رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
"المرشح المنشوري"، مصطلح يعني "العميل المندس"، سواء كان رئيسا، أو مرشحا رئاسيا، أو أقل من ذلك. وقد دخل عالم السياسة الأمريكية من باب الأدب والسينما، كما جرت العادة منذ عقود بعيدة، منذ أصبحت هوليود هي "صانعة المستقبل" الأمريكية. وتعود قصة ظهوره إلى رواية مثيرة بهذا العنوان أصدرها ريتشارد كوندون في عام 1959. تحكي الرواية قصة جندي أمريكي يتم أسره في منشوريا، أثناء الحرب الكورية وتغسل دماغه من قبل عملاء صينيين وسوفييت. وعند عودته لبلده، يستخدمه الشيوعيون لاغتيال مرشح رئاسي أمريكي حتى يفوز منافسه بأغلبية ساحقة وفق خطة لإحلال دكتاتورية شيوعية صينية في الولايات المتحدة. ورغم النقد الحاد الذي تعرضت له الرواية وترشيحها لقائمة "أفضل أسوأ الروايات"، فقد تحولت إلى فيلم مرتين كان الأول في أوائل الستينيات من إخراج جون فرانكنهايمر وبطولة فرانك سيناترا. ونظرا لحساسية الموضوع وقتها تدخل الرئيس الراحل جون كينيدي، وكان صديقا لسيناترا، للتصريح بتصويره. وفي عام 2004، أنتج فيلم جديد لنفس القصة، من بطولة دينزل واشنطن وإخراج جوناثان ديمي، ليقدم شخصية العميل في دور ممثل أمريكي يترشح لمنصب نائب الرئيس ويتم التحكم في عقله باستخدام تقنية النانو. وهنا بدأ مصطلح "المرشح المنشوري" في الانتشار، وأصبح إطلاقه يعني اتهام سياسي في منصب أو مرشح لمنصب بأنه مغسول الدماغ من قبل جهة أجنبية. وقد اتُهم مسؤولون أمريكيون عدة قبل ذلك بأنهم "مرشحون منشوريون"، ومنهم كيسنجر وبوش الابن، واتهمت صحف ومجلات منها "ذي أتلانتيك" و"هافينغتون بوست" و"فانيتي فير"، الرئيس ترامب بأنه مرشح منشوري. والحقيقة أن تراجع دور الرئيس وتسفيهه يعود إلى سبب رئيسي بسيط رغم خطورته، ألا وهو أن الرئيس مجرد واجهة لقوى خفية، كما ذكر كارل ماركس في المانيفيستو الشيوعي، حيث صدق وهو كذوب. ولما كان الصهاينة هم المكون الرئيسي لتلك القوى الخفية سنجد أن دعم اليهود وإسرائيل هو الهاجس الأكبر لهم ولكل عملائهم و"دُماهم" التي يأتون بها لتمثيل دور الرئيس بدلا عنهم، مؤقتا، وحتى حين. ولا يهم كثيرا ما يفعله الرئيس "الدمية" أو كيف يبدو للعالم، فهو في النهاية ينفذ ما يُملى عليه من تلك القوى. ولم يشبه تنحي نيكسون المخزي في التاريخ الأمريكي، مع الاختلاف، إلا حدثان مماثلان مع الرئيسين السابقين أندرو جونسون، 1865 الى 1869، حيث كان نائبا لأبراهام لينكون وخلفه بعد اغتياله، وبيل كلينتون، 1992 إلى 2000، وفي الحالتين أدانهما مجلس النواب وبرأهما مجلس الشيوخ ولم تكتمل عملية الإقالة. لذلك كانت استقالة نيكسون الأولى من نوعها وكسرت هيبة الرئاسة والرئيس. ولم يسلم رئيس بعد ذلك من التقزيم والتقليل من شأنه مهما بلغ من القدرة وتحقيق الإنجارات. فقد قيل عن جيرالد فورد الذي كان نائبا لنيكسون وخلفه رئيسا لبقية ولايته الثانية أنه كان ضعيفا ولم تتم إعادة انتخابه. وفي انتخابات عام 1977 خسر فورد أمام جيمي كارتر الذي وصف بدوره بأنه كان رئيسا ضعيفا. والحق أن السبب وراء إظهار كارتر بتلك الصورة كان عدم رضا القوى الخفية عن دوره في معاهدة السلام لعام 1978، وهو الذي استمر في مواقفه الناقدة للصهيونية حتى وفاته أخيرا. بعد ذلك بدأ السيرك الحقيقي للرؤساء، ليس في الولايات المتحدة فقط ولكن في أماكن أخرى مثل الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا. فقد شاهدنا في فترات متقاربة كلا من الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان والرئيس السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف وفي روسيا الرئيس الأسبق بوريس يلتسين. الأول ممثل سابق بدا للكثيرين طول الوقت وكأنه يمثل أحد أدواره السينمائية. والثاني رئيس فقد هيبته بما وصف بأنه كان تمثيلية لخطفه ثم إطلاق سراحه في لعبة كبيرة انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي كله. والثالث "يلتسين"، سكير اشتهر برقصه كدب فاقد للوعي أمام العامة. وبالطبع لم يقف الأمر عند الدول الكبيرة، فرؤساء دول أخرى نالوا حظهم من الإهانة والتقزيم، فصاروا ينعتون في وسائل إعلام الغرب، المسيطر عليها صهيونيا، بأوصاف لا تليق بحكام دول. وصار بعضهم يطارد ويعتقل، وبعضهم يدان بالإرهاب وهكذا. وما دام سيرك الرؤساء المنشوريين منصوبا فيسهل تمرير كل شيء في غفلة الجماهير، من زيادة أسعار إلى نشر أوبئة، إلى افتعال حروب، وكل ما يمكنهم في إطار صناعة الكفر.
1116
| 26 فبراير 2025
بداية، من يعتقد أن ترمب مجنون، أو منفلت، أو يتصرف من عند نفسه، فعليه هو أن يختبر قواه العقلية. ومن يظن أن العرب كيان واحد يمكن مخاطبته ودعوته للاستيقاظ والتصدي لترمب فحالته، بلا شك، أسوأ من الأول. ومن يبتلع كذبة أن ترمب يحارب الدولة العميقة، فوضعه بالتأكيد أسوأ من سابقيه. أما من ينتظر معجزة إلهية فهذا ميئوس من حالته. القصة باختصار أن «ترمب-2»، قادم لاستكمال خطة سياسية واقتصادية، ليست خطته وإنما هو مجرد مكمل لها كما ذكرت في المقال السابق. لذلك، فمن يظن أن هناك أي فارق بين ترمب وبايدن مثلا، فلا يقربن مجلسنا هذا. الكل يسير وفق تلك الخطة وينفذ فيها مراحل وأجزاء تباعا، بحسب تغير المعطيات والظروف. منذ عقود والحديث يدور بأن «الحاكم الأمريكي» أو من يمثله، يضع في كثير من الدول لجان توجيه أو «حكومات ظل» توجه أجهزتها التنفيذية وفق ما يريده ذلك الحاكم وليس وفق مصلحة تلك الدول. الآن جاء دور أمريكا ذاتها لتنال نصيبها من ذلك، وتقام فيها حكومة ظل مماثلة، تتمثل في الكيان الرقابي الذي شكله ترمب ويختصر مسماه بحروف ((DOGE أو «د و ج إ»، ولنسميه (دوجي) ويتولى رئاسته إيلون ماسك، وما أدراك ما إيلون ماسك! في تقرير حديث تقول الكاتبة الأمريكية كاثرين أوستن فيتس، إن ترمب يسابق الزمن لتأسيس شبكة تَحَكُّمٍ رقمية عالمية، (الحكومة العالمية) من خلال عدة خطوات أهمها تعميم العملات الرقمية ونقل السيطرة المالية إلى مسؤولي المصارف المركزية. وتوضح أن استيلاء «دوجي» على أنظمة الدفع في وزارة الخزانة، تزامنت مع عملية «تفنيشات» بالآلاف في أجهزة الخدمة المدنية، بهدف إنهاء سيطرة الكونجرس على السياسات والتدفقات المالية. وهذا يمنح بنك الاحتياطي الفيدرالي، ووكلاءه، السيطرة الكاملة على الجانب المالي، أو «روح الحياة». وبهذا، عمليًا، يحل ماسك وفريقه- بالإضافة إلى أي شركات خاصة وجهات أجنبية تتبعه- محل الجهاز التنفيذي والكونجرس، الذي ألغاه ترمب فعليا بـ»الأوامر التنفيذية» التي تجعله، ظاهريا، الحاكم بأمره. دفع ذلك مراقبين وصحفا عدة بينها «ناشيونال انترست» للتساؤل عمن يحكم أمريكا حقا، أو عما إذا كانت الرئاسة مشتركة! وخاصة في ضوء تلاسن حاد بين أصدقاء ترمب ومنهم ستيف بانون، وبين ماسك وطاقم وادي السيليكون، والتلميح بأن وضعه الآن كرئيس «دوجي»، وانفراده بإصدار قرارات، بعيدا عن الدستور والقانون، يجعل من الأدق تسميته «الرئيس ماسك». وأيد موقع «إنترسيبت» ذلك قائلا إن ما يحدث ليس تحسينا لأداء الحكومة ولكن «استيلاء على الحكومة». وترى فيتس أن ما يجري هو الخطوات النهائية نحو تنفيذ عملية انقلاب مدروس على سلطة الشعب الأمريكي من خلال سيطرة «الرئيس» ماسك ووادي السيليكون على كل قواعد بيانات جميع الأجهزة والمؤسسات الحكومية والحساسة في الولايات المتحدة، بما فيها الاستخبارات ووزارة الدفاع. هذه الفوضى جعلت الكاتب السويدي مالكوم كايون يشبهها بأجواء ما قبل الثورة الفرنسية، «حيث لا يشعر الناس بأن الامبراطورية تعمل من أجلهم». فوسط الفوضى التي افتعلها ترمب في الفترة الماضية، داخليا وخارجيا، يمكن تمرير كل الأفكار والأوضاع المستحيل مرورها في الظروف الطبيعية. وعن ذلك تقول زاني مينتون بيدوز رئيسة تحرير الإيكونوميست «إن ترمب وفي ظرف ثلاثة أسابيع فقط من حكمه أطاح بكل قواعد الجغرافيا السياسية» في العالم. والقادم أسوأ. وهنا تؤكد فيتس ما ذكرتُه آنفا بقولها: «على الرغم من الفوضى الظاهرة، فإن الخطة التي يتم تنفيذها استراتيجية للغاية وقد كانت «محل تخطيط لفترة طويلة». وخلف الضباب الذي يحيط بـ»حرب ستأكل الأخضر واليابس»، هناك عملية بناء شبكة تحكم عالمية بسرعة عالية، لتحقيق «الانقلاب». وهذا وسط تحذيرات متواصلة من كايون وغيره بأن أمريكا ومعها الغرب يتجهون نحو انهيار كارثي. ومن بنود تلك الخطة تعميم تطبيق نظام الهوية الرقمية ويسمونها «الهوية الحقيقية»، والجمع بينها وبين البيانات البيومترية (البيولوجية). وتعميم مبادرة «ستارغيت»، الترمبية للذكاء الصناعي، لبناء مراكز بيانات كافية لدعم شبكة تحكم كاملة ونظام نقدي رقمي بالكامل. وتكثيف برنامج حقن «ستارغيت إم ار إن إيه» بما يكفي لتنفيذ خطة «إنترنت الأجساد» واستمرار خفض متوسط أعمار البشر، من خلال اللقاحات. وبتنفيذ خطة «إنترنت الأجساد» تكون الساحة جاهزة لتنفيذ نموذج يحاكي «نظام الائتمان الاجتماعي» الصيني، الذي يعاقب فيه المواطن أو يثاب بحسب سلوكه وفق جدول نقاط يشبه النقاط العقابية في نظام المخالفات المرورية. وباستيلاء «دوجي» على قواعد البيانات يتأسس «نظام ائتمان اجتماعي أمريكي» يراد له أن يكون «عالميا»، تتحكم به «دوجي» في كل أفكارك مثلما تتحكم فيسبوك في آرائك وتحجبها تدريجيا، وصولا إلى إغلاق حسابك مهما كانت قوته. وهنا ستكون اتهامات «جرائم الكراهية»، و»هذا الكلام لا يتفق مع قيم مجتمعنا»، جاهزة لحرمانك من كل حقوقك وطردك من النظام أو من «الحياة». ولا تنسى فيتس أن تشير إلى أن «حكومة الظل العالمية» تحتاج إلى غزة وتعتبرها عقبة «جغرافية» أمام بناء جزء من شبكة التحكم. والحقيقة هي أن غزة عقبة أمامهم بالفعل، لكنها عقبة عقائدية تمثل حاجز الرفض الأكبر لخططهم التي يؤكدها المفكر الأمريكي باتريك وود في سلسلة أعماله حول «النظام العالمي الجديد»، الذي يسميه نظام «ما بعد الإنسان». وبالطبع، أي بقعة مسلمة حقيقة الإيمان ستكون عقبة أمام مثل تلك المشاريع الشيطانية، فالأمر لا يحتاج إلى معجزة ولكن إلى إيمان قوي وصمود وتضحيات، غزة نموذجها الوحيد.
753
| 20 فبراير 2025
تحدثت سابقا عن "إعلام السامسونج العالمي" وامتداده في معظم دول المعمورة. الآن نتحدث عن أنه كان موجودا منذ سنين طويلة بل ومنذ عقود بعيدة، وأني كنت شاهد عيان على بعض تجسداته، وأنه جزء من خطة بعيدة المدى، تنفذ على مهل شديد، مهما تغير منفذوها عبر الزمن. في عام 1989 ذهبت في تغطية لمؤتمر تنظمه هيئة "فولبرايت" الدولية سنويا تحت عنوان "سالزبورج سيمينار" في مدينة سالزبورج بالنمسا. على هامش المنتدى الذي كانت تحضره شخصيات فكرية ودبلوماسية من معظم الدول التقيت رئيس "معهد لندن للدراسات السياسية والاستراتيجية"، في ذلك الوقت، سير جيمس بالاسير، في مقابلة صحفية خصني فيها بتصريحات مهمة للغاية، منها، مثلا، أنه توقع اندلاع حرب جديدة في الخليج، رغم أن حرب إيران والعراق كانت قد انتهت للتو. وكان يقصد غزو العراق للكويت، وما تلاه من حرب تحريرها. والأكثر أهمية وارتباطا بموضوع هذا المقال هو أنه قال بالحرف: "إن إسرائيل لن تمنح العرب أي شيء من الآن فصاعدا وأنهم تعلموا ألا يفرطوا في شيء بعدما أعادوا سيناء لمصر بمقتضى اتفاقات كامب ديفيد". قال ذلك الكلام في أوائل سبتمبر 1989 رغم أنه كان لم يمر سوى أشهر قليلة على مؤتمر الجزائر في نوفمبر 1988، الذي نفذ فيه ياسر عرفات كل طلبات الكيان الغاصب من إعلان "نبذ الإرهاب" إلى اعترافه بحق ما يسمى إسرائيل في الوجود. كنت سعيدا أيما سعادة بهذا الإنجاز الصحفي الذي اعتبرته أهم كثيرا من تغطية الحدث نفسه، أي المنتدى، الذي ناقش مستقبل الاتحاد السوفيتي وتوقع انهياره، وهو ما حدث بعد ذلك بشهور. لكنني عندما عدت وسلمت المقابلة للمسؤولين رفضوا نشرها دون إبداء أسباب. وعلمت لاحقا أن "تعليمات السامسونج" أو ما يماثله وقتها، جاءت بألا يغضبوا إسرائيل وألا يفتحوا أعين الناس على أن ما قيل عن السلام وتحديدا "الأرض مقابل السلام" لم يكن إلا كذبة كبيرة، لأن ما قاله جيمس بالاسير قبل نحو 35 عاما رأيناه يتجسد حقيقة بأم أعيننا عاما بعد عام منذ ذلك الحين. وحتى الآن لم ينل العرب من إسرائيل أي شيء حقيقي. وقبل أن أبتعد عن هذه الذكرى، أضيف إليها أخرى ترتبط بنفس الجريدة التي بدأت بها عملي الصحفي بقسم الإخراج الصحفي، أواخر عام 1982، وحتى قبل التخرج، حيث بدأت كلية الإعلام وقتها بإرسال عدد من المتفوقين للتدرب في تلك الجريدة وغيرها خلال الدراسة. وبعد فترة وجيزة أصبحت أعمل كمحترف مثل بقية الصحفيين المعينين وإن بأجر أقل نظرا لأني كنت مازلت في السنة الثانية. الشاهد هنا أنني عندما بدأت الاضطلاع بمسؤوليات حقيقية كانت معظمها في الوردية الليلية التي يتهرب منها معظم المعينين. كنا لا ننشر صور شخصيات الكيان الصهيوني على صفحات الجريدة لأن "عملية السلام"، كما كانت تسمى، كانت في بداياتها ولم تكن سيناء قد عادت كاملة. ولكن بعد شهور قليلة، وصلتنا تعليمات "ليلية" بأن ننشر صور هؤلاء. وكانت الحكمة المهنية الإعلامية من عدم نشر صورهم أن نشرها حتى مع وصف العدو يجعل الجمهور يألفها ويسهل التطبيع. ولكن مع بداية تنفيذ التطبيع بخطى ثابتة توالت التعليمات بنشر تلك الصور والامتناع عن استخدام كلمة العدو وتغيير اسم وزارة حرب الكيان إلى وزارة الدفاع. بعد ذلك بسنوات قليلة وخلال مؤتمر كبير عن مستقبل العرب عام 1996، أجريت مقابلة مع ريتشارد ميرفي مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق عن القضية الفلسطينية، وقال فيها إن الخطط الموضوعة تشير إلى أن الفلسطينيين لن يعودوا إلى فلسطين أبدا وإنه سيتم توطينهم في عدد من دول العالم ذكر منها تحديدا دول الخليج وكندا ومصر والأردن. كان ذلك ضمن نحو عشر مقابلات أجريتها على مدى أيام المؤتمر الثلاثة. كنت سعيدا جدا بها لكن اعتبرت أن حديثي ذاك مع ميرفي كان الأهم، إضافة إلى مقابلتين أخريين أجريتهما مع سمير نجم الذي كان سفيرا للعراق هناك، ومسؤول كويتي رفيع سابق بمنزلة وزير الخارجية آنذاك. مرة أخرى، كل الأحاديث نشرت باستثناء حديث ميرفي، وأيضا دون إبداء الأسباب، التي لا تعدو أن يكون وراءها "تعليمات السامسونج". بعدها بأقل من ثلاث سنوات بدأت بكتابة زاوية سياسية بعنوان "عبر الحدود". وما كدت أصل الى المقال الثالث أو نحو ذلك حتى وجدت مسؤولا من إدارة الجريدة يقول لي إن قلمي رشيق وإنه يستحسن أن أستغله في الكتابة عن القضايا الاجتماعية. وبالفعل، تحول "عبر الحدود" إلى "أهلا بكم". لكن لماذا قرر هؤلاء وقف المقال السياسي؟ لأنني في أول زاوية، ورغم تخفيف وطأة الفكرة، قلت إنني "رأيت في المنام أن انتخابات حرة حقيقية جرت في إسرائيل، وفاز فيها عربي فلسطيني برئاسة الوزارة"، بحكم أنه حتى ذلك الوقت كانت هناك أغلبية فلسطينية مقارنة بأعداد المحتلين. وفي مقالات تالية تناولت احتمالات المواجهة بين العرب والكيان وقلت إن ما يسمى إسرائيل أيقنت بعد حرب 1973، استحالة مواجهة العرب مجتمعين مرة أخرى ولذلك عملت منذئذ على تفريق صفوفهم وتمزيقها من خلال الاتفاقات الثنائية. فجاءت تعليمات السامسونج بوقف هذا الكلام. وكان ذلك هو التطبيق العملي لكلام سير جيمس بالاسير الذي بدأنا به هذه الشهادة على خطة بعيدة المدى، يريد ترامب وضع مشهد النهاية لها بتنفيذ ما يسمى صفقة القرن التي بات الجميع يعرف تفاصيلها وأهمها إلقاء أهل غزة في البحر. فلننتظر ونرى. والله من ورائهم محيط.
525
| 12 فبراير 2025
في العام 1818 صدرت رواية خيال علمي اشتهرت بعنوان «فرانكشتاين»، وتدور حول شخص يريد معرفة إكسير الحياة حتى يبقى وعائلته أحياء للأبد، ولذلك يصنع مخلوقا يتحول وحشا ويخرج عن السيطرة. والآن يحيي أعداء الإنسانية هذه القصة من الركام بمسمى جديد هو «الذكاء الصناعي»- وهو صناعي وليس اصطناعيا، فهو مصنوع وليس مصطنعا- الذي يحاولون من خلاله اكتساب قدرات إلهية، ويحاولون إقناعنا بأنه قد يخرج عن سيطرة البشر. وهم يمهدون بذلك لكوارث يجهزونها لتنفيذ مخططاتهم لحكم العالم، التي يروجونها في المحافل الأكاديمية والسياسية تحت مسمى «الحوكمة العالمية». لذلك نقول إن قصة «الذكاء الصناعي» هي، باختصار، قصة فرانكشتاين العائد في ثوب جديد، أو قصة الصراع للسيطرة على العالم. لا شك أننا نحن البشر نواجه مشكلة خطيرة إزاء فهم حقيقة «الذكاء الصناعي»، لأنهم صوروه وحشا مخيفا على غرار الكائنات الفضائية أو الأشباح أو فرانكشتاين. لكن نظرة متأنية توضح أن الذكاء الصناعي هو مجرد تطوير لعلوم الحاسب الآلي أو الكمبيوتر، أي تسخير الإنسان للآلة لأداء بعض المهام مهما بلغ تعقيدها. والمفترض والمنطقي أن الآلة التي يصنعها الإنسان لا يمكن بحال من الأحوال أن تتفوق عليه ويصبح لها تفكيرها الخاص وقراراتها المستقلة مهما بلغت من التطور، إلا إذا كان هو من يزودها بما يمكنها من التدمير والتخريب الذي يستهدفه هو ويخطط له. ولأن أعداء الإنسانية يريدون صناعة الكفر ويريدون إقناع البشر بغياب الإله أو عدم سيطرته على خلقه (راجع القصص التلمودية)، فهم يريدوننا أن نقتنع بأن صنعة أيدينا يمكن أن تتحكم فينا؛ أي تصبح شيئا ما من قبيل الآلهة، في عالم المسيخ الدجال الذي أشرنا له سابقا. وهذه عملية تشبه صناعة الآلهة ثم عبادتها، ولا مستفيد منها إلا سدنة وكهنة تلك الآلهة الوهمية. لقد صنعوا «الذكاء الصناعي» ويريدوننا أن نصدق أنه ستكون له القدرة على التفكير المستقل وتدمير البشرية؛ حسنا، ولماذا لا يفكر في تطوير البشرية؟! لقد ثار في الأيام الماضية كثير من اللغط والجدل بشأن «الذكاء الصناعي» بعد ظهور نموذج شركة «دييب سييك» الصينية التي وجهت ضربات مهمة للنظام الرأسمالي العالمي، أهمها أنها فضحت الكثير من كذب هذا النظام بشأن «جسامة» «الذكاء الصناعي»، وخاصة فيما يتعلق بالتهويل العجيب بشأن تكلفة تشغيله ومخاطره. ففي حين زعم سدنة «الذكاء الصناعي» الغربي أن الأمر يتكلف مليارات الدولارات، ظهر للجميع أن النسخة الصينية لم تتكلف سوى ستة ملايين. وكان أكبر دليل على زيف «سردية» الغرب كلها أن شركاته فقدت مئات المليارات من قيمتها السوقية خلال ساعات. وهذا يؤكد أن المبالغة في تسعير الخدمات والمنتجات أصل أصيل في صناعة الكفر والفقر كما بينت سالفا. وكما يطبع البنك المركزي الأمريكي الدولارات بدون غطاء ذهب وبدون ضمانات، فهم (أصحاب رأس المال) يقدرون قيمة شركاتهم كما يحلو لهم ثم يفرضون على العالم قيمة المنتجات والسلع والخدمات كما يحلو لهم. وبما أنهم يملكون ويتحكمون في معظم شركات ومؤسسات الرقابة الدولية فالأمور بالنسبة لهم تبقى تحت السيطرة حتى تأتي شركة مثل «ديب سييك» وتفضح جزءا من مؤامراتهم. تماما مثل مؤامرة كورونا التي تواطأت فيها كل المؤسسات الطبية الدولية وعلى رأسها الصحة العالمية، والتي مهدت لها بدورها أعمال خيال علمي وأدبي منها رواية «عيون الظلام»، أو «eyes of Darknress The»، للأمريكي ديين نووتز،1981. وكأن تكنولوجيتهم مثل أوبئتهم، كل له «متحوراته» ونسخه المتطورة عبر الزمن. هنا تجب ملاحظة أن عالم المسيخ الدجال هذا لا يقوم على كذبة واحدة، فقد بات كل شيء فيه مغلفا بالكذب والتهويل. فالتهويل الصناعي، مثلا، يخدمه التهويل الاقتصادي، وفق ما كشفه الملياردير راي داليو الذي يقول إن الاندفاع المفرط للمستثمرين تجاه «الذكاء الصناعي» أدى لـ»فقاعة» في الأسهم الأمريكية تشبه فقاعة «دوت كوم» في أواخر التسعينيات، التي نتجت بسبب المبالغة في تقدير قيمة بعض الشركات، وهو ما يحدث الآن مع شركات «الذكاء الصناعي». ويلفت داليو إلى أن النظام الاقتصادي العالمي يتحرك نحو «سياسة أكثر توجهًا نحو «عسكرة الصناعة»، مشيرا للتدخل الحكومي القوي في الأنشطة الاقتصادية، (جمارك ترمب)، ومضيفا: «الرأسمالية وحدها، لا يمكنها الفوز في هذه المعركة». هنا يتردد الحديث عن أن الصين انتصرت بالفعل في حرب الذكاء الصناعي وأن مشروع ترامب المسمى «ستارجيت» لن يلحق بها وسيكون إهدارا لمزيد من أموال الأمريكيين. وقد عزز ذلك إعلان شركة «علي بابا» الصينية، أيضا، إنتاجها تقنية جديدة من «الذكاء الصناعي» تسمى Owen 2.5 Max، وتتفوق على «تشات جي بي تي 4» و»ميتا أيه آي». وبات معلوما أن من ينتصر في حرب «الذكاء الصناعي» سينتصر في الحرب العسكرية وستكون له السيادة على العالم. فقد كانت «الآلة» عبر التاريخ هي وسيلة كسب الحروب، والذكاء الصناعي هو «أبو» كل الآلات الآن. وقد أشار لذلك ألفن توفلر في كتابه «الحرب وضد الحرب»،1993. ولا عجب أن ورد ذلك في تصريح للرئيس الأسبق جورج بوش قال فيه «حروبنا في المستقبل ستكون بلا دموع، لأننا لن نرسل أبناءنا للحرب وسنحارب بالجنود المُستنسخين». وربما كان يبشر وقتها بالجيوش الآلية أو الروبوتات، وهي فكرة أكدها إيلون ماسك بقوله إنه «بحلول 2040، ستكون هناك روبوتات مؤنسنة، وستكون أكثر عدداً من البشر، وقد تصل إلى 10 مليارات روبوت»، ما يجعلنا أمام عالم جديد يسكنه بنو البشر وبنو قردان (التطور) وأخيرا بنو الروبوت (الذكاء الصناعي)، ولم يبق إلا أن يخرج علينا بنو يأجوج ومأجوج.
345
| 05 فبراير 2025
ذكرت سابقا أننا نعيش عصر المسيخ الدجال في كل تفاصيل الحياة،، أو عصر الزيف و"اللا واقع"، لكن الآن سنطلق عليه عصر "الأفاتار". والأفاتار كلمة اختارها أعداء الإنسانية بعناية ضمن عملية صناعة الكفر، إذ أنها تعني "تجسد الإله" في شعوذات ما يسمى الفلسفة، ويسعون لتعميمها على البشرية. ولعل القاريء يلحظ أن معظم الأشياء صار لها الآن "أفاتار" في العالم الافتراضي المقصود لنا أن نعيش فيه،،، عالم الفيسبوك وأخواته، حيث كل شيء يبدو على غير حقيقته. ومثلما سيأتي المسيخ بجنة ليست جنة وبنار ليست نارا، لم يعد العلم علما، ولا التعليم تعليما. وأصبح العلاج "لقاحات"، والسياسة والاقتصاد نصبا ووهما.. أو"طق حنك".. كيف؟ يقول الإنجليزي جون سيرل في كتابه "العقل، مقدمة موجزة"، 1998، ص 15،: "من أسوأ الأفعال، أن توحي للناس أنهم يفهمون شيئاً بينما هم في الواقع لا يفهمون، أو أنّ مشكلة حُلت، بينما هي في الواقع لم تُحل". بكلمات أخرى، أن تبيع لهم الوهم. هنا تتجلى أبرز معانى ما يسمى الاقتصاد السياسي، أو تلاعب السياسة بالاقتصاد، في أوضح صوره، فيما يمكن تسميته سياسة الإيحاء واقتصاد الوهم، أو بعبارة أخرى سياسة واقتصاد "طق الحنك".. وهي عملية تقوم على التلاعب بالكلام ليس أكثر. ويدخل في ذلك الكذب وترويج الشائعات والتلويح بالأزمات واللعب على الاحتمالات الوهمية والتحذير من المخاطر المصطنعة. وكل ذلك اعتمادا على سيكولوجية الخوف والتخويف والتنبؤ بالغيب الذي يجعل تلك السياسة أقرب إلى صناعة السحر والتنجيم والدجل والشعوذة منها إلى السياسة والاقتصاد الحقيقي المبني على الإنتاج الفعلي والتبادل الحر العادل في كل مراحله. هنا نؤكد أن ما يحدث فعليا ليس اقتصادا حقيقيا ولكن حالة تتجسد فيها بيئة كازينو القمار، بكل تفاصيلها، ولكن على مستوى عالمي، تظل فيها نسبة الواحد بالمئة (الساسة ومن وراءهم) هي الرابح الحقيقي على الدوام. وكما يتحكم أصحاب الكازينو في كل قوانينه التي تحقق لهم الربح أو الخسارة المحسوبة بدقة في كل عملية بلا أي خطأ تقريبا، يتحكم أصحاب رأس المال العالمي في اقتصاد الوهم والإيحاء ويسوسونه بما يجعلهم هم الرابحين على الدوام بينما تسير بقية العالم نحو الفقر يوما بعد يوم. فاقتصاد "طق الحنك" هو اقتصاد التنمر وصناعة الفقر الذي تحدثنا عنه سابقا. وأسواق المال العالمية لا تصنع الثروات إلا للقلة على حساب الكثرة. مناسبة ذلك حالة التدهور الغريبة التي تشهدها العملة الكندية "اللووني" في الآونة الأخيرة ليس لسبب إلا تصريحات وتهديدات الرئيس الأمريكي ترامب التي شملت اقتراحا بضم كندا إلى أمريكا واعتبارها المقاطعة ال51، ثم التهديد بفرض رسوم جمركية كبيرة على صادراتها إلى الولايات المتحدة. فقد انخفض اللووني تدريجيا إلى أدنى مستوياته التاريخية في الأسابيع الماضية؛ فقط نتيجة كلام لم يُنفذ ولم يتحقق منه أي شيء، مجرد سياسة "طق حنك". والتاريخ المعاصر مليء بحالات مشابهة انهارت فيها اقتصادات، وحققت فيها كيانات خفية ثروات طائلة استجابة فقط لكلام وتنبؤات لا علاقة لها بالواقع. وقد أفاض المتخصصون في شرح كيفية حدوث ذلك عن طريق عمليات تلاعب في البورصات، منها إجراء عمليات شراء وهمية مكثفة ثم الانسحاب قبيل التنفيذ. لكن من التلاعبات العجيبة التي يروج لها بشكل أكاديمي كثيرا، فكرة حتمية تراجع الأسواق وانهيارها، كونها تتأرجح كحركة البندول بزعمهم، وكأنها حتمية إلهية!. وهذا بدوره يدخل في إطار سعي أعداء الإنسانية لإحلال الذكاء الصناعي، والأفاتار، محل الإله. نجد ذلك في كتاب وارين بافيت "المستثمر الذكي"، ويقول فيه، متقمصا دور "إله الاقتصاد":إن الأسواق الصاعدة "يجب" أن تواجه كارثة!. ويقول الخبراء إن المستثمرين يقعون غالبا ضحايا ما يسمى (inception) أو غرس الفكرة، حيث يتم ترديد فكرة أو كذبة بعينها مرات كثيرة حتى يتم تقبلها بوصفها حقيقة غير قابلة للنفي، في عملية أقرب ما تكون إلى التنويم المغناطيسي الذي يمارس على عموم المجتمعات لإحداث ثقافة أو "برمجة مجتمعية" عامة هي التفسير الأدق لعقلية القطيع. وبحسب دراسة لمؤسسات اقتصادية عدة، بينها كلية إدارة الأعمال بجامعة شيكاغو، ارتفع مؤشر "نازداك"، والذي يضم شركات التكنولوجيا، بنحو 30% بين نهاية مايو 2023 ونهاية مايو 2024 بفعل قوة "الإيحاء". وتؤكد الدراسة أن المحرك الرئيسي لصعود المؤشر لم يكن قوة الاقتصاد الأمريكي، ولكن "الإيحاء" من خلال الأخبار المتواترة بتأثيرات الذكاء الصناعي الاستثنائية على المستقبل. وبنفس طريقة سياسة واقتصاد طق الحنك يحاول ترامب ابتلاع غزة. لكن ما لا يدركه ترامب وقبيله هو أن السياسة قد تتلاعب بالاقتصاد لكن العكس ليس صحيحا دائما. فهو يظن أن كلماته التي هزت الاقتصاد الكندي وأضرت به، وفعلت الأفاعيل هنا وهناك، يمكن أن تفعل المفعول نفسه في مصير غزة. هو يحسب أنه لو تحدث عن تهجير سكان غزة شرقا وغربا فسيتحقق ذلك قبل أن يرتد إليه طرفه، وهنا نقول له: لا يا سيد ترامب، لن تجدي سياسة طق الحنك مع غزة. فشعب غزة وفرسانها لا يعيشون عصر الأفاتار ولا يؤمنون به مثل كيانات أخرى تتقمصه وتجعل من أحلامك أوامر. وما فشلت فيه، حرب الإبادة العالمية ضد غزة، لن يفلحفيهطقحنكك.
543
| 29 يناير 2025
عندما تولى جاستن ترودو رئاسة الوزراء في كندا عام 2015، أحدث تألقه الشخصي حالة من الهوس في أنحاء العالم، وتمنى كثيرون في دول كثيرة عربية وأجنبية لو أنه كان رئيسهم. أشارت لذلك، آنذاك، مجلة الإيكونوميست البريطانية، وعنونت أخرى وهي "رولنج ستون" الأمريكية صراحة تقول (لماذا لا يكون ترودو رئيسنا؟). واعتُبر وصول ترودو إلى سدة الحكم، وقتها، تتويجا وتلميعا لليبرالية الغرب، ذلك النظام السياسي الذي أريد له أن يكون نهاية التاريخ ودين العالم الجديد. لكن نحو عشر سنوات من حكم ترودو، الذي ينتهي فعليا في مارس المقبل، كانت كفيلة بإظهار وجهه الحقيقي بعيدا عن وسامة ملامحه ونعومة شعره، كما كانت كفيلة بإظهار كل قبائح تلك الليبرالية المزعومة، التي رُوج أنها درة حضارة الغرب فلم تزد على أن تكون رمز "حقارة" الغرب، ومجرد بروفة لدين الدجال المنتظر. وقد بدأ كتاب كثيرون يتساءلون: كيف أمكن لمثل هذه الشخصية الضعيفة، التي تم كشفها في نهاية المطاف، أن ترتفع في عالم السياسة إلى هذا الحد، حتى مع الأخذ في الاعتبار ميراث أبيه السياسي الكبير؟ ويوضح الكاتب الكندي مايكل كوينكو "إن ذلك حدث من خلال الاستعراض والخداع والشهرة". ويضيف: وقد تمكن (ترودو) بهذه الوسائل من التغطية على التناقضات المتصاعدة المروعة ليس فقط في الحزب الليبرالي الكندي، بل وفي الليبرالية نفسها". ففي الوقت الذي كانت الليبرالية، الأيديولوجية الغربية المهيمنة، تعاني بشدة في كل من أوروبا والولايات المتحدة-برغم محاولات تعظيمها من قبل "سحرة الفكر" من أمثال هنتنجتون وفوكو واعتبارها المثل الأعلى للأيديولجيا- فقد كانت على موعد مع نجاح كبير مفاجئ في كندا حيث بلغت قمة تألق جديدة بقيادة ترودو، بداية من عام 2015. وبدت كندا وكأنها معقل صمدت فيه الليبرالية بل وانتعشت. وقد كان ذلك بالنسبة لحكام الغرب الأصليين وبالوكالة، أوهامًا ضرورية يبيعونها للجماهير. فقد أصبحت كندا، والكلام لكوينكو، مثل "قاعة التباهي" بأن عقيدتهم الليبرالية، لا تزال تمتلك فرصة في عالم أصبح أكثر عداءً لها بعدما اكتشف زيف شعاراتها وتناقضاتها. فبينما كانت بريطانيا تتجه للخروج من الاتحاد الأوروبي (فشل ليبرالي) وكانت الولايات المتحدة تتهيأ لاستقبال ترمب رئيسا، (ضربة أخرى لليبرالية المثالية، باعتبار ترمب من المحافظين، وهذه فيها تفصيل لاحق)، كان صعود ترودو في كندا بمنزلة نقطة ضوء وانتعاش كبيرة لليبرالية. لكن ذاك الصمود انتهى إلى فشل ذريع، إذ لم يحقق ترودو بوسامته وحسن منطقه أي إنجاز حقيقي على المستوى السياسي أو الاقتصادي ولم ينفذ أيا من وعوده الأساسية مثل خفض تكاليف المعيشة وحل مشكلة الإسكان التي جعلت شباب كندا مثل شباب دول كثيرة في العالم الثالث يفقد الأمل في اقتناء منزل وتأسيس أسرة سعيدة، وهو الشعار الكاذب الذي خدع شبابا كثيرين للهجرة إلى الغرب وخاصة كندا لعقود طويلة. الأمر الذي أدى إلى شيوع موجة هجرة عكسية متصاعدة من كندا وليس إليها، حتى بين البيض قبل الأعراق الأخرى. ومع اشتداد الأزمة تحول النجم إلى شيطان في عيون قطاعات كبيرة. وانتشرت في كل شوارع كندا وعلى السيارات عبارات بذيئة بحقه، أقرب ترجمة مقبولة لها يمكن أن تكون "اللعنة على ترودو". وبعد 'التأليه" العجيب الذي حظي به في البداية، بدأت تدريجيا مرحلة الشيطنة وانكشاف الوجه الحقيقي، مع تزايد معدلات الفقر نتيجة ارتفاع الأسعار المتواصل وغير المبرر، واشتداد أزمة الإسكان التي تسبب بها نتيجة سياسته الهوجاء في استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين الذين شكلوا عبئا خطيرا على سوق العمل وعلى كل القطاعات، ما أدى إلى تزايد معدلات التضخم وتحوّلِ المتسولين في شوارع وميادين المدن الرئيسية من أفراد متناثرين إلى جماعات كبيرة وجيوش حقيقية مشوهة للمنظر العام، بل ومخيفة أيضا فيما يشبه بالفعل أفلام (walking dead) أو "المشاؤون الأموات". ولا عجب أن كان "النجاح" الوحيد الفعلي الذي حققه هو نشر الشذوذ وفرضه تقريبا على الكنديين إضافة إلى تشريع وتقنين استخدام وشراء المواد المخدرة "الماريجوانا"، لدرجة أن محال بيع تلك المواد باتت في كل ركن وزاوية. والأدهى من ذلك وهو ما تم أخيرا، وقبل أسابيع قليلة، هو بيع الخمور في محال السوبرماركت الصغيرة. وبتزايد الأسعار وتكلفة المعيشة يتزايد عدد المعسرين. وبتزايد هؤلاء يتزايد عدد المشردين والمدمنين وإقبالهم على كل أنواع المخدرات والموبقات، وكأن هذه هي الخطة وليس الخطأ. وبعدما كان أنصار ومروجو الليبرالية يقدمونها قديما، منذ عهد روزفلت، وحديثا على أنها الأمل في مستقبل أفضل والتيار الذي سيحمل الجميع نحو الرفاهية، أظهر فشل ترودو الذريع وجهها القبيح وأنها مجرد وعود في الهواء. فحال الناس في أي دولة من دول الليبرالية في تدهور مستمر تشهد به الأرقام والإحصاءات حتى وإن ادعى كهنتها العكس. وباستقالة ترودو يفترض أن ينتهي وهم الليبرالية وعصرها البراق الزائف. وليتأكد للعالم ما خلُصتُ إليه في ورقة بحثية قدمتها في إطار نيل درجة الماجستير وكانت بعنوان "الليبرالية هي الشعار والواقعية هي الفعل"،2004. بمعنى أن ما يحكم العالم كان ولايزال وسيظل هو منطق شريعة الغاب (هوبز)، وأن الإفساد في الأرض يجري على قدم وساق، على طريق صناعة الكفر. essam7@gmail.com
807
| 21 يناير 2025
مررنا قبل ذلك سريعا على فكرة أن معظم من يُسمَّوْن فلاسفة لا يستحقون ذلك التبجيل العجيب الذي أُلقي عليهم. والآن بقي أن نوثق أنهم أو أغلبهم كانوا ولا يزالون يشتغلون بالسحر وعبادة الشيطان، وأن كثيرا مما أنتجوه من «أفكار» هو في حقيقته طلاسم وشعوذات كانت تخدم هدفا واحدا هو صناعة الكفر بمحو وجود الإله وتأليه الإنسان، وحكم العالم. وللمفكر الليبي د. علي فهمي خشيم كتاب مهم بعنوان «الفلسفة والسلطة»، 1999، يوثق أن الفلسفة كانت دائما، ومنذ عهد حمورابي، محاولة للوصول إلى السلطة والحكم. كما أوردنا، سابقا، توثيقا بأن بعض تلك الأفكار أملاها عليهم الشيطان فعليا، ومنهم داروين ونظريته العبثية في «التطور». والمصادر أكثر من أن تحصى في توثيق اشتغال كثير من هؤلاء بالسحر وعبادة الشيطان إذ كان أغلبهم أعضاء في الجماعات السرية من نورانيين وماسونيين بكل تفرعاتهم. وقد كتب مفكرون بعضهم مسيحيون وبعضهم يهود، ومنهم، «ميرابو» خطيب الثورة الفرنسية، والكاتبة الإنجليزية نيستا ويبستر في كتابها «الجمعيات السرية والحركات الهدامة»، 1924، أن فرانسيس بيكون، المسمى افتراء بـ»الفيلسوف» في عصر «التنوير» في أوروبا، هو المؤسس الثاني لما يسمى جماعة «الصليب الوردي» في إنجلترا. فرغم اشتهاره بأنه أبوالعلوم التجريبية، فإن الحقيقة أنه كان الأب الروحي لكل الحركات السرية في تلك الفترة وصاحب فكرة توحيد كل الحركات الماسونية ونقلها من أوروبا إلى أمريكا. وقد تخصصت جماعة الصليب الوردي، تلك في الاغتيالات السياسية، بحسب كتاب «العالم رقعة شطرنج» المجلد 1 ص296. وتوفر نيستا ويبستر في كتابها إضاءات بالغة الأهمية على ارتباط الفلاسفة بالسحر والشعوذة وخضوعهم للكابالا والتلمود والماسون، مشيرة إلى أن بيكون استمد «فلسفته» من الماسونية، وأن ذلك كان أوضح ما يكون في كتابه «أطلنطس الجديدة»، ص 114. وبالمثل فولتير الذي وثقنا من قبل أنه كان مساهما في تجارة العبيد، فقد كان عضوا في جماعة سرية تنتمي إلى الماسونية تسمى «الأخوة السبعة». وقيل إنه انضم إليها قبل موته بفترة ليست طويلة. ودفع هذا عددا من معاصري فولتير، حطوا من قدره وسفهوا أفكاره. ومن هؤلاء الكاتب الأسكتلندي «توماس كارلايل» الذي امتدح موهبة فولتير الأدبية، لكنه انتقد أفكاره وقال «إن أكثرها إتقانًا لم تكن ذات قيمة من ناحية المضمون». وأورد نورمان ماكينزي في كتابه «الجمعيات السرية»، 1967، أيضا، أن عددا من مفكري وشعراء الغرب ومنهم «وليام بتلر ييتس» كانوا يحضرون مجالس تحضير الأرواح والجن، ويستعينون بها. ويشير إلى ذيوع اسم عرافة تدعى مدام بلاتافيسكي في هذا الصدد، كانت تنظم تلك المجالس وتزعم أن لها علما بالغيب والتنجيم. وتوضح سيلفيا ليبي أستاذة الطب النفسي بجامعة «باريس ديدرو» أن عصر النهضة شهد محاولات من المفكرين والفلاسفة باستخدام السحر أن يُحلوا الإنسان محل الله، واعتقدوا أن علمهم سيسمح لهم بتغيير الأشياء والمصير. وتقول: «لقد ساهم «السحرة الإنسانيون»، بخيالهم وحدسهم، في ولادة العلم الحديث... لكن انتهى بهم المطاف إلى إلغاء الخالق نفسه، في محاولة لمحاربة الحتمية، بحيث يصبح العلم هو الذي يحدد الموضوع وتاريخه. وبالتالي، ننتقل من القدرة المطلقة للإله إلى القدرة المطلقة للعلم». وتضيف في ورقة بحثية عام 2012، إن إيطاليا، خلال عصر النهضة، اجتمعت فيها الفلسفة والسحر والعلم والدين في شكل خاص جدًا من المعرفة سُمي «الهرمسية»، حيث كان العالـِم القادر على ممارسة السحر في الوقت نفسه يسمى فيلسوفًا، وحيث يجعل الساحر الفيلسوف نفسه بديلا عن الله. ومن هنا جاءت كل قاذورات الفكر من مثل إعلان موت الإله، ووحدة الوجود، وصولا إلى «صناعة الإله» بواسطة الذكاء الصناعي،»، لتنتقل البشرية من عصر صناعة الإله «العجوة» إلى عصر صناعة «الإله الإلكتروني». تلك القاذورات الفكرية التي يسمونها تنويرا، ساعدهم في نشرها، وللأسف، كثيرون ممن ينتمون للعروبة والإسلام بالاسم، وبجهالة لا تليق بهم، كونهم لم يفندوا ذلك الغثاء منذ بداية شيوعه في عالمنا الإسلامي قبل ما لا يقل عن مائة وخمسين عاما، في بدايات عصر التحديث الذي استخدم كحصان طروادة لهدم الخلافة، كما أوضحنا سابقا. وحتى لو لم تتوفر أدلة بشأن تورط كل واحد من هؤلاء «الفلاسفة» في السحر وعبادة الشيطان فإن نتائج أعمالهم تدل عليهم وتؤكد أن تلك لم تكن إلا مسيرة شيطانية من بدايتها إلى الآن، في عصر ما بعد الإنسانية، حيث يقول مؤلف الخيال العلمي آرثر سي. كلارك: «قد يكون دورنا على هذا الكوكب ليس عبادة الله، بل خلقه. فكل ما نراه من فلسفات مريضة مُمْرِضة من قبيل المادية والوجودية والحداثة وما بعد الحداثة، والعدمية، وكل تلك الأفكار الشيطانية لا تهدف إلا إلى صناعة الكفر، تماما كما هدف مؤسسو الفلسفة. وهذا هو سبب الانحدار الأخلاقي والإنساني الخطيرعلى المستوى العالمي. وهذا ما يجعل الذين يعتبرون ما يحدث في العالم الآن مسلمات إما غافلين أو مغفلون. فلا يمكن الحديث عن علم مجرد ولا تاريخ مجرد ولا أفكار مجردة. كل ذلك تلاعبت به الفلسفة ومن وراءها، وتمت صناعته وصياغته وفق العقل والروح اليهودية، كما تقدم. ويعكس ذلك بوضوح مقولة فرويد «إن تعطش الإنسان للمعرفة ينبع من رغبته في السيطرة على العالم، ومن حاجته إلى إخضاع الطبيعة لقوته»، وهذا تحديدا ترجمة للعقل اليهودي الإجرامي الذي حاولوا إقناع البشرية بأنه عقل جمعي عالمي، لتبرير عملية سيطرة تتم وفق عقلية القطيع. والله من ورائهم محيط.
696
| 08 يناير 2025
مؤكد أن العام الجديد 2025، الذي بدأ قبل ساعات قليلة، سيكون مليئا بأحداث أكثر خطورة وأهمية مما سبق، على الأقل، بحكم السياق الزمني. لكن أحسب أن أخطر تلك الأحداث سيكون كما كان دائما، هو صراع الشعوب ضد أعداء الإنسانية، من الصهاينة وغيرهم، الساعين لإحكام السيطرة على مقدرات العالم، متخفين برداء العولمة، من خلال سعيهم المتواصل لاستشراف أي فرصة تنبؤهم بالمستقبل، وتمنحهم قدرات إلهية لم يتوقفوا يوما عن البحث عنها، بوسائل عدة، مثل البحث عن سر الروح. ومن أحدثها دراسة ما يسمونه عدم اليقين الجذري أو «المجهول الشارد»، الذي صدرت بشأنه كتب حديثة، منها كتاب بنفس العنوان لمؤلفيه جون كاي وميرفين كينج. ويعني المصطلح استطلاع المستقبل، ليس وفق معطيات أو أرقام متوافرة، ولكن وفق ما يمكن تسميته رغبات وأطماع جامحة، في عملية أقرب إلى التنجيم والسحر منها إلى العلم. وقد كان هذا دأبهم منذ قرون، إذ إن أغلب مفكريهم وفلاسفتهم كانوا يشتغلون بعبادة الشيطان والسحر والشعوذة ومنهم كارل ماركس، بحسب كتاب ريتشارد فورمبراند «ماركس والشيطان» 1986، وغيره كثير سنعود إليهم لاحقا. وقد امتلأت مواقع الإنترنت والصحف العالمية، طوال الشهر الماضي، بتوقعات كثيرة للعام 2025، وكان محركها الأهم هو عودة ترامب إلى البيت الأبيض رئيسا، ومع عدم إعطاء أي قيمة حقيقية لنتائج ما يسمى استطلاعات الرأي، التي يتم التلاعب بها وتصميمها من الأساس لإعطاء نتائج محددة سلفا، فإن من المفيد الاطلاع على بعض تلك النتائج. ومن ذلك استطلاع عالمي نظمه معهد «ابسوس» الفرنسي في 33 دولة حول العالم. وقد جاء بنتائج متضاربة، أستغرب كيف، إذ أفاد بأنه رغم تفاؤل أغلبية كبيرة بالعام الجديد فإن هناك نسبة كبيرة ترجح استمرار الصراعات، وارتفاع الأسعار والضرائب. كما عكس الاستطلاع تشاؤما أكبر في أوروبا عن بقية العالم إزاء الأوضاع الاقتصادية. وأظهر أن نسبة كبيرة متخوفة إزاء تكنولوجيا الذكاء الصناعي، ووسائل التواصل الاجتماعي. وبخصوص العنصرين الأخيرين فمن الخطأ تصور أن ساحات المواجهة مع أعداء الإنسانية تبتعد عنهما كثيرا. ففي مقال حديث في «نيويورك تايمز» يحذر عالم السياسة الأمريكي كورت جراي من أن أعداء الإنسانية يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، وتلقائيا الذكاء الصناعي، فعليا مثل المخدرات لزرع الخوف والقلق والغضب في نفوس الناس من خلال خوارزميات الإنترنت. ويقول إن البشر، في هذا العصر، تحولوا إلى «فرائس» وليس صيادين. وهذا ما يؤكده السيناتور جوش هاولي في كتابه «استبداد شركات التكنولوجيا الكبرى»،2021، بقوله: «إن تلك الشركات تتبنى نموذج أعمال يسبب الإدمان... فالكثير من «الابتكارات» في هذا المجال مصمم ليس لخلق منتجات أفضل، بل لجذب المزيد من الاهتمام باستخدام الحيل النفسية التي تجعل الأمر إدمانا». ويعلق الكاتب الأمريكي توم هارتمان على ذلك بأن هذا الإدمان على الخوف والقلق يتم استغلاله لترويج الكراهية والعنف في المجتمعات ضاربا المثل بمنصة إكس الحالية، تويتر سابقا، قائلا «إن استيلاء إيلون ماسك، رجل الأعمال غير المسؤول قانونيا أمام الدولة أو الشعب، والذي له أهدافه الخاصة، على تلك المنصة حوّلها إلى مرحاض حقيقي، مليء بالكراهية والتعصب». وبذات القاعدة التي ذكرناها سابقا، وهي «عندما يقول الغرب انظروا شمالا فما علينا إلا أن ننظر يمينا». فأغلب التوقعات التي تغص بها وسائل الإعلام العالمية الرئيسية، وبنظرة متأنية، تعد من قبيل الاستهلاك الإعلامي «المقولب» والمتكرر، الذي تجعلنا وسائل التواصل مدمنين عليه. أما التوقعات الأقرب إلى التحقق فيكون معظمها تخطيطا وتدبيرا بليل، ومن ذلك توقعات عرافة مشهورة باندلاع حرب كبيرة قد لا تكون عالمية لكنها ستشمل دولا عدة، وظهور وباء جديد. لكن حتى هذه تظل جزءا بسيطا من المواجهة الحقيقية الأبدية بيننا نحن البشر وبين الشيطان وأوليائه من أعداء الإنسانية. ولو فرض أن أحدهم نظر من خارج الكوكب الأرضي الآن فإنه سيرى عالما مختل الموازين، متعدد الصراعات تتجاذبه قوتان رئيسيتان هما أمريكا ومن يحركونها وهي القوة الأكبر، وقوة أخرى تتألف من عدة أطراف، متباعدة مكانيا، يمكن تسميتها قوى رفض العولمة، سواء كانت تلك حركة حماس في غزة وحربها ضد رأس شيطان العولمة المسمى إسرائيل، أو كانت روسيا في حربها ضد «الغرب» في أوكرانيا، أو كانت الصين وحربها الاقتصادية ضد واشنطن، أو كانت مجموعة البريكس والتي تضم كثيرا من عناصر وقوى رفض العولمة. وهنا تجب الإشارة إلى وجود حركة رسمية تسمى «حركة مناهضة العولمة» تأسست فعليا للتنديد بمؤتمر مجموعة الثماني في سياتل عام 1999. وأيا كان تشرذم تلك القوى وضعف فاعليتها النسبي على المستوى الدولي، فإن ما حققه انتصار الثورة السورية، أيا كانت خلفياته، وحتى مآلاته على المدى القريب، سيُلهم شعوبا كثيرة شرقا وغربا، أملا في الخلاص من زيف العولمة. وسيكون الملمح الرئيسي للعام الجديد هو تلك المواجهة المنسية بين أعداء الإنسانية المتخفين وراء العولمة ومفرداتها، وبين القوى المدافعة عما تبقى من «إنسانية» البشر. وسيظل السؤال الكبير هو هل سيكون 2025 مطابقا لما سبقه من أعوام، أم سيكون عاما سعيدا بحق تكمل فيه جهود المدافعين عن الإنسانية مسيرة ما حققه انتصار الثورة السورية التي ستظل الإلهام الأهم لعام جديد سعيد.
390
| 01 يناير 2025
برغم كل ما قيل عن أسباب انهيار نظام الأسد "المفاجئ"، فقد يكون ذلك مفاجئا لكل من ليسوا في الدوائر القريبة من الحدث. لكن المؤكد أنه في مكان ما، أو أماكن بعينها، كان هناك من قرروا وخططوا لتنفيذ ذلك. وقد كشف ذلك صراحة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بحديثه للإعلام التركي عن ترتيبات تمت مع الروس والإيرانيين، وبالتأكيد مع الأمريكيين وغيرهم، وإن لم يصرح بذلك. عموما، سقوط الأسد بتلك الطريقة المدهشة في سرعتها، يرجح أن ما فعلته المعارضة كان حصاد ترتيبات تمت في عواصم عدة. ويؤكد تحقق نظريات وأفكار تقول إن انتصار طرف على عدو ما وتحقيق الأهداف لا يستدعي بالضرورة تحريك قواته الذاتية. وإذا كان سقوط الأسد عارٍ عن "المفاجأة"، فيجب أن نسأل: ولماذا صُور على هذا النحو ولمصلحة من؟ ونسأل أيضا: سواء كان الأمر مفاجأة أو تدبيرا بليل..هل تحررت سوريا حقا؟ وإلى متى؟ وهل ما حدث نهاية سعيدة أم بداية مفتوحة الاحتمالات؟ والإجابة عن هذه الأسئلة ستكشف أبعادا كثيرة في صورة المشهد الذي يحركه البعض بخيوط غير مرئية، ليس في سوريا فقط ولكن في المنطقة والعالم. يأتي ذلك في لحظة تشبه مفاصل تاريخية منها، الحربان العالميتان الأولى والثانية، عندما كان يتم هدم بقايا نظام عالمي قديم ورسم معالم نظام جديد على كل المستويات، السياسية والاقتصادية والمالية والتكنولوجية وحتى الاجتماعية، ناهيك عن الدينية. هنا يجب الانتباه إلى أن هذا التطور وقع تقريبا في "لمح البصر"، بعد أيام قليلة من "إعلان" فوز ترامب برئاسة جديدة في أمريكا. وهذا مفتاح قراءة المشهد. ومع عدم التقليل من دور قوات المعارضة على الأرض فالمؤكد أن انتصارها المباغت ذاك كانت وراءه اتفاقات وأضواء خضراء لها، وأخرى حمراء لآخرين. تلك الأضواء خرج بعضها، بالتأكيد، من "واشنطن ترامب" وبعضها من عواصم أخرى أهمها أنقرة وموسكو. لا أحد يستطيع القطع بشيء الآن، لكن النظرة العامة ترجح أن الحدث السوري جزء من إعادة رسم صورة المشهد العالمي برمته. البعض يبشر بشرق أوسط جديد. والبعض يتحدث عن سايكس-بيكو جديدة. والبعض يتحدث عن عالم جديد.. فترامب القادم من دكة الاحتياط التي لازمها أربع سنوات، يريد هو ومن وراءه تدشين نظام عالمي جديد، أساسه الصفقات. وبضاعته البشر. ومفرداته القوة الغاشمة والتكنولوجيا "المُفْسِدة"، والعملة الموحدة ومجتمع الشواذ والغياب الديني التام. وسيناريوهاته التخريب المستمر، امتدادا لسياسة "الفوضى الخلاقة". نظام يسارع الجميع إلى الانضمام إليه وإعلان الولاء لرمزه العائد ترامب، الذي قدم له زعماء نحو 40 دولة فروض الولاء والطاعة خلال إعادة افتتاح كنيسة "نوتردام" في باريس أخيرا، بحسب تصريح دبلوماسي أوروبي للكاتب الأمريكي توم ماكتاج. وقد اعتبر الدبلوماسي أن ذلك اللقاء كان تتويجا لترامب "امبراطورا" عالميا. نظام عالمي جديد تتصدر فيه المشهد دولة الكيان التي تقول الشواهد "الخادعة" إنها تتقدم بشكل حثيث نحو ذلك الهدف. وكل ذلك يتطلب فوضى أكبر كثيرا من كل ما شهده العالم حتى الآن. فوضى يختلط فيها الحابل بالنابل شرقا وغربا. فوضى لا تتحقق بوجود نظام، أي نظام، في سوريا أو غيرها، ولا حتى أوروبا. وفي ضوء ما شهدته سوريا في الأيام الماضية من مظاهرات "فئوية" مفضوحة التوجيه والأهداف فلا شك أن القادم سيشهد فراغات سياسية، سيتم خلقها "تدريجيا"، هنا وهناك، ورأينا لها أمثلة معاصرة، وشهدنا نتائجها الكارثية على الجميع. وسيتم ضمن ذلك استمرار تنفيذ مؤامرات "تقسيم المقسم وتفتيت المفتت". وكل يتداعى على المنطقة "تداعي الأكلة إلى قصعتها". فالذين قسموا الخريطة الليبية إلى شرق وغرب، ونفذوا تقسيمات "عملية" مماثلة في دول أخرى، سيحاولون جعل المشهد السوري أكثر تشرذما وتمزيقا. وهذا سيتطلب تأجيج مطالب واتهامات، أكثرها افترائية، وخلافات، بعضها وهمية، وصراعات، أخطرها طائفية. والغريب أن أعداء الإنسانية لم يتأخروا في التصريح بذلك على لسان وزير خارجية الكيان بقوله إن "التفكير في دولة سورية واحدة مع سيطرة فعّالة وسيادة على كل مساحتها أمر غير واقعي"، مضيفا أن "المنطق هو السعي لحكم ذاتي للأقليات في سوريا". وعزز ذلك تصريح لبلينكن عن ضرورة "حماية حقوق الأقليات". هل يعني ذلك أن أعداء الإنسانية سيبلغون أهدافهم؟ بالطبع هذا متروك للأيام لتكشفه. والتاريخ مليء بنماذج لكل الاحتمالات، رأينا الأسوأ منها في السنوات الأخيرة. لكن هناك أمثلة على إحباط مثل تلك المؤامرات، منها موقف الزعيم الوطني السوري فارس الخوري "المسيحي"، (1877-1962)، الذي خطب على منبر الجامع الأموي عام 1920، قائلا: "إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سوريا لحماية المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي من هذا المنبر، أشهد أن لا إله إلا الله." وهناك القمص سرجيوس الذي يسمى خطيب ثورة 1919 في مصر، وخطب بدوره على منبر الأزهر، في عصر دشن شعار "يحيا الهلال مع الصليب". ومكرم عبيد (باشا) الذي كان محاميا يترافع بالقرآن. وجود مثل هؤلاء من عدمه سيحدد ما إذا كان سقوط الأسد نهاية سعيدة أم بداية مجهولة المآلات في لحظة تاريخية تختلط فيها عناصر ومفردات السياسي والاقتصادي بعناصر ومفردات الديني والتراثي. إنها لحظة "هشة" يمكن فيها للشيطان الذي خرج بقناع "الأسد" أن يُعيد ذئابه بأقنعةأخرىكثيرة.
498
| 25 ديسمبر 2024
«لا أريد أمة من المفكرين، بل أمة من العمال»، هذه المقولة الموثقة لـ جون د. روكفلر، -1839 1937، تفسر الحقيقة المظلمة للنظام التعليمي الذي أسسه في الولايات المتحدة ثم انتشر كالوباء في معظم الدول. في أوائل القرن العشرين، أنفق روكفلر، وآخرون منهم، الصناعي أندرو كارنيجي، أموالا ضخمة في أعمال «خيرية»، في مجال التعليم، وصولا لإنشاء مجلس التعليم العام (GEB ) في عام 1902. ظاهريا، بدا هذا وكأنه عمل خيري. كانت رغبة روكفلر المعلنة هي تحسين النظام التعليمي، لكن النتائج كشفت الوجه الشرير وراء ذلك. فقد فرض ذلك المجلس نموذجا موحدا للتعليم على الجميع، حمل معه أجندة خفية- لتشكيل قوة عاملة متعلمة، لكن بمواصفات خاصة، تكفي فقط لتشغيل المصانع وخدمة مصالح الصناعيين. كتاب «صدمة المستقبل»، 1970، لعالم المستقبليات الراحل ألفين توفلر، الذي التقيته عام 1999 في عاصمة خليجية، وصف نموذج «المصنع» في التعليم، الذي أسسه روكفلر، بقوله: «إن نموذج التعليم الأمريكي المنتشر حول العالم تم نسخه من النموذج البروسي في القرن 18، وصُمم لتفريخ رعايا وعمال مصانع مطيعين. وفي هذا النظام، المقرر الحقيقي ليس القراءة والكتابة، ولكن الالتزام بالمواعيد، والطاعة، والعمل المتكرر، لتخريج عبيد بالحد الأدنى من التعليم الذي يتطلبه تطور الصناعة»، وكلما تطورت الصناعة تطور «نوع» عبيد النظام التعليمي، ليحل «عبيد المصانع والمكاتب» محل «عبيد المنزل والحقل». * في عام 1914، أعربت جمعية التعليم الوطنية عن انزعاجها من ذلك التوجه بالقول: «نحن ننظر بقلق إلى نشاط مؤسستي كارنيجي وروكفلر، في جهودهما للسيطرة على سياسات مؤسساتنا التعليمية الحكومية، وإحاطتها بظروف تهدد الحرية الأكاديمية وتقوض أساس الديمقراطية، بينما هما غير محاسبتين أمام الشعب». وبعد ذلك بنحو مائة عام وفي 2019، أصدر «مجلس اعتماد شهادات التعليم العالي» الأمريكي تقريرا أكد انتشار الفساد في التعليم العالي في كل دول العالم تقريبا»، وتغلغله في هيئات التدريس وأنظمة قبول الطلاب، والمناهج، وخاصة مع انتشار فروع الجامعات العالمية في معظم دول العالم. ودعا لضرورة محاربته. وفي مقال بعنوان «أمة من العمال: كيف يعمل التعليم العام على جعل قوة العمل لدينا غبية»، 2016، يؤكد الاقتصادي الأمريكي كين ماكيلروي، تطبيق أعداء الإنسانية مقولة «المواطنون الأذكياء يصعب حكمهم» بحذافيرها واستغلالهم النظام التعليمي لإبقاء الجماهير «أغبياء»، مضيفا أن التعليم في أمريكا تحول من نظام ينشر المعرفة إلى نظام يستخدم تقنيات تعديل السلوك للتأثير على الأجيال لإنشاء أمة تعمل فقط ولا تفكر، لأنه كلما قل تعليمهم، كلما سهُلت السيطرة عليهم. بدروه وفي سلسلة مقالات بمجلة «سايكولوجي توداي»، 2008، تحدث الباحث بيتر جراي، عن تسبب النظام التعليمي في قتل إرادة التعلم في نفوس النشء، وتعمده غسل أدمغة البشر ليصبحوا مستهلكين بلا عقل. وهو ما يجعل نسب التسرب من التعليم في الولايات المتحدة من الأكبر في العالم. وفي كتاب (الجيل الأغبى: كيف جعل العصر الرقمي الشبان الأميركيين أغبياء)، 2008، يعرض مارك باورلين، (جامعة إيموري)، حقائق مفزعة عن الجهل الذي يصيب الأجيال الجديدة من خريجي النظام التعليمي الأمريكي، ويكشف كيف أصبح جيل كامل من الشباب أغبياء بسبب نفورهم من قراءة أي شيء ذي قيمة وإدمانهم على «القمامة» الرقمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أتبع كتابه ذاك بآخر بعنوان «الجيل الأغبى يكبُر» 2022، ليؤكد تنبؤاته، مشيرا إلى أن أبناء ذاك الجيل لم يحققوا ذاتهم عمليا أو أسريا وباتوا ميالين للانتحار. * الأمر ذاته يقرره ج. إدوارد جريفين صاحب كتاب «مخلوق جزيرة جيكل: نظرة ثانية على بنك الاحتياطي الفيدرالي»، بقوله: لا الحكومة تخدم الشعب ولا المدارس تعلم الطلاب.. النظام التعليمي يعلم الأطفال خدمة الحكومة التي اتسعت وتغولت، بزعم خدمة الشعب، لكنها لم تعد تؤدي هذا الدور». أما زميله جون تايلور جاتو الذي قضى أكثر من 30 عاما في التعليم، ثم وضع عدة كتب في رفض النظام التعليمي منها «ضد المدرسة» 2001، فقد استقال عام 1991 قائلا إنه لم يعد يريد «إيذاء الأطفال (بالتدريس) لكسب المال». وقال إن النظام يعلم النشء أشياء لن يحتاجها أبدا، واصفا التعليم العام بأنه وسيلة لغسل العقول «لإبقاء الأطفال أطفالا» بحيث تسهل السيطرة عليهم. * وفي كتاب «المدارس الفاسدة والجامعات الفاسدة: ما الذي يمكن عمله؟» يقول جاك حلاق ومورييل بواسون إن الفساد في التعليم انتشر في كل القطاعات، من التخطيط والإدارة التعليمية، وتمويل المدارس، والتوظيف وبناء المدارس، إلى توفير وتوزيع المعدات والكتب المدرسية، والقبول في الجامعات. وخلصت ورقة بحثية أعدتها الباحثة الجزائرية أمال شوتري 2023، إلى أن الفساد يستشري حتى في أعرق الجامعات. وبعد تحليلها تقريرا لمنظمة الشفافية الدولية يوثق عمق الفساد، قالت: «..وهذا يعني انهيارا كليا لمنظومة القيم في العالم، بعدما «تحولت الجامعات إلى مؤسسات ربحية تعتاش على بيع براءات الاختراع والتراخيص». وهذا ما دفع الكاتب البريطاني تيري إيجلتون للقول في مقال، أغسطس 2023، «لقد حان الوقت لإلغاء الجامعة، فلنتوقف عن التظاهر بأن الدراسة الأكاديمية تستحق العناء». كان ذلك عن إفساد النظام، أما عن إفساد المناهج فحدث ولا حرج. وقد لاحظ كثيرون في عالمنا العربي والإسلامي تدخلات القوى الدولية فيها بوتيرة متزايدة، وهو ما سنناقشه لاحقا. أخيرا، تقول الحكمة المأثورة: إن إفساد التعليم يفسد الحياة كلها، وهذا بالضبط هو الحصاد المر لما سميته سابقا «تخطيط الشيطان للمستقبل».
894
| 12 ديسمبر 2024
لا تزال في بلاد الإسلام رحمة لا يمكن إنكارها، مهما ساءت الأمور، ولا تزال في بلاد الكفر قسوة لا يمكن إغفالها مهما ظن الناس العكس». فلا تزال بلاد الإسلام تعمل على مستويات عدة، حتى في العُرف المُجتمعي، بقوانين الوحي الإلهي وإن صاحبها بعض القوانين الوضعية. أما في البلاد الأخرى، فالأمر موكول للقوانين الوضعية التي لا تنتج إلا «ديكتاتوريات بحكم القانون». والمدقق في القوانين الغربية سيجد أن أكثرها وضعه أشخاص لهم عقلية المجرمين، أرادوا صناعة الجريمة وتقنينها، على طريق صناعة الكفر (انظر مقال: الفلاسفة ترزية أفكار). ويكفي أن نعرف أن كثيرا من القوانين الغربية الحالية وراءها جيرمي بنثام، الذي يعدونه فيلسوفا، وهو في ميزان الحق مجرم بمعنى الكلمة، إذ إن كتاباته في فلسفة القانون نادت بإباحة الشذوذ، وإطلاق الحريات، وإلغاء الدين، وأسست مذهب «النفعية». وفوق ذلك فهو واضع فكرة «البانوبتيكون»، (سجن كبير كثيف المراقبة)، التي بلورها جورج أورويل لاحقا بـ»الأخ الكبير» في «1984». كما أن مونتيسكيو صاحب «روح القوانين»، الذي يعد «الكتاب المقدس» لما يسمى الديمقراطيات الحديثة، كان من أكبر داعمي اليهود، وعبأ كتابه ذاك بمدحهم، واعتبرهم أساس الرأسمالية الحديثة كونهم «حرروا التجارة من سلطة السياسة والدين». ويكشف أرنولد إيجيز اليهودي الكندي في كتابه «مونتيسكيو واليهود»، «الروح اليهودية» لدى مونتيسكيو كونه نشأ في حي لليهود وتزوج من بروتستانتية. وقد أكدت الوقائع التاريخية ما أثبته أعداء الإنسانية بأنفسهم، في مدوناتهم، من أنهم هم الذين ابتدعوا الفلسفة، التي أنتجت أغلب قوانين العالم الحديث، وأن كل الفلاسفة ومن سار سيرهم تابع لهم، إما برابطة الدم أو النسب أو بالولاء. فكمن يصنع التمثال ثم يعبده، صنعوا الفلسفة والفلاسفة، وبهم صنعوا القوانين ثم عبدوها. كما إن تتبع آثار معظم القوانين المطبقة عالميا يُظهر أن من وضعوا تلك القوانين لم يريدوا من ورائها إلا عكس المُعلن. ففي السنوات الأخيرة تبين لكل عاقل أن مواثيق (قوانين) الأمم المتحدة الاقتصادية تهدم الدول وأن قوانينها الصحية تهدم صحة البشر، وأن قوانينها الإنسانية تهدم العلاقات الاجتماعية وتشرد الأسر، وأن قوانينها الثقافية تهدم عقولهم ونفوسهم. وتحدثنا سابقا عن الفساد في قوانين صناعة الدواء والغذاء، وحماية البيئة. وهكذا، فكل قوانينهم مجرد شعارات يغيب عنها العدل، وتطبق على العامة دون الخاصة. ولذلك فهي «تقنن الظلم» وتخلق مجرمين عن عمد وليس مصادفة. وينعكس ذلك بوضوح في مؤشر معدلات الجريمة في العالم الذي يضع دولا عربية كثيرة، أولها قطر، بين الأفضل عالميا، بينما دول كبرى مثل الولايات المتحدة تقبع عند مستويات عالية من الجريمة، وخاصة العنيفة منها. لدرجة أن مقالا بمجلة الإيكونوميست، فبراير 2012، اعتبر أن قانون العقوبات الأمريكي يمثل بحد ذاته جريمة ضد الإنسانية، مشيرا إلى العنصرية الكامنة فيه، إذ يتجاوز عدد السود الملاحقين بموجبه، (أكثر من 6 ملايين بين سجين أو مراقب)، كل الأفارقة الذين تم استعبادهم في ذروة عصر الرق، خمسينيات القرن الـ 19. وقد يبدو، لمن يفكر داخل الصندوق، أن تلك القوانين «المغرضة» أحدثت تأثيرا عكسيا. لكنها في الواقع، وبنظرة أعمق، حققت بالضبط ما أراده أعداء الإنسانية، من إفساد عام، تحت شعارات الحرية الزائفة ورفاهية كروت الائتمان السرابية. وفي ذلك يقول ألآن تورين، عالم الاجتماع الفرنسي، إن «المواطن الغربي بلغ أقصى درجات الحرية وبلغ، في الوقت ذاته، أقصى درجات العبودية، مع تحول الكماليات إلى احتياجات وضرورات في ظل القوانين الصارمة والمراقبة شبه الدائمة تحت حكم الشركات الكبرى للعالم». وللمؤرخ البريطاني بيري أندرسون مقال مهم في دورية «اليسار الجديد»، خريف 2023، يرفض فيه ما يسمى القانون الدولي ويصفه بـ»قانون الأقوياء» الدولي، مذكرا بقول نيتشه: «القانون ما هو إلا تعبير عن رغبات الأقوياء». ورغم قول المشتغلين بالقانون إن «الشيطان يسكن في التفاصيل»، فالأدق أن «الشيطان يسكن في القوانين» ذاتها وليس التفاصيل. فالقوانين بطبيعتها قيود وعندما تساء صياغتها وتطبيقها، عن عمد، تصبح أدوات شيطانية لصناعة الظلم.
603
| 04 ديسمبر 2024
مرة أخرى مع ما اعتبره جرائم فكرية، شوهت الفكر العربي الإسلامي، ارتكبها «مفكرون» ومؤرخون سواء عن قصد أو بغير قصد. وهنا يجب التفريق بين مسارين من التشويه، الأول، ذاك الذي أُدخل على الدين من فقه ومعاملات، وهذا مساق آخر، والثاني الذي نحن بصدده، هو ما جلبه علينا المفكرون «المصلحون» بدعوى إصلاح العقل العربي. وضربنا أمثلة على ذلك، سابقا، بجرائم فكرية ارتكبها «بعض» هؤلاء. لكن هناك جرائم فكرية أخرى يشارك فيها الجميع تقريبا، وتتسبب في تخريب مخيلة وعقلية الشعوب العربية والإسلامية، وهي أكثر من أن تحصى، لذلك سنتوقف مع أشهرها في السطور التالية. من أعجب الكذبات السياسية التي تمثل جرائم فكرية مقولة إن الدولة العثمانية شاركت في الحرب العالمية الأولى، وهي جريمة توارثتها الأجيال، وكانت تدرس في المدارس الابتدائية، ولاتزال. والحقيقة أن الدولة العثمانية وقت اندلاع الحرب «المفتعلة»، 1914، كانت مجرد جثمان ميت، أو طربوش ارتداه مجرمو الاتحاد والترقي لتنفيذ مخطط أسيادهم وحلفائهم الذين أوصلوهم إلى السلطة الفعلية في الأستانة آنذاك. ورغم أن كثيرين يعرفون هذه الحقيقة فإن عددا كبيرا من الأسماء الكبيرة في عالم السياسة والتأريخ، لا تزال تقع في هذا الخطأ، نتيجة كثرة ترديد الكذبة، ليكونوا من ضحايا نظرية «اكذب واكذب حتى يصدقك الناس». ولا يخفى طبعا أن تلك الكذبة حققت لأعداء الإنسانية أهدافا عدة أولها التغطية على مؤامرتهم الدنيئة في هدم وتحطيم الخلافة والامبراطورية الإسلامية، وثانيها، التظاهر بالانتصار على امبراطورية كبرى، وثالثها، هدم الروح المعنوية لشعوب هذه الامبراطورية، وقد كان. وشبيه بهذه مقولة إن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت حركات «تحرر» من «الاستعمار» حول العالم. وهذه كذبة استغلها الاحتلال لخداع شعوب كثيرة وإبقائها تحت سيطرته بينما هو لم يغير إلا قناعة الذي يحكم به. وكان الهدف الأكبر منها حشر ما تسمى إسرائيل ضمن تلك الحركات المزعومة. ومن أهم تلك الجرائم حالة التسليم العام، تقريبا، التي يبديها معظم المتكلمين والمؤرخين، بأن ما فعله مارتن لوثر وجون كالفن، كان عملية «إصلاح» للديانة المسيحية. والحقيقة أن ما حدث كان، فعليا، عملية «تضبيط» للمسيحية على مقاس العقل اليهودي. وبمعنى آخر كانت تلك تكملة لعملية تخريب متعمدة وممتدة للمسيحية لصالح الفكر الصيهوماسوني الذي سيتمكن بذلك من السيطرة على الجسم المسيحي، وخاصة أمريكا، التي سيدخلها الغزاة البيوريتان (اليهود المتخفون) رافعين التوراة ومطلقين عليها اسم إسرائيل الجديدة. وهنا أذكِّر بمقولة مفكرنا الراحل مالك بن نبي بأن اليهود كانوا عقل أوروبا وروحها، والتي نجد لها شروحا في كتابات مفكرين مثل كيث وايتلام وكتابه (اختلاق إسرائيل)، وألبير لوندر وكتابه «اليهودي التائه وصل»، وكذلك كتاب د. رمسيس عوض «شكسبير واليهود». ومن ذلك أيضا مقولة إن الصهيونية نشأت أواخر القرن ال19 مع هيرتزل، مع أن أصولها تمتد بامتداد التاريخ اليهودي كله. ويرتبط بذلك قول كثيرين إن الذين أسسوا الصهيونية هم المسيحيون وليس اليهود، متناسين أولا، أن اليهود اخترقوا المسيحية منذ القدم كما أوضحنا سابقا، وثانيا، أن كل من عمل على تأسيس الصهيونية ودعوا إلى احتلال فلسطين وجعلها وطنا لليهود، في العصر الحديث، كانوا من البروتستانت والبيوريتان والماسون والنورانيين وجميعهم، في النهاية، تنظيم واحد بأطراف متعددة. تنظيم سيطر عليه العقل اليهودي الذي تعمد قطع العقل الأوروبي عن تراثه، وأراد لنا نحن أيضا أن ننقطع عن تراثنا واستخدم في ذلك كل أساليب التشويه والترهيب والترغيب محاولا طمس حقيقة أن الإسلام مشروع متكامل للحياة والنماء والتفوق. ويدخل هنا تلقائيا ما يسمى الصراع بين الإسلام والغرب. والحقيقة أن التعميم في كلمة الغرب جريمة مقصودة وراءها أعداء الإنسانية الذين تمترسوا وراء الشعوب الغربية، كما كان الحال على مدى القرون الماضية، وساقوها سوقا لمحاربة الإسلام. ومن ذلك أيضا، الاستمرار في التعامل مع ما يسمى «النظريات السياسية» وكأنها شيء حقيقي وله وزن، بينما هي مجرد عملية إلهاء وتشتيت كبرى على طريقة «بص العصفورة»، (انظر مقال، أيها السادة، انتبهوا، العالم يرجع للخلف!) وبالإضافة إلى ذلك كثير من المصطلحات الرنانة الجوفاء مثل الحرية والديمقراطية والعدالة والحضارة التي يقال إنها موجودة في «الغرب» وليس في مكان آخر، مع أن الغرب منها خواء. ولتوضيح خطورة حجم هذه الجرائم الفكرية، أقول إن أيا منها لا تقل خطورة، مثلا، عن الكذبة الكبرى التي اخترعها أعداء الإنسانية من أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب. فهذه وهاته، وتلك، كلها خرجت من فم شيطان واحد.
552
| 27 نوفمبر 2024
مساحة إعلانية
 
        نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6639
| 27 أكتوبر 2025
 
        في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6495
| 24 أكتوبر 2025
 
        المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2694
| 28 أكتوبر 2025
 
        كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...
2088
| 30 أكتوبر 2025
 
        جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1701
| 26 أكتوبر 2025
 
        على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1506
| 27 أكتوبر 2025
 
        النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1074
| 24 أكتوبر 2025
 
        لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
1020
| 27 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...
1011
| 29 أكتوبر 2025
 
        في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
1011
| 24 أكتوبر 2025
 
        “أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
966
| 27 أكتوبر 2025
 
        نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...
882
| 30 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
