رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الحق سبحانه وتعالى خلق الإنسان واستخلفه في الأرض يكد ويعمل فيها سعيا لتعميرها مما يلزم على الإنسان الاهتمام بالوقت والاستفادة من الزمن حتى لا يضيع عمره هباء منثورا، فقد جعل للإنسان وقتا محددا وعمرا معدودا وحثه على أن يستغل أوقات عمره في طاعة الله تعالى وتنفيذ شرعه، وإن في انقضاء الأيام ومرور الأعوام عبرة للإنسان بأن هذه الدار فانية وأنها سريعة الانقضاء وقريبة الزوال، فعلينا أن نبادر بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان وأن نحذر التسويف حتى لا يكون ندما وخسرانا في يوم لا ينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم, فأيام الله تعالى دول، وها نحن بين طيات الزمن الذي يمر مر السحاب، وهذه نهاية عام وبداية عام جديد والإنسان بين ذكريات وذكريات، ولكن هل أدرك المسلم قيمة أوقاته وأيامه؟ أما إنها أيام تمر وسنوات تعد ولا ندري أنعد الأيام أم الأيام هي التي تعدنا الوقت من أجل نعم الله على الإنسان فهو عمره بأيامه وسنواته، وهو رأس المال الذي قد يؤدي به إما إلى الربح أو إلى الخسارة ويبادرني سؤال مهم، لماذا يجهل المسلم التاريخ الهجري؟ علما بأنه له ارتباط وثيق بالعبادات، حيث إننا نصوم منه شهرا ونحج في شهر آخر، وللمسلم فيه ذكريات وعبر وأيام مباركة وتظلنا خلاله مناسبات دينية عظيمة، وفي مثل هذه الأيام يتذكر المسلم هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنها تمثل مرحلة مهمة وخطيرة في حياة الدولة الإسلامية، ونحن نغتنم مثل هذه المناسبات لنقف من خلالها على أهم الدروس المستفادة، وذلك لأن الله لم يشرع أو يأمر بشيء لينتهي بانتهاء وقته، فسبحانه وتعالى يسوق إلينا الأمور لنقف عندها ونتدبر في أسرارها ومعانيها ولنستفيد من كل الجوانب العطرة في السيرة النبوية الشريفة.ففي أيام الهجرة ذكريات لا يمل حديثها ولا تسأم الآذان من سماعها، بل ترتاح النفوس وتطمئن القلوب عندما تعي بكل حكمة وتدبر خطوات الحبيب في سبيل بناء أمة تكون لها الريادة بما تكتسب من إيمان راسخ وعقيدة سليمة، لذا فقد تحلو ذكريات السيرة العطرة إذا أعيدت وتكررت كما يحلو مذاق الشهد وهو يكرر، فإنها متعلقة بحياة محمد صلى الله عليه وسلم إمام البشرية وسيد ولد آدم فهي من الذكريات الغالية التي تتجدد آثارها وعظمتها كلما سلك المرء سبيله إلى الاعتبار والتذكر والعبد المؤمن، إذ يغشى معالم سيرته، فهو كعابد يغشى مصلاه، ومن حسن حظ المؤمن أنه ما قلب سيرة المصطفى يوما فأخطأ دمع العين مجراه وفي أيام النبي صلى الله عليه وسلم الجليلة تتألق غرة الزمان ولعل من أسطعها وأروعها هجرة المصطفى الذي تهب علينا نسمات ذكراها في كل عام من أعوام الزمن، ومن شواهد عظم حادث الهجرة أنه يزداد بهاء وسناء كلما تناوله المتحدثون بالحديث والكتاب بالكتابة، فهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم كانت فاتحة الأمل وبارقة النصر له ولأمته، فمنها يستقي المسلم بعض الدروس التي يستفيد منها في حياته فيستمد منها القيم والمثل العليا والآفاق التربوية التي تكون نورا يضيء له طريقه ومعبرا يوصله للجنة يقول الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) الأحزاب :21، فمع مدرسة الحبيب صلى الله عليه وسلم لنتعلم القيم والمثل والأسس السليمة التي قام عليها بناء المجتمع الإسلامي الذي استطاع أن ينير مشارق الأرض ومغاربها، وذلك من خلال هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وحسن التوكل على الله يقول الله تعالى: (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) آل عمران: 122 النبي صلى الله عليه وسلم ينشر النور في بقاع مكة وأرجائها ويبلغ رسالة ربه وقريش لم تزداد إلا عنادا وهجرا فيترصدون للمسلمين الضعفاء وينزلون بهم أشد انواع العذاب ونفس الحبيب تتقطع ألما على أصحابه، وتأتي اللحظات الحاسمة وينطلق لسانه إليهم بالفرار بدينهم إلى أرضا يأمنون فيها، بعد ان أعد لهم جوا مناسبا في يثرب ونجحت دعوة الإسلام في تأسيس موطن آمن لهم، فيقول لهم إن الله عز وجل جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها فينطلق الصحابة رضوان الله عليهم، ممتثلين أمر النبي صلى الله عليه وسلم، متوكلين على الله عز وجل تاركين بيوتهم وأموالهم وأهليهم فرارا بدينهم، فهم على استعداد لبيع الغالي والنفيس تلبية لنداء العقيدة يحسنون العمل متوكلين على ربهم يسيرون على نهج نبيهم يرجون من ربهم الرحمة في الآخرة والتوفيق في الدنيا، فكانوا خير الشعوب وكانت الأمة هي خير الأمم بما تتحلى به من أخلاق وقيم فيدخل الناس في دين أفواجا.
970
| 15 أكتوبر 2015
تعتبر المدرسة صورة مصغرة للمجتمع، وبما أن ثقافة المجتمع قد تشعبت وتعقدت ومتطلبات الحياة قد تزايدت، مما جعل المجتمع يعزز دور المدرسة ويرفع من قيمتها وينصبها وكيلة ونائبة عنه تقوم بتنشئة الأجيال وتطبيعهم بطباع المجتمع والحفاظ على قيمه وعاداته، فإن قوة المجتمع واستمراره لا تعتمد فقط على القراءة والكتابة وتعلم العلوم والفنون والإعداد لمعترك الحياة، إنما يعتمد ذلك الاستمرار وتلك القوة في البناء الاجتماعي على السلوكيات والاتجاهات والقيم التي تغرسها المدرسة في الناشئة لخدمة الوطن والمجتمع، والانتماء إليها والتضحية في سبيلها واحترام العادات والتقاليد والنظم والتعليمات التي يرتضيها المجتمع واحترام أخلاقيات الجماعة، فالمدرسة مطالبة بأن تعمل على التكيف الاجتماعي والثقافي للنشء، ليصبح هؤلاء الأفراد أعضاء عاملين ناجحين ومشاركين في نهضة مجتمعهم، وهى مطالبة كذلك بتوسيع دائرة معارفهم وثقافتهم ليستطيعوا القيام بالأدوار التي تنتظرهم في الحياة العامة.إن المظاهر الأولى للتنشئة الاجتماعية تبدأ وتترعرع في جو الأسرة إلا انها لم تعد تستأثر وحدها بتلك التنشئة في عالمنا المعاصر، مما أدى إلى الاهتمام بالتعليم عن طريق المدارس التي أوجدها المجتمع وأصبحت بناء أساسيا من أبنيته، أوجدها لتقوم بتربية أبنائه وتنشئتهم، حيث لا توجد أي مؤسسة اجتماعية أخرى تمتلك من الفرص ما تمتلكه المدرسة، مما يدل على أهمية دورها المهم في التنشئة الاجتماعية، فالإنسان يتميز عن غيره من الكائنات التي تعيش معه بأنه مدرك للقيم لهذا السبب وضع في مكانة سامية لا يصل إليها ولم يصل أي كائن آخر، فهذا الإدراك هو الذي أهله لتلك المكانة التي يتقلدها بالفعل وهو الحد الفاصل بينه وبين غيره من المخلوقات، والمجتمع السوي مجتمع يعيش أفراده في توافق وانسجام، وهذا أمر يمكن تحقيقه عن طريق تربية الضمير والتوعية الصحيحة بقيم الدين والأخلاق وبتضافر الوازع الداخلي مع الوازع الديني يكون بناء الشخصية السوية للفرد بناء متماسكا يجعل المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، فالهدف من تربية الأجيال هو إخراج جيل على منوال السلف الصالح متمسك بدينه وعقيدته الإسلامية وفق ضوابط ومعايير سليمة وصحيحة ليتم إعدادهم الإعداد المناسب الذي يبصرهم بدينهم، ويحميهم من كل مظاهر الغزو الثقافي الذي يسعى الأعداء لنشره في أوساط الجيل بهدف إخراجهم وإبعادهم عن عقيدتهم ونشر الرذيلة في أوساطهم، فإن أكبر تحد نواجهه ونحن نربي أبناءنا وبناتنا هو مدى قدرتنا على تربيتهم ليكونوا أفرادا صالحين في ذواتهم وأفكارهم ومشاعرهم سعداء وأصحاء جسديا ونفسيا، وأن نحميهم من الانحراف والجريمة والمخدرات وفقدان الهوية، إنها مهمة صعبة تتحدى كل تربوي وبخاصة في ظل ما يتعرض له الناشئة في عصر الانفتاح والعولمة من رسائل خارجية مسمومة متنوعة المصادر والألوان تعمل على هدم القيم الفاضلة التي نحاول زرعها، بل تعزز وترسخ القيم السلبية الفاسدة التي تقود الإنسان إلى الضياع والفشل وسوء الحال.فإنه لا يكمل دور المدرسة إلا بالتواصل مع المحضن الأول وهو الأسرة، فبالتواصل مع الأسرة توجد لنا عملية تكاملية في التربية ودور المدرسة مكمل لدور الأسرة، فالمدرسة تعمل على تأكيد المفاهيم الصحيحة التي تربى عليها الناشئة في الأسرة، لأن دور المدرسة لا يقتصر على التعليم فقط بل هو أكبر من ذلك، فدورها يشمل التربية والتعليم والتثقيف وتصحيح المفاهيم الخاطئة، ولهذا فإن على المدرس مراعاة دور المدرسة في تثقيف الناشئة وتربيتهم بما تقدمه لهم من خبرات منظمة ومتنوعة وأنشطة مختلفة، ومعلومات تغطى مختلف مجالات المعارف الإنسانية، كل ذلك في إطار فلسفة تربوية واضحة المعالم تستقي ذلك من الإطار العام لحياة المجتمع وأهدافه وحاجات التلميذ ومطالبه ومتطلبات العصر، فإن التعامل مع النفس الإنسانية يختلف كثيرا عن التعامل مع الآلة الصماء، لذلك كان توجيه الإنسان وتعليمه وتربيته على القيم والمثل وتقويم سلوكه يحتاج إلى الصبر وطول النفس وصدق العزيمة وأهمية التوجه لبناء أجيال صالحة تنفع نفسها وبلدها، فالمرء السوي هو الذي يسعى لرفعة شأنه وشأن أمته بطلب العلم والحرص على التعلم، فلا يدخر وسعا في الإحاطة بكل شاردة وواردة إن استطاع ويبقى دوما ينور عقله بالجديد من مستحدثات ذلك العلم بالمطالعة الدائبة والاطلاع المستمر في شتى ألوان العلم ومعارفه يكتسب العلم فيستفاد ويفيد ويكتسب المعرفة فيكون عنصرا فعالا في وطنه فينفع نفسه وينتفع به الناس من حوله فيرفعه ذلك إلى أعلى مراتب المجد والشرف وترتفع بارتفاع دعوته إلى الشأن الذي بلغه ما دام يمثلها في إخلاصه وجده ودأبه وما دام ينطلق من الروح التي أشاعها الإسلام في جو العلم إذ جعله فريضة يتقرب بها فاعلها إلى الله ويتخذ من العلم وسيلة لمرضاته مما يضمن عملية التواصل بين العائلة والدولة من اجل إعداد الأجيال الجديدة ودمجها في اطار الحياة الاجتماعية.
549
| 09 أكتوبر 2015
إن من ملامح الفكر الإسلامي الحق أنه فكر مستقبلي يرمق الصبح القادم ويأبى أن يحتبس في الحاضر أو يستغرق في الماضي؛ فالإسلام في مسيره لم يكن يخلو من تغيرات المستقبل وتغيرات الغد كما لم يكن استشراف المستقبل عند سلفنا ترفا فكريا عاشوه بل كان في نظرهم فرضا إسلاميا استجابوا له والتزموا به ولعله قد يكون من دواعي التفكير المستقبلي اليومي أن نتجاوز به حالات الإحباط والإخفاق التي تلف حاضرنا وتشل فينا كل رغبة في الحراك الحضاري الشامل؛ فالحياة دون هدف لا قيمة لها والهدف ما لم يكن ساميا وكبيرا يظل نائيا وبعيدا، فإن أصول التربية وقواعدها تهدف إلى تربية الإنسان الصالح الذي يقوم برسالته على الوجه الأكمل بحيث تجعله قادرا على التحكم في نفسه وضبط تصرفاته والحرص على احترام القيم الأخلاقية والمثل العليا التي يحيا لها ويحرص على الالتزام بها، وأن يكون خير قدوة للعمل الجاد القائم على الإصلاح والإخلاص الصادق، ويحرص على تلبية نداء الحق والخير وحماية المجتمع من عوامل الفساد والضعف والابتذال والتخلف، ويعمل على تطوير مجتمعه والدعوة إلى البناء والإصلاح والصدق مع النفس لكي يعيش الفرد حياته على جانب من الالتزام والمسؤولية بحيث يكون صادقاً مع نفسه ومع غيره ومع عمله ومجتمعه لا يخاف إلا الله.فتربية الأجيال لها عدة أطراف لا بد من أن تجتمع لتحقق هذا الهدف وهو إخراج الجيل الفريد وهذه الأطراف هي الأسرة والمدرسة والمعلم، فهذه هي العناصر والأركان الأساسية التي تقوم عليها قضية تربية وبناء الأجيال، وإن اختل أحد هذه الأركان أو ظهر القصور في أحدها أثر ذلك سلبا على عملية بناء وتربية الجيل المسلم، فالدين الإسلامي لم ترتفع على بقاع المعمورة رايته، وتعلو بين الأمم كلمته ويمتد على الأرض سلطانه وتنتشر في العالمين دعوته، إلا على يد هذه العصبة المؤمنة من الشباب الذين تربوا بين أحضان مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم ورضعوا من لبانها الصافي واستقوا من مناهلها العذبة فرقت قلوبهم وقويت شوكتهم وصفت نفوسهم، فأبناء اليوم الذين هم عماد المستقبل وأمل الأمة تراهم يتهافتون على مغريات الحياة الدنيا كتهافت الفراش على النار ولم يدر بـخلده أنـها ستحرقه، إنها مغريات كثيرة إحداها القنوات الفضائية الخليعة هـذه الفتنـة العظيمة وهذه البضاعة المنتنة يتسابق عليها بعض من الأبناء الذين ساءت تربيتهم وبعدت عنهم عين المتابعة والرقابة برغبة جامحة من أجل جسد عريان أو راقصة خليعة، أو نظرة محرمة ألم يعلم هؤلاء أنه غزو الفكر والعقل واستثارة الشهوات الكامنة لينتج عنها فضيحة المجتمع المسلم باتباع أدعيائهم من الغرب وتقليدهم ويصبحون هم قادتنا بعد أن كنا نقودهم وسادتنا بعد أن كنا أسيادهم، فلن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم.ولهذا اهتم الإسلام كثيرا بالتربية وحثنا على الاعتناء بالنشء والاهتمام بتربيتهم والحرص على تكوين الشخصية السوية وصياغة أفكارها وتهذيب سلوكها لتحقيق الأهداف المنشودة وإكسابها المهارات والخبرات اللازمة ومجتمعنا اليوم يمر بتحديات تحتم عليه أن يأخذ بكل أسباب العلم والقوة والعمل، وكم في ذلك من سعادة غامرة وبهجة تامة بحيث تبدو الحياة أمام الإنسان ناصعة مليئة بالسرور والارتياح والاطمئنان والرضا، فإن بناء الأجيال وتربيتهم أمر من الأمور المهمة في الحياة وهذه التربية لا بد أن تقوم على أساس قوي من المنهج السليم والعقيدة الصافية التي لا يخالطها أي شائبة، لأن التربية قضية من القضايا الجوهرية في الأمة ولا بد من توافر المربي المتمكن والناصح الأمين والناجح المدرك لأهمية المسؤولية وعظمها الذي يستطيع أن يصنع الأجيال وفق ما تفرضه علينا عقيدتنا ويقرره لنا ديننا، فالأسرة هي اللبنة الأولى في التربية والتي تقع عليها المسؤولية العظمى في بناء الأجيال وتخريجهم إلى الواقع، ولهذا فإن الله أمر أن يترحم العبد على والديه بسبب تربيتهما له وحين تربي الأسرة طفلها فإنها تشكل اتجاهاته وميوله وفق معايير معينة تقوم على أسس الدين ومنهج القرآن الكريم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لتعينهم على تكوين النظرة السليمة للحياة، وهذه التربية مقترنة بالتعليم الذي يصقل ملكات الأفراد وينمي مواهبهم بهدف تهذيب الأخلاق، وإبعادهم عن كل طرق الانحراف والضياع وهنا فإن على الأسرة أن تربي الأبناء على حب الله عز وجل والأدب معه ومع كلامه ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع كلامه وغرس ذلك في نفوسهم وتنشئتهم عليه، والمحافظة على شعائر الدين الظاهرة والباطنة، وجعلها من الأمور التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقصر عن أدائها أو يتنازل عنها.
836
| 01 أكتوبر 2015
إن الحق سبحانه وتعالى جعل أمة الإسلام خير الأمم فخصها بعبادات وقربات يخلص فيها العبد لربه فيسأله الجنة ويتعوذ به من النار عندئذ يتجلى الحق على عباده فيجعل لهم أيام خير وبركة خير في الطاعة وبركة في العمر والأولاد والأموال إنها أيام الله التي منَّ الله بها على عباده ليتزودوا وخير الزاد التقوى ويكفي هذه الأيام شرفا يوم عرفة الذي يتجمع الحجيج فيه على عرفات الله بلباس واحد هو لباس الإحرام في مقام واحد هو مقام العزة والإكرام ويوم النحر الذي يفرح فيه المسلمون بعيدهم الأضحى فينحرون قربة لله تعالى ويتوادون فيما بينهم ففي ظلال هذه الهداية ينضر العيش وتطيب الحياة ويهنأ الأحياء وأولى الخطوات نحو هذه الحياة الراشدة الهنيئة إيجاد الفرد المسلم الصادق الذي تتمثل فيه صورة الإسلام المضيئة المشرقة يراها الناس فيرون الإسلام ويتعاملون معها فيزدادون إيمانا به وإقبالا عليه، ومن هنا يزن أعماله بميزان مرضاة الله عز وجل فما رجحت به كفة هذا الميزان قبله وارتضاه وما شلت به الكفة أعرض عنه وجفاه وبذلك تستقيم مقاييس المسلم وتتضح أمام عينيه معالم الطريق المستقيم والسبيل القويم.إن فريضة الحج من الفرائض التي تظهر عظمة الإسلام والمسلمين الإسلام في عدله ورفقه والمسلمون في اتحادهم وترابطهم وتعاونهم، فالحج موسم عظيم تتجسد فيه وحدة المسلمين في أحسن مظاهرها وأبهى حللها، حيث تذوب الفوارق وتتلاشى الحواجز ويجتمع المسلمون في مشهد رائع يبعث السرور ويسعد النفوس ويبهج الأرواح، الناس سواسية لا فرق بين أبيض ولا أسمر و لا بين غني وفقير، فإن الاجتماع والاتحاد والاتفاق سبيل إلى القوة والبقاء، والتفرق والاختلاف طريق إلى الضعف والانهزام، وما ارتفعت أمة من الأمم وعلت رايتها إلا بالوحدة والتلاحم بين أفرادها وتوحيد جهودها والتاريخ شاهد على ذلك عندما يقف الحجاج يبتهلون ويتضرعون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك، فالعبد يتضرع والرب سبحانه وتعالى يقبل ويغفر فيقول الله لعبده لبيك وسعديك ارجع مأجورا غير مأزور فيرجع العبد كيوم ولدته أمه حقا إنها الأيام الطيبة، ففي الحج يجتمع المسلمون من أقطار الأرض حول البيت العتيق، البيت الذي يقصدونه بقلوبهم وأفئدتهم من خلال صلواتهم في بلادهم الشاسعة البعيدة، هم الآن يجتمعون حوله ويرى بعضهم بعضا يتصافحون ويتشاورون ويتحابون، خلعوا تلك الملابس المختلفة والمتباينة من على أجسادهم ووحدوا لباسهم ليجتمع بياض الثياب مع بياض القلوب فهو صفاء في الظاهر وصفاء في الباطن، إنها لحظات رائعة جميلة وهم يتحركون جميعا من منى، ثم يقفون ذلك الموقف العظيم يوم عرفة وقد اتحدوا في المكان والزمان واللباس.فهذه الأيام المباركة يوم عيد وفرح للمسلمين المسلمون فيها بين طائف ومعتمر وبين متصدق ومضحٍّ وبين ذاكر وشاكر ففي هذه الأيام ترتفع أكف الضراعة لرب البرية كل حسب استطاعته وما أجمل أن نضحي سائلين المولى أن يمن علينا بحج مبرور وذنب مغفور، فعلى صعيد عرفات يقف حجاج بيت الله الحرام ترتفع الأيدي والابتهال إلى رب البرية والمخلوقات عندئذ تسكب العبرات تضرعا لرب السموات وطمعا في الجنات وخوفا من النيران إنها حقا أيام مباركة ورحمة متنزلة ومنحة من رب جليل لخير أمة أخرجت للناس، فلقد جعل المولى سبحانه وتعالى للمسلمين في أيام دهرهم نفحات وأمرهم بالتعرض لعل أحدهم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا، فأمة الإسلام أمة واحدة جمع الله بينهم تحت مظلة واحدة وهي مظلة التوحيد لرب العالمين وتحت راية واحدة وهي راية الإيمان بالواحد الديان، فجعل لهم شعائر تجمعهم في صعيد واحد وهم يلبسون زيا واحد يناجون ربا واحدا، إنها إلف القلوب وتجميع الأبدان بألسنة تلهج بذكر الواحد الرحمن، فعندما طل علينا عيد الأضحى حيث نلمس مظاهر البهجة تعم البيوت والشوارع، ومهما كانت المبالغة في استقبال العيد لدى البعض إلا أن سمة الحب والتسامح تبقى هي الهدف الأسمى، فكم نتمنى أن يكون الهدف واحدا ألا وهو بداية مرحلة جديدة خالية من الأخطاء والسلبيات، وذلك لأن إقامة الأعياد ترتبط بغريزة وجبلة طبع الناس عليها فكل الناس يحبون أن تكون لهم مناسبات يحتفلون فيها ويتجمعون ويظهرون الفرح والسرور فهذه أعياد نسك جاءت بعد العبادة وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :(إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا) متفق عليه، كما ظهر جليا اختصاص المسلمين بهذين العيدين وهما من شعائر الله التي ينبغي إحياؤها وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها، لذا لا يستطيع المسلم إلا أن يكون صاحب رسالة في هذه الحياة وهي أن يكون الحكم لله وحده في شتى شؤون الحياة.
271
| 24 سبتمبر 2015
إن الأيام مراحل ينزلها الناس خطوة خطوة حتى ينتهي بهم إلى آخر سفرهم، والسعيد من اغتنم خيرها والبعيد من حرم استغلالها وفرط في حق نفسه وربه بتضييعها ولم يقدم لنفسه زادا، فالحق سبحانه وتعالى جعل لنا الأيام بين الناس دول فنعم أجر العاملين الذين تذكروا أيام دهرهم فعلموا أن الليل والنهار يحملان العبد إلى أجله، فما ترى من كل عاقل إلا التزود بطاعة الله تعالى طمعا في رحمته وخشية من عذابه يتزود ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فإننا في هذه الأيام المباركة وقد هل علينا هلال شهر ذي الحجة يذكرنا بالأيام العظيمة والفوائد الجسيمة التي يمنحها الله عز وجل لعباده المؤمنين، فمن فضل الله تعالى على عباده أن جعل هذه الأيام مواسم للطاعات يستكثرون فيها من العمل الصالح ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم ولم يجعلها تمر عليه مرورا عابرا، فعشر ذي الحجة أيام شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا وحثنا على العمل الصالح فيها ينبغي على المسلم اغتنام أيامه ولياليه في الإكثار من الطاعة والزيادة من الحسنات، فالعمل الصالح شجرة طيبة تحتاج إلى سقاية ورعاية واهتمام حتى تنمو وتثبت وتؤتي ثمارها، فمن علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله إنه يكرم عبده إذا فعل حسنة وأخلص فيها لله يفتح له بابا إلى حسنة أخرى ليزيده منه قربا وإن أهم ما يجب علينا الآن أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها فنحافظ عليها ونزيد عليها شيئا فشيئا للوصول إلى الثبات ولنحافظ على الاستقامة والمداومة على العمل الصالح.إن معرفة الله تعالى وطاعته أول طريق السالكين وبداية الخطى على الحق والطريق المستقيم، فالمسلم تواق شواق أي كثير الشوق والحنين يحن قلبه للطاعة فينشرح صدره بالقرب من خالقه وتطمئن نفسه بالشوق لجنة عرضها السموات والأرض فيزداد إيمانا مع إيمانه ويجدد العهد مع ربه فيعتصم بحبل الله المتين ويسير على صراطه المستقيم ويتبع نهج النبي الأمين، فيكثر من الذكر والاستغفار ويبتعد عن الذنوب والمعاصي والآثام، فإن الخالق سبحانه وتعالى أقسم بها وهذا وحده يكفيها شرفا وفضلا لأن العظيم لا يقسم إلا بعظيم (والفجر وليال عشر) وهذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها ويكثر من الأعمال الصالحة وأن يحسن استقبالها واغتنامها، فإن الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار فقد اختار من الأيام أياما جعلها مواسم خيرات وأيام عبادات وأوقات قربات وهي بين أيام السنة كالنفحات، فالرشيد السعيد من تعرض لها ونهل من خيرها، وعلم أن أجل الأعمال وأفضلها هو إحساس المرء بالعبودية لله تعالى وهذا يعني الافتقار المطلق إليه والاعتماد عليه في كل الأمور، والافتقار إلى الله تعالى أن يجرد العبد قلبه من كل الفتن والأهواء، ويقبل على العبادات متذللا مستسلما لربه متعلقا قلبه بمحبة الله تعالى وطاعته، فحياة المؤمن كلها صراع بين الحق والباطل والهدى والضلال، فإن هو استجاب للشيطان والهوى تردى إلى المهالك والخسران، وإن هو استجاب لداعي الحق والهوى ارتقى إلى أعلى الدرجات وكتب عند الله تعالى من السعداء الفائزين.فعلى المسلم الذي امتلأ قلبه بنور الإيمان أن يغتنم عشر ذي الحجة بكثير من القربات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه لأن الله يضاعف فيها الأجور، لذا يجب على كل مسلم الحرص على الاستفادة من أيامه ليعيش النفحات الربانية ألا وإن لكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها لعل أحدكم تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا، قال صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني الأيام العشر قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري، فاستفادة المسلم من هذه العشر يتحقق لمن رزقوا بالذهاب إلى الحج لما في الخروج لتأدية هذه الفريضة من الاستغراق الكامل في الطاعة والإخلاص منذ الخروج إلى العودة، فمن القربات التي يتقرب بها المسلم في مثل هذه الأيام المباركة كثرة الإنفاق وتلاوة القرآن وصلة الأرحام وصوم يوم عرفة والتقرب إلى الله بالأضحية فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها قال هي سنة أبيكم إبراهيم، قالوا وما لنا فيها قال بكل شعرة حسنة قالوا فالصوف قال وبكل شعرة من الصوف حسنة، وليكثر المسلم من التكبير في مثل هذه الأيام المباركة والإكثار أيضا من ذكر الله تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
539
| 17 سبتمبر 2015
1 — زاوية الأسرةإن المثلث التربوي أعني به تربية النشء ويقوم هذا المثلث على زوايا ثلاث أهمها زاوية الأسرة، فالأبناء هم النعمة التي وهبها الله لنا، لذلك جعل المال والبنون زينة الحياة الدنيا فأبناؤنا هم أملنا وأمل بلادنا وقوام مستقبلها وهم أمانة في أعناقنا وغرس أيدينا، فتقع على عاتق الوالدين مسؤولية عظمى وتلك هي مسؤولية الأسرة، فما نزرعه فيهم نجنيه منهم وما نربيهم عليه ونبثه فيهم من قيم ومبادئ أو نعلمه لهم من معارف وقناعات ومفاهيم يساهم بشكل لا يمكن لأحد أن يجادل فيه في تكوين شخصياتهم وتشكيل ملامحهم النفسية والسلوكية، فالأبناء يولدون صفحة بيضاء ينقشها الآباء والأمهات بفكرهم المستنير في التربية الصالحة، فالحياة بدون هدف لا قيمة لها والهدف ما لم يكن ساميا وكبيرا يظل نائيا وبعيدا، فإن أصول التربية وقواعدها تهدف إلى تربية الإنسان الصالح الذي يقوم برسالته على الوجه الأكمل بحيث تجعله قادرا على التحكم في نفسه وضبط تصرفاته والحرص على احترام القيم الأخلاقية والمثل العليا التي يحيا لها ويحرص على الالتزام بها، وأن يكون خير قدوة للعمل الجاد القائم على الإصلاح والإخلاص الصادق ويحرص على تلبية نداء الحق والخير وحماية المجتمع من عوامل الفساد والضعف والابتذال والتخلف ويعمل على تطوير مجتمعه والدعوة إلى البناء والإصلاح والصدق مع النفس.فلكي يعيش الفرد حياته على جانب من الالتزام والمسؤولية بحيث يكون صادقا مع نفسه ومع غيره ومع عمله ومجتمعه لا يخاف إلا الله، فإن ديننا الحنيف يعتمد في بنائه للمجتمع على افراد أقوياء النفوس ممتلئين بالعزم والقدرة على الثبات، فكلما كان الطابع الغالب على المجتمع طابع من تقوى لله تعالى وعلم تبنى به الأمة حياتها وعمل دؤوب يعمل على الإصلاح؛ كلما كانت شبكته الاجتماعية شبكة متينة الإحكام قوية الأركان متماسكة البنيان، فإن أبناء اليوم الذين هم عماد المستقبل وأمل الأمة تراهم يتهافتون على مغريات الحياة الدنيا كتهافت الفراش على النار ولم يدر بـخلده أنـها ستحرقه، إنها مغريات كثيرة إحداها القنوات الفضائية الخليعة هـذه الفتنـة العظيمة وهذه البضاعة المنتنة يتسابق عليها بعض من الأبناء الذين ساءت تربيتهم وبعدت عنهم عين المتابعة والرقابة برغبة جامحة من أجل جسد عريان أو راقصة خليعة ،أو نظرة محرمة ألم يعلم هؤلاء إنه غزو الفكر والعقل واستثارة الشهوات الكامنة لينتج عنها فضيحة المجتمع المسلم باتباع أدعيائهم من الغرب وتقليدهم ويصبحون هم قادتنا بعد أن كنا نقودهم وسادتنا بعد أن كنا أسيادهم، فلن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، ولهذا اهتم الإسلام كثيرا بالتربية وحثنا على الاعتناء بالنشء والاهتمام بتربيتهم والحرص على تكوين الشخصية السوية وصياغة أفكارها وتهذيب سلوكها لتحقيق الأهداف المنشودة وإكسابها المهارات والخبرات اللازمة، فالأسرة هي اللبنة الأولى في التربية والتي تقع عليها المسؤولية العظمى في بناء الأجيال وتخريجهم إلى الواقع، ولهذا فإن الله أمر على أن يترحم العبد على والديه بسبب تربيتهما له وحين تربي الأسرة طفلها فإنها تشكل اتجاهاته وميولاته وفق معايير معينة تقوم على أسس الدين ومنهج القرآن الكريم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لتعينهم على تكوين النظرة السليمة للحياة، وهذه التربية مقترنة بالتعليم الذي يصقل ملكات الأفراد وينمي مواهبهم بهدف تهذيب الأخلاق، وإبعادهم عن كل طرق الانحراف والضياع.فإن على الأسرة أن تربي الأبناء على حب الله عز وجل والأدب معه ومع كلامه ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع كلامه وغرس ذلك في نفوسهم وتنشئتهم عليه والمحافظة على شعائر الدين الظاهرة والباطنة، وجعلها من الأمور التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقصر عن أدائها أو يتنازل عنها، فإن من أهم القواعد في بناء الشخصية وصنع النجاح هو الثقة بالنفس والقارئ لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يلاحظ أنه قد عمل على صنع ثقة الشباب بأنفسهم فقد قام بإعطاء الشباب الكثير من المسؤوليات الكبيرة والمهمة مما أدى لزيادة الثقة بأنفسهم وتنمية إرادتهم، فمجتمعنا اليوم يمر بتحديات تحتم عليه أن يأخذ بكل أسباب العلم والقوة والعمل، وكم في ذلك من سعادة غامرة وبهجة تامة بحيث تبدو الحياة أمام الإنسان ناصعة مليئة بالسرور والارتياح والاطمئنان والرضا، فإن بناء الأجيال وتربيتهم أمر من الأمور المهمة في الحياة وهذه التربية لابد أن تقوم على أساس قوي من المنهج السليم والعقيدة الصافية التي لا يخالطها أي شائبة وتربية الأجيال لها عدة أطراف لا بد من أن تجتمع لتحقق هذا الهدف وهو إخراج الجيل الفريد وهذه الأطراف هي الأسرة والمدرسة والمعلم فهذه هي العناصر والأركان الأساسية التي تقوم عليها قضية تربية وبناء الأجيال.
3178
| 10 سبتمبر 2015
إن لكل شيء بداية فما ينتهي عام حتى يبدأ آخر، ويحتاج الطالب لسواعد قوية ونشاط جاد، واستعداد يكون قد اكتسبه بعد إجازة سنوية امتدت لشهور، فيدخل عامه الدراسي الجديد بابتسامة مشرقة، مدركا أن الله يرفع الذين أوتوا العلم درجات، فهو بسعيه وراء العلم ينال رضا الله ورضا رسوله، ويدخل جنات عرضها السموات والأرض، فمع دقات عقارب الساعة في الأيام الماضية من بداية هذا الأسبوع، ها نحن قد عدنا من إجازتنا الصيفية ونحن بين من هو محمل بالحسنات وآخر محمل بالسيئات، ومنا من أثقلت كاهله الهموم ومن هو فرح بهذه العودة، وها نحن نستقبل عامنا الدراسي الجديد، فطلب العلم يرفع من قيمة الطالب نفسه فهو بحرصه على تنمية عقله واستيعاب المزيد من العلوم يساهم في تطوير نظرة الآخرين له، فالجميع يحب الإنسان الملتزم الحريص المجتهد الذي يؤدي واجباته بإتقان وإخلاص ويسعى لفعل المزيد من خلال العطاء المتزايد، فربما تكون أنت متفوقاً بفضل قدرات وهبك إياها الله ومن خلالها تستطيع أن تعطي وتساعد من هم أقل منك قدرة في الاستيعاب. فمع قرع جرس الحصة الأولى من بداية العام الدراسي الجديد، يكون لنا هنا وقفات أردت أن نقفها جميعا لعل فيها ذكرى للذاكرين، وترتفع معها دقات قلوب الآباء من كثرة طلبات الأبناء وتوفير احتياجاتهم المدرسية، ومن ناحية أخرى فرط سعادة الآباء بأبنائهم الذين سيتوجهون إلى قاعات الدراسة، فأداء الأبناء للواجبات الدراسية يسعد الآباء لأن المرء يعلم أن الدرجات التي يرتفع بها العبد عند الله ليست كدرجات الدنيا وترقياتها، إنما يرفع الله المؤمنين بما علموا من أمور في دينهم وما استقاموا على أصوله والتزموا شرائعه، ولا يمكن للمرء أن يلتزم إلا بشيء قد جاءه العلم به، لذا حث الإسلام الناس على العلم والتعلم، وجعل الذين يعلمون أعلى درجة من الذين لا يعلمون، فكان الحث من نبينا صلى الله عليه وسلم على طلب العلم فقال "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة" وأمرنا أيضا بالجد في طلب العلم والحرص على التعلم فقال " اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد" فالإسلام رفع مكانة المتعلم فقال الله تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) الزمر:9، فدور المدرسة واضح وجلي في تثقيف الناشئة وتربيتهم بما تقدمه لهم من خبرات منظمة ومتنوعة وأنشطة مختلفة ومعلومات تغطى مختلف مجالات المعارف الإنسانية كل ذلك في إطار فلسفة تربوية واضحة المعالم، تستقي ذلك من الإطار العام لحياة المجتمع وأهدافه وحاجات التلميذ ومطالبه ومتطلبات العصر، فالمدرسة مؤسسة تربوية وتعليمية أنشأها المجتمع خاصة لتربية وتعليم صغاره، وكالة عن الكبار المشغولين في مشاغل الحياة، ونيابة عن المجتمع في نقل تراثه الثقافي إلى الصغار. وللمدرسة وظائفها الهامة في المجتمع، فإنك تجد فيها المتخصصين في مجالات العلم والمعرفة لتقوم بتلك الوظائف، ومن ثم فهي تبلور اتجاهات المجتمع وتعكس إطار حياته. فلقد كان المنهج النبوي يعتمد على إعداد جيل يفكر ويفهم ويبدع ولا يقف عند حد حفظه المسائل والمعارف ثم ينساها، بل كانت تربيته لأصحابه لونا آخر يختلف عن ذلك، ففي ميدان العلم علمهم الجد والاجتهاد، فهو الذي علم معاذا ماذا يفعل عندما أرسله إلى أهل اليمن وقال له "بم تحكم؟ قال بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال فبسنة النبي صلى الله عليه وسلم . قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله" وغير ذلك من المسائل التي تحتاج إلى قادة مفكرين مبدعين وليسوا عبيدا مقلدين فأين نحن من هذا اللون من التربية النبوية، فالمسلم الذي يسعى لرفعة شأنه وشأن أمته بطلب العلم والحرص على التعلم، وجب عليه أن يلتفت إلى اختصاصه فيهبه كل طاقاته ويمنحه جل اهتماماته، ويقبل عليه إقبال المسلم المعتقد أن عمله في دائرة اختصاصه فريضة فيرفعه ذلك إلى أعلى مراتب المجد والشرف، وترتفع بارتفاع دعوته إلى الشأو الذي بلغه ما دام يمثلها في إخلاصه وجده ودأبه، وما دام ينطلق من الروح التي أشاعها الإسلام في جو العلم إذ جعله فريضة يتقرب بها فاعلها إلى الله ويتخذ من العلم وسيلة لمرضاته، لكن بعض المربين اعتادوا على أن يكون دورهم قاصرا على إعطاء الأوامر ومراقبة التنفيذ، فالتعامل مع النفس الإنسانية يختلف كثيرا عن التعامل مع الآلة الصماء، لذلك كان توجيه الإنسان وتعليمه وتربيته على القيم والمثل وتقويم سلوكه، يحتاج إلى الصبر وطول النفس وصدق العزيمة، وأهمية التوجه لبناء أجيال صالحة تنفع نفسها وبلدها.
508
| 04 سبتمبر 2015
لقد اهتم الإسلام بالإنسان إعداداً وبناءً، لذا كرم الله الإنسان في القرآن الكريم وجعل ابن آدم أفضل الخلق فقال تعالى "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" الاسراء 61، لذلك تجد المسلم الصادق التقي الخلوق مهذبا دمثا مرهف الشعور لا يصدر عنه فعل قبيح يؤذي به الناس،بل تجده يحرص أشد الحرص على التحلي بحسن الخلق ونفع الناس وأن يكون كالنخلة التي يرميها الناس بالحجارة فترميهم بالثمار، فهو صاحب نفس راضية وقلب مطمئن، يطفئ لوعة المعصية بالتوبة والإنابة والخشية لله تعالى، يبهر العقول بأدبه الجميل وأخلاقه السامية التي حقا يقال عنها أنها أخلاق الرجال الذين يعطون لكل ذي حق حقه، فلا يطغى حق على اخر فلا يكون مفرطا في مسؤوليته وإنما يزن الأحوال بميزان الدين والإيمان،ويعتبر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله) رواه الترمذي، فقلوب الرجال متفتحة دوما إلى الاستغفار والإنابة مستروحة نسمات الطاعة والهداية، تعي قول ابن عباس رضي الله عنه: إن للحسنة ضياء في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق. قلوب الرجال الطاهرة تعي مقدار الطاعة وفوائدها وتخشى المعصية وتعرف شؤمها، لذلك تجد الرجل دائما يزن الأمور بميزان الأخلاق والإيمان ولا يقصر في حق أحد،لأنه يعلم أن ربط البواعث الخلقية بالإيمان بالله تعالى هي التي تميز الإنسان المسلم عن غيره، فيتحلى بالإخلاص العميق لله تعالى وبثبات هذه الأخلاق وديمومتها فيه،مهما تقلبت الأيام، وتغيرت الأحوال، ذلك بأنها صادرة عن وجدان حي مرهف يستحي من الخلق السيئ ويجتنبه، ويعلم أن الله عز وجل مطلع على الخفي من الأسرار فيستحي منه قبل حيائه من الناس المطلعين على الظاهر من أخباره، وهذا الحياء من الله هو مفرق الطريق بين أخلاق المسلم وأخلاق غير المسلم، فالحق سبحانه وتعالى جعل الدنيا مزرعة للآخرة وعنوانا لها ومنازل الناس فيها من السعادة والشقاوة على حسب منازلهم في الدنيا وتقربهم فيها بالإيمان والعمل الصالح، فابدأ كما ولدتك أمك حرا طليقا من أسر الهوى نظيفا من الذنوب والآثام ولا تكن مثل كثير من الجهلاء الذين اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه فعصوا أمره ونهيه،ونسوا أنه شديد العقاب وانه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين،فمن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند. فلا تكن سلبياً معه وتقول لنفسك إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت،ولكن لابد أن تكون لك وقفة مع نفسك،وتأخذك الحسرة على ذنوبك وتبكي عليها ليلك نهارك وتصحبك موجات من الندم وتبيت ليلك تتأوه حزنا وألما على ذنبك وتتضرع إلى الحكيم الخبير وتسارع إليه بالتوبة قبل فوات الأوان، ولا تجعل هذه النشوة المؤقتة تذهب بك إلى منزلق خطير وتطيش بك إلى منحدر سحيق حيث التمرغ بأوحال الخطايا والآثام فتنسيك نفسك وتفسد عليك أمرك وتكون من أصحاب قول الله تعالى (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) الحشر 19،ولكن لابد وأن يعلم المسلم قبل ندمه وخسرانه وفوات الأوان أن يلجأ إلى ربه الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل، ولابد أن يعلم انه مهما كانت ذنوبه عظيمة فان الله يغفرها جميعا ما لم يشرك به، وليعلم أيضا أن الحسنات يذهبن السيئات فلا بد وان يتأشح بحسام التوبة ويملأ نفسه ثقة ورجاء بعفو الله ولكن لا يكون هذا العفو سببا في الاتكال والبعد عن العمل والإيمان،بل ليعلم أنك إذا أردت أن يذهب الله سيئاتك فلابد من الحسنات،فمعرفة الله أول طريق السالكين ومنطقة سبيل المسترشدين والحصانة من كل سوء والأمان من كل زيغ،إنها أزكى التحيات وأجملها وأطيبها وأنداها لذلك المؤمن الذي خشع قلبه لربه وتحلى بالتقوى في زمانه فسار على درب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك إلا تحت قوله تعالى (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) التوبة 108،إنه المؤمن الذي تطهر من دنس المعصية ومن ظلام الجهل وأنعم برجولته في سبيل طاعة ربه، وأبى إلا أن يقتبس من نور الله ومن فيض الرسالة المحمدية ضياء، فاستنار له الطريق وأضاء دياجير الظلام.
279
| 27 أغسطس 2015
الإسلام دين المحبة والوئام يدعو أبناءه للتحلي بمكارم الأخلاق وأحسن الأوصاف مما يدعو للترابط والتماسك والتعاضد فيزيد المجتمع قوة، فمجتمع المسلمين تربطهم وثائق وصلات فالمؤمنون إخوة متحابين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، لذا يمتاز المسلم بأخلاقه وآدابه ومحبته لإخوانه ويتحلى بعظيم الخلق، فالخلق الحسن في منابع الإسلام من كتاب وسنة هو الدين كله والدنيا كلها، فإن حسن الخلق من كمال الإيمان فالمسلم يؤمن بما لأخيه من حقوق وآداب تجب عليه، فيلتزم بها ويؤديها لأخيه المسلم وهو يعتقد أنها عبادة لله تعالى وقربة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، إذ أن هذه الحقوق قد أوجبها الله تعالى على المسلم ليقوم بها تجاه أخيه المسلم ففعلها يكون طاعة لله تعالى، وقربة له دون شك، وأنه لحري بالمسلم بعد هذا كله أن يكون نقي السريرة صافي القلب باش الوجه، لا يلقى إخوانه إلا متهللا مبتسما كما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبشاشة الوجه خليقة حسنة حض عليها الإسلام لأن الوجه الطلق الصافي مرآة القلب النظيف الطاهر ومن هنا كان هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله "تبسمك في وجه أخيك صدقة" رواه الترمذي، فإن ديننا الحنيف يأمرنا فيما بيننا بالبشاشة وطلاقة الوجه وحسن المنطق لأن هذا من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم حين أمره ربه بقوله تعالى (واخفض جناحك للمؤمنين) الحجر:88. فالذي ينبغي على المسلم أن يلقى أخاه بالبشر وطلاقة الوجه، فالابتسامة ومضة في ليل بهيم ورسول حب إلى الفؤاد وعنوان أخوة صادقة وسمة الرجال الشرفاء، ووشاح أصحاب الخلق الجميل، فالإسلام روح عذبة وأخلاق جميلة والنفس البشرية يأسر لبها ويستولي على مجامعها أخلاق الرجال وصفاتهم الحميدة والمعاني السامية التي جاء بها هذا الدين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال "كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة قوية، نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت الرسول صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء" متفق عليه. من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان دائم البشر كثير التبسم صاحب الوجه الطلق كان دائما بشوشا في وجوه أصحابه فما يكاد يقع بصره على أحد منهم إلا تبسم، له فعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم" ولذلك كان من عادة الصحابة الكرام الذين كان هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوسهم حيا طريا، أن يتصافحوا إذا تلاقوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا وفي ذلك إشاعة للمحبة والود بين الأخوة المتلاقين. فمنهج الإسلام وهديه السامي وأخلاقه الراقية وتعليماته السمحة في تربية النفوس قائم على التحابب والتقارب والتآلف ومن هنا لا تباغض ولا تحاسد ولا تدابر في حياة المسلم الصادق، وكيف يكون في حياته شيء من هذه الأخلاق الوضيعة وصوت النبوة يسكب في سمعه أروع منهج للأخلاق عرفته البشرية منذ أن كان الإنسان على ظهر الأرض، فالذي يتأمل هدي الإسلام العالي الحاوي لمكارم الأخلاق كلها من حب وتعاطف وتآخٍ لا يقوم على الشحناء، إلا إذا كان في قلبه مرض وفي طبعه جفوة وفي فطرته التواء، فقد حبب الإسلام إفشاء السلام والمصافحة والمعانقة عند تلاقي الأخوة، لتبقى أسباب الود بين القلوب معقودة الأواصر ولتزداد وشائج الأخوة بين المؤمنين صلابة وقوة، وبذلك يستطيع المجتمع المسلم أن يعيش إسلامه وينهض بتكاليف رسالته في الحياة، ثم إن طلاقة الوجه تؤدي إلى سرور صاحبك لأنه يفرق بين شخص يلقاه بوجه عابس وشخص يلقاه بوجه منطلق، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" رواه مسلم، ومن هنا جاء الوعيد شديداً لأولئك القساة الغلاظ الملتوين عن جادة الإسلام الخلقية، المحجوبين عن بشاشته وسماحته وبإصرارهم على الهجر مما يهددهم في آخرتهم، فيحجب عنهم رحمة الله ومغفرته ويغلق دونهم أبواب الجنة، وذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا" رواه مسلم.
1174
| 20 أغسطس 2015
إن الوقت له قيمة في حياة البشر، وحيث إن هذه الأيام أيام أجازات والناس في غفلة والشباب يسعى لقضاء وقت فراغه، فهل فكر كل إنسان في فرصة يغتنمها في هذه الأيام ويجعل لنفسه ورداً من كتاب الله،ويعيش مع دفتي المصحف الشريف ويعي أن القرآن سيكون أماناً له من النار،فهذه الأيام حرارتها لاذعة ولكن "قل نار جهنم أشد حرا" فقد اهتم الإسلام كثيراً بفئة الشباب وحثنا على الاعتناء بهم والاهتمام بتربيتهم والحرص على تكوين النشء وصياغة أفكاره وسلوكه لتحقيق الأهداف المنشودة وإكسابه المهارات والخبرات اللازمة ومجتمعنا اليوم يمر بتحديات تحتم عليه أن يأخذ بكل أسباب العلم والقوة والعمل،فالحياة بدون هدف لا قيمة لها والهدف ما لم يكن ساميا وكبيرا يظل نائيا وبعيدا. إن أصول التربية وقواعدها تهدف إلى تربية الإنسان الصالح الذي يقوم برسالته على الوجه الأكمل بحيث تجعله قادرا على التحكم في نفسه وضبط تصرفاته والحرص على احترام القيم الأخلاقية والمثل العليا التي يحيا لها ويحرص على الالتزام بها، وأن يكون خير قدوة للعمل الجاد القائم على الإصلاح والإخلاص الصادق، ويحرص على تلبية نداء الحق والخير وحماية المجتمع من عوامل الفساد والضعف والابتذال والتخلف،ويعمل على تطوير مجتمعه والدعوة إلى البناء والإصلاح والصدق مع النفس لكي يعيش الفرد حياته على جانب من الالتزام والمسؤولية بحيث يكون صادقاً مع نفسه ومع غيره ومع عمله ومجتمعه لا يخاف إلا الله.. وكم في ذلك من سعادة غامرة وبهجة تامة بحيث تبدو الحياة أمام الإنسان ناصعة مليئة بالسرور والارتياح والاطمئنان والرضا، فإن الله سبحانه وتعالى من على هذه الأمة بأن زادها الله شرفا بالدين الذي ارتضاه دين الإسلام وأرسل إليه محمد خير الأنام،عليه أفضل الصلاة والسلام وأكرمها بكتابه أفضل الكلام، وجمع فيه سبحانه وتعالى جميع ما يحتاج إليه الناس من أخبار الأولين والآخرين والمواعظ والأمثال والآداب وضروب الأحكام وضاعف الأجر في تلاوته وامرنا بالاعتناء به وبذل الوسع في الاحترام. إن كتاب الله يحقق للإنسان السعادة لأنه يسير في طريقه لا يخشى شيئا إلا الله، صابرا حامدا شاكرا ذاكرا لله على الدوام، شاعرا بنعمة الله عليه يحس بآثار حنانه ودلائل حبه فكل هذا يبث في نفسه طاقة روحية هائلة تصقله وتهذبه وتجعله يشعر بالسعادة والهناء وبأنه قوي بالله سعيد بحبه، فينعم الله عز وجل عليه بالنور والحنان ويفيض عليه بالأمن والأمان، فيمنحه السكينة النفسية والطمأنينة القلبية،لذلك يتضح لنا أن للقرآن الكريم أثرا عظيما في تحقيق الأمن النفسي خاصة في أيام الأجازات والفراغ حتى لايكون الشاب فريسة للسعي في طريق الشيطان، ولن تتحقق السعادة الحقيقية للإنسان إلا في شعوره بالأمن والأمان،ولن يحس بالأمن إلا بنور الله الذي أنار سبحانه به الأرض كلها،وأضاء به الوجود كله بدايته ونهايته، ويؤكد لنا القرآن الكريم بأنه لن يتحقق للإنسان الطمأنينة والأمان إلا بالدوام على ذكره لله عز وجل:يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)الرعد:28،وينبغي لقارئ القرآن أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها والخصال الحميدة والشيم المرضية التي أرشده الله إليها من السخاء والجود ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه والحلم والصبر والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع،فحاجة القلب ماسة إلى تدبر القرآن،لأن في القلب حجة لا يسدها إلا ذكر الله والتلذذ بكريم خطابه، وإن فيه وحشه لا يزيلها إلا الأنس بكتابه وإن فيه قلقا وخوفا لا يؤمنه إلا السكون إلى ما بشر الله به عباده،وإن فيه فاقة لا يغنيها إلا التزود من حكم القرآن وأحكامه،وإنه لعلى حيرة واضطراب لا ينجيه منها ويهديه إلى سواء الصراط إلا الاهتداء بنور ربه وبرهان كتابه العزيز، فلقد عُنـي القرآن الكريم بالنفس الإنسانية عناية شاملة، عناية تمنح الإنسان معرفة صحيحة عن النفس وقاية وعلاجا دون أن ينال ذلك من وحدة الكيان الإنساني، وهذا وجه الإعجاز والروعة في عناية القرآن الكريم بالنفس الإنسانية، وترجع هذه العناية إلى أن الإنسان هو المقصود بالهداية والإرشاد والتوجيه والإصلاح، فلقد أوضح لنا القرآن الكريم في الكثير من آياته الكريمة أهمية الإيمان للإنسان وما يحدثه هذا الإيمان من بث الشعور بالأمن والطمأنينة في كيان الإنسان وثمرات هذا الإيمان هو تحقيق سكينة النفس وأمنها وطمأنينتها، ولايتحقق هذا إلا بخوف الناس من رب البرية والحرص على الأستفادة من توجيهات القرآن الكريم من خلال تدبر آياته وحفظه والحرص على الإمتثال لآدابه والسير على نهج الإسلام وقيمه والعمل بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
533
| 13 أغسطس 2015
الإسلام دين دعا إلى الاتحاد والتماسك والترابط ونهى عن التفرق والتشرذم، فأمة الإسلام تمر بحالة من الضعف والوهن لما أصابها من حالة الفرقة والاختلاف، فكلما حدثت جفوة أو حصل هجر عدنا إلى الدين وتذكرنا أننا نصلي الصلوات الخمس وأننا نتجه إلى قبلة واحدة، ونتبع رسولا واحدا ونعبد ربا واحدا ومعنا كتاب واحد وسنة واحدة فلله الحمد، وأن منهج الإسلام في تربية النفوس قائم على التحابب والتقارب والتآلف، ومن هنا فلا تباغض ولا تحاسد ولا تدابر في حياة المسلم الصادق، وكيف يكون في حياته شيء من هذه الخلائق الوضيعة وصوت النبوة يسكب في سمعه أروع منهج للأخلاق عرفته البشرية منذ أن كان إنسان على ظهر الأرض بقوله: (لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله )رواه مسلم. فإن من أهم مقاصد الدعوة إلى الله عز وجل الحرص على ائتلاف القلوب واجتماع الكلمة ووحدة الصف، والبعد عن التفرق والاختلاف والتحذير من ذلك ومنع أسباب التنازع والشتات فالاعتصام بحبل الله جميعا وألا نتفرق من أعظم أصول الإسلام، ومما دعانا إليه الهدي النبوي وعلمنا أياه الدين الحنيف أن تجتمع الأمة على عقيدة، وعلى مبدأ أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام الذي يجب أن نلتف حوله ونتمسك به يقول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) آل عمران:103،فإن الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة من الله عز وجل للأمة حينما تعصيه، أما الاجتماع والائتلاف فهو رحمة بالأمة ونعمة من الله على عباده المؤمنين، فالنجاة تكون بالتمسك والاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا ما عملت الأمة بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم عاشت بخير واستطاعت أن تبلغ دين ربها وتعلي كلمته واستطاعت أن تقود البشرية إلى كل خير في الدنيا والآخرة، فالناظر في تاريخ الأمة الإسلامية يجد هذا الأمر جليا واضحا، فإذا ما تمسكت الأمة بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم واجتمعت على الحق وائتلفت قلوبها قويت هذه الجماعة وسادت وقادت وهذا رحمة من الله بها وما إن تدب الفرقة في صفوف الأمة وتتخلى عن بعض ما أمرت به وتتهاون في تطبيق سنة نبيها صلى الله عليه وسلم تضعف وتهون وتصبح لقمة سائغة في أيدي الأعداء وما ذاك إلا لأن الجماعة رحمة من الله بالأمة أما الفرقة فهي عذاب وعقوبة من الله عز وجل يعاقب بها الأمة حينما تعصيه. فالاتحاد يقوي الضعفاء ويزيد الأقوياء قوة على قوتهم، فهو وسيلة العزة لهذه الأمة التي يجب أن تعود لعزتها وتستعيد هيبتها بين الأمم، فاللبنة وحدها ضعيفة مهما تكن متانتها وآلاف اللبنات المتفرقة والمتناثرة ضعيفة بتناثرها وإن بلغت الملايين، ولكنها في الجدار قوة لا يسهل تحطيمها لأنها باتحادها مع اللبنات الأخرى في تماسك منظم قوي ومتين، أصبحت قوة لا يستهان بها، وهذا ما أشار إليه الهدي النبوي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه)متفق عليه، لذلك يجب أن يكون هدف أئمة الإسلام والقائمين على شؤون هذه الأمة الدعوة إلى الاتحاد والألفة واجتماع القلوب والتئام الصفوف، والبعد عن الاختلاف والفرقة وكل ما يمزق الجماعة أو يفرق الكلمة من العداوة الظاهرة أو البغضاء الباطنة وكل ما يؤدي إلى فساد ذات البين، مما يكون سببا في ضعف الأمة ووهن دينها ودنياها. فلا يوجد دين على وجه الأرض دعا إلى الأخوة التي تتجسد فيها الاتحاد والتضامن والتساند والتآلف والتعاون والتكاتف، وحذر من التفرق والاختلاف والتعادي، مثل الإسلام في هديه وشرائعه وقرآنه وسننه، فالاتحاد عصمة من الهلكة، فالفرد وحده يمكن أن يضيع، ويمكن أن يسقط وتفترسه شياطين الإنس والجن، ولكنه في الجماعة محمي بها كالشاة في وسط القطيع، لا يجترئ الذئب أن يهجم عليها فهي محمية بالقطيع كله، إنما يلتهمها الذئب حين تشرد عن جماعتها وتنفرد بنفسها فيأكلها فريسة سهلة، فعلى المسلمين أن يستيقظوا لما يتعرض له ديننا الحنيف من هجمات شرسة من هنا وهناك بالإساءة إلى الدين ومحاولة تمزيق صفوف المسلمين، فإن دور الفرد المسلم في مجابهة هذا الواقع المؤلم، يكون دورا فعالا ومؤثرا عندما يصل المسلم إلى الفهم الواضح لأهمية دوره الذي ينبغي أن يكون ايجابي في أحداث التغيير في المجتمع، وهو ما يوجبه الإسلام على المسلم من مسؤولية تجاه مجتمعه، من إخلاص في العمل ومحبة ومودة لإخوانه يحرص على نفع بلده ووطنه فيقوى به المجتمع ويحس بآلام مجتمعه.
1596
| 06 أغسطس 2015
إن الإنسان الذي ارتوى قلبه بأدب الإسلام واستنارعقله بهدي الدين الحنيف وسار على هدي النبي صلى الله عليه وسلم سمحاً مع جاره حسن العشرة معه لطيف المعاملة، فمن سعادة المرء الجار الصالح لأنه من وسائل السعادة في الحياة فالجار جار وإن جار، فمن الأمور التي تعين على كسب و جمع القلوب حول المتحدث أو الناصح أو المربي أو الكاتب هي إخلاص النية و حسن الصلة بالله تعالى فإنها أول الوسائل التي تساعد المتحدث على جمع و كسب قلوب الناس هي إخلاص نيته لله و تنقيتها من كل شوائب وحسن الصلة بالله عز وجل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض) رواه مسلم، فالعبد الذي وضع له القبول يحبه الله ويتبعه حب الناس لذا فعليه أن يجيد فن التعامل مع الناس، فلتكن كالنخلة يرميها الناس بالحجارة وترميهم بالثمار. وهدي الإسلام قد أوصى بالجار حتى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيورثه فللجار على الجار في القيم الإسلامية وفي الآداب الشرعية حقوق تشبه حقوق الأرحام وهو الشيء الذي يلفت النظر، فمن هذه الحقوق المواصلة بالزيارة والتهادي تعبيرا عن المودة والزيارة حين المرض والمواساة حين المصيبة والمعونة حين الحاجة وكف الأذى، لذا تتبوأ الأخلاق الإسلامية مكانة عالية ومنزلة رفيعة عظيمة، فإن حسن الخلق هو الدين كله وهو جماع لكمال الإيمان لذلك جعل رسولنا صلى الله عليه وسلم الغاية الأولى من بعثته والمنهاج المبين في دعوته هو ترسيخ مبادئ الأخلاق في نفوس الأمة فوضع المنهج للأمة في مكارم الأخلاق وحرص صلى الله عليه وسلم على توكيد هذه المبادئ العادلة حتى تعلمها أمته جيداً، فلا تهون لديها قيمة الخلق وترتفع قيمة الامتثال في أنفسهم فعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وأشرف المنازل وأنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجة في جهنم )رواه مسلم، ولكن بعض المنتسبين إلى الدين قد يستسهلون أداء العبادات المطلوبة ويظهرون في المجتمع العام بالحرص على إقامتها وهم في الوقت نفسه يرتكبون أعمالا يأباها الخلق الكريم والإيمان الحق. فلذا يجب على أفراد المجتمع الحرص ما يكون سبباً للوئام والتماسك والتعاضد كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى فيخاف المرء على إخوانه ويحرص على التعامل معهم بالحسنى، فعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، فالمسلم الحصيف الواعي لأحكام دينه أحسن الناس معاملة لجيرانه وأكثرهم برا بهم وخوفا عليهم، وذلك لأنه يعي هدي الإسلام وتوصياته الغنية بالجار والمكانة الرفيعة التي أحله إياها في سلم العلاقات البشرية، فقد أمر الله تعالى في محكم كتابه بالإحسان إلى الجار، والجار ذو القربى هو الذي تجمعك به مع الجوار آصرة النسب والدين والجار الجنب هو الذي لا تجمعك به صلة من نسب والصاحب بالجنب هو الرفيق في أمر حسن، فكل من جاورك في السكن له عليك حق الجوار ولو لم يكن بينك وبينه وشيجة من نسب أو رابطة من دين، وفي هذا تكريم للجار أي تكريم في شريعة الإسلام السمحة الغراء للإنسانية، ومن هنا تأتي أحاديث الرسول الكريم تترى موصية بالجار على وجه العموم غير ناظرة إلى قرابته أو دينه مؤكدة أهمية علاقة الجوار في الإسلام فتبلغ الوصية بالجار حداً من الأهمية والخطورة يجعل الإحسان إليه والتنزه عن أذاه علامة من علامات الإيمان بالله واليوم الأخر ونتيجة حتمية من نتائجه الحسان، لذا ينبغي علينا الحرص على حقوق الجوار، فالمسلمين الذي امتلأت قلوبهم بالإيمان الصحيح بالله تعالى والذي يثمر العمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق وأحوال الدنيا وأهوال الآخرة، فلهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج ويبعد عنهم أسباب القلق والهم والحزان ومما يكون سببا في كمال الإيمان وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت) رواه البخاري.
1043
| 30 يوليو 2015
مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
2472
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
780
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...
681
| 11 ديسمبر 2025
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...
660
| 08 ديسمبر 2025
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام...
594
| 08 ديسمبر 2025
يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا...
591
| 07 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...
573
| 12 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
570
| 07 ديسمبر 2025
نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...
543
| 11 ديسمبر 2025
• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...
528
| 11 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية