رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

«الإلهام السوري» أمل العام الجديد

مؤكد أن العام الجديد 2025، الذي بدأ قبل ساعات قليلة، سيكون مليئا بأحداث أكثر خطورة وأهمية مما سبق، على الأقل، بحكم السياق الزمني. لكن أحسب أن أخطر تلك الأحداث سيكون كما كان دائما، هو صراع الشعوب ضد أعداء الإنسانية، من الصهاينة وغيرهم، الساعين لإحكام السيطرة على مقدرات العالم، متخفين برداء العولمة، من خلال سعيهم المتواصل لاستشراف أي فرصة تنبؤهم بالمستقبل، وتمنحهم قدرات إلهية لم يتوقفوا يوما عن البحث عنها، بوسائل عدة، مثل البحث عن سر الروح. ومن أحدثها دراسة ما يسمونه عدم اليقين الجذري أو «المجهول الشارد»، الذي صدرت بشأنه كتب حديثة، منها كتاب بنفس العنوان لمؤلفيه جون كاي وميرفين كينج. ويعني المصطلح استطلاع المستقبل، ليس وفق معطيات أو أرقام متوافرة، ولكن وفق ما يمكن تسميته رغبات وأطماع جامحة، في عملية أقرب إلى التنجيم والسحر منها إلى العلم. وقد كان هذا دأبهم منذ قرون، إذ إن أغلب مفكريهم وفلاسفتهم كانوا يشتغلون بعبادة الشيطان والسحر والشعوذة ومنهم كارل ماركس، بحسب كتاب ريتشارد فورمبراند «ماركس والشيطان» 1986، وغيره كثير سنعود إليهم لاحقا. وقد امتلأت مواقع الإنترنت والصحف العالمية، طوال الشهر الماضي، بتوقعات كثيرة للعام 2025، وكان محركها الأهم هو عودة ترامب إلى البيت الأبيض رئيسا، ومع عدم إعطاء أي قيمة حقيقية لنتائج ما يسمى استطلاعات الرأي، التي يتم التلاعب بها وتصميمها من الأساس لإعطاء نتائج محددة سلفا، فإن من المفيد الاطلاع على بعض تلك النتائج. ومن ذلك استطلاع عالمي نظمه معهد «ابسوس» الفرنسي في 33 دولة حول العالم. وقد جاء بنتائج متضاربة، أستغرب كيف، إذ أفاد بأنه رغم تفاؤل أغلبية كبيرة بالعام الجديد فإن هناك نسبة كبيرة ترجح استمرار الصراعات، وارتفاع الأسعار والضرائب. كما عكس الاستطلاع تشاؤما أكبر في أوروبا عن بقية العالم إزاء الأوضاع الاقتصادية. وأظهر أن نسبة كبيرة متخوفة إزاء تكنولوجيا الذكاء الصناعي، ووسائل التواصل الاجتماعي. وبخصوص العنصرين الأخيرين فمن الخطأ تصور أن ساحات المواجهة مع أعداء الإنسانية تبتعد عنهما كثيرا. ففي مقال حديث في «نيويورك تايمز» يحذر عالم السياسة الأمريكي كورت جراي من أن أعداء الإنسانية يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، وتلقائيا الذكاء الصناعي، فعليا مثل المخدرات لزرع الخوف والقلق والغضب في نفوس الناس من خلال خوارزميات الإنترنت. ويقول إن البشر، في هذا العصر، تحولوا إلى «فرائس» وليس صيادين. وهذا ما يؤكده السيناتور جوش هاولي في كتابه «استبداد شركات التكنولوجيا الكبرى»،2021، بقوله: «إن تلك الشركات تتبنى نموذج أعمال يسبب الإدمان... فالكثير من «الابتكارات» في هذا المجال مصمم ليس لخلق منتجات أفضل، بل لجذب المزيد من الاهتمام باستخدام الحيل النفسية التي تجعل الأمر إدمانا». ويعلق الكاتب الأمريكي توم هارتمان على ذلك بأن هذا الإدمان على الخوف والقلق يتم استغلاله لترويج الكراهية والعنف في المجتمعات ضاربا المثل بمنصة إكس الحالية، تويتر سابقا، قائلا «إن استيلاء إيلون ماسك، رجل الأعمال غير المسؤول قانونيا أمام الدولة أو الشعب، والذي له أهدافه الخاصة، على تلك المنصة حوّلها إلى مرحاض حقيقي، مليء بالكراهية والتعصب». وبذات القاعدة التي ذكرناها سابقا، وهي «عندما يقول الغرب انظروا شمالا فما علينا إلا أن ننظر يمينا». فأغلب التوقعات التي تغص بها وسائل الإعلام العالمية الرئيسية، وبنظرة متأنية، تعد من قبيل الاستهلاك الإعلامي «المقولب» والمتكرر، الذي تجعلنا وسائل التواصل مدمنين عليه. أما التوقعات الأقرب إلى التحقق فيكون معظمها تخطيطا وتدبيرا بليل، ومن ذلك توقعات عرافة مشهورة باندلاع حرب كبيرة قد لا تكون عالمية لكنها ستشمل دولا عدة، وظهور وباء جديد. لكن حتى هذه تظل جزءا بسيطا من المواجهة الحقيقية الأبدية بيننا نحن البشر وبين الشيطان وأوليائه من أعداء الإنسانية. ولو فرض أن أحدهم نظر من خارج الكوكب الأرضي الآن فإنه سيرى عالما مختل الموازين، متعدد الصراعات تتجاذبه قوتان رئيسيتان هما أمريكا ومن يحركونها وهي القوة الأكبر، وقوة أخرى تتألف من عدة أطراف، متباعدة مكانيا، يمكن تسميتها قوى رفض العولمة، سواء كانت تلك حركة حماس في غزة وحربها ضد رأس شيطان العولمة المسمى إسرائيل، أو كانت روسيا في حربها ضد «الغرب» في أوكرانيا، أو كانت الصين وحربها الاقتصادية ضد واشنطن، أو كانت مجموعة البريكس والتي تضم كثيرا من عناصر وقوى رفض العولمة. وهنا تجب الإشارة إلى وجود حركة رسمية تسمى «حركة مناهضة العولمة» تأسست فعليا للتنديد بمؤتمر مجموعة الثماني في سياتل عام 1999. وأيا كان تشرذم تلك القوى وضعف فاعليتها النسبي على المستوى الدولي، فإن ما حققه انتصار الثورة السورية، أيا كانت خلفياته، وحتى مآلاته على المدى القريب، سيُلهم شعوبا كثيرة شرقا وغربا، أملا في الخلاص من زيف العولمة. وسيكون الملمح الرئيسي للعام الجديد هو تلك المواجهة المنسية بين أعداء الإنسانية المتخفين وراء العولمة ومفرداتها، وبين القوى المدافعة عما تبقى من «إنسانية» البشر. وسيظل السؤال الكبير هو هل سيكون 2025 مطابقا لما سبقه من أعوام، أم سيكون عاما سعيدا بحق تكمل فيه جهود المدافعين عن الإنسانية مسيرة ما حققه انتصار الثورة السورية التي ستظل الإلهام الأهم لعام جديد سعيد.

426

| 01 يناير 2025

سوريا.. هرب "الأسد" فلنحذر "الذئاب"!

برغم كل ما قيل عن أسباب انهيار نظام الأسد "المفاجئ"، فقد يكون ذلك مفاجئا لكل من ليسوا في الدوائر القريبة من الحدث. لكن المؤكد أنه في مكان ما، أو أماكن بعينها، كان هناك من قرروا وخططوا لتنفيذ ذلك. وقد كشف ذلك صراحة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بحديثه للإعلام التركي عن ترتيبات تمت مع الروس والإيرانيين، وبالتأكيد مع الأمريكيين وغيرهم، وإن لم يصرح بذلك. عموما، سقوط الأسد بتلك الطريقة المدهشة في سرعتها، يرجح أن ما فعلته المعارضة كان حصاد ترتيبات تمت في عواصم عدة. ويؤكد تحقق نظريات وأفكار تقول إن انتصار طرف على عدو ما وتحقيق الأهداف لا يستدعي بالضرورة تحريك قواته الذاتية. وإذا كان سقوط الأسد عارٍ عن "المفاجأة"، فيجب أن نسأل: ولماذا صُور على هذا النحو ولمصلحة من؟ ونسأل أيضا: سواء كان الأمر مفاجأة أو تدبيرا بليل..هل تحررت سوريا حقا؟ وإلى متى؟ وهل ما حدث نهاية سعيدة أم بداية مفتوحة الاحتمالات؟ والإجابة عن هذه الأسئلة ستكشف أبعادا كثيرة في صورة المشهد الذي يحركه البعض بخيوط غير مرئية، ليس في سوريا فقط ولكن في المنطقة والعالم. يأتي ذلك في لحظة تشبه مفاصل تاريخية منها، الحربان العالميتان الأولى والثانية، عندما كان يتم هدم بقايا نظام عالمي قديم ورسم معالم نظام جديد على كل المستويات، السياسية والاقتصادية والمالية والتكنولوجية وحتى الاجتماعية، ناهيك عن الدينية. هنا يجب الانتباه إلى أن هذا التطور وقع تقريبا في "لمح البصر"، بعد أيام قليلة من "إعلان" فوز ترامب برئاسة جديدة في أمريكا. وهذا مفتاح قراءة المشهد. ومع عدم التقليل من دور قوات المعارضة على الأرض فالمؤكد أن انتصارها المباغت ذاك كانت وراءه اتفاقات وأضواء خضراء لها، وأخرى حمراء لآخرين. تلك الأضواء خرج بعضها، بالتأكيد، من "واشنطن ترامب" وبعضها من عواصم أخرى أهمها أنقرة وموسكو. لا أحد يستطيع القطع بشيء الآن، لكن النظرة العامة ترجح أن الحدث السوري جزء من إعادة رسم صورة المشهد العالمي برمته. البعض يبشر بشرق أوسط جديد. والبعض يتحدث عن سايكس-بيكو جديدة. والبعض يتحدث عن عالم جديد.. فترامب القادم من دكة الاحتياط التي لازمها أربع سنوات، يريد هو ومن وراءه تدشين نظام عالمي جديد، أساسه الصفقات. وبضاعته البشر. ومفرداته القوة الغاشمة والتكنولوجيا "المُفْسِدة"، والعملة الموحدة ومجتمع الشواذ والغياب الديني التام. وسيناريوهاته التخريب المستمر، امتدادا لسياسة "الفوضى الخلاقة". نظام يسارع الجميع إلى الانضمام إليه وإعلان الولاء لرمزه العائد ترامب، الذي قدم له زعماء نحو 40 دولة فروض الولاء والطاعة خلال إعادة افتتاح كنيسة "نوتردام" في باريس أخيرا، بحسب تصريح دبلوماسي أوروبي للكاتب الأمريكي توم ماكتاج. وقد اعتبر الدبلوماسي أن ذلك اللقاء كان تتويجا لترامب "امبراطورا" عالميا. نظام عالمي جديد تتصدر فيه المشهد دولة الكيان التي تقول الشواهد "الخادعة" إنها تتقدم بشكل حثيث نحو ذلك الهدف. وكل ذلك يتطلب فوضى أكبر كثيرا من كل ما شهده العالم حتى الآن. فوضى يختلط فيها الحابل بالنابل شرقا وغربا. فوضى لا تتحقق بوجود نظام، أي نظام، في سوريا أو غيرها، ولا حتى أوروبا. وفي ضوء ما شهدته سوريا في الأيام الماضية من مظاهرات "فئوية" مفضوحة التوجيه والأهداف فلا شك أن القادم سيشهد فراغات سياسية، سيتم خلقها "تدريجيا"، هنا وهناك، ورأينا لها أمثلة معاصرة، وشهدنا نتائجها الكارثية على الجميع. وسيتم ضمن ذلك استمرار تنفيذ مؤامرات "تقسيم المقسم وتفتيت المفتت". وكل يتداعى على المنطقة "تداعي الأكلة إلى قصعتها". فالذين قسموا الخريطة الليبية إلى شرق وغرب، ونفذوا تقسيمات "عملية" مماثلة في دول أخرى، سيحاولون جعل المشهد السوري أكثر تشرذما وتمزيقا. وهذا سيتطلب تأجيج مطالب واتهامات، أكثرها افترائية، وخلافات، بعضها وهمية، وصراعات، أخطرها طائفية. والغريب أن أعداء الإنسانية لم يتأخروا في التصريح بذلك على لسان وزير خارجية الكيان بقوله إن "التفكير في دولة سورية واحدة مع سيطرة فعّالة وسيادة على كل مساحتها أمر غير واقعي"، مضيفا أن "المنطق هو السعي لحكم ذاتي للأقليات في سوريا". وعزز ذلك تصريح لبلينكن عن ضرورة "حماية حقوق الأقليات". هل يعني ذلك أن أعداء الإنسانية سيبلغون أهدافهم؟ بالطبع هذا متروك للأيام لتكشفه. والتاريخ مليء بنماذج لكل الاحتمالات، رأينا الأسوأ منها في السنوات الأخيرة. لكن هناك أمثلة على إحباط مثل تلك المؤامرات، منها موقف الزعيم الوطني السوري فارس الخوري "المسيحي"، (1877-1962)، الذي خطب على منبر الجامع الأموي عام 1920، قائلا: "إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سوريا لحماية المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي من هذا المنبر، أشهد أن لا إله إلا الله." وهناك القمص سرجيوس الذي يسمى خطيب ثورة 1919 في مصر، وخطب بدوره على منبر الأزهر، في عصر دشن شعار "يحيا الهلال مع الصليب". ومكرم عبيد (باشا) الذي كان محاميا يترافع بالقرآن. وجود مثل هؤلاء من عدمه سيحدد ما إذا كان سقوط الأسد نهاية سعيدة أم بداية مجهولة المآلات في لحظة تاريخية تختلط فيها عناصر ومفردات السياسي والاقتصادي بعناصر ومفردات الديني والتراثي. إنها لحظة "هشة" يمكن فيها للشيطان الذي خرج بقناع "الأسد" أن يُعيد ذئابه بأقنعةأخرىكثيرة.

561

| 25 ديسمبر 2024

إفساد التعليم.. عبيد المصانع والمكاتب محل عبيد المنزل والحقل!

«لا أريد أمة من المفكرين، بل أمة من العمال»، هذه المقولة الموثقة لـ جون د. روكفلر، -1839 1937، تفسر الحقيقة المظلمة للنظام التعليمي الذي أسسه في الولايات المتحدة ثم انتشر كالوباء في معظم الدول. في أوائل القرن العشرين، أنفق روكفلر، وآخرون منهم، الصناعي أندرو كارنيجي، أموالا ضخمة في أعمال «خيرية»، في مجال التعليم، وصولا لإنشاء مجلس التعليم العام (GEB ) في عام 1902. ظاهريا، بدا هذا وكأنه عمل خيري. كانت رغبة روكفلر المعلنة هي تحسين النظام التعليمي، لكن النتائج كشفت الوجه الشرير وراء ذلك. فقد فرض ذلك المجلس نموذجا موحدا للتعليم على الجميع، حمل معه أجندة خفية- لتشكيل قوة عاملة متعلمة، لكن بمواصفات خاصة، تكفي فقط لتشغيل المصانع وخدمة مصالح الصناعيين. كتاب «صدمة المستقبل»، 1970، لعالم المستقبليات الراحل ألفين توفلر، الذي التقيته عام 1999 في عاصمة خليجية، وصف نموذج «المصنع» في التعليم، الذي أسسه روكفلر، بقوله: «إن نموذج التعليم الأمريكي المنتشر حول العالم تم نسخه من النموذج البروسي في القرن 18، وصُمم لتفريخ رعايا وعمال مصانع مطيعين. وفي هذا النظام، المقرر الحقيقي ليس القراءة والكتابة، ولكن الالتزام بالمواعيد، والطاعة، والعمل المتكرر، لتخريج عبيد بالحد الأدنى من التعليم الذي يتطلبه تطور الصناعة»، وكلما تطورت الصناعة تطور «نوع» عبيد النظام التعليمي، ليحل «عبيد المصانع والمكاتب» محل «عبيد المنزل والحقل». * في عام 1914، أعربت جمعية التعليم الوطنية عن انزعاجها من ذلك التوجه بالقول: «نحن ننظر بقلق إلى نشاط مؤسستي كارنيجي وروكفلر، في جهودهما للسيطرة على سياسات مؤسساتنا التعليمية الحكومية، وإحاطتها بظروف تهدد الحرية الأكاديمية وتقوض أساس الديمقراطية، بينما هما غير محاسبتين أمام الشعب». وبعد ذلك بنحو مائة عام وفي 2019، أصدر «مجلس اعتماد شهادات التعليم العالي» الأمريكي تقريرا أكد انتشار الفساد في التعليم العالي في كل دول العالم تقريبا»، وتغلغله في هيئات التدريس وأنظمة قبول الطلاب، والمناهج، وخاصة مع انتشار فروع الجامعات العالمية في معظم دول العالم. ودعا لضرورة محاربته. وفي مقال بعنوان «أمة من العمال: كيف يعمل التعليم العام على جعل قوة العمل لدينا غبية»، 2016، يؤكد الاقتصادي الأمريكي كين ماكيلروي، تطبيق أعداء الإنسانية مقولة «المواطنون الأذكياء يصعب حكمهم» بحذافيرها واستغلالهم النظام التعليمي لإبقاء الجماهير «أغبياء»، مضيفا أن التعليم في أمريكا تحول من نظام ينشر المعرفة إلى نظام يستخدم تقنيات تعديل السلوك للتأثير على الأجيال لإنشاء أمة تعمل فقط ولا تفكر، لأنه كلما قل تعليمهم، كلما سهُلت السيطرة عليهم. بدروه وفي سلسلة مقالات بمجلة «سايكولوجي توداي»، 2008، تحدث الباحث بيتر جراي، عن تسبب النظام التعليمي في قتل إرادة التعلم في نفوس النشء، وتعمده غسل أدمغة البشر ليصبحوا مستهلكين بلا عقل. وهو ما يجعل نسب التسرب من التعليم في الولايات المتحدة من الأكبر في العالم. وفي كتاب (الجيل الأغبى: كيف جعل العصر الرقمي الشبان الأميركيين أغبياء)، 2008، يعرض مارك باورلين، (جامعة إيموري)، حقائق مفزعة عن الجهل الذي يصيب الأجيال الجديدة من خريجي النظام التعليمي الأمريكي، ويكشف كيف أصبح جيل كامل من الشباب أغبياء بسبب نفورهم من قراءة أي شيء ذي قيمة وإدمانهم على «القمامة» الرقمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أتبع كتابه ذاك بآخر بعنوان «الجيل الأغبى يكبُر» 2022، ليؤكد تنبؤاته، مشيرا إلى أن أبناء ذاك الجيل لم يحققوا ذاتهم عمليا أو أسريا وباتوا ميالين للانتحار. * الأمر ذاته يقرره ج. إدوارد جريفين صاحب كتاب «مخلوق جزيرة جيكل: نظرة ثانية على بنك الاحتياطي الفيدرالي»، بقوله: لا الحكومة تخدم الشعب ولا المدارس تعلم الطلاب.. النظام التعليمي يعلم الأطفال خدمة الحكومة التي اتسعت وتغولت، بزعم خدمة الشعب، لكنها لم تعد تؤدي هذا الدور». أما زميله جون تايلور جاتو الذي قضى أكثر من 30 عاما في التعليم، ثم وضع عدة كتب في رفض النظام التعليمي منها «ضد المدرسة» 2001، فقد استقال عام 1991 قائلا إنه لم يعد يريد «إيذاء الأطفال (بالتدريس) لكسب المال». وقال إن النظام يعلم النشء أشياء لن يحتاجها أبدا، واصفا التعليم العام بأنه وسيلة لغسل العقول «لإبقاء الأطفال أطفالا» بحيث تسهل السيطرة عليهم. * وفي كتاب «المدارس الفاسدة والجامعات الفاسدة: ما الذي يمكن عمله؟» يقول جاك حلاق ومورييل بواسون إن الفساد في التعليم انتشر في كل القطاعات، من التخطيط والإدارة التعليمية، وتمويل المدارس، والتوظيف وبناء المدارس، إلى توفير وتوزيع المعدات والكتب المدرسية، والقبول في الجامعات. وخلصت ورقة بحثية أعدتها الباحثة الجزائرية أمال شوتري 2023، إلى أن الفساد يستشري حتى في أعرق الجامعات. وبعد تحليلها تقريرا لمنظمة الشفافية الدولية يوثق عمق الفساد، قالت: «..وهذا يعني انهيارا كليا لمنظومة القيم في العالم، بعدما «تحولت الجامعات إلى مؤسسات ربحية تعتاش على بيع براءات الاختراع والتراخيص». وهذا ما دفع الكاتب البريطاني تيري إيجلتون للقول في مقال، أغسطس 2023، «لقد حان الوقت لإلغاء الجامعة، فلنتوقف عن التظاهر بأن الدراسة الأكاديمية تستحق العناء». كان ذلك عن إفساد النظام، أما عن إفساد المناهج فحدث ولا حرج. وقد لاحظ كثيرون في عالمنا العربي والإسلامي تدخلات القوى الدولية فيها بوتيرة متزايدة، وهو ما سنناقشه لاحقا. أخيرا، تقول الحكمة المأثورة: إن إفساد التعليم يفسد الحياة كلها، وهذا بالضبط هو الحصاد المر لما سميته سابقا «تخطيط الشيطان للمستقبل».

966

| 12 ديسمبر 2024

الشيطان يسكن في القوانين!

لا تزال في بلاد الإسلام رحمة لا يمكن إنكارها، مهما ساءت الأمور، ولا تزال في بلاد الكفر قسوة لا يمكن إغفالها مهما ظن الناس العكس». فلا تزال بلاد الإسلام تعمل على مستويات عدة، حتى في العُرف المُجتمعي، بقوانين الوحي الإلهي وإن صاحبها بعض القوانين الوضعية. أما في البلاد الأخرى، فالأمر موكول للقوانين الوضعية التي لا تنتج إلا «ديكتاتوريات بحكم القانون». والمدقق في القوانين الغربية سيجد أن أكثرها وضعه أشخاص لهم عقلية المجرمين، أرادوا صناعة الجريمة وتقنينها، على طريق صناعة الكفر (انظر مقال: الفلاسفة ترزية أفكار). ويكفي أن نعرف أن كثيرا من القوانين الغربية الحالية وراءها جيرمي بنثام، الذي يعدونه فيلسوفا، وهو في ميزان الحق مجرم بمعنى الكلمة، إذ إن كتاباته في فلسفة القانون نادت بإباحة الشذوذ، وإطلاق الحريات، وإلغاء الدين، وأسست مذهب «النفعية». وفوق ذلك فهو واضع فكرة «البانوبتيكون»، (سجن كبير كثيف المراقبة)، التي بلورها جورج أورويل لاحقا بـ»الأخ الكبير» في «1984». كما أن مونتيسكيو صاحب «روح القوانين»، الذي يعد «الكتاب المقدس» لما يسمى الديمقراطيات الحديثة، كان من أكبر داعمي اليهود، وعبأ كتابه ذاك بمدحهم، واعتبرهم أساس الرأسمالية الحديثة كونهم «حرروا التجارة من سلطة السياسة والدين». ويكشف أرنولد إيجيز اليهودي الكندي في كتابه «مونتيسكيو واليهود»، «الروح اليهودية» لدى مونتيسكيو كونه نشأ في حي لليهود وتزوج من بروتستانتية. وقد أكدت الوقائع التاريخية ما أثبته أعداء الإنسانية بأنفسهم، في مدوناتهم، من أنهم هم الذين ابتدعوا الفلسفة، التي أنتجت أغلب قوانين العالم الحديث، وأن كل الفلاسفة ومن سار سيرهم تابع لهم، إما برابطة الدم أو النسب أو بالولاء. فكمن يصنع التمثال ثم يعبده، صنعوا الفلسفة والفلاسفة، وبهم صنعوا القوانين ثم عبدوها. كما إن تتبع آثار معظم القوانين المطبقة عالميا يُظهر أن من وضعوا تلك القوانين لم يريدوا من ورائها إلا عكس المُعلن. ففي السنوات الأخيرة تبين لكل عاقل أن مواثيق (قوانين) الأمم المتحدة الاقتصادية تهدم الدول وأن قوانينها الصحية تهدم صحة البشر، وأن قوانينها الإنسانية تهدم العلاقات الاجتماعية وتشرد الأسر، وأن قوانينها الثقافية تهدم عقولهم ونفوسهم. وتحدثنا سابقا عن الفساد في قوانين صناعة الدواء والغذاء، وحماية البيئة. وهكذا، فكل قوانينهم مجرد شعارات يغيب عنها العدل، وتطبق على العامة دون الخاصة. ولذلك فهي «تقنن الظلم» وتخلق مجرمين عن عمد وليس مصادفة. وينعكس ذلك بوضوح في مؤشر معدلات الجريمة في العالم الذي يضع دولا عربية كثيرة، أولها قطر، بين الأفضل عالميا، بينما دول كبرى مثل الولايات المتحدة تقبع عند مستويات عالية من الجريمة، وخاصة العنيفة منها. لدرجة أن مقالا بمجلة الإيكونوميست، فبراير 2012، اعتبر أن قانون العقوبات الأمريكي يمثل بحد ذاته جريمة ضد الإنسانية، مشيرا إلى العنصرية الكامنة فيه، إذ يتجاوز عدد السود الملاحقين بموجبه، (أكثر من 6 ملايين بين سجين أو مراقب)، كل الأفارقة الذين تم استعبادهم في ذروة عصر الرق، خمسينيات القرن الـ 19. وقد يبدو، لمن يفكر داخل الصندوق، أن تلك القوانين «المغرضة» أحدثت تأثيرا عكسيا. لكنها في الواقع، وبنظرة أعمق، حققت بالضبط ما أراده أعداء الإنسانية، من إفساد عام، تحت شعارات الحرية الزائفة ورفاهية كروت الائتمان السرابية. وفي ذلك يقول ألآن تورين، عالم الاجتماع الفرنسي، إن «المواطن الغربي بلغ أقصى درجات الحرية وبلغ، في الوقت ذاته، أقصى درجات العبودية، مع تحول الكماليات إلى احتياجات وضرورات في ظل القوانين الصارمة والمراقبة شبه الدائمة تحت حكم الشركات الكبرى للعالم». وللمؤرخ البريطاني بيري أندرسون مقال مهم في دورية «اليسار الجديد»، خريف 2023، يرفض فيه ما يسمى القانون الدولي ويصفه بـ»قانون الأقوياء» الدولي، مذكرا بقول نيتشه: «القانون ما هو إلا تعبير عن رغبات الأقوياء». ورغم قول المشتغلين بالقانون إن «الشيطان يسكن في التفاصيل»، فالأدق أن «الشيطان يسكن في القوانين» ذاتها وليس التفاصيل. فالقوانين بطبيعتها قيود وعندما تساء صياغتها وتطبيقها، عن عمد، تصبح أدوات شيطانية لصناعة الظلم.

630

| 04 ديسمبر 2024

خدعونا فقالوا...!

مرة أخرى مع ما اعتبره جرائم فكرية، شوهت الفكر العربي الإسلامي، ارتكبها «مفكرون» ومؤرخون سواء عن قصد أو بغير قصد. وهنا يجب التفريق بين مسارين من التشويه، الأول، ذاك الذي أُدخل على الدين من فقه ومعاملات، وهذا مساق آخر، والثاني الذي نحن بصدده، هو ما جلبه علينا المفكرون «المصلحون» بدعوى إصلاح العقل العربي. وضربنا أمثلة على ذلك، سابقا، بجرائم فكرية ارتكبها «بعض» هؤلاء. لكن هناك جرائم فكرية أخرى يشارك فيها الجميع تقريبا، وتتسبب في تخريب مخيلة وعقلية الشعوب العربية والإسلامية، وهي أكثر من أن تحصى، لذلك سنتوقف مع أشهرها في السطور التالية. من أعجب الكذبات السياسية التي تمثل جرائم فكرية مقولة إن الدولة العثمانية شاركت في الحرب العالمية الأولى، وهي جريمة توارثتها الأجيال، وكانت تدرس في المدارس الابتدائية، ولاتزال. والحقيقة أن الدولة العثمانية وقت اندلاع الحرب «المفتعلة»، 1914، كانت مجرد جثمان ميت، أو طربوش ارتداه مجرمو الاتحاد والترقي لتنفيذ مخطط أسيادهم وحلفائهم الذين أوصلوهم إلى السلطة الفعلية في الأستانة آنذاك. ورغم أن كثيرين يعرفون هذه الحقيقة فإن عددا كبيرا من الأسماء الكبيرة في عالم السياسة والتأريخ، لا تزال تقع في هذا الخطأ، نتيجة كثرة ترديد الكذبة، ليكونوا من ضحايا نظرية «اكذب واكذب حتى يصدقك الناس». ولا يخفى طبعا أن تلك الكذبة حققت لأعداء الإنسانية أهدافا عدة أولها التغطية على مؤامرتهم الدنيئة في هدم وتحطيم الخلافة والامبراطورية الإسلامية، وثانيها، التظاهر بالانتصار على امبراطورية كبرى، وثالثها، هدم الروح المعنوية لشعوب هذه الامبراطورية، وقد كان. وشبيه بهذه مقولة إن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت حركات «تحرر» من «الاستعمار» حول العالم. وهذه كذبة استغلها الاحتلال لخداع شعوب كثيرة وإبقائها تحت سيطرته بينما هو لم يغير إلا قناعة الذي يحكم به. وكان الهدف الأكبر منها حشر ما تسمى إسرائيل ضمن تلك الحركات المزعومة. ومن أهم تلك الجرائم حالة التسليم العام، تقريبا، التي يبديها معظم المتكلمين والمؤرخين، بأن ما فعله مارتن لوثر وجون كالفن، كان عملية «إصلاح» للديانة المسيحية. والحقيقة أن ما حدث كان، فعليا، عملية «تضبيط» للمسيحية على مقاس العقل اليهودي. وبمعنى آخر كانت تلك تكملة لعملية تخريب متعمدة وممتدة للمسيحية لصالح الفكر الصيهوماسوني الذي سيتمكن بذلك من السيطرة على الجسم المسيحي، وخاصة أمريكا، التي سيدخلها الغزاة البيوريتان (اليهود المتخفون) رافعين التوراة ومطلقين عليها اسم إسرائيل الجديدة. وهنا أذكِّر بمقولة مفكرنا الراحل مالك بن نبي بأن اليهود كانوا عقل أوروبا وروحها، والتي نجد لها شروحا في كتابات مفكرين مثل كيث وايتلام وكتابه (اختلاق إسرائيل)، وألبير لوندر وكتابه «اليهودي التائه وصل»، وكذلك كتاب د. رمسيس عوض «شكسبير واليهود». ومن ذلك أيضا مقولة إن الصهيونية نشأت أواخر القرن ال19 مع هيرتزل، مع أن أصولها تمتد بامتداد التاريخ اليهودي كله. ويرتبط بذلك قول كثيرين إن الذين أسسوا الصهيونية هم المسيحيون وليس اليهود، متناسين أولا، أن اليهود اخترقوا المسيحية منذ القدم كما أوضحنا سابقا، وثانيا، أن كل من عمل على تأسيس الصهيونية ودعوا إلى احتلال فلسطين وجعلها وطنا لليهود، في العصر الحديث، كانوا من البروتستانت والبيوريتان والماسون والنورانيين وجميعهم، في النهاية، تنظيم واحد بأطراف متعددة. تنظيم سيطر عليه العقل اليهودي الذي تعمد قطع العقل الأوروبي عن تراثه، وأراد لنا نحن أيضا أن ننقطع عن تراثنا واستخدم في ذلك كل أساليب التشويه والترهيب والترغيب محاولا طمس حقيقة أن الإسلام مشروع متكامل للحياة والنماء والتفوق. ويدخل هنا تلقائيا ما يسمى الصراع بين الإسلام والغرب. والحقيقة أن التعميم في كلمة الغرب جريمة مقصودة وراءها أعداء الإنسانية الذين تمترسوا وراء الشعوب الغربية، كما كان الحال على مدى القرون الماضية، وساقوها سوقا لمحاربة الإسلام. ومن ذلك أيضا، الاستمرار في التعامل مع ما يسمى «النظريات السياسية» وكأنها شيء حقيقي وله وزن، بينما هي مجرد عملية إلهاء وتشتيت كبرى على طريقة «بص العصفورة»، (انظر مقال، أيها السادة، انتبهوا، العالم يرجع للخلف!) وبالإضافة إلى ذلك كثير من المصطلحات الرنانة الجوفاء مثل الحرية والديمقراطية والعدالة والحضارة التي يقال إنها موجودة في «الغرب» وليس في مكان آخر، مع أن الغرب منها خواء. ولتوضيح خطورة حجم هذه الجرائم الفكرية، أقول إن أيا منها لا تقل خطورة، مثلا، عن الكذبة الكبرى التي اخترعها أعداء الإنسانية من أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب. فهذه وهاته، وتلك، كلها خرجت من فم شيطان واحد.

558

| 27 نوفمبر 2024

الفلاسفة «ترزية» أفكار.. ليس كل ما يلمع فكرًا!

تحدثنا في المقال السابق عن «إعادة الضبط» الإسلامية، وأحسب أن في كثير من دولنا مساحات متفاوتة من الحرية تتيح للمثقفين والمفكرين مباشرتها. لكن المشكلة الحقيقية التي تعيق تلك العملية هم «المفكرون» أنفسهم أو أكثرهم، وتأثير أفكارهم «المفخخة» على العقل العربي. فليس كل مقولة تلمع تعد فكرا. والفكر الحق النافع هو الذي يفهمه الجميع وتتطور به المجتمعات، وليس ما تتعذب في فهمه حتى النخب. بالنظر إلى معظم المقاربات، التي استهدفت «إعادة الضبط»، أو ما يسمى «مشاريع النهضة»، سنجد أن غالبية من تبنوا تلك المشاريع بحثوا عن الحل في بحور الفلسفة فغرقوا فيها. لأن الفلسفة برمتها خارج نطاق الحل الذي يقبله المؤمن بوجود إله واحد عليم خبير، أخبرنا بما كان وما يكون، ولم يفرط في شيء في كتابه الحكيم. فتلك الفلسفة التي أعتبِرُها أساس الحرب على العقل المسلم، امتدادا لرأي الإمام الغزالي الكبير، جعلها أعداء الإنسانية ومن لف لفهم، وعاء الفكر الإنساني الوحيد المقبول منذ أن ابتدعوها، بينما هي لا يمكنها حل أي شيء يتعلق بالعقل المسلم، إذ هي بالضرورة في تضاد معه وخصام. ولطالما سخروها للبحث عن «مفقود» قدمه الإسلام جاهزا واضحا لا لبس فيه، فكانوا كمن أنكر وجود الشمس وراح يبحث عنها في الظلام، فأنى يجدها!. لقد كان رفض أعداء الإنسانية التسليم بالقضاء والقدر، وتحريفهم كتبهم، وظنهم أنهم قادرون على محاججة الخالق وجداله في حكمته، كانت تلك أبوابا أدخلوا منها على البشر ما يسمى الفلسفة فراحوا يبحثون عن أسباب «منطقية» للأشياء بزعمهم، وأخذوا البشرية معهم في طريق الضلال. وهنا نلحظ أن معظم من سُموا فلاسفة كانوا «ترزية» أفكار مثل ترزية القوانين المعاصرين، وكان منهم تجار عبيد (فولتير) ومغتصبو أطفال (فوكو). وإعادة الضبط الإسلامية تستدعي «غربلة» أفكار كثير ممن حُسبوا على الفكر العربي الإسلامي لكنهم ساهموا في عملية التضليل الكبرى تلك، بقصد أو بغير قصد، إذ جعلوا الفلسفة سقفا لأفكارهم شاعرين بدونية إزاءها، واستخدموا مصطلحات غامضة وفضفاضة فشتتوا الفكر العربي، وجعلوه «أسير المصطلحات»، وأصابوا الشعوب العربية بـ»سكتة عصبية»، تجسدت في السلبية واللا مبالاة. وهنا نلحظ أن التاريخ العربي الإسلامي جرت مقاربته من مفاهيم ومناظير غربية، أطّرتها الفلسفة، وأحاطتها التناقضات. والسبب أن هذا التاريخ كتبه، أو أملاه غربيون معادون، و»مثقفون» عرب، موالون للغرب أكثر من ولائهم للعروبة والإسلام، بحسب مالك بن نبي. لكن بن نبي ذاته، مثلا، والذي تأثر، أحيانا، بأعمال فلاسفة الغرب، ورغم أنه الأكثر إخلاصا للفكرة الإسلامية، وقع في التناقض بصياغته فكرة أحسبها أضرت ضررا جسيما بمسألة النهوض كلها وضربتها في أساسها- ما جعلها محل انتقادات- ألا وهي ما سماها «القابلية للاستعمار» التي ألصقها بالشعوب الإسلامية قاطبة، وهو ما أوهنها ورسخ شعورها بالعجز والاستسلام. وقريب من ذلك قول د.عبد الوهاب المسيري ‎: «ثمة هزيمة داخلية في الفكر العربي تجعل من الغرب المرجعية ومصدر المعرفة الوحيد»، ناسيا أن يقول إن تلك الهزيمة حدثت بفعل فاعل هو الغرب نفسه. كما أن إنكاره تآمر اليهود وبروتوكولاتهم أمر سيظل مثيرا للعجب، وقد رفضته منه مباشرة في لقاء على هامش ندوة بعاصمة خليجية أواخر الألفية الثانية. وأشهد أن رده كان انفعاليا ومحفوفا بالقلق. وقد أثبت كثيرون خطأ ذلك الرأي ومنهم د. بهاء الأمير في كتابه المهم «الوحي ونقيضه». بل إن المسيري، مثلا، أنكر أي تدخل لليهود في القضاء على أحلام محمد علي باشا مع أن إدارتهم للمشهد كله، الذي شمل أيضا تدمير الخلافة العثمانية، بات أمرا معروفا من التاريخ بالضرورة. أخيرا، إذا كان التراث القديم يحتاج إلى إعادة النظر مرة فالتراث الحديث يحتاج إليها ألف مرة.

345

| 22 نوفمبر 2024

تشويه التاريخ.. إعادة الضبط فرض عين؟!

تحدثنا سابقا عن ضرورة خلع جلباب الغرب كله، واسترداد جلباب حضارتنا نحن، ولا يتحقق ذلك إلا بتخليص حاضرنا وماضينا من كل التشويه الذي دسته علينا قوى الاستخراب، وأيضا، استرداد كل ما نهبه أعداء الإنسانية من تراثنا الذي استباحوه بالكامل تقريبا بسقوط الأندلس، قاطفين ثمار عملية تخريب بعيدة المدى امتدت لقرون طويلة، ويريدون قرب ختامها، تنفيذ ما سموه عملية «إعادة ضبط» للعالم، بينما نحن العرب، قلب العالم الإسلامي، مَنْ نحتاج أكثر مِن غيرنا عملية «إعادة ضبط»، ليست «شيطانية» كالتي يريدونها، ولكن واقعية إيجابية تعيدنا إلى عزنا ومجدنا القديم. قصة التخريب تلك بدأت منذ فجر الإسلام كما أوضحت سابقا، لكن مسألة التشويه والنهب تحديدا تفاقمت بدرجة خطيرة مع سقوط الأندلس. ولعل ما حدث أمام أعيننا من تشويه وتدمير ونهب لتراثنا في كل الدول التي سقطت أنظمتها في السنوات الأخيرة، من العراق وسوريا إلى اليمن وليبيا، يعطينا مثالا على ما حدث عندما سقطت ممالك الأندلس، واحدة تلو الأخرى وعندما وصل «المجرمون» إلى الأمريكتين. فقد انخرط أعداء الإنسانية المندسون في صفوف القوات الغاصبة في تنفيذ خططهم المعدة سلفا بسرقة ما يريدون من تراثنا ثم تدمير ما تبقى. وهم في كل الحالات لم يكونوا القوة الغازية الرئيسة، بل كانوا مندسين فيها. وهناك شهادات كثيرة على سوابق تاريخية قام خلالها أسلاف الصهيوماسون الحاليون بسرقة وتدمير تراث المسلمين في الأندلس وفي أي بقعة من الأرض تمكنوا منها، وخاصة الأمريكتين اللتين طاردوا المسلمين فيهما، سواء الذين فروا من اضطهاد فرديناند وإيزابيلا، التي أقْسَمَتْ أن تتعقب المسلمين هناك، أو الذين سبقوا إليهما قبل ذلك بقرون، كما أشرنا بالمقال السابق. وهنا نجد في كتابات مؤرخين غربيين، مثل سام هاسيلبي، توثيقا لعمليات الاضطهاد الوحشية وتخريب التراث التي مورست بحق السكان الأصليين (المسلمين) في الأمريكتين، ونفهم أن سبب تلك الوحشية لم يكن مسألة تطهير عرقي، بل كانت «تطهيرا» دينيا، بحسب كتابه (أصول القومية الدينية الأمريكية،2016). والأهم من ذلك ما يسوقه هاسيلبي عن تدخل الصهيوماسون لتزوير التاريخ وتشويهه، بقوله:»إن من كتب تاريخ الاحتلال الأوروبي للأمريكتين ليس القوات الغازية ولكن «البيوريتان» المندسين الذين كانوا في حقيقتهم يهودا متخفين»، وكانوا دائما وراء تزييف التاريخ وتشويهه. وهذا ما توثقه أيضا كتب مثل، «الصهيونية المسيحية» لستيفن سايرز، و»تفتيت الشرق الأوسط» لجيرمي سولت، ويكشفان كيف اندس الصهاينة اليهود في المسيحية من خلال طائفة البيوريتان، وكيف عملوا دائما على تقويض الجسم العربي الإسلامي وصناعة الاضطرابات لهدمه. وينقل هاسيلبي عن برنال دياز ديل كاستيلو، الذي أرخ اجتياح هيرنان كورتيس حاكم «اسبانيا الجديدة» (منطقة أمريكا الوسطى)، أن الحملة أحصت أكثر من 400 مسجد في تكساس والمكسيك، مُحيت كلها من وجه الأرض. وقد ثبت حديثا أن المدعو كولومبوس كان يهوديا من السفارديم من غرب أوروبا وليس كاثوليكيا. وتم تأكيد ذلك بدراسة استمرت 22 عاما، لتحليل عينات (دِ.ن.أ.) قديمة، وبثتها وسائل إعلام عدة بينها قناة «سي.تي.في» الكندية. وثابت أيضا، بحسب كتاب «من أجل صهيون»، أن كولومبوس «اليهودي» قال في رسالته إلى ملك وملكة أسبانيا، إن هدف رحلته الأساسي نحو الأراضي الجديدة هو «الحياة والموت ضد مُحمد.. واستعادة القدس». وفي كتاب «مَسْخُ الصُّورةِ.. سَرِقةُ وتحريفُ تراثِ الأمّةِ» نجد شرحا وافيا لعملية التشويه الضخمة التي تعرض لها تاريخ العرب والمسلمين من قبل الصهيوماسونيّة العالمية، ومن ذلك ترويجها نظريات ملفقة تظهر الغربيين جنسا متفوقا، والعرب متخلفين وبدائيين. وهو ما نظّر له مجرمون من أمثال برنارد لويس في كتاباته ليرسم، وأمثاله، صورة للمسلمين بأنهم الخطر الذي يتهدد «حضارة الغرب»، وأنَّ صداما سيقع لا محالة بين الجانبين، وهو ما دعمته كتابات فوكو وهنتنجتون. وهذا هو ما صدّرته للعالم ذراعهم الشيطانية المسماة «هوليوود» في أفلام عدة. ويتناول الكتاب في فصله الثالث كيف زور أعداء الإنسانية مصادر التراث ودسوا المعلومات المزورة في الكتب العربيّة والعالميّة، ومناهج الغرب التعليميّة، ودور الكنيسة، وحتى بعض النخب العربية، في تلك «الحرب القذرة». كان هذا عن تشويه التاريخ، أما عن سرقته فيستعرض كتاب «الصحوة الإسلامية في الأندلس اليوم،1992» للدكتور علي المنتصر الكتاني، انقضاض اليهود على تاريخ الأندلس بأكمله وزعمهم أنهم شركاء في بناء الحضارة الإسلامية. كما يوثق سرقتهم كثيرا من روائع الفكر الإسلامي والعربي ونسبته لمفكريهم مثل موسى بن ميمون. وهنا يحضر اسم العالم التركي الراحل فؤاد سزكين، الذي قضى نحو 60 عاما، يفحص الكتب الأوربية، ليكتشف أن أكثر من 150 ألف كتاب غربي أصولها عربية إسلامية، واستطاع توثيق الأصول العربية لأكثر من 35 ألفا منها. وقال إن كل ما كان يفعله «العالِم» الأوروبي هو ترجمة الكتاب العربي ثم وضع اسمه عليه بدلا من اسم المؤلف الحقيقي المسلم. وكان من بين ما أثبته في موسوعته «تاريخ التراث العربي» أن جميع الخرائط حتى بدايات القرن 18 أصلها عربي إسلامي، وهذا يعني أنه حتى وصول الأوروبيين إلى الأمريكتين كان بفضل العرب المسلمين؛ وكان بعضهم ضمن حملة كولومبوس بالفعل. وكان من أهم قناعات سزكين قوله «إن اقناع المسلمين بعظمة الحضارة الإسلامية أصعب من إقناع الغرب بها». وهذا ما يدفعنا للقول إن عملية «إعادة الضبط» الإسلامية يجب أن تكون فرض عين، على الأقل، على كل من يمكنه حمل هذه الأمانة. وهذا حديث آخر.

702

| 13 نوفمبر 2024

«تتار العصر» قادمون.. اذكروا مساوئ أسلافكم!

من وحي ما يجري حولنا من أحداث تشيب لها الولدان، كما يقولون، أقول: الله وحده يعلم الغيب، لا يشك في ذلك مؤمن عاقل. لكن ذلك لا يعني ألا نتساءل: كيف يمكن أن يكون مستقبلنا نحن العرب بالذات والمسلمين عموما في ضوء ما نرى؟ استشراف ذلك يدفعنا لأسئلة أخرى مثل: هل دار بخَلَد أي من المسلمين الذين عاشوا عيشة الملوك في الأندلس على مدى ثمانية قرون أن نهايتهم ستكون تلك النهاية البشعة، من تعذيب وتقتيل وانتهاك ومصادرة أموال ثم ترويع وإجبار على الكفر وترك الإسلام ثم تشريد وتهجير إلى أطراف الأرض؟ وهل توقع المسلمون الذين تم استعبادهم، ونقلُهم من أفريقيا إلى أوروبا والأمريكتين بالملايين، بعد سقوط غرناطة 1492، أن ذلك الأمر يمكن أن يحدث لهم في يوم من الأيام، وقد كان منهم مَنْ كانوا سادة وأمراء في قومهم وبالذات في مناطق غرب أفريقيا؟ هل تخيل أحدهم أن اليوم سيأتي ليجد نفسه في أرض غريبة بعيدة يستعبده تجار عبيد مجرمون ويبيعونه لمجرمين آخرين من البيض ليجعلوه عاملا بالسخرة في كل الأعمال الشاقة التي يأنفون من ممارستها؛ أولئك الذين كان كثير منهم بالأمس القريب، وقتها، مجرمين ومساجين في أوروبا أطلق حكامهم السفاحون سراحهم لاحتلال العالم الجديد؟ وهل خطر ببال مسلمي أفريقيا- الذين يذكر المؤرخون أن أحد ملوكهم وهو منسا (الملك) موسى كان من أغنى أغنياء التاريخ، وأن أخاه منسا أوبكر تنازل له عن الحكم ليسير بحملة من 200 سفينة عبر المحيط، عام 1312م، لاستكشاف الأراضي الجديدة، حيث فقد أثره- هل خطر ببال هؤلاء أنهم سيكونون وقود الثورة الزراعية في تلك المناطق الجديدة، التي فرّط في حكمها المسلمون، (وهي مسألة تحتاج إلى بحث معمق) فوقعت في أيدي المجرمين وشذاذ الآفاق، بعدما أبادوا سكانها الأصليين، وكان كثير منهم مسلمين؟ وهل فكر «الأصليون» في الأمريكتين أن تكون الإبادة مصيرهم، وقد كانوا بحسب مصادر عدة بعشرات الملايين؟ وقد يثور سؤال: لماذا أباد أعداء الإنسانية السكان الأصليين، ومنهم المسلمون، وجلبوا غيرهم من أفريقيا؟ أما كان الأسهل لهم استعباد الموجودين بالفعل مادامت لديهم القدرة على إبادتهم؟ والإجابة الواضحة هي أن «الأصليين» كانوا أصحاب الأرض، ولئن أبقى عليهم أعداء الإنسانية فسيظلون غاصبين لتلك الأراضي. أما بإبادة «الأصليين» واستجلاب غيرهم يصبح أعداء الإنسانية أصحاب الأرض، أو هكذا ظنوا. * الآن.. هل يظن أي منكم، أيها السادة، مهما بلغت مكانته، أنه بعيد عن هذا المصير؟ وهل بالضرورة أن يكون الاستعباد بنقلكم إلى أراض جديدة؟ ألم تتحول الأغلبية من سكان العالم عبيدا بالفعل للفقر والعوز والحاجة. الطريف والمخيف، في آن معا، أن المصادر التاريخية تشير إلى أن بعض العبيد في أمريكا آنذاك من القرن السادس عشر وحتى نهاية الثامن عشر حظوا بمكانة عند البيض جعلت لهم هم أيضا عبيدا (من الباطن). وما أشبه الليلة بالبارحة فكثير من حكام هذا الزمان، شرقا وغربا، عبيد للأجنبي ويستعبدون مَنْ دونهم لمصلحة الأجنبي. توثيق ذلك ومعلومات كثيرة عن أوضاع المسلمين في الأمريكتين في مراحل تاريخية مختلفة تضمها كتب من بينها كتاب د. ليون فيرنيل «أفريقيا واكتشاف أميركا،1920» ويطرح فيه أن سكان أمريكا قبل كولومبوس كانوا «كلهم» مسلمين. و»جاءوا قبل كولومبوس،1977» لإيفان فان سيرتيما، الذي يستند إلى مذكرات كولومبوس ويرجح وصول الفراعنة إلى الأمريكتين حوالي عام 800 ق.م. وكتاب الدوقة الإسبانية لويزا دي توليدو، «أفريقيا مقابل أمريكا، 2000»، التي توثق وصول دولة المرابطين للأمريكتين، وحياة المسلمين هناك بسلام. وكتاب المؤرخ الأمريكي سام هاسيلبي (أصول القومية الدينية الأمريكية،2016) وسنتوقف معه لاحقا. *العجيب، وكما توثق تلك الكتب، أن أعداء الإنسانية استخدموا المسلمين وعلوم المسلمين في بناء «حضارة» الغرب التي كانوا هم عقلها كما ذكرت من قبل وفق مقولة مالك بن نبي وآخرين، لأن المسلمين كانوا «أكثر فائدة من غيرهم إذ كان أكثرهم متعلمين بفضل إسلامهم. وهذا أمر طمسوه بينما يزعمون أنهم هم الذين بنوا الأهرامات، مع أنها بنيت قبل دخولهم مصر بألف سنة، كما أن أعدادهم لم تكن تكفي لذلك بحسب المؤرخ هيرودوت. *أعود إلى التساؤل مجددا،، ألا يرى أحدكم أن مسيرة حياتنا تتجه تدريجيا نحو مصير المسلمين في الأندلس وأفريقيا والأمريكتين؟ وهل وضع مسلمي الهند والصين وبورما منّا ببعيد؟ في كل الحالات كانت الإبادة والاستعباد عماد الأسلوب الذي اتبعه أعداء الإنسانية بحق الشعوب التي تمكنوا من السيطرة عليها، تماما مثل التتار. فلِمَ يكون القادم مختلفا، ونحن نرى العينة بأعيننا و»تتار العصر» يفعلون ما يفعلون في غزة؟. هل تحسبون أن «ابن اليهودية» لو قدر على غزة، لا قدر الله، سيفلتكم من الاستعباد الحقيقي الذي لا يتورع عن التلويح والتصريح به جهارا نهارا؟ ألا نفيق ونتعلم من مساوئ وأخطاء أسلافنا قبل فوات الأوان؟. اللهم إنا نعوذ بك من ذاك المصير.

633

| 07 نوفمبر 2024

السنوار و «تأثير مانديلا»!

كنت أفتخر كثيرا أنني قابلت الزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا مرتين، الأولى إثر خروجه من السجن وزيارته مصر عام 1990، والثانية خلال زيارته لإحدى الدول الخليجية، رئيسا، عام 1995. كان يزيد في فخاري أنه في المرة الأولى، وكما أخبرتني أستاذتي الدكتورة عواطف عبدالرحمن، التي رتبت لي لقاءه، أنني كنت الوحيد الذي نال هذا الشرف، وإن كان قلل منه أنه لم يستمر سوى دقائق وكان حرسه يقف حرفيا بيني وبينه طول الوقت. لكنني، بدأت أراجع حقيقة افتخاري بتلكما المقابلتين مع مانديلا في ضوء أحداث وقعت على فترات متتالية، أحدثها استشهاد البطل العربي المسلم يحيى السنوار. خاصة بعدما قارن أحد المغيبين العرب قبل أيام بين مانديلا والسنوار، وقد أمضيا في السجن 27، و23 على التوالي، فقلل من قيمة الأخير، قائلا إن مانديلا أنهى الفصل العنصري، فماذا فعل السنوار؟ فقد كشفت الأيام والأحداث عن أنني وغيري كنا ضحايا ما يعرف باسم «تأثير مانديلا». و»تأثير مانديلا»، هو الخضوع الجماعي لفكرة خطأ باعتقاد أنها ذكريات من الماضي، أو هو بناء «الذاكرة المغلوطة» بناء على معلومات سابقة يظن المرء أنها صحيحة. وهذا يتقاطع مع فكرة عصر ما بعد الحقيقة، أو «عصر الزيف» التي ناقشناها سابقا. وقد رصدَتْ تلك الظاهرة التي سميت باسم مانديلا، عام 2009، الباحثة فيونا برووم، عندما اكتشفت أنها وعددا كبيرا من الناس يظنون خطأ بأن مانديلا مات في السجن في الثمانينيات، بينما كانت وفاته عام 2013. وهنا تتداخل عناصر عدة لتكون صورة مركبة لهذه الفكرة، نبدأ تفكيكها من مسألة تمجيد مانديلا. فهل كان مانديلا عظيما حقا؟ الرجل كانت له قطعا مواقف جيدة وتأملات في الدين والحياة ولكنه كان مدعوما من الغرب .. ورغم اعتراف مانديلا في كتابه «مشوار طويل للحرية» بسبق وفضل المقاومة الإسلامية في كيب تاون على حركة النضال ضد «الأبارتايد»، بقيادة الشيخ عبدالله هارون الذي استشهد تحت التعذيب في السجن عام 1969. والأهم، يضيف مدير، أن ديدات نصح مانديلا ألا يتحول لنجم سينما وألا يُخضع بلاده لنموذج الغرب. «لكن مانديلا أراد الانفتاح على كل شيء». مانديلا لم ينه الفصل العنصري بمفرده وأنه وجد دعما غير محدود من الغرب ومعظم العرب، الذين اجتمعوا مرة أخرى لكن لمحاربة تحرير فلسطين والسنوار ومشروعه النضالي. والغريب أن العرب كانوا يدعمون نضال مانديلا على أمل أن يسهم في تحرير فلسطين ! وهنا نفهم كيف تلعب «الذاكرة المغلوطة» لعبتها في صناعة الوهم وتشويه التاريخ. وهنا نتحدث عن السنوار الذي لم يرض عنه أعداء الإنسانية، لأنه لم يتبع ملتهم، ولم ينفتح على الغرب، وقاومهم حتى آخر عصا في يده فبقي مرفوضا عندهم. ولولا أننا نعيش فعليا تأثير مانديلا في «عصر الزيف» لرأى الناس أن كفاح السنوار ورفاقه تجاوز كل أيقونات النضال في التاريخ المعاصر من الحقيقيين مثل القسام وعمر المختار إلى المشكوك في أمرهم. وإذا كان هذا النظام العالمي عادلاً حقاً إزاء مانديلا وجيفارا فلماذا إذن يقتل كل فرصة أو مناضل «حقيقي» لتحرير فلسطين. ولمن يتساءل ماذا فعل السنوار، نقول إنه زرع بذرة الحياة في جسد مات منذ زمن، وسيبقى شهيدا حيا يلهم أجيالا، كما كان أبطال الإسلام من قبل.

948

| 30 أكتوبر 2024

«سيف غزة المسلول» قادم... وسينتصر

قليلون هم الثابتون على الحق، أصحاب الرؤى الواضحة التي لا تغيرها الأحداث والأحوال مهما بدت سيئة، أولئك الذين يفهمون مراد الله ويثقون في وعده، والأهم يعرفون مبتدأهم ومنتهاهم وأولهم وآخرهم، ولا تنخلع قلوبهم لاستشهاد أي منهم، ويعرفون أن النصر آت لا محالة. غزوة مؤتة، التي وقعت في العام الثامن للهجرة أي قبل نحو ٣ سنوات فقط من وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في العام الحادي عشر، عندما أتم الله دينه وأكمل نعمته على عباده، مثال واضح وتطبيقي لما سبق من معان. خلال الغزوة وبحسب الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم سقط كل القادة الذين عيّنهم صلى الله عليه وسلم لقيادة المعركة، زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبدالله بن رواحة. عندها تجلت رحمة الله وتوفيقه لعباده المؤمنين. فقد قيل إنه بعد ابن رواحة أخذ الراية ثابت بن أرقم بن ثعلبة الأنصاري فدعا المسلمين أن يصطلحوا على رجل منهم، فقالوا: أنت، فقال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد. ولما جاء الدور على سيف الله المسلول، كان الناس في أضعف أحوالهم فتبدل الوضع من هزيمة وتنكيل بالجنود والقيادات إلى وضع ربما لا يكون نصرا مؤزرا لكنه وضع التعادل الذي، وبقراءة عادلة للمشهد، يعد نصرا عمليا، بعد كل ذلك التراجع، بحسب كثير ممن تناولوا تلك الحرب بالدراسة والتحليل. وفي الأثر المحفوظ الذي يشرح لنا جانبا مما حدث هناك في تلك الموقعة، أن الوحي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطلعه على ما يجرى. ونجد ذلك في حديث أنس رضي الله عنه، (الذي رواه البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: (أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، (خالد)، حتى فتح الله عليهم). وجملة «حتى فتح الله عليهم» هذه هي التي يستند إليها من رأوا أن الوضع تحول مع سيف الله خالد من هزيمة إلى نصر. وكان أساس ذاك الصمود ثم النصر أن المسلمين تحصنوا في قرية صغيرة تشبه غزة بحيث لا يسمح المكان للقوى المعادية أن تهاجم بكل حشودها دفعة واحدة. فكلما تقدم فوج من العدو قضى عليهم جند الله، فكانت بذلك مشابهة إلى حد كبير لغزوة «خندق غزة» وأنفاقها. تشابه آخر بين المعركتين، هو حالة الشماتة التي يبديها البعض ضد المعسكر المؤيد لغزة وصمودها. ففي مؤتة وعند عودة خالد بالجيش ناداهم بعض أهل المدينة يافُرار يافُرار، حتى قالوا هم ذلك عن أنفسهم، لكن هنا يتدخل رسول الرحمة والإنسانية صلى الله عليه وسلم بالقول الفصل: (لا، بل أنتم الكرارون، أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين). وفي معركة غزة، أحسب الوضع لن يختلف كثيرا، فرحيل قائد أو اثنين أو أكثر لن يوقف كفاح الأبطال الصابرين الصامدين الواعين بوعد الله، العالمين بما عليهم وما لهم. وغزة تشبه مؤتة، أيضا، في الهوة الكبيرة في العدد والعدة بين الجانبين. في مؤتة صمد ثلاثة آلاف مقاتل مؤمن أمام أكثر من مائتي ألف من الروم ومن والاهم. وفي غزة يقاتل عدد قد لا يصل حتى إلى بضعة آلاف، بأسلحة بدائية جيوش العالم المتوحش بكل أعداده المليونية وأسلحته الجبارة. وتشبه غزة مؤتة في أمور ثلاثة أخرى تحققت كلها جزئيا حتى الآن. الأول يتجلى في أن غزوة مؤتة كانت بكل المقاييس العسكرية معجزة من المعجزات، في ضوء ما تقدم عن فارق العدة والعتاد. والثاني أن «مؤتة» كانت أيضا كرامة من كرامات الله لعباده المؤمنين تؤكد أن الخالق سبحانه يدافع عن الذين آمنوا وأنه معهم. أما الثالث، فهو أن «مؤتة» كانت تصديقا لكلام رب العالمين عن أن المؤمنين الصابرين يمكنهم التغلب على عشرة أضعافهم. وهو معنى أكدته غزة مجددا، بصمودها، رغم ما جاء بعده عن تخفيف الله عن المؤمنين بأن جعل نصرهم ممكنا على ضعف عددهم فقط بالصبر والإيمان. فما نراه أمامنا يفوق كثيرا معادلة الضِعف وحتى معادلة الأضعاف العشرة. نحن نرى عالما مجرما يتكالب كله تقريبا سواء بالحرب المباشرة أو بالخيانة والموالاة على أصغر بقعة مستقلة على كوكب الأرض. لا أعرف ما هو ترتيب الشهيد يحيى السنوار في قادة نصر غزة قبل وصول «سيف غزة المسلول» لكن ثقتنا في الله أن «خالدها» سيأتي في الوقت المناسب الذي يعلمه رب العالمين ليتحقق به النصر المبين.

738

| 23 أكتوبر 2024

ترويض الهيمنة.. لن أعيش في جلباب الغرب!

إذا كان الجسم الإسلامي العربي قد فقد عقله الجمعي رسميا بسقوط الخلافة، والخضوع للاحتلال، بعدما كان فقده عمليا قبل ذلك بكثير، كما أشرت سابقا، فإنه آن الأوان لاستعادة هذا العقل ولو على المستوى الشعبي، ولا يكون ذلك إلا بالقطع والانفصال عن كل ما هو احتلال أو من تبعات الاحتلال، وخلع جلبابه تماما. قد تبدو هذه الفكرة بعيدة عن حديثنا في عملية صناعة الكفر، لكن قليلا من التدقيق سيوضح أن أساس التغلب على تلك الصناعة الشيطانية هو خلع جلباب التبعية وترويضها. فالأوطان لا تسقط ضحية للاحتلال عندما يقهرها المعتدي الغاصب بل عندما ينجح في احتلال شعوبها، أي احتلال عقولها وقلوبها وإقناعها بأنه ليس فقط أقوى ولكن أفضل. وهنا تبدأ تلك الشعوب في تقليده (الغالب) كما يقول ابن خلدون في مقولته التي يسيئ كثيرون استخدامها، والتي لا يمكن تعميمها لأنها لا تنطبق إلا عندما يتحقق احتلال الشعب وليس الأرض. والذي نعاني منه الآن ليس هو احتلال الأوطان ولكن هو أن الجزء الأكبر من شعوبنا بات محتلا فكريا، وخاصة الجزء المترف منه، ذاك الذي يتماهى تماهيا كاملا مع المحتل ويقلده بولع، أما الجزء الآخر المستضعف فقد تم احتلاله بزرع اليأس في نفوس أفراده مع تطاول أمد المحنة لعقود طويلة حتى ساءت أخلاق معظمهم وباتوا يعيشون كالهوام كما تنبأ ابن خلدون أيضا. على أن لجمال الدين الأفغاني، تنبؤا أكثر أهمية هنا لاتصاله مباشرة بواقعنا الحالي، إذ قال، ضمن نظريته للتغيير الاجتماعي والسياسي، أواخر القرن 19: الوضع الذي ترونه الآن وتحسبونه تقدما هو عين التخلف. لأننا نتقدم وفق مثال عدونا،»، منتقدا الفهم الخاطئ للقدر، والانبهار الزائد بالغرب لدى المسلمين، ومتنبئا أيضا بسيادة الهيمنة الأجنبية على كامل الجسم الإسلامي. لذا، ونحن نقارب فكرة خلع جلباب الغرب، علينا أن نفهم، وهو ما سيسهل علينا الاقتناع والتنفيذ، أن ذلك الجلباب لم يكن إلا من تفصيل العقل الصهيوماسوني الذي سيطر على أوروبا قبلنا بقرون. وهنا نشير إلى أهم ما جادت به قريحة المفكر العربي الراحل مالك بن نبي، (وربما هو القول الأهم بين أقوال كل الباحثين في عوامل الانهيار وشروط النهضة)، وهو أن العقل الأوروبي في مجمله منذ قرون، كان هو العقل اليهودي. بمعنى أن الأخير كان هو القائد لأوروبا ومن ثم الغرب. وهنا سأذهب بعيدا أبعد مما ذهب بن نبي لأقول إن العقل اليهودي كان هو المحرك للعالم قبل ذلك بكثير، وخاصة عندما قويت شوكتهم باندساسهم في المسيحية ليسيطروا من خلالها على العالم كما ذكرت سابقا. وما ذاك إلا انطلاقا من فكرتهم الشيطانية بأنهم خير من بقية الأمم ويجب أن يسودوهم. وهذا يوضح ويؤكد ما ذهبت إليه سابقا من أن الغرب أيضا ليس عنده عقل جمعي وأن ما كان يحكمه في أغلب مراحل التاريخ الوسيط والحديث والمعاصر هو عقلية القطيع، التي أفرزها تحكم العقل اليهودي فيه. فأي عقل جمعي ذاك الذي يجمع الغرب؟ الأمريكي أم الفرنسي أم الألماني أم..؟ وقد علمنا ربنا قوله القاطع الحاسم البين المبين، «تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ(14) الحشر.» لذلك أقول إن العقل الوحيد الذي سيطر على ما يسمى الغرب، وبشمول شبه تام، منذ معاهدة ويستفاليا (1648) وتدشين أسس النظام العالمي الحالي، هو عقل ابن سبأ وقبيله، الذين ورثهم الآن الصهيوماسون، الذين يريدون هدم الدين كله. فمسيرة «الفكر الغربي» منذ ذلك الحين واحدة وهي مسيرة ما سمي العولمة التي أفرزت صورة العالم الذي نراه الآن، وفق «نظرية المعرفة الشيطانية»، ومصطلحاتها ومسمياتها. فعندما سيطر العقل اليهودي أو بالأحرى الصهيوماسوني على الغرب سيطر بالتالي على العالم أو أغلبه، وشكله على هواه، وكان من ذلك السيطرة على كل شيء من البنوك إلى التعليم إلى إنتاج النفط إلى الصناعات الكبرى وخاصة السلاح إلى السينما والفن، إلخ. وتلك العقلية هي التي فرضت على الغرب وعلينا بالتبعية كل ما يحيط بنا من أفكار ومنتجات وثقافات ومسميات، إلخ، وألْبستنا جلبابا ليس لنا، وليس بقياسنا. والآن، ونحن نحاول إفاقة الشعوب من غيبوبتها، يتحتم علينا أن نرى الأمور من منظورنا نحن وبعيوننا نحن، وبقياسنا نحن.

861

| 16 أكتوبر 2024

ما بعد الإنسانية.. حضارة «المابعديات»!

تحدثنا سابقا عن «السايبورج» أو الإنسان الهجين أو الوسيط بين خلق الله والروبوت. وشرحنا أن ذلك يحدث في إطار صناعة الكفر ومحاولات أعداء الإنسانية الدائبة تغيير خلق الله. لكن يبدو الآن أن الأمور تأخذ منحى أكثر سرعة وخطورة في تطورها نحو تحقق آية «وظن أهلها أنهم قادرون عليها»، إذ يكثف هؤلاء الآن الحديث وبجدية عما يسمونه «ما بعد الإنسانية» إذ أنهم مهووسون بهذه اللازمة «المابعديات». وكنت أشرت في مقال «أيها السادة انتبهوا.. العالم يرجع للخلف إلى تقرير أصدرته شركة «كاسبرسكي لاب» العام الماضي ذكرت فيه أن الحدود الفاصلة بين البشر و»الإنسان التكنولوجي» ستتلاشى قريبا. وتزامن ذلك مع تصريحات لأشخاص يسمون «علماء»، ومنهم يوفال هراري، الذي يقول:»إننا قريبا سنبدأ هندسة الأجسام والعقول» وأن البشر الحاليين هم آخر جيل للإنسان بشكله الحالي. ويعني ذلك أن أعداء الإنسانية يستعدون لنقل الصراع معنا نحن البشر من مرحلة الدفاع عن أصل الحياة الرجل والمرأة، إلى مرحلة «الاختيار بين أن تكون إنسانا أو لا تكون».! وفي هذا يقول المفكر الروسي ألكسندر دوجين إن أنماط الحياة الخاصة بمجتمع الميم «ليست مجرد انحراف، بل عنصر ضروري لتنفيذ وانتصار الأيديولوجية الليبرالية.» وأن مسألة الشذوذ تلك ما هي إلا مرحلة من مراحل تستهدف تغيير بنية الإنسان حيث ستكون الخطوة النهائية «في هذه العملية الليبرالية، وجود أنواع من الخلق يختار منها الفرد أن يكون إنسانا أو وسيطا هجينا أو غير ذلك. وهذا تحت مسميات ما بعد الإنسانية، التفوق البشري، التفرد، الذكاء الاصطناعي. وهنا يتحدث «علماء آخر الزمان» عن روبوتات نانوية ستربط دماغ الإنسان وعقله بالخدمات السحابية، مثل سحابة جوجل، (Google cloud)، خلال السنوات القادمة، في سيناريو يشبه أحداث فيلم «ماتركس»، حيث يتحول الدماغ فعليا إلى كمبيوتر بتحميل المعلومات عليه مباشرة واستخدامها بمساعدة ما سيتم زرعه فيه من رقائق إلكترونية. وبذلك يتم ربط الإنسان بالخدمات السحابية ودمجه مع الآلة، لخلق الإنسان الهجين! وقد بدأوا ببث فيديوهات تصور الخلق من بدايته إلى ما يرتبون أن تكون نهايته من وجهة نظرهم، والتي يسود عندها الشذوذ، ثم السايبورج أو الإنسان الهجين، حيث يعتقدون أنهم سيحققون بذلك الخلود. وهذا من المفاهيم التي مهد لها «أنبياء العصر» أو «شياطين العولمة»، كما سبق شرحه، ومنهم في هذه الحالة ليو شتراوس، الذي يلقبونه بالفيلسوف، إذ يقول في إحدى محاضراته في العام 1960، مستشهدا بالماركسية، وكأنه يستشهد بالقرآن أو الإنجيل: إذا كان تقسيم العمل في الماركسية يقوم على الاختلاف بين الرجل والمرأة، فلتحقيق «المساواة الماركسية» يجب التخلص من تلك الثنائية وتذويب الفارق بين الرجل والمرأة، (التمهيد والتقنين للشذوذ والجنس الوسيط)، وذلك تحت شعار تحقيق المساواة بين الجانبين، أي أنه يريد أن يلغي النوعين لتحقيق المساواة بينهما،، تماما كمن يذهب للطبيب للعلاج فيقول له إن أفضل علاج له هو أن يلغيه من الوجود، الموت! ** اتجاه «ما بعد الإنسانية» وللغرابة بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي في مؤلفات الخيال العلمي، بحسب باحثين غربيين وعرب بينهم د. عادل خميس الزهراني، في دراسته الوافية «مابعد الإنسان، ومابعد الإنسانوية» 2020. لكن الغريب أن هذا الاتجاه بدأ مع بداية الألفية يكتسب شعبية في جميع أنحاء العالم، وقبل كل شيء في الغرب حيث نشأ. أو لنقل ينتشر في غفلة من الجماهير المغيبة كما ذكرت سابقا تحت وطأة «تسونامي الأكاذيب»، وهدم الإنسان بكل أنواع الإهلاك من مخدرات وخمور وانحلال أخلاقي عام. وأنصار هذا الاتجاه يبتلعونه بحماس مخدوعين بفكرة ضرورة تتبع مسار التقدم و التكنولوجيا الحديثة إلى نهايتها. في رأيهم، أن تعزيز التكنولوجيا يقود البشرية إلى حالة يكون فيها البشر أكثر كمالا من الجنس البشري. وهذا ما يعمل أعداء الإنسانية لتحقيقه من خلال تعديل جميع أجزاء جسم الإنسان عن طريق استبدالها بالمرفقات المصنعة التي لا يمكن تمييزها من أجزاء الجسم والأعضاء الداخلية. وهذا يشمل المحاكاة التكنولوجية للوعي أو تسجيل مختلف مستقبلات الوعي، ورسم خرائط الدماغ، إذ تظهر أحدث الاكتشافات في بنية الجين الوراثي قدرة الكائنات على تصحيح نوعيته باستمرار، بحيث تكون خالية من الأمراض والعيوب لتحقق، في النهاية، الخلود الجسدي. ** وهنا يوضح دوجين، صاحب ما يسمى «النظرية االرابعة» للعلاقات الدولية رفضه لـ «ما بعد الإنسانية» ويقول إنها ليست مجرد هواية لغريبي الأطوار، أو المتعصبين للتقدم التكنولوجي. ولكنها نتيجة للقرون القليلة الماضية التي جرى خلالها التلاعب بكل الثوابت والمسائل الفطرية تحت وهم الحداثة والتحديث، وتحرير البشر من كل القيود، حتى بات لدينا دين، أو بالأحرى ما يشبه الدين تم تقديمه إلى أوروبا والعالم من خلال ما يسمى التنوير، وهو ما تناولناه أيضا سابقا. ويضيف دوجين في تصريحات حديثة: «وصلنا الآن إلى المرحلة النهائية. في الغرب لم يعد يوجد، لا دين ولا تسلسلات منطقية، ولا أسر عادية، ولا دولة بالمعنى الكامل للكلمة. وقد تم تجاوز كل الحدود تماما. الآن كل ما تبقى هو خطوة واحدة أخيرة: التغلب على حدود الجنس البشري نفسه. ما بعد الإنسانية ليس المنتج الجانبي الغريب للتطور التكنولوجي بل هو النهاية المستهدفة للعصر الحديث. «الإنسان الخرافي» والهجائن والمسوخ والوهم، هي منتجات تلك الحضارة الحديثة، وبطبيعة الحال، فإن الغالبية العظمى من البشرية ليست على استعداد للتحول إلى الإنسان الخرافي أو المسخ. ولكن لا أحد يسأل غالبية البشر. فالتاريخ تصنعه وتكتبه النخب. الجماهير ليست مستعدة لقبول أي شيء من ذلك هم فقط جرى تحضيرهم، ولا أحد ينتبه.»

609

| 14 أكتوبر 2024

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4344

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

2253

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

2241

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1458

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

1074

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

750

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

681

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

660

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

633

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
الإسلام منهج إصلاح لا استبدال

يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا...

579

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

570

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
الرقمنة والتحول الرقمي في قطر.. إنجازات وتحديات

تعود بي الذكريات الى أواسط التسعينيات وكنت في...

483

| 05 ديسمبر 2025

أخبار محلية