.. خارج السرب

هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور...

13344

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
صبر المؤمن على أذى الخلق

في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...

1785

| 21 نوفمبر 2025

alsharq
وزارة التربية والتعليم هل من مستجيب؟

شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من...

1386

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
المغرب يحطم الصعاب

في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17...

1173

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
عمان .. من الإمام المؤسس إلى السلطان| هيثم .. تاريخ مشرق وإنجازات خالدة

القادة العظام يبقون في أذهان شعوبهم عبر الأزمنة...

1134

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
حديث مع طالب

كنت في زيارة لإحدى المدارس الثانوية للبنين في...

972

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
العزلة ترميم للروح

في عالم يتسارع كل يوم، يصبح الوقوف للحظة...

912

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
ارفع رأسك!

نعيش في عالم متناقض به أناس يعكسونه. وسأحكي...

804

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
إستراتيجية توطين «صناعة البيتومين»

يُعد البيتومين (Bitumen) المكون الأساس في صناعة الأسفلت...

705

| 17 نوفمبر 2025

alsharq
عندما تتحكم العاطفة في الميزان

في مدينة نوتنغهام الإنجليزية، يقبع نصب تذكاري لرجل...

684

| 23 نوفمبر 2025

alsharq
اليوم العالمي الضائع..

أقرأ كثيرا عن مواعيد أيام عالمية اعتمدتها منظمة...

651

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
الترجمة والذكاء الاصطناعي

المترجم مسموح له استخدام الكثير من الوسائل المساعدة،...

621

| 17 نوفمبر 2025

أخبار محلية