رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الكتب والمطبوعات بضاعة قليلي الحيلة أمثالنا ممن تربوا بين أحضان المطابع ورائحة الأحبار والورق. فبين دفتي كل مطبوعة يجدون سلوتهم. وفي البحث عنها يمارسون أمتع هواياتهم التي ينفقون عليها بسخاء ربما أكثر من متعة النزهة في " ديزني لاند " أو غيرها. والغريب أن في طرف " وول ستريت " شارع المال والبورصة في الولايات المتحدة الأمريكية الذي ظل منذ القرن السابع عشر رمزاً للرأسمالية وعنوان المال والتجارة ليس في أمريكا فحسب بل في كل العالم حيث لا تخلو جيوبنا أبداً من بطاقات مالية تحمل شعار مؤسسات عالمية تتخذ من ذلك الشارع مقرا لها. والغريب كما أسلفت أن الذكاء المالي الأمريكي يلبي كل أذواق السياح ومرتادي هذه البقعة " مانهاتن " وحتى المتطفلين على التجارة والتجار أمثالي يجدون مرتعاً لهم هناك بين المباني التاريخية والأسماء الأكثر شهرة في تجارة العالم. ففي جانب من ذلك الشارع الشهير بمجسم الثور الضخم يعرض أحد الباعة أعدادا من صحف قديمة صادرة في مدينة نيويورك ويبالغ الرجل في أثمانها ربما بحكم نكهة الموقع وطبيعة زوارهِ أو لتاريخية هذه الصحف وشهرتها. عموماً اشتريت بعضا من نسخ " The New York Times " الصادرة في العام 1943م حين كان سكان العالم كافة مهمومين بالحرب العالمية الثانية وتداعياتها. فتبرز عناوين ذلك العدد من الصحيفة توجهات الحلفاء ومآل المزاج الياباني نحو الاستسلام وتقهقر ألمانيا نحو الانهزام بعد أن حصدت الحرب زهاء 61 مليون نفس بشرية وشارك فيها 100 مليون جندي من كل الأطراف. فالصحيفة تبرز أن الحلفاء ماضون نحو النصر في تلك الحرب التي كان باعث قيامها اقتصادياً صرفاً وفقاً لما أعقب الكساد الكبير عام 1929م من تدابير اقتصادية عالمية. فكانت الصحيفة تبشر القراء بأن هناك تفريخا كبيرا للوظائف في السوق الأمريكية بسبب الحرب يصل في ذروته اليومية إلى 30 ألف وظيفة تتركز في مصانع الأسلحة والمعدات الثقيلة. وخلاصة القول إن ثور "وول ستريت" متحفز للبحث عن زاده دائماً مهما كلفه الأمر من القتال والمنازلات فـ " قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق " كما في مثلنا العربي الشهير وهو ما يندرج ضمن الخيال العالمي للنفس البشرية عموماً وفطرتها المجبولة على التملك والاستحواذ بالقوة غالباً. ولا أعرف لماذا بائع الصحف القديمة يتمركز في ذلك المكان تحديداً. فهل هو يكمل البانورامية الاستعراضية لمكونات شارع المال وارتباطه بعصب القوة والجبروت. أم هو يوثق كما أخمن فكرة هذا الجانب لنوعية أمثالي من الزوار ليحمل لهم رسالة مباشرة عن تاريخ الحضور المؤثر لهذا الشارع في ذهنية الرأسمالية أم أن الرجل وجد في بعض مقتنياته ما يمكن أن يجلب المال حتى في روائح الأحبار المعتقة التي ستجذب من يدفعون بسخاء لمجرد اقتناء صحيفة أو كتاب لهما ذكرى أو تاريخ ليغذوا فكرهم بالجديد منها. ولكن تبقى الفكرة الأهم أن وراء كل حرب أو اقتتال في كل بقعة من العالم مصالح تميل في غالبها إلى المادية لذلك فليعِ كل المتخاصمين أن مآل حروبهم إلى خسران ويبقى فقط من يتربح بدمائهم.
515
| 14 يوليو 2013
" كامليا انتخابي فرد " الصحفية الإيرانية التي ظلت مشاعرها عصية على قبول ثورة القرن في بلادها وتكبدت عذابات السجن ونزوات المحقق كما تكبدت هي وعائلتها (على مضض) المرور إلى زيارة جدتهم المسنة في قرية " جمران " التي اتخذها الخميني مقراً لإقامته في أول وصوله إلى طهران بعد الإطاحة بالشاه. كامليا وهي من أهدى رفوف الثقافة والمثقفين في العالم ملخص سيرتها التي كانت هي في الوقت نفسه سيرة إيرانية وقراءة للجمهورية الإسلامية من الداخل من داخل بيوت سكانها ومن مقابرهم ومن سجونهم ومن علاقاتهم ببعضهم ومن سطور صحفهم الموسومة بنكهة الثورة ومن جملة التغييرات التي فرضها النظام الديني هناك على بلد كانت بعض أسره كما هي أسرة كامليا تقضي الصيف ربوع أوروبا وتقتني من أسواقها أفخر العطور والملابس فغدت نساء الأسرة تلتزم بالحجاب ويمتنع الرجال حتى من مجرد التسلي بلعبة الورق. كان طوفان حل بالبلد بعد الثورة كما تصفه كامليا في سطور روايتها، طوفان قلب كل موازين الحياة في بلد كان يتأهب للمضي قدماً نحو مستقبل واعد. كامليا تكتب بلوعة الماضي وذاكرة مثقلة بمشاهد معايشة الثورة وبداياتها والسجون التي آل إليها كل الممتعضين وجثث المعتقلين في بلادها ونزغ ذلك المحقق وشهواته. تكتب الآن عن ثورة سقوط الإخوان في مصر وتبدي شعور الفرح بهذا الحدث ربما لأنها ظلت السنوات الطوال منذ العام 1979م تنتظر فشل الثورة في بلادها وعودة الحياة والحريات كما اعتادتها في حكم الشاة. فظل هذا الحلم عصياً عليها في إيران ليتحقق لها لاحقاً في مصر بسقوط حكم الإخوان. كامليا كانت تتحدث عن سلوك الملالي ورجال الثورة باسم الدين وتلمح إلى ما لا يمكن وصفه من السطوة ومصادرة حريات الناس وانسياق بعضهم إلى بيع أعراضهم بسبب الفقر وربما بتشريع علني. غير ذلك من المواقف والروايات الموثقة. بل كم هو مؤلم حين تلجأ كامليا بالشكوى إلى رجل بحجم رئيس الجمهورية كما فعلت عندما التقت بالسيد خاتمي بصفتها الصحفية في نيويورك ثم في قطر فقال لها " هيا بنا معاً نذهب إلى طهران " وهو يعلم كم هي مطاردة من المخابرات الإيرانية ومحققها الذي لم تعرف اسمه سوى أنها قبلت مغامراته الليلية ربما لمجرد الخلاص من عذابات السجن والانعتاق إلى الحرية ودنيا الصحافة التي حققت من خلالها حضورا تعتز به لنفسها وبقدرتها على التعبير الصريح. عموماً كامليا ردت بقولها على الرئيس خاتمي" إذا أعطيتني رسالة تضمن حمايتي" فجاوبها الرئيس بقوله " لا أدري إن كان في استطاعة أحد أن يحمي أياً منا عندما نعود إلى طهران " لذلك ظلت كامليا بعيداً عن طهران تتلقفها المطارات والمناسبات. بينما تشغلها الأحداث الساخنة كما هو الحال في مصر الآن لتكتب مباركة للمصريين بمناسبة الخلاص من رئيس لا يملك الحرية لنفسه كما خاطبها الرئيس خاتمي فقد كانت أوامر الولي الفقيه تحركه حيثما تشاء تماماً مثل الرئيس مرسي الذي كانت تملى عليه الكلمات وكان مجنداً فقط لتلقي الأوامر من مرشده الحزبي فقد حملته الظروف وقلة الحيلة والمراس منه إلى كرسي الرئاسة الصعب في بلد غير عادي أبداً في حضوره وحجمه ربما بديلاً عن زميله الحزبي خيرت الشاطر الذي منعته ظروف دستورية من الترشح للرئاسة. فكان مرسي هو البديل الجاهز. ختاماً كامليا فرحت بالتغيير السريع في مصر وهو ما كانت تنتظره طويلاً في طهران ربما لترى بيت العائلة الذي ودعته يوما على أمل العودة.
400
| 07 يوليو 2013
قطر تفتح صفحة جديدة؛ تبعث للعالم منها رسالة استثنائية تؤكد فيها أن الزعامة والرئاسة ليست غاية أبداً بل هي وسيلة للعمل نحو إرضاء الضمير وتقديم ما يخدم الإنسانية ويعزز مكانتها. فهكذا فهم العالم رسالة سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي تنازل عن حكم البلاد طواعية لجيل فطن من القيادة الشابة التي تواكب عصرها ممثلة في سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد حفظه الله. فبقدر لوعة مشاعر الوداع إثر ترجل " الرجل الأسطورة " الذي حكم قطر بتميز فريد في نوعية الحكم والأداء بمقاييس تاريخ حكام الشعوب والأمم إلا أن قرارات سموه يتخذها القطريون دائماً نهجاً عملياً فسموه صاحب النهضة ومؤسس قطر الحديثة وكان نادراً منذ يومهِ الأول في كرسي الحكم. ديدنه العمل للعبور بقطر إلى موقع يلائم طموحه وطموحات كل المحبين لهذه الأرض والعارفين بإمكاناتها. فقد حولها من مجرد اسم يلازم المجهول سابقاً إلى دولة ذات حضور وتأثير عملي وعميق في كل الميادين بل وشريك مهم ولاعب رئيسي في كل القضايا الإقليمية والدولية ولم يكن عصب مهمته المال وثروات البلاد فقط بل كان العقل والحكمة والتدبير هي بضاعته في هذه المهمة التي حمل خلالها أسم قطر عالياً وحولها إلى وجهة حضارية وتنموية تسابق مقاييس التنمية في أرقى دول العالم بل حضر الإنسان القطري مواكباً لروح المرحلة وشريكاً مؤهلا في إدارة دفتها. لذلك كان التنحي الطوعي للشيخ حمد مليئاً بالعبر ووفيرا بمواطن الفخر فلم يمر يوم على قطر وأهلها طيلة تولي سموه الحكم إلا وكان على أرضهم منجز ولسمعة بلادهم حضور ولمستقبلهم حافز ووافر عطاء. ويسجل من أبرز منجزات سموه أن أسس لمؤسسة الحكم في البلاد نهجاً ناصعاً ورجالاً أكفاء من أبنائه يتولون دفة الحكم بثقة ومواكبة للعصر بعد أن هيأ لهم السبل لهذه المرحلة مثلما قال حفظه الله في خطاب التنحي يوم الثلاثاء الماضي مستشهداً بقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "علموا أولادكم غير ما علمتم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم " فقد أثمرت جهود سموه وتضحياته في كل قطر وهو يرى الجميع في بحبوحة الخير وأرقى سلالم التنمية وأثمر حرص سموه في ضمان الخلف الصالح القادر على استقبال المهمة وإدارتها. فبادر حفظه الله على استكمال اللوحة الجميلة التي رسمها لقطر ليكون للمستقبل رجاله وللمرحلة القادمة فكرها وعدتها. فسعدت قطر بهذا المنجز الطوعي بل وتباهت به بين الأمم والدول وهو أن جسدت بأن مفهوم العمل في كرسي القيادة لا ينمو بالحيازة القصوى ولا بالاستحواذ بل بالعقلانية والطواعية وحساب توافقات الوقت ليكون لكل مرحلة رجالها هكذا طواعية دون أن تحتشد الميادين بالمعارضين ودون أن تهدر الدماء ودون أن تهان كرامة أو يقاد الفكر إلى حلبة الصراع. بل كان الشيخ حمد يتنازل وهو في ذروة عطائه. ولو خير كل أهل قطر بين استمرار سموه في الحكم لربما صوتوا بأعلى ما يتاح لهم من الأصوات ولكنهم ودعوه وداع المحب وعيونهم تمتلئ بدموع شجن اللحظة وقلوبهم تلبي نداءه وتتجاوب مع رغبته فهو من خاف الله فيهم فأقام بينهم عدلا وأجزل لهم العطاء وبذل من أجل مكانتهم وسمعتهم كل ثمين. فليس لهم من خيار سوى النزول عند رغبة سموه التي سيحفظها التاريخ في أنصع صفحاته وسيذكر المنصفون كيف صنع سموه منهجاً للطواعية والإيثار في التعاطي مع كرسي الحكم الذي يتشبث به الغير ويريقون من أجله الكرامات والدماء. أيضاً عزاء القطريين في وداع واجهتهم وباني عهدهم الجديد ونهضتهم الكبرى أن ودعوا حبيبهم وهو بأبهى حالاته صحة وحضوراً بعد أن استودع مستقبلهم وبلادهم في يد ظن فيها الخير والقدرة. لذلك يردد القطريون أن هذا الأسد ابن أسد وشب في عرين أسود تعلمت أن القوة في الحق والعطاء. وأن الحكم في العدل. وفق الله قطر وسمو أميرها تميم ليتمم المشوار نحو مرحلة لا تخلو من التحديات التي تحتاج الهمم الكبرى.
479
| 30 يونيو 2013
تباينت الآراء حول الدعوة السعودية لخفض أعداد الحجاج لموسم هذا العام بين القبول والرفض، بل ذهبت بعض الجهات إلى تسييس تلك الدعوة وربطها بالأوضاع الراهنة في المنطقة العربية, ولتلك الحالة أسلوبها في الفهم وتحميل الأحداث ما لا تحتمل وإلا كيف يفسرون مشاهد العمل في مكونات الحرم المكي الشريف الماثلة للعيان في كل صلاة، حيث تحولت باحات الحرم وأروقته إلى ورشة عمل ناشطة لتوسعة صحن المطاف لاستيعاب المزيد من أعداد الحجاج والمعتمرين ضمن جملة المشاريع المتوالية التي تتبناها الحكومة السعودية منذ توليها شرف مهمة خدمة الحرمين الشريفين وعموم المشاعر المقدسة وتنفق عليها المبالغ الضخمة سنوياً تحقيقاً لراحة الحجاج وسلامتهم في جهود تحولت معها معالم المدينتين المقدستين إلى مدن ذات سمات استيعاب قصوى بجملة تجهيزات تحقق الراحة وتوفر أجواء أداء المناسك بيسر وسهولة وبتنظيم يضمن عدم مضايقة الحجاج والمعتمرين أو الإخلال بمناسكهم ولتكون رحلة حجهم مفعمة بالراحة واليسر، لا تشوبها مظاهر التعب أو الإخلال. فأعمال المرحلة الأولى لتوسعة صحن المطاف والجاري العمل فيها على مدار الساعة حالياً ستستوعب 150 ألف طائف في الساعة وهو حجم استيعاب قياسي, لذلك كانت الدعوة السعودية لخفض أعداد الحجاج من الداخل والخارج بنسبة 50 في المائة و20 في المائة على التوالي هي دعوة واضحة ومبكرة لا يمكن تفسيرها أو فهمها سوى السعي للتنظيم بما يتوافق مع حجم الاستيعاب الحالي في فترة التوسعة للحرم المكي وعموم المشاعر. وكما تتباين الآراء بعد كل موسم حول آلية تنظيم حركة العدد الضخم والمتزايد سنوياً من الحجاج والذي يفوق الثلاثة ملايين يفدون من كل أصقاع العالم بثقافات مختلفة ولغات مختلفة وفي وقت محدد وأماكن محدودة أيضاً حتى في استيعابها, فهناك من يتحدث بالرضا والتقدير للحكومة السعودية وهناك من يوجه النقد واللوم للسلطات دون أن يتكلف مجرد البحث عن حجم الجهد المبذول والذي توظف له المملكة كل طاقاتها بداية من القنصليات السعودية في الخارج والتعاون مع بعثات الحج ومنظميه وتهيئة كل المرافق والخدمات، حتى أن الملك عبد الله بن عبد العزيز يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين تشرفاً بالمهمة واستمرارية أدائها. لذلك يجب التعاطي مع هذه الدعوة بمهنية وحرص ودون اللجوء إلى التأويل العاطفي السلبي، بل بمسؤولية الحرص العام من عموم المسلمين على سلامة الحجاج وسهولة حجهم، حيث لا تزال جملة مشاريع توسعة وإعمار مناسك الحج مستمرة, ومثلما حققت توسعة المرجم في مشعر منى وتعدد أدواره اليسر والسهولة وانتفاء مظاهر التزاحم الشديدة التي كانت تفضي إلى صور سلبية وإضرار بالحجاج فتبدلت الصورة إلى ما هو أيسر الآن. كما أن العمل مستمر في مشاريع أخرى، كقطار الحرمين وغيرها, كذلك يلاحظ أن أعدادا ضخمة من الحجاج تكرر الحج كل عام محدثة تزاحماً وتضييقاً على الحجاج الأولى بأداء فريضتهم لأول مرة, فالحج ليس رحلة سياحية على كل حال, فهو ركن من أركان دين الإسلام الخمسة، بل يقترن أداؤه بالاستطاعة مرة في العمر كتكليف شرعي يتمم إسلام المرء "من استطاع إليه سبيلا"، ولمفهوم الاستطاعة هنا محددات شرعية تتصل بالقدرة الجسمانية لقضاء المناسك وكذلك القدرة المالية, وهو رحلة يرتبط نيل مرادها من غفران الذنوب وعودة الحاج إلى أهله كيوم ولدته أمه أن يخلو حجه من الرفث والفسوق كقوله تعالى (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)، ويجمع المفسرون على أن الفسوق هنا يعني جملة المعاصي المحرمة بالكلية، بل توجب أشهر الحج وهي حرمة لا يتم الحج إلا بنبذها والابتعاد عنها كذلك الجدال بأشكاله من المخاصمة والمنازعة والمساببة فتلك من آداب الحج التي يحفز عليها العدد المتوافق مع حجم استيعاب المكان, لذلك مسؤولية تعميم الفهم للدعوة السعودية مسؤولية الجميع من مؤسسات ودعاة ومفكرين وكتاب, نسأل الله الأجر للجميع.
303
| 23 يونيو 2013
طرفة سياسية يتداولها معظم الشعب اللبناني عندما كان الجيش السوري يفرض حضوره في لبنان تحت ذريعة الحماية ووقف الحرب الأهلية التي عانى منها لبنان طويلاً. كان ذلك في العام 1976م وبمباركة جامعة الدول العربية. وهو حضور يستعيض به السوريون عن غصة استقطاع لبنان من خارطتهم بعد تقسيم معاهدة سايس بيكو عام 1916م. ومضمون الطرفة أن مواطناً لبنانياً استوقفته إحدى نقاط التحكم السورية المنتشرة في كل لبنان إبان التواجد العسكري السوري فما كان من الجنود سوى سرقة ساعة اليد السويسرية الفاخرة التي كان يرتديها المواطن الذي ذهب للشكوى عند جهات عليا ليسجل في المحضر" أن سويسرياً سرق ساعته السورية " فبهذا الحجم من الترويع والاستغلال كان النفوذ السوري طاغياً في لبنان. ويمثل مركز استخبارات الجيش السوري في بلدة عنجر اللبنانية معنى الرعب والقمع والمطاردات حتى قيل إن رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري كان يستدعى إلى ذلك المركز لتملى عليه التعليمات وفقاً للمزاج السوري آنذاك. سوى أن مقتل الحريري كان بطاقة الخروج الحمراء لهذا الوجود النشاز والمرفوض دولياً ومحلياً من الغالبية اللبنانية. ولكن ظل لبنان محلاً للمقايضات الدولية في المنطقة وظلت سوريا تتمسك بوجودها هناك في كل المفاوضات وكل الأدوار الإقليمية بما فيها حرب تحرير الكويت والذهاب إلى مفاوضات مدريد رغم الكثير من الدماء وتحجيم الحضور اللبناني المميز في المنطقة اقتصادياً وثقافياً. ولكن خيوط اللعبة ومطاردة الحضور السوري توسعت إقليميا بنشوء المصالح الإيرانية وتحالفها مع السوريين لتحقيق موطئ القدم الإيراني الذي لم يكن له حضور أو حتى ملامح قبل الاجتماع التاريخي تحت شجرة ملعب كرة القدم في ثانوية مدينة صور بين السفير الأمريكي إدوارد دجرجيان والإمام موسى الصدر عام 1966م حينما رغب السفير" حسب مذكراته " في التعرف على طبيعة مجتمع الطائفة الشيعية في لبنان بعد أن كان المشهد السياسي هناك واتصالات السفارة محصورة على رموز النخب والطوائف الأبرز في لبنان آنذاك وهم المسلمون السنة والمسيحيون والدروز. فكان ذلك اللقاء الذي سعى إليه السفير دجرجيان بداية البروز للطائفة الشيعية في المشهد السياسي اللبناني وهو ما عززته العلاقة الوثيقة بين إيران وسوريا ذات النفوذ والسلطة الأقوى في لبنان إبان تواجدها العسكري هناك والذي تؤول محاولات النيل منه أو مجرد انتقاده إلى التصفية كما حدث فعلاً في مواجهات السوريين ضد ميشيل عون أولا ثم الرئيس الحريري الذي لم تعلن المحكمة الخاصة بالتحقيق في اغتياله صراحة أسماء المتورطين في ذلك الاغتيال الوحشي. سوى أن الأصابع كلها تشير إلى تورط السوريين وذراعهم العسكري الأبرز الذي تمثل في حزب الله بتركيبته السرية المعقدة وتباين أدواره وتناقضها مع الدور المعلن والمستتر تحت ذريعة المقاومة وصناعة النجومية بالأحداث المفبركة حتى بالشراكة مع إسرائيل. بينما هو يلعب دور الدولة اللبنانية ويصنع لكيانه حضوراً بلباس الطائفية وتحقيق أجندات إيران وسوريا معاً ويعطل دور الدولة بحسابات ملتوية وتحالفات مدفوعة الثمن. لذلك ليس بدعاً أن يحمل الحزب السلاح في الصفوف الأولى دفاعاً عن سوريا في مواجهة ربيعها الصعب للعودة بها إلى القومية العربية وتاريخها كأول دولة للخلافة الإسلامية. وفي حسابات المحللين يبرز الدور الأمريكي الذي أعطى للطائفة الأقل حضوراً في المشهد السياسي اللبناني دوراً أكبر من حجمها في خارطة السياسة اللبنانية ودستورها. أيضا نظرية الشرق الأوسط الجديد بما فيها من قلب لموازين القوى والأدوار في المنطقة بعد أحداث سبتمبر وتمادي بعض جماعات السنة وغلوهم في العداء ضد الغرب وفقاً لمخطط الحادي عشر من سبتمبر جعل الحضور الإيراني هو الأبرز لاعتبارات طائفية فذهبت العراق نهباً ثم غيرها مما هو ضمن مخطط الشرق الأوسط الجديد. ومع إعلان الإدارة الأمريكية مؤخراً تسليح المقاومة السورية بتبريرات مواجهة السلاح الكيماوي السوري إلا أن الإدارة الأمريكية تحبذ أمساك العصا من المنتصف لتوجه لإيران وكل حلفائها أن هناك خطاً أحمر يجب التوقف عنده وإن تجاوز التوازنات المحددة قد يجلب للإدارة الأمريكية ومصالحها في المنطقة صداعاً وربما نزيفاً لا يمكن التحكم بنهايته. لذلك كان التوجه الأمريكي نحو تسليح المقاومة السورية فصلاً مهماً في مجريات اللعبة الحالية. وتبقى ضرورة أن يستعيد رموز المشهد السياسي في لبنان مكانتهم لاسيَّما السنة منهم بتأهيل قدرات فاعلة لمواجهة اللعبة في المشهد السياسي اللبناني وهو دور يفرض حضوراً ودعماً من الدول العربية المعنية بالشأن اللبناني حتى لا تظل ساحته نهباً للمرتزقة ومحلاً لتمرير الأجندات نحو المنطقة كلها. أعتقد أن لبنان بحاجة إلى حريري آخر ربما في شخص بمكانته ونفوذه وقد لا يكون سعد الحريري هو اللاعب الأبرز باسم السنة الآن فاللعبة تحتاج كاريزما خاصة. لذلك يفتش اللبنانيون جميعاً عمن يخوض باسمهم غمار المرحلة قبل أن تأتي الظروف على الأخضر واليابس.
438
| 16 يونيو 2013
الشهرة تضيف على الشخص حكايات زائدة ممزوجة بالخيالات التي تغدق عليه مزيداً من ضروب التميز. فتغدو الشهرة مشروعاً نحو باحات من التفرد وبناء الثقة وخوارق القدرات في الممارسة والتعاطي مع الظروف. ولطالما حملت شواهد التاريخ نماذج وأسماء لشخصيات كانت طبيعية عادية " حملها وفصالها في عامين " ولكن الظروف صنعت منهم رموزاً ليكونوا معالم في تاريخ شعوبهم. بل تتأثر بهم الثقافات الأخرى وتتغذى من منهجهم بالحكم والنوادر. أحد هؤلاء هو سليل بيت حمل مع معالم الفقر إرث الأسرة المتحمسة لمكوِّن الخلافة العثمانية ومشروعها. ذلك هو بائع البطيخ ثم عمدة إسطنبول الذي غدا الآن رئيساً لحزب الأغلبية الحاكم في تركيا. السيد رجب طيب أردوغان بتاريخه النضالي في دهاليز السياسة التركية المعقدة مابين إرث الخلافة المفقودة وعباءة العلمانية الحاضرة وحراسة الإرث الإسلامي وحضارته العريقة والانفتاح نحو الغرب وشهوة مقعد الاتحاد الأوروبي؛ فأردوغان اللامع سياسياً بمواقفه وتاريخ خطبه ومناوراته مابين سنوات السجن وحزب الخلاص الوطني ثم حزب الرفاه ظل يحافظ على مشروعه المزاوج بين علمانية الدولة الحديثة واستعادة مسؤولية الخلافة تجاه الأمة التي تستلزم سلوكاً محافظا ًوهو ما يرفضه الشارع التركي الممتعض الآن والذي تستغله جهات تحاول النيل من أردوغان ومشروعه. وكأن الرجل يعيد صياغة جداول " مندل " في استخلاص موروث الأجيال وصفاتها. فحسب اقتباسات أحدى خطبه يبدو الرجل وفياً لموروث أمته فتتلبسه عباءة التصوف " أحياناً " رغم تزينه بربطات العنق الأنيقة التي تعكس جمالية وجودة الصناعة التركية الحديثة فهو اثنان في واحد أو أكثر من رجل في رجل كما تنعته الصحف التركية التي عادت إلى اقتباساته الشهيرة لإحدى المقطوعات من الشعر التركي القديم حين قال في أحد خطبه: " مساجدنا ثكناتنا قبابنا خوذاتنا مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا وهذا الجيش المقدس يحرس ديننا " فالرجل بعد أن كان رمزاً للتفوق الاقتصادي ونظافة اليد وبر الوالدين وحارس الحريات في تركيا ودول الربيع العربي وقاهر الصهاينة والمناهض لجرائمهم في غزة كما فعل في منتدى (دافوس) حينما غادر مقعد الحوار مسجلاً بطولة تاريخية لشخصه ولبلاده لتصاغ حوله الحكايات والروايات حتى صار أردوغان شاغل الناس ومحبهم خاصة عند العرب منهم. فالرجل اليوم يواجه مظاهرات ميدان تقسيم وسط العاصمة التي كانت الباب العالي وعاصمة الخلافة فهل هي أزمة حديقة (جيزي) أم مواجهة رواد حانات الخمور أم هو مد المواجهات الطائفية التي تديرها قوى إقليمية بمباركة عالمية للنيل من هذا السياسي الطامح " لكاريزما " عالمية له ولبلاده بمواقفه تجاه الأحداث في دول الإقليم. فكان لا بد من إحراجه وإفشال مواقفه بجر تركيا إلى مستنقع المواجهة وتفجير المشهد التركي المستمتع الآن بجملة مكاسب اقتصادية في عهد حزب العدالة والتنمية الذي يحافظ على توازنات السياسة بين قيم الآمة التركية وعلمانيتها الحديثة. أظن أن سيناريو الربيع العربي بنسخته التركية كتب بعضه بمداد إيراني حسبما ظهر في بعض الهتافات والشعارات. وهذا قدر الموالين لطهران ؛ ينكشفون من مضمون هتافاتهم وألوان بيارقهم ويأتي التدخل الإيراني ربما لإحراج أردوغان ومواقفه إثر تبني حكومته للملف السوري ودعمه لحراك الحرية وثوراتها. فقد كان الرجل في المغرب العربي يدعم جهود التنمية في عهدها الجديد بينما الشارع التركي يؤجج ويشتعل. أيضاً مواقف الرجل وحكومته ضد المد الصفوي في العراق ومواقع أخرى تعيد إلى الأذهان المسؤولية التاريخية لبلاده تجاه الأمة. فالرجل يمثل موقفاً صلداً في مواجهة الظروف والتحديات ويستند إلى أكثرية برلمانية تدعم جهود الرجل للمحافظة على هوية المجتمع وقيمه بعقلانية حتى وإن جرها الإعلام إلى حلبة الصراع المقيت. فمن زار تركيا ما بين عام 2000 وبين عام 2012م سيلمس فارق الطفرة الاقتصادية والقوة الشرائية ومعدلات التصدير والجذب السياحي وهو ما يتحدث عنه غالبية الشعب بتقدير لأردوغان وحكومته. ومع أن رضا الناس غاية لا تدرك ناهيك عن تأهب الخصوم واندساسهم بين صفوف العامة. إلا أن أردوغان ربح أو خسر الموقف ضد خصوم الميدان سيظل اسماً مميزاً في تاريخ الأمة التركية.
386
| 09 يونيو 2013
رواية "القاهرة الصغيرة" للجزائري عمارة لخوص بما فيها من نساء ورجال وإنسانية وإرهاب وعمل كانت حاضرة في ذهني وأنا أتابع الحملة السعودية لتصحيح أوضاع قرابة 3 ملايين عامل مخالف يعيشون بيننا ضمن 8.4 مليون عامل من مختلف دول العالم بعضهم من غير إقامة نظامية أو يعملون في غير مهنهم التي قدموا عليها أو عند أرباب عمل غير كفلائهم. وهي ظاهرة فرضتها ظروف التنمية في البلاد ومساحتها الشاسعة وظروف الوفادة للحج والعمرة وحالات التسلل إلى المملكة لغرض العمل أو حتى لأهداف تخل بالأمن كما كانت بداية الحملة التي انطلقت من المناطق الجنوبية حيث التضاريس الجبلية الصعبة التي اتخذ عبرها المتسللون طرقاً للوصول خلسة إلى مدن البلاد حتى غدت تلك العمالة وكثافتها تخل بالأمن في وقائع مرصودة وموثقة إضافة إلى مزاحمتها لأبناء البلد في فرص العمل حيث يعاني بعض الشباب من ندرتها مما حدا بالجهات الأمنية والقطاعات المعنية بالعمل الإسراع في تنظيم تلك الظاهرة التي توجت بقرار من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أمر بمهلة مدتها ثلاثة شهور تنتهي في نهاية شهر شعبان القادم لتصحيح أوضاع تلك العمالة وفق جملة مسوغات تتيح لهم العمل بنظامية وحرية دون أن يكون أحدهم مخالفاً أو يمثل إضراراً بالأمن أو فرص العمل المتاحة للسعوديين في القطاع الخاص بعد أن سنت حزمة من الرسوم والقيود التي تفرض مجالات عمل أكثر للسعوديين تصل برسوم الإقامة السنوية وما يتبعها من رخص العمل والتأمين الطبي ودعم صندوق الموارد البشرية إلى أكثر من ألف دولار سنوياً. عموماً رواية القاهرة الصغيرة التي رمز فيها الكاتب إلى حي " ماركوني " وسط العاصمة الإيطالية روما والمكتظ بالمهاجرين والعمالة العرب وتحديداً المصريين ممن شكلوا مجتمعاً شبيهاً بظروف القاهرة عاصمة بلادهم وليشكلوا أيضاً ضمن عموم العمالة المهاجرة في روما ملامح متناقضة لحياة العمالة في المهجر يتداخل فيها العمل الجاد والانفلات والحب ودواعي الإخلال بالأمن والتنظيمات السرية. فظروف العمالة ومستوى ثقافتها وطبيعة معاشها وفقاً للرواية هي ظروف واحدة أينما كانت في كل بلاد العالم يدفعها نحو هذا الواقع ظروف الحياة في بلادها والبحث عن لقمة العيش الأفضل وتحكمها قوانين العمل الدولية والمحلية أحياناً وتتقاذفها ظروف المعاش والعمل في كل بلد. سوى أن الحالة في السعودية وصلت إلى حد الترهل وبروز ظواهر غريبة وعجيبة تنعت المجتمع ومستوى أداء الخدمات فيه بما لا ينبغي لذلك كان المبرر للحملة وتصحيح وضع هذا الحجم من العمالة واقعياً وملتزماً بالضوابط التي تحفظ للجميع كرامتهم وحريتهم بمشاركة عموم سفارات الدول ذات العلاقة بالعمالة وتوجها القرار الملكي الذي اتسم بالإنسانية وهو ما يؤمل أن يفضي إلى واقع عملي سليم تختفي منه الظواهر السلبية والعمالة السائبة ولتكون علاقة العمل بين كل أطرافها ذات أطر مؤسسية محكومة بنظام يحفظ للجميع حقوقهم. وحيث تنتهي حملة التصحيح السعودية نهاية الشهر المقبل يبقى للبلاد حقها القانوني في تصيح الوضع رغم حملة الانتقادات الدولية ومحاولات تشويه أسلوب أداء الحملة وأهدافها لأغراض دعائية مغرضة والإلحاح نحو إلغاء نظام الكفالة في كل دول الخليج تبعا لهذه الظروف. إلا أن وجود عامل مجهول الهوية ولا يعرف له مقر سكن معروف ولا يتمتع بظروف إقامة نظامية أو حتى فرصة للعلاج نظاماً مدعاة للقلق منه وعليه أيضاً. لذلك نحن عموماً في السعودية سعداء بهذا التوجه الذي سيضمن للأخوة النظاميين من كل بلاد العالم العيش بيننا والعمل معنا بروح المحبة. فهم شركاء لنا في الإنسانية والتنمية.
473
| 02 يونيو 2013
كانت مسائيات بيوتنا المعتمة في حقبة ما قبل النفط في الخليج تضاء بوقود "الكيروسين" المجلوب من مقاطعة عبدان الإيرانية. أما حين يشتد المرض بأحد ما هنا في دول الخليج فليس له من وجهة للاستشفاء سوى مصحات شيراز وأطبائها المهرة. كانت تلك حقبة إيران الذهبية وحضورها المميز بالشهرة عند الجميع، حيث لم تكن الرحلات تنقطع من وإلى هناك، سياحة وتجارة وعلاجا. فإيران بطبيعتها وما حققته من مكتسبات الحضارة في التعليم والقانون وعموم مكونات المجتمعات الحديثة ومؤسساتها هي واجهة شعوب الخليج فيما قبل 1979م فربما طائرة شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي المغادرة إلى المجهول حملت معها الكثير من مزايا المجتمع الإيراني وثقافته لتدخل البلاد مع بدايات الثورة مأزقاً حاداً مع التاريخ والجغرافيا، ليس فيما حولها من مناطق ودول، بل مع كل العالم في حدة لا تبشر إيران وثورتها بمستقبل يضيف أو حتى يعيد للبلاد ذلك الحضور المميز في خارطة الاقتصاد العالمي وصورة الحضارة التاريخية التي حافظت عليها إيران قرونا زمنية طويلة. كانت النسخة القانونية التي بشرت بها الثورة شعوب بلاد فارس في عهدها الجديد ذات ملمح ديمقراطي ومسؤولية معلنة تجاه هموم الأمة وقضاياها، فالثورة اعتمدت على روح الحرية ورفع شعار الإسلام والتدين، فسلاحها المميز تجاه ما اسمي بطغيان الشاه وسياساته هو التكبير اليومي المستمر على أسطح المنازل من حناجر المؤمنين بمصداقية الثورة وما تحمله من ملامح الخلاص من استبداد عرش الطاووس. كانت الحناجر لا تمل التكبير توافقاً مع طبخات دهاليز السياسة العالمية التي انتقمت من ممارسات الشاه بهلوي ورئيس حكومته مصدقي الذي وجه لاقتصادات العالم ضربة قوية بقرار تأميم النفط الإيراني، فكان آية الله الخميني النموذج الجاهز لما بعد مغادرة الشاه. وكأن تكبيرات الحناجر الموتورة أتت أكلها واستجاب الله لإيمانيات القوم وحل الخلاص من ظلم الشاه الذي صور ديكتاتوراً ضمن من يشتمهم تاريخ الأمم. فكانت كل إيران بتاريخها وثرواتها وطموحها في يد الملالي بعد هبوط طائرة الإمام الخميني لتدار بعقلية غريبة حولت بهجة الأرض ومقدرات المجتمع نحو هدف يستنسخ أجندات عصور لا تتفق مع برمجيات العصر وحداثته. فلم تعد عبدان تمد العالم بالطاقة ولم تعد شيراز وجهة الاستشفاء المعتادة وظلت البلاد تصارع النكبات والمواجهات وقرارات حظر الاقتصاد المتوالية وهي من يملك أقوى جيوش المنطقة خبرة وعتادا وهي من يملك أبدع ممارسات البحث والعمل ومقدرات الطاقة والعمل سوى أن النتائج تتوالى مخيبة لآمال المنصفين ومعدلات التنمية ومقاييسها. فالديمقراطية غدت شبحاً يخيف حراس الثورة فيتوارون خلف توجيه صناديق الانتخاب وتزويرها وإقصاء من يبشرون الجماهير بحلول مجزية للخروج من أزمات البلاد السياسية والاقتصادية. ولعل في خطابات السيد أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص النظام وأحد الرموز الرئيسية التي لعلبت دوراً قياديا في تأسيس بدايات الثورة بعد إقصائه من منافسات رئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة ما يمثل إشارات واضحة تشخص الوضع الإيراني عن قرب وحالة اختفاء الديمقراطية الحقيقية التي بشرت بها الثورة وبحت لأجلها حناجر الجماهير سوى أن رفسنجاني سقط من سباق الرئاسة القادم بنفس تلك المزاجية التي أزاحت الكثيرين من مقاعد المقدمة في قيادة الجمهورية التي استباحت دماء الكثيرين في بداية عهدها، فقتل من قتل وفر من فر من طهران كما فعل أول رئيس للجمهورية في عهد الثورة أبو الحسن بني صدر "1980-1981 م" والذي أكد حقيقة ميول الثورة نحو الأحادية في الفكر وتبني قيادة البلاد بميول تطرفية لا تقر الآخر وحرية الفكر والرأي مما يعني موت الديمقراطية التي بُشر بها الشعب الإيراني مبكراً ودخولها مأزق الانغلاق والتحول نحو ولاية الفقيه وتصفية المثقفين ورواد الفكر التعددي المنفتح. عموماً كنا نطمح أن يصار إلى العودة بإيران إلى مقعدها التاريخي وكانت الانتخابات المرتقبة أملاً نحو تلك الرؤية التي يتحفز لها المعتدلون من الشعب الإيراني وكل المتابعين والمهتمين بالشأن الإيراني ودائرة التعاطي الإيجابي مع الدولة الإيرانية لا أن تكون ضمن مثلث الشر ومصدر القلق العالمي لمجرد ميول نخبوية قد تجر البلاد إلى المزيد من الأزمات والتفكك كما يشير السيد رفسنجاني المبعد عن سباق التنافس الرئاسي لتظل إيران كما هي في خيال العامة اليوم مصدر قلق لا مصدر للطاقة والخير.
474
| 26 مايو 2013
في موسم البوارح المعتاد والتي تزعجنا فيه حرارة الرياح النشطة والمحملة بالغبار الذي نتحمله سنوياً استعداداً لتباشير الرطب والتمر في الإحساء، هذه الواحة التاريخية والعريقة والمشهورة بنخيلاتها التي يناهز عددها الآن الثلاثة ملايين نخلة, فيلازم موسم عطائها هذا العام ضيف ثقيل حمل اسم واحتنا لتصدر الأخبار والنشرات العالمية جنباً إلى جنب مع مواقع الأحداث الساخنة في العالم، ذلك هو فيروس كورونا الغريب بتحوره ونشاطه الواسع في مستشفيات المنطقة، حيث سُجلت في الإحساء معظم حالات الإصابة العالمية وسقطت بسببه حتى الآن أكثر من 15 حالة وفاة، فغدا الضيف الثقيل الظل والمزعج لنا في الإحساء وعموم الجهات الصحية في المملكة دون أن تضع السلطات الصحية يدها على السبب أو طرق الوقاية والمعالجة منه مما أثار المزيد من المخاوف رغم التدابير السريعة والاستعانة بالخبرات الصحية العالمية، فهو يعيد إلى الأذهان حالة الاستنفار التي لازمت ظهور فيروس أنفلونزا الخنازير في العام 2009م وعلى نطاق عالمي واسع, سوى أن كورونا ظل يستوطن الإحساء كبؤرة جديدة للمرض منذ سبتمبر 2012م عندما سُجلت أول حالة إصابة به, فهل السبب هو الإجراءات الوقائية في غرف العناية المركزة ونظافة عموم المستشفيات؟ أو هو تلوث أجهزة الغسيل الكلوي أو غيرها من الأسباب؟, فقد حضر وزير الصحة السعودي الدكتور عبد الله الربيعة إلى الإحساء نهاية الأسبوع الماضي للوقوف شخصيا على التدابير التي اتخذتها وزارته لمواجهة هذه الحالة الطارئة بعد سلسلة من الانتقادات التي وجهتها الأوساط الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي للوزير وعموم جهود وزارته, ومع أن حجم انتشار المرض وفق المعايير العالمية للرصد الوبائي تعتبر كورونا ما زال ضمن أطر السيطرة إلا أن شعور العامة هنا في الإحساء بتواجدهم ضمن نطاق موبوء بالمرض الذي لا يعطي من يصاب به فرصا كثيرة للنجاة من الموت أو حتى المعالجة الممكنة هو ما جعله ضمن الحالات الخطرة والمخيفة للعموم, لذلك ظل أهالي الإحساء في قلق من براثن هذه الجائحة الجديدة التي تعيد للأذهان الحالات الوبائية التي تفشت في المنطقة مثل الكوليرا التي داهمت الأهالي هنا في العام 1970م ووجهت بجملة تدابير سريعة من ضمنها استغلال أحد أجنحة قصر الملك سعود في الإحساء ليكون مستشفى عاجلا لمواجهة الحالة والذي لا يزال يعرف بين العامة حتى الآن بمستشفى "المحجر". عموماً ما كنت أرغب في الحديث عنه هنا هو جانب التأهيل المهني والتقني سواء في مجالات النظافة والتعقيم وفقاً للمعايير الدولية في مستشفياتنا العربية عموماً فكثير من المستشفيات تفتقر إلى هذا الجانب وتهمل العناية الفائقة بغرف العناية ومعداتها، ربما لتدني مستويات التأهيل والاعتماد على الخبرات المحلية دون التواصل العالمي المستمر مع بيوت الخبرة الطبية ومستجدات هذا العلم المرتبط بحياة الناس وصحتهم. كما أن قلة المستشفيات وانعدام المنافسة في ظل سوق طبية ضخمة سمحت بدخول المجال لمن هم أقل تأهيلاً سواء من الممارسين الصحيين أو المؤسسات المستثمرة رغم أن لسوق التأمين الطبي ضخامة كبيرة وموارد تستلزم الاستثمار في جانب التأهيل وفق المعايير الدولية، لا أن يترك المجال لاجتهادات وممارسات تفضي إلى تفشي مثل تلك الحالة من الأوبئة والأخطاء الطبية المستمرة. أيضا تقدم الدولة تسهيلات ائتمان واسعة لدعم مجال الاستثمار الصحي ولكن يظل المطلوب هو التحصيل النوعي للخدمات الطبية حتى لا تداهمنا مثل تلك الحالات الوبائية.
406
| 19 مايو 2013
حَنـا هذا هو ابن يعقوب الوقاد الذي تسمى بوصف مهنته وقاداً للنار في حمام القرية. يوقد النار لتسخين ماء الاستحمام الذي يزيل عن رواد الحمام أدران أجسادهم. تعب يعقوب من نار مهنته وحطبها وأوصى ابنه حنا ألا يرث عنه ملازمة اللهب والحطب المحترق، فقد أراد له حياة الهواء الطلق وصوت العصافير في نسائم جبل صنين اللبناني الشهير. مات يعقوب بين حزم حطب الموقد ولم يعرف رواد الحمام بتلك الوفاة إلا بعد أن فترت حرارة الماء ثم برد وهو يتصبب على أجسادهم. أما حنا فقد عاش من عائد بيع بيضه المسلوق الذي يحمله كل صباح بعد أن يلتقطه وزوجته هيلانة من بين دجاجات "القن" في ركن البيت الجبلي الموروث من والده ليبيع البيض للمارة والجنود في الطريق إلى مرفأ بيروت أسفل الجبل. وهكذا عاش حنا وزوجته وابنته الصغيرة بربارة، سوى أن أحد صباحات العام 1860 كان مختلفا على حنا الذي ودع زوجته بعد أن أنصت لحلم منامها حين رأت تكسر البيض وتناثره بعيداً عن سلال زوجها الذي ضحك بعد سماع تفاصيل حلم المنام وقال لزوجته إن البيض المسلوق لا يتكسر. خرج حنا ذلك الصباح حسب تفاصيل الرواية التي خط سردها الجميل الكاتب ربيع جابر تحت عنوان "دروز بلغراد حكاية حنا يعقوب"، مؤكداً أنها رواية من نسج خيال ولا تقصد بها الإشارة إلى أحد، فردا كان أو جماعة، سوى أن محتواها كان يلمح إلى الحظ حين تتكوم كل عثراته في طريق أحد ما. فكان حنا يعقوب هو ذلك الأحد الذي فر من لهب حمام والده المتقد إلى دنيا العصافير ونسائم الجبل ليقبع طويلاً في غياهب سجون بلغراد وأقبية الهرسك دون أن يكون له ذنب سوى أنه قال نعم.. متشوقا إلى نقود الذهب "العصمليات" الثلاث التي عرضت عليه ثمناً مضاعفاً لبيضات سلته لمجرد اصطفافه مع الدروز المحابيس المرحلين بعيداً إلى بلغراد قسراً وإبعاداً، ليكمل العدد عوضاً عن أحد أبناء الشيخ غفار عز الدين الخمسة بعد أن دفع للباشا بعض ما يغري لإطلاق أبنائه سوى أن الباشا ثمن للشيخ غفار شفاعته وهداياه وأوعز لرجاله أن يطلقوا فقط أحد الأبناء الخمسة ويتدبروا العدد الإجمالي للمرحلين إلى المنفى وعددهم 550 رجلاً من الدروز بعد سلسلة معارك في الجبل تناهض الدولة العثمانية والاحتلال الفرنسي. ذهبت السفينة بعيداً عن المرفأ تحمل حنا ورفاقه المبعدين دون أن تتوقف في عكا ويعود لبيته ودجاجاته البياضة حسب وعود عساكر المرفأ. قضى حنا 12 عاماً بين السجون وأقبية القلاع وسخرة السجانين في برد بلغراد وضفاف الدانوب، يبني الجدران مع رفاقه ويقطف كروم العنب وثمر التفاح مكبلاً بالقيود كرفاق السجن الذين أسقطهم البرد والمرض ونتانة المحابس طويلاً تحت الأرض. عموماً تلك رواية رائعة وربما يستخلص منها الكثير من المضامين حتى دون الاعتبار لماهية شخوصها وأهدافهم ومحيط أحداث الرواية وتاريخه، فما قصده الكاتب من تأصيل عدوانية الحكومة العثمانية على فئة دون أخرى ومن سلطوية الفرنسيين وتداخلها مع الحكم العثماني فكل تلك التصورات لم أتوقف عندها، بل اكتفيت هنا بما تمحور حول بطل الرواية. فالعبرة دائماً بالدلالات وإشارات الحدث، فهل هو الطمع في "حنا" الذي دفعته رغبة الحيازة للذهب وبريقه ليرمي بنفسه في غياهب السجون والمنافي البعيدة بينما كانت هناك أسرة تنتظر عودته ورزق كفيل بلقمة عيشها. أم هو الجهل وغياب العقل والتدبير والانقياد نحو الضياع والحيل المدبرة من الغير. أم أنها بشاعة شيوع الفساد وغياب سلوك العدالة وطمس حقوق الناس. غالباً تظل الرواية تكشف عن خفايا الأنفس وسلوك المجتمعات وتوثق لتاريخ يحمل بين دفتي لحظاته بعض العبر.
581
| 12 مايو 2013
لم تكن أمطار السحب البيضاء التي مرت على المنطقة الأسبوع الماضي تحمل بياضاً لكل البيوت في مختلف مناطق السعودية التي غمرتها سيول الأمطار الغزيرة في حالة لم تعرف منذ بدء الرصد المكتوب للأحوال الجوية في المملكة والمنطقة. فقد كانت كمية الأمطار كثيفة قياسية وعامة شملت مناطق الشمال كحائل وما حولها وكذلك مناطق الرياض في الوسط وعسير في الجنوب. وحملت تلك الأمطار بما صاحبها من ثلوج وبرد الحزن والأسى لبعض الأسر التي فقدت أبناءها جراء السيول الجارفة التي فاقت قدرات التخزين والاستيعاب لسدود المياه في الأودية المعروفة في الجزيرة العربية. فقد كان الفقد مؤلماً في تلك الحوادث التي كان بالإمكان تفاديها بالحيطة والحذر والالتزام بتعليمات الدفاع المدني بالابتعاد عن مجاري السيول والبقاء في البيوت الآمنة ولكن رغم ذلك سجلت أكثر من 20 حالة وفاة وعدد من المفقودين. والمزعج ما تناقلته وسائل الاتصال من صور تهور البعض ومجازفتهم بأرواحهم في مواقف حرجة تتكرر ربما بسبب تدني ثقافة السلامة عند البعض، كما أن إمكانات الجهات المعنية لم تكن وفقا لما يجب تبعا لما مرت به البلاد من حوادث قريبة جدا كما حدث في سيول جدة عام 2009م وما خلفته من أضرار جسيمة بالأرواح والممتلكات، فقد كانت أمطارا كثيفة صاحبها إهمال مسبق وتعد صريح على الأراضي ومجاري السيول التاريخية وهي حالة تصدت لها الدولة بحزم ولا تزال الكثير من ملفاتها مفتوحة أمام القضاء ودوائر التحقيق سعياً لمعالجة ظروفها وإيقاع الجزاء الرادع بالمتسببين من المسؤولين في الدولة وكذلك رجال أعمال ومقاولين. وقد تعاملت الدولة مع ملف هذه القضية بحزم وصرامة تبعاً لما أحدثته المشكلة من أضرار وما أبرزته من عيوب مشاريع البنية التحتية إثر تفشي الفساد في الكثير من دوائر الإشراف والتنفيذ رغم ما تصرفه الدولة وبسخاء من بلايين الريالات على مثل تلك المشاريع التي لازمها سوء تنفيذ وتعد منوع وصل إلى تسجيل التنفيذ في بعضها على الورق فقط. عموماً قضية سيول جدة لم يقفل ملفها بعد وربما تلحقها ملفات أخرى لقضايا في مناطق عدة، فقد أصبحت السيول مفتشاً كبيراً لهيئة مكافحة الفساد التي أمر الملك عبد الله بتأسيسها مؤخراً للقضاء على تلك الظاهرة، فالسيول تكشف للهيئة العيوب المستترة في التنفيذ وفي أساليب الترسية والطرح لحجم كبير من المشاريع يتعلق أساساً بحياة الناس وسلامتهم. ويبقى المعيار الحيادي الذي يرجح سوء الإدارة واعتمادها على الفكر المحلي الذي حيد خبرات الشريك الأجنبي المنافس في تنفيذ المشاريع وإجراء الدراسة لها والإشراف عليها، حيث أوقف هذا التوجه لفترة ثم أعيد العمل به بعد تنفيذ جملة مشاريع بخبرات محلية غير مؤهلة. أيضاً لا يرجح البعض وبالذات من كبار السن فرضية الكمية القياسية في حجم الأمطار التي هطلت الأسبوع الماضي، فهي شديدة حقيقة ولكن ربما مر على المنطقة ما هو أكثر كثافة وضراوة وأرخ لها بسنوات تعرف إلى الآن بسنوات الهدم في منطقة نجد وكذلك السيل الذي غطى ساحة صحن الحرم المكي ولكن هي وسائل الاتصال الحديث وفعاليتها في انتشار الأخبار وتضخيم مضمونها. وسواء ضخم الحدث أو لا فنحن أمام تطرف مناخي وكذلك تعرض لحالات من الزلازل كما حدث في منتصف الشهر الماضي من تأثر المنطقة الخليجية عموما بالزلازل التي وقعت في إيران وناهزت قوتها الثماني درجات على مقياس ريختر العالمي وكان ذلك الحدث مؤشراً لجملة محاذير يجب الأخذ بها في تعميم ثقافة الطوارئ وتأهيل المجتمع بالتوعية المستمرة والتثقيف الواعي لضمان السلامة وعدم تكرار حالات الاستهتار كما شوهد في مقاطع اليوتيوب وكذلك اعتماد كود البناء المناسب والمتوافق مع معايير السلامة سواء في حالات الزلازل أو السيول.
413
| 05 مايو 2013
من ذا أصابك يا بغداد بالعين * ألم تكوني زماناً قرة العين .. " من شعر التراث " ثلاثة أيام قضيناها في الكويت انتظارا لتأشيرة دخول العراق أنا ومجموعة من الأسرة كنا ننوي زيارة بعض الأهل في الزبير , كان ذلك في العام 1986م حيث لا صوت فوق صوت المعركة هناك والكل مجيش بشعور القادسية وبوابتنا الشرقية , المهم أيام انتظار التأشيرة سمحت لنا بالتجوال في الكويت وأسواقها فصار أن دخلت دكاناً للصرافة للتعرف على شكل العملات العالمية , فالكويت سوق كبير ومعبر تاريخي للتجارة بين دول المنطقة والعالم هكذا كانت ولكن لم تستمر , وهناك فوجئت بغضبة كبيرنا في الرحلة العم عبدالعزيز المبارك الذي عمل طويلاً في القنصليات السعودية بين البصرة وبغداد وبيروت وفلسطين وكابل واكتسب خبرات عمل دبلوماسية كما يقول رغم بساطة وظيفته وهو ما جعله يمارس علينا دور القيادة والتوجيه وهو حفي بها لكبر سنه ورجاحة عقله وكانت غضبته أن احد الإخوان وشى عليِّ بنية شراء التومان الإيراني للذكرى ففزع الرجل فنحن في الطريق إلى العراق المتحارب بقوة مع إيران وربما مجرد جلب العملة الإيرانية معنا يجر على المجموعة مالا يطاق , كانت تلك فترة وانتهت ليغدو التومان عملة رئيسية يشترى به سمك المسقوف وتباع به كل الأشياء في العراق حتى ذمم الناس وخواطرهم فقد سقطت بوابتنا الشرقية وعلق حاميها على المشنقة ذات صباح بارد في يوم عيد وأضحية للمسلمين , فزفت بغداد إلى طهران خلسة في عرس أسموه أم المعارك وكان السيد بريمر كاتب عقد الزواج الذي صاق للعراق مستقبل جديد وأعيد تصنيف فسيفسائه الجميل بأبعاد تؤمن رضا قوم على قوم بروح التشفي وطموح لا تكفيه العراق وحدها فلم تعد دجلة تغني .. مرحبا يا عراق جئت أغنِّيك وبعض من الغناء بكاء كل أحبابي القدماء نسوني لا نوار تجيب أو عفراء عندما تبدأ البنادق بالعزف تموت القصائد العصماء " نزار قباني " حقا لقد ماتت القصائد تباعاً وصار الغناء بكاء , فما الفرق بين الدجيل وحادثة الثلاثاء في الحويجة وأين قاضي الإعدام منير حداد وأين كل القوانين التي يدعيها رموز القانون ودعاة الإنسانية , لقد غدا العراق عراقا ثانيا ذبلت فيه رياحين الرصافة و ماتت على ضفاف دجلة كل القيم فما طهر النهر ولا كتبت للناس السلامة بدماء من قتلوا ولا بحبر مخازن كتب الرشيد والمستنصرية , فنحن أمام عراق جديد ونهج جديد قوامه الانتقام فهل تتحرك مشاعر السيد بريمر ومن خلفه لحادثة الحويجة كما تحركت في الدجيل أم أن للدماء مواسم ومزادات تبعاً لسوق السياسة ومصالحها , فلا نقول إلا " أفً " لاستراتيجياتنا العربية وسنوات فرجتنا على وئامنا المكذوب الذي بجل صدام وضخم سيفه الذي غمسه في ظهر الكويت ذات مساء ولتكون ليلة الثاني من آب 1990م القشة التي قصمت ظهر البعير فقصموا بها الأمة لاحقاً لتذهب كل طموحاتنا وآمالنا أدراج الرياح بل ومعها بعض كرامتنا , فالمعضلة في فهم العرب لبعضهم وفي استراتيجياتهم المفقودة رغم كثرة اجتماعاتهم ومؤتمراتهم المستمرة , فما فهموا صدام حق فهمهِ من قبل وبعد الكويت ولا صاغوا لمستقبلهم ما يحفظ بواباتهم التي غدت معابر مفتوحة من كل اتجاه , عموماً ما يجري في العراق ليس استثناء بل هو تشفي ليد أدعت القانون لتقلب به الموازين الوطنية وتشكل اصطفاف بنكهة الطائفة التي مزقت العراق طويلاً دون أن تحمل له ولعموم شعبه الجديد والمريح .
387
| 28 أبريل 2013
مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور...
6342
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام...
2454
| 16 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم...
1401
| 14 نوفمبر 2025
شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من...
1338
| 18 نوفمبر 2025
القادة العظام يبقون في أذهان شعوبهم عبر الأزمنة...
1122
| 18 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...
972
| 21 نوفمبر 2025
كنت في زيارة لإحدى المدارس الثانوية للبنين في...
891
| 20 نوفمبر 2025
الاهتمام باللغة العربية والتربية الإسلامية مطلب تعليمي مجتمعي...
885
| 16 نوفمبر 2025
نعيش في عالم متناقض به أناس يعكسونه. وسأحكي...
801
| 18 نوفمبر 2025
يُعد البيتومين (Bitumen) المكون الأساس في صناعة الأسفلت...
678
| 17 نوفمبر 2025
يعيش الإنسان حياته بين الأمل والقنوط، والقوة والضعف،...
630
| 14 نوفمبر 2025
المترجم مسموح له استخدام الكثير من الوسائل المساعدة،...
612
| 17 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية