رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قدّم "الترجي" التونسي وشقيقه "الأهلي" المصري مباراتين جميلتين، ذهابا وإيابا، في نهائي دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم "الشامبيونزليغ الإفريقي"، كانت الغلبة فيهما لصالح نادي القرن في أفريقا، وصاحب الشعبية الأكبر، ليس في المحروسة مصر فقط، إنما في العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، النادي الأهلي العريق. بهذا الانتصار الذي تحقق على فريق عريق هو حامل اللقب ويلعب للمرة الثالثة على التوالي في نهائي البطولة، عزّز "الأهلي" رقمه القياسي في التتويج بلقب هذه البطولة للمرة السابعة، وليشارك للمرة الرابعة في بطولة العالم للأندية أبطال القارات، محققا رقما قياسيا آخر له في كونه أكثر الأندية في العالم مشاركة فيها، متفوقا حتى على برشلونة، الفريق الأفضل في العالم على مر العصور، والذي سبق له أن شارك في ثلاث نسخ ماضية من هذه البطولة. بعيدا عن حسابات الفوز والخسارة، فإن هذا النهائي تميز بروح رياضية عالية بين جميع أطراف اللعبة من إعلام وجماهير ولاعبين وحتى رجال السياسة. ويبدو أن ذلك ثمار الثورة الشعبية التي حدثت في البلدين وخلعت النظامين القائمين فيهما، بدءا من ثورة الياسمين في تونس، محركة الثورات العربية، التي أسقطت نظام بن علي، وتلتها فورا ثورة 25 يناير التي خلعت حسني مبارك ونظامه عن السلطة. في مباراة الذهاب التي أقيمت على استاد برج العرب بالإسكندرية وانتهت بتعادل الفريقين إيجابيا بهدف لهدف، لم ينس لا عبو "الترجي" الشهداء من جماهير الأهلي الذين راحوا ضحية الغدر في مجزرة بو رسعيد ورفعوا لافتة كتب عليها "الترجي الرياضي التونسي لا ولن ننسى شهداء الأهلي". وردت جماهير الأهلي التحية في ملعب رداس في تونس الذي احتضن لقاء الإياب بعدها بأسبوعين حين رفعوا لافتة تحتوي على عبارة أنا مصري وأحب تونس وفي انتظار زيارتكم. كثيرة هي اللقاءات التي جمعت المنتخبات والفرق التونسية بشقيقتها المصرية في عهد النظامين السابقين، وكثيرا ما حفلت تلك المباريات بالشد العصبي، لكن المشهد في نهائي الشامبيونزليغ الأفريقي بات مختلفا وسادته منتهى الروح الرياضية. وفي هذا الصدد لا يمكن أن نغفل الروح الرياضية الكبيرة التي اتسم بها مدرب فريق "الترجي" الكابتن نبيل معلول، الذي كان أول من هنأ "الأهلي" باللقب وتمنى لهم التوفيق في بطولة العالم وأكد أنهم استحقوا البطولة عن جدارة واستحقاق. وكان هذا المدرب حرص في مباراة الذهاب هو ولاعبوه على التوجه إلى مدرجات الدرجة الثالثة في ملعب "برج العرب" التي وضع فيها الأهلي صور عدد من الشهداء ولافتات التأبين وقام بقراءة الفاتحة ووضع اكليل الزهور لشهداء مجزرة بورسعيد. والحقيقة أن "معلول" الذي يتصف بصفات النبلاء عبّر في أكثر من موقف عن سمو أخلاقه، وحسن أدبه، واحترافيته في التعامل مع الجميع، ونبذ التعصب والتوازن في التصريحات سواء كان فائزا أو خاسرا. فهو لم يتردد بعد أن فقد لقب البطولة على أرضه وبين جماهيره في إجراء المقابلات التلفزيونية ليعتذر عن الخسارة وليهنئ منافسه الذي قال عنه "إنه فريق عربي وشقيق". نتيجة المباراة النهائية في "الشامبيونزليغ الأفريقي" انتهت لصالح الأهلي، ولكن فوز الأهلي هو فوز للترجي، وفاز أبناء الثورتين المصرية والتونسية معا ولم يخسرا في ظل ما ساد هذه المباراة من أجواء أخوية وروح رياضية كبيرة.
729
| 23 نوفمبر 2012
يعد الاستفتاء أحد وسائل الديمقراطية شبه المباشرة حيث يتم الرجوع إلى الشعب لأخذ رأيه في موضوع عام أو قضية هامة كاعتماد دستور للدولة أو الموافقة على تعديل بعض نصوصه أو للانضمام إلى اتفاقية معينة، أو انفصال إقليم ما عن الدولة، أو حصول إقليم على استقلال ذاتي، وهكذا. والرجوع إلى الشعب لأخذ رأيه في قضية ما هو تأكيد على مبدأ سيادة الشعب لذا يفترض ابتداءً أن يمارس الاستفتاء في دولة يكون الشعب فيها مصدر السلطات، ويتداول فيها الحكم والوصول إلى مؤسسات صنع القرار السياسي سلمياً ودورياً عبر آلية الانتخابات الحرة والنزيهة. فالاستفتاء لا يمكن أن يكون فعالاً أو منتجاً في دول ذات أنظمة ملكية مطلقة، أو في أنظمة دكتاتورية انتزعت الحكم من الشعب بالغلبة والقهر. وفي أنظمتنا العربية الملكية أو الدكتاتورية تجرى الاستفتاءات في الغالب إما لاختيار رئيس الجمهورية أو للتمديد لفترة رئاسته ومنحه ولاية جديدة أو لاعتماد مشروع دستور جديد أو تعديل مواد دستور قائم. وفي جميع الحالات أي سواء ارتبط الاستفتاء بالدستور أو باختيار الرئيس أو التجديد له، فإن الأمر في جوهره لا يخرج عن كونه وسيله لتعميق الاستبداد والانفراد بالسلطة. ففي جمهورية مصر العربية على سبيل المثال جدد للرئيس السابق حسني مبارك لولاية جديدة في استفتاء 1987، ثم جدد له ثانية في استفتاء 1993، ثم جدد له لولاية ثالثة في عام 1999، ثم للمرة الرابعة عام 2005، ولولا الثورة التي اضطرته للتنحي عن الحكم لظل متشبثاً به ولأسفر الاستفتاء عن التجديد له لولاية خامسة في 2011. كما أن الاستفتاءات التي تمت في مصر عام 2005 وعام 2007 لتعديل أكثر من 34 مادة دستورية ومنها المادة (76) كان الهدف منها استمرار حكم مبارك وتوريثه لنجله جمال كما يذهب الكثير من المعنيين. وبعيداً عن الاستفتاءات الخاصة بالرئاسة أو بتمديد الولاية والتي يفترض إلا تقام في حقيقة الأمر إلا عبر انتخابات حرة ونزيهة، تتصف بالمساواة في حق الترشح للرئاسة بين المواطنين دون تحديد شروط إقصائية أو مفصلة لتناسب شخصاً بعينه. فإن الاستفتاء على مشروع دستور أو تعديل بعض مواد الدستور لا يقل عنه خطورةً ولا يخلو من الانتقاد، لاسيَّما إن كان المشروع المستفتي عليه قد وضع عن طريق لجنة معينة من قبل الحاكم كما كان حال مشروع الدستور السوري 2012، ومشروع تعديل مواد الدستوري المغربي 2011 ومشروع الدستوري القطري 2003. وتكمن خطورة الاستفتاء في أن نتيجته تعتمد على من قام بالتصويت فعلاً. فلو صوت على سبيل المثال مائة ألف وقاطع مليون مواطن الاستفتاء لعدم ثقتهم بالنظام، فيعتد بالاستفتاء رغم كونه لا يشكل في حقيقة الأمر إرادة الشعب. ولم يسجل التاريخ يوماً بأن هناك استفتاءً في الوطن العربي على الرئاسة أو على دستور أسفر عن نتيجة مغايرة لرغبة الحكام. ونرى لكي يكون الاستفتاء على مشروع دستور مثمراً أن يبنى على عدة أسس: منها: أن يوضع مشروع الدستور ابتداءً من خلال مجلس تأسيسي أو جمعية تأسيسية منتخبة بانتخابات حرة ونزيهة ومحاطة بكافة ضمانات عدم تزييف إرادة الشعب. ومنها: أن يتاح للشعب معرفة ما يدار في اجتماعات الجمعية التأسيسية من مناقشات فتكون الجلسات علنية ويتاح للصحف والإعلام نشر ما يجرى بين الأعضاء بشأن مشروع الدستور. ثم بعد أن يتم إنجاز مشروع الدستور أن تتاح للمواطنين فرصة كافية لفهم محتواه قبل إجراء الاستفتاء عليه. ثم إن تُكفل الممارسة الفعلية لحرية التعبير وحرية الاجتماعات العامة وحرية الإعلام وحرية التنظيم في هذه الدولة، وهذه حريات اساسية لتناول مشروع الدستور بموضوعية فيكوّن المواطن رأيه ويبلور فكره بشأنه وهو ذاهب إلى مقر الاستفتاء. ثم إن يكون الإعلام الرسمي بعيداً عن الاستفتاء، فلا يوجه المواطنين إلى تأييد مشروع الدستور، أو إلى رفضه، وإن كانت هناك برامج بشأنه فيجب أن تكون موضوعية ومحايدة. وأخيراً: يجب ضمان استقلالية اللجنة المشرفة على الاستفتاء، وأن يتسم إشرافها وإدارتها للاستفتاء في جميع مراحله بالحياد والشفافية والمساواة. ونرى أنه من دون هذه الأسس فإن الاستفتاء يكون مجرد وسيلة في أيدي الطغاة لإضفاء شرعية زائفة لطغيانهم واستبدادهم. والله من وراء القصد. halsayed@qu.edu.qa
1417
| 28 فبراير 2012
أصدر الرئيس السوري بشار الأسد يوم الأربعاء الماضي مرسوماً يدعو فيه المواطنين السوريين للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد يوم الأحد القادم 26 فبراير. وقد كان الأسد كلف في شهر أكتوبر من العام المنصرم لجنة معينة من قبله لوضع مشروع جديد للدستور كمحاولة منه لإعادة السيطرة على الأوضاع واحتواء ثورة الشعب الثائر في وجه طغيانه واستبداده هو ووالده من قبله وحزبه وتشبثهم بمقاليد الحكم لأكثر من أربعة عقود من الزمان، واعداً بالمزيد من الإصلاحات وأن الدستور الجديد سوف يلبي تطلعات الشعب نحو المزيد من الحريات. وأخيراً كُشف عن مشروع الدستور الموعود، فقد نشرته وكالة الأنباء السورية (سانا). فهل حقاً جاء بالمزيد من الإصلاحات كما توحي بعض مواده؟ مثل المادة الثانية التي تؤكد على أن "السيادة للشعب، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها"، وأنها "تقوم على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب". والمادة (50) منه التي تذهب إلى أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، والمادة الثامنة التي تبين أن النظام السياسي في الدولة يقوم على مبدأ التعددية السياسية وتتم ممارسة السلطة فيها ديمقراطياً عبر الاقتراع. بالطبع الإجابة تتمثل في النفي! فهذا الغلاف الوردي الناعم يبطن في حقيقة الأمر جحيم الطغيان والاستبداد. وقراءة واحدة لبقية مواد الدستور تكشف لنا مدى زيفها. وفي حوار عميق مع المحامي السوري الأستاذ وليد الحسين تناولنا بعض جوانب هذا المشروع الزائف منها: ما حددتها المادة (84) من مشروع الدستور من شروط فيمن يرشح نفسه لمنصب الرئيس، ونقول لو طبقت هذه الشروط على بشار الأسد في تلك الأثناء عند وراثته الحكم عن أبيه لما توافرت فيه! (لاحظ أن النظام في سوريا جمهوري وليس ملكيا!)، فقد تم في وقتها "تضبيط" الدستور وتقصيره وتفصيله في "خياط" مجلس الشعب لينسجم شرط السن مع عمر الوريث الجديد! كما أن بشار لم يكن حينها مستوفياً شرط أن يكون مقيماً لمدة عشر سنوات إقامة دائمة متصلة في سوريا كما يشترطه المشروع اليوم فقد كان يتابع تخصصه في لندن حتى 1994، كما تدل سيرته الشخصية. علاوة على أن أسماء الأخرس زوجة بشار، وكما هو معروف، كانت تحمل الجنسية البريطانية ومازالت! مما قد يتعارض مع شرط أن يكون الرئيس متزوجاً من سورية! أما النقطة الأخرى فتتعلق بتوقيت مدة الرئاسة، إذ إن تقرير مشروع الدستور السوري بصوت عال أنه "لا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية"، أمرٌ يجب ألا يخدعنا وهو كذلك لا يدعو للتفاؤل مطلقاً إذ إن الواقع كشف لنا مراراً أن الجمهوريات العربية سرعان ما تعدل دساتيرها قبل انقضاء مدة الرئاسة ليحكم الرئيس مدى الحياة. ورغم ذلك، فإن مشروع الدستور السوري جاء بعد تأكيده على توقيت مدة الرئاسة بنصٍ مضحك للغاية يتمثل في المادة (87) التي تذهب إلى أنه في حال انتهاء "ولاية رئيس الجمهورية ولم يتم انتخاب رئيس جديد يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهامه حتى انتخاب الرئيس الجديد"! وفي نص آخر مضحك أيضاً يذهب المشروع إلى أنه "إذا حُلّ مجلس الشعب خلال الفترة المحددة لانتخاب رئيس جمهورية جديد يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهامه..". وطبعاً من يختص بحل مجلس الشعب هو رئيس الجمهورية ذاته! نقطة أخرى تثير العجب من مدى إمعان واضعي الدستور في الضحك على الذقون، تتعلق بسلطة التشريع، فالمادة (113) من مشروع الدستور تمنح رئيس الجمهورية هذه السلطة ليس خارج فترات انعقاد مجلس الشعب أو حله فحسب، بل أيضاً أثناء انعقاد مجلس الشعب إذا استدعت الضرورة القصوى ذلك!، وطبعاً الرئيس هو من يقدر الضرورة القصوى! وهذا أمرٌ في غاية الخطورة إذ إن رئيس الجمهورية يملك بذلك سلطة التشريع علاوة على امتلاكه لسلطة التنفيذ. بل إن مشروع الدستور لا يكتفي بمنح كلٍ من هاتين السلطتين للرئيس وتجميعهما في يده، بل يمعن في تكريس الاستبداد أكثر فأكثر فيجعل منه أيضاً رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء ويجعله كذلك من يعين قضاة المحكمة الدستورية العليا التي يقدم لها طلبات الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية فتتفحصها وتستبعد منها من ترى أنه لم يستوف الشروط. فهل يوجد بعد ذلك استبداد وطغيان! نستطيع من الآن أن نتوقع نتيجة الاستفتاء الذي سيجري يوم الأحد القادم. فسوف ينقل لنا الإعلام الرسمي بعده بقليل أن الشعب السوري بأغلبية تكاد تصل إلى الإجماع صوت مؤيداً لمشروع الدستور! فهكذا هي الاستفتاءات في الأنظمة التي تغيب عن جوها الحرية لا تكون إلا غطاء لشرعية زائفة لم تقرر لها أصلاً. والثورات لم تأت في حقيقة الأمر لتسقط شرعيتها بل لتكشف أنها أنظمة غير شرعية منذ نشأتها.
616
| 21 فبراير 2012
بعد عدة مشروعات قوانين سمعنا عنها في سنوات سابقة، أتيحت لي فرصة الاطلاع على المشروع الأخير لقانون بتنظيم الأنشطة الإعلامية والذي وصل بعد اقتراحه من وزير الثقافة والفنون والتراث، إلى مجلس الوزراء ومنه إلى مجلس الشورى لأخذ رأيه فيه. وفي بادرة جميلة من مجلس الشورى تمت مقابلة بعض المعنيين كرؤساء تحرير الصحف العربية ورئيس المجلس الأعلى للاتصالات ليبدوا ملاحظاتهم عليه، ويستفيدوا من خبرات هؤلاء، تجنباً لكل ما يعد انتهاكاً لحرية الإعلام أو تقييداً للحريات الأساسية المكفولة دستورياً كحرية الرأي أو الصحافة أو الطباعة أو النشر. ولي بعد الاطلاع السريع على مشروع القانون الملاحظات التالية: أولاً: بينت المادة (6) من المشروع والمتعلقة بإجراءات تقديم طلب الحصول على الترخيص لأي من الأنشطة الإعلامية أن "تتولى الإدارة المختصة البت في طلب الترخيص خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه، وإخطار صاحب الشأن بذلك، بكتاب مسجل مصحوب بعلم الوصول. وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً، ويعتبر انقضاء هذه المدة دون رد رفضاً ضمنياً للطلب". ولا شك بأن تسبب القرار الرافض لطلب الترخيص أمر في غاية الأهمية ويدل على أن الأصل في الأمر ممارسة الحق والتمكين منه، وأن دور الإدارة هو تنظيمي بحت، وإن عليها بيان مبرراتها في حال رفض طلب ممارسة مثل هذا الحق، وبذلك تظهر جدية موقفها من عدمه. ولكن، للأسف، جاءت الجزئية التي اختتمت بها الفقرة والمتمثلة في "اعتبار انقضاء الفترة دون رد رفضاً"، لتناقض ما قبلها ولتذهب بكل قيمة حقيقية أرادها المشرع من التسيب. فهل يعقل أن يشترط المشرع على الإدارة بيان أسباب الرفض من جانب، ثم يقول لها إن لم ترغبي ببيان الأسباب ما عليك إلا الانتظار حتى تمضي الفترة المخصصة وهي شهر فلا تتحملي حينها عناء إيجاد مبررات أو أسباب لرفضك!! هذا النص المعيب سبق زجه في شأن حق دستوري آخر هو تكوين الجمعيات، فقد ورد للأسف في قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة في المادة (7) منه. وعليه يقترح عدم الأخذ بالجزء الأخير من الفقرة المشار إليها من مشروع القانون، واستبداله بما يأتي: "ويعتبر انقضاء هذه المدة دون رد موافقة ضمنية على الطلب". ثانياً: جميلٌ ما ذهبت إليه الفقرة الأخيرة من المادة (6) من مشروع القانون والتي أتاحت لمن يُرفض طلبه الطعن أمام القضاء. ذلك أن المادة (3) من قانون الفصل في المنازعات الإدارية رقم (7) لسنة 2007 الساري حالياً للأسف الشديد أخرجت من اختصاص القضاء النظر في القرارات المتعلقة بقانون المطبوعات والنشر. ولا شك أن فيما ذهب إليه مشروع القانون تعزيز لحق التقاضي المكفول دستورياً. لذا نأمل على المشرع التمسك بهذه الفقرة بالنواجذ، ليس ذلك فحسب، بل أيضاً إعادة النظر في المادة (3) من قانون الفصل في المنازعات الإدارية وإلغاء الاستثناءات الواردة فيه حتى لا تحصن قرارات الإدارة وأعمالها دون رقابة القضاء، تكريساً لمبدأ المشروعية. ثالثا: ورد في البند الرابع من المادة (5) من المشروع ذكر للتأمينات أو الضمانات المالية التي يشترط أن يقدمها طالب الترخيص، وتركت أمر تحديدها للائحة. كما ذكرت المادة (7) الرسوم الواجب أداؤها والتي تحددها اللائحة. هذه النصوص لا بأس بها، ولكن ما يخشى منه أن يُبالغ في قيمة التأمينات والضمانات المالية والرسوم بحيث تحول دون ممارسة هذا الحق. لذا يقترح إضافة أية عبارة تؤكد على مناسبة هذه التأمينات والرسوم وتمنع المبالغة فيها. رابعاً: ورد في الفقرة الثانية من المادة (19) ما نصه "ولا يجوز أن يكون رأي الصحفي أو المعلومات الصحفية الصحيحة التي ينشرها سبباً للمساس به، كما لا يجوز إجباره على الإفصاح بمصادر معلوماته إلا بأمر من النيابة العامة أو المحكمة المختصة". هذا النص جميل ويكفل حق الصحفي في الاحتفاظ بمصادره وعدم الإفصاح عنها، ولكن الاستثناء الوارد عليه ينبغي إن يقتصر على "أمر المحكمة" دون النيابة العامة. فكل قاضي مستقل ولا سلطان عليه إلا القانون، أما أعضاء النيابة العامة فيخضعون في ممارسة اختصاصاتهم لإشراف رؤسائهم بحسب ترتيب وظائفهم" كما جاء في المادة (5) من قانون النيابة العامة، وصولاً إلى النائب العام، وفي ذلك ما يخشى منه، ومن أن تخرج هذا الضمانة من معناها، لذا نتمنى أن يرفع من الفقرة المذكورة الاستثناء الممنوح للنيابة العامة. خامساً: وردت في المادة (53) من مشروع القانون جملة من محظورات النشر والبث، جاءت في سبع بنود، نرى إلغاء البنود الأربع الأولى منها والمتعلقة بشأن التحريض على قلب نظام الحكم وتعريض الأمن الداخلي والخارجي للخطر، وغيرها مما يمس الأديان أو الرؤساء، وذلك لسببين الأول: أن الكثير من الأحكام ذات الصلة وردت في قانون العقوبات أصلاً، والسبب الثاني أن السلوكيات المجرمة لم ترد في هذه المادة بشكل قطعي ودقيق، ففي بعضها من الفضفاضية ما يخشى أن يتوسع في استخدامه أو يساء استغلاله. سادساً: أفرد مشروع القانون للعقوبات فصلاً كاملاً هو الفصل التاسع منه، ويلاحظ رغم عدم النص على عقوبة السجن وهو ما يحمد للمشروع الذهاب إليه، إلا أن العقوبات المالية أو (الغرامات) مبالغ فيها بشكل لا يصدق. فهي عوضاً عن أن تكون عقوبات رادعة عن الإتيان بالخطأ، تحولت إلى إرهاب يمنع الإنسان ممارسة الحق ذاته مخافة الوقوع دون قصد في المحظور، فيغرم بمثل تلك الغرامات الإرهابية. فعلى سبيل المثال تنص المادة (54) من مشروع القانون على العقوبة بالغرامة التي لا تزيد على (1.000.000) مليون ريال! ونقول على سبيل التهكم: إننا لو جمعنا الغرامات التي وردت في كل نصوص قانون العقوبات القطري والتي تتراوح في مجملها "بين خمسة عشر ألف وعشرة آلاف وخمسة آلاف" لما وصلت إلى ما قررته المادة (54) من مشروع القانون. لذا يقترح عدم الخروج عن الهدف الحقيقي من تقرير الغرامة. ولا شك بأن مثل هذه الغرامات تفتح باب السؤال عن مصير من لا يستطيع دفع مثل هذه المبالغ أن هو وقع في أحد المحظورات التي نص عليها القانون. هل سيسجن؟ فنعود بالتالي إلى ذات العقوبات التي عفا عليها الزمن وأدانتها الإنسانية جمعاء. سابعاً: نصت المادة (64) من مشروع القانون على منح موظفي الإدارة صفة مأموري الضبط القضائي في ضبط وإثبات الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون. ونحن من جانبنا نرى عدم ملائمة هذا النص لعدة أسباب: منها أنه يمكن تحقيق الهدف وضبط المخالفات دون منح موظفي الإدارة هذه الصفة، ومنها إن مجرد النص على هذا الأمر في قانون معني بالإعلام ويؤكد على كفالة حرية الصحافة والطباعة والنشر والبث ويقرر أن وسائل الإعلام لا تخضع للرقابة، يذهب من قيمة كل الضمانات المقررة ويظهر وجه قطر للعالم بصورة غير جميلة. ومنها أن هذا النص سوف يكون حافزاً لموظفي الإدارة في المبالغة في رصد كل ما يشك فيه شأنه بأنه محظور! وفي ذلك خطورة ما بعدها خطورة لاسيَّما إذا كانت المحظورات غير محددة على وجه الدقة. هذه مجرد نظرات على مشروع القانون، نتمنى أن يخرج بأحسن حلة، ويعزز حرية الإعلام. وهو بلا شك يحتاج للمزيد من الدراسة والتدقيق. والله من وراء القصد. halsayed@qu.edu.qa
794
| 17 يناير 2012
لم يكن عام 2011 مؤججاً للثورات العربية ضد الأنظمة المستبدة والحكام الطغاة فحسب، بل كان أيضاً عام الدساتير العربية. فقد شهدت أغلب الدول العربية من سلطنة عمان شرقاً إلى المملكة المغربية غرباً إما تغييراً لهذه الدساتير أو تعديلاً لها. ففي اليمن قبل الثورة، رفض نواب المعارضة المشاركة في جلسة 1 يناير 2011، احتجاجاً على التعديلات الدستورية التي كانت تمهد لإعادة انتخاب الرئيس علي عبدالله صالح مدى الحياة، واعتصموا أمام البرلمان رافعين لافتات كتب عليها "لا لإعادة الانتخاب، لا لتوريث السلطة"، إلا أن البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم أقر هذه التعديلات. ولكن، ما إن أصاب اليمن نسمات الربيع العربي حتى قدم الرئيس صالح؛ بعد أقل من ثلاثة شهور على إقرار البرلمان للتعديلات السابقة؛ مُقترحاً لامتصاص الغضب الشعبي في البلاد، يتمثل في وضع دستور جديد يُستفتى عليه قبل نهاية السنة، ويؤسس لنظام برلماني. وفي مصر، وبعد نجاح ثورة 25 يناير 2011، طرح المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الاستفتاء في 19 مارس، تعديلات دستورية صاغتها لجنة مختصة برئاسة طارق البشري، وتمت الموافقة عليها بنسبة تزيد على 77% من عدد المصوتين. وهدفت التعديلات إلى فتح الطريق لانتخابات تشريعية تليها انتخابات رئاسية، وذلك بتعديل بعض المواد كتلك المتعلقة بشروط المرشح لمنصب الرئاسة، والإشراف على العملية الانتخابية. كما شهدت مصر في هذه الظروف وثيقة المبادئ الأساسية للدستور التي طرحها "علي السلمي"، وانتقدها شق واسع من الأحزاب والساسة المصريين. كما عرفت مصر في 30 مارس 2011 الإعلان الدستوري الذي تبناه المجلس الأعلى للقوات المسلحة لينظم شؤون البلاد حتى العمل بالدستور الجديد الذي سيوضع بعد الانتخابات البرلمانية. وفي الأردن شكل الملك عبدالله الثاني بن الحسين في أواخر أبريل لجنة برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد اللوزي للنظر في أي تعديلات محتملة لمواد الدستور، وقد خلصت هذه اللجنة إلى عدة تعديلات نالت أكثر من 40 مادة، والتي رأت الحكومة بأنها تعزز مبدأ الفصل بين السلطات وإعادة التوازن بينها، بينما رأت المعارضة بأنها تعديلات شكلية ومفرغة من مضمونها. وفي ليبيا، وقبل سقوط نظام القذافي، أشار سيف الإسلام القذافي في منتصف شهر أبريل إلى دستور جديد لليبيا يحد من صلاحيات والده. وبعد سقوط نظام القذافي، أعلن عبدالرحيم الكيب رئيس الحكومة للفترة الانتقالية عن وضع دستور جديد للبلاد يحدد شكل الدولة. وفي الجزائر، شهد شهر مايو 2011 نقاشات لتعديل الدستور شملت المواد المتعلقة بمدد الرئاسة، وعلاقة الرئيس بالحكومة، ودعم صلاحيات البرلمان، ومدى إمكانية إلغاء الغرفة البرلمانية الثانية. كما نقل خبر طلب الرئيس بوتفليقة من المجلس الدستوري تحضير مسودة قانون الحريات السياسية. وفي السودان احتل السؤال عن دستور جديد الأولوية في الشارع السياسي بعد أن رأى البعض انتهاء صلاحية بعض مواد الدستور الحالي بانفصال الجنوب. وقد أكد الرئيس البشير في هذا الجانب أن الشريعة الإسلامية ستكون المصدر الرئيس للدستور القادم. وفي المملكة المغربية تم الاستفتاء في يوليو 2011 على التعديلات التي نالت دستور 1996، حيث بادر الملك محمد الخامس على أعقاب تظاهرات حركة 20 فبراير إلى إنشاء لجنة لمراجعة الدستور لمنح المزيد من الصلاحيات لرئيس الحكومة والمزيد من الاختصاصات التشريعية للبرلمان وربط المسؤولية بالمحاسبة. وفي سوريا، وفي إطار جهوده المضنية لاحتواء ثورة الشعب، وإطلاع العالم الخارجي بأنه يسير في طريق الإصلاح، شكل الرئيس السوري بشار الأسد في منتصف أكتوبر لجنة كلفت بصياغة دستور جديد، بحيث تنتهي اللجنة من عملها في غضون أربعة أشهر. وبعدها بأيام شهدت سلطنة عمان تعديلاً دستورياً نال العديد من مواد النظام الأساس للدولة لاسيَّما تلك المتعلقة بمجلس الشورى ومنحه حق إقرار مشاريع القوانين واستجواب وزراء الخدمات في الأمور المتعلقة بمهامهم ورفع نتيجة ذلك إلى السلطان. أما تونس التي شهدت في أواخر أكتوبر انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، أقر هذا المجلس في 11 ديسمبر دستوراً مصغراً مؤقتاً للبلاد ينظم السلطات في البلاد مؤقتاً. ومن موريتانيا، نقلت الصحف في أواخر العام الماضي خبر تعديلات دستورية مرتقبة تهدف إلى تقليص صلاحيات الرئيس وسيتم اعتمادها خلال اجتماع مشترك لغرفتي البرلمان. وأخيراً، في البحرين وبعد أزمة شهدتها البلاد خلال عام 2011، أحالت الحكومة البحرينية مطلع هذا الأسبوع مشروع تعديل الدستور الذي يهدف إلى تعزيز دور السلطة التشريعية وإعطائها صلاحيات أوسع. لا شك أن سقوط بعض هذه الدساتير، وتعديل نصوص البعض الآخر منها، مرتبط بشكل حتمي بغضب الشعوب العربية الذي شهده عام 2011. فهذه الثورات جاءت لتفك الشعوب المستعبدة من قيد الأنظمة الظالمة وتمنحها الحرية. فدستور العدالة لا يحيا إلا في بيئة الحرية. أما دساتير الأنظمة الفاسدة فهي إما نصوص نظرية لا تغادر مبادئها وحرياتها الورق الذي كتبت عليه، أو نصوص مستبدة ككاتبها، وضعت لتكرس الحكم المطلق وتكفل استمرار جوره وطغيانه. فبسقوط هذه الأنظمة سقطت دساتيرها الظالمة، وبسياط الرعب من السقوط خشيت أنظمة أخرى على أنفسها فأسقطت بعض المواد من دساتيرها واستبدلتها بمواد أخرى لعلها تتجنب ما حل بمثيلاتها. والله من وراء القصد.
1426
| 10 يناير 2012
في الأسبوع الماضي أتيحت لي فرصة رائعة للالتقاء بأعضاء البرلمانات الطلابية في قطر، وذلك أثناء محاضرة نظمتْها مدرسة عبدالرحمن بن جاسم الإعدادية المستقلة للبنين. كان عدد المدارس المشاركة سبع عشرة مدرسة وكان عدد الطلبة كبيراً، وهي المرة الأولى التي ألقي فيها محاضرة أمام طلبة لا تتجاوز أعمارهم سن الخامسة عشر. وخشيت من أسلوب المحاضرة والتي يكون المتحدث فيها شخص واحد هو المحاضر، يتحدث طوال الوقت والبقية منصتون وكأن على رؤوسهم الطير!، وهو ما يخالف جوهر مفهوم العمل البرلماني الذي يعتمد على الحوار والاستماع للطرف الآخر والمناقشة، لذا وحتى لا يغزو الملل نفوس الطلبة قبل أن يغزو الطير رؤوسهم، فضلت أن تعتمد محاضرتي على الحوار والاستماع للطرف الآخر مع تزويدهم ببعض المعلومات ذات العلاقة، وقد نجح الأسلوب واستطعت إشراك الطلبة معي في الحوار، كما تلهف للمشاركة المدرسون المرافقون وأعضاء مجلس أمناء المدرسة الذين شرفوني بحضورهم. إن من الأهداف التي يطمح لها المجلس الأعلى للتعليم من وراء تفعيل البرلمان الطلابي: إشراك الطلبة في الممارسات الديمقراطية في المدرسة من خلال إتاحة الفرصة أمامهم لتبادل الآراء وعرض مشاكلهم المدرسية واقتراح الحلول المناسبة لها، وخلق قناة تواصل بين الطلبة والهيئة الإدارية والتدريسية، وتعزيز روح القيادة لدى أعضاء البرلمان الطلابي، وتعميق مبدأ الانتماء للمجتمع (أو المواطنة)، وخلق جيل قادر على تحمل المسؤولية، وتعويده على مهارات الإدارة والحوار والمناقشة واحترام الرأي الآخر. وحتى لا تبقى هذه الأهداف في إطارها النظري ألزم المجلس الأعلى للتعليم مكتب المدارس المستقلة بمتابعة مدى تفعيل التوصيات من خلال المدرسة، وعقد اجتماعات مع رؤساء البرلمانات للتواصل معهم بصورة مباشرة، واستلام تقرير دوري من رئيس البرلمان بواقع مرة كل فصل دراسي عن سير العمل متضمناً التوصيات وما تم بشأنها. من الأسئلة التي تم طرحها في هذا اللقاء: ما المقصود بالبرلمان، والبرلمان الطلابي على وجه الخصوص؟، وما هي اختصاصات وصلاحيات البرلمان عموماً؟ وهل هناك سقف للعمل البرلماني لا يتم تجاوزه؟ وإن كان يوجد فلماذا؟ ولماذا قاموا بترشيح أنفسهم للبرلمان الطلابي؟ وهل البرلمان الطلابي شكلي أم بالفعل حقق أهدافه؟ وكم توصية أو اقتراح تم تقديمه لإدارة المدرسة فقبلته واعتمدته؟ وهل استفادوا من تجربتهم؟ وهل سوف يرشحون أنفسهم في السنة القادمة؟ كما تم مناقشة الطلاب في برنامجهم الانتخابي والفعاليات التي قامت بها البرلمانات الطلابية في المدارس. وقد قدم الطلبة لي بعض النماذج الإبداعية للأعمال التي قاموا بها، إذ كنت أخشى أن يقتصر دورهم فقط على المشاركة في تنظيم الاحتفالات والأنشطة غير الصفية! لكن ما عرضوه كان خارج هذا النطاق ويصب في تقديم حلول لبعض المشاكل المدرسية، أو الظواهر السلبية التي يتعرض لها من هم في أعمارهم، وتنظيم عملهم واستخدام وسائل لقياس نجاحهم في حل المشكلات. انبهرت حقيقةً من جرأة شبابنا الصغار وثقتهم بأنفسهم وفصاحتهم ومبادرتهم في المشاركة والإجابة على الأسئلة ونقل تجاربهم، وعمق معلوماتهم بشأن العمل البرلماني. خرجت من لقائنا هذا بإيمان عميق بأهمية هذه التجربة وأهمية دعمها وتعزيزها لخلق جيل رائع يؤمن بالمواطنة والحوار والمساواة والحرية، ويرفض الاستبداد والفساد ويؤمن بالمشاركة في اتخاذ القرار. فالمستقبل لهذا الجيل، وعندها "سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون". والله من وراء القصد. halsayed@qu.edu.qa
1497
| 03 يناير 2012
في الأسبوع الماضي أنشأ سمو نائب الأمير لجنة حماية أملاك الدولة برئاسة سعادة وزير الدولة لشؤون الداخلية، تهدف إلى حماية أملاك الدولة ومنع التعدي عليها. ولا شك أن إنشاء مثل هذه اللجنة أمر جميل للغاية ويصب في المصلحة العامة ويضع لبنة جديدة في بناء دولة القانون. كما أن اختيار وزير الدولة لشؤون الداخلية سعادة الشيخ عبدالله بن ناصر لرئاسة هذه اللجنة أمر جميل آخر، لما عرف عن هذا الرجل من صدق وإخلاص وإبداع وإتقان انعكس على عمله حقاً، فذهب في مهام وزارته إلى مصاف الكمال. وأملاك الدولة التي جاء إنشاء هذه اللجنة لحمايتها تنقسم إلى أملاك عامة وأخرى خاصة. فأملاك الدولة العامة هي العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص المعنوية العامة والتي تكون مخصصة للمنفعة العامة بالفعل أو بموجب تشريع. ومن أمثلتها ما قررته المادة (3) من قانون رقم (10) لسنة 1987 كشواطئ البحر، والشوارع والطرقات والموانئ والمرافئ والمراسي وخطوط النقل والمواصلات والآثار والمتاحف والمكتبات العامة وغيرها. أما أملاك الدولة الخاصة فهي التي تكون مملوكة للدولة أو لأحد أشخاص المعنوية العامة ولكن لا تكون مخصصة للمنفعة العامة أو انتهى تخصيصها للمنفعة العامة. ومن أمثلتها الأراضي التي لا مالك لها والتي تقع داخل حدود المدن والقرى أو خارجها والقطع المتروكة من أملاك الدولة العامة كفضلات الطرق والمساحات العامة وغيرها مما جاء في المادة (9) من قانون أملاك الدولة الخاصة والعامة. والحماية التي قررها القانون لأملاك الدولة تتمثل في أنه لا يجوز التصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرفات القانونية أو الحجر عليها أو تملكها بالتقادم أو سحب أي حق عيني عليها، أو حيازتها أو استغلالها بأي وجه، وأن أي أمر يتم بالمخالفة لذلك يقع باطلاً ويجوز إزالته إدارياً. ولكن هذه الحماية المقررة قانوناً لأملاك الدولة ترد عليها استثناءات، قد تذهب بقيمتها، إذ يجوز بمرسوم أن يمنح لشخص طبيعي أو معنوي امتياز بالانتفاع أو باستغلال مال معين من أملاك الدولة العامة، كما يجوز بمرسوم الترخيص بالانتفاع بأملاك الدولة الخاصة. علاوة على أن القانون يجيز للحكومة أن تتنازل عن الحماية المقررة لأملاك الدولة بموجب اتفاق أو تعهد. ولا شك بأن التصرف في أملاك الدولة أمر قد تقتضيه ضرورات المصلحة العامة والعمل وإدارة واستثمار أملاك الدولة بشكلٍ أمثل، ولكن ترك هذا الأمر للترخيص أو للأداة التشريعية (مرسوم) أمر تكمن فيه خطورة قد تجعل الاعتداء على أملاك الدولة أو توزيعها أو إهداءها مشروعاً. لذا كان من الأفضل أن يجاز ذلك بالأداة التشريعية (قانون)، وهي أداة يشترك مجلس الشورى في سنها ولا تنفرد بوضعها السلطة التنفيذية، لاسيما إن كان مجلس الشورى منتخباً وبه أعضاء يمثلون الشعب، علاوة على ما يمتاز به القانون كأداة تشريعية من علنية في مناقشة مشروعاته ونشره في الجريدة الرسمية. بقي أن نقول إن فاعلية دور لجنة حماية أملاك الدولة التي أنشئت في الأسبوع الماضي سوف تتوقف على مدى التعامل مع جميع الانتهاكات والتجاوزات على القدر ذاته دون محاباة أو غض للطرف. فلا يغفل، على سبيل المثال، عن فلان الشريف لسرقته مئات الكيلو مترات المربعة ووضع يده عليها، ويمسك بفلان الضعيف لأنه اعتدى على الأرض المجاورة لمنزله بأن أقام عليها خيمة يستقبل بها ضيوفه أو "طبيلة" تستظل بها سيارته. ونستهدي بهدي النبي صلى الله عليهم وسلم ونستشهد بما قال: ((يا أَيُّهَا الناس إنما ضَلَّ من كان قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عليه الْحَدَّ وأيم اللَّهِ لو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يدها)). وهذا فعلاً ما نلتمسه في سعادة وزير الدولة لشؤون الداخلية الذي لا تأخذه في الحق ولا في تطبيق القانون لومة لائم.. والله من وراء القصد. halsayed@qu.edu.qa
1141
| 27 ديسمبر 2011
كان النظام الأساسي المؤقت المعدل لدولة قطر، (الدستور السابق الذي وضع في بداية السبعينيات من القرن الماضي)، يحتوي نصوصاً جميلة تؤكد إيماننا "بأخوة العرب جميعاً" وبأن "الاتحاد بين الدول العربية ضرورة مصيرية"، وأن الدولة سوف "تكرس كل ما يمكن من جهودها لتأييد ذلك الاتحاد والعمل على تحقيقه في أنسب صورة تجمع بينها وبين تلك الدول الشقيقة التي تربطها بها أعمق الروابط جذوراً وأكثرها قوة وأشدها أصالة". (انظر البندين (ب)، و(جـ) من المادة (5) من النظام). هذه النصوص لم يؤكد عليها في الدستور الدائم (الحالي)، لكن هذا الأخير مازال والحمد لله محتفظاً بما جاء في النظام الأساسي، بأن "قطر دولة عربية"، "ولغتها الرسمية هي اللغة العربية" وأن "شعب قطر جزء من الأمة العربية". ولاشك بأن حلم الاتحاد العربي الذي كان يسود الأجواء العربية في ذلك الزمن وأكدت عليه دساتيرها الصادرة في تلك الفترة لم يتحقق ولم يكن له أن يتحقق بسبب بسيط هو عدم اتحاد حكومة كل دولة عربية داخلياً مع شعبها ابتداءً. فاتحاد هذه الدول يقتضي أن يكون الشعب في كل منها هو صاحب السيادة فيها، وبما أن هذا كان مفقوداً، لذا أصبح حلم من يحكم تلك الدول يختلف عن حلم الشعب العربي، فالحاكم حلمه أن يبقى مسيطراً مستبداً متميزاً متفرداً، والاتحاد العربي لا يُحقق له ذلك ويفقِده مكانته التي سرقها ظلماً باسم الشعب. وبعيداً عن حلم الاتحاد العربي الذي كان إيماناً راسخاً في القلوب فتزعزع ثم تفتت ثم تبخر شيئاً فشيئاً، فإن "عروبة الدولة" التي هي حقيقة وكانت حقيقة فعلاً، يجب ألا تنسحب من الواقع شيئاً فشيئاً وتتحول إلى حلم تتنهد بذكراها نفوس المواطنين وتدمع قلوبهم لأفولها. وأرى بأن عروبة الدولة لا يمكن المحافظة عليها إلا إذا أصبحت اللغة العربية هي السائدة في معاملاتنا وتعاقداتنا واجتماعاتنا ومخاطباتنا وكتبنا ومناهجنا وجامعاتنا وشؤوننا العامة، فاللغة العربية التي استوعبت في الماضي علوم اليونان والروم والفرس والهند وكتب علمائها وفلاسفتها تستطيع أن تستوعب اليوم المصطلحات العلمية والفنية والتقنية، واللغة العربية التي أثرت على لغات الشعوب في الماضي فتكلم سكان تلك البلاد بها واتخذتها لغة لها وأحرفاً لكتابتها، غير عاجزة عن مواكبة التطور والعلم والتكنولوجيا. إذن ما هي المشكلة؟ هل هي ثقافة المنتصر تتطلع إليها نفوس الدول المغلوبة؟ أم هي عقدة الأجنبي في أنفسنا التي تحجب النظر إلى ما عداه؟ أم أن اللغة العربية لم تعد لغة العلم والتطور والحضارة؟ فإن أردنا أن نتقدم، وجب استخدام لغة صالحة للتقدم. يقول مالك بن نبي على لسان أحد المصلحين: "أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم"، وأقول: أخرج المهانة والذل وتحقير الذات من نفسك تكن قوياً متقدماً مبصراً. فالزعم بأن لغتنا غير صالحة للتقدم ما هو إلا وَهَمْ غُرس في نفوسنا فصدقناه، وإلا ما هو تفسير اعتزاز كل الدول المتقدمة اليوم بلغاتها تستخدمها في مدارسها وشؤونها العامة ومعاملاتها المختلفة، ولم تقف عائقاً دون تقدمها وحضارتها، كما لا يستطيع أحد أن يزعم أن اللغة الإنجليزية هي سبب تقدم هذه الدول. وليس غائباً عني في هذا المقام أهمية تعلم اللغات للتبادل والاحتكاك الثقافي والحضاري، وليس غائباً عني أيضاً أن اللغة الإنجليزية أصبحت اللغة الأساسية في المعاملات التجارية والمالية، لكن هذه أمور يمكن احتواؤها والتعامل معها بقدرها وضمن حدودها. ويجب التأكيد هنا على حقيقة مهمة جداً هي: أن اللغة العربية باقية ما بقيت البشرية فهي محفوظة بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم الذي أنزله على النبي العربي المبعوث لجميع البشر بجميع أجناسه وأعراقه ولغاته، أنزله "بلسان عربي مبين". فإن كانت هذه حقيقة فلنجعل التاريخ يشهد لنا بأننا عززنا هذه اللغة ولم نضعفها، كما شهد التاريخ من قبل بأن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان عرب الدواوين بعد أن كانت بالفارسية في العراق واليونانية في مصر والشام، وكما شهد التاريخ للخليفتين الرشيد والمأمون بعد تأسيس بيت الحكمة الذي كان مكتبة ومرصدا لترجمة الكتب من مختلف العلوم كالطب والكيمياء والفلسفة ومن مختلف اللغات إلى اللغة العربية. وقد تميزت قطر بمناصرتها شعوب الدول العربية ووقوفها بجانبهم ضد الاستبداد، وهي مؤهلة حقاً كي تتميز في نُصرة اللغة العربية. فلتنشئ قطر مؤسسة ضخمة للترجمة ومجمعاً للغة العربية، تكون رؤيتها خلالها واضحة ورسالتها واضحة مبنية على أساس دعم اللغة العربية وجعلها لغة العلوم والمعرفة والتقدم، وتقوم في هذه المؤسسة بترجمة أهم الكتب والأبحاث في مختلف العلوم والآداب والفنون ومن مختلف اللغات إلى اللغة العربية. ولضمان جودة الترجمة وسرعتها ومواكبتها للتطور السريع للعلم والتكنولوجيا، فإن الأمر يقتضي أن تقف الدولة وراءه بقوة، فتصدر هذه الترجمات وتُحَدثها وفقاً لتطورها وتوزعها إلكترونياً وورقياً وتدعم بها المكتبات العامة في مختلف الدول العربية. إن هذا الأمر يجعل قطر منارة للعلم والمعرفة وداعمة حقيقية للغة العربية وسوف يشهد التاريخ أنه تم ذلك لسمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني كما شهد من قبل لعبدالملك بن مروان وهارون الرشيد والمأمون. أمر آخر سوف يدعم اللغة العربية في دولة قطر العربية هو الاعتماد على العرب الأكفاء. فأمة قوامها نصف مليار ويعيش الكثير من أبنائها كعلماء وأساتذة وباحثين في الدول الغربية لن تعدم أن تمدنا بالنخب ليسدوا الفراغ في المجالات التخصصية المختلفة بدلاً من الاعتماد على الغربيين، فلتكن قطر حاضرة العرب كما كانت بغداد والقاهرة وغيرها حواضر تجذب العلماء والمفكرين إليها فيقيموا فيها ويتركوا للبشرية تراثاً هو أساس التقدم الحضاري في مختلف العلوم اليوم. كما يمكن لدولة قطر أن تتبنى أفضل المتفوقين علمياً وخلقياً من طلبة الثانوية العامة في مدارس الدول العربية الأخرى الذين تتوافر فيهم شروط الالتحاق في جامعة قطر وجامعات المدينة التعليمية، فتتكفل بمصاريف دراستهم وإقامتهم، وفق خطة مدروسة لدمجهم في المجتمع القطري، وتطبيق المادة (6) من قانون الجنسية القطرية عليهم، التي تجيز لسمو الأمير "منح الطلاب النابغين ذوي القدرات العلمية الواعدة وبناء على مقتضى المصلحة العامة الجنسية القطرية". فإن كانت قطر قليلة في عدد شعبها، "ولا تقوم حضارة دون شعب" فإن عمقها العربي بعيد ومتجذر ويصلح أن يكون أساساً لبناء الحضارة. وأخيراً، أجد نفسي في غاية السعادة والسرور بسبب مصادفة اليوم الوطني لدولة قطر، اليوم العالمي للغة العربية الذي قررته منظمة الأمم المتحدة ليكون في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، وهو التاريخ الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة رقم (3190 (د – 28) في عام 1973 بجعل اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية الست للجمعية وهي العربية والانجليزية والفرنسية والروسية والصينية والإسبانية، وقد جاء في ديباجة هذا القرار "أن الجمعية العامة تدرك ما للغة العربية من دور هام في حفظ ونشر حضارة الإنسان"، فهل هو فأل حسن يكشف لنا دعم قطر للغة العربية؟ نتمنى ذلك. halsayed@qu.edu.qa
1747
| 20 ديسمبر 2011
في إطار جهوده المضنية لإعادة السيطرة على الأوضاع واحتواء ثورة الشعب الثائر من أجل حريته، ومن أجل إطلاع العالم الخارجي بأنه يسير في طريق الإصلاح، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد السبت الماضي قراراً بتشكيل لجنة تتألف من 29 عضواً لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد، بحيث تنتهي اللجنة من مهمتها خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ صدور القرار. وقد أوضح الأمين المساعد لحزب البعث أن "الدستور الجديد سيُقره ثلثا مجلس الشعب ويطرح على الاستفتاء العام..".. ويعد الدستور السوري الحالي الذي صدر عام 1973 الدستور الأطول عمراً ضمن سلسلة طويلة من الدساتير عرفتها سوريا منذ 1920، والتي قد يقترب عددها من ثمانية عشر دستوراً بعضها دائمة والأخرى مؤقتة وبعضها مشروعات دساتير لم تر النور. وقد وضع الدستور الحالي بذات الطريقة التي وضعت بها دساتير البعث في سوريا ومختلفة عن دساتير العهد السابق عليه والتي كان للشعب رأيٌ فيها من خلال جمعية أو مجلس تأسيسي منتخب. ولا يغير من الأمر شيئاً القول إن الدستور الحالي لم يقر إلا بعد موافقة الشعب عليه في استفتاء 1973، ذلك أن مشروعه وضع من قبل مجلس الشعب المنقى والمزكى من قبل القيادة القِطرية للحزب، كما أن أسلوب الاستفتاء في الدول المستبدة، غالباً، ما تنتزع فيها النتيجة لصالح السلطة المسيطرة على زمام الأمور في البلاد، ولتصل في أغلب الأحيان إلى ما يفوق 90 بالمائة! ولعل أبرز ما أثير في شأن الدستور الحالي هو نص المادة الثامنة التي تؤكد بأن "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة....".، وما تفرزه هذه المادة من إلغاء للتعددية السياسية والتمييز بين المواطنين في الحقوق السياسية وفي تولي المناصب الدستورية والمدنية المختلفة. وفي معرض الإجابة عن سؤال المقال: هل إصدار دستور جديد في سوريا يعيد الثقة في النظام؟ تذكرت ما نُقل عن الفيلسوف والقانوني الإنجليزي "جون أوستن" قبل أكثر من مائة وخمسين عاماً من إنكاره الصفة القانونية للدستور، بزعمه أن من خصائص القانون كون قواعده عامة مجردة وملزمة، وأن الدستور وإن كانت قواعده عامةُ مجردة، إلا أنها غير مُلزمة. فالدستور يأتي لكي ينظم الحكم في الدولة ويحدد اختصاصات الحاكم وسلطته وحدود السلطات العامة الأخرى في الدولة، ولما كانت مخالفة هذه القواعد من قبل الحاكم لا تقترن بجزاء، فالدستور إذن ليس بقانون لفقده خاصية الإلزام. وبعيداً عن مدى صحة ما ذهب إليه "جون أوستن" من عدمه، فإننا نرى أن الدستور كأي قانون آخر لا يمكن أن تحترم قواعده وتطبق إلا إذا وجد في دولة القانون والمؤسسات التي تعتبر الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أهم مقوماتها. وتعتبر سيادة القانون والشعب والفصل بين السلطات أهم مبادئها، والتي تفرز حكّام أسوياء يخشون فقدان مكتسبات الأمة الحضارية إن هم لم يحترموا القواعد الدستورية. فإصدار دستور جديد في سوريا لن يعيد الثقة للنظام طالما لم تُرسخ بيئة قانونية مؤسساتية. والدستور الجديد سيكون مثل سلفه القديم الذي عُدّل بجرة قلم ليتوافق شرط السن مع عمر الرئيس بشار الأسد، تمهيداً لتوليه الحكم بعد والده، في دولة تزعم أن نظامها جمهوري مبني على التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة. هذا، والله من وراء القصد. halsayed@qu.edu.qa
816
| 18 ديسمبر 2011
في مقال الأسبوع الماضي تناولت قرار إنشاء هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، وتم التركيز على جوانب منه، لاسيما الاختصاصات الواسعة للهيئة والتي تبتعد شيئاً ما عن مضمون الهدف من إنشائها، فتَتَشتّتْ جهودها دون إصابة المرمى. وأشرت في المقال ذاته كذلك إلى عناصر البيئة التي تحيا في جوّها الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، ومن أهمها وجود المجلس التشريعي المنتخب والمستقل والمراقب للحكومة سياسياً ومالياً، ووجود إعلام حر ومنظمات المجتمع المدني المستقلة، والقضاء الإداري ذي الاختصاص الشامل الذي تخضع لرقابته جميع القرارات الإدارية. ويستدعي موضوع هيئة الرقابة الإدارية والشفافية التطرق لجانب آخر لم نتناوله في المقال السابق، وهو موضوع فاعلية الهيئة وقدرتها على أداء دورها في استقلال وحياد، لاسيما إذا أبرزنا مسألة الجمع بين منصب رئيس الهيئة ومنصب نائب رئيس مجلس الوزراء في شخص واحد. ذلك أن الهيئة أنشئت لتكون مستقلة عن مجلس الوزراء فهي تتبع سمو الأمير مباشرة، كما أن التمعن في النصوص المبينة لهدف إنشائها وتلك المحددة لاختصاصاتها والمعددة للجهات التابعة لرقابتها يظهر مدى أهمية إبقاء هذه الهيئة مستقلة عن مجلس الوزراء كي تحقق هدفها. لكن كيف يمكن أن يتحقق ذلك في حال الجمع بين المنصبين؟ فالعديد من المسائل التي تختص الهيئة بالكشف عن عيوبها والبحث والتحري عن أسباب قصورها، تتم باقتراح أو بموافقة أو باعتماد أو بإقرار أو تحت إشراف مجلس الوزراء. فمجلس الوزراء وفقاً للمادة (121) من الدستور هو المختص باعتماد اللوائح والقرارات التي تعدها الوزارات والأجهزة الحكومية تنفيذاً للقوانين، وهو المختص باقتراح إنشاء الأجهزة الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة، وتنظيم هذه الأجهزة والمؤسسات، كما أنه المختص في إدارة مالية الدولة، والمختص بالرقابة العليا على سير النظام الحكومي والإداري. ومجلس الوزراء هو المختص أيضاً وفقاً لما أشارت إليه المادة (4) من قانون رقم (21) لسنة 2004 بشأن الوزراء بإقرار السياسة العامة للوزراء والتي يشرف على تنفيذها كل وزير في نطاق وزارته، بل إن القانون يفرض على كل وزير أن يعرض الموضوعات المتعلقة بنشاط وزارته والبيانات والتقارير المتعلقة بها على مجلس الوزراء. فجميع هذه النصوص تبين أن مجلس الوزراء ليس بمنأى عما يجري ويحدث ويعتمد وينفذ في هذه الأجهزة والوزارات والمؤسسات. ورئيس الهيئة الذي هو في الوقت ذاته نائب رئيس مجلس الوزراء هو عضو في مجلس الوزراء وفقاً للمادة (2) من قرار تنظيم مجلس الوزراء رقم (28) لسنة 2009، الذي يأخذ قراراته بموافقة أغلبية الأعضاء، "وتلتزم الأقلية برأي الأغلبية". فنائب رئيس مجلس الوزراء يشترك إذن في اتخاذ القرار، ويلتزم برأي الأغلبية وإن خالفت رأيه. بل إن نائب الرئيس يحل محل الرئيس في حال غيابه. فمن الأجدى إذن ألا يتم الجمع بين رئاسة الهيئة ومنصب نائب رئيس مجلس الوزراء. ومن جانب آخر يجب ألا يغيب عن ذهننا أخيراً، أن وجود الهيئة لن يحقق الهدف المنشود من إنشائها، في ظل شرعنة الفساد. ونقصد بذلك تغطية المساس بالمال العام بغطاء تشريعي يجعل هدر المال العام مشروعاً فلا تمكن محاسبة أو معاقبة مرتكبه. وهذا يتحقق عندما تجمع سلطة التشريع مع سلطة التنفيذ في يد واحدة. هذا والله من وراء القصد halsayed@qu.edu.qa
561
| 13 ديسمبر 2011
في الأسبوع الماضي أصدر سمو الأمير قراراً أميريا بإنشاء هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، ومن محاسن الصدف أن يقترن هذا الخبر بخبر حصول دولة قطر على المرتبة الأولى عربياً في مجال الشفافية وفق تقرير منظمة الشفافية العالمية السنوي، وهذه ليست المرة الأولى التي تنال بها قطر هذه المرتبة المتقدمة عربياً، بل وتتفوق بها على دول غربية متقدمة كفرنسا وأمريكا. ولا شك أن وجود هيئة تعني بنزاهة الوظيفة العامة ومكافحة الفساد واستغلال النفوذ على حساب المصلحة العامة أمر في غاية الأهمية، ويحمد للمشرع القطري تبنيه لهذا الأمر وتخصيص هيئة مستقلة له. ولكن المطلع على قرار إنشاء الهيئة لابد أن يثير انتباهه اتساع اختصاصات الهيئة وخروجها عن الهدف التي توّجت به المادة الرابعة من قرار إنشاء الهيئة والذي يتمثل في "تحقيق الرقابة والشفافية ونزاهة الوظيفة العامة ومكافحة الفساد بكافة صوره وأشكاله، ومنع وقوع الجرائم التي تمس المال العام أو الوظيفة العامة والعمل على ضبط ما يقع منها..". فالنص على سبيل المثال على أن للهيئة "البحث والتحري عن أسباب القصور في العمل والإنتاج واقتراح وسائل تلافيها"، وأن للهيئة "الكشف عن عيوب النظم الإدارية والفنية والمالية التي تعرقل السير المنتظم للعمل"، وأن للهيئة "متابعة تنفيذ القوانين والتأكد من أن القرارات واللوائح والأنظمة السارية وافية لتحقيق الغرض منها" وأن للهيئة "الكشف عن المخالفات الإدارية والفنية التي تقع من الموظفين" أو غيرها، يدخل في مجمله في مجال مراقبة الأداء وجودة العمل، ويخرج عن صميم الهدف الذي نص عليه القرار والمتمثل في مكافحة الفساد واستغلال النفوذ وتحقيق النزاهة والشفافية في الوظيفة العامة. وهو أمر يخشى أن يؤدي إلى عرقلة دور الهيئة الحقيقي بسبب تشتتها في أمور لا تدخل في مضمون إنشائها. لاسيما إن عرفنا أن جهدها هذا سوف يوزع على عدد كبير جداً من الوزارات والأجهزة الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة والجمعيات والمؤسسات الخاصة ذات النفع العام. هذا علماً بأن مثل هذه الاختصاصات والمتمثلة بالبحث عن أسباب القصور في العمل والإنتاج أو عيوب النظم الإدارية والفنية التي تعرقل السير المنتظم للعمل أو الكشف عن المخالفات الإدارية والفنية هي من صميم عمل الجهات ذاتها، إذ جاءت التشريعات الخاصة بإنشائها أو بتنظيمها وتعيين اختصاصاتها لتوكلها مهمة وضع الخطط اللازمة لتسيير وتطوير العمل بالجهة ومتابعة تنفيذها تحت إشراف الوزير المختص أو الرئيس المختص، وهو أمر يخضع في نهاية المطاف للرقابة العليا لمجلس الوزراء وفقاً لنص المادة (121) من الدستور القطري التي تبيّن في بندها الخامس بأن من مهام مجلس الوزراء "الرقابة العليا على سير النظام الحكومي المالي والإداري". لذا كنا نتمنى أن يتم تركيز الجهود على تحقيق الهدف من إنشاء الهيئة وذلك بقصر دورها على الكشف عن استغلال الموظفين لوظائفهم وإساءة استغلال السلطة والمخالفات المالية والمساس بالمال العام والفساد الإداري. هذا ومن جانب آخر نتمنى أن يؤخذ بمفهوم "الموظف العام" في هذا القرار ما نصت عليه المادة (3) من قانون العقوبات كي لا يقتصر فقط على الموظفين والعاملين من ذوي الدرجات الوسطى والدنيا، بل يتسع أيضاً ليشمل "القائمين بأعباء السلطة العامة" كالوزراء والمسؤولين ورؤساء وأعضاء مجالس الإدارات والمديرين في الجهات الخاضعة للرقابة. ونرى من الأهمية، أيضاً، أن يمارس أعضاء الهيئة صلاحياتهم الرقابية في إطار الضمانات المكفولة للموظفين في القوانين والتشريعات الأخرى، فلا يخرج على سبيل المثال ما قررته المادة (14) لأعضاء الهيئة من صلاحية "طلب وقف أو إبعاد الموظف مؤقتاً عن العمل أو الوظيفة"، أو "طلب معاقبة الموظف تأديبياً إذا أخفى بيانات عن عضو الهيئة أو امتنع عن تقديمها أو رفض اطلاعه عليها" عن نطاق أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون الموارد البشرية. وفي الختام ينبغي التأكيد على أن الشفافية الحقيقية ومكافحة الفساد لا يتم إلا بوجود دعامات الديمقراطية الأساسية من مجلس تشريعي منتخب له حق توجيه الأسئلة للحكومة واستجوابها ومراقبتها سياسياً ومالياً، ومعرفة موارد الدولة وموازنتها والحساب الختامي لها، ووجود إعلام حر، ومنظمات مجتمع مدني معنية بذلك، وقضاء إداري ذو صلاحيات شاملة، وحظر ممارسة الوزراء والمسؤولين للتجارة وكشف ذممهم المالية. لذا ينبغي إعادة النظر في بعض التشريعات المهمة كقانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة، وقانون الفصل في المنازعات الإدارية، وقانون رقم (21) لسنة 2004 بشأن الوزراء، وغيرها. والله من وراء القصد. halsayed@qu.edu.qa
709
| 06 ديسمبر 2011
بينت المذكرة التفسيرية للدستور القطري أن أعضاء لجنة إعداد مشروع الدستور عندما بدأوا عملهم وضعوا تصورات مختلفة لأحكام الدستور، إلا أنهم حرصوا على اختيار ما يتناسب وظروف المجتمع القطري الدينية والتاريخية والثقافية والاقتصادية والعادات والتقاليد الأصيلة، وأن أول أساس أرادوا أن يقوم عليه الدستور هو التأكيد على أن الإسلام دين الدولة وعقيدتها والمكون الأساسي لحضارتها والمصدر الخصب الذي لا ينضب على مر العصور لتشريعاتها وقوانينها، و"أنه لا يجوز أن يصدر تشريع في قطر يخالف المبادئ القطعية الثبوت، قطعية الدلالة من أحكام الشريعة الإسلامية الغراء". وأساس ذلك أن هذه الأحكام تمثل ثوابت الشريعة التي لا تحتمل تأويلاً ولا تبديلاً. وعليه جاءت المادة الأولى من الدستور القطري لتترجم هذا الاختيار وتؤكد هذه الأسس. وللمزيد من الالتزام بهذا النهج التشريعي ألزم الدستور القطري جميع من يتولى المناصب التي لها علاقة بالتشريع في مراحله المختلفة، من الاقتراح والمناقشة والإقرار والتصديق والإصدار، كسمو الأمير ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وأعضاء مجلس الشورى، أن يؤدوا يميناً دستوريةً تتمثل في القسم بالله العظيم أن يحترموا الشريعة الإسلامية والدستور والقانون.... وفي إطار كل ذلك جاء قانون العقوبات القطري في المواد (270) و(272) و(273) منسجماً ومتفقاً مع هذه الأسس الدستورية وهذا النهج التشريعي فنص على عقوبة تصل إلى ثلاث سنوات لكل "من استورد أو صدر أو استخرج أو حضّر خمراً أو شراباً مسكراً" وقرر ذات العقوبة لكل "من باع أو اشترى أو سلم أو تسلم أو نقل أو حاز أو أحرز خمراً أو شراباً مسكراً أو تعامل أو توسط في التعامل فيها بأي وجه بقصد الاتجار أو الترويج"، هذا علاوة على عقوبة تصل إلى ستة أشهر لكل من تعاطى خمراً أو شراباً مسكراً في مكان عام أو هيأ أو أعد محلاً أو منزلاً لتعاطي الخمر أو المسكرات". ويلاحظ من النصوص السابقة مدى إحاطتها بالسلوكيات المجرمة إذ لم تترك فعلاً يتعلق بالخمر والمسكرات إلا نصت على تجريمه، سواء كان مواطناً أو مقيماً، مسلماً أو غير ذلك. ولاشك بأن المشرع القطري عندما وضع هذه القواعد لم يغب عن ذهنه نهائياً سماحة الإسلام وقبوله للآخر وأن دولة قطر يقيم على أرضها الكثيرون ممن هم ليسوا بمسلمين. فهذه الأمور لم يغفل عنها المشرع، إلا أنه أدرك في الوقت ذاته عدم ارتباط هذه السلوكيات بالعقائد أو الشعائر أو بقبول الآخر أو بالحرية كي يتسامح بها، فالأمر يتعلق بالمجتمع وبالحضارة الإنسانية والثوابت التي تُكرم العقل وتسمو به وتحافظ على المجتمع وتصونه. لذا أكد الدستور في المادة (75) منه على أن "احترام الدستور والامتثال للقوانين الصادرة عن السلطة العامة والالتزام بالنظام العام والآداب العامة ومراعاة التقاليد الوطنية والأعراف المستقرة واجب على جميع من يسكن دولة قطر أو يحل بإقليمها". في ظل وضوح النصوص الدستورية والقانونية يكون السؤال: لماذا لا تُحرك الدعوى الجنائية ضد مجرمين طلقاء؟ أتوا على الكثير من هذه السلوكيات ومارسوها فاستوردوا، وباعوا واشتروا وسلموا وتسلموا ونقلوا وحازوا وأحرز وتاجروا وروجوا، فافتتحوا محالاً، وأسسوا شركة للتوزيع، والاتجار والتعاطي سواء في الفنادق أو المطاعم أو وسائل النقل أو المطار أو غيره. ولا حجة لمن يقول إن هؤلاء رُخص لهم أو لديهم تصاريح تجيز لهم فعل ذلك، فهذا كلام مردود، إذ لا ينبغي للتصريح وهو مجرد قرار أن يخالف الدستور والقانون، لأنه يأتي في درجة أدنى منهما، فهو باطل وغير دستوري وغير مشروع. ففي دولة القانون يسري القانون على الجميع ويطبق على الجميع ولا يستثنى منه أحد، وإلا انتهك مبدأ سيادة القانون. لذا نهيب بالنيابة العامة وقد أقسم أعضاؤها وفقاً للمادة (16) من قانون النيابة العامة "بالله العظيم أن يحترموا الشريعة الإسلامية وقوانين البلاد" بأن تحرك الدعوى الجنائية ضد هؤلاء، احتراماً للشريعة الإسلامية والدستور والقانون. halsayed@qu.edu.qa
676
| 29 نوفمبر 2011
مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6318
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5079
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3804
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2859
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2535
| 23 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1740
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1614
| 26 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1563
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1083
| 20 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
996
| 21 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
987
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
978
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
- أستاذ القانون العام بجامعة قطر
halsayed@qu.edu.qa
عدد المقالات 74
عدد المشاهدات 105100
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل