رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مع عودة المنتخب الأرجنتيني لكرة القدم إلى بلاده للاحتفال بفوزه ببطولة كأس العالم لكرة القدم، يمكن لقطر أن تتأمل في الدروس المستفادة من استضافتها للبطولة الناجحة والممتعة للغاية، وأن تأمل في أن يبقى أي انخفاض في النشاط الاقتصادي في مرحلة ما بعد انتهاء البطولة عند حده الأدنى. ومن الطبيعي أن يحدث تراجع في الحراك الاقتصادي بعد انتهاء هذا الحدث الكبير. ورغم أن هذا الحدث قد يترك بعض الآثار الإيجابية فيما يتعلق بارتفاع العائدات المتحصلة من السياحة لبضعة أشهر، نظرًا لأن نجاح البطولة جماهيريًا قد عزز من صورة البلاد كوجهة سياحية، إلا أنه قد يكون هناك تراجع اقتصادي طبيعي يؤثر على القطاع الخاص. ويجب استبدال الفرص الاقتصادية التي كانت مرتبطة بعمليات الاستعداد لتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم واستضافة البطولة. وبالتالي، فإن الفائض الصحي في الميزانية الذي حققته الدولة سيدعم أي خطوات جديدة تقدم عليها الدولة لتحفيز القطاع الخاص. وتوجه ميزانية عام 2023، التي جرى الإعلان عنها في منتصف شهر ديسمبر، بعض الرسائل الصحيحة وينبغي أن تساعد في تقليل المخاطر مع طرح آفاق للتنمية الاقتصادية. فقد حُددت قيمة النفقات المتوقعة بمبلغ 199 مليار ريال قطري، مع توقع تحقيق إيرادات قيمتها 228 مليار ريال قطري، باعتماد تقدير متحفظ لسعر النفط عند مستوى 65 دولارًا للبرميل. وسوف يُستخدم الفائض بشكلٍ جزئي لتعزيز الاحتياطيات، بما في ذلك تحقيق خفض كبير في الدين العام. وقد انخفض هذا الدين بالفعل إلى مستوى 44.5٪ في عام 2022 قياسًا بنسبة 58٪ في عام 2021. ويعد السعي لسداد الديون في الوقت الذي يشهد تحقيق فائض في الميزانية وارتفاع أسعار الفائدة من القرارات الصائبة تمامًا؛ إذ أنه من الحكمة دائمًا الاقتراض عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، وسداد ذلك الدين عندما يكون سعر الفائدة مرتفعًا. وفي الوقت الحالي، يمنح عدد قليل جدًا من الاستثمارات عوائد تزيد على 5٪، لذا فإن سداد الديون هو الخيار الصحيح. وهناك توازن بين تخفيض الديون والحفاظ على النفقات. ورغم انخفاض الانفاق على مشاريع البنية التحتية بشكل طبيعي بعد انتهاء منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم، فقد أعلنت الدولة عن 23 مشروعًا جديدًا لعام 2023، بقيمة إجمالية تبلغ 9.8 مليار ريال قطري، ضمن بند النفقات المحدد لتنفيذ المشاريع الكبرى البالغ 64 مليار ريال قطري. ورفعت الدولة معاشات التقاعد، حيث تراجعت مستويات الدخل بالقيمة الحقيقية بسبب التضخم خلال السنوات الماضية. وفيما يتعلق بالتوظيف في القطاع العام، هناك بعض التوازن الدقيق الذي يجب أن يتحقق: فمن المفهوم أن الحكومة سترغب في الحفاظ على مستويات التوظيف ورفعها بحسب البيان الصادر مع ميزانية 2023، ويمكنها تحمل تكلفة القيام بذلك مع وجود فائض في الميزانية، ولكن من الوارد أتمتة العديد من المهام الإدارية في القطاع العام بمرور السنين، وهو ما قد يؤدي إلى اختفاء بعض الوظائف، ولا يمكن للإدارات الحكومية مقاومة الضغط الناجم عن ذلك إلى أجل غير مسمى. وفي الظروف المثالية، فسوف يتوسع القطاع الخاص ويوفر المزيد من فرص العمل لخريجي الجامعات الجدد ولتعويض الموظفين الذين قد يخسرون وظائفهم في القطاع العام بفعل الأتمتة. وللمساعدة في تحقيق ذلك، يجب على الدولة العمل مع القطاع الخاص المحلي في مشاريع القطاع العام قدر الإمكان، لتعزيز عمليات التوظيف في القطاع الخاص ورفع عمليات إحلال المواطنين في الوظائف القيادية والإستراتيجية في هذا القطاع، وتوفير البيئة المناسبة لإنشاء شركات محلية جديدة تدعم الاقتصاد الكلي. وخلال الفترات التي تشهد تحقيق فوائض جيدة في الميزانية، تكون هناك رغبة محدودة في منح الأولوية لاتباع طرق عمل أكثر كفاءة في القطاع العام، ولكن قد يأتي وقت تنخفض فيه أسعار النفط والغاز ويحدث عجز في الميزانية. وفي هذه الحالة، سيكون هناك ضغط يتمثل في ضرورة تقليل النفقات بمجرد انخفاض الإيرادات. وستحتاج الدولة إلى تقليص بنود أخرى من الميزانية بسبب ارتفاع بند رواتب القطاع العام. وتُعد زيادة المخصصات الموجهة لميزانيات الصحة والتعليم من الأولويات الجديرة بالثناء، ولكن هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير لضمان تحقيق نتائج جيدة، مثل تحسين كفاءة الخريجين، وضمان فعالية المنح البحثية في قطاع التعليم العالي. وفي الختام، نود أن نثني على الميزانية فيما يتعلق بسعيها لضمان اتباع نهج متوازن لسداد الديون والحفاظ على الطلب المحلي والنفقات الرأسمالية. ويجب أن يتحول الاهتمام الآن إلى مسائل أخرى مثل كفاءة القطاع العام وعوائد استثمارات البنية التحتية ورفع مستويات توطين الوظائف في القطاع الخاص ودعم بيئة الاعمال.
4143
| 08 يناير 2023
سجلت دولة قطر فائضًا كبيرًا في الميزانية خلال الربع الثالث من عام 2022 بلغت قيمته 30 مليار ريال قطري (8.25 مليار دولار أمريكي)، مع تحقيقها لإيرادات بقيمة 81 مليار ريال قطري (22.25 مليار دولار أمريكي). ومع وجود فائض بلغ حوالي 37٪ من الإيرادات، ستدعم هذه الفوائض الاستثمارات. وتجدر الإشارة إلى استمرار ارتفاع نسبة الدخل المتحقق بشكل مباشر من صادرات النفط والغاز، حيث تظهر البيانات أن هذا الدخل يمثل 93٪ من الإيرادات. ويعكس هذا الأمر أسباب ارتفاع أسعار النفط والغاز هذا العام، الذي نجم بشكل أساسي عن الصراع في أوكرانيا. ويخفي هذا الارتفاع مدى تنوع الاقتصاد؛ فقد يكون هناك تنوع كبير في النشاط، لكن هذا التنوع يظل مخفيًا بمقياس الدخل عندما يصل السعر العالمي للنفط إلى 100 دولار. ومنذ ما يزيد قليلاً عن عامين، وفي أثناء انتشار جائحة كوفيد-19، انخفض السعر العالمي للنفط إلى 10 دولارات. وتُظهر الإحصاءات الحكومية أن الدخل المتحقق من مبيعات النفط والغاز خلال الربعين الأول والثاني من عام 2022 ارتفع بنسبة 67٪ مقارنةً بالدخل المسجل خلال الربعين الأول والثاني من عام 2021. وهناك فرصة متاحة ومسؤولية واجبة في الوقت نفسه تستدعي استثمار العائدات المتحققة من مبيعات النفط والغاز بحكمة. ويعني ارتفاع معدلات التضخم في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك اقتصادات الدول المتقدمة، أن الاحتفاظ بالنقد غير مربح لأن ارتفاع أسعار الفائدة لم يُعوض بعد. وقد تؤدي سندات الخزانة الأمريكية، التي تعتبر ملاذًا آمنًا من الناحية التقليدية، إلى تحقيق عائدات سلبية، فقد تدفع لك عائدات نسبتها 4٪ أو 4.5٪ لكن التضخم المسجل حاليًا ارتفع إلى حوالي 6٪. وفي حالة قطر، هناك احتمالات محدودة لتنفيذ استثمارات محلية ضخمة، وهي مشكلة جيدة؛ فقد تم الانتهاء من معظم مشاريع البنية التحتية لبطولة كأس العالم إلى حد كبير، على الرغم من وجود بعض المشاريع التي تخطط الحكومة لتنفيذها في عام 2023 وما بعده. ومن المرجح استمرار تحقيق الميزانية لفوائض خلال الربعين الأول والثاني من العام المقبل لأنه من المتوقع أن تظل أسعار النفط ثابتة عند نفس المستوى أو بالقرب منه، نظرًا لارتفاع الطلب على الغاز والنفط خلال فصلي الشتاء والربيع في نصف الكرة الشمالي. وأيضًا، من المحتمل أن تتعزز شهرة البلاد وسمعتها باعتبارها وجهةً سياحيةً متميزة نتيجةً لاستضافة البلاد لبطولة كأس العالم إلى عام 2023، لا سيَّما وأن الطقس يبدو جذابًا خلال الأشهر الأولى من العام. ويجب أن ينصب تركيز الاستثمار على الفرص الاستثمارية في الخارج. ويتمتع صندوق الثروة السيادية القطري بميزة نظرًا لتمتعه بالحرية في تبني منظور طويل الأجل. وتتضمن المحفظة الاستثمارية المعقولة مزيجًا من العقارات، والأسهم، والصناديق المدارة، والصناديق غير النشطة، التي تشتمل على مزيج من الاستثمارات الآمنة والمستقرة لإدرار النقد، وقد يكون هذا هو الوقت المناسب لتحويل نسبة من الاستثمارات إلى المجموعة الأخيرة. وستخضع الأسهم الممتازة للدراسة والنظر، وبينما يتباطأ النمو في معظم أنحاء العالم، عادة ما تكون هناك أسهم واعدة للنمو. وهناك بعض الأسهم المقاومة للركود أو التقلبات الدورية، مثل سلاسل محلات السوبر ماركت ذات الميزانيات المحدودة أو مطاعم الوجبات السريعة. وتستحق شركات الأدوية وقطاعات التصنيع المتخصصة الأخرى الدراسة أيضًا. علاوة على ذلك، فقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة والانكماش الاقتصادي في العالم الغربي إلى انخفاض أسعار الأصول، وهو ما يعزز من القدرة على شرائها بأسعار منخفضة نسبيا. وبالنسبة لدولة قطر، في حين أن الفوائض العالية جدًا في الميزانية قد لا تدوم، فإن قرارات الاستثمار الصحيحة تساعد في ضمان تحقيق منافع طويلة الأجل من المكاسب المؤقتة.
957
| 01 يناير 2023
تشكل استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر جزءًا من الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية الأوسع في المنطقة، وستعمل على تعريف العالم على ثقافة المنطقة وتغيير الصورة النمطية عنها. قطر هي أول دولة في منطقة الشرق الأوسط تستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم، ويشكل هذا الحدث جزءًا من استراتيجية أوسع لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتتجاوز حوافز استضافة هذه البطولة الكبرى المكانة أو الدوافع الاقتصادية. ومن أهداف استضافة هذا الحدث الضخم تشجيع المشاركة الأوسع في الرياضة، بما في ذلك مشاركة النساء. فقد كان القطاع الرياضي وبناء المرافق الرياضية من بين العديد من الجهات التي حازت على الاستثمارات المالية الضخمة في السنوات الأخيرة. وتشتمل هذه المرافق على ملاعب التنس ومسارات الدراجات وملاعب الجولف وصالات الألعاب الرياضية ومسارات ألعاب القوى وحمامات السباحة، بالإضافة إلى ملاعب كرة القدم للشباب والملاعب المحلية، وليس فقط الملاعب الرئيسية. وقد ارتفعت إمكانية الوصول إلى المرافق الرياضية عالية الجودة في قطر بشكل كبير خلال العقد الماضي. وشجع ذلك على فهم الرياضة باعتبارها فعاليات يمكن المشاركة فيها وليس مجرد مشاهدتها. وهناك فوائد صحية لهذا الاتجاه، فقد كانت المشاركة في الرياضة منخفضة في المنطقة من الناحية التاريخية. ونظرًا لاحتواء بعض الأطباق التقليدية على نسبة عالية من السكر، ارتبط ذلك بالارتفاع النسبي لمعدلات السمنة ومرض السكري والمشكلات الصحية الأخرى في هذا الجزء الغني من العالم. وتوقع تقرير صادر عن شركة الاستشارات الدولية برايس ووترهاوس كوبرز في عام 2021 أن يكون النمو في قطاع صناعة الرياضة في منطقة الشرق الأوسط الأسرع في العالم خلال الفترة من عام 2021 إلى 2026. وإجمالاً، استثمرت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي حوالي 65 مليار دولار في تطوير الرياضة. وأظهرت الإحصائيات الصادرة عن المملكة العربية السعودية هذا العام أن 48٪ من المواطنين السعوديين باتوا يشاركون الآن في نشاط رياضي لمدة لا تقل عن 30 دقيقة أسبوعيًا، وشكلت النساء نسبة 38٪ من هذه المجموعة، في ارتفاع ملحوظ عن مستويات المشاركة المنخفضة المسجلة في وقت سابق، وبما يتماشى مع مبادرة جودة الحياة 2030 التي تتبناها المملكة العربية السعودية. وهناك انطباع مضلل نقلته بعض وسائل الإعلام الغربية، وهو تصوير استضافة دولة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم على أنه أمر استثنائي أو حدث يُعقد فجأة في بلد يُفترض أن لديه تراث رياضي ضعيف. وعلى النقيض من ذلك، باتت الرياضة تحظى بشعبية هائلة في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، بالنسبة للمشاركين والمشجعين على حدٍ سواء. فقد استضافت المنطقة فعاليات رياضية رفيعة المستوى في رياضات الجولف والكريكيت والفورمولا 1 ومنافسات الفروسية وغيرها من الرياضات والفعاليات التي استقطبت الآلاف من المشجعين من جميع أنحاء العالم. وكانت قطر قد استضافت دورة الألعاب الآسيوية في عام 2006، وسوف تستضيفها مرة أخرى في عام 2030. كما استضافت بطولة "كأس العرب فيفا - قطر" لكرة القدم في عام 2021 لاختبار مرافق بطولة كأس العالم التي كان من المقرر استضافتها بعد عام. وقد شهدت رياضة كرة القدم طفرةً في قطر، مع وجود دوريات تنافسية. ورغم أن معدلات الحضور في بعض المباريات قد تبدو منخفضة، إلا أن عشرات الآلاف يحضرون نهائيات كأس الأمير وغيرها من المباريات الرئيسية الأخرى، وبناءً عليه لن تصبح ملاعب كأس العالم بلا جدوى كما يُشاع. ويمكن أن يكون هناك عدد قليل من الطرق الأكثر قوةً من الرياضة للجمع بين الثقافات والشعوب. وتعني الفوائد الصحية لممارسة الرياضة، وإثارة المنافسات، والعدالة المتأصلة فيها أن الاختلافات في الثقافة والدين والسياسة يمكن أن تتلاشى، إن لم تختف تمامًا. ومن المؤسف والمثير للسخرية أن وسائل الإعلام الغربية كانت معارضة نوعًا ما لإقامة بطولة كأس العالم في منطقة الشرق الأوسط، بالنظر إلى أنها تشكل جزءًا من التطورات الاجتماعية والاقتصادية الأوسع التي لديها القدرة على تقليل الاختلافات بين المنطقة والغرب، وتساعد على فهم تراث وثقافة المنطقة وتغيير الصورة النمطية.
1266
| 11 ديسمبر 2022
كانت هناك تغطية إعلامية سلبية بشكل لافت للنظر في وسائل الإعلام الغربية لاستضافة دولة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم. وكانت الكثير من المعلومات الواردة في هذه التغطية غير دقيقة، بما في ذلك مسألة التكلفة. حظيت بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها دولة قطر بتغطية واسعة النطاق، وكانت الكثير من المعلومات الواردة في هذه التغطية بدول الغرب تتسم بسلبيتها المتحيزة، حيث ركزت في المقام الأول على قضايا حقوق الإنسان والتكلفة المرتفعة لاستضافة البطولة. وكان مستوى العداء لافتا للنظر، لا سيَّما في ظل التقدم الذي تحقق في مجال حقوق العمال والحريات المدنية في قطر. وكانت روسيا قد تلقت تعليقات أقل سلبية عند استضافتها لبطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2018، بعد أربع سنوات من ضم قواتها العسكرية لأجزاء كبيرة من دولة أوكرانيا المجاورة لها. وفيما يتعلق بتكلفة استضافة دولة قطر لبطولة كأس العالم، غالبًا ما تشير التغطية الإعلامية الغربية إلى نفقات رأسمالية تبلغ قيمتها 200 مليار دولار. وكما أشرت في مقالتي الأخيرة، يتعلق هذا المبلغ بالتحديث الاستراتيجي لمرافق البنية التحتية في الدولة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية بشكل عام. وحتى في الحالات التي توضح فيها التقارير الإعلامية الغربية هذا الأمر، غالبًا ما تركز العناوين الرئيسية لتلك التقارير بشكلٍ مضلل على جوانب سلبية مزعومة فقط لاستضافة قطر لبطولة كأس العالم. وفي الواقع، كانت المخطط لجزء كبير من برنامج تحديث مرافق البنية التحتية في البلاد قد وُضع في عام 2008، أي قبل عامين من منح الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) حق تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم إلى دولة قطر. لذا فمن المعقول أن نسأل: إذا لم تكن قطر قد مُنحت حق تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، فما هو المبلغ الذي كانت البلاد ستستثمره بالطريقة نفسها من أصل التكلفة المذكورة البالغة 200 مليار دولار؟ ويشير الإطلاع على وثيقة رؤية قطر الوطنية الصادرة في عام 2008 إلى أن الإجابة ستكون الغالبية العظمى من هذا المبلغ. وتحدد الوثيقة المذكورة أربع ركائز للتنمية وهي: التنمية البشرية، والتنمية الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية والتنمية البيئية. وتضيف ما يلي: "سوف تنفد موارد النفط والغاز الموجودة في البلاد في نهاية المطاف. وسيعتمد النجاح الاقتصادي للبلاد في المستقبل بشكل متزايد على... نظام دولي جديد قائم على المعرفة." وقد استثمرت الحكومة القطرية في التعليم والبحوث وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بهدف تعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة. وانتهت الدولة من بناء وتشغيل محطة رئيسية للطاقة الشمسية، كما يتضمن البرنامج الاستثماري نطاقًا أكبر من المسارات الجديدة للدراجات الهوائية التي تبلغ طولها 2131 كيلومترًا، بالإضافة إلى الطرق الجديدة التي يبلغ طولها 1791 كيلومترًا. ومن بين الأمثلة الأخرى على مرافق البنية التحتية للنقل بناء مطار جديد، وميناء بحري عميق في الدوحة، ونظام مترو جديد تحت الأرض، بالإضافة إلى أسطولٍ من الحافلات التي تعمل بالكهرباء. وكانت هناك استثمارات كبيرة في بناء فنادق جديدة، حيث جرى تمويل الكثير من هذه الفنادق عن طريق البنوك على أساس تجاري. ويعتمد تمويل برنامج بناء الفنادق على الدخل المتوقع لها على مدار فترة تتراوح ما بين 10 و15 عامًا، وبالتالي فإن نسبة الإشغالات الفندقية خلال هذه البطولة الرياضية التي تستمر ستة أسابيع فقط ستشكل جزءًا صغيرًا جدًا من الحساب الذي تضعه الجهات المقرضة في الاعتبار. وكان من بين محاور خطة تنويع موارد الاقتصاد القطري تعزيز قطاع السياحة في البلاد. وتُعدُ مدينة لوسيل الواقعة على أطراف مدينة الدوحة من المدن الجديدة التي تستضيف أكبر ملاعب البطولة. ورغم انتهاء بناء هذه المدينة في الوقت المحدد تمهيدًا لاستضافتها لبعض المباريات في بطولة كأس العالم لكرة القدم، فإن هذا المشروع يُعدُ جزءًا من المخطط الموضوع لاستيعاب النمو السكاني الذي تشهده البلاد، حيث باتت مدينة الدوحة القديمة مكتظةً بالسكان وأصبح التوسع في بناء المدن الجديدة ضروريًا. وقد شهد تعداد سكان دولة قطر نموًا ملحوظًا، حيث ارتفع من 50,000 نسمة فقط في عام 1950 إلى حوالي 3 ملايين نسمة في عام 2022. وتحتوي مدينة لوسيل كذلك على متاجر ومكاتب ووحدات سكنية وملاعب جديدة مجهزة لاستضافة البطولات الكبرى كما هو الحال في بلدان أخرى، مثل لندن وجنوب أفريقيا. ويجب أن تكون بطولة كأس العالم لكرة القدم، في المقام الأول، مهرجانًا رياضيًا وتجمعًا رائعًا يحتشد فيه الناس من جميع أنحاء العالم للاستمتاع بمشاهدة مباريات كرة القدم التي تجري بين أفضل المنتخبات على مستوى العالم وتقديم الدعم المعنوي لمنتخباتهم الوطنية. ويمكن للناس من الغرب والشرق أن يجتمعوا ويتعلموا من بعضهم، مع احترامهم لثقافات بعضهم البعض. والنقد البناء موضع ترحيب، ولكن التقارير غير الدقيقة والتعليقات غير النزيهة ليست مجدية.
987
| 04 ديسمبر 2022
تبدو قطر واثقةً وبشدة، عشية انطلاق منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم، في قدرتها على استضافة بطولة ناجحة وتعزيز مكانتها باعتبارها من الدول المهمة في رياضة كرة القدم. تسجل بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، التي تستضيفها قطر، بعض السوابق البارزة، حيث أن هذه هي النسخة الأولى من البطولة التي تُقام في بلد شرق أوسطي، والنسخة الأولى التي تنطلق في فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، وأول نسخة تُعقد في دولة صغيرة نسبيًا من حيث عدد السكان. وحتى قبل انطلاق أي مباراة من مباريات البطولة، كانت هناك بعض الإنجازات الرياضية والاقتصادية الملحوظة التي سُجلت بالفعل. وفيما يتعلق بالمشجعين الذين يتساءلون عن تاريخ دولة قطر وتراثها في رياضة كرة القدم، يمكن القول إن هذه الآراء قد فات أوانها وعفا عليها الزمن. فقد باتت هناك بطولات دوري محلية ناجحة في قطر، كما سيتواصل استخدام ملاعب كأس العالم بعد انتهاء البطولة. وعلى أرض الملعب، تحسنت المعايير في السنوات الأخيرة، واستفادت قطر في ذلك من حصولها على شرف استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم، وهو ما ساهم في ارتقاء منتخبنا الوطني إلى المركز الخمسين في التصنيف العالمي للفيفا. ومن الناحية المالية، حققت البطولة هدفها المتعلق بجني الإيرادات حتى قبل انطلاق البطولة بفضل مبيعات التذاكر وعقود الرعاية والضيافة، حيث أشار تحليل أجرته شركة فيتش للحلول، وهي شركة للاستشارات الاقتصادية، إلى حصول الاقتصاد القطري على دفعة إيجابية عمومًا من جراء استضافة البلاد لهذه البطولة. حيث ان الإيرادات المحتملة من جراء ارتفاع الاستهلاك، وأرباح قطاع السياحة والصادرات الخدمية تفوق المخاطر المحتملة مثل احتمال ارتفاع معدلات التضخم. وقد تسببت هذه البطولة في تعطيل الدوريات الأوروبية التي بات يتعين عليها تعليق المنافسات المحلية وأخذ استراحة في منتصف فصل الشتاء للمرة الأولى منذ زمنٍ بعيدٍ. ومن غير المحتمل أن تكون هذه آخر مرة يحدث فيها ذلك. وهناك سياسة واضحة يتبعها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) تسعى إلى نشر اللعبة في جميع أنحاء العالم، حيث كانت دول أوروبا وأمريكا الجنوبية تهيمن فيما مضى على قائمة أفضل المنتخبات والدول المرشحة لاستضافة البطولات الكبرى، لكن لعبة كرة القدم باتت الآن رياضة عالمية بالفعل. وسوف يشاهد ما يقدر بنحو أربعة مليارات شخص المباراة النهائية للبطولة هذا العام، أي ما يقرب من نصف سكان العالم، وهي إحصائية مذهلة حقًا. وكانت الأموال التي أنفقتها دولة قطر في إطار استعداداتها لاستضافة البطولة ضخمةً أيضًا، حيث أشارت تقارير صحفية إلى أن حجم هذه النفقات قد بلغ 200 مليار دولار، وهو مبلغ قد يستدعي النقد، لكن تلك الإحصاءات تبدو مضللةً لأنها تشير إلى الأموال التي صُرفت على مشاريع تحديث البنية التحتية للبلاد إجمالاً، بما في ذلك مشاريع شق الطرق الجديدة، والمطارات، ومرافق البنى التحتية الأخرى من نقلٍ ومواصلاتٍ وأنظمة الصرف الصحي. وستحقق هذه الاستثمارات فوائد اقتصادية كبيرة لسنوات قادمة. وفي المقابل، عندما استضافت الولايات المتحدة البطولة في عام 1994، كانت لديها بالفعل مرافق البنية التحتية المتطورة لدولة من دول العالم الأول، لذلك لم تكن في حاجة لصرف مبالغ طائلة على استضافتها للبطولة. وقد بلغ حجم الإنفاق المباشر على الملاعب في قطر حوالي 7 مليارات دولار، وتشمل هذه التكلفة بعض المشاريع الرامية لضمان كفاءة الطاقة في أثناء بناء الملاعب واستخدامها، مع السعي إلى تقليل انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري إلى الحد الأدنى. وفي السياق نفسه، أُنشئت العديد من المساحات المخصصة للمشاة وممرات الدراجات والمساحات الخضراء في ضواحي الملاعب. وفي مرحلة الاستعداد لاستضافة منافسات بطولة كأس العالم، يراقب الفيفا تقدم الاستعدادات بعناية، حيث يجري عمليات تفتيش شهرية للتأكد من التزام الدولة المستضيفة بمعايير الاستضافة. ويحتفظ مسؤولو الفيفا بالحق في سحب شرف استضافة هذه البطولة إلى حين التأكد من تحقيق الدولة المستضيفة للتقدم المطلوب في استعداداتها لاستضافة هذه البطولة الكبرى. وفي النهاية، يجب تقييم البطولات الرياضية الكبرى من حيث كونها تمثل تجربةً استثنائيةً بدلاً من تحليل التكلفة والعائدات المترتبة على استضافتها. ومع ذلك، يجب على الدولة أن تضمن وجود جدوى اقتصادية لاستضافتها. وفي المقال التالي، سأناقش إلى أي مدى يمكن أن تعود استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم بالفائدة على قطر، وما إذا كانت الفوائد تتزايد مع نمو حجم البطولة ومستواها.
1236
| 20 نوفمبر 2022
رفعت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية نظرتها المستقبلية لقطر من مستقرة إلى إيجابية، ولكنها أبقت على التصنيف الائتماني للبلاد عند مستوى Aa3. وبالنظر إلى البيانات المالية والتوقعات الاقتصادية المبشرة، فهل كان ينبغي رفع هذا التصنيف؟ رصد المراقبون للاقتصاد القطري العديد من البيانات الجيدة بما في ذلك حدوث فائض مبشر في الميزانية، وانخفاض الدين العام من 58٪ إلى 42٪ خلال العام الماضي، ووصول قيمة أصول صندوق الثروة السيادي إلى حوالي 250٪ من إجمالي الناتج المحلي، وارتفاع متوسط دخل الفرد إلى 105.000 دولار. ويمكن أن تتفوق هذه البيانات على البيانات الاقتصادية التي سجلتها الدول المتقدمة، بما في ذلك الاقتصادات الغربية ذات التصنيف الاستثماري المرتفع. وقد منح الإعلان الصادر عن وكالة التصنيف الائتماني موديز خلال الأسبوع الماضي نظرة مستقبلية إيجابية لاقتصاد البلاد، لكنه أبقى على تصنيفها الائتماني عند مستوى Aa3. ومن المنطقي أن نتساءل عما إذا كان هذا رد فعل متحفظ للغاية. ومن الواضح أن وكالات التصنيف الائتماني يجب أن تدرس الملامح والتوقعات الاقتصادية بالتفصيل، وألا تتأثر بشكل مفرط بالبيانات الإعلامية. ولكن عند النظر إلى ملامح الاقتصاد القطري وتفاصيله، لا يؤدي ذلك كله إلى التقليل من النظرة المتفائلة. وأود أن أطرح ثلاثة مجالات محتملة للتحسين كما ذكرت وكالات التصنيف، ومناقشة مدى امتلاك الدولة لنقاط قوة في هذه المجالات وهي: الاعتماد على الهيدروكربونات، والانفاق المرتفع على مشاريع البنية التحتية، والمخاطر الجيوسياسية. فيما يتعلق بالاعتماد على الهيدروكربونات، يشير الإعلان الصادر عن وكالة موديز بتاريخ 2 نوفمبر إلى "اعتماد قطر الكبير" على الهيدروكربونات، مع الإقرار بانخفاض تكاليف الاستخراج بشكل استثنائي في قطر وأنها من المنتجين المهمين للغاز الطبيعي المسال، وهو أحد أنواع الوقود الأحفوري الأنظف، حيث يستخدم كوقود انتقالي. ولكن هذا الإعلان ذكر أن قطر بحاجة إلى التحول لإنهاء هذا الاعتماد على الهيدروكربونات، ويمكن القول إن إعلان الوكالة يقلل من الجهود التي تبذلها قطر في هذا الصدد. وتُعدُ السياحة من القطاعات التي تشهد نموًا متصاعدًا، وهناك استثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، حيث جرى ربط محطة توليد الطاقة بالخرسعة التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 800 ميجاوات بالشبكة الوطنية في أكتوبر من العام الحالي. وتقترب البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء إلى حد كبير لدرجة أنها باتت من الدولة المصدرة لبعض المنتجات الغذائية. وفيما يتعلق بالإنفاق المرتفع على مشاريع البنية التحتية، حدث هذا في الغالب خلال الفترة الماضية، حسبما أقر التصنيف الائتماني في إحدى الملاحظات. فقد شهد عقد التسعينيات وبداية القرن الحادي والعشرين إنفاقًا رأسماليًا كبيرًا، وشهدت البلاد تطورًا ملحوظًا خلال العقد الماضي، مع استعدادها لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم المزمع انطلاقها بعد أيام معدودة. وربما تكون وكالات التصنيف قد قللت من تقدير مدى التطور الذي بلغته وسائل المواصلات والمرافق والعقارات الحديثة في قطر بعدما وصلت إلى أعلى مستويات الجودة، وهو ما يوفر فرصةً لتحقيق المزيد من النمو والتنويع الاقتصادي. وفيما يتعلق بالمخاطر الجيوسياسية، ربما تكون هذه هي النقطة التي يختلف فيها المنظور الغربي عن وجهة النظر السائدة في المنطقة. وتبقى فرضية أن منطقة الخليج أكثر عرضة للاضطراب وعدم الاستقرار من المناطق الأخرى محل جدل ونقاش. فقد شهدت أوروبا حربًا بريةً واسعة النطاق في عام 2022، بينما لم يحدث ذلك في منطقة الشرق الأوسط. وقد أدت الحرب التي اندلعت في أوكرانيا إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال من قطر، حيث سعت الدول الأوروبية إلى توفير مصادر بديلة لإمدادات الغاز التي كانت تأتي إليها من روسيا. وتعني حقيقة أن الاضطرابات والصراعات قد ظهرت في المنطقة على مدار السبعين عامًا الماضية أن القيادات الوطنية قد طورت القدرة على الاستجابة والتكيف مع التخطيط للطوارئ والمرونة الإستراتيجية. ولا يوجد أي نموذج اقتصادي بمنأى عن المخاطر. وهناك قدر من المرونة التي يتمتع بها الاقتصاد القطري، وتشتمل القضايا التي تفرض بعض المخاطر أيضًا على بعض نقاط القوة والفرص، ونتمنى من وكالات التصنيف الائتماني الموازنة بين الاقتصاد والسياسة وتكوين نظرة أكثر إيجابية عن منطقة الشرق الأوسط.
5556
| 13 نوفمبر 2022
تسبب السيد ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، في حدوث بعض الانزعاج بمنطقة الخليج خلال الشهر الماضي عندما صرَّح بأن الدول المصدرة للنفط قد تلقت مكافأة غير مستحقة من خلال الارتفاع الحاد في أسعار النفط، وأنه يتعين على هذه الدول إعادة توزيع فوائضها في جميع أنحاء العالم. ولم يُعرب أحد عن تعاطفه مع مصدري النفط عندما انخفض السعر إلى أقل من 10 دولارات للبرميل خلال عمليات الإغلاق إبان فترة انتشار فيروس كوفيد-19 في عام 2020. ولا تتعرض البلدان المصدرة للغذاء لانتقادات مماثلة عندما يرتفع السعر العالمي للحبوب. علاوة على ذلك، فإن إعادة تدوير العائدات الدولارية للنفط هو نمط ترَّسخ لعقود من الزمن، ويقدم فوائد لبقية الاقتصادات في العالم. فقد بيَّن بحث صادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2006 كيف تنقسم عملية إعادة التدوير إلى فئتين رئيسيتين وهما: الاستيعاب - الاستهلاك المحلي، الذي يدخل في تغطية الواردات؛ والحساب الرأسمالي، وهو الاستثمارات في الأصول الأجنبية. ويساعد الاستيعاب في تحسين ميزان الحساب الجاري للدول التي تستورد منها الشركات والمستهلكون في البلدان المصدرة للنفط. وفي الواقع، أشار البحث المذكور الصادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2006 إلى أن الإنفاق المرتفع يميل إلى الاستمرار بعد انتهاء فترة ارتفاع أسعار النفط، وهو ما يدل على أن التكيف مع تقلب الأسعار يمثل تحديًا لمصدري النفط والمستوردين على حدٍ سواء. وتوفر استثمارات الحسابات الرأسمالية فوائد اقتصادية للدول المستوردة للنفط، حيث أنها غالبًا ما تكون مستقبلة لعائدات النفط. وقد أشار البحث سالف الذكر إلى أن الاستثمارات المرتفعة لمصدري النفط تميل إلى تمكين أسعار الفائدة من الانخفاض في بقية العالم. بالإضافة إلى ذلك، تشتمل هذه الاستثمارات على الاستثمار الوارد للأعمال الإنتاجية. ومقارنةً بالسنوات السابقة التي شهدت طفرةً في أسعار النفط، عندما تركزت المحافظ الاستثمارية في القطاع المالي والعقارات، أصبحت الاستثمارات الأخيرة أكثر تنوعًا وتطورًا. كما أنها باتت صديقةً للبيئة بشكل أكبر. وأصبح صندوق الثروة السيادية النرويجي، الذي أُنشئ في الأصل باستخدام عائدات صادرات النفط، معروفًا بشكل متزايد بسبب ميله للاستثمار في التكنولوجيا النظيفة وفئات الأصول الأخرى التي تصطبغ بصبغة أخلاقية بارزة. وقد تحركت بعض الصناديق السيادية في منطقة الخليج في اتجاه مماثل، على الرغم من أنها لم تبرز ذلك في وسائل الإعلام. وقد برزت فئة الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) بشكل حاد في السنوات الأخيرة بصفتها دليلاً للمستثمرين. ورغم أن هناك مخاوف بشأن مدى موثوقية المؤشرات ذات الصلة، نظرًا لإمكانيات حدوث ظاهرة الغسيل الأخضر (تضليل المستثمرين او المستهلكين حول الممارسات البيئية للشركة)، فإن التحرك نحو ممارسات الاستدامة جوهري وملموس. وقد ارتفعت استثمارات صناديق الثروة السيادية في فئة الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة من 7.2 مليار دولار أمريكي إلى 22.7 مليار دولار أمريكي بين عام 2020 وأوائل عام 2022؛ وتحظى الاستثمارات المرتبطة بالاستدامة بأولوية متزايدة في جميع أنحاء منطقة الخليج. ومن بين الأمثلة على الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة إنشاء أكبر منشأة للطاقة الشمسية في قطر، حيث جرى ربط محطة الخرسعة لتوليد الطاقة التي تبلغ طاقتها الإنتاجية القصوى 800 ميجاوات بالشبكة الوطنية للطاقة في شهر أكتوبر من العام الحالي، وهو ما سيؤدي إلى التخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 26 مليون طن تقريبًا على مدار عمرها الافتراضي. ووفقًا لدراسة أجرتها شركة إنفسكو، فإن حوالي 75٪ من صناديق الثروة السيادية على مستوى العالم، و55٪ من صناديق الثروة السيادية في منطقة الشرق الأوسط لديها سياسة متكاملة تجاه الاستثمار في فئة الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة. وقد توصل تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة في عام 2017 إلى أن صناديق الثروة السيادية تُعدُ وسيلةً مناسبةً تمامًا لمساعدة المجتمعات على تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، بسبب آفاقها طويلة الأجل. وخلص التقرير إلى أن هذه الاستثمارات قد بدأت، ويمكن تسريعها بمقاييس أوضح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. والخلاصة هي أن الفوائض الناتجة عن العائدات الدولارية للنفط ليست سيئة بطبيعتها بالنسبة للاقتصاد العالمي، فهي تعتمد على كيفية استخدامها، وستكون دول الخليج طرفًا رئيسيا في هذا المجال بما يخدم الأهداف الإستراتيجية لدولها على المدى البعيد.
1437
| 06 نوفمبر 2022
تزيد فوائض الميزانية من الخيارات المتاحة أمام العديد من الشركات والحكومات في منطقة الخليج، ولكن هناك تحديات تواجه المصدرين والقطاعات الأخرى. وقد باتت الحاجة إلى التنويع في الاستثمارات الخارجية والاقتصاد الداخلي أمرًا بالغ الأهمية. يُعدُ ارتفاع فوائض الميزانية والاحتياطيات الأجنبية، وانخفاض البطالة وزيادة خيارات الاستثمارات الخارجية من سمات اقتصاد دول منطقة الخليج في أعقاب الارتفاع الأخير في أسعار النفط، وهو ما قد يجعلهم محل غبطة الكثير من الدول الأخرى. وستشهد المنطقة انتعاشةً اقتصاديةً إضافيةً عند قدوم مشجعي كرة القدم إلى قطر لمشاهدة مباريات بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تنطلق منافساتها الشهر القادم، وهو ما سيساعد العديد من الشركات على التعافي من آثار الركود التجاري خلال عمليات الإغلاق إبان مرحلة انتشار فيروس كوفيد-19 خلال الفترة من 2020 إلى 2021. ومن المتوقع انتعاش الإيرادات الحكومية لدول الخليج ومثالاً على ذلك دولة قطر، التي كانت قد وضعت ميزانيتها لعام 2022 على أساس تقدير متوسط سعر برميل النفط عند مستوى 55 دولارًا – ولكن سعر السوق تجاوز في الغالب مستوى 80 دولارًا للبرميل هذا العام. بالإضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي بنحو 15٪ في عام 2022 إلى حفاظ العملات المحلية في الخليج المربوطة بالدولار الأمريكي باستثناء دولة الكويت التي تربط عملتها بسلة من العملات الأجنبية على قوتها الشرائية، وهو ما يوفر ميزةً عند استيراد السلع المُسَعَّرة بعملة أخرى غير الدولار الأمريكي من جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن جميع القطاعات تشهد ازدهارًا وانتعاشًا، أو أنه لا توجد قرارات صعبة يتعين على قادة الأعمال وصانعي السياسات في المنطقة اتخاذها. إذًا، ما هي العيوب والمخاطر المحتملة في هذا الوقت الذي يتميز بحدوث انتعاش ظاهري؟ في البداية، لا تساهم قوة أسعار الدولار والنفط في تحقيق الفائدة لجميع الشركات الخاصة أو السكان؛ إذ لا يعتمد الاقتصاد اعتمادًا كليًا على عائدات النفط والغاز؛ فمنذ بضع سنوات وحتى وقتنا هذا، باتت اقتصادات دول الخليج أكثر تنوعًا مما قد يكون عليه التصور الشائع خارج المنطقة. وهناك ركود عالمي محتمل، ويعني ارتفاع قيمة الدولار زيادة تكلفة الصادرات من دول الخليج. فعلى سبيل المثال، من المرجح أن يواجه منتجو ومصدرو الأسمدة انخفاضًا في الطلب وهامشًا منخفضًا للربح في الوقت نفسه. وفيما يتعلق بقطاع السياحة، كما أشرت في مقالٍ سابقٍ، أصبحت منتجعات الخليج أكثر تكلفةً مقارنةً بالوجهات المنافسة في دول منطقة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي. وقد شهدت اقتصادات دول الخليج ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات التضخم؛ ومن الصعب إبطاء هذه المعدلات بسبب ارتفاع قيمة الواردات مثل المواد الأولية والمصنعة وزيادة تكلفة المواد الغذائية المستوردة. كما تؤثر أسعار الفائدة المرتفعة (بسبب الحاجة الى إتباع السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي) بالسلب على الشركات المدينة بقروض كبيرة، ومن بينها شركات عاملة في قطاع العقارات المهم. وقد شهدت المنطقة ضخ استثمارات كبيرة في قطاع العقارات التجارية والصناعية والسكنية خلال السنوات الأخيرة. ولن يتمكن المطورون العقاريون دائمًا من تمرير التكلفة المتزايدة لديونهم إلى العملاء عبر رفع أسعار الإيجارات أو البيع. والعزاء الوحيد لتلك الشركات التي قد تتعرض لمصاعب كبيرة هي أن الفوائض الصحية التي يحققها القطاع العام تعني أن الحكومات يمكن أن تتدخل لمساعدتها من خلال القروض الميسرة مثلاً أو تخفيض الرسوم الحكومية ونسب الضريبة إن وجدت. وقد أصبح تنويع مصادر اقتصادات دول الخليج من المواضيع الرئيسية والمهمة. وتشهد أسعار النفط ارتفاعًا في الفترة الحالية، ولكنها تتميز بتقلبها ولا يمكن التنبؤ بها، ومن غير المنطقي الإفراط في الاعتماد على سلعةٍ ما في الدخل. والتنويع موضوعٌ مهمٌ في مجال الاستثمارات أيضًا، حيث سيبحث المستثمرون في منطقة الشرق الأوسط عن أسهم ذات قيمةٍ منخفضةٍ نسبيًا خلال فترة الانكماش الحالية للحفاظ على الفوائض المالية للأجيال القادمة. وسوف يسعون إلى تجنب الإفراط في الاعتماد على أي قطاع منفرد أو دولة واحدة بالذات. وستكون خيارات الاستثمار عند إعادة تدوير الاحتياطيات الفائضة هي الموضوع الرئيسي لمقالي القادم.
738
| 30 أكتوبر 2022
أدت الارتفاعات الحادة في أسعار الفائدة وقيمة الدولار إلى تعرض العديد من الاقتصادات النامية لضغوط، بسبب ارتفاع تكلفة الواردات والزيادة الصافية في تكلفة سداد الديون. ويجب على دول مجموعة السبع دراسة زيادة ميزانياتها المخصصة لمساعدة اقتصادات الدول النامية حيث أن 60% من هذه الدول قد تتخلف عن سداد ديونها. نحن نعيش في عالم دولي مترابط في مجال الاقتصاد والمال، وفي نفس الوقت تحرص الدول الكبيرة على صنع السياسات ووضع الميزانيات على المستوى الوطني لدعم مصالحها واقتصادها المحلي. وهذا يشكل معضلة كبيرة، خاصة عندما تتزامن العديد من التطورات السلبية مع بعضها البعض، وهو ما يمكننا ملاحظته اليوم. وكان المزاج السائد في الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي الذي عُقد في العاصمة الأمريكية واشنطن في وقت سابق من الشهر الحالي قاتمًا، حيث أشارت صحيفة فاينانشيال تايمز في تعليق لها صدر بتاريخ 16 أكتوبر إلى أنه: "من النادر أن تتوقف العديد من محركات الاقتصاد العالمي دفعةً واحدةً"، مستشهدةً في ذلك بانخفاض النمو في الاقتصادات الرئيسية، وارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، حيث بات لدينا تضخم مصحوبًا بركود اقتصادي (Stagflation). ويسود الشعور بالتشاؤم في جميع أنحاء العالم، ويؤثر على الدول الغنية أيضًا، مع احتمال حدوث ركود في الولايات المتحدة بنسبة 100٪ وفقًا لتقديرات مؤسسة بلومبرج إيكونوميكس. وقد تعرض صناع السياسات في العواصم الغربية للنقد بسبب استجابتهم المتأخرة جدًا للضغوط الناجمة عن التضخم، ثم اضطرارهم إلى التحرك بقوة لرفع أسعار الفائدة. وكان التضخم يتراكم منذ فترة، بدايةً من مرحلة انتشار جائحة كوفيد-19 خلال عامي 2020 و2021، بسبب الإغلاقات واضطراب سلسلة التوريد. وحافظ صناع السياسات على انخفاض أسعار الفائدة لتقليل مخاطر الركود الحاد، ثم زاد التضخم بوتيرة أسرع مما توقعتها البنوك المركزية بعد انتهاء معظم عمليات الإغلاق، واندلاع الصراع الروسي الأوكراني الذي أدى إلى حدوث ارتفاع حاد في أسعار النفط والغاز والغذاء، وخاصة القمح. وذكر جاي باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أنه "بدون استقرار الأسعار، لن يعمل الاقتصاد لصالح أي شخص". ومع ارتفاع الأسعار، ارتفعت قيمة الدولار بشكل كبير، مما كان له تأثير مباشر على الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. وفي الاقتصادات الناشئة ذات الديون الحكومية المقومة بالدولار، زادت تكلفة الواردات وأقساط سداد الديون، مما تسبب في حدوث ضغط على قدرة الحكومات والسكان على الإنفاق وانخفاض مستويات المعيشة. ويأتي جزء كبير من الضغوط الناجمة عن التضخم من زيادة أسعار الموارد الأساسية، مثل الطاقة والغذاء. ومن بين الاقتصادات الناشئة، تُعدُ فنزويلا ونيجيريا فقط من البلدان المصدرة للنفط، وتستفيدان بالتالي من ارتفاع عائدات الصادرات ولكنهما تواجهان نفس الضغوط الناجمة عن التضخم، في حين يتعين على الدول الأخرى استيراد الوقود. وقد اضطرت بنغلاديش، وهي إحدى الدول الرئيسية في مجال صناعة المنسوجات على مستوى العالم، إلى قطع التيار الكهربائي لفترات محدودة لترشيد استهلاك الديزل في توليد الكهرباء. ونظرًا لأن قطاع النسيج من أبرز القطاعات المستخدمة للكهرباء، فإن ذلك يؤثر على صناعة المنسوجات الموجهة للتصدير ذات الأهمية الاستراتيجية والمصدر الرئيسي للدولار. كما كان للكوارث الطبيعية تأثير واضح وملموس. ففي عام 2022، تأثرت كل من باكستان وفلوريدا في الولايات المتحدة بالفيضانات المدمرة. وقدرت تكلفة الأضرار بنحو 10 مليارات دولار في باكستان وحوالي ثلاثة أضعاف هذه التكلفة في فلوريدا، ولكن الحكومة الفيدرالية لأكبر اقتصاد في العالم ستجد أن من الممكن تحمل تكاليف الإغاثة والتعافي في فلوريدا، كما أنها تتمتع بقدرة غير محدودة على اقتراض الأموال أو طباعتها في نهاية المطاف، بعملة الاحتياطي الرئيسية في العالم. ولا تملك الحكومة الباكستانية مثل هذه الخيارات وتحتاج للحصول على مساعدات دولية. ووردت تقديرات في اجتماع صندوق النقد الدولي الذي عُقد خلال الشهر الحالي بأن حوالي 60٪ من الاقتصادات الناشئة قد تتخلف عن سداد ديونها الحكومية قبل انحسار الأزمة الحالية. وأصدر صندوق النقد الدولي نصيحة للحكومات بالحفاظ على الاحتياطيات الدولارية قدر الإمكان، والاستفادة من التوجيهات الاحترازية الصادرة عن الصندوق من أجل تعزيز السيولة. وفي الوقت الحالي، تمثل ميزانيات المساعدات الدولية لأغنى الدول مصدرًا مهمًا للمساعدة والإغاثة. وقد تؤدي زيادة المساعدات إلى تحقيق المصالح الخاصة لبعض الدول، فضلاً عن كونها سياسة تصطبغ بالطابع الإنساني. ومن المرجح أن يزداد تدفق اللاجئين إلى البلدان الغنية من المناطق التي تضررت بشدة من الفيضانات أو الجفاف أو الأزمات الاقتصادية دون تلقي المزيد من المساعدات. ويجب إصلاح النظام الاقتصادي الدولي، وزيادة قدرة الصناديق العالمية (مثل صندوق النقد الدولي)، وتعزيز التنسيق العالمي، وتشجيع الأفكار الجديدة المبتكرة، لجعل الاقتراض أقل تكلفة بالنسبة للاقتصادات النامية، وجعل عملاتها أقل عرضة للتغيير والانخفاض في القيمة.
2121
| 23 أكتوبر 2022
مع العودة لعقد القمة السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بصورة طبيعية، بات التعاون الوثيق بين القيادات المالية العالمية أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى. وفي الفترة بين عامي 2020 و2021، حلت الاجتماعات التي عُقدت عبر تقنية الفيديو محل الرحلات الجوية الطويلة، بعدما تكيف العاملون في قطاع التجارة والأعمال مع الاجتماعات التي تُعقد عبر الإنترنت أثناء فترة الإغلاق. وقد سافرت خلال الشهر الحالي لحضور القمة السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في العاصمة الأمريكية واشنطن، التي عُقدت حضوريًا لأول مرة منذ مرحلة ما قبل اندلاع جائحة كوفيد-19. وشاركت كذلك في فعاليات الاجتماع السنوي لأعضاء معهد التمويل الدولي، الذي عُقد في واشنطن خلال الأسبوع نفسه. ويواجه قطاع الاقتصاد في العالم مجموعة هائلة من المشاكل والتحديات الصعبة، مع تشابك الضغوط الجغرافية السياسية والاجتماعية والبيئية في كثير من الأحيان. وينعكس ذلك في الأجندة الإنسانية والبيئية، حيث تناولت جلسات النقاش في المؤتمرين مواضيع مثل الإدماج والاستدامة، بالإضافة إلى التضخم وإعادة هيكلة الديون. وبصفتي من المصرفيين الذين يحرصون على المشاركة بانتظام في تلك المؤتمرات، فإنني وجدت نفسي أتساءل حول الفوائد العملية للمشاركة في تلك المؤتمرات ومزايا حضورها. وتوصلت إلى أن هناك ثلاث فوائد رئيسية لحضور تلك الاجتماعات من بينها الفوائد التعليمية المتمثلة في المعارف والخبرات التي يكتسبها الفرد من تفاعله مع نخبة من المتحدثين المتميزين، فضلا عن التعرف على التكنولوجيا الجديدة وتطبيقاتها، أو الأدوات المالية الجديدة، بالإضافة إلى اكتساب رؤى من كبار صانعي السياسات. وتساهم هذه الاجتماعات أيضًا في توطيد علاقات الصداقة والعمل الراسخة، حيث توفر فرصةً نادرةً لكبار المدراء التنفيذيين للبنوك العالمية تتيح لهم إمكانية الاجتماع في مكان واحد، وهو ما يساعدهم على تعزيز العلاقات الاستراتيجية الرئيسية. وتوفر الاجتماعات كذلك فرصةً لإقامة علاقات جديدة والتعرف على فرص الأعمال المحتملة التي قد يرغب الفرد في متابعتها. ولا تتيح مثل هذه الاجتماعات إمكانية وجود وقت محدد للتفاوض على صفقة خلال الأسبوع نفسه، ولكن قد تكون هناك فكرة مجدية وواعدة يمكن متابعتها لاحقًا، مثل تعزيز التعاون في مجال التمويل التجاري، أو إصدار سندات في سوق جديدة. وبينما يمكن أن يمثل حضور مؤتمر عبر تقنية الفيديو بديلاً جيدًا للأغراض التعريفية، فإنه لا يُعدُ الخيار الأفضل لتوطيد العلاقات والتواصل. وخلال مؤتمرات القمة السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يحضر الفرد اجتماعات طوال ساعات استيقاظه تقريبًا، حيث تُعقد اجتماعات على مأدبة الإفطار، بالإضافة إلى حفلات استقبال مسائية، بما في ذلك حفل استقبال البنوك القطرية، الذي شهد حضورًا رفيع المستوى من المصرفيين العالميين، واهتمامًا كبيرًا بالاستثمار في الاقتصاد القطري، وثناءً على نجاح الاستراتيجية المالية والاقتصادية للدولة. وهناك اجتماعات لتناول القهوة واجتماعات على مأدبات الغداء تُقام على مدار اليوم. ويمكن أن تكون هذه الاجتماعات مرهقة، ولكنها مفيدة من الناحية المعرفية والتجارية. ونظرًا للضغوط المتزايدة بفعل الأزمات الناجمة عن ارتفاع تكلفة المعيشة في جميع أنحاء العالم، والصراعات العسكرية والضغوط البيئية، لم يكن هناك وقت أكثر ملاءمة للقيادات المالية العالمية للعمل معًا بشكل وثيق من أجل التوصل إلى ردود فعل ناجعة من هذا التوقيت. ومن بين الأزمات المستجدة التي طرحت للنقاش في واشنطن مشكلة القدرة على تحمل الاقتصادات الناشئة للديون الحكومية، التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة. وسوف أتناول هذه القضايا المترابطة في مقالتي التالية.
2028
| 16 أكتوبر 2022
كلُ شيءٍ مؤقت، لكن بعض الاتجاهات الاقتصادية تستمر لفترة أطول من غيرها، فقد استمر تطبيق البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم لسياسة أسعار الفائدة المنخفضة للغاية بعد اندلاع الأزمة المصرفية في عام 2008 لأكثر من عقد، وهي فترة أطول مما توقعه الكثير من الخبراء والمراقبين. وقد ولَّت هذه الحِقبة وانتهت الآن فعليًا. وحتى قبل حلول شهر فبراير من العام الحالي، عندما بدأنا نتلمس آثار الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا بعد تسببها في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، كان التضخم يمضي في اتجاه تصاعدي. وتأخر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الاستجابة لهذه الأزمة، وبالتالي كان عليه التحرك بقوة، حيث ارتفعت أسعار الفائدة الأمريكية بشكلٍ ملحوظ بعد استقرارها لفترة طويلة عند مستوى يقترب من الصفر قبل عام. وقد أدى الارتفاع الأخير لأسعار الفائدة الذي اعتُمد في منتصف شهر سبتمبر الماضي إلى رفع معدلات الفائدة القياسية إلى مستوى يتراوح بين 3% و3.25٪، حيث قفز مؤشر أسعار المستهلك إلى 9٪. وقد تعيَّن على المصارف المركزية الأخرى أن تحذو حذو مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ولكن بما أن الدولار لا يزال عملة الاحتياطي النقدي المهيمنة في جميع أنحاء العالم، كان الارتفاع في قيمته هو الأقوى، حيث ارتفعت قيمة الدولار بأكثر من 10٪ خلال العام الماضي، وكانت آثار هذه الخطوة ملموسة وبشدة هنا في منطقة الخليج بسبب اعتمادنا على تصدير النفط وتسعيره في الأسواق العالمية بالدولار. وقد بلغ سعر النفط ذروته خلال العام الحالي عندما وصل إلى أكثر من 100 دولار للبرميل. ثم انخفض منذ ذلك الحين إلى حوالي 80 دولارًا، مقارنة بالسعر المسجل خلال جائحة كورونا في منتصف عام 2020 والذي انخفض إلى أقل من 10 دولارات للبرميل. وترتبط معظم العملات في الخليج بالدولار، الذي يُعدُ العملة الرئيسية للمعاملات في معظم عمليات التجارة العالمية. ويمثل ارتفاع سعر الدولار نعمةً ونقمةً بالنسبة لدول المنطقة. فرغم ارتفاع الإيرادات الحكومية، وتعزز القوة الشرائية للشركات والمواطنين في الخليج، حدثت أضرار تحد من القدرة التنافسية للصناعات الموجهة للتصدير. وتسعى اقتصادات دول الخليج، بدرجات متفاوتة، إلى تنويع اقتصاداتها لكي لا تعتمد بشكل مفرط على قطاع النفط والغاز، بسبب تقلب أسعارهما وارتفاع الانتقادات الموجهة للدول التي تعتمد على الصناعات الملوثة للبيئة. وتعمل الاقتصادات الغربية كذلك على تسريع التحول الاستراتيجي بعيدًا عن استخدام الوقود الأحفوري، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. وفي دول الخليج، ينظر إلى قطاع السياحة باعتباره أحد القطاعات الواعدة التي تتمتع بإمكانيات هائلة للمساهمة في تحقيق خطط التنمية، حيث تنعم المنطقة بسطوع أشعة الشمس طوال العام، إلى جانب احتوائها على الكثير من الشواطئ الخلابة، والبنية التحتية الحديثة، ومجموعة هائلة من عوامل الجذب السياحي المتمثلة في المتاجر الراقية والمطاعم الفاخرة، بالإضافة إلى تاريخ المنطقة العريق والثقافة الغنية ولكن السياحة ليست من أوليات الإنفاق الاستهلاكي، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، وهو ما يجعل الخليج وجهةً سياحية أغلى ثمنًا. وقد فرضت عوامل أخرى بعض التحديات: فقد انخفض عدد السياح القادمين من روسيا والصين، وتضرر الاقتصاد الروسي من جراء العقوبات، وواصلت الصين فرض قيود صارمة على السفر في إطار استراتيجيتها الرامية للقضاء على فيروس كوفيد - 19. ويجب أن تكون صناعة السياحة أكثر ابتكارًا. ومن بين الأساليب الذكية التي تتبعها صناعة السياحة القطرية طرح باقات سياحية تتراوح مدتها من 3 إلى 4 أيام للمسافرين العابرين بين الدول الغربية وآسيا بسبب تنامي عدد المسافرين ووجهات الخطوط الجوية القطرية. وقد نجح قطاع السياحة أيضًا في استقطاب زوار من الهند وجنوب شرق آسيا، بسبب القرب الجغرافي، وتبسيط إجراءات منح التأشيرات، والتنويع الثقافي، بدلاً من الاعتماد بشكل مفرط على السياح القادمين من الغرب. وقد برع قادة قطاع السياحة بدول الخليج في استخدام هذه المزايا لمواجهة التحديات الاقتصادية ولكنها قد تكون غير كافية بسبب التوقعات الاقتصادية بأن يحافظ الدولار على قوته على المدى المتوسط، لذلك ستستمر الحاجة إلى الابتكار والتطوير، حيث تسعى الوجهات السياحية الأخرى إلى تحقيق أقصى استفادة من ميزة رخص التكلفة لمنافسة دول الخليج في جذب السياح.
1404
| 09 أكتوبر 2022
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4776
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3369
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2865
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2670
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2592
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1311
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1014
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
948
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
822
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
804
| 17 أكتوبر 2025
في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...
765
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية