رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لعله من عزم الأمور أن تتخذ قرارك بالإشراق، وتُجدد نيتك بالإزهار كل يوم! وعساه من الاصطبار الحق أن يقف المرء مجاهداً دون ترديه في متاهات ظلمات الشعور، والاستغراق في دركات التيه بعيداً عن طمأنينة القلب، وسكون الفؤاد. فما الازدهار إلا اعتزام، وما السطوع إلا اختيار! وما أجلّ أن تكون -رغم الخطوب- متفتحاً، وضيئاً بالألوان التي تبهج بها قلبك، وتُجلي بها حزنك، وتنير بها عتمتك، وتُزهي حقول الحياة منحولك، لا يمر بك بائس إلا انفرجت أساريره بهجة وسروراً، ولا يدركك قانط إلا أشرقت روحه إيماناً ويقيناً. وما أبهى أن تتلمس لطف الله فيك دوماً، وتستشعر معيته فلا حزن يدوم عليك ولا كدر، قد قرت عينك، واطمأن فؤادك، وسلمت أمرك مفوضاً إياه لصاحبه سبحانه، فلا يلبث أن تنثر عبق عدوى شعورك في الأجواء، فلا يراك تعِس إلا انطلقت ابتسامته الجذلى فرحة وحبوراً، ولا يقابلك قانط إلا استرجع الأمل، وتفتحت بواطنه، واستردت أساريره انفراجتها، وانفكت عقد اليأس والقنوط، مسترجعاً برؤيتك يقيناً قد هُجر، وتسليماً قد طال الأمد عن لقياه، واستبشاراً كان الوصل به ضرب من ضروب المستحيل!. سُر من رأى انتعاش روحك، وسماحة خصالك، وطيب طويتك، وقوة يقينك بمدبر الأمور، وصلابة ثقتك في رحماته المتوالية. وليس المعنى من ذلك أن تميل إلى تخدير الشعور، أو إنكار ما تمر به من أوجاع، أو أن تستحث في دواخلك طول الأمل، ورفض ما تجابهه من تحديات الحياة، ولكن المقصد أن يكون لك ديدن لا يحيد بالعودة دائماً لمركزيتك الأثيرة مع الرحمن الرحيم، مدبر الأمور، وأن تكون متيقناً أنه لا خوف عليك ولا حزن، وأن لكل ضائقة مخرجا، وأن طبيعة الحياة بجمال رحلتها هبوطاً وارتفاعاً، فلا تيأس وإن لم تجد في مد بصرك كوة نور ترشدك، لأن نورك الحق مشرق متلألئ بين جنبيك، وقلبك راسخ مطمئن مهما حلت عليه الصعاب، ثقةً بالله وحق استعانة برحماته، وطمعاً في فضل كرمه وفيض عطاءاته. * لحظة إدراك: ما ظاهر المرء إلا مرآة باطنه، وليس يفيض إناء إلا بما فيه، لذا فما عنايتك بقلبك، وتمسكك بحبل الله المتين، إلا مما يستأهل أن توطن نفسك عليه، لأنه أمر مستحق البذل وجدير به الجَلد، وكما قيل: (خير الأمور عوازمها). وما مآل ذلك كله إلا خير تجنيه في ذاتك، وضوع عبير تنثر به السماحة والسرور على من حولك، تتبارك أرواحهم به طمأنينة وسلاماً.
1452
| 14 مايو 2024
مما يشق على نفس المرء أن يجد نفسه مكروهاً بين الناس، قد غلب نفورهم منه على وده، ولعله يغيب متسائلاً عن سبب ذلك وهو يعلل النفس بأنها مشكلتهم لا مشكلته، ويهدهد الخاطر بأنهم هم من خسروه، فمن الواجب أن من يحبه سيحبه كما هو، ويقبله بجملته على علاّته بحسنه وسوئه، بنوره وظلامه، وأنه (من ناحيته) لن يبذل الجهد في التودد أو السعي في نيل القبول!. بل وقد يخال السعي في ذلك من التذلل غير المحمود، ومما يخدش أنفته وعزة نفسه!. بل وقد يزعم أن ذلك من التلوّن والمداهنة الممجوجة لنيل الرضا، أو الحصول على الود!. وقد يغفل أن العلاقات بين الناس ليست ذات اتجاهٍ وحيد! فغالب الناس يميلون بطبعهم إلى من يعاملهم بسموّ الخلق، وطيب الكلم، ولطافة المعشر، من يتودد إليهم من غير إذلال، ومن يتلطّف في سلوكه معهم من غير استهانة، ومن يتغافل عن عيوبهم دون خنوع، من يبادر بالابتسامة والوجه الطلق، ويبدأ بالإحسان واللطف، فلو كان المرء فظاً غليظ القلب لانفضوا من حوله!. وفي المقابل من يتزن في ذلك، فهو يُحسن نيته لله قبل أي أحد، ويرتقي بنفسه لنفسه، قبل أن يكون همّه كسب ود العالمين، فلا تذهب نفسه حسرات إن لم يُقدّر أو لم يُشكر، ولا يحزن قلبه إن عاداه أحد أو كرهه، ولن يتفاجأ إن لم يُرّد له الإحسان بإحسان مثله، فلن يجتمع على حب إنسانٍ أحد، عندها تكون قد استوفيت من الأمر شرطه، وقدمت إلى بارئك معذرتك، وسموت بنفسك تهذيباً وارتقاءً، و بذلت دفعاً بالتي هي أحسن، حينها فقط يمكن القول إن المشكلة مشكلتهم هم..لا مشكلتك. *لحظة إدراك: ما أبهى أن يتزّن فكر الإنسان وشعوره، وأن يتبصّر بدوره دائماً فيما يحدث له، فذلك من الحكمة التي تضع الأمور في نصابها، فيعي أن له من المسؤولية في كل أمر نصيبه المُقدّر، فيسعى فيما بين يديه من الأسباب، وأولها تنقية نواياه، وتطهير دواخله، ويتبعها ببذل الإحسان على شاكلة ما يريد أن يتلّقاه، فالأصل أن جزاء الإحسان إحسان مثله، والله يضاعف لمن يشاء، وإن شذّ من شذ، فلن يضره، لأنه مؤمن أن اجتماع الناس على أمر واحد ضرب من المستحيل.
921
| 07 مايو 2024
في منهجي لا أجد التوقعات سوى تصوّرات مُسبّقة، بيدك أن تجعلها قيداً لك يمنعك من الإقدام، أو تحيلها إلى حكمةٍ وحصافة تعينك على المسير! فليس طرد التوقعات على علاّته من شيم النبلاء، ولا رفض التصوّرات المسبقة من محاسن الحكماء.. ذلك لأن التوقع في حد ذاته لا سلطان له على عقل من يُدرك كيف يتعامل معه! فالعاقل يتوقع من الناس احترام حدوده، ورد التعامل النبيل بمثله، كما قد يتوقع من الأمارات التي تتبدى له في مسالك الناس وتعاملاتهم نهاية محمودة أو مذمومة معهم، ويستقرئ منها البشائر أو النذر، فيتخذ في سبيله ما يتهيأ له أنه الأنسب من الإقدام أو الإحجام، أو من التوّسع معهم أو التحجيم، فهذا من حُسن الفراسة، ومن القوة الممدوحة في مراقبة الإشارات والعلامات، فهو كيّس فطن، مُدرك لما حوله، دون تعلق في توقعات معينة ليس مصدرها سوى نظرةٍ محدودة، أو شعور طاغٍ غير متزن! أما التوقع الذي يقيدك في صورةٍ واحدة، أو هيئة محددة أو ردود فعلٍ معينة لا تراعي اختلاف طبائع الناس وأمزجتهم، والذي يرسم صورة تفصيلية معيّنة لما يجب أن يكون، وكيف ومتى يكون، فهذا مما يقيد العقل، ويدفع سلام القلب للهروب، ويُنحيّ راحة البال من الحضور ! فالحصيف يتوقع الاحترام، ولكنه لن يتفاجأ إن لم يحصل عليه من بعض من يتعامل معهم ! والفطن يتوقع أن يُرد الحب والود له كما يتمنى ولكنه لن يشترط في كيفيته وشكله وأوانه، ولا مصدره ومنبعه لأنه يُدرك أنه ليس جزاء الإحسان إلا إحسان مثله، فلن يتوقع غدراً لوفاءٍ منحه، ولا كرهاً لقلبٍ أهداه زهرة مودته ! فله من البحبوحة ما يجعله مستقيماً قد أدار عقله وفكره وشعوره، دون تعلق برفيع التوقعات، ودون خذلان إن لم يحصل على ما توقع.. فهو على بيّنة من نفسه، متفاعلاً مع غيره برحمة وحكمة لا تبالغ في المقدار ولا تُدني في الميزان ! لحظة إدراك: ما أثمن أن يعي المرء أنه متفاعل مؤثر في ظنونه، وأنه إن أحسن إدارة توقعاته، واتزن فيما لديه من التصوّرات، وتوّلى حُسن ظنه بربه وفيما يسعى له ومعه من الأنام وشؤون الحياة، دون تعلّق أو اعتماد، فإن توقعاته ستقع لأنه يدير مخاطر توقعاته، ويسير في الحياة بنور الهادي سبحانه، ويعلم جيداً في قرارة نفسه أن (كل متوقعٍ آت).. ولكن فقط إن أحسن الميزان بين حسن ظنه وفكره وشعوره.
1845
| 30 أبريل 2024
ما أجلّ أن تمضي في دروب الأيام راضياً، قد قصرت عينك عن رزق غيرك، وركزت فيما بين يديها من الآلاء والنعم، متشاغلة عن غيرها بالاستغراق في الحمد والشكر، واهتمت نفسك بالانغماس في التزكية والتطهير، والتحسين والتطوير، وفي الإحسان والارتقاء، قد سمت روحك عن ملاحقة الصغائر، والجري وراء القشور، متأملاً بعين بصيرتك ما أنت عليه من الحال، وما أنت صائر إليه من المآل، فلا تلبث أن تتشح برداء الحكمة فتضع الأمور في نصابها، وتتعامل معها بحجمها دون مبالغةٍ أو تسفيه، وبلا شطط أو تسخيف قد استراحت نفسك من هم العداوات، والإغراق في المجادلة والخصام، ومن مطاردة الإنجازات، وملاحقة النجاحات، ومحاولات الإثبات وحشد التأييد وكأن تلك الأمور هي ما ستخلع عليك السمت والرفعة، وما ستضفي عليك الكرامة والقيمة! وما هي سوى رداء يغطي به المرء ضعف دواخله، أو قناع يُخفي وراءه الشعور بالذل والهوان أو العار والمنقصة!. قد رضت نفسك، واطمأن قلبك، وارتاح بالك، وصفت سريرتك، وهدأت خطوتك، وزاد يقينك، وتلألأت أنوارك لأنك تُدرك أنك القيمة، ومصدر التثمين، ومنبع التقدير، وأنك مُحاط برحمات الرحيم، ولطف الودود، وتدبير الحكيم، وأن كل خطوة صادقة تتقدم بها في ذلك المسير إنما هي خطوات عديدة في عمر التحقيق، لأن البركات تطوي الزمن، وتُثري النوال، وتهب لذة الوصول، وتُذكر بالحمد، وتتنعم بالرزق دون تباهٍ أو انتظار لإعجابٍ يُستمد منه القيمة، أو تصفيق يروي ظمأ سمعك للتقدير، أو إشادة تلهمك الزاد للمسير!. لا تخطو سوى بثقلٍ يساوي عمق حنكتك، ونور بصيرتك، وسماحة نفسك، وطهارة قلبك، ورباطة جأش فؤادك، وأنس روحك، ولطافة تعاطيك مع من وما حولك. لحظة إدراك: ليس المعنى مما سبق ألا يطلب أو يستقبل المرء ما أكرمه الله به من طيب السمعة، ورفعة الذكر، وعلوّ الأثر، ورفعة المقام، فهذا مما يجتبيه الله لمن يحب ويختار له الصيت الحسن في الدنيا والمقام العالي في الآخرة، وليس المقصد أن يقصر طموحك، أو تتوارى رغباتك في تحقيق النجاحات، وترك حُسن الأثر، أو لا تتطلع إلى التمكين والسعة والتأثير، ولكن المرمى ألا تكون تلك الأمور هي الهدف والأصل الدافع، أو المصدر الذي تنبع به رغبتك لتسد بها جوع طويتك للتثمين والقيمة، ورسم صورة متلألئة القشور خاوية اللب، لم ينلها سوى شهرة الصيت دون صدق الأثر وبركات الوصول!.
1320
| 23 أبريل 2024
من البهي أن يدرك المرء أن هندسة حياته والعناية برسم تفاصيل لوحته من صميم أدواره الرئيسية المنوطة به، فالاختيار هو الحق الأصيل الممنوح لنا من الخالق سبحانه، والذي يميز تجربتنا الأرضية، والتي يترتب عليها تالياً الحساب والجزاء. ولعل من أيسر الطرق المعينة على ذلك أن يتفكر المرء فيما ينبغي أن يصطفيه لنفسه ويريد تجليه في حياته، فكراً وشعوراً ومسلكاً، ليُعيد ضبط إيقاعه الذي اعتاد عليه ويُقيّم مناسبته للمضي فيه من عدمه، وليتفنن في رسم لوحة حياته على ذائقته كما يهوى ويحب. لذلك يكون من المفيد أن تدرك مبكراً أنك تسبح دائماً في بحر من الخيارات، متاحة لك بدرجات معينة في كل أمر وعلى كل مستوى. وهذا يمنحك الفرصة أن تتخير ما تريده أن يليق بمقامك الصفي. فارجع البصر في دواخلك لتتبين. وأعد النظر في نفسك، لتعيد التقييم حقاً، لا كما هو مكدّراً في عقلك، ومعكراً في إدراكك الذي وجدت نفسك عليه صنعة بلا تفكر، ووجوداً بلا انتقاء. فانظر ما الذي تراه جديراً بك، لائقاً بمقامك؟ إن كنت ترى جمالاً ورونقاً وأدباً وإحساناً، وفيض حُسن وطيب نية وصفاء سريرة، فهذا ما يليق بمقام الأصفياء المقربين. وإن كنت ترى بعداً سحيقاً، وخلقاً غليظاً، وكدر سريرة، ورهبة تملاً الآفاق، وتوجسا يغمر الحال، فهذا ما يليق بمقام ثلة المبعدين. فكل تلك الاختيارات سينعكس أثرها على مسلكك وأفعالك آنياً أو تالياً. لأنك في نهاية المطاف لن تستطيع أن تفعل إلا ما يجدر بك، ويليق بمقامك، ويتناغم مع منزلتك. أي باختصار: تعمل على شاكلتك. لحظة إدراك: سموات الارتقاء لا حد لها، والعروج في مقامات الإحسان لا تحصر، لذا من الأجدر أن يدرك المرء باكراً منطلقه، ليُعد العدة للمسير، ولا يتم ذلك إلا إن وعى أنه سيعمل على شاكلته شاء أم أبى، لذا فما أجل أن ينتقي ويتخير، ويعدل ويصحح حتى يصبح انعكاسه من العمل والقول والشعور ما يسر خاطره، ويأنس به، ويزيد نوره وألقه.
1275
| 16 أبريل 2024
أن تعبد الله على بصيرة، يعني أن تتكلف جهدك في التدبّر والتأمل، ألا تكون إمعة تقول أنا مع الناس، أن تجتهد وتسعى وتجد في الطلب من الله أن يعلمك ويفهمك وينير بصرك وبصيرتك ويلهمك رشدك ويؤتيك حكمةً من لدنه وفضلاً. أن تعبد الله على بصيرة قد يعني كذلك أن تتخذ مجازفة أن يتم تصنيفك خارجاً عن ملة الأغلبية.. وتكون مع القلة، وأن تكون خارج القطيع، لأن أكثر الناس لا يؤمنون، لا يشكرون، لا يعلمون ! إن رُزقت البصيرة، فقد أُهديت حكمةً ونوراً ورشداً، يُمكّنك أن ترى ما وراء غشاء (بصرك) من الظواهر، وما وراء الكلمات من المعاني، وما خلف الأشكال من الدلالات. أن تُدرك الأعماق والأبعاد التي لا يرى منها الأكثرية بـ (أبصارهم) المغشيّة إلا سطحها، أن تُلامس بواطن الأمور، وعوالم خفيت عن الأغلبية، أن تتسع فكراً، وتزيد سعتك وجداناً، وتتعاظم رحابة رحمتك شعوراً، أن تتفاقم حكمتك فتضع الأمور في نصابها، وأن تتزن لأنك تدرك أن للأمور أبعاداً كثيرة، وسياقات عديدة، وأن ما قد يصحّ في مقامٍ ما قد لا يصح في غيره، وأن للحياة ألوانها وتدرجاتها، وأنوارها وظلالها التي تُشكلّ في مجملها لوحة الحياة المبهجة، وأنها لا تقتصر على لونٍ واحد، أو شكلٍ ثابت. أن تُرزق البصيرة يعني أن تكون أكثر إدراكاً ووعياً لفهم نواياك، ودوافع سلوكك، وتستشعر دقائق ما تفعل، وتهذب مقاصدك، وترتقي بعقلك ووجدانك، وتبعد عن إصدار الأحكام على كل من حولك وما حولك، وأن تستغفر عن ذنبك واعياً ما أسرفت به على نفسك، وما ظلمت به ذاتك فكراً وشعوراً ومسلكاً، وأن تنشغل بروحك عن الخلق، وتهتم لشأن غيرك حباً وعطاءً ومنحاً، أن تُسلّم وتترك الأمر لصاحب الأمر، فلا تحزن على ماضٍ ولا تخاف وتقلق على مستقبل، مطمئن البال، مُسلّم الحال، قرير العين والفؤاد. هو أن ترى نفسك ببصيرة، وترى تميّزك ونفخة الله فيك تشع بين أجنابك، وروعة تدبيره في ثنايا أيامك. ببساطة.. هو أن تشكر، أن تعمل، أن تُقبل وتُدبر، وتكر وتفر في سبل الحياة بوعيك الحاضر.. على بصيرة. * لحظة إدراك: كلما ارتقى وعي الإنسان أدرك أبعاداً شتى من نفسه، وسعة مسارات الحياة ورحابة دروبها، وارتقت حكمته لتتجاوز ما ظهر له من القشور إلى التواضع وتسليم الأمر لصاحبه سبحانه العالم ببواطن الأمور. وزادت مسؤوليته، وعظمت فرص إحسانه، وتفاقم شكره، وانشغل بنفسه يهذبها ويرتقي بها، عن الانشغال بالناس ما قالوا وما فعلوا. فلا أجلّ من عبادةٍ على بصيرة تُنير الخفيّة، وتُزكي السريرة، وتُطهر الطوية.
663
| 02 أبريل 2024
من أكثر المقولات التي أجدها تصدق كثيراً على الواقع، هي أن الإنسان يُشبه ما يُحب، لأن الحب تماهٍ مع ذات المحبوب مهما كان، ومهما كان مكانه وزمانه! فقد يُحب المرء تفاصيل معينة يملأ بها يومه، كوردةٍ شذية، أو موسيقى ندية، أو ملبس معين يفيض به جمالاً وروعة، أو فكرة مجنونة إبداعية، أو حتى لطائف ومنمنمات يعبق بها أنساً ورواحاً، أو سمات شخصية يألفها وتألفه، أو حتى نماذج إنسانية حديثة وقديمة يراها في عينهذات شأن وقيمة استثنائية! كل جزء من ذلك دال على شطر من روحه تشابهت معه، وتماهت مع حقول أثيره، فأصبح لها أليفاً مُحباً، لصيقة بشخصه، ووثيقة الصلة بنفسه. فما أجدر أن يكون المرء حذراً في انتقاء ما يحب، لأنه لن يلبث أن يكون له شبيهاً! ولعل مما يطيب الخاطر، أن يعي الإنسان أن هذه القاعدة من الممكن عكسها، فيسلك في دروب التحبب إلى كل ما يرنو إليه من الجمال والنور والبهاء والإحسان، فيتحين الفرص للتمعن في كل ما من شأنه أن يرقى بروحه، ويُزكي به نفسه، ويرق به قلبه، وتخشع له جوارحه، ويستنير بأنواره فكره، فيصبح له لزيماً حتى يخلع عليه حليته البهية، ويُلقي عليه أنواره السنية من أشباهه من مقامات الرقي والرفعة. فلا يهم حينئذٍ بماذا بدأت، بمراقبة ما تحب فعلاً، أو بالتعرض لنسمات ما تطمح إلى التشبه به والتحبب إليه. فأنت في آخر المطاف ستشبه ما تتعلق به نفسك ولو لم تعلم، وستقتبس ما تكون به لصيقاً ولو لم تلحظ، فما أجدر أن تكون تلك (صناعة على عينك) تتعمد فيها الاقتراب مما تجد أنه من اللائق أن يُشبهك، أو العكس بالدنو مما هو من الموافق أن تتشبه أنت به. فالإنسان هو الصانع المُتقن للوحة حياته، وتفاصيل ما يريد الارتقاء إليه من الإحسان والنبل وحُسن التخلق. وما لم يجده سليقة في طبعه، يتصنعه تطبعاً متعمداً حتى يألفه ويمتزج به. ولعل هذا من الإكرام للنفس، والإنعام للذات بإعادة تشكيلها ونحت تفاصيلها، حتى تتروض لك، وتتهذب الطبع، وتستقيم المسلك فيما أردته لها من طيب الدروب، ورقي مراتب الإجادة والإحسان. *لحظة إدراك: لعل من أبهج المُتع أن يتأمل المرء في عطية الودود له، تلك النفس التي أمنّها بين يديك لتُحسن إليها، وتتكشف جنباتها، وتُعيد اكتشافها، وتُشذب أطرافها، وتُمسك بيدها للأجمل والأسمى، حتى تصبح معها صديقاً صدوقاً صنوا لا يفترق عنها، قد منحتك من الخير ما زرعته فيها، وحفظت لك الإكرام ما دمت مكرماً لها، مُحبباً لها في كل خير يمكنها أن تنتفع به، ومُبعداً لها عن كل شر قد يصيبها منه ضُر.
1623
| 26 مارس 2024
لعلّه من أعمق الإدراكات التي لا تزيد المرء إن وعاها وطبقها في حياته إلا راحة بال، وسكينة خاطر، وطمأنينة فؤاد ونموّ متتابع هو أن يتحرر من شعوره بالندم والتأنيب تجاه أمر ما. فلا الشعور بالندم تجاه ما اقترفت، ولا التبكيت المستمر على ما فوّت سيفيدك في الارتقاء والتطوّر، بل على العكس فلربما شكلّت لروحك أسوارا وسدودا تمنعها من التجربة والانطلاق، ولربما جعلتك تغادر اللحظات الآنسة البهيّة التي كان يجب عليك أن تعيشها الآن، فتُذهل عنها بالتأمل والاستغراق بما عكّر صفو نفسك في ماضٍ مر وانقضى، وباجترار لذكريات لن تعود، ولقرارات لن يتسنى لك العدول عنها. فلعلك باخعٌ نفسك، ومُضيّق على وجدانك الدنيا بما رحبت، قد ذويت زهرة فؤادك، وجفّت أوراقه، فلا يغدو سوى أطلال شواهد على ما تبذلبه الجهد لتتعس نفسك بنفسك، وتُقيمها في العذاب في دُنيا مآلها إلى الفناء، وتغيب عن زهرة أيامك، وأُنس لحظاتك، وما يحاوطك من السعة والسرور، وتنسى أن الإسراف في الحزن على الماضي أو الإفراط في الخوف من المستقبل ليس من شيم المؤمنين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون! وليس المعنى من ذلك أن لا يندم المرء على ما قدّمت يداه من الذنب، أو ما أسرف به على نفسه من الخطيئة، ولكن المقصد هو أن لا يُسرف عيش شعور التنديد والعذل لنفسه، يجلدها آناء الليل وأطراف النهار، ويتمادى في لحي ذاته تقريعاً وتوبيخاً. فلا يمضى الوقت طويلاً حتى تضحى روحه خاوية على عروشها قد يبس وجدانه، وذهل عقله، وتراكمت عليه الهموم، فلا يرى في الوجود شيئاً جميلاً، وتبهت رؤيته فلا يعود يُبصر سوى النقائص والعيوب، ويُصرف وجدانه عن تذوق ما حوله من الخير والنعيم، وما هو مُحاط به من الآلاء والنعم، فضرب بينه وبين الرضا والتسليم بسورٍ له باب باطنه وظاهره العذاب. فيموت قبل الموت، ويتلاشى من الوجود قبل العدم، ويضحى هيئةً بلا روح، ليس له من معنى سوى صورة الجسد، وهذا - لعمري - لهو ظلم النفس، الظلم الأشد مضاضة من وقع الحسام المهند! لحظة إدراك: بهيجةٌ تلك اللحظة السماوّية التي يُدرك المرء من خلالها أن (الدُنيا) لها من اسمها نصيب، فمن عظَّمها وعظّم ما فيها فقد كتب على نفسه اضطراب النفس، وكدر الخاطر، وتأرجحت كفته بين الحزن والخوف، فلا تلبث أن تُطوى أيامه من بين يديه، وهو إلى الزوال لابّد صائر ! فلا أجلّ من أن يُدرك أن سكون القلب، وسلام الخاطر، وشراحة الصدر هو مما يُسعى إليه بالدربة على إنصاف النفس والتخفف من كل كدر، والتسليم بما كتب الله وقدّر، وهذا هو جوهر الإيمان الحقّ وثمرته.
648
| 19 مارس 2024
للخير أبوابٌ تُطرق، ومدارات تُسلك، وسعي حثيث يُطلب، فمن أراد الخيرية في حياته، لابد أن يسعى طلباً بتزكية النفس، وتنقية النوايا، تهذيب الجوارح، والاتزان بين المسك والترك، والإقبال والادبار، فما الارتقاء في مدارج النور إلا هبة ربانية التقت مع سعي وطلب، وما الهداية سوى استهداء والتماس لدروب النور من الهادي سبحانه. ولعل رمضان الشهر العزيز الكريم هو أحد تلك الطرق، وواحد من تلك الأبواب، ولعله من تلك الجواهر التي لا تُسفر عن رونقها إلا لكل مُقدّر لجمال بهائها وسموّ قيمتها، يتبدى منه لكل امرئ حسب خبيئته، ويُشرق على كل نفس حسب ما وعت وأدركت منه، واتصلت به من الكنوز المخبأة فيه، فمن جد في الخير وجد، ومن سعى أن يتصل بالرحمة والمغفرة والإكرام فله ما اتصل به، ومن أصرّ على أن لا يبصر في الشهر إلا مظاهره، وتعامل جوارحه مع الجوع والعطش، فله بقدر ما أبصر ! وشتان بين بصر قاصر وبصيرة نافذة، وبين سمو روح لا يُحدّ وبين سجن جسد مأسور ! ولعل الأجمل في الأمر أن الاختيار سيظل دائماً بيد المرء، فمن أراد الخير تعمّد أن يتعرض لنسماته، فمع كل إقبالٍ للشهر الكريم نسمات حب تضوع، وبركات خيرٍ تنتشر، وأنوار سكينة تحل، وآفاق سعادة تُقبل. فهو كوة من النور المُشرق، وفرجة من الخير الوافد، تُزهر فيه النفوس، وتأنس الأرواح، وتتعانق القلوب، وتلتقي الوجوه الضاحكة المستبشرة بوابل الرحمات والمغفرة يفوح عبير الصلوات، وتحلق الدعوات عالياً في السموات تظلل الأرواح المتعبة، وتمنح الأمل للأنفس المقبلة، وتُسعد القلوب المتأملة بالله خيراً.. تتصافح الأفئدة، وتتزكى النفوس، ويُبادر أولو الفضل بالفضل، ويلحق من يريد بالقافلة، فإنها لن تعدم اشتمال من تخلّف من الركب وإن عز لحاقهم أو أبطأ، المتأملون بالصلاح والفلاح والمغفرة وحُسن المآل، الذين لن يُحبط عملهم لأن ظنهم بالله حاضرٌ دائماً.. لا يغيب ! لحظة إدراك: لعل من باهي الفرص أن يُفتح لك من الأبواب لترقية نفسك، وسموّ وجدانك، وتستقبلك السموات للعروج في مدارج الإحسان والقرب من الكريم، فلا أجدر بالمرء إلا أن يُدرب نفسه ويهذب جوارحه حتى تستطيع إدراك كل ذلك حقاً بالوعي والتجربة، لا باللسان والجارحة، فيصبح لسان الحال لا المقال متصلاً بالله، متنعماً في خيره، وقرب وصله، وشكر آلائه ونعمه، قد حيزت له الدنيا بحذافيرها وجاءته وهي راغمة.
1794
| 12 مارس 2024
كثيرٌ ما يتم تناول الصبر كقالب نمطي، يتضمن الجَلد وتحمّل الألم، وتجرّع الغصات، ويوصف بالمُرّ والعلقم. وما ذاك إلا لأن الصبر يتطلّب تهذيب النفس، وترويض الوجدان، وتهدئة العقل، والتعامل مع السيل الجارف من المقاومة الشعورية والفكرية، التي قد تجرّ المرء جراً للانحدار إلى مهاوي الانهيار والسخط. وجميلٌ أن نُدرك أن من أعظم المعينات على الصبر الحقيقي هو أن يحتمل المرء شعور الغموض المرافق معه، والتحوّلات التي تُشكل عليه وهي تتبدّى له في طريقه، وهي تُثير معها تساؤلاته: إلى متى؟ وكم أصبر ؟ ولم ؟ وما هي نهاية هذا الصبر ؟ حتى لو كان صبره ذاك صبرا على التغيير لا على المصاب، لأن للصبر أكثر من وجه، فليس الصبر دائماً على ما جرت به مقادير الزمن من الخطوب والبلايا، وليس الصبر باستمرار هو انتظار للفرج. بل الصبر أيضاً عما ترغب وما تحب، على تهذيب النفس وتعليمها للارتقاء بها، صبرٌ يعينك عن الخروج من دائرة راحتك لتتطور، وتتسع، صبرٌ جميل لتنال ما تحب، وتتقن ما تريد أن تتعلمه، كما قيل: (الصبر صبران، صبر عما تحب، وصبر على ما تكره) فمن الوعي أن يتحمّل المرء ذاك الغموض الذي ينبع من أن النهايات التي يطمح للوصول إليها ليست مضمونة النتائج، وليست واضحة ممُهدة في كل مرة. لذا، فاحتمال المرء وجلده على الصبر نفسه هو (صبرٌ) في حدّ ذاته، فمن الحكمة أن يؤمن المرء ويعلم يقيناً أن الأمور ليست بظواهرها، فما قد تعدّه خيراً محضاً قد يكون هو منبع الشرّ لك!، وما تعتبره شراً صرفاً قد يكون هو باب الخير المُشرّع لك أبوابه متنكراً!. لذلك.. فإنك ( لن تستطيع صبراً على ما لم تحط به خبراً) إلا إن سلّمت الأمر لصاحب الأمر، ووعيت أن لله تدابيرٌ يُدبرها بعيداً عما ألفته الأفهام، واعتادت عليه العقول. * لحظة إدراك: للصبر أخلاط خاصة، لا يستطيع عليها إلا من تعلق قلبه بالله، واستكانت نفسه للتسليم لتدابيره، ولم يعجز عن بذل السعي في المُتاح له من الأسباب والمُهيأ له من السُبل، ولم يتعجّل النتائج، واستسلم للحكمة الربانيّة دون أن يمنطقها ويبحث خلف أسبابها ومسبباتها، فهو جَلد وتربية متنامية للنفس، وسعي نحو التهذيب والارتقاء، لذلك أمسى (الاصطبار) سعياً حثيثاً لفك شدة القبضة للتحكم فيما لا سلطان للمرء عليه، وهو أمره كله بالمناسبة!.
1170
| 06 مارس 2024
من أعظم أسباب (الرضا)، ومن أبهى فنون (السعادة) القدرة على حُسن التعاطي مع (المُتاح) و(المُمكن).. ودُربة النفس على إبصار النعم، ما ظهر منها وما بطن، والتعوّد على شكرها قولاً بالحمد، وفعلاً باستخدامها والانتفاع منها وبها. والتذّكر الدائم لما بين يديك من النعم، وعدم مد عينيك إلى ما في أيدي الآخرين من الآلاء التي قصرت عن بلوغها. فالرضا هو مران النفس على التبصّر بالموجود، وكفها عن الحزن على المفقود، وهو ممارسة للشكر، بتعمّد النظر إلى ما في يديك، والعمل ضمن حدود ما هو متاح لك ومُيسّر. فالاستمتاع بالمُتاح شكرٌ يستوجب الزيادة. والتعامل مع المُمكن يبُعد النفس عن شتات العقل والتفكير.. ويُجنّب المرء الشعور بالنقص أو الضآلة أمام تحدّيات الحياة، أو الدخول في فخ المقارنات مع الغير، الذي لا يجلب سوى السخط والتبرّم. ويزيد في منحى آخر الانتفاع بالحد الأقصى مما مُنح لك من حدود وإمكانيات، ويعمّق الاستكشاف لما أُنعمت به من القدرات، لتُدرك بعين الرضا واقعك الحقيقي دون مقاومة ورفض. وليس المقصد من ذلك غياب الطموح، أو اضمحلال الرغبة في التوّسع والنمّو، أو انعدام التطلّع للأبهى والأجمل والأكثر، وإنما المعنى أن سلوك ذلك هو مرونة واتزان، ومتعة واستمتاع، ورضا وسعادة، وراحة بال، وتوّسع مُتدّرج، وتطلّع مقرون بالسعي والعمل بقلبٍ مطمئن، ومن الانطلاق الواقعي مما هو متاح ومُيسّر لك من الموارد والقدرات، بلا ضغوط ولا سخط، أو قلق وكدر، بل بالتنعّم بالرضا وعيش للحظة والمتاح فيها برحابة دون توقعات. هذه العقلية المرتاحة، الراضية الشاكرة، الساعية بهمّة واهتمام، لا بهمّ وانهمام، والمتفهمّة لطبيعة الحياة، ودوائر انتقالاتها وصيرورتها، تُدرك حتماً أن الارتقاء والاتساع لا يبدأ إلا من حيث أدركت نقطة وقوفك، التي هي ما أُتيح لك فيها من الإمكانات والقدرات والموارد، منها تزّود الركب، وتعدّ العُدّة للانطلاق والتمكين، بنفسٍ راضيةٍ مطمئنة، لا يكون لها اليُسر إلا سبيلاً، ولا تكون لها السعادة إلا حياة دائمة مهما كان حلوها أو مُرّها، ولا يكون لها التوكل إلا مسيراً ووقوداً مقيماً لا ينضب أبداً. ومن كان ذاك حاله فليس عليه من مشّقة المسير بأس، لأنه قادر على إعادة تشكيل نفسه كل مرة، راضياً متيقناً بالكريم، الذي لن يكون معه المآل إلا جبراً وتمكيناً، وسمواً وارتقاءً. لحظة إدراك: ما أجلّ أن يعقد المرء نيتّه على أن يتبصّر إلى ما هو متاح بين يديه من الموجود، ويُعمل الفكر في كيف يتصرّف فيما أُتيح له، وما هو مُمكّن فيه، ويُقلّب الطرف في أحواله، فيطيل الشكر لما لديه من النعم، ويتفكّر في كيف ينطلق باليسر والسهولة، بخطواتٍ دائمة وإن قلّت، وبتقدّم مستمر وإن أبطأ.
1575
| 27 فبراير 2024
من أغلى النعم التي آن للمرء أن يلتفت إليها حتى ينعم باحترام ذاته، وتقدير نفسه، ويحفظ عزه وشموخه، ويُبقي على كرامته أن يكون واضح المعالم، بيّن الحدود، يقيمها كيف شاء له أن يكون، ويفرض احترامها على كل من يتعامل معه، تماماً كوطنٍ أبيّ يخط حدوده، ويحمي حماه، ويُرسي قوانينه، ويفرض احترام أرضه على كل دانٍ وقاص، ممن يرغب أن يتنعّم على أرضه ولو بزيارة وارفة، ونزهة غنّاء. فلا أقسى من أن تكون مستباحاً، قد دُكّت حصون خصوصيتك، وانقضت جدران شخصيتك، مُتاحاً للجميع في أي مكان، وفي كل وقت ! قد أهملت أن ترسم حدودك، وتُعمّر أسوار حفظ أسرارك وحماية مكنوناتك من كل مقتحم، لا تفتح أبوابها لكل طارق ! فلا تلبث أن تكون مُقاماً لكل مُنتهك، وسبيلاً لتهكّم كل تافه، ومساراً لكل فضولي، ومتاحاً لكل سارق وقت وجهد، لا تستطيع ردّه، لأنك تظن أن ذلك من الطّيبة، ومن شيم التلّطف والإكرام ! ويضلّ ظنك بأنك تُحسن صنعاً، بإعلاء المُستبيحين لك عزةً على نفسك، وتُعلي من شأنهم على حساب إهمال خط حدودك ! وما كل ذلك سوى سذاجة أعيت من يداويها، فهي لا تمّت للطيّب من القول والحسن من الخُلق بصلة ! فالطيبة ترقّق من غير إذلال، وتلطّف من غير استحقار، وطلاقة وجه، وسماحة خُلق، مع عزةٍ وكرامة، وإباءٍ وسؤدد، وترسيم واضح للحدود، وصيانة لأسوار الروح من الغزو والاجتياح، وتسامح عند تمكّن، وعفو عند مقدرة، وتواضع عند رفعة. فلا سبيل لعيشٍ كريم، ولا شرف ولا عزة إن كنت مُنتهك الحدود، مُستباحا لا يُرقب فيك إلّاً ولا ذمة، قد قصرت نفسك عن بناء حصونها، وخط حدودها، في كل جوانب معاشها، قد استبيحت مواردك، تحت عناوين الطيبة والشهامة، أو الحشمة والتهذيب، فيما لا يصح فيه المقال، حيث تختلط المفاهيم في ظل غفوات لاهية، تدنيك من التذلل، لنيل الثناء والاستحسان. *لحظة إدراك: من أشرف الشرف أن يحفظ المرء لذاته مقامها، ويعزها عن كل ما لا يرقى إليها، مما يجده من سبل المعزة والاحترام والإكرام، فما الرقي إلا نُبل يسمو بالنفوس، فتكون له محارمه تلك التي يبني حولها الأسوار، ويبينها لكل من يتعامل معه باللطف والاحترام، ويفرضها على كل عابث ومن تسوّل له نفسه التعدّي على حدوده ولو بقوة القول والفعل، حتى يمكّن فيُمّكن.
1167
| 20 فبراير 2024
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5058
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3693
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
3111
| 24 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2799
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2361
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1503
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1071
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
978
| 21 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
942
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
936
| 23 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
846
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
825
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية