رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الأزمات السرمدية والحكومة القومية

لا يستطيع حزب المؤتمر الوطني إدارة أزمات البلاد المتفاقمة منفرداً بالحكم في ضوء زيادة اشتعال بؤر التوتر والنزاع وعباب العنف والتمرد البشع، وفي ضوء إشارات التهديد والوعيد الصادرة من الحركة الشعبية وابنها المنبوذ " قطاع الشمال" الذي تركته خلفها بعد الانفصال ليؤدي دوراً قذراً ويؤجج حرباً بالوكالة يمزق صحائف الوفاق الوطيد و يقض مضاجع الوطن الآمن. تجدد الاشتباك الشائك بين الجيش السوداني والحركة الشعبية في منطقة النيل الأزرق مؤخراً ينذر بخطر داهم وربما يؤدي إلي استحضار حرب أخرى أشد ضراوة من تلك التي دارت رحاها قبل تنفيذ اتفاقية السلام الشامل التي تم إبرامها بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية عام 2005. وتستوجب سياقات الأحداث المفجعة أن يتخذ المؤتمر الوطني خطوات جادة ومسؤولة لإدارة الأزمات بشكل شامل بدلاً من إستراتيجية إطفاء الحرائق بصب الزيت على النار الذي يزيدها ضراماً واشتعالا. وعوضاً عن إلقاء اللائمة على المتآمرين ومن يسير في ركابهم، أو من يركب موجاتهم العاتية. ولعل أهم الخطوات التي يتعين على المؤتمر الوطني اتخاذها هي أن يسعى بكل البل والوسائل الممكنة إلي تكوين حكومة ذات قاعدة عريضة جداً تضم كل الأحزاب الفاعلة للاصطفاف لمعالجة أزمات الوطن بعقلانية هادئة تقضي على مظاهر الانفراد بالرأي ، والتشنج في صناعة القرارات الحيوية التي تختص بالوطن واستقراره وتقدمه لقد سعى المؤتمر الوطني في أوقات سابقة لتشكيل حكومة سميت آنئذ بـ "حكومة الوحدة الوطنية"حيث كانت أبعد ما تكون عن الوطنية لأنها ضمت أفراداً انسلخوا من أحزابهم الرئيسية طلباً إما للمجد أو الشهرة أوكليهما.ولم يكن في مقدورهم الخروج عن السياسات العامة التي يرسمها المؤتمر الوطني. وكانوا أشبه بالديكور الذي يضفي جمالاً زائفاً لحديقة الحكومة المليئة بالأشواك. الكلمات المفتاحية للخروج من الأزمات السرمدية التي يكابدها السودان هي: المصالحة الوطنية، الوفاق الوطني،الإجماع القومي، والحكومة الوطنية الحقيقية، لأن البلاد لا تعاني من أزمة واحدة بل من عدة أزمات مستفحلة وخانقة: أزمة دارفور، وأزمة الاقتصاد المتردي، والأزمات التي خرجت من رحم نيفاشا في جنوب كردفان وأبيي، وجنوب النيل الأزرق ، وأزمة التعاطي مع الحركة الشعبية، وجميعها تتضافر وتتحد لتشكل بعبعاً مخيفاً إما لتقسيم السودان وإما لنشوء حالات من الفوضى العارمة التي ربما تعصف بما تبقى من القطر الشاسع والشامخ في فضاء القارة السمراء. حقاً، يعيش السودان أتعس أيامه طراً ، ولا سبيل إلى الخروج من الأزمات الماثلة والقضاء على شرانق التمرد في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق إلا بالاصطفاف الوطني لسد الطريق أمام المتمردين ،والمتآمرين الذين ينشدون طيب الذكر بخبائث الأعمال.

426

| 11 سبتمبر 2011

عيد الثورات وبن عباد

حل عيد الفطر المبارك هذه السنة بصورة استثنائية بامتياز ، فقد رسمت الثورات العربية – التي لا تزال تصطخب مثل إعصار أيرين العاصف - أفقا جديداً، كما شيدت صروحا شامخة لإرث حضاري مجيد وجديد تقطف ثماره الأجيال القادمة وتتفيأ ظلاله الأمة العربية في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والطمأنينة الناعمة.. فقد شهدت الساحات فرحاً عارماً بنجاح الثورات في: تونس ومصر وليبيا، ورفع المصلون أكفهم بالضراعة والابتهال والدعاء لله تعاظمت قدرته أن يزول حكم الطغاة، وأن يلهم الأوطان العقل السديد لكي تمضي بقية الثورات في سوريا واليمن حتى منتهاها، وأن يديم المولى الأمن والسلام والاستقرار والبناء الديمقراطي، وأن يجنب البلاد والعباد مآلات الفوضى المستمرة والمدمرة. حقاً لقد نجحت الثورات العربية – حتى الآن – في تحريك المياه الراكدة والآسنة، وتحويل واقع الأمة إلى حراك شبابي وجماهيري ذاخر بالمعاني ومفعم بالأمل النضير والعزم الوثاب. فقد دكت الثورات قلاع الاستبداد والفساد وحكم الفرد والقضاء على مظاهر التوريث المقيت حتى أضحى كل الزعماء الذين طوقتهم الثورات بأزيزها يرتجفون مثل القلوب الواجفة والمعذبة. أحد المعاني الهامة التي يمكن استنباطها من الثورات التي جعلت من عيد الفطر هذا العام مختلفاً هي أنه لا تزال هناك مخاوف وخشية من أن تتحول الثورات العربية إلى فوضى مستمرة، ويدعم هذا الاتجاه أربعة تداعيات أساسية: أولاً: أن الحرس القديم في كل من تونس ومصر ظل يسعى بكل السبل والوسائل إلى احتواء الثورة وتحويل مسارها. ويصطدم ذلك التوجه بأجندة الشباب الذين فجروا الثورة ورووها بدمائهم الذكية والطاهرة. ثانياً: أن المعارضة النائمة هبت من سباتها وأرادت أن تجد لها مكاناً في فضاء الثورة الساطع بأجندة مثيرة للجدل والخلاف والاختلاف مما يشجع على احتدام الصراع والتناحر وربما الاحتراب القبلي والطائفي. ثالثاً: أن الثورتين في سوريا واليمن لم تحسما بعد ولما يتم حسمهما. والمشاهد في سوريا واليمن مفزعة وتدعو للتفجع والقلق وما ينجم عنه من فوضى عبثية تقضي على طموحات الثوريين الشرعية والمشروعة. رابعاً: تهديد القذافي وهدير وأنجاله وسدنة النظام لا تفتأ تشكل أخطاراً واسعة النطاق على مستقبل الثورة الليبية وتحويلها إلى حرب عصابات ضارية وطويلة الأمد. وعلى إثر هذه التداعيات فإن الواقع يتطلب الحفاظ على المخزون الذي رسبته الثورات، ومده بالفكر الخلاق لكي يمضي النضال الشعبي بثبات نحو التغيير المنشود، وسد الطريق أمام الذين يحاولون تشويه الفعل الثوري وسرقة رصيده الثمين وإحالته إلى ركام من الخراب والدمار المهين. لم تعد الجماهير العربية تردد ما قاله المتنبي: عيد بأي حال عدت يا عيد، وعوضاً عن ذلك فإنها تُذكر الرؤساء العرب المخلوعين بما قاله المعتمد بن عباد حاكم قرطبة الذي دار عليه الزمان، بعد زوال حكمه وأتاه العيد في سجنه في أغمات: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا = وكان عيدك باللذات معمورا وكنت تحسب أن العيد مسعدة = فساءك العيد في أغمات مأسورا

403

| 04 سبتمبر 2011

نرسيس والقذافي وقاع الكون

في أحد الأزمان الغابرة في اليونان، كان هناك أمير يوناني يدعى نرسيس، وهو فتى غرير وفي غاية الوسامة والجمال. وذات مرة طالع صورته منعكسة على صفحة ماء الغدير بكل فخر وزهو، ووقع في غرام نفسه وعشق صورته وظل يحادثها ولا ينال منها إلا العدم. فما كان منه إلا أن غرق في البحيرة وذاب عن الوجود. وحينما جاء الربيع، وبحسب الأسطورة فقد حزنت عليه السماء فخلدت ذكراه بزهرة أخذت منه جمال الوجه وروعة الطلعة فأطلقوا عليها نرسيس أي " زهرة النرجس". القذافي الذي تملكه جنون العظمة والكبر ظل طيلة فترة سنوات حكمه، التي ناهزت الأربعة عقود، مصدراً للسخرية والتهكم والتندر: يجلس بتهكم ، ويقف بشموخ ، ويحاكي الطاؤوس في مشيته، يرفع رأسه بخيلاء ينم عن إعجاب بالذات، الموشاة بالتيجان والصولجان، وينظر شذراً إلى قومه ، وإلى الرؤساء العرب والأفارقة في مؤتمراتهم . القذافي المفتون بنظرياته وأفكاره، نادى ملياً بالوحدة العربية وسخر لها كل إمكاناته الدبلوماسية، وعندما فشلت تلك الرؤى الطوباوية، أشاح بوجهه عن الوطن العربي، ويمم وجهه صوب القارة الإفريقية التي استجابت لبعض مطالبه بتغيير مسمى الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي ، ومنحته لقب ملك ملوك إفريقيا. أما العرب فعلى الرغم من صدودهم عن الوحدة العربية، فقد منحوه لقب عميد الرؤساء العرب عرفاناً ببقائه في سدة الحكم أكثر من أي زعيم عربي آخر على قيد الحياة. القذافي أضحك الجماهير ملياً بأقواله الباعثة على الضحك والسخرية ومنها: - لو كنت رئيساً لرميت الاستقالة في وجوهكم - أنا لست رئيساً ، أنا مجرد مرجعية أدبية وفكرية للاستفادة منها - الذين ماتوا في المظاهرات سيندمون أشد الندم - أنا لست ديكتاتوراً لأغلق الفيس بوك - السجن خمس سنوات لمن يقتل نفسه حرقاً - للمرأة حق الترشيح سواء كانت ذكراً أو أنثى - أيها الشعب لولا الكهرباء لجلسنا نشاهد التليفزيون في الظلام - تظاهروا كما تشاءون، ولكن لا تخرجوا إلى الشوارع والميادين. ومثلما أضحك الملأ، فإن القذافي قد أبكى الليبيين لدرجة أن دموعهم قد ملأت النهر العظيم، وتصاعدت أحزانهم كمد البحر الهائج : فقد اتسم عهده منذ البداية وحتى الآن بسياسة وإستراتيجية البطش والتعذيب والتنكيل والقتل الجماعي والقصف الممنهج ضد الأبرياء وعشاق الحرية ودعاة الكرامة الإنسانية. القذافي المختبئ في نرجسيته وفنون عظمته، الذي أوشك حكمه على الزوال بعد سقوط طرابلس ومعظم المدن الليبية، لا ولم يستطع أن يلمس قاع الكون مثلما فعل"جان جوريوس". لأن قوات الثوار ستبحث عنه: دار دار، خندق خندق، جحر جحر ، زنقة زنقة، حتى يتم اعتقاله، أو يموت في ساحة الوغى ذليلا مدحورا.

568

| 28 أغسطس 2011

السودان: الدهاقين والدروع الروحانية

السودان بحاجة إلى خطاب جديد يوحد ولا يفرق لا يكاد السودان يستفيق ويتعافى من عنفوان عباب انفصال الجنوب حتى أطل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2003 ليزيد النار إضراماً على ما هي عليه.. قضايا الانفصال العالقة وخاصة الأوضاع في أبيي، والوضع المتصاعد في جنوب كردفان نتيجة لهجوم الحلو، وتجهم عقار في جنوب النيل الأزرق، فكل هذه الرزايا تنذر بتمزيق الوطن، وإنزال الذل في أعطاف دولة السودان السنية. فقد نص القرار رقم 2003 على تمديد فترة بقاء القوات الدولية في دارفور لمدة عام، وتوسيع صلاحياتها لتشمل معالجة التحديات في كل السودان باعتبار أن الحالة في السودان تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، ويؤكد القرار ولاية يونميد على أساس البند السابع مما يشكل خطراً مدلهماً لا تضاهيه أي خطورة ماثلة في الأفق. ومما يدعو للفزع والجزع أن قرار مجلس الأمن الدولي المعني قد تزامن مع حدثين هامين: الأول هو تجديد الإدارة الأمريكية تصنيفها للسودان ضمن الدول الراعية للإرهاب، والثاني يتمثل في دخول منظمات دولية إلى ولاية جنوب كردفان لتقييم الوضع الإنساني. الحكومة السودانية، أعني المؤتمر الوطني، أعلن مناهضته للقرار بشتى الوسائل المتاحة والقيام بالتعبئة السياسية والدبلوماسية بالداخل والخارج لتوضيح خطورة القرار، كما أعلن حاج ماجد سوار أحد دهاقين المؤتمر الوطني النافذين أن كل القرارات أمامه مفتوحة بما فيها القتال، ومؤكداً جاهزيته لفتح المعسكرات في أي وقت إذا استدعى الأمر. خطاب النزال والمناطحة أصبح ملمحاً بارزاً لاستراتجية المؤتمر الوطني وهو الذي جر السودان إلى مواجهات مع القوى المعارضة وخاصة الحركات المسلحة في دارفور إلى العناد والتعنت عن إلقاء السلاح، وهو أيضاً الذي دفع البلاد دفعاً إلى أن تصبح مهاداً للقوات الأممية. فلولا هذا الخطاب الغارق في الغطرسة والعنترية لما انفصل جنوب السودان، ولما استمرت أزمة دارفور قابعة في أمكنتها الكئيبة، ولما امتشق الحلو وأتباعه المارقون السلاح وروعوا الآهلين وأذاقوهم مرارة الحياة. ويذكرنا التاريخ بأن الرئيس البشير قد أقسم مراراً بألا تطأ أقدام القوات الدولية أرض دارفور. ورغماً عن ذلك فقد انتشرت في دارفور طبقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1769 بعثة أممية مشتركة من القوات الدولية، والقوات الإفريقية قوامها 23 ألف جندي، و4000 آلاف موظف مدني. لا يوجد أحد يماري ويجادل بأن البلاد غير مستهدفة من المجتمع الدولي قاطبة، والذي أفضت مؤامراته إلى انشطار القطر الشاسع، وإلي تغذية الصراع وبؤر النزاع التي طوقت البلاد بسياج ناري ما زال يتضرم ويتفاقم. السودان بحاجة إلى خطاب جديد في الداخل يوحد ولا يفرق، وإلي خطاب للخارج يستلهم من الماضي دبلوماسية شعرة معاوية ومن الحاضر استحضار تعقيدات الكوننة وخباياها المكنونة. إننا حقاً أمام أوضاع مأساوية تماثل الريح الصرصر التي قال فيها جون ميلتون في رائعته الفردوس المفقود: تتقد زمهريراً حتى أن البرد القارس ليفعل فعل النار .

559

| 23 أغسطس 2011

خسوف الاستبداد وسوء الخاتمة

لو أدرك الحكام العرب وخاصةً المستبدين منهم أن خاتمة عهدهم ستكون مثل مصير الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، ممدداً على سرير طبي متحرك خلف القضبان الحديدية، لنبذوا حكم الفرد، والحاكم المطلق الملهم المتجبر والمتسلط، ولما أقدموا على قهر وقمع وقتل شعوبهم وإذلالهم، ولما اتخذوا من الفساد والإفساد ديدنهم في فن السلوك السياسي، لانتفضوا مسرعين إلى إطلاق الحريات وبسط العدالة والمساواة والشورى والشرف والنبل، وغيرها من جلائل الأعمال التي تجعل من الحاكم محبوباً ومهاباً. مثول الرئيس المنحى حسني مبارك أمام محكمة جنايات القاهرة في مقر أكاديمية الشرطة بالقاهرة يمثل مشهداً مؤثراً وعبرة لمن يعتبر.. فالرئيس الذي كان يحكم بقبضة حديدية قبل عدة أشهر يحاكم الآن بمواجهة 10 اتهامات بقتل المتظاهرين و11 بالفساد المالي. حضر مبارك إلى المحكمة من مستشفى شرم الشيخ بواسطة طائرة طبية، وأدخل قفص الاتهام الموحش.. ونادى القاضي على مبارك فرد قائلاً: "أفندم أنا موجود" وحين سأله القاضي: ما قولك في التهم المسندة إليك التي تلاها قرار الاتهام؟ رد مبارك بقوله: "كل هذه الاتهامات أنا أنكرها كاملة"، الرئيس المخلوع مبارك ليس الرئيس العربي الوحيد الذي واجه ظروفاً مماثلة تجسد على نحو مخز سوء الخاتمة، على الأقل في الحياة الدنيا، فالرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، ألقت القوات الأمريكية القبض عليه مختبئاً في حفرة هرباً من القوات الأمريكية ومما اقترفته يداه من بطش وتنكيل وتعذيب لبني وطنه، وبعدها تم إعدامه شنقاً وتشنيعاً ! وبعيداً عن الوطن العربي، فإن الرئيس العاجي لوران غباغبو المتشبث بالسلطة والذي رفض تسليم السلطة لغريمه الحسن وتاراه في انتخابات نوفمبر 2010، قد تم إلقاء القبض عليه واقتيد إلى محبسه ملوماً مدحورا. وبعيداً عنا، وما وراء البحار، فقد واجه الرئيس البنمي مانويل نورويغا مصيراً بشعاً حيث غزت الولايات المتحدة الأمريكية بلاده، ثم ألقت القبض علية وأودعته أحد سجونها المقفرة لقضاء فترة عشر سنوات من عام 1990 إلى عام 2010، لإدانته بتهم الاتجار بالمخدرات وتبييض الأموال. وتم نقله بعدئذ إلى فرنسا التي كانت قد حاكمته غيابياً بنفس التهم. والآن أصدرت فرنسا مرسوماً يقضي بترحيله إلى بلاده لمواجهة اتهامات تختص بحقوق الإنسان، وقد وعدت بنما من جانبها بتوفير زنزانة ملائمة لرئيسها الأسبق الذي يعاني من صعوبة في المشي! ومع كل هذه العظات والعبر، ترى كيف يكون مآل الرئيس اليمني صالح الذي اصطلى وجهه وجسده بحمم ونيران من أذاقهم مر العذاب وممررات الأذى والموت الزؤام؟ والعقيد الليبي الذي فقد أحد أنجاله في الحرب الضروس التي شنها بلا هوادة ضد شعب أعزل لا يروم إلا العدل والحرية والنماء. والأسد "الهصور" هل لا يزال يتسلى بمشاهد الدم المسفوك في: حماة وحمص ودرعا وبلدات وريف دمشق الصبورة؟ القرارات والمراسيم الرئاسية التي أصدرها الأسد مؤخراً لم تجده نفعا في ظل جحافل الجماهير السورية الهادرة التي تطالب بإسقاط ومحاكمة النظام. لقد أطلقت الثورات العربة آمالاً جديدة وواعدة في إصلاح الأنظمة العربية المستبدة التي أدت سياساتها الخرقاء إلى حرمان المواطن من أبسط ضرورات الحياة في عصر ما بعد الحداثة. ألم يحن الوقت للزعماء العرب الذين لا يزالون يقاومون تيار الثورات الجارف أن يتوبوا توبة نصوحا ويتضرعوا إلى المولى تعاظمت قدرته أن يلهمهم جادة الصواب وحسن الخاتمة؟.

653

| 18 أغسطس 2011

تراجيديا المسغبة العربية

المسغبة التي طوقت القرن الإفريقي بحزام ناري ملتهب من العوز والمجاعة والحرمان أدت وبصورة مفزعة إلى التنادي جهاراً للهرولة لإغاثة ومعالجة الأطفال الذين فقدوا البراءة والبراعة بعد أن صارت أجسامهم نحيلة ونحيفة لا تقوى حتى على مقاومة الأنسام الهفهافة. والحسان النضرات تحولت كل واحدة منهن من فداحة المجاعة إلى شمطاء وشائنة المنظر، أما الكهول فقد أمحت ملامحهم من الكلل وقلة الأكل. ونرى عبر شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي هرولة المجتمع الدولي المتمثل في المنظمات الإسلامية والإنسانية لتقديم المساعدات العاجلة لسد رمق الصوماليين المعوزين الذين تقطعت بهم السبل ووسائل الاستقرار، فالطائرات الهادرة والشاحنات المزمجرة التي حملت مواد الإغاثة على كثرتها لا تفي بالاحتياجات العاجلة التي يتطلبها واقع النزوح والفرار من الأوضاع الضاغطة. المسغبة التي أحاطت بالصومال لم تكن على حين غرة من الزمن الصارم، فإضافة إلى العوامل الطبيعية والمناخية التي تسببت في المجاعة، فإن أمراء الحرب كانت لهم اليد الطولى في الأوضاع المزرية التي عايشتها وتعيشها البلاد حالياً، إن ما تنفقه الصومال "الدولة الفاشلة بامتياز"على السلاح يقدر بمئات المرات على ما تنفقه على القوت! الصومال ليست الدولة الوحيدة في الوطن العربي التي تعاني من المسغبة، فمعظم الأقطار العربية تعاني مسغبة من نوع آخر مختلف ومخيف: إنها مسغبة غياب الحرية والعدالة الاجتماعية والطمأنينة النفسية. انظر إلى ليبيا التي حولها نظام العقيد العتيد إلى مقصلة لبني وطنه الذين أرادوا لبلادهم الحرية: حرية الرأي والتعبير الذي يؤدي إلى بزوغ دولة المؤسسات والحكم الديمقراطي وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء بدلاَ وعوضاً عن مرجعية الكتاب الأخضر الذي تحول بفعل الأخطاء والخطايا إلى كتاب كالح السواد! وسرح بصرك قليلاً في اليمن السعيد الذي تحول بأفعال وفعال صالح إلى يمن كئيب وطالح، وكل ما يريده الثوار لم يتعد عشق الحرية، ونشدان الحياة الكريمة، والحكم الراشد. وأرجع البصر مرتين إلى الأوضاع في سوريا تجد الرصاص يمزق أجساد الأطفال الطرية، والتعذيب يدمي قلوب العذارى وأفئدة الثكالى، وتزداد عجباً لعدد القتلى من ضحايا حرية الرأي الذين يزداد عددهم كل يوم بل وكل ساعة من نظام الأسد الذي تضاءل حجم الغابة التي يفرض سيطرته الضاربة عليها. وأصرف النظر عما يجري في تونس ومصر. فإن الثورتين الملهمتين لبقية الثورات العربية تعيشان لحظة مسغبة طاحنة: إنها مسغبة قرصنة واحتواء وسرقة الثورات. وأخيراً، وجه منظارك السحري إلى السودان الذي لم يعد بلد المليون ميل مربع، بل أصبح بلد المليون مشكلة ويمكن تلخيصها في مسغبة الحرية والوحدة. دارفور تتوجع وتتفجع، وجنوب كردفان تنوح، وجنوب النيل الأزرق يذرف دمعة حرى في انتظار طي ملف الانفصال الصارم. دعونا نستشعر روعة وعظمة شهر رمضان المبارك لنسرع الخطى لنجدة إخوتنا في الصومال، دعونا أيضاً أن ندعو إله تجلت عظمته أن يرفع عنا البلاء والغلاء، وجور وظلم الطغاة والمستبدين وأن يبدل المسغبة إلى نعيم إنه سميع عليم.

501

| 31 يوليو 2011

السودان وقيعان اللظى

بعد انفصال الجنوب، أضحى السودان يجوب عباباً لا قرار له من الخطوب والندوب التي أرخت سدولها على هامة وهالة الوطن، وتضافرت فيها مؤامرات زمرة من كلاب الجحيم التي لا تتوقف عن النباح المدوي وغيرها من ذرية من الخلوقات حديثة العهد بالسياسة فأحدثت قعقعة كهزيم الرعد القاصف التي أفقدت القادة نبراس الحياة وفراسة الحكم. علم إسرائيل الذي رفرف عالياً في فضاء عاصمة دولة الجنوب يمثل بعبعاً على الخوف والخيانة والخزي والعار: عار على الأمة العربية والإسلامية التي جعلت السودان ومقوماته الحضاري ومقدساته الإسلامية للنهب والسلب والتدمير والخراب للعالم الغربي وربيبته غير الشرعية الدولة العبرية المارقة على القوانين والأعراف الدولية، يحق للسودان أن يخشى التسارع الإسرائيلي بالاعتراف بدولة الجنوب وعزمها إقامة علاقات إستراتيجية لا تتوقف عند الدعم الاقتصادي، وإنما تتعداه لتصبح شوكة مؤلمة في خاصرة الوطن. وإذا ما ترك السودان وحلفاؤه الهلاميون جنية الليل الشمطاء "إسرائيل" تعربد في الجنوب فإن السودان سوف يصبح فلسطين جديدة يخوض الصعاب وحيداً في عتمة الليل الشاحب، وأشجان العالم الغارق في الفوضى والضباب الكثيف. كما أن إخوة الأمس من دولة جنوب السودان لم يشف غلهم وحقدهم انفصال دولتهم، بل عقدوا العزم على تحرير ما تبقى من السودان، وتبدى ذلك جليا في خطاب رئيس دولة الجنوب سلفاكير حينما أشار صراحة بأنهم لن ينسوا إخوتهم في جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، والسؤال العصبي على الإجابة هو: لماذا سمح أو يسمح السودان لما يسمى بالحركة الشعبية قطاع الشمال للعمل في الشمال وإطلاق عبارات التحريض النارية التي تدعو للفتنة والشاق والانشقاق؟ المشهد المؤلم في دارفور يزيد مشكلات السودان تعقيداً، فاتفاقية سلام دارفور التي تم التوقيع عليها مؤخراً في العاصمة القطرية الدوحة رغم أهميتها إلا أنها لم تضع حلا نهائيا للأزمة، وفي انتظار لحاق حركات: خليل إبراهيم، وعبدالواحد نور، ومنى مناوي، فإن قطار السلام الهويني يسير الهويني ما لم تعترضه شبكات التآمر وما أكثرها! لقد أدى انفصال دولة الجنوب إلى تداعيات اقتصادية لا يمكن تجاهلها أو تناسيها، فمع فقدان عائدات البترول، أضحت أوضاع المواطنين في حالة أقرب إلى الكفاف: فالغلاء الفاحش انعكس بصورة مباشرة على تدني الخدمات ومستلزمات الحياة اليومية البالغة السوء.. والعكارة! إن المرحلة الحالية التي يمر بها السودان تتطلب من المؤتمر الوطني أن يدرك حجم المخاطر المدوية التي يواجهها السودان، وأن يعمل بسرعة فائقة على إعادة هيكلة الدولة، وتكوين حكومة ذات قاعدة عريضة تضم جميع الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني، وجميع القوى الفاعلة في المجتمع. أملاً في إنقاذ السودان إنقاذاً حقيقياً من دوامات الرياح الهوجاء، والسحب الدكناء، وضنك الحياة، وقيعان اللظى المتأجج.

397

| 24 يوليو 2011

السودان: والحزن البهيج

من رحم الخلود، ومن أحشائه الحانية يتأتى ميلاد دولة جنوب السودان بعد غدٍ السبت إيزاناً بميلاد دولة وسطوع نجم أمة في فضاءات ملبدة بالامتحانات والمشكلات والتحديات العصيبة.. ويطلب واقع الحال على الفاعلين السياسيين الجنوبيين إبصار الواقع بمنظار يحقق لهم الانطلاق برؤى ثاقبة، وعقل مستنير ووجدان مرهف، لبناء دولة تتبنى نهجاً ديمقراطياً تشاركياً، يقصي مظاهر الشمولية، ويقضي على مظاهر الشتات في بلد تتعدد فيه الكيانات الإثنية المتنافرة.. وفي المقابل فإن السودان الذي تقلصت مساحته، وتناقص عدد سكانه تعتمل في دواخله جملة من الابتلاءات والمكابدات وشبكات المكر والدهاء الداخلي والخارجي الخؤونة للعهود والمواثيق والأعراف.. مما يحتم توحيد الجبهة الداخلية والتراضي لأسلوب وفن السلوك السياسي الجديد الذي يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يفتت، يصون ما تبقى من وحدة التراب ولا ينثر الغبار والرماد في عيون الشعب الصامد والصابر. الدولتان بحاجة ماسة إلى الإقرار والاعتراف بأن فن حسن الجوار ونبذ الخصام يمثلان الضمانة الأساسية لاستمرار الدولتين على الحياة الحرة والكريمة، بعيداً عن إضمار الضغائن، ونصب الشراك للخصم الذي كان شريكاً في الاتفاق الذي أفضى إلى انفصال الجنوب بعد مضي أكثر من نصف قرن على المداولات والمؤتمرات والملتقيات والمنتديات التي ملأت الأضابير بالصحائف البيض والسود. حسن الجوار يعني ضمن ما يعني إبرام الاتفاقيات والمعاهدات التي تحقق للدولتين المعنى إلى الأمام دون النظر إلى الماضي وتداعياته السالبة. حسن الجوار يعني استلهام البعد الثقافي وآصرة التآخي بين شعبي البلدين التي لا يمكن أن يفصم عراها رسم الحدود الجغرافية، أو إصدار جوازات سفر تؤكد هوية المنتسبين للدولة في الشمال أو الدولة في الجنوب. حسن الجوار يعني المضي قدماً في حل المشكلات العالقة: أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، وجميع مناطق التماس على الحدود المترامية الأطراف، وغيرها من المشكلات التي ترمي بثقلها على تداعيات الانفصال.. دولة الجنوب التي تفتقر إلى البنيات الأساسية، والخدمة المدنية، والكوادر المدربة هي بحاجة ماسة إلى شمال السودان وخبراته العريقة في هذه المجالات.. وهي أيضا بحاجة ماسة إلى السودان في دعم استقرارها خاصة أنها تعاني من المهددات الأمنية المريعة. وشمال السودان تتجاذبه المشكلات من كل حدب وصوب: القضايا الاقتصادية الخانقة المتمثلة في نقص الموارد، وزيادة الأسعار والقضايا الأمنية العتيقة في دارفور وفي أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق مرشحة أيضاً لمزيد من الانفجار ما لم يتم استلهام حسن الجوار، وكبح جماح الحركة الشعبية من دعم ما أسمته ثورة المهمشين. الاحتفاء بانفصال الجنوب ورفع راياته الخفاقة في العاصمة جوبا يمثل حزناً بهيجاً مثل زهرة اللافاندر "البنفسج" التي ترمز إما إلى الحزن البهيج، أو الفرح الحزين.

369

| 07 يوليو 2011

الأنظمة العربية وديانة الإبادة

في الحطام المتناثر لأنظمة الاستبداد في الوطن العربي الذي خلفته الثورات العربية المجيدة من ناحية، واستمرار الأنظمة القمعية في قتل الشعوب وتدمير الإرادة الناهضة نمت ديانة جديدة هي ديانة إبادة الشباب والشيوخ والنشامى بلا هوادة، وبلا ضمير حي، أو عقل حالم أو وجدان حاني. الأنظمة العربية في ليبيا، واليمين وسوريا وغيرها، لا تؤمن بديانة السلم والسلام، وإلا لماذا بلغ عدد ضحايا وشهداء القمع المنظم إلى الآلاف، مع إصدار لم يبلغ مداه قتل الصراصير والحشرات الضارة؟ والأنظمة المستبدة لا تؤمن أيضا بأيديولوجية الديموقراطية وحقوق الإنسان.. ولهذا فإنها نظرت وتنظر إلى الجماهير الثائرة بأنها مجرد نباتات طفيلية يتوجب بترها وإزاحتها لكي تتيح لنباتات وأشجار الزقوم أن تترعرع وتنمو على حساب المواطن الثائر الذي يطالب بإزاحة الباطل من الأرض العربية العامرة. كما أن الأنظمة العربية الديكتاتورية لا تؤمن إلا بدك حصون الشرفاء دكاً دكاً.. وعوضاً عن ذلك استعاضت عن الشرفاء بفلول المنتفعين والفاسدين، ومروجي ديانة العنف والقتل المبرمج.. وتبعاً لذلك نمت طبقة جديدة في بيئات الفساد الخصيبة.. تمجد ديانة الإبادة الجماعية وتحتقر كل مبادرة جديدة ترنو إلى إعمال العقل، وإبصار الواقع الجديد لأمة ديانتها هي الإسلام السمح، والسلم المتسامي. إنها أنظمة سعت بكل السبل والوسائل إلى إنشاء الأوضاع الراهنة النتنة التي تزكم رائحتها أنوف الأحرار على حاضر ومستقبل الأمة الوارف، ولم يكن بمقدور الأنظمة المستبدة أن تستجيب لنداءات وتطلعات الشعوب المطالبة بإسقاط الأنظمة وإبدالها بأنظمة ديمقراطية تؤسس لإقامة نظام ترضيه الشعوب التائهة وإيجاد ملاذ آمن يحقق التداول السلمي للسلطة، وبسط الحريات، وإعلاء قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الإنسان المهترئة في كل شبر من أصقاع الوطن العربي المترامي الأطراف. وكان نتيجة لإدمان حكم الفرد، والحزب الواحد، والطغمة المنتفعة وسارقي قوت الشعب وإرادة الأمة، أن أصبح الصومال مضرب الأمثال للدولة الفاشلة.. وأضحى العراق بلا أفق، ولا مستقبل، ولا قياس.. وأمست ليبيا مهاداً صارخاً لحكم الفرد المتغطرس الذي ينوي الاستمرار في قتال شعبه ومن يناصرهم حتى يوم القيامة. وبات نظام العقيد صالح في اليمن بؤرة متقدة لإحراق الشعب باللظى الذي أحرقت ألسنته الملتهبة العقيد وفروة رأسه التي علاها الشيب. وفي رونق ظهيرة كل يوم يلقى العشرات حتفهم في سوريا، على يد قوات الأسد والشبيحة ومن سار في ركابهم. إنها ديانة الإبادة التي تمجد أصنام الحكم في الوطن العربي التي لا يسعفها بعد اليوم أن ترتدي مسوح التقوى لطرد الأرواح الشريرة.. إنها تقوى زائفة لا تقوى على إبادة الشعب بأكمله.. لأنه حتى ولو ظل طفل واحد على قيد الحياة فإنه سيهتف من أعماقه المكلومة "الشعب يريد إسقاط النظام".

654

| 26 يونيو 2011

الروح المقسمة والعالم المتصدع

اقتربت ساعة انفصال جنوب السودان، ومع اقترابها تكاثرت التداعيات والصراعات والمحن والخطوب، ومع كل ذلك يظل المؤتمر الوطني – الحزب الحاكم – ممسكاً بجميع الخطوط والخيوط، ويسعى بطاقته الروحانية، وطاقية الخفاء مواجهة الموج العتي الذي أفرزته لجج الانفصال في الجنوب، ودوامة الثورات البركانية في جنوب كردفان، والأمطار الحمضية في النيل الأزرق والعاصفة الرمادية، في دارفور التي لا يعرف منتهاها. والسؤال الآن كيف يستطيع المؤتمر الوطني أن يجابه ويواجه كل هذه الصواعق والعواصف منفرداً، دون إشراك قوى المعارضة، والحادبين على استقرار الوطن وأمنه وسلامه وسلامته؟ فمنذ أن بدأ العد التنازلي للانفصال قبل ستة أشهر – وحتى الآن – ظل المؤتمر الوطني يمطر الساحة برذاذ إشراك المعارضة في الحكم، وتكوين حكومة قومية، أو ذات قاعدة عريضة.. وحتى الآن لم يتحقق من ذلك الوعد أو العهد إلا الخطاب الاستعراضي المنمق حول الحكومة المزعومة. فما الذي أعاق أو حال دون تكوين حكومة ذات قاعدة عريضة تعني بإيجاد حلول عاجلة للوطن الممزق؟ الإجابة في غاية البساطة، إن المؤتمر الوطني لا يعتبر جسدا واحدا، ولا يمثل في مطلق الأحوال رأيا موحدا، فهناك الصقور ذات المخالف الجارحة، وهناك صقور نزعت مخالبها طوعا للانسجام والتوافق مع البيئة الجديدة، كما أن هناك حمائم استعارت مناقير حادة ومخالب لا يستطيع المروضون انتزاعها عن طريق التخدير والبنج الموضعي. المؤتمر الوطني – عاسر الحظ – كان قدرة أن تأتي حقبة الانفصال في عهده الكئيب. فاتفاقية السلام الشامل التي تم التوقيع عليها في الضاحية الكينية نيفاشا، تم التوقيع عليها على عجل دون التبصر في حواشيها المترهلة، وحاشيتها المبطنة. ما يعانيه السودان حاليا يمثل نتاجا طبيعيا لاتفاقية نيفاشا التي لم تكن محكمة الصياغة، أو تمت صياغتها وفقا لنظرية المؤامرة المتعادلة. وما حدث في أبيي، وفي جنوب كردفان، يمثل ليس فقط تطاولاً أو تآمراً من الحركة الشعبية، وإنما أيضا للثقوب الموجودة في الاتفاقية سيئة السيرة. ومن جهة ثانية فإن الحركة الشعبية المزهوة باقتراب ساعة الانفصال لم تتوان في نصب الفخاخ للمؤتمر الوطني، والتحرش به لكي يقع فريسة سهلة للمجتمع الدولي النتن، والمتربص دوما بالسودان وسياساته التي يراها بمنظار واحد هو الانقضاض عليه عن طريق البند السابع لمجلس الأمن الدولي. اتفاقية نيفاشا اللعينة، دحرجت الأعلى إلى أسفل أكثر من رفعها الأسفل، كما حولت المزايا إلى لعنة كبيرة ظللنا نشهد مشاهدها المريعة في الآفاق القريبة والبعيدة على حد سواء. وتولد لدى الشعب السوداني بصفة جامحة الشعور بضرورة توحيد الجبهة الداخلية وتكوين حكومة ذات قاعدة عريضة وبصفة عاجلة، لإمكان ما يمكن إنقاذه من المكائد التي تحيط بالسودان الذي أضحى روحاً مقسمة في عالم متصدع.

428

| 19 يونيو 2011

حيارى في زمن المحارق

قدم السودان الذي يتوشح بالسواد – حالياً – نموذجين أبيضين ناصعين لفن السلوك السياسي، والزهد عن السلطة استجابة لصيحات الجماهير المدوية المطالبة بالتنحي عن سدة الحكم.. وبالمقابل نشهد الآن ثلاثة مشاهد شائنة لفن السلوك السياسي المشين في الساحة العربية التي ظل حكامها الطغاة يتلهون بجماليات التعذيب والقتل المبرمج لبني أوطانهم، طمعاً في الحفاظ على السلطة، ولو أدى ذلك إلى إبادة الشعوب عن بكرة أبيها. النموذج الأول قدمه الفريق إبراهيم عبود في ثورة أكتوبر 1964، حينما أطل من شرفة مكتبة، أو نافذة سيارته على حسب بعض الروايات وقال لمن كان معه ما الذي يجري؟ فقال له إن الجموع المحتشدة تطالب بتنحيكم عن السلطة.. فرد الفريق عبود قائلاً: طيب إذا كان كل هؤلاء مش عايزنا نحن قاعدين ليه؟" وعلى الفور خاطب الفريق عبود جماهير الشعب السوداني في خطاب إذاعي فريد معلناً تسليم السلطة للشعب.. علماً بأنه سقط شهيد واحد في ثورة أكتوبر هو أحمد القرشي طه. والنموذج الثاني قدمه الفريق سوار الذهب عندما تسلم رئاسة الحكومة الانتقالية التي أعقبت حكم الرئيس نميري 1969 – 1985، لقد التزم الفريق سوار الذهب بتسليم السلطة الانتقالية بعد عام واحد.. وفعلاً التزم بما قال رغماً عن النداءات الداخلية والخارجية بضرورة استمراره في الحكم إلى أن تتهيأ الظروف الملائمة لتطبيقات الديموقراطية. المشاهد العربية الحالية تدعو للحسرة والأسى: فالرئيس الليبي معمر القذافي ماض في قتل شعبه بصورة مرعبة ومعيبة.. ولم يستجب لنداء الضمير ولا لمقتضيات الحال.. كما لم ينحن لعاصفة حلف "الناتو" ولا لمجاهرات الثوار، وعوضاً عن ذلك ظل يعزف على طبل أجوف بألحان نشاذ تشنف أسماع الجن، وليس البشر. وعلي صالح الجريح، تسلم ابنه سدة الحكم بتوريث – افتراضي – ولم يكن بمقدور نائب الرئيس اليمني – المنزوع السلطات – أن يوقفه.. وبالمقابل فإن الثورة اليمنية التي عمت كل الأصقاع لن تتوقف حتى ولو عاد الرئيس اليمني من مشفاه الأخير. وفي سوريا، ورغماً عن سقوط ما يناهز الألف قتيل، فإن الرئيس الأسد لم يتقن لعبة الحيوان التي سطرها ميكافيللي: لأن زئير بشار الأسد لم يرعب الذئب الأشهب.. وأنه لم يجد لعبة الثعلب لنصب الفخاخ لمعارضيه، لأن الفخاخ التي نصبها أضحى هو ضحية لها. ونحن نجد أنفسنا حيارى في زمن المحارق التي أعدت ونفذت بإحكام لإبادة المناضلين، وعشاق الحرية، فانعدام الحرية كان السبب الأساسي في اندلاع ثورات الربيع العربي. وأن فقدان الحرية يؤسس للطغيان والجبروت والتسلط، ويعتبر بيئة خصيبة لتفريخ الفساد والإفساد، والظلم، وازدراء الكرامة الإنسانية. أحد أسباب الحيرة المعيارية هي أنه لا أحد في عالمنا العربي يود تكرار تجربة التدخل الأطلسي في ليبيا في بلد عربي آخر.. كما أنه لا يوجد أحد يمجد مقاربات الحذلقة باستمرار أنظمة فقدت شرعيتها ومشروعيتها شعبياً، ومحلياً، ودولياً.

470

| 12 يونيو 2011

رهانات وثيقة سلام دارفور

يشكل قبول أصحاب المصلحة في دارفور لوثيقة السلام التي تم التوصل إليها مؤخراً في العاصمة القطرية الدوحة بارقة أمل متوهجة، وعلامة مضيئة بومضات التفاؤل النضير في إنهاء أزمة الإقليم التي ظلت تراوح أمكنتها الكئيبة منذ عام 2003. ويختبئ في ثنايا ذلك التفاؤل سناريو آخر محزن ومخز، يتمثل في نائب حركة تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور الذي ارتبطت حركته بالدولة العبرية، وجناح مني أركو مناوي الذي آثر نفض يديه من اتفاق أبوجا، وتنازله عن منصب كبير مستشاري رئيس الجمهورية ليتخذ موقفاً متناقضاً مع ذاته، ومع ضمير إقليمه الموحد الآمال، والمبعثر الرؤى. مؤتمر أصحاب المصلحة الحقيقية في دافور الذي التأمت جلساته في الفترة من 27 إلى 31 مايو الماضي، أفضى إلى قبول وثيقة السلام التي أعدتها الوساطة، وعبر المشاركون في المؤتمر عن قبولهم للوثيقة باعتبارها تمثل أساساً متيناً للسلام، كما التزمت الأطراف بالعمل على هذا الأساس للتوقيع على اتفاق السلام الشامل في وقت لاحق. لقد بذل الوسيطان: أحمد بن عبدالله آل محمود وزير شؤون الخارجية القطري، وجبريل باسلوي، الوسيط المشترك للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، جهوداً مضيئة وشاقة وعسيرة لتجسيد الفجوة بين أصحاب المصلحة في دارفور والحكومة السودانية في مسعى جاد لإنهاء أزمة الإقليم المتمثلة في الحرب وتداعياتها المريعة في النزوح واللجوء وعدم الاستقرار. وإذا كانت وثيقة السلام قد أنهت نقاط الخصام والاختلاف، لماذا لا تزال حركتا عبدالواحد ومنى مناوي تنظران إليها شذراً؟ لعل جل نقاط الاختلاف تتمثل في: اعتبار إقليم دارفور إقليماً واحداً، واعتبار مبدأ تعويض المتضررين بالحرب، وتخصيص منصب نائب للرئيس من دارفور؟ و فيما كانت المفاوضات تأخذ مساراتها في الدوحة لمناقشة هذه القضايا، أقدمت الحكومة السودانية على طرح مشروع جديد يرمي إلى تقسيم الإقليم إلى خمس ولايات بدلاً من الولايات الثلاث الحالية. إننا نأمل أن تكون وثيقة الدوحة قد أقفلت أبواب الخلاف بإحكام سداً للذرائع التي يستند إليها المعارضون والمنشقون.. خاصة أن وثيقة السلام قد تم القبول بها من قبل الحكومة السودانية، وحركة العدل والمساواة، وحركة التحرير والعدالة، و400 شخص من دارفور ستكون قطاعات ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة والنازحين في الإقليم. لقد أدت أزمة دارفور إلى تداعيات سريعة من النزوح واللجوء والتشرد، وتكالب المنظمات الطوعية بالهرولة إلى الإقليم سعياً للمساعدة على الاستقرار.. ففي أوج عمل المنظمات الطوعية، بدا واضحاً أن بعض تلك المنظمات ظلت تعمل للتنصير والتبشير بالمسيحية.. ويا للهول أين يتم ذلك؟ إنه في دارفور التي يوجد بها أكثر حفظة للقرآن الكريم في السودان، وربما في القارة. إننا ندعو الحركات الدارفورية المتمردة التي لاتزال تتشدق بالمطالب والاستحقاقات التعجيزية، والخطاب الحربائي الملون، أن تضع نصب أعينها وضميرها معاناة المواطنين وتشرد الأطفال وحرمانهم من مقاعد الدراسة، وفقدان طفولتهم البريئة. وإلى عويل الأرامل والثكالى اللاتي فقدن أزواجهن في هذه الحرب اللعينة، وإلى الشيوخ الذين لا حول لهم ولا قوة، وإلى مستقبل الإقليم وضرورات استقراره وتنميته واستقراره. إن الآمال والطموحات لاستقرار دارفور من دون الاتفاق الشامل وانضواء جميع الحركات تحت لواء واحد وموحد، لأن نزعات التمرد والارتماء في أحضان تجار الحروب وسماسرة الفتن لا ينبغي أن تستمر إلى أبد الآبدين.. لأن الرهان على الانتظار مفترس كبير للطاقة والزمن.  

374

| 05 يونيو 2011

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

1983

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
قمة جماهيرية منتظرة

حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي...

1380

| 28 ديسمبر 2025

alsharq
الانتماء والولاء للوطن

في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...

1143

| 22 ديسمبر 2025

alsharq
الملاعب تشتعل عربياً

تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في...

1080

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

1071

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

885

| 25 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

666

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
مشــروع أمـــة تنهــض بــه دولــة

-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...

648

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
احتفالات باليوم الوطني القطري

انتهت الاحتفالات الرسمية باليوم الوطني بحفل عسكري رمزي...

558

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية...

531

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
التحول الرقمي عامل رئيسي للتنمية والازدهار

في عالم اليوم، يعد التحول الرقمي أحد المحاور...

510

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
أول محامية في العالم بمتلازمة داون: إنجاز يدعونا لتغيير نظرتنا للتعليم

صنعت التاريخ واعتلت قمة المجد كأول محامية معتمدة...

477

| 26 ديسمبر 2025

أخبار محلية