رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ثقافة النجاح في كأس آسيا

لن تَزّل عين المراقب الثاقبة عن الاستمتاع بالدروس المختلفة للحياة التي يمكن أن يجنيها في مختلف مسارات الحياة، ذلك لأن الحياة تعلمنا بلسان الحال، لا لسان المقال، وتبث رسائلها الوافرة في كل حين لمن لديه قلب يعي وعين تبصر، وهي مدرسة ممتدة تشرق لك بقدر ما تتحمّله أنت بعين وعيك، ونور بصيرتك، وتكشف أعماقها لمن هو قادر على سبر أغوارها، وتهدي أجمل الدّر الكامن فيها لمن ابتعد عن التصنيف والتعميم وإطلاق الأحكام. ولربما من أجلّ الدروس التي أهدتنا إياها كأس آسيا، هي تلك المتعلقة بثقافة النجاح الراقية، التي يستلهم منها الحصيف، ويستهدي بها طلّاب المعالي. تلك الثقافة الرفيعة، ذات القيم السامية التي تُثمّن الجهد المتصل، وتقبل التدرّج المتنامي، وتعي أن الفوز هو نتيجة لا غاية، وأن الظفر هو ما يتحصّل عليه المثابر بعد أن يرتقي رُبى التحديات ويخوض غمار سهولها. تلك الثقافة التي نستلهم منها أن التركيز على بناء القوى الذاتية، واستمرار التحسين، والاستفادة من الأخطاء، دون الالتفات إلى المقارنات المجحفة هي من أهم المفاتيح للتفوّق. بل على العكس، فالناجح يفرح بوجود الناجحين أمثاله من حوله، لأنهم دليلٌ بيّنٌ على أنه في محيطٍ شبيه لدواخله، وأنهم نظراء يعكسون له ما يسره في روحه وقلبه من الطموح، وما يُظهره في أفعاله من التميّز والبراعة. ولأن الارتقاء يتطلب الاحتكاك بأصحاب الخبرات من السابقين أو النظراء في النجاحات، فهذا مما يُفاقم روح التحدّي والإصرار التي هي وقود النجاح. وما أجمل النجاح حينما يكون مربوطاً بغاية أسمى، وتشريف أعلى، عندما يكون منسوباً للكريم سبحانه، ومُشرفاً للأسرة والوطن. وما أثمن أن يعي المرء أن هذا المقام لا تصحّ فيه الغيرة، ولا يستقيم معه الحسد والبغضاء، لأنهم آفات النجاح، تحديداً ذلك النوع (الأصيل) من النجاح الذي لا يزدهر إلا بالحّب والمُبارّكة، ولا يتسّع إلا بالسماحة والنُبل، ولا يسمو إلا بالبذل والعطاء والمشاركة. ولعله من أبهج الدروس التي تلقيناها أن البهجة والاحتفال جزء أصيل من ثقافة النجاح، ووقود محرك لزيادته، وأن مظاهر الفرح والاعتزاز والتثمين، وتسجيل تلك اللحظات التاريخية هي بمثابة السجل الذي يغذي الطموحات والآتي الجديد، ومما يُعظّم روح الانتصار والتفوّق. فهنيئاً لنا ذاك النجاح العنابي المكلل بالفوز، والذي لم يكف عن إرسال رسائله لكل طامح، وعن إهداء فرحته لكل منتشٍ. لحظة إدراك: جميلٌ أن نُدرك أنه كل من وصل إلى تلك المقامات من المنافسة البطولية هو (ناجح ) وإن لم يفز، وهو (رابح) وإن لم يغلب، لذلك فنيله التكريم والاحتفاء حقٌ أصيل، ومكسب مستحق، وتاريخ يُدوّن في سجلات الظافرين.

969

| 13 فبراير 2024

رأس مالك الأشمّ

من الجليل أن تحلّ على المرء لحظة تنوير، يُدرك من خلالها أن كل التحديات التي تواجهه أو يعبر من خلالها هي فرص فذّة للاستثمار في نفسه، وأن كل الاختبارات التي يخوضها هي منحة يعي من خلالها أنه رأس المال، والبطاقة الرابحة، وأن كل خيباته هي تجارب مدفوعة الثمن من وقته وجهده وماله، تمنحه التزكية والترقية إن أراد، وأن كل آلامه وأحزانه، وقلقه وخوفه، وتزلزل الأرض من تحته، هي نقاط تحوّل نفيسة لا تُقدّر بغالي الأثمان. وأن كل العثرات والتأخيرات، هي مُصممة لتزيد من صلابته وحنكته، وتفيض عليه بالحكمة والنضج وتزوده بالتريّث والتأني، وتنمّي ذائقته لكل ألوان الشعور، وتُثمّن في قلبه تلك اللحظات العزيزة من النصر أو الوصول والتحقيق، وتضفي على حياته ألواناً شتّى ربما لم يدرك حتى وجودها، ويتذوق معها طعوما غنيّة ذات مذاقات متعددة تُثري تجربته. وهذا هو أصل تجربة الحياة لمن يُدرك، فهي خوض في عباب الأيام بكل حالاتها، بهدوء موجاتها، وبعواصف رياحها، وببوارق رعودها، وبالغوص المثير في جنبات لُجتها، وبفرحة الوصول للدُر الكامن في أحشائها. هي رحلة لا يُدرك كنهها إلا كل من تُحلّق روحه بحب المغامرة، وفضول الاستكشاف، وتقوّى قلبه بمتعة الاستجلاء. وما أحرى بالمرء أن يعي أن من تيقظ لكل ذلك فقد أعاد الاتزان، وحلّت عليه البركات، وتغيّرت في عينه ألوان الحياة، واختلفت عنده مذاقاتها، فيغدو متعاطياً مع تحديات الحياة بسعةٍ أكبر، وباستفادةٍ أعظم، تُخرجه غالباً منتصراً، قد اشتدّ عوده، وتباهى جنانه، وتألقت مهجته، وسما وارتقى، وفاز وجنى وهو يُدرك أنه عاش حياته عاباً من رحيق الأيام تجارب غنيّة، وخبرات ثرّية، ويعلم أنه قد دفع الثمن مقدماً، بتعمّده نية الاستثمار الرابح في نفسه، وفي تجارته مع الله الذي لا يخسر معه أحد. لحظة إدراك: ما أجّل أن يُدرك المرء أن ديدن الحياة وطبيعتها يتطلب الاستثمار في نفسه، فهو رأس المال الأشمّ الذي يُراهن عليه، جسداً وروحاً، فكراً وشعوراً، وأنه من الأولى له أن يعي ما قيل من قبل: (السفينة آمنة على الشاطئ، ولكنها لم تُصنع من أجل ذلك))، فهذا مما يُعظم استثماره في نفسه، والاستمتاع بحصاد أيامه.

645

| 06 فبراير 2024

اعزف سمفونيتك!

ما أبهى أن يتيقن المرء أنه جزء لا يتجزأ من هذه الحياة، وأنه على الرغم من كونه تفصيلا مكملا لا غنى عنه لإتمام سحر لوحتها، وروعة تفاصيلها، وفتنة منمنماتها، إلا أن لكلٍ منا فرادته التي لن تتكرر ! فلحياة كلٍ منا عزفها الذي لا يشبه أي عزف، وكل تفاصيلنا البسيطة هي نوتة من نوتات معزوفة الحياة الكبرى ! ومن الحكمة والجمال وتمام الأنس والمسرّة أن نعتني بذاك الفن حتى لا يندثر، أو يتغشّى بأشباه الموجود فلا يعود لكل منا فرادته، ولا يغدو اللحن إلا ممجوجاً مكرراً ! ويُحال المرء أن يصبح إمعّة لا لون له ولا نكهة، قد تماثل مع الآخرين إلى الدرجة التي توّقف فيها إدراكه عن نفسه، وإعمال عقله فيما يريد ويحب، لا يرى إلا ما يراه الآخرون، فهو على آثارهم من المهتدين! مجرّد إدراكنا لذلك التمايز الحقيقي بيننا وبين الجموع، يُنبهنا إلى أن كل التفاصيل هي (فن) خاص بنا .. فطريقة مشيتنا فن، وانتقائنا للكلمات فن، و تلوّن نبرة أصواتنا ولغة جسدنا فن، واختياراتنا في ملبسنا ومأكلنا، بل ومشاعرنا وطريقة إحساسنا وشعورنا، ماذا يثير شعورنا؟ وإلى أي مدىً، كيف نحب وماذا نحب، وكيف نبغض ومن نبغض، ماذا نفضل ؟ وإلى أي حدّ .. بل المسالك التي نفكر بها ونحلل بها الأمور، بماذا نقتنع وكيف ؟ وماذا يليق بنا من الأفكار والمعتقدات، وما يمثلنا من الأقوال والأفعال ! وحتى الأسلوب الذي نتصل به بالله و بأرواحنا ونتفاعل بها مع الموجودات حولنا .. ما يثير انتباهنا، وما يعزفنا عنه، ما يُبهج أرواحنا ونتصل معه بكُليتنا، وما يُنفرنا و ننقطع عنه. ذائقتنا في كل فكرةٍ وشعورٍ ومسلك، وتفاعلنا الخاص مع كل الموجودات الذي يحمل هويّتنا المتفردة! كل ذلك فن باهر .. بصمة فنية لا تتكرر .. فن الروح والجسد والشعور والفكر .. تخلق لك سيمفونية حيّة في ذاتها، ونوتة متفرّدة في معزوفة الحياة ككل ! لحظة إدراك: حق الاختيار والذي هو مدار التكليف لا يتحقق إلا إن أجدنا ممارسته مع أنفسنا أولاً، وأدركنا ما يُناسبنا ويليق بأخلاطنا الجسدية والروحية، و تركيبتنا العقلية والنفسية، وامتلكنا الشجاعة لعزف لحننا الخاص، و صدحنا بنوتتنا المُبهجة، والتي ليست بالضرورة أن تكون لحناً شاذاً، بل نغم شجي يُطرب، يمتلك من الأصالة والفرادة ما يمكنّه من الاندماج مع بقية الألحان دون تماهٍ أو انصهار يشوّه عذوبته.

3564

| 30 يناير 2024

تكلّم.. حتى أراك!

قد يكون من أسهل الطرق التي يتعامل بها الأنام مع بعضهم البعض هو إصدار الأحكام السريعة، ليسهل على العقل التعامل مع الآخرين وفق تصنيف محدد يوفر عليه الوقت والجهد. تلك الأحكام غالباً ما تصدر من عمليات مشوّهة إدراكياً، وغير واعية في أغلبها، تستند في أكثر الأحوال إلى الانطباعات الأولية والمحكومة غالباً بالشكل الخارجي، والمشاعر الأوليّة التي قد تكون مرتبطة بتوقعات وأحكام مسبقة جاهزة وفورية. وربما تكون امتداداً لتعميم يمدّه العقل على نماذج تعامل معها سابقاً، من حيث الشكل ربما ونبرة الصوت ولغة الجسد، والتي تذكره بأناسٍ قبله سبق له التعاطي معهم، وكانت لديه في قصته معهم تجربة ما شعورية وفكرية. وليست تلك العمليّة بمذمومةٍ في حدّ ذاتها، فهي عملية عقلية تُيّسر على الإنسان تعامله مع الآخرين، وربما تحميه أحياناً عن طريق سرعة الاستجابة. ولكن المذمة أن تمتدّ تلك العملية الأولية لتشكل حكماً أعمى على الأشخاص الذين نتعامل معهم، يصعب تغييره، بل وربما يشق على المرء أن يلاحظ بعدها أية علامات أخرى قد تتبدى له مستقبلاً تحذّره أن من يتعامل معه ليس على قدر توقعاته، فلا تنتهي به سوى إلى خيبة أمل، وفشل متوقع، يُسقطهما فيما بعد على قلة الوفاء في الناس، وتلبسّهم لأقنعةٍ تداروا خلفها طويلاً، ويغفل عن حظه هو في تعهدّ التفطّن والإدراك لما تبدّى منهم من الأمارات الدّالة على ديدنهم. تلك المسيرة غير السارة كان قد يمكن اختصارها، بالتفهّم جيداً أن عقلنا أداة طيّعة همها مساعدتنا في تيسير التعاطي مع الناس، ولكن لا يُعوّل عليها بتاتاً، لأنها قد تنغّر بالمظاهر، وبما تبّدى من المسالك والهيئات، فيُسلب اللُب بما سطع من جمال الشكل، ورقة الحاشية، ويُظلل بما تجّلى له من الترّفق وحُسن المنطوق. وليس تلك دعوة للتشكك في الناس، بل هي مناشدة للتريث، وإمعان النظر، وتجاوز القشور والتدبّر الحكيم فيما يتكلمون به ويفعلونه ويعكس طرائق تفكرهم وتعاملاتهم مع الحياة والأنام، ذاك التدبر الذي سيوفر الكثير من تجارب الخذلان والإحباط، وربما التمكّن من أخذ الحيطة والحذر قبل أن تؤول الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه من الحسرة والندامة، ولات حين مندم !. لحظة إدراك: حتى تتعرّف على البواطن، لابد لك من اختراق الظواهر. فالكتاب لا يُدرك من عنوانه، والصديق لا يُعرف من الانطباع الأول، والحب لا يقع من أول نظرة! فالأمور ليست دائماً كما تبدو، بل تحتاج لها وقتاً وتجارب ومعرفة، لابد لك من الغوص أبعد من القشور، وأعمق من زيف المظاهر. وقد قالها سقراط من قبل حتى أضحت فلسفة يُعتّد بها: (تكلّم حتى أراك).

1122

| 23 يناير 2024

رفاهية الانهيار

قد يمر المرء بلحظات انكسارات متتالية، أو ربما صراعات داخلية تجعله هشاً قابلاً للانهيار! إلا أن ما يحيط به من الظروف والأشخاص وربما الأحوال والأوقات لا تجعله مواتياً بما يكفي ليعلن انكساره، وينغمس في آلامه، بل وربما تطلبت منه الجلد والتماسك، حينها يصبح الانهيار رفاهة لديه لا حاجة!. لا يستطيع حتى أن يلوح بخور عزمه وهوانه، ولا أن يغرق في أمت ثباته وتزلزله! فقد يسلب تضامن بعض الظروف والأحوال والأوقات أو الأماكن والصروف والأشخاص قدرة المرء على ممارسة حقه في الانهيار، فيصبح ضنيناً، يعز الوقت والجهد والحال على البوح به. ويغدو الانهيار (رفاهية) صعبة المنال، فالتماسك حينها حاجة ذات أولوية. والمرابطة لازمة لشد الأزر ودفع ما لا يُطاق على الإنسان حمله في ذلك الظرف أو الموقف. لذا فمن الحكمة أن يعرف المرء كيف يتزن في ذلك الخضم المتلاطم من موج الفكر والشعور، وأن يتحرى له فرجة من ضياء، وكوة من نور تسطع على قلبه، يتصل فيها بربه يشكو إليه بثه وحزنه وضعف قوته وهوان أمره، يطلب منه شد الأزر وتدبير الأمر، ويفرغ جعبته مما ألم به من الألم. ويبوح إليه بمكنون صدره من الهوان والهرم، يطبب قلبه، ويربط على فؤاده الفارغ بمعيته مع من يدبر أمره. فلا خير في كتمان خدّاع، ولا في تماسك كاذب، يجعل المرء كالجسد الخاوي، الفارغ فؤاده، الذاهل عقله، فاقداً ثبات أقدامه، ويقين قلبه!. قد تماسك شكله للأسباب المغلوطة، فلا يلبث أن ينهار في الوقت الخطأ، لأن للتماسك الهزيل أوانا للانهيار لابد آتيا، فللصبر حدود، ولرباطة الجأش وقت لابد أن تنتهي فيه. لذا فلا أجمل ولا أجل من صبر جميل، يسند نفسه على قوة العظيم، ورحمة الرحيم، لا على الاصطبار الكاذب بالاعتماد على الكتمان والطمر، دون فسحات نورانية تعيده إلى رشده، ويثبت بها الأقدام في مخاض الأيام. لحظة إدراك: لا يستقوي المرء قوة حقيقية إلا بالاستمداد من قوة القوي المتين، ولا يربط على قلبه الجزِع إلا إعلانه لمدبر أمره ضعفه، وقلة حيلته أمام صروف الدهر، ونوائب الزمن، فلا حول ولا قوة إلا به، ولا شد للأزر وعونا إلا بمعيته.

2490

| 09 يناير 2024

مُكرٍ مفرٍ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً

لعله من أجلّ ما يمكن للمرء اكتسابه في حياته شجاعة الإقدام، الإقدام على الحياة بقلبٍ شجاع يُقبل على المجهول مهما كان خائفاً. جنانٌ قادر على اقتحام تجارب جديدة، واتخاذ قرارات قد يعدها مجنونة، متوسعاً في مدارات لا يُدرك ربما حجم سعتها، خارجاً من ضيق أفقه إلى براح إرادة الواسع الكريم. مُعلناً رغبته بالاتساع والتحليق، والتمدّد البهيّ لمهجته وروحه، والانفتاح السخي لعقله وفكره الذي ظل حبيساً لما يعرف ويُحسن ومأسوراً بما يُتقن من اجترار الأفكار التي قد تقيّده طويلاً في دوائر الراحة، ومدارات الألفة التي استكان إليها ولو كانت نافعة له حيناً من الزمن، إلا أن لكل زمن أدواته وسعته ومتطلباته التي تستحث في المرء حماسته للتقدم في الحياة وربما مواجهة أشرس مخاوفه، فما أجدر به أن يعلم أنه لابد أن يُقبل ولا يخف، لأنه من الآمنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ما داموا لقوة الله يسندون ظهورهم، وبحوله يتوكلون. وليس المُراد بالإقدام التهوّر في الإقبال، فهذه ليست بالشجاعة المحمودة، ولا البسالة المأثورة، بل من الأثير أن نُتقن العزف بين نغمات الإقبال والإدبار، ونمتلك زمام الكرّ والفر، والإقدام والتراجع، وكأننا في ساحة النصر، ومعارك الحياة التي تتطلب منا التناغم معها جيئةً وذهاباً، إقبالاً وإدباراً، والاتزان بين جسارة الخوض، وجرأة التراجع، وبين قوة البناء، وشجاعة الهدم، وبين شكيمة الدخول، وصرامة المغادرة، وبين قوة التمسّك والأخذ بقوة، وبين الاستطاعة على الإفلات. هذا التناغم المتزن هو الحكمة التي تُبتغى، والرجاحة التي تُطلب، ولا يكون ذاك إلا بالتدرّب والممارسة في ساحات الحياة الرحبة، وبالتحليق في مداراتها الواسعة، واستكشاف المجهول في أنفسنا تجاهها، واختباره صعوداً ونزولاً، كراً وفراً، وهدماً وبناءً مراتٍ عديدة حتى يصل الإنسان إلى أن يتقن كياسة التقدّم في الحياة باتزان يُدرك فيه أن المتعة كل المتعة في خوض عبابها، والتعلّم من دروسها، وتقبل خساراتها، والتلذّذ أثناء ذلك كله بلحظاتها السريعة الهاربة. *لحظة إدراك: ما أجّل أن يُدرك الإنسان باكراً أن إحسانه في الحياة مرتبط بحكمته في فهم قانون الحياة في الإقبال والإدبار، وأنه من غير المعقول أن يحث نفسه على اقتحام الحياة بتهوّر غير ممدوح، ويظن أنه قد أحسن صنعاً، فهو في الحياة مادام على قيدها لابد سائر، والسير _ولو كان راجلاً _حركة تتطلب الإقدام لإحدى قدميه وتأخير أخرى، حتى يُحقق مسلكه، ويجّد في السعي فهو مطلبه، ومدار حياته، وليس له إلا ما سعى، و سعيه سوف يُرى على أي حال.

1593

| 02 يناير 2024

لستُ آسفة!

في قصيدته الشهيرة، يقول خالد الفيصل: ولاني بندمان على كل ما فات أخذت من حلو الزمان وردّيه هذي حياتي، عشتها كيف ماجات آخذ من أيامي وأرد العطية من أبهى مقامات الإدراك أن يستطيع المرء أن يتخلّى عن شعوره بالندم، وإحساسه الدائم بالذنب، ورغبته المستمرة بتغيير ما فات ! وأن يعي أن رحلة الحياة تتطلب وقوع المرء في الخطأ، وأن العروج في مقاماتها يتطلّب أن يتمرّغ بوحلها، ويرقى جبالها ويهوي إلى سهولها، ويخوض عبابها ويمشي على شواطئها ! وأن الكمال فيها مطلب عزّ الوصول إليه، واستعسر الحصول عليه ليس لصعوبته ولا استحالته فحسب، بل لأنه ليس من طبيعة هذه الحياة ولا من أصل خلقها وتكوينها ! وأننا حين نندم على ما فات فإننا ببساطة ننكر أصلها، ونرفض ما هي عليه، وهذا هو عين الرفض والسخط، والسير عكس تيّار الحياة الذي لا يلبث أن يبلع كل من رفضها.. فهي لا تمنح نفسها إلا لمن استوعب أصلها وقبل بحقيقتها، وعرف جيداً كيف يرضى ويُسلّم ويقنع ويستمتع بها كما هي.. لا كما يتصوّرها كما يجب أن تكون في عقله ! كما أن شعور الندم يُضعف الشكيمة، ويُوهن العزم، ويجعل الإنسان يقلّب كفيه ندمان أسفاً على كل ما يعدّه تفريطا، أو سوء تصرّف بدر منه، في حق نفسه وغيره، يعيش بُكلّيته في ماضٍ انقضى بخيره وشره، فاقداً الأمل في نفسه وما حوله، وقبل كل ذلك في ربه. فليس شعور الندم الشديد والحزن إلا شعور يناقض الإيمان، ويسحب المرء إلى دوائر التهلُكة، التي تستنزف روحه ووجدانه، وهذا مما يستدعي ضعف الإيمان لأن المؤمن الحقّ لا خوف عليه من مستقبل ولا حزن فيه على ماضٍ ولّى وارتحل. لذا، فما أجدر بالإنسان منا أن يعيش حاضره مؤمناً بربه، مجتهداً في سعيه، مُكفرّاً عن ذنبه، مستغفراً لربه عن تقصيره، معترفاً بأخطائه ويسعى للإحسان والإصلاح فيما بقى لديه من الأيام والفرص، ويتخذ ما أخطأ فيه عبرةً ودرساً يتعلّم منه، لا أن يُسرف في قتل روحه مراتٍ عديدة، فلا هو بقادرٍ على العودة لما مضى، ولا هو المستفيد مما أخطأ، ولا هو بالمستمتع بحاضره، فما يجنى من طرقه لباب التبكيت واللوم المستمر لنفسه سوى أسى الوجدان، وغمّ الشعور. •لحظة إدراك: لا شيء أقسى على الإنسان من غصّات تُكدّر صفو حياته، وربما لا يعلم أنه هو من يسمح لها بالبقاء بالتمسّك بها والغرق في دوائر إعادتها مراتٍ مُتتالية، وهو يظن أن هذه القسوة على نفسه سوف تُرجعه لما مضى ليعمل صالحاً، وغفل عن أن باب الإصلاح والاستفادة والنمو والإحسان مفتوح دائماً على مصراعيه، فما عليه سوى أن يُبصر الخطأ، ويعترف به من باب المسؤولية ويطلب الصفح من ربه، ويسعى للتحسين بعدها وتعويض ما فات، فقبل أن نطلب المغفرة من الله مهم أن نستقبلها بالغفران لأنفسنا وسماحها. ‏Khawla.life@outlook.com انستغرام: ‏@Khawlalbu3inain

1227

| 26 ديسمبر 2023

بلدةٌ طيّبة وربٌ غفور

من باهي النعم التي يُرزق بها المرء أن يصطفيه الله ليعيش في وطن أبيّ، عزيز المنبت، وافر النعم، طيّب الأخلاق، سامي المكانة. أن يكون حظه من الدنيا بلدة آمنة مطمئنة، راغدة العيش، كريمة البذل، تحت سيادة إدارة حكيمة، محبّة، طموحة، متواضعة وجودها في حد ذاته مثالٌ على أن على هذه الأرض فعلاً ما يستحق الحياة. هذا الحظ اصطفاء من الكريم، الذي منّ علينا أن نتنعم بأيامٍ جميلة نعيشها على أرضنا، تستحق منا الحمد والشكر، وتنأى بنا عن الجحود والكفر، فما الأليق بالنعم المتوالية إلا الشكر، حتى تدوم وتزدهر، وما الأنسب للآلاء المتتالية إلا تحمّل المسؤولية، مسؤولية أمام الله قبل أن تكون أمام أي أحد. فما من آمنٍ على هذه الأرض إلا وعليه شكرها، قولاً وشعوراً وعملاً، قولاً بلسان يلهج بالحمد والامتنان، وشعوراً بقلبٍ شاكر مبتهج. وما عمل الشاكرين إلا عملٌ دؤوب، نابعٌ من تحمّل المسؤولية، وتثمين النعم، بقلبٍ حامد، ونفسٍ متزنة متواضعة، لا تتباهى ولا تزدري، فكل ذلك من فيض عطاءات الكريم، فما أجدر بالمرء فينا سوى أن يكلل شعوره وقوله بالعمل، فيصبح مواطناً أو مقيماً من المثمنين للآلاء التي تحيطهم فيبذر ويتعهد بالعناية والسقاية ما زرع حتى يرى ثمار جهده قد أينعت، يشغله عن الترّفه ما يفكر به من التجويد والإحسان في كيف يصبح أفضل وأحسن دائماً دون انشغالٍ بالملهيات. ويُحسن وفادة نعم الأمن والأمان، فلا يصير إلا إلى إنسان كريم في بلدٍ كريم، فيلجم نفسه ومن تسوّل له نفسه أن يعكّر صفو هذا النقاء، ويدفع ذاته، ويشجع غيره على احترام تلك القيم الأثيرة، ليدوم طيب العيش وتستمر هناءة الأيام. لذا، ففي يوم عرسها الوطني، أهنئ نفسي وكل من على هذه الأرض الطيبة (قطر)، وأحمد الله على هذا الاصطفاء، واعمل شكراً بهمّة لا تعرف الفتور، ليرتقي وطني للأعلى والأسمى والأبهى، فلا يليق بقطر سوى السمو والعلا منزلة ومكانة. لحظة إدراك: الوطنية ليست شعارات تُردد باللسان، ولا مشاعر آنية بالفرح، بل هي عين ثاقبة تثمن الآلاء، وتعرف كيف تتنعم، ويدٌ متمرسة على حسن الإدارة للموجود، والمنح والعطاء بتواضعٍ لكل من يحتاج، وقدمٌ تسعى وترقى، وقلب تربى على إجلال لهذه الأرض العزيزة، إجلال يدفعنا للسعي والعمل نحو سؤددٍ لن ينتهي ما دامنا على الشكر عاملين، نطلب الإرشاد من الرشيد سبحانه، والعفو والغفران من ربٍ غفور.

2571

| 19 ديسمبر 2023

حُرمة النهايات

لـ (النهايات) حُرمة وإجلال. لأنها إعلان عن أفول مرحلة كاملة بكل ما فيها من جمال ومن تحديات. هي إشعار بأن فصلا من فصول حياتك قد انقضى بخيره وشره، وهي تصريح بأنك استنفدت دروسك في هذه المحطة، وبذلت فيها ما بذلت. لا جدوى من الزيادة، ولا خوف من النقصان، وأن هناك بوابات جديدة تفتح لمحطة حديثة قادمة، وأن هناك فرصة لحرث أرضك ببذور جديدة. فما النهايات إلا انغلاق لدائره، وما البدايات إلا افتتاح لأخرى. ومع نهايات هذا العام بهيٌّ أن نتدبر ما مررنا به من اللحظات بحلوها ومرها، وأن نعيد النظر في نوايانا وأعمالنا، وأن نقيم مسارنا، ونتخلى عما يجب تركه من الأفكار والقناعات، والمشاعر والعادات والأشخاص والأشياء، نتخلى لنتخفف، ولنصحح ونقوم، ونعيد النظر فيما انتقيناه، ونترك المساحة لاستقبال الجديد القادم، بنوايا مباركة وسعي حثيث نحو ما نحب ونرغب، وعناية بالأولويات والتخفف من الهموم بترك ما لا نستطيع لتدبير الرحمن الرحيم، وتفويض الأمر له. فاحترام النهايات، والتعلم منها باستمرار وأخذ الدروس والعبر، يُمكننا دائماً من الإعداد القيم للبدايات الجديدة، ومن التخلي عن القديم غيرالنافع لاستقبال الأجمل والأيسر والمنح الإلهية، وهذا هو المعنى الحقيقي للاستعداد. ومن الجليل أن يعي المرء أن هذه هي دوائر الحياة المتداخلة. لا بداية بلا نهاية ولا نهاية لا تعقبها بداية، هذا الإدراك ربما أكثر ما قد يُسلي الإنسان في رحلة حياته، ويعينه على التقدم فيها وإعادة التوجيه لمسارات ترتقي به وتسمو. * لحظة إدراك: ما دمنا أحياء نتعاقب على تلك الدوائر، فالفرص ما زالت في عالمنا تتفتح لنا أبوابها، وتترك لنا الحيز لبدايات جديدة، وتنوع فريد فقط لمن دخل في المساحات المظلمة من الندم والحزن والأسى على ما فات، أو الانغلاق في صناديق الهم والخوف من المستقبل الآتي، فالحياة تفتح للمستعد ذراعيها، ولا استعداد دون وعي بأن كل المفاتيح في يدك لم يتبق لك إلا أن تستخدمها.

1776

| 12 ديسمبر 2023

اغرب.. حتى تُشرق !

لعل من الحكمة أن يُدرك الإنسان أن التغيّر والتحوّل هو سُنة الحياة وديدنها، وأنه لا محالة ستصيبه رياح التحوّل شاء أم أبى! ولذا، فما أجدر بالمرء أن يطلب التغيير بدافع ذاتيّ من طوّيته، تضطره نحو التجدد والارتقاء، والعروج في سموات التمكين، والتحليق فوق أرض التميّز، والاستكشاف لعوالم لم تُطرق بعد. دافع يُسهل عليه الرحلة، ويوجّه دفتها نحو ما يصبو إليه. فما إن يعزم النيّة، ويوثق العهد، حتى تتبدّى له المسالك، وتُفتح له الأبواب، شرط أن يستوفي ما تتطلبه منه من خلع نعليه، ونزع ثوبه القديم، ويتغرّب برهة.. يتغرّب نفساً عما ألفته مهجته من الشعور والطرائق التي يتصرّف بها قلبه وشعوره مع ذاته وما حوله. ويتغرّب فكراً بالاطلاع على أفكار جديدة، والتنزّه في عقول متنوعة تتباين عما اعتاده من الأفكار التي سكنت عقله ردحاً من الزمن. ويتغرّب سلوكاً بتجربة الجديد، واختبار الطريف مما لا يظن أنه سيُقدم عليه يوماً، وكأنه يتذوق نكهات مختلفة من المسالك والسبل التي تمدد الروح بداخله. ويتغرّب مكاناً فيزور من الأماكن والبلدان ما يجدد به طاقته وما يستكشف فيها من عوالم متخفيّة لم يُدرك يوماً وجودها. يتغرّب نفساً وعقلاً وسلوكاً ومكاناً.. لتغرب شمسه ويُشرق من جديد بروحه الوثابة، التي تتسع لتتجمل وتبتهج وترحم وتُشارك، لتبني وتُعمّر وتحقق غايتها من هذا الوجود. فلا أجلّ من إنسان عاش الحياة بتنوع تجاربها، واستكشف دهاليزها، وركب موجاتها، وتعمّد أن يتغير فيسمو ويرتقي، ويبذر وينتج، ويزرع ويحصد، ويغرب ليُشرق، ويعم نوره على كل ما حوله، فيكون بذلك قد استوفى رسالته في هذه الحياة، بالتعمير والبناء، والنفع والتسامي، ويغدو أداة خيرٍ كما أرادها الله، لا تتقاذفه موجات الأهواء، ولا تعصف به رياح التغيّر تتخبط به دون أن أن يعدّ العدة، أو يدري أين وجهته، وإلى أين مآله. لحظة إدراك: ما أجلّ أن يعي المرء مسؤوليته الذاتية، ويُدرك أنه المختار لسبله في الحياة، والمُفعّل لنواياه، والمسترشد بالله لهدايته وتمكينه، والطالب للارتقاء والساعي للسمو، والجاد في طلب الخير، فيبذر ويحرث ويُسقي ويتعاهد بالعناية حتى يشتد عود شجرته، فتُصبح أبيّة شمّاء أصلها ثابت وفرعها في السماء تسر الناظرين، تُزهر أوراقها، وتنضج ثمارها، وتغدو نافعة تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها.

1386

| 07 ديسمبر 2023

إذا هبّت رياحك فاغتنمها

ليس من المُحيّر أن نمّر بانخفاضات وارتفاعات أثناء مسيرنا في دروب الحياة وجبالها وهضابها، بل على العكس هذا دليلٌ بيّن أنك على قيد الحياة، قيد الحُلم.. قيد الأمل.. وقيد العمل. تماماً كما ترصد أجهزة التخطيط نبضات القلب المتوالية صعوداً وهبوطاً.. فانعدام حركتها، ومسيرها على خطٍ واحد ما هو إلا إعلان لموت صاحبها، فالحياة بطبيعتها ليست على وتيرةٍ واحدة، وهذا ديدنها وأصل وجودها وحقيقة تكوينها، وللنفس أحوال متعددة، وهيئات مختلفة.. ما بين إشراق وأفول.. وإقبال وإدبار.. ورقي وانخفاض.. ومد وجزر.. وبذر وحصاد. وما المُسايرة مع هذه الحركة إلا (حكمة) تستدعي الإدراك، و(فن) يتطلب الإتقان. فركوب موجات النفس، والتوافق بها مع موجات الحياة، يتطلّب الحضور والتفهّم والاحتواء، ويستلزم الدُربة والمهارة للاستفادة من بركات تلك الموجات، وحصاد تلك البذور، والاستمتاع في نفس الوقت بكامل تفاصيل الرحلة. فـهوّن عليك، لا تبتئس لانطفاء همتّك حيناً، أو لتعب جسدك فترة، أو لاختفاء بريق الأمل في عينيك برهة.. تقبلها، فكلها حالاتٌ مؤقتة، وظروفٌ سارية لن تدوم، مآلها التبدّل والتحوّل. فجدد الأمل، واشحذ الهمّة، وقوِّ إيمانك بمسبب الأسباب، ومُهيئ الظروف ومُبدّل الأحوال، والتقط من صعودك زاداً يُغنيك وقت نزولك، ويُؤنسك حين انخفاضك، واستفد من علوّ همتك.. واغتنم رياحك إذا هبّت.. واستثمر قوتك قبل ضعفك، وانتهز فيضك قبل غيضك. وكما قيل: إذا هبّت رياحك فاغتنمها فبعد كل خافقةٍ سكونُ ولا تغفل عن الإحسان فيها فلا تدري السكونُ متى يكونُ لحظة إدراك: إدراكك أن الحياة أمواج تعلو صعوداً وهبوطاً، يدفعك نحو التفهّم لطبيعتها، فتصعد مع علوها نجاحاً وبذلاً وسعياً، وتهبط مع انخفاضها فلا تقاوم ما لم تستطع عليه صبراً، وتسلّم وقت شدّتها فلا تخف ولا تحزن وتقر عيناً لأنك تعي أن هذا جوهرها الذي لابد لك أن تتعامل معه، فتدرك متى تلزم ومتى تبرح، حتى تتقن ركوب موجتها، والتجديف عليها بمهارة تشبه مهارة (الركمجة) تساير حركتها فلا يكون لك معها إلا أُنس نفسك، وبهجة خاطرك، ومتعة لحظاتك.

3594

| 28 نوفمبر 2023

قيمة كل امرئ حديث قلبه !

تطول الأحاديث، وتتنوع بتعدد الموضوعات والأهداف، لتبادل المصالح وتسير الحياة، فما الإنسان إلا كائنٌ اجتماعي، أدرك أن للتواصل مع الآخرين له من الآداب والقوانين ما يسمو به ويزدهر من حسن المنطوق والعناية باختيار طيّب القول، وحُسن المقصد، وانتقاء المقام والزمان لما يُقال وما لا يُقال فتتطوّر العلاقات وتزدهر بطيب الأحاديث، ويزداد الوصل قرباً بحُسن إدارة الخطاب والارتقاء به. وقد يغفل المرء عن حديثه الأهم، وحواره الأجّل الأعظم، حديثه مع نفسه، حواره الداخلي الذي يجوب أرجاء نفسه كل لحظة ربما دون أن يشعر! فما حديث الإنسان مع نفسه إلا حديثٌ صامتٌ لا ينتهي، أصواته متداخلة متعالية وفي بعض الأحيان متصارعة متناحرة ! فالنفس ساحة مساجلات لديه، ينتصر فيها الصوت الذي يُغذيّه بظنونه، فتنعكس تالياً على شعوره ومسلكه وتصطبغ بها نظرته لكل شيء بعدها. لذلك من حَسُنَ حديثه مع نفسه، صادقاً، محسناً الظن بالله، متيقناً بُحسن تدبيره، ومُسلّماً مقاليد أمره إليه، فلن يتوه أبداً..ذلك لأنه سيكون بمعيته في كل حين، واثقاً مطمئناً لا تتخبطه الظنون، فيتمّلك قوة الحوار معها في طيّات حديثه، يُعيد اتصالها كل حين بحديث روحه الصادقة لمهجة قلبه، يستمدّ منها ويغوص بين ثنايا ودها ولطف توجيهها، ويتخذّ عهداً معها لا يحيد عنه ولا يزّل. وكلما نحّى الركام عنها علا صوتها وامتدّ واتسع، وحلّق هو معها وارتفع لا يخشى شيئاً، وطرق أبواباً ربما لا يألفها ولكنه يعلم في قرارة نفسه أنها بوابات تفتح له مدارات جديدة وسُبلاً جليلة غير مطروقة. وكما قيل: قيمة كل امرئ حديث قلبه *لحظة إدراك: إزالة الكُلفة واللياقة مع النفس من شأنها أن تُكلّفك كثيراً، فللنفس حرمتها ومقامها الرفيع عند بارئها، فلها حق الإكرام الذي من أجلّ مظاهره حسن المنطوق معها، والحديث معها كأقرب صديق، تتعاهده بطيّب القول، ورقيق الكلمات، التي تواسي وتُشجع وترمم، وتسامح وتعفو وتتجاوز، والتي تزيدك يقيناً وثقة بخالقك وخالقها، فتتحوّل معك إلى ولّي حميم، قد صفا لك وده، وأعانك على الحق والفلاح في كل ما تطرقه من أبواب.

2340

| 21 نوفمبر 2023

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6027

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5067

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3720

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2811

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2406

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1542

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1287

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1077

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

990

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

984

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

864

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

837

| 24 أكتوبر 2025

أخبار محلية