رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
خطاب الحرب اللعين طفح على سطح الساحة السياسية من جديد بين السودان ودولة جنوب السودان التي لم تشب عن الطوق بعد.. فما لم يتمكن الجانبان من رباطة الجأش وقوة العزيمة السياسية، وتعزيز الثقة، وكبح جماح التوتر والمناوشات والمواجهات المترعة بالغبن والضغائن وإضمار الشر والشراسة التي تحدها ضفاف، فإن الحرب سوف تقضي على الأخضر واليابس. فمنذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي اكتوى الجانبان بحربين ضاريتين أزهقتا أرواحاً عزيزة من مواطني البلدين، ودمرتا الموارد المادية وأوجدتا مناخاً عدائياً أدى في نهاية المطاف إلى أن يستنكف الجنوب عن الاستمرار مع الدولة الأم مما قاده إلى الانفصال الذي يجني ثماره المرة السودان ودولة جنوب السودان على حد سواء. ورغماً عن فداحة الحرب ومآلاتها المدمرة، والمرة، والقاسية فإن خطاب الحرب قد تجدد من جديد على نحو منظور ومشهود رغماً عن وجود الوساطة الإفريقية والدولية التي سعت بكل الوسائل والسبل لإيجاد حلول عاجلة ومرضية للطرفين بشأن القضايا التي تركت عالقة ومعلقة بين السماء والأرض. ومن أهم تلك القضايا التي تنذر بنشوب حرب ثالثة بين السودان ودولة جنوب السودان: قضايا قسمة ثروة البترول، وترسيم الحدود بين الدولتين، وقضية أبيي، والديون وغيرها من القضايا الإطارية والمحورية. وتزامن مع فشل وإخفاق محادثات أديس أبابا، رفض الجنوب لمقترحات الوساطة الإفريقية وقال سلفاكير رئيس دولة جنوب السودان مؤخراً، "اتفاق الوسطاء منح الخرطوم مالنا ونفطنا"، وفي حال فشل مفاوضات النفط سنتجه إلى بدائل أخرى. وفي لقائه التليفزيوني مساء الجمعة اعتبر الرئيس البشير خيار الحرب خياراً وارداً وقال: رغم كل شيء نحن لا نغير من موقعنا وهو: البحث عن طريق السلام، ولن نبحث عن الحرب، إلا إذا فرضت علينا. وعلى صعيد ذي صلة، فإن الإدارة الأمريكية – كعادتها ظلت تقرع نواقيس الخطر بين الدولتين، فقد اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة السودانية بشن هجمات جوية على مدنيين في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الحدوديتين المضطربتين في جنوب السودان، وقالت إن تلك الهجمات تفاقم أزمة سياسية في المنطقتين، في حين نفت الحكومة السودانية مراراً شن هجمات قصف على المدنيين. كما أن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري آموس قد قالت: إن النزاع النفطي الجاري الآن بين دولتي السودان سيزيد الأمور سوءاً.. وأن الأوضاع في الجنوب خطرة وان احتمال تدهور الأوضاع احتمال حقيقي وقاتم بشدة. حقاً إن الأوضاع في جنوب السودان تتسم بالتدهور وعدم الاستقرار.. غير أنه لا يمكن الإنحاء باللائمة على الحكومة السودانية التي منحت الجنوب حق تقرير المصير، والانفصال.. وما ترتب على ذلك من تداعيات عدم الاستقرار الناجم عن فشل "الحركة الشعبية" في إدارة الدولة الجديدة والنزعات القبلية لا يمكن أن يكون السودان مسؤولاً عنها. لا سبيل إلى تجنب نشوب الحرب إلا بالجدية في المباحثات المستقبلية المرتقبة بين الدولتين، وبناء الثقة من جديد وعدم رفع سقوفات الضغائن بين الدولتين الجارتين. ونحن نأمل أن يكون جموح خطاب الحرب بين السودان ودولة جنوب السودان نهجاً تكتيكياً.. وإن لم يكن كذلك.. فعلى الحكومة السودانية أن تتهيأ للأسوأ، والبدء فوراً في توحيد الجبهة الداخلية وإعداد العدة والعتاد للحفاظ على ما تبقى من السودان موحداً، وشامخاً، ومسالماً، وسليماً من ويلات الحرب ومآلات التدويل وما أسوأها.
749
| 05 فبراير 2012
الربيع العربي لا يطرق الأبواب ليسمح له بالدخول، ترتسم على خريطة السودان سيناريوهات مفزعة، ومعززة بالسقم، والقنوط، والقلق المفضي إلى الضياع والإحباط واليأس، والسأم الذي يستدعي عواصف الربيع العربي الغارق في الفوضى مجهولة العواقب، والمحفوف بالعقبات الجسام. آن الأوان للحكومة السودانية أن تتحول بكامل هيئتها إلى فريق لإدارة الأزمات التي تطوق البلاد وتحدق بمستقبلها، وحاضر الأجيال الصبورة، لأن السودان لا يعاني من أزمة واحدة وإنما سلسلة من الأزمات التي أخذت تنبت أزهار الشر في البيئة الخصيبة التي تكونت على حين غرة من الساسة والسياسيين الذين يديرون دفة الحكم العصية حتى على الربان الماهر. لقد أدى انفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو من العام الماضي إلى وجود سيناريوهات مريعة ومدارات لولبية لا تعرف لها بداية، ولن يستطيع الحصيف أن يحدد لها نهاية محددة المعالم، ومعلومة العواقب. ما تم في جنوب دارفور، وجنوب النيل الأزرق من تمرد بشع، وحرب شعواء يعد – بمعيار معا – نتيجة لمظاهر الغبن وغباء الحركة الشعبية التي ظنت أنها بفعلتها تلك سوف تساهم في تفتيت وتشظي السودان. أزمة دارفور ورغماً عما تم التوصل إليه في اتفاق الدوحة برعاية قطرية عطوف وحالمة وجادة – إلا أن المشكلة أخذت شكلاً جديداً في إحدى ولايات دارفور.. والسؤال الأكثر إلحاحاً هنا هو لماذا تتم إقالة الوالي المنتخب وتعيينه في ولاية أخرى، وإبداله بوال آخر؟ أفدح السيناريوهات الماثلة هي القضايا العالقة بين الحكومة السودانية ودولة جنوب السودان، ولعل أبرزها هي قضية البترول التي ظلت تراوح أمكنتها الساكنة منذ انفصال الجنوب. فصل المفاوضات بالأمس في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بين الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس حكومة الجنوب يعد مؤشراً خطيراً على أن المشكلات بين السودان والدولة الجديدة سوف يطول أمدها رغماً عن الوسطاء، لأن هناك دولاً ومنظمات لاتزال تحيك المؤامرات والتربص بالسودان المسكين. الأزمة الاقتصادية المستفحلة تدحرجت رويداً رويداً إلى القوت والضروريات الأساسية للمواطن العادي، مما يؤشر على أن للصبر حدودا، كما أن تدني سعر الصرف للجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي لا يمكن تجاهلهّ! وسيناريو آخر يتمثل في الوجود الأجنبي غير المقنن، فقد طالعتنا الأنباء بوجود أكثر من أربعة ملايين أجنبي يقيمون في البلاد دون إقامة شرعية من بينهم 700 ألف جنوبي! وفي الأنباء أيضا اعتقالات وسط طلاب الجامعات والناشطين السياسيين. ما يحدث في السودان من سيناريوهات يذكرنا بقصيدة الشاعر بودليير في ديوانه أزهار الشر التي يقول فيها: آثامنا عنيدة وندمنا جبان ونحن ندفع غالياً ثمن اعترافاتنا ونخوض طريق الوحل مغتبطين ونعتقد أننا بالدموع ندفع ثمن أخطائنا وعلى وسادة الشر يهدهد الشيطان روحنا المسحورة ويجتث منا نفوسنا معدن الإرادة النفيس ويمسك بالخيوط التي تحركنا نحو ما يعاف من المغريات وفي كل يوم نهبط لنقترب خطوة من جهنم دون تقزز عبر ظلمات نتنة
539
| 29 يناير 2012
إغلاق الصحف والمنابر الديمقراطية على الإنترنت في السودان لا يحقق للنظام الاستمرارية والبقاء في سدة الحكم، كما أن الممارسات الصحفية التي تتجاهل مواثيق الشرف الصحفي والنزاهة المهنية لا تحقق للصحفيين البراعة المهنية والبريق الاستقصائي المميز، فقد أقدم جهاز الأمن الوطني في الخرطوم يوم الخميس الماضي بإغلاق صحيفة "ألوان" وحجر ممتلكاتها وأصولها.. وهذه ليست المرة الأولى التي يوقف فيها جهاز الأمن والمخابرات الوطني الصحيفة المذكورة فقد تم إيقافها عدة مرات ثم عادت لتمارس نشاطها المناهض للنظام. وصحيفة "ألوان" ليست الصحيفة الوحيدة التي تم إيقافها في الفترة الماضية، فقد تم إيقاف صحيفة "رأي الشعب" الناطقة والمعبرة عن المؤتمر الشعبي الذي يرأسه الدكتور الترابي، كما لحقت ظاهرة إيقاف الصحف عدة صحف أخرى من بينها صحف: الصحافة، والأحداث، وأجراس الحرية. وفي ذات السياق فقد أقدم نفس الجهاز على إيقاف أو قرصنة المواقع الإلكترونية التي رأى فيها ممارسات تضر بأمن البلاد وسيادتها واستقرارها. وإذا ما اعتبرنا أن ما تقوم به صحيفة ألوان وغيرها من الصحف المشاكسة يمثل جهداً عفوياً لممارسة "الصحافة الاستقصائية"، فإن ممارسة هذا النوع من الصحافة في السودان، وفي هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، فإن ذلك يمثل ممارسة مهنية محفوفة بالمخاطر والتحديات وردود الأفعال المتوقعة بإيقاف الصحف ووقوعها في براثن الأمن حقيقة، أو وهماً، أو تجنياً.. إيقاف الصحف ومنعها من الصدور – بشكل عام – يمثل انتهاكاً لحرية التعبير، وحرية النقد، وتعدياً سافراً على حرية المواطن في تلقي المعلومات وحريته في الاتصال والتواصل الفعال. والسؤال المهم والملهم هو: لماذا يقدم جهاز الأمن الوطني على إغلاق الصحف أو تعليق صدورها، ألم يكن من الأجدى والأوفق أن يترك الأمر برمته لمجلس الصحافة والمطبوعات الذي تم إنشاؤه للقيام بهذه المهمة المهنية الرفيعة؟ ولماذا أيضا لا يترك الأمر للمحكمة القضائية التي يرتجى أن تنظر إلى الأمر بعناية فائقة، وعين متبصرة لواقع الحال والمآلات المترتبة على الأخطاء التي تعتبر بمعيار قضائي محايد "جرماً يحاسب عليه القانون"؟ الممارسات الأمنية المتكررة التي ظل يطبقها جهاز الأمن الوطني بإيقاف الصحف عن الصدور هي ضمن عوامل أخرى هي التي أدت إلى تردي وتراجع حرية الصحافة في السودان، الأمر الذي أدى إلى أن تحتل حرية الصحافة في البلاد درجة في ذيل قائمة الدول التي تصادر الحريات الصحفية طبقاً لمعايير منظمة "مراسلون بلا حدود". وعلى صعيد الممارسات الصحفية الرفيعة، فإن رهان الصحافة الاستقصائية في السودان يمثل جهداً محفوفاً بالمخاطر والتحديات، فإذا لم تكن التقارير والحوارات والتحقيقات الاستقصائية دقيقة وصائبة فإن مصداقية الصحفي والصحيفة تكون على المحك.. وهذا ما حدث فعلاً.. لأن أولى موجبات الصحافة الاستقصائية هي الدقة والموضوعية والصدقية ومعرفة القانون والمناخ السياسي السائد. ونسبة لضمور الحريات الصحفية في السودان، وتكرار عمليات إيقاف الصحف ومصادرتها فقد أصبحت الصحف بلا لون، ولا طعم، ولا نكهة.. ولا تميز.. تتماثل في هيئتها ومضامينها مثل طيور البطريق. أطلقوا عنان الحرية ليعيدكم الرأي الخاطئ إلى جادة الصواب.. دعوا الأفكار تتبارى وتملأ الساحات بالفكر النير والرأي السديد.. دعوا عبير الحرية يملأ الآفاق بالشذى والعطر الأخاذ الذي يسحر الألباب..
460
| 15 يناير 2012
إلى متى تستمر حالات التيه في جمهورية السودان ودولة جنوب السودان؟ فمنذ أن انفصل جنوب السودان في التاسع من يوليو من العام الماضي، والدولتان تعيشان في حالات تيه وضياع لا يبلغ مداها التعبير الرصين أو الوصف الدقيق. وعوضاً عن أن يقود الانفصال الدولتين إلى علاقات مميزة من حسن الجوار وتأسيس علاقات تشاركية في التبادل التجاري، والجوار السياسي المرشد، وبناء علاقات اجتماعية تستند إلى الإرث الحضاري والثقافي المتين، فإن استراتيجية التربص والنكايات والتوتر أصبحت سيدة الموقف بلا منازع. فبعد مضي أسابيع قلائل على انفصال الجنوب، سعت الدولة الوليدة إلى مشاكسات وزرع الأسافين مع جارتها الأم، فقد أدت تلك الاستراتيجية الخبيثة إلى دعم الحركة الشعبية للتمرد في جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، ودعم حركة العدل والمساواة وغيرها من الحركات الدارفورية المتمردة والمسلحة. وليس غريباً أن تؤدي مكائد الجنوب إلى عدم الاستقرار في جمهورية السودان مما أدى إلى إزهاق الأرواح، وتبديد الموارد على قلتها نتيجة فقدان الشمال لحصته من بترول الجنوب.. الجنوب الذي يصارع الموج العتي والعواصف، لم يستطع أن يوظف عائدات النفط للتنمية وتطور البلاد، كما لم يستطع أن يحول دون النزاعات القبلية التي مزقت نياط منطقة جونقولي.. فقد راح ضحية تلك النزاعات بين قبيلتي النوير والباريا ما يناهز الثلاثة آلاف قتيل في الأسبوع الماضي فقط، ولا توجد – حتى الآن – بوادر أو مؤشرات لإخماد جذوة النزاع الإثني الشرس والمدمر. أما في الشمال، فالأوضاع لا تقل سوءاً، فقد أدى فقدان البلاد لموارد البترول، إلى تفشي أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة لا يرتجى إيجاد حلول عاجلة وسريعة لها في المستقبل المنظور. والشمال الذي تلكأ وتماطل في تكوين حكومة ذات قاعدة عريضة، خرج في نهاية المطاف بتكوين حكومة استعراض عضلات ليس إلا.. والمعارضة السودانية تعاني أيضاً من حالات اختراق وإحباط غير مسبوقين: فحزب الأمة بعضه في الحكومة، ورئيسه يحمل رايات المعارضة المدنية المرنة، والحزب الاتحادي الأصل بعضه في الحكومة معززاً برئيسه ونجله، والمريدين الخلص، والبعض الآخر انشق وانهد مثلما ينهد صرح من رمال عاليات. وعن عراب حكومة الإنقاذ الدكتور الترابي فلا يزال السجال والاتهامات تدور حوله وحول سعيه لإسقاط الحكومة ذات القاعدة العريضة رغما عن نفيه نيته إسقاط حكومة الرئيس البشير. والمراقبون حيارى في الوفاق التكتيكي بين حزب المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي السوداني اللذين وصفهما حزب المؤتمر الوطني – الحزب الحاكم – بأنهما قد تجاوزا الخطوط الحمراء.. وتوعدهما بالثبور وعظائم الأمور إذا ما استمرا في نهجهما التخريبي الذي يمس سيادة البلاد. مشهد التيه السياسي في جمهورية السودان ودولة جنوب السودان يوحي بخطر مدلهم، وهناك سحب كثيفة تحجب رؤية تل الخلاص، وفي الأفق عواصف دوارة لا تستثني أحداً، والمشاعر الجامحة شمالاً وجنوباً.. فهل أزفت الآزفة؟
461
| 08 يناير 2012
يحتفي السودان اليوم بالذكرى السادسة والخمسين لاستقلاله المجيد والبلاد تتقلص مساحة وسكاناً، وقلبه مفطور، ووجدانه ممزق من كثرة الابتلاءات والمحن والخطوب والحروب والانقسام حتى نسي مواطنوه شكل الغبطة، ولون الفرح وطعم المسرة الساحرة.. والسرور الآسر.. ورغماً عن فداحة الأسى، وعمق معاناة المواطنين من شظف الحياة وضيق ذات اليد، فإن الشعب السوداني الباسل لا يزال ينظر إلى المستقبل برؤى تفيض بالأمل البراق، والطموح الوثاب لبناء الدولة من جديد، ورسم خريطة طريق واضحة المعالم لصياغة دستور دائم للبلاد يحدد مسار الدولة في مجالات الوحدة الوطنية، ودولة المواطنة والقانون وبسط الحريات، وإرساء قيم المساواة والعدالة الاجتماعية وتشييد نظام ديمقراطي متين يستوعب، إرث البلاد الحضاري، وتاريخ البلاد التليد، وتنوعها في الدين والعرق والثقافة، ومتطلبات العصر الخاسر الذي يقود دفته ما يسمى بالمجتمع الدولي المهين. النظر إلى المستقبل ضرورة تستوجبها وتحتمها الإخفاقات المريرة التي حدثت خلال العقود الستة الماضية.. رؤى المستقبل يتعين إبصارها من منظار الأمل والطموح، لأن القنوط الذي ران على الساحة السودانية لم يزد البلاد إلا سكوناً ورجوعاً إلى الخلف دون أن نحقق أدنى درجة في سلم الإنجازات السياسية والبناء السياسي المتين الذي يتفيأ ظلاله كل أهل السودان. وهنا، يتوجب أن نسجل سلسلة من الاعترافات للحقبة الماضية التي انطوت بالأمس: * بمعيار نسبي، فشلت جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان منذ الأول من يناير عام 1965 وحتى الآن، حيث أخذ العسكر أو الأنظمة الشمولية، والأنظمة الديمقراطية تتعاقب على سدة الحكم مثل تعاقب الليل والنهار.. فحين ينبعث الضياء من باب يدخل الظلام من الباب الآخر. * الانتلجنسيا السودانية هي الأخرى مسؤولة بمعيارها عن عدم الإسهام الجدي في بناء سودان قوي وشامخ، بعض المثقفين شارك بصورة من الصور في أنظمة الحكم المختلفة، غير أن إسهامهم كان باهتاً، لونته تلك الأنظمة بلونها وظلالها القاتمة، وبعض المثقفين آثر البقاء في أبراجهم المهنية أو الأكاديمية وأخذوا يندبون حظهم المشؤوم وينظرون إلى المشهد السياسي بحسرة ولوعة وأسى. * المعارضة بعضها حمل السلاح في وجه الأنظمة طلبا، إما في التغيير المنشود، أو طمعاً في الجاه والمكاسب الشخصية، وبعضها ارتمى في أحضان العمالة والارتزاق والتسول السياسي الدولي – ولا نظلم كل المعارضين فقد ظل بعضهم وفياً لمبادئه ومرتبطاً بالوطن نشداناً للإصلاح والتغيير. * المجتمع الدولي ظل ظالماً للسودان ولأهله: يحيك المؤامرات، ويدبر المكائد وينصب الفخاخ. ونتيجة لكل ذلك فإن الاحتفاء بالذكرى السادسة والخمسين لاستقلال البلاد المجيد جاء هذا العام سوداوي المحيا، فقد انفصل جنوب السودان، وأزمات دارفور، وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق تنبئ بخطر داهم وتداعيات داكنة على حاضر ومستقبل البلاد. والتردي الاقتصادي قد يقود إلى ربيع سوداني متفرد. المحصلة النهائية لكل ذلك إننا جميعاً فشلنا فشلاً ذريعاً في إدارة تنوع البلاد الديني والاثني والجغرافي والتاريخي. فما لم نتخذ خطوات جادة ومسؤولة فإن السودان سوف تعصف به المنون والمحن والجنون وانات الألم مكتومة والقلاقل المرسومة.
400
| 01 يناير 2012
في مثل هذه الأيام وقبل مضي 55 عاماً رفع علم السودان عالياً خفاقاً معلناً استقلال أمة فتية، وحرية شعب أبيّ، وميلاد وطن شامخ وشاسع، ومستقبل بلد بازغ باعتبار السودان أول دولة إفريقية جنوب الصحراء تنال استقلالها عبر نضال مديد، وعزم نضير. عندها.. هتفت الجموع المحتشدة، السودان للسودانيين، وملأت الفضاءات زغاريد الحرائر، وابتسامات الصبايا، وأناشيد الصبية، وابتهالات الشيوخ.. الآن يحتفل السودانيون بعيد الاستقلال من المستعمر البغيض الذي سلب الثروات، وأذل الأهلين، وبذر بذور الفرقة والشتات والتشظى الذي بدأت ثمراته المرة تنبع في جنوب السودان وشبح التقسيم المرير في فضاءات دارفور. ومنذ نيل البلاد استقلالها لم ينعم السودانيون بحكم راشد طويل المدى.. فالديمقراطية الوليدة عقب الاستقلال لم تعمر طويلاً باستيلاء العسكر على السلطة.. واستمر حلزون الانقلابات العسكرية يقض مضاجع الوطن، ويقوض معالم ومعاني الديمقراطية وأسس المشاركة الشعبية المسؤولة، ومبادئ الديمقراطية في سيادة حكم القانون، واستقلال القضاء وبسط الحريات والتداول السلمي للسلطة. المشهد الحالي في السودان يوحي بالحسرة والندامة والشؤم.. انفصال جنوب السودان بات كابوساً مرعباً ومعيباً لوطن أسهم ساسته الحاليون في تردي الأوضاع السياسية بصورة أصبح من المستحيل معها الابتهاج والفرح بعيد الاستقلال الذي يحين بعد ثلاثة أيام. إقليم دارفور الحاني أضحت مآلاته بعبعاً مخيفاً يقتفي آثار انفصال الجنوب، وتفتيت الوطن، فخلال السنوات السبع الماضية انخرطت الحكومة السودانية –المؤتمر الوطني- في مفاوضات مكوكية لم يترك بعيرها بلداً إلا وحط رحاله الثقيلة فيها. نحن ندرك يقيناً أن المؤتمر الوطني قد فشل في إدارة الأزمة، كما أن الحركات المسلحة قد أصبحت مثل الدمى تحركها أنامل عناصر التآمر ووكلاء التقسيم، ومنظمات الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف. الاقتصاد تدنى إلى درك سحيق، المصالحة الوطنية أصبحت بعيدة المنال نسبة لتشبث المؤتمر الوطني بالمقاعد الوثيرة والسلطة، والرفض لأية مشاركة وطنية لجمع الصف والإسهام في حل أزمات البلاد من المستقبل القائم وعوضاً من أن يقبل المؤتمر الوطني باشراك المعارضة والقوى الوطنية الفاعلة، أصبح يهتم بقضايا "هامشية": - اعتقال الصحفيين وسجنهم. - فرض قيود على حرية النشر والتعبير. - تفريق التظاهرات والتجمعات بالقوة المفرطة. - جلد النساء وإذلالهن بحجة تطبيق شرع الله. أظن.. أنه لا أحد من المسلمين في الشمال يعارض تطبيق شرع الله إحقاقاً لواجب روحاني مقدس يتوشح بإحقاق العدل.. ويقتفي آثار السلف الصالح في تطبيق الشريعة الإسلامية.. بصفة شمولية ودون استثناء لأحد أياً كان. وماذا عن سارقي قوت الشعب، والمعتدين على المال العام اختلاساً وسرقة ونهبا، حتى أصبحت خزائن المال خاوية، الآن يحل علينا عيد الاستقلال ونحن أضعف مما كنا قبل 55 عاماً.. ولا يملك السودانيون إلا أن يتضرعوا لله تجلت عظمته، أن تهب على البلاد نفحات السلام ونسمات اللطف في القضاء.. والقدر.
688
| 26 ديسمبر 2011
على السودان أن يتحسب لأسوأ السيناريوهات طراً، في ظل تنامي وتصاعد وتيرة الاختراق الإسرائيلي للقارة الإفريقية.. وتأتي زيارة رئيس حكومة جنوب السودان لإسرائيل الأسبوع الماضي ضمن مسلسل متعدد الحلقات لتزيد التوتر القائم حالياً بين دولة جنوب السودان الحديثة التكوين وجمهورية السودان التي نصبت لها الفخاخ للتمرغ في وحل الأزمات والمشكلات التي خلفها انفصال الجنوب المشاكس. ورغما عن مترتبات زيارة سلفاكير ميارديت رئيس حكومة جنوب السودان لإسرائيل والمخاطر الناجمة عن هذه الزيارة بسعي إسرائيل المضمر لدعم الجنوب بالأسلحة والعتاد واللوجستيات، فإن وزير الخارجية بحكومة الجنوب نيال دينق قد قال في تصريحات صحفية إن الهدف من الزيارة هو تطبيق سياسة الانفتاح التي تعتزم جوبا اتباعها تجاه كل دول العالم بلا استثناء، ولن يكون لها أي تأثير سلبي على دول الجوار، في إشارة واضحة إلى جمهورية السودان. زيارة سلفاكير إلى إسرائيل يجب أن ينظر إليها في إطار شاشة أوسع وإطار أشمل، فإسرائيل تقيم علاقات مع 46 دولة إفريقية من مجموع دول القارة البالغ عددها 53 دولة. السباق والتسابق المحموم الذي أبدته الدولة العبرية للاعتراف بدولة جنوب السودان، وإقامة سفارة لديها في الدولة الوليدة، ودعوة رئيسها إليها تأتي في سياق سيناريو الاختراق الإسرائيلي للقارة السمراء على نحو شامل يتضمن الاختراق الدبلوماسي والعسكري والاستخباراتي والاقتصادي. لقد وجدت إسرائيل في دولة جنوب السودان بيئة خصيبة لتنفيذ استراتيجيتها المقيتة للحصول على عدة مكاسب، ومؤامرات خبيثة المنشأ والمنطلقات. يأتي في طليعة الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية الحصول على النفط الإفريقي، ومياه النيل، ودعم اقتصادها الذي تعوزه الموارد، وتصدير منتجاتها التي أصابها الكساد من خلال المقاطعة العربية شبه الشاملة. كما أن إسرائيل ممتلئة بالغيظ لاتهاماتها للسودان بأنه يدعم المقاومة الفلسطينية، وتزويدها بالسلاح، ولهذا وجدت في دولة الجنوب ضالتها المنشودة لتنفيذ استراتيجيتها المعلنة بمحاربة ما تسميه بالإرهاب وحرمان السودان من الاستقرار المنشود من خلال دعم حكومة الجنوب بالسلاح والعتاد لزيادة اشتعال بؤر التوتر في دارفور وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق. المسعى الإسرائيلي لاختراق القارة الإفريقية، لم يواجه بمساع عربية لمواجهة الزحف والهرولة الإسرائيلية.. كما لم تتخذ الدول العربية أية خطوات مرئية أو غير مرئية، في مقابل المد العبري العارم. وعلى الحكومة السودانية وبخاصة وزارتا الخارجية والدفاع إبصار مآلات زيارة رئيس حكومة دولة جنوب السودان في إطارها الصحيح والمفعم بالمخاطر والتحديات، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار المعطيات التالية: * إن الإدارة الأمريكية لا تزال تتلكأ في تطبيع العلاقات مع السودان. * دول الجوار وخاصة كينيا تتمتع بعلاقات حميمة مع إسرائيل، وأن قرار المحكمة الكينية بتوقيف الرئيس البشير لم يصدر من فراغ. * إن حلقات التآمر، وسيناريوهات الكيد ضد السودان والنيل من مقدراته لن تتوقف، كما أن بؤر التوتر سوف تزداد اشتعالاً.. ما لم تتخذ الحكومة السودانية خطوات جادة للمصالحة الشاملة، وتوحيد الجبهة الداخلية لحل أزمة دارفور، ووضع نهاية للمشكلات العالقة مع جنوب السودان الذي يستقوى بالدولة العبرية وغيرها من دول الوسوسة الدبلوماسية الشائنة التي تخطط في الخفاء والعلن لزعزعة استقرار البلاد ومستقبلها الواعد.
394
| 25 ديسمبر 2011
هل ينتهي عصر العلوج بخروج القوات الأمريكية من العراق؟ بعد مضي نحو تسع سنوات عجاف على احتلال القوات الدولية للعراق، خرجت القوات الأمريكية يوم الخميس الماضي، في جنح الدجى وهي تجرجر أذيال الخزي والعار والهزيمة النكراء التي ألحقها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن بدولته العظمى بتحريض وتدبير دنيء من اليمين المتطرف الذي زوَّر الحقائق عمداً وقدم أدلة مفبركة على أن نظام الرئيس العراقي صدام حسين يمتلك أسلحة الدمار الشامل الفتاكة. الاحتلال الأمريكي للعراق الذي تم تحت غطاء دولي زائف، لم يكن ليحدث، أو يتم، لولا تواطؤ شرذمة من العملاء العراقيين الذين كان هدفهم الأوحد، ليس فقط إزاحة نظام الرئيس صدام من الوجود، بل تملكتهم الرغبة الجائرة والجامحة في اعتلاء المناصب لتحقيق مكاسب ذاتية، أو إحراز نصر مؤذر لمصالح الجارة إيران التي دفعت بهم لتنفيذ أهدافها التوسعية، ومطامعها الذاتية نكاية في الرئيس صدام حسين الذي حجم نفوذها التوسعي في المنطقة من خلال الحرب التي دارت رحاها في ثمانينيات القرن الماضي. المحصلة النهائية للاجتياح الأمريكي للعراق كانت كما يلي: * إزهاق أرواح مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء. * قتل نحو 4500 جندي أمريكي. * زج الآلاف من العراقيين في السجون والتنكيل بهم بضراوة وشراسة وبطرق بشعة وغير إنسانية. * العراق الذي أرادت له الإدارة الأمريكية أن يكون نموذجاً يحتذى في الديمقراطية أضحى، وبلا جدال، قُطراً وبلداً طائفياً بلا منازع يئن من الصراعات الداخلية، ونزاعات التشفي والانتقام والموت الزؤام. * قتل وتهجير العلماء العراقيين، وتصفية الساحات والمنابر العلمية من كل المتخصصين الجادبين على تطور الوطن ونهضته وازدهاره. * موارد العراق النفطية وغيرها أمست نهباً للنهابين، ومورداً كثير الزحام للطفيليين، والعملاء ومن سار في ركابهم، كما أن إعادة إعمار العراق صارت أكذوبة كبيرة لا تنطلي حتى على الفتى الغرير أو الطفل الرضيع. الإدارة الأمريكية بتيجانها وصولجانها، ومكائدها الخبيثة خسرت الحرب في العراق، فاجتياحها للقُطر الآمن لم يحقق لها غايتها القصوى، وهي القضاء على الإرهاب، كما لم يحقق لها استراتيجيتها العليا بإقامة نظام ديمقراطي رفيع المستوى في المنطقة العربية. وقناعتنا الأساسية أن بلاد الرافدين حبلى بالوطنيين المخلصين الذين يحرصون على إعلاء راية العراق خفاقة في المحافل الدولية في القريب العاجل، وأن عصر العلوج قد أفل إلى غير رجعة.. ما لم تحدث متغيرات في الساحة الدولية المريبة والمربكة!
371
| 18 ديسمبر 2011
لن يجدي الرئيس الأسد نفعاً الاحتماء بحلفاء خارج خط الأفق! بلغ عدد القتلى الذين أذهقت أرواحهم قوات الأمن السوري والقوات المسلحة والشبيحة ما يناهز الأربعة آلاف قتيل، ومع ذلك لا يزال الرئيس السوري يستخدم استراتيجيات المماطلة، والزيف والتضليل الإعلامي، والاستمرار في استهداف المدنيين وعشاق الحرية، والمطالبين بتغيير أنظمة وهياكل النظام العتيق وتنحي القائد الذي يقتل شعبه عشية وضحاها.. لقد بذلت جامعة الدول العربية جهوداً مضنية ومستمرة بهدف وقف نزيف الدم الذي لون شوارع حماة وحمص ودرعا وجل المدن والبلدات، وأرياف دمشق، ومع ذلك استمرت الآلة السورية الغاضبة من الثوار والثورة، في القتل والتنكيل والتسويف والمماطلة، دون أن يقدم النظام السوري رداً مقبولاً لدى الجامعة العربية التي لا تزال تنتظر ردوداً نهائية ومقنعة بشأن البروتوكول والمراقبين، الذين كان من المفترض أن يكونوا شهوداً على ما يجري في القُطر السوري، وعلى ادعاءات النظام بأن هناك قوى إرهابية تؤجج النزاع وتقتل المدنيين وقوات الأمن السوري.. الحديث الذي أجرته قناة "أي بي سي" الأمريكية الأسبوع الماضي مع الرئيس السوري بشار الأسد تعرض أيضا لحالات إنكار من الرئيس الأسد. تأمل الاقتباسات التالية: "نحن لا نقتل شعبنا.. ليس من حكومة في العالم تقتل شعبها، إلا إذا كانت تحت قيادة شخص مجنون". "أنا لست مسؤولاً عن إراقة الدماء التي جرت على مدار تسعة أشهر.. إنها تجاوزات نفذها أفراد وليس نظامه". "إن قوات الأمن تابعة للحكومة وليس لي شخصياً.. أنا لا أملكهم.. أنا الرئيس، ولا أملك البلاد، ولذا فهي ليست قواتي". ومع أن الحديث أجرته الإعلامية المخضرمة باربرا وولترز، وشاهدته الجماهير بالصوت والصورة، إلا أن الناطق الرسمي باسم الحكومة أطل على الإعلاميين في مؤتمر صحفي ليعلن مراراً أن الحديث قد تم اجتزاؤه ولم يبث كاملاً. حالات الإنكار والمماطلة لن تجدي الرئيس الأسد في الإفلات من المساءلة والعقاب في ظل حالات الاستقطاب الدولي الحالية التي ترتسم في الآفاق. -الجامعة العربية، والمجلس الوزاري، سيواصلان الجهود من أجل حماية المدنيين السوريين، ووقف نزيف الدم. - تركيا، حليف الرئيس الأسد بالأمس القريب، أعلنت على لسان وزير خارجيتها: "إن بلاده لا تستطيع أن تبقى متفرجة إذا وجدت أن مواجهة الأمن السوري للانتفاضة ستهدد الأمن في المنطقة". - وعلى الصعيد الدولي دعا مجلس الأمن الدولي المفوضية العليا لحقوق الإنسان لتقديم إحاطة حول انتهاكات حقوق الإنسان في سورية بعد غد الثلاثاء.. - التحرك الدولي في مجلس الأمن أيدته معظم الدول ما عدا روسيا والصين والبرازيل.. وهي خارج خط التماس وخط الأفق الدولي.. فعلى الرئيس الأسد أن يتنحى طوعاً عن السلطة حفاظاً على ما تبقى من بلاده التي تنشد الكرامة وإنسانية الإنسان ولن تجديه فتيلاً فنون الإنكار والجنون والاحتماء بحلفاء خارج خط الأفق المدلهم..
375
| 11 ديسمبر 2011
واقع السودان المأزوم يتطلب تشكيل حكومة إدارة أزمات! في غمرة انهماك حزب المؤتمر الوطني بتشكيل الحكومة الجديدة أطل مدعي المحكمة الجنائية الدولية من جديد ليطلب من قضاة المحكمة إصدار مذكرة توقيف وزير الدفاع السوداني عبدالرحيم محمد حسين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور. وتزامن طلب توقيف وزير الدفاع السوداني مع تقرير منظمة الشفافية الدولية الذي صنف السودان في المركز الـ177 من بين 183 دولة الأكثر فساداً في العالم.. مما يعني أن السودان يعد من أكثر ست دول فسادا طبقا للتصنيف الذي صدر مؤخراً. وقد تتالت الحادثتان بعد تجديد الإدارة الأمريكية للعقوبات على السودان يوم الأربعاء الماضي.. حيث أشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حيثيات القرار: إن الوضع في دارفور يشكل تهديداً غير عادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية ومشددا على أن تمديد العمل بهذا القانون "قانون الطوارئ الوطني"، يأتي على خلفية تصرفات وسياسة الحكومة السودانية. وعلى إثر هذه الخلفية المخيفة للأوضاع في السودان فإن مقتضيات الأحوال تتطلب تشكيل حكومة وفاق وطني لإدارة الأزمات، وليس حكومة ذات قاعدة عريضة بالمعايير النسبية الباعثة على الخلاف والاختلاف. حكومة إدارة الأزمات تعني أن يتنازل المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد أكثر من عشرين عاما طوعا باشراك جميع القوى السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني لوضع أجندة محددة لمعالجة وإدارة الأزمات بصورة فاعلة ومؤثرة. ويتحتم على حكومة إدارة الأزمات ان تضع جل اهتمامها لمعالجة الازمات التي اضحت تطوق الوطن في العنق، والخاصرة والمخيال. فالمشهد السوداني بأجمعه يمثل أزمات عنقودية تتطلب معالجات آنية بمنطق وسياسات الحاضر، عوضاً عن تعاطي المؤتمر الوطني لأزمات الحاضر بسياسات وتكتيكات الماضي الغابر. فأزمة دارفور – أم الأزمات – لا تزال تشكل كابوسا مرعبا رغما عن الجهود التي تم التوصل إليها في العاصمة القطرية الدوحة. فالجبهة الثورية التي لا يعجبها العجب تنأى بنفسها عن اتفاق الدوحة وعقدت العزم على إسقاط الحكومة، والزلزال الارتدادي الذي خلفه انفصال الجنوب أضحى يهدد وحدة ما تبقى من الوطن المأزوم: فالارتدادات في جنوب النيل الأزرق، وجنوب كردفان وما تبعها من نزاعات وحروب وسفك الدماء وتبديد الموارد، كلها بحاجة إلى إدارة أزمات ماثلة ومتوقعة. والازمات الاقتصادية التي تتمثل في فقدان القوت، والدواء للمواطن العادي لا يمكن النظر إليها باعتبارها ازمات عارضة أججها فقدان السودان عائدات النفط بعد انفصال الجنوب.. وانما هي ازمات اقتصادية حقيقية يزداد حجمها وقوة دفعها مع مرور الأيام. المؤشرات التي رشحت – حتى الآن – تشير إلى أن الحكومة المقبلة سوف تكون حكومة ارضاءات لاحتواء بعض رموز الأحزاب المؤثرة لإسكات أصواتها وتعطيل وتقزيم المعارضة.. فحكومة الاسترضاءات أو الارضاءات، ورديفتها الحكومة ذات القاعدة العريضة لا تقوى حتى على إدارة الأزمات الرضيعة، لأن الأزمات الوليدة سوف يشتد ساعدها وتشب عن الطوق وتنمو، وتزمجر، وتدمر!
356
| 04 ديسمبر 2011
انفصال الجنوب أدخل السودان في أتون دوامة حمم يستعر لهيبها المتلوي تلاشت الآمال العراض حول تكوين حكومة قومية تأخذ على عاتقها إيجاد حلول ناجعة لمشكلات وأزمات السودان المتفاقمة.. فما لم تحدث مفاجآت باعثة للدهشة فإن الحكومة المرتقبة سوف تكون ذات قاعدة عريضة نسبياً ومع تشكيلها تضمحل التوقعات في إيجاد أجواء ومناخات دافعة للاستقرار الذي افتقدته البلاد منذ أمد طويل. ظن كثير من المتابعين للشأن السوداني أن انفصال الجنوب الذي تحقق منذ ما يزيد على الأشهر الخمسة سوف يحقق للحكومة السودانية التي تخلف الحكومة "الحالية" بيئة خصيبة تتيح للفاعلين السودانيين التفرغ لمشروعات البناء والتنمية وجمع الصف الوطني لمواجهة تحديات ما بعد الانفصال وما أكثرها. انفصال الجنوب الذي كان يمثل شراً لابد منه: الانفصال مقابل السلام الشامل، أدخل البلاد في أتون دوامة حمم يستعر لهيبها المتلوي في أطراف البلاد الجنوبية والغربية وربما الشرقية, فسرعان ما اندلعت النزاعات والحروب في ولايتي جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق بتدبير منظم من الحركة الشعبية التي لم يكن هدفها الأساسي تحقيق الانفصال بل تعداه إلى المضي في مخططاتهم الدفينة لإشعال الفوضى والفتن في الهوامش لتشكيل "السودان الجديد". وكان آخر سلسلة حلقات التآمر التي حبكتها الحركة الشعبية هو دعم التحالف المسلح المسمى "الجبهة الثورية السودانية" التي ضمت أربع حركات دارفورية مسلحة هدفها الأعلى ليس فقط إسقاط نظام الرئيس البشير بل السعي الآثم لإحراز مزيد من الانقسام والتقسيم للبلاد، والعباد.. لقد أدى انفصال جنوب السودان الذي أصبح دولة مستقلة إلى تداعيات اقتصادية وسياسية عميقة الأغوار.. ففي المجال الاقتصادي فقد السودان عائدات البترول مما أدى ضمن عوامل أخرى، إلى دخول البلاد في أزمة اقتصادية طاحنة زعزعت وفاقمت أسعار السلع الأساسية والضرورية لحياة المواطن السوداني وخاصة لذوي الدخل المحدود أصلاً. أما في المجال السياسي فقد وجدت أحزاب المعارضة نفسها أمام بيئة صالحة لمناطحة النظام والتلكؤ في المشاركة في الحكومة التي كان من المفترض أن يتم تشكيلها في الأيام الماضية. وإزاء هذه الخلفية فقد وجدت الحكومة السودانية وخاصة حزب المؤتمر الوطني – الحزب الحاكم – نفسها مجبرة ومكرهة على تشكيل حكومة في ظل استنكاف حزب الأمة، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، أو الفرع، وحزب المؤتمر الشعبي، والحزب الشيوعي عن المشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة. الذي يدعو للعجب أن حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور الترابي قد تحالف مع الحزب الشيوعي لتحقيق غايات وأهداف معروفة. وكان من المفترض أن يسعى حزب المؤتمر الوطني بكل السبل لتشكيل حكومة قومية تقي البلاد من الشر القادم، وأن يبدي التنازلات المرنة من أجل تحقيق هذه الغاية عوضاً عن تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة – غير عريضة – تضم مثلما حدث في الماضي أحزاب التوالي الضامرة والضعيفة والضالة! وعلى غرار الكوجيتو الديكارتي الذي مؤداه" "أنا أفكر فأنا إذن موجود"، فإن المؤتمر الوطني ظل ممسكاً بالأسنة والأعنة ومتمسكاً بسرب الكوجيتو الجديد. أنا اتكتك وأحلم بالحكم مدى الحياة فأنا أحكم منفرداً.
694
| 20 نوفمبر 2011
يمثل إطلاق قناة "الجزيرة بلقان" في العاصمة البوسنية سراييفو، يوم الجمعة الماضي وثبة جامحة في الفضاء العالمي المكتظ بالقنوات الإخبارية، وومضة باهرة الضياء في سماء إحدى عشرة دولة في شبه جزيرة البلقان التي عانت الأهوال من الصراعات والنزاعات والانقسام والتقسيم. شبكة الجزيرة الإعلامية التي احتفلت مؤخراً بمضي خمسة عشر عاماً على إنشائها، تضيف الآن إلى رصيدها وليداً جديداً يتربى في حجرها، ويتغذى من لبنها، ويترعرع في كنفها، ويشتد ساعده بميثاق الشرف المهني الذي رسمته القناة ليكون هادياً لها في مسيرتها الإعلامية، ويشكل ممارساتها بالتغطية الحرة والنزيهة والدقيقة والموضوعية، بمراعاة تامة لقيم ممارسة المهنة بشرف وأخلاق ونزاهة وتوازن، ووفقاً لشعارها البراق: "الرأي والرأي الآخر". وتغطي القناة الوليدة كامل منطقة البلقان من أربعة استديوهات في كل من العاصمة البوسنية سراييفو، والعاصمة الصربية بلجراد، والعاصمة المقدونية سكوبي، والعاصمة الكرواتية زغرب، واستقطبت القناة عدداً من المهنيين والمذيعين والمراسلين الذين يجيدون اللغة المحلية التي تبث بها القناة، بالإضافة إلى تقارير المراسلين من الجزيرة باللغة العربية، والجزيرة باللغة الانجليزية والتي تترجم ليتم بثها بلغة البلقان في القناة الجديدة. وتلتمع في الأفق عدة عوامل لنجاح قناة الجزيرة بلقان أهمها: - البث باللغة المحلية على مدار الأربع والعشرين ساعة. - مصداقية الإرث المهني للجزيرة. - عدم وجود قنوات منافسة، وبنفس المستوى. - الإمكانات المادية والبشرية والتقنية التي خصصتها الجزيرة للقناة الجديدة. - التنوع في العاملين في القناة والذين ينتمون إلى عدة جنسيات في منطقة البلقان. وعلى شبكة الجزيرة أن تتحسب لكوابح ومعوقات الانطلاق والأداء المهني الرفيع، ومثلما تخطت شبكة الجزيرة هذه الإشكالات في المنطقة العربية، فعليها أيضا أن تضع نصب أعينها عمليات التشويش على البث، واعتقال الصحفيين العاملين فيها، وإغلاق المكاتب عنوة وبلا أسباب مقنعة وغيرها من العراقيل التي يضعها أعداء الحرية. قناة الجزيرة البلقان تستطيع أن تحذو حذو أمها الرؤوم التي استطاعت أن تحقق جملة من الإنجازات من بينها: - إرساء ثقافة الحرية وقيم الإعلام الهادف. - تعزيز وتوسيع آفاق المواطنين في الوطن العربي بالديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. - ترسيب البعد المهني للتغطية الإعلامية المتوازنة، والحوارات الهادفة. - إعلاء رايات وبيارق الإصلاح، وإزاحة الظلم، والفساد، والطغيان، والاستبداد، واستعباد العباد خلال الربيع العربي العارم. - إحراز قصب السبق الصحفي، والتغطية الشاملة التي لم تقترب منها القنوات الفضائية العربية، ولم تستطع القنوات الفضائية الدولية الموجهة أن تساير مدها الجارف وتغطيتها الرصينة. وتأسيساً على منطلقات المشهد الإعلامي الدولي، فإن رهانات ارتقاء الجزيرة بلقان إلى سُلم المجد الإعلامي لن تكون سهلة، مما يتطلب من إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية أن تهيئ لها كل السبل، وتتيح وتوفر لها كل الامكانات والمتطلبات المادية والبشرية التي تجعل منها وليداً شرعياً ولاعباً ماهراً للشبكة التي لا تحد من طموحاتها الحدود الجغرافية، أن تنشيء وتؤسس قنوات ناطقة بلغات أخرى، سعياً لتحقيق التوازن المنشود في تدفق الإعلام الدولي المعولم، ووضع بصمة دولة قطر الصغيرة على خريطة العالم الآخذة في الاتساع الجيوسياسي المسيَّس.
1616
| 13 نوفمبر 2011
مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...
1119
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد...
945
| 16 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...
696
| 15 ديسمبر 2025
إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...
663
| 18 ديسمبر 2025
هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي،...
642
| 18 ديسمبر 2025
يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...
639
| 19 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف...
597
| 21 ديسمبر 2025
هنالك قادة ورموز عاشوا على الأرض لا يُمكن...
567
| 19 ديسمبر 2025
يأتي الاحتفال باليوم الوطني هذا العام مختلفاً عن...
555
| 16 ديسمبر 2025
لقد من الله على بلادنا العزيزة بقيادات حكيمة...
516
| 18 ديسمبر 2025
يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة...
453
| 15 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...
435
| 22 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية