رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هل تكتبون يومياتكم؟

من أفضل الهدايا التي أقدمها لمن حولي في مناسبات مختلفة، وأحيانا بلا مناسبة، الدفاتر الجميلة المخصصة لكتابة اليوميات، رغم أنني لا أكتب يومياتي، أو بالأصح أقلعت عن عادة كتابة يومياتي منذ زمن بعيد جدا لسبب لا أريد أن أذكره في هذه المقالة ولكنني قد أفعل في مقالة أخرى مستقبلاً. أجمع كثيرا من هذه الدفاتر ويأتيني أصدقائي ببعضها خاصة وهم يعرفون أنني أجمعها كواحدة من هواياتي المفضلة. أحبها منها الدفاتر غير المسطرة. ما زلت أشعر أن الأسطر نوع من القضبان التي قد تحد من حرية من يود الكتابة بلا قيود أو رقابة.. هل أبالغ؟ ربما، ولكنه شعوري كلما هممت بالكتابة على ورق مسطر! خصوصا إن كنت أود كتابة نص متداع لا حدود له.. كاليوميات تماما. في بداياتي مع الكتابة كانت كتابة اليوميات واحدة من متعي الصغيرة السرية ولعلها تدريبي الذي أفلح في تعليمي بعض أسرار الكتابة ولهذا أنصح بها دائما كل من يود الدخول في ذلك العالم السحري.. تعتبر كتابة اليوميات من العادات الجميلة التي تحمل في طياتها فوائد عديدة للكاتب حتى وإن كان لا يجيد الكتابة بمعناها الإبداعي، فهي ليست مجرد وسيلة لتوثيق الأحداث اليومية، بل أداة فعالة للتعبير عن المشاعر والأفكار. وفي عالم سريع الحركة والتدفق، يمكن أن تكون اليوميات ملاذًا يساعد الناس على فهم أنفسهم بشكل أفضل. كما أن كتابة اليوميات تساهم بتعزيز الوعي الذاتي ومعرفة ما في دواخلنا، وعندما يخصص المرء وقتًا للتفكير في ما حدث خلال يومه، فإنه يتاح له فرصة لاستكشاف مشاعره وأفكاره وما أفرحه وما أحزنه وما أثار اهتمامه وفضوله وتعجبه. وهذا النوع من التأمل يمكن أن يساعد في تحديد الأنماط السلبية أو الإيجابية في السلوك، مما يسهل اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل. علاوة على ذلك، فإن كتابة اليوميات تعزز من مهارات الكتابة والتعبير. من خلال التعبير عن الأفكار والمشاعر، يتعلم الأفراد كيفية صياغة جملهم وتنظيم أفكارهم بشكل أكثر فعالية. هذه المهارات ليست مفيدة فقط في السياقات الشخصية، بل تمتد أيضًا إلى الأبعاد الأكاديمية والمهنية. وتعتبر اليوميات أيضًا أداة فعالة للتعامل مع الضغوط النفسية. في أوقات التوتر أو الحزن، يمكن أن تساعد الكتابة في تخفيف العبء النفسي، من خلال وضع الأفكار على الورق، يمكن للمرء أن يشعر بالتحرر من المشاعر السلبية، مما يسهل عملية الشفاء النفسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن اليوميات توفر وسيلة لتوثيق الذكريات. مع مرور الزمن، تصبح تلك الكتابات كنزًا من التجارب الحياتية، مما يتيح لنا العودة إلى تلك اللحظات واسترجاع المشاعر والأحداث. والذكريات لا تساهم فقط في تعزيز انتمائنا لذواتنا في الماضي، بل تساعد أيضًا في بناء شخصياتنا الراهنة لأنها تعرفنا على طبيعة تفكيرنا وتحولاته. أخيرًا، تتيح كتابة اليوميات مساحة للتخطيط والتفكير في المستقبل. من خلال تحديد الأهداف وتدوين الخطوات اللازمة لتحقيقها، يمكن أن تكون اليوميات دليلاً يدعم المرء في مسيرته نحو تحقيق طموحاته. بالتالي، فإن أهمية كتابة اليوميات لا تقتصر على مجرد تسجيل الأحداث، بل تمتد لتشمل تعزيز الوعي الذاتي، وتطوير المهارات الكتابية، وتخفيف الضغوط النفسية، وتوثيق الذكريات، والتخطيط للمستقبل. إنها ممارسة تعزز من جودة الحياة وتساعد الأفراد في رحلتهم نحو فهم أنفسهم بشكل أعمق. تعتبر كتابة اليوميات وسيلة فعالة لتحسين الصحة النفسية، فعندما نكتب عن مشاعرنا، يصبح لدينا منافذ للتعبير عن القلق والحزن والفرح وغيرها من المشاعر مما يساعد في تخفيف الضغط النفسي. ومن خلال مراجعة الأحداث والمشاعر، يمكننا أن نتعرف على الأنماط السلبية في تفكيرنا وسلوكنا. كما أن الكتابة تساعد في تنظيم الأفكار وترتيبها، مما يقلل من الشعور بالارتباك والتوتر. وممارسة الكتابة بشكل منتظم يمكن أن تتجه بنا إلى المزاج الإيجابي. ومن خلال كتابة الأهداف والتقدم نحو تحقيقها، يمكن أن نشعر بالإنجاز، وتقوية التفكير النقدي والتأمل.. وأنا متأكدة أن كل من يكتب يومياته، وإن بشكل غير منتظم، يستطيع إضافة المزيد من الإيجابيات.. فالقائمة تطول لدى أصحاب اليوميات. فهل تكتبون يومياتكم؟

606

| 14 أكتوبر 2024

وما زلنا في عجزنا سادرين!

والآن.. بعد أن مر عام، كأنه الدهر كله، على بدء العدوان الاسرائيلي على غزة في أعقاب الطوفان، ما زال السؤال قائما؛ هل ستسامحنا غزة؟ وهل ستتغير الإجابة عندما نعيد السؤال الذي لاح لنا وسط خذلاننا المبكر؟ وهل نستحق ذلك منها بعد تضاعف حجم الخذلان وخفت الصوت وتمدد العدوان؟ غزة.. الأمل الكبير والمنكوب في الوقت ذاته، والتي باءت كل محاولات العدوان بالفشل في إطفاء شعلة مقاومتها بكل شيء تملكه وبكل فعل تستطيع وبكل ابتكار اجتهدت فيه، وبكل ما أوتي شعبها من عزيمة.. لا يسعنا أن نُخاتلك عن وجعك، فقد كُنتِ وستظلين جرحًا غائرًا في الضمير الذي ما زال حياً وسط كل هذا الموات العام، ورمزاً للتحرر والقوة الحقيقية الكامنة في الصبر والإرادة. نحن أصدقاؤك في العالم كله يا غزة، نحن المؤمنين بك وطناً للحرية وحضناً للمقاومة وجغرافية للصمود، ونحن أيضا العاجزين عن نصرتك كما ينبغي، نعتبر أنفسنا سفراء لحقيقتك الباهرة، بمجرد الدعاء والكلام والكتابة، وبمجرد الشعور أننا منك أرضاً وبحرا وسماً وبشرا، ولكن لا عذر لنا في تقصيرنا ولا في تخاذلنا أو عجزنا الذي نتكئ عليه مع كل نوبة جديدة ليقظة للضمير المحتضر. عام كامل مر على طوفانك الجليل وعلى عدوانهم الشرس، وعلى محاولات العالم النادرة في الوقوف معك بالقضايا والاعتصامات والمظاهرات والتصريحات والشجب والتنديد والصور والقصائد والمقالات.. ولكن على أهميتها وعلى ضرورتها بقيت عناوين للعجز أما القوة الغاشمة التي أحرقت الأرض وقصفت البيوت وقتلت البشر أو جوعتهم وهجرتهم وحرمتهم من أبسط متطلبات الحياة اليومية، والأرقام تتصاعد يوماً بعد يوم، وتتصاعد معها حقيقة الصمود الأسطورية لهذا القطاع الذي اختصر فلسطين كلها في في مقاومة المحتل المعتدي. عام كامل منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى السابع من أكتوبر 2024 والذي يوافق اليوم، كان الأجدر بنا فيه أن نكون جسرًا لدعم غزة باليقين وبالحقيقة وبالوجود وبأن نكون نفسها، لا جدارًا من الصمت ولا دعاء خافتاً في الوجدان ولا كلمات خجول تقال لمجرد إثبات موقف أو إعلان وجهة نظر. عام كامل وغزة تُطارد حلمها الكبير، على بساطتها، في الحياة بكرامة والعيش بحرية، والبقاء على قيد الصمود. فهل لنا الآن إذن أن نقول أننا كنا معك يا غزة؟ لم نجع ولم نعطش ولم تسل دماؤنا بين شقوق الجدران وأنقاض البيوت المهدمة فوق رؤوسنا.. حتى وإن بقينا نتحدث عنك بكل ما أوتينا من إيمان، فنشعر بالأسى ونحن نتابع المشاهد الدامية بكل صورها وأشكالها عبر الشاشات..وحسب! وهذا يعني أننا مقصرون جدًا، وكثيرا وطويلا تجاهك يا غزة. لقد كان ينبغي أن نكون حراساً لحلمك الذي تقاتلين من أجله على الأقل، لكننا، ونحن نغرق في تفاصيل حياتنا اليومية، ونستهلك الوقت في أمور عابرة، نسكت إشارات ضمائرنا الموجعة بالقول أننا معك! على مدار عام كامل، رأينا كيف تقاومين وكيف تواجهين وكيف تصمدين وكيف تبقين على قيد الحياة وسط الأنقاض وبين الأشلاء والدماء رغم المستحيل في القياسات المعتادة. ورأيناك في هذا العام كيف تغيرين الجميع حولك ؛ العدو والصديق، من ضدك ومن معك.. لكن وحدك لم تتغيري، ووحده شعبك، في حياته بالمقاومة وفي مماته بالشهادة بقي البطل الأول والأخير في قصتك الكبيرة المستحيلة. ربما لم يتصور أحد عند بدء العدوان أنه سيستمر عاماً كاملاً بكل الأحوال المتوقعة، وأنك ستصمدين طوال هذا العام بكل عنفوانك ورغم كل آلامك وجراحاتك.. لكن من قال غزة تخضع لمنطق الأحوال المعتادة أصلا وهي التي اختارت لنفسها أن تكون حرة حتى وهي محاطة بكل هذا الاحتلال؟ لن تحتاجي إذن أن تغفري لنا أو تسامحينا.. فقد خذلناك طوال عام.. وما زلنا في عجزنا سادرين!

423

| 07 أكتوبر 2024

في ثقافة النسيان لماذا ننسى؟

لماذا ننسى؟ هذا السؤال كان بوابة التفكير بماهية الذاكرة، كيف تتكون وتكبر وتتطور حتى تشيخ ثم تموت في حالات كثيرة. ما الجدوى إذن من كل ما نتعلمه ونجاهد في تخزينه بين ثغرات الذاكرة إن كان النسيان هو مصيره في النهاية؟ قرأت قبل أيام خبرا عن صدور ترجمة باللغة العربية لكتاب عنوانه «أدب النسيان.. ثقافة تجاوز الماضي»، لكاتب اسمه لويس هايد، وعزمت على الحصول عليه قريبا لعلي أجد فيه بعض الإجابات عن أسئلة صرت أنسى بعضها حول الذاكرة تحديدا. على الغلاف الأخير المنشور مع خبر صدور الكتاب كتب المترجم على ما يبدو: «منذ سنوات عديدة، بينما كنت أقرأ عن الثقافات الشفوية القديمة، حيث كانت الحكمة والتاريخ يعيشان في الألسن بدلاً من الكتب، أثارت فضولي ملاحظة قصيرة. قرأت حينئذ أن «المجتمعات الشفوية» تحافظ على توازنها... من خلال التخلص من الذكريات التي لم تعد لها أهمية حالية». كان اهتمامي في ذلك الوقت منصبا على الذاكرة نفسها، وعلى الطرق القيمة التي يلجأ إليها الناس والثقافات في الاحتفاظ بالماضي في الذاكرة، ووجدت أن هذه الملاحظة كانت مناقضة لما كنت مهتما به واستثارت رغبتي الفطرية في معارضة الأشياء، فبدأت في جمع قصاصات من حالات أخرى تثبت أن التخلي عن الماضي مفيد أيضا، مثل الاحتفاظ به. اتضح لي أن هذا الكتاب، الذي نتج أخيرًا عن هذه المقتطفات، هو عبارة عن تجربة في كل من الفكر والشكل. بالنسبة للتجربة الفكرية، فهي تسعى إلى اختبار فرضية أنه يمكن للنسيان أن يكون أكثر فائدة من الذاكرة، أو أن الذاكرة تعمل بشكل أفضل بالتوازي مع النسيان ولست أقصد طبعا أن تمجيد النسيان يعني معاداة الذاكرة أحيانًا، لا بد أن تقضي أي تجربة جديرة بالإجراء عن نتائج وكذلك هو حال التجربة التي أجريتها. ومثلما فعلت أنا، لا شك في أنه سوف يتوقف القراء عند بعض الحالات ليقولوا: «كلا، علينا أن نتذكر هذا الأمر». المفارقة هنا هي أن التحريض على مقاومة النسيان في حد ذاته يسلط الضوء على إحدى وظائف النسيان». وقفت كثيرا عند تلك الجملة الهائلة جداً: التحريض على مقاومة النسيان في حد ذاته يسلط الضوء على إحدى وظائف النسيان»! يا له من أمر معقد وبسيط في الوقت نفسه، ومع هذا فهو واضح جدا في تعريف النسيان على الأقل كمقدمة لما يسمى بأدب النسيان! وأدب النسيان موضوع شائق يعبر عن تجربة إنسانية عميقة، فهو يمثل العلاقة المعقدة بين الذاكرة والنسيان. لأن النسيان ليس مجرد غياب للذكريات، بل هو عملية طبيعية تحدث في حياة كل إنسان، ما دمنا نعيش في عالم مليء بالمعلومات والتجارب، مما يجعل من المستحيل الاحتفاظ بكل شيء في ذاكرتنا. لذلك، ينسى الإنسان أشياء قد تكون مهمة في لحظة معينة، لكنها تفقد قيمتها مع مرور الزمن. والنسيان ليس دائماً سلبياً، بل يمكن أن يكون له جوانب إيجابية. في بعض الأحيان، يساعدنا النسيان على تخفيف الألم الناتج عن الذكريات المؤلمة، ويتيح لنا فرصة البدء من جديد. وعندما ننسى تجارب مؤلمة أو مواقف مؤسفة، يمكننا أن نفتح المجال لتجارب جديدة وإيجابية، وهذا يساهم في تطوير شخصياتنا ويساعدنا على التكيف مع التغيرات التي تطرأ على حياتنا. لكن في الوقت نفسه، يثير النسيان مخاوف عديدة لدى البشر عموما. فقد يشعر المرء بالقلق من فقدان هويته أو جزء من نفسه بسبب النسيان. كما أن هناك ذكريات تشكل جزءاً أساسياً من تجاربنا، وعندما ننسى تلك اللحظات المهمة الكامنة في تلك الذكريات، نشعر كأننا فقدنا اتصالنا بالعالم من حولنا. لذا، يتطلب الأمر توازناً دقيقاً بين الحفاظ على الذكريات وغيابها. ولذلك.. بدلاً من محاربة النسيان، يمكننا أن نتعلم كيف نعيش معه، وكيف يمكن أن نستخدم أدوات متاحة دائما، كالكتابة، أو الفنون، أو حتى المحادثات مع الآخرين لتوثيق تجاربنا. فهذه الطرق تعزز من قدرات الذاكرة وتساعدنا على الاحتفاظ بالأشياء التي نعتبرها مهمة.

1380

| 30 سبتمبر 2024

وهم القراءة وقراءة الوهم!

في سياق ما أنشره من أخبار عن الكتب الجديدة الصادرة من دور النشر، على حساباتي في وسائل التواصل الاجتماعي، واهتمامي بتقديمها للمتابعين والقراء، أتلقى دائما أسئلة يتعلق بعضها بالكتب ومحتوياتها ورأيي فيها واقتراحاتي بشأن قراءتها، وبعضها الآخر بطريقتي في القراءة وكيف يتأتى لي أن أقرأ كل تلك الأعداد الكبيرة من الكتب إلى جانب عملي ومشاغلي واهتماماتي الأخرى، بالإضافة إلى تساؤلات كثيرة حول أفضل الطرق للقراءة السريعة لأن أصحاب تلك التساؤلات كما يبدو يظنون أنني من خبراء تلك القراءة!. واكتشفت أن كثيرين يظنون فعلاً أنني أقرأ كل الكتب التي أشير إليها أو تظهر على رفوف مكتبتي التي اعتدت على التصوير أمامها في مقاطعي المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا بالتأكيد غير صحيح، ثم إنني لست من خبراء ولا هواة القراءة السريعة، ولا أشجع عليها في الأحوال العادية.. وأسبابي كثيرة! ظهرت ظاهرة القراءة السريعة في منتصف القرن العشرين كوسيلة لتحسين القدرة على استيعاب محتويات الكتب والأوراق في عالم سريع الحركة تتضخم فيه كمية المعلومات شيئاً فشيئا. ومع تزايد ضغوط الحياة والاهتمامات اليومية أصبح الكثيرون يبحثون عن وسائل لتوفير ما يمكن توفيره من وقت لاستغلاله في أمور أخرى، وهكذا ظهرت فكرة القراءة السريعة فقدمت وعوداً مغرية بتمكين القراء من استيعاب ما يقرأونه بسرعة كبيرة وبرز كثيرون كخبراء لهذه التقنية التي أصبحت تُدرس في دورات مخصصة!. كثيرون بدوا سعيدين بتدربهم على هذه التقنية وأصبحوا يتباهون بارتفاع عدد الصفحات التي يمكنهم قراءتها في الدقيقة الواحدة، متجاهلين السلبيات التي كان لابد لها أن تؤثر على تجربة القراءة نفسها، وهو ما اكتشفته بنفسي من خلال التجربة الذاتية ومن خلال التحقق من الآخرين، خصوصا خبراء تلك التقنية، فالقراءة السريعة غالبًا ما تؤدي إلى فقدان الفهم العميق للنصوص وبدلاً من الانغماس في الأفكار والمشاعر التي تعبر عنها الكلمات يصبح القارئ مجرد متلقٍ للمعلومات التي قد تتلاشى سريعًا من الذاكرة، هذا الفقدان في العمق والتفكير النقدي ينعكس على قدرة القارئ على التفاعل مع المحتوى وفهمه بشكل شامل، مما يحد من الاستفادة الفعلية من القراءة، وتصبح التجربة مجرد واجب ينبغي إنجازه بدلاً من كونه رحلة ممتعة ومليئة باللذة والدهشة الأدبية والنفسية. والقراءة السريعة قد تؤدي إلى تشتيت الانتباه في إطار محاولة استيعاب المعلومات بسرعة، مما يجعل القارئ يتنقل بين الأفكار من دون أن يُعطي نفسه الوقت الكافي للتأمل في ما يقرأه وهذا بالتأكيد سيؤثر على جودة الفهم والتركيز، وفي بعض الأحيان يصبح القارئ أسيرًا للسرعة التي يسعى لتحقيقها فتظهر له نصوص غير مكتملة، أو أفكار لم يتم استيعابها جيداً مما قد يؤدي إلى فقدان الرغبة في القراءة نفسها حتى وإن لم يعترف القارئ بذلك في حمأة الانتصار لفكرة التباهي بكمية الكتب التي يقرأها. والقراءة السريعة قد تؤثر على علاقتنا بالأدب كفن أيضاً، إذ تحول النصوص الأدبية إلى مجرد معلومات يجب استهلاكها بسرعة من دون تقدير للجماليات والأساليب الأدبية التي تميز كاتباً عن آخر، فالأدب ليس مجرد كلمات على صفحات بل هو عالم مليء بالمشاعر والأفكار التي تحتاج إلى وقت للتفاعل معها وبالتالي فإن الانغماس في القراءة السريعة يقضي على تلك اللحظات السحرية، التي تجعل من القراءة تجربة لا تُنسى في الواقع. والقراءة السريعة التي أتت كاستجابة لمتطلبات العصر الحديث وظروفه، تسببت في تقويض جوهر القراءة كوسيلة للمتعة واستجلاب الدهشة والتعلم العميق، وبدلاً من أن تكون القراءة وسيلة للتأمل والتفاعل مع الأفكار تصبح مجرد عملية ميكانيكية تُستهلك من خلالها المعلومات بسرعة مما يجعل القارئ يفقد الشعور بالارتباط العاطفي مع النصوص التي يقرأها. لذا.. من المهم التفكير في كيفية تحقيق توازن بين السرعة والاستمتاع في القراءة، فبدلاً من السعي وراء عدد ما يمكن قراءته من كلمات في وقت محدد في ما يمكن تسميته بوهم القراءة في قراءة الوهم، يمكننا التركيز على تقدير اللحظات التي نقضيها مع الكتب، وأن نمنح أنفسنا الفرصة للغوص في عوالم جديدة والتفاعل مع الأفكار والمشاعر ببطء ولكن بعمق وحب.

1413

| 23 سبتمبر 2024

مفاتيح الكتابة

اعتدت منذ أن بدأت بتقديم دورات الكتابة والتدرب عليها أن أبدأ اي دورة، مهما كان نوعها بخمسة مفاتيح أعتبرها مفاتيح الكتابة الأساسية، ولا بد أن يعرفها من يود خوض مضمار الكتابة منذ البداية. أول هذه المفاتيح الخمسة هو مفتاح الموهبة، أي اكتشاف الصوت العميق، حيث تُعتبر الموهبة أهم المفاتيح الأساسية في عالم الكتابة، لكنها ليست شيئًا يمكن اكتسابه أو التحكم فيه بشكل كامل. بل هي كالأرض الخصبة التي تحتاج إلى رعاية لاكتشاف ما يمكن أن ينمو فيها. ويتطلب الأمر من الكاتب المبتدئ أن يستمع إلى «صوته العميق»، أي إلى الأفكار والمشاعر التي تدفعه للكتابة. هذا الصوت هو ما يجعل النص شخصياً وفريداً. لذا، ينبغي على الكاتب أن يكون في حالة وعي دائم بموهبته وأن يسعى لتطويرها من خلال التجربة والتأمل. وثاني هذه المفاتيح هو مفتاح الحرية، أي الكتابة بلا قيود، إذ تُعد الحرية عنصراً جوهريا عملية تعزيز الإبداع، وعندما يعتاد الكاتب أن يكتب بلا رقابة أي رقيب ولا قيود، يصبح قادراً على التعبير عن أفكاره ومشاعره بأسلوب صادق وشفاف. وتسمح هذه الحرية بتجربة أساليب جديدة وأفكار مبتكرة، مما يساعد على خلق نصوص تعكس رؤية الكاتب الحقيقية. ولذلك من المهم أن يتبنى الكاتب هذه الحرية كأداة لاستكشاف ذاته وتوسيع آفاقه الأدبية وألا يتنازل عنها حتى لو كان المقابل أو الثمن هو عدم النشر. أما القراءة، فهي مفتاح الإلهام في الكتابة، ولا تقتصر القراءة كمفتاح للإلهام على الكتب المتعلقة بالموضوع الذي ينوي الكاتب الكتابة عنه، بل تمتد لتشمل مختلف الأنواع الأدبية والفكرية. القراءة تعتبر بمثابة نافذة إلى عوالم جديدة وأساليب مختلفة في الكتابة، ومن خلال التعرف على أساليب كتاب آخرين وتجاربهم، يمكن للكاتب أن يستلهم أفكارا جديدة ويعزز لغته وأسلوبه الخاص. وبالتالي، فإن القراءة تساهم في توسيع مدارك الكاتب وتغذية خياله. ومن المفاتيح المهمة في عالم الكتابة مفتاح الإرادة بامتلاك الشغف والمحافظة عليه، فالإرادة هي القوة الداخلية التي تدفع الكاتب للاستمرار في رحلته الإبداعية. فهي تعني رغبته الحقيقية في الكتابة والتعبير عن أفكاره، بالإضافة إلى القدرة على الحفاظ على الشغف رغم التحديات. ويواجه الكتاب أحيانًا عقبات مثل حبسة الكتابة، والنقد السلبي. ولكن، من خلال الإرادة القوية، يمكن للكاتب التغلب على هذه العقبات والاستمرار في تطوير مهاراته وتحقيق أهدافه الأدبية. وأما المفتاح الأخير فهو الاستمرارية، إذ لا ينبغي للكاتب أن يتوقع النجاح بين ليلة وضحاها ولا أن يتوقعه منذ المرة الأولى، بل يتطلب الأمر المحاولات الدؤوب والتدريبات المستمرة، من خلال تخصيص وقت يومي للكتابة، يمكن للكاتب أن يطور أسلوبه ويكتسب الثقة في قدراته. إن الاستمرارية لا تعني فقط الكتابة بشكل منتظم، بل أيضًا التعلم من الأخطاء والسعي للتحسين. لذا، فإن الالتزام بالكتابة هو المفتاح الذي يفتح أبواب النجاح أمام الكاتب.

1809

| 16 سبتمبر 2024

المقاومة ليست نزهة!

بعد مضي نحو عام على بدء عملية طوفان الأقصى في غزة وما تلاها من عدوان صهيوني وحشي ما زال مستمرا، نلاحظ تراجع كثيرين ممن كانوا قد صفقوا بحماسة شديدة للعملية، عن موقفهم الأولي منها، خاصة وقد تجاوز أعداد الشهداء الأربعين ألفا بالإضافة الى عدد أكبر من المصابين وكذلك المفقودين والنازحين. وتراجع من هذا النوع متوقع بالتأكيد، ولكنه لا يدل إلا على قصر نظر حقيقي في رؤية هؤلاء، مع الأخذ بعين الاعتبار حسن نواياهم، لفكرة المقاومة أصلا. فالمقاومة لم تكن في يوم من الأيام نزهة قصيرة، يعود في نهايتها المقاوم منتصرا ومحتفظا بكل المعطيات التي انطلق منها بالضرورة، وإلا لأصبحت الخيار الأسهل للجميع، ولكنها كانت دائما هي الخيار الأصعب، والذي لا بد منه في سبيل التحرر ثم التحرير وصولا إلى الحرية. هذه حقيقة بدهية ينبغي أن تكون دائما واضحة كما عبر عنها بيت أحمد شوقي الخالد: وللحرية الحمراء باب/ بكل يد مضرجة يدق! نعم.. تكلفة المقاومة دائمة باهظة، حيث تُزهق الأرواح، وتتمزق الأسر، ويجوع الناس، وتتهدم البيوت، وتُفقد الوظائف، وتُترك المجتمعات في حالة من اليأس والشعور باللاجدوى من كل شيء في هذه الحياة. ودائما ما تكون استجابة العدو المحتل لأي مقاومة وطنية استجابة وحشية، لأنه يعلم تماما أن السكوت عنها سيوسع من رقعتها وسيشجع الآخرين للانضمام إليها مما يعني حلول لحظة نهايته بأسرع مما يتوقع، فما بالك إن كان هذا العدو هو الكيان الاسرائيلي الذي يعتبر احتلاله لفلسطين فكرة دينية ووجودية، متكئا في ذلك على مساندة معظم الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في المال والسلاح والمساندة الدبلوماسية في المحافل الدولية؟ ما بادرت إليه المقاومة في السابع من أكتوبر الماضي كان ضرورة حتمية، وبالتأكيد كانت تعرف ما ستؤدي إليه من وقوع ضحايا وإصابات وندوب دائمة على الأفراد والمجتمع ككل. وهذا حدث ويحدث دائما في كل حركات المقاومة والتحرر التاريخية، حيث لا يصمد في النهاية إيمانا بفكرتها وجدواها إلا الذين يعرفون أن عدم وجود طريق حقيقي للتحرر سواها. وما فعله طوفان الأقصى ليس قليلا، في لحظاته الأولى. لقد كانت مفاجأة مدوية ليس للكيان الصهيوني وحسب بل للعالم كله، وبالتالي فكان لا بد من توقع حجم ردة الفعل لدى حكومة الكيان التي تواجه بدورها ضغوطا محلية من مجتمعها لأسباب أخرى تتعلق بالانتخابات واستحقاقاتها. ولأن كثيرا من العرب يعيشون في هامش مشبع باليأس خصوصا بعد تداعيات الربيع العربي القاسية بدورها، فقد عاملوا ما يحدث في غزة وفق المنطق نفسه، وسحبوه الى هامشهم البائس وهو ما جعلهم يستسهلون إلقاء اللوم على قيادة المقاومة في استمرار العدوان على أهل غزة! هذه ضريبة العيش تحت طبقة من التعقيد النفسي فيما يتعلق بفكرة المقاومة أساسا، حيث يعاني العديد من العرب من الصدمات وعدم اليقين. ثم إن المفاهيم والتحيزات الإعلامية الطاغية غالباً ما تحجب تصورات الصراع، مما يجعل من الضروري للناشطين والمدافعين مشاركة السرديات الحقيقية لأصل الصراع وحتمية النضال المستمر، والتذكير بأن الرحلة طويلة ومكلفة. وكل خطوة تتخذ من أجل التحرير هي شهادة على الروح القوية للشعب الفلسطيني. إن نضال هذا الشعب المستمر والتاريخي ليس فقط من أجل تحرير فلسطين ولكن من أجل حقوق الإنسان الأساسية في العيش بكرامة على أرض الوطن. صحيح أن التحديات هائلة والتكاليف باهظة والمعركة قاسية وقطار التضحيات يسير بأقصى سرعاته الممكنة، ولكن الإيمان بمستقبل خالٍ من الاحتلال يظل بمثابة ضوء هادٍ للفلسطينيين، وكل عمل من أعمال المقاومة يقربهم خطوة واحدة من هدفهم النهائي: التحرير. وليس أمام الآخرين المؤمنين بفكرة فلسطين حرة سوى التضامن مع المقاومة ليس فقط لأنها الأدرى بالتفاصيل، والأكثر قربا من الناس في فلسطين وحسب، ولكن أيضا لأنها وحدها من تملك الحق في تقرير مصيرها وهي من دفعت وتدفع الثمن دائما.

756

| 09 سبتمبر 2024

اللعب الصهيوني على المكشوف!

ما الذي جعلهم أخيراً يتخلون عن حرصهم الشديد وكذبهم المشهور ليظهروا حقيقتهم بلا مراوغة ولا دبلوماسية؟ قبل يومين انتشر مقطع مصور لواحد من الحاخامات اليهود في الكيان الصهيوني، وأظنه يعمل عضوا في الكنيست أيضا، وهو يلقي خطابا باللغة الإنجليزية، وليست العبرية كالمعتاد، يقترح فيه تفجير المسجد الأقصى بصاروخ تطلقه «إسرائيل» ولكن من دون أن تعترف بذلك بل يقال حينها إن إيران هي من فعلت ذلك.. وهكذا تزداد الفتنة اشتعالا بين إيران وبعض الدول العربية مما يخدم مصالح الصهاينة بالتأكيد». ما لفت انتباهي ليس الهدف الأخير الذي ذهب إليه هذا الحاخام من اقتراحه الذي يبدو جادًّا وحسب، فهذا الهدف معروف ومعلن ومتوقع بين الخصوم والأعداء.. لكن اللافت الحقيقي للنظر هو أن الكيان الصهيوني وعلى لسان هذا الحاخام يعترف أن المسجد الأقصى لا يهمه لا كمكان ولا كرمز، وأنه لا يمثل للديانة اليهودية شيئاً كما يدعون في سرديتهى التاريخية، وأن الهيكل المزعوم تحته مجرد كذبة وها هي الكذبة تذوب تحت شمس الحقيقة المضمخة بالدماء أخيرا. هذا يعني أن ما يقولونه بالسر أصبحوا يتباهون به ويقولونه بالعلن وبكل صلف وعنجهية. ومتى يفهم العرب أن هذه هي «إسرائيل» الحقيقية؟ لم يتشجع هذا الحاخام على اقتراحه العلني الجاد بتفجير المسجد الأقصى، مع أهميته الدينية والتاريخية والمعترف بها عالميا، إلا بعد أن تأكد أن تصريحه لن يؤدي إلى شيء يضر كيانه المحتل، خاصة وأن الدماء التي سالت على مدى يقترب من السنة الكاملة للفلسطينيين الأبرياء لم تنجح في تحريك جهود حقيقية من قبل العرب والمسلمين تحديدا، وبقيت ردود الفعل مجرد بيانات وتصريحات متحفظة ومكتوبة بلغة دبلوماسية لا تكاد تقول شيئا.. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء لاكتشفنا أن هذا الصلف الصهيوني بدأ يكشف عن نفسه علنا تدريجيا منذ أن صوتت الأمم المتحدة على إلغاء قرار تجريم الحركة الصهيونية الصادر في 10 نوفمبر 1975، عندما اعتمدت الجمعية العامة قرارًا يعتبر الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. ففي 16 ديسمبر 1991، ألغي هذا القرار في إطار ما سُمي آنذاك بـ «جهود السلام في الشرق الأوسط»، وها نحن نشهد الآن ما الذي حل بجهود السلام المزعوم بعد مرور ثلاثة عقود! المزيد من العلاقات السياسية بين بعض الحكومات العربية وحكومة الكيان الصهيوني وتراجع العمل العربي لصالح القضية الفلسطينية بل ترتجع القضية نفسها سياسيا وإعلاميا إلى حد كبير.. ولعل هذا من أهم الأسباب المباشرة لعملية طوفان الأقصى التي نجحت في إعادة القضية إلى واجهة الأحداث وبؤرة الاهتمام العالمي وأرجعتها إلى مكانتها الحقيقية في وجدان كل عربي ومسلم بل وإنسان حقيقي في كل مكان. وساهمت بكشف سياسات الكيان الصهيوني تجاه المسجد الأقصى علناً وربما لأول مرة بهذا الشكل العنجهي الصلف. لقد تأكد الصهاينة أن الفلسطينيين يواجهون الاحتلال وحدهم، وأن معظم الحكومات العربية والإسلامية، لن تحرك ساكنا ولن تتدخل لا لإنقاذ البشر ولا لإنقاذ الحجر.. وأن المسجد الأقصى على قدسيته في الوجدان الإسلامي ورمزيته الكبيرة للقضية الفلسطينية لن يهم هذه الحكومات، حتى أن أحدا منها لم يستنكر ما قاله هذا الحاخام ولم يعترض عليه ولو على سبيل ذر الرماد في العيون.. ببيان شجب أو تنديد أو استنكار خجول، ولهذا أصبحوا يعربدون ويلعبون بالبشر والحجر والمقدسات على المكشوف وأمام العالم كله.. وبمنتهى الوقاحة أيضا.

663

| 02 سبتمبر 2024

من يوميات غزة العادية!

هل تباد غزة فعلا ونحن الشهود؟ أم أنها تحيا وتنتصر ونحن الشهود أيضاً؟ يوميات غزة الدامية تبدو متشابهة لنا نحن الذين نتابعها عن بعد، لكنها ليست كذلك بالنسبة لها ولأهلها. كل يوم هو فرصة جديدة للحياة أو للموت. صحيح أن هذه هي يوميات البشر جميعا منذ أن وجدت الحياة على هذه الأرض لكننا ننسى! نغادر لحظاتنا ونحن نعيشها بكل ما فيها من احتمالات، أما غزة فهي على موعد مستمر وأفق مفتوح للموت الآتي عبر طلقة أو قذيفة أو شظية أو سقف يتهدم فوق الرؤوس أو حتى جوع وعطش! والموت لأهل غزة لم يعد بذات الرهبة التي يستشعرها البشر تجاهه. إنه احتمال قريب جدا بل هو الاحتمال الأقرب حتى لمن للتو ولدوا. تخبرني زميلة غزية أتواصل معها، قدر المستطاع من الكهرباء والإنترنت، أنها لم تعد تسأل عن أقربائها أو أهلها في أرجاء قطاع غزة المختلفة كما كانت تفعل في الأشهر الأولى من الحرب. لقد توقفت عن تفقدهم أو حتى السؤال عنهم، وقررت أنهم موتى بالفعل، وهي ترجو أنهم قرروا كذلك بالنسبة لها ولمن معها من الأهل. هي ترى أن هذا أريح بكثير من احتمال الانتظار، وتسارع الأخبار وكلها تقريبا سيئة، حتى إذا ما اكتشفت في لحظة ما قبل أو بعد انتهاء العدوان، إن قدر لها أن تعيش، أن أحدهم أو كلهم أحياء ستكون مفاجأة جميلة جدا وربما ستعتبرها مكافأة نهاية الحرب! لم أستطع الرد عليها أو حتى تحمل بقية كلامها عن الموت والفقد والغياب.. ففي كل كلمة جديدة تودي بي إلى زمن سحيق جدا من الوجود كله! لم أستطع حتى التفكير في ما قالته إلا بعد أيام كنت فيها أراجع كل مشاعري تجاه هذا الحدث المستمر في غزة! والنتيجة شعور عارم بالذنب لم أحاول حتى دفعه عني! لماذا نحن هنا إذن؟ ما الذي نفعله بكل خذلاننا هذا وكيف سنواجههم ذات يوم لا بد أنه آت؟ تؤذيني جدا الاحتمالات حتى بنهاية هذه المأساة، فليس لي نصيب منها سوى هذا الأذى الذي ينهش روحي بصمت وأنا أتابع الأخبار وأشاهد المقاطع. دعاء مستمر وكلمات أقولها وأكتبها وأسى يتبدى في أنحائي حتى وإن تجاهلته كثيرا وأنا أعيش في ما اعتدت عليه. ثم ماذا؟ لا شيء حقيقي سوى الإصرار على إيماني الراسخ بقوة هذه القضية، وهؤلاء الذين قدر لهم أن يكونوا أهلها وعنوانها في زمنها السرمدي! أصر دائما في كل نقاش حول طوفان الأقصى وما تلاه من تداعيات أن غزة هي التي انتصرت، وأن استمرار العدوان عليها وعلى أهلها منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن، أي حتى بعد مرور أكثر من 300 يوم، لا يعني سوى توكيد لانتصارها الكبير، ليس على العدو الصهيوني وآلته القبيحة ومن يسانده من القوى الكبرى في العالم وحسب ولكن أيضا وقبل كل شيء على نفسها. نعم غزة انتصرت على نفسها منذ اللحظة الأولى التي أدرك فيها ناسها أن المعركة الحقيقية قد بدأت وأن وقودها سيكون من الناس والحجارة، وأن التضحية خيار لا بد منه للاستمرار في مقاومة الموت الصهيوني.. وهنا تكمن واحدة من مفارقات كل حروب التحرير على مدى التاريخ؛ الموت دفعاً للموت، أي أن يختار المقاوم أن يضحي بنفسه وأن يموت، في سبيل ألا يكون هذا الموت هو مصيره بيد المحتل في نهاية الأمر، وإن كان موتاً معنوياً. وهذا واحد من أسرار التحرر الحتمي للأمم والشعوب دائماً.

240

| 26 أغسطس 2024

ذكاء أم جهل عاطفي؟

أقف دائما أمام تعبير «الذكاء العاطفي»، محتارة ليس في تعريفه العلمي أو الاصطلاحي وحسب ولكن أيضا في قدرتنا نحن البشر على تكييف اللغة أحيانا لتكون في صالحنا إن عجزنا عن تفسير ظواهرنا النفسية والاجتماعية أيضا. بدأت الاهتمام بهذا المصطلح قبل فترة قصيرة، بتأثير من إحدى الصديقات المغرمات به حتى أنها تستعد لتأليف كتاب عنه. نقاشاتنا قادتني للقراءة والرصد والتطبيق على حالات أعرفها! أعرف أن «الذكاء العاطفي» برز في عالم تهيمن عليه التكنولوجيا والتفاعلات السريعة بشكل متزايد، كمهارة أساسية للتنقل بين تعقيدات الحياة. وهو يُعرَّف، علميا، بأنه القدرة على تمييز المشاعر وفهمها وإدارتها والتأثير عليها سلبا أو إيجابا، بحيث يشكل الطريقة التي نتواصل بها مع أنفسنا ومع الآخرين حولنا. ومع ذلك، عندما نتعمق في محاولة فهم تفاعلاتنا اليومية، يظهر نمط مزعج: شكل شامل من أشكال عدم الكفاية العاطفية، ما قد يسميه البعض بالغباء العاطفي، (وأنا أفضل مصطلح الجهل العاطفي)! وغالبًا ما تبدأ الرحلة إلى الذكاء العاطفي بالوعي الذاتي. لنأخذ هذا المثال: سيدة أعرفها تعمل مديرة في بيئة مؤسسية مزدحمة. وهي على الرغم من كفايتها العالية في مجالها، تكافح لفهم مشاعرها وكيف تؤثر على عملها وعلاقاتها. عندما تواجه انتقادات، تتفاعل مع المنتقدين دفاعياً، مما يؤدي إلى تنفير الزملاء منها بدلاً من تعزيز التعاون معها. هذا السيناريو شائع جدًا؛ حيث يجد العديد من الأشخاص أنفسهم عالقين في حلقة من ردود الفعل العاطفية، غير مدركين أن عدم قدرتهم على إدارة المشاعر أو الجهل العاطفي يمكن أن يقوض حياتهم المهنية والشخصي، وهو ما حدث بالفعل لهذه السيدة للأسف لاحقا. وعلى الرغم من أن الوعي الذاتي ليس سوى جانب واحد من جوانب الذكاء العاطفي، إلا أنه الجانب الأهم والذي تبنى عليه بقية الجوانب الأخرى! وفي عصرنا الرقمي، حيث تحدث التفاعلات والتواصل بين الناس، في العمل وفي الحياة أيضا، غالبًا خلف الشاشات، يمكن أن تضيع دقائق الاتصال العاطفي. فيمكن على سبيل المثال تفسير الرسائل النصية، المجردة من النبرة الصوتية أو الهالة العاطفية، بشكل خاطئ، مما يؤدي إلى سوء الفهم الذي كان من الممكن تجنبه من خلال المحادثات وجهاً لوجه. وفي الوقت الذي تعمل فيه وسائل التواصل الاجتماعي على تعزيز الروابط، فإنها قد تخلق أيضا ما يمكن أن نسميه باللامبالاة العاطفية. فكثيرون منا يعطون الأولوية لشخصياتهم على الإنترنت، مما يفقدهم قدرتهم على معرفة ذواتهم الحقيقية بعيدا عن صورة الذات المشتهاة والمرسومة رسما في ما يقولونه ويكتبونه بمنصاتهم الاجتماعية بعيدا عن الحقيقة. وهو ما يسهم بخلق فجوة حقيقية بينهم وبين أنفسهم أولا ثم بينهم وبين الآخرين حولهم ثانيا ويمكن لهذه الفجوة أن تحدث آثارا سلبية عميقة وطويلة المدى على الصحة العقلية لهم.. إن آثار الغباء العاطفي تمتد إلى ما هو أبعد من التجارب الفردية؛ فهي تشكل نسيج مجتمعاتنا. فعندما يفتقر القادة إلى التعاطف والوعي العاطفي، يمكن أن يصبح اتخاذ القرار غير متماسك ويخدم مصالحهم الذاتية. تخيل حكومة ما تفشل في مراعاة الاحتياجات العاطفية والاجتماعية لمواطنيها. والسياسات المبنية على الجهل العاطفي يمكن أن تؤدي إلى خيبة الأمل والانفصال عن العملية الديمقراطية، مما يؤدي إلى تآكل الروابط التي تربط المجتمعات معا. إذن، كيف نكافح ظاهرة الجهل العاطفي؟ الحمد لله أننا يمكننا دائما، أفرادا وجماعات ومؤسسات وحكومات أيضا، تنمية ذكائنا العاطفي، والبداية دائما من نقطة الاعتراف بأهمية هذا الذكاء والالتزام بتطويره، عبر تعزيز العلاقات والأماكن والبيئات والأنظمة الصحية،. قد يكون المسار معقدًا إلى حد ما، لكن مكافآت الوعي العاطفي تستحق!

906

| 19 أغسطس 2024

ذهبية إيمان.. الدرس والمعنى

دروس الحياة لا تنتهي، يمكننا أن نستخلصها من أبسط وأعظم المواقف والأشياء والبشر في حياتنا. هل نبالغ إن قلنا إن الحياة كلها درس كبير لا يكاد ينتهي؟ لست معجبة بلعبة الملاكمة أو المصارعة أو غيرها من الألعاب القتالية، وأرى أنها من الألعاب العنيفة جدا والتي ربما لا تناسب فكرة الألعاب الأولمبية، رجالا ونساء أيضا، لكنني في هذه النسخة من الألعاب الأولمبية الصيفية والتي تجري أحداثها الآن في باريس تابعت ضمن ما تابعت جانبا من لقاءات تلك اللعبة بعد الضجة الكبيرة التي أثيرت حول اللاعبة الجزائرية إيمان خليف، بعد لقائها باللاعبة الإيطالية إنجيلا كاريني وفوزها عليها خلال ثوانٍ فقط. لم تتغير نظرتي السلبية للعبة نفسها، ولا حتى للزي، غير المحتشم، الذي اعتادت اللاعبات على ارتدائه أثناء اللعب، لكن ما جعلني أستمر في متابعة كل لقاءات إيمان بعد ذلك حملة الإساءة الظالمة التي تعرضت لها اللاعبة والتي شارك فيها إعلاميون كثر وسياسيون عالميون منهم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك وآخرون كثيرون شككوا بالهوية الجنسية لإيمان واعتبروها رجلا متحولا لأنثى، اعتمادا على بنيتها القوية وملامح شكلها، والتي لا تختلف أساسا عن أي بنية وملامح أخرى لأي لاعبة تمارس هذا النوع من الرياضات العنيفة، رغم كل الدلائل التي تشير إلى عكس ذلك ورغم دفاع اللجنة الأولمبية عنها باعتبارها الجهة المخولة للتأكد من أحوال اللاعبين على هذا الصعيد! الغريب أن معظم هؤلاء المتنمرين ضد إيمان خليف لأسباب تتعلق بجنسها كما قالوا، لم يعترضوا على مهازل حفل افتتاح الأولمبياد والذي كان عبارة عن تعزيز لما يسمى بالمثلية الجنسية وهو ما يؤكد نفاقهم المفضوح وأهدافهم المشبوهة! وإذا أضفنا لهذا التحدي الطارئ والمستجد في حياة الرياضية الشابة تحديا آخر يمكن معرفته من قراءة سيرتها الذاتية التي أشارت لها بعض الصحف والمواقع باعتبارها شابة قروية كانت تبيع الخبز على قارعة الطريق في طفولتها لتساعد أسرتها وتستكمل متطلبات تدريبها الرياضي وشغفها المبكر باللعبة، ندرك أي حلم قد تحقق لها وهي تقف أخيراً على منصة التتويج الأولمبي لتتقلد الذهب بعد رحلة طويلة من التعب ومواجهة التنمر المؤذي! إنجاز إيمان خليف إذن لم يكن مجرد الحصول على ميدالية ذهبية، بل كان النجاح في المواجهة والتحدي الفردي وكسر القوالب النمطية التي حاول كثيرون بكل قسوة فرضها عليها بلا مبرر حقيقي غير توكيد أحكامهم المسبقة عليها لأغراضهم السياسية أو الإعلامية أو الشخصية! لقد أثبتت إيمان أن المرء قادر على مواجهة العالم كله إن تحلى بالإرادة والصبر والمثابرة، وأن المرأة تستطيع أن تنجز ما هو خارج عن المألوف والتقليدي إن آمنت بقدراتها ولم تخجل من اختلافها، إن وجد، فبهذا الاختلاف يمكن للعالم أن يتسع نحو مزيد من الثراء الإنساني! وفي الوقت ذاته، فإن إنجاز إيمان يمثل انتصاراً لكل فئات المجتمع المهمشة والمضطهدة، وأولئك الذين يواجهون التمييز على أساس العرق أو اللون أو الأصل. فالفوز بهذه الجائزة المرموقة يؤكد أن المبدعين والمبدعات من كافة الخلفيات قادرون على التألق متى أتيحت لهم الفرص المناسبة. قصة إيمان إذن قصة ملهمة لكل الأفراد المهمشين الذين يطمحون لتحقيق إنجازات على مسار الأحلام الكبرى، وليست مجرد قصة فتاة فازت بميدالية ذهبية في لعبة المصارعة.. لقد صارعت إيمان، وهي تصارع منافساتها وتفوز عليهن الواحدة تلو الأخرى وصولا للقمة، كل الأفكار السلبية المحبطة التي قد تعيق المرء عن تحقيق حلمه مهما كان حجم هذا الحلم. نعم.. علينا مصارعة الحياة بكل قوة لتحقيق أحلامنا أو ربما الموت دونها.. فشرف المحاولة يستحق!

906

| 12 أغسطس 2024

المقاوم والمقاومة.. الشهادة والبقاء

ليست المقاومة مجرد أشخاص أو مجموعات معينة، ولكنها فكرة راسخة في وجدان الشعوب المضطهدة والمظلومة، فحتى عندما تسقط رموز المقاومة وتُقتل، تستمر الفكرة في الاشتعال وتنتقل إلى أجيال جديدة، تلك سنة الحياة وسنة المقاومة ومعنى الفكرة الخالدة أيضا. وفي المقاومة الفلسطينية منذ النكبة 1948 وحتى اليوم دروس وعظات كثيرة عن الفكرة والمعنى، وخلودهما وإن ذهب المقاومون أو تبدلوا أو تغيرت أحوالهم. أسماء كثيرة ظهرت وغابت.. منها ما تسجل بسجل الخالدين رمزاً للفكرة وعنواناً للمقاومة ومنها من غاب.. لأسباب. وفي استشهاد إسماعيل هنية قبل أيام على يد الاحتلال الصهيوني صورة جديدة من صور الحكاية التي تتكرر دائماً على طريق الاغتيالات الصهيونية الغادرة، والأسماء شاهدة؛ غسان كنفاني، وائل زعيتر، محمد يوسف النجار، علي حسن سلامة، خالد نزال، ماجد أبو شرار، خليل الوزير، صلاح خلف، عماد عقل، فتحي الشقاقي، يحيى عياش، عماد أبو سنينة، أبو علي مصطفى، صلاح شحادة، عبدالعزيز الرنتيسي، الشيخ أحمد ياسين.. والقائمة تطول وتستمر حتما حتى التحرير. لكن كل هذه الأسماء، التي توارت اغتيالا تركت وراءها من يحمل الفكرة وقوداً على طريق المقاومة، فعلى سبيل المثال، عندما اغتال الصهاينة الشيخ أحمد ياسين، الأب الروحي لحركة حماس عام 2004 ظن كثيرون أن المقاومة انتهت أو على الأقل تضاءل دورها وفي طريقها للموت، لكن بدلاً من ذلك انتقلت الشعلة إلى تلاميذه وأتباعه، ومنهم إسماعيل هنية، الذي واصل مسيرة المقاومة مع رفاقه ضد الاحتلال، وها هو الآن قد استشهد أيضًا، وأيضا لن تتوقف المقاومة، لأنها ببساطة ليست مجرد أشخاص، بل هي فكرة راسخة في وجدان الشعب الفلسطيني، وعندما يتم اغتيال أبرز رموزها، تظل الفكرة حية وتنتقل إلى أجيال جديدة من المقاومين. وهذا ما يميز المقاومة عن غيرها من الحركات السياسية، فالمقاومة ليست شخصاً أو جماعة محددة، بل هي روح الكفاح والنضال ضد الظلم والاستبداد. وهذه الروح لا تموت بموت قادتها أو رموزها، بل تنتقل إلى غيرهم ليواصلوا المشوار. وهذا ينطبق ليس فقط على المقاومة الفلسطينية، بل على جميع حركات التحرر الوطني والنضال ضد الاستعمار والاحتلال في مختلف أنحاء العالم. فالمقاومة فكرة لا يمكن إخمادها أو القضاء عليها نهائياً، مهما كانت التضحيات والخسائر. وبالتالي فإن أي حركة احتلال كالاحتلال الصهيوني تخطئ كثيراً عندما تظن أنها تقضي على المقاومة عندما تقتل رجلاً أو أكثر من رجالها، لقد جربت حكومات الاحتلال الصهيوني على مدى عقود طويلة من الاحتلال سياسة الاغتيالات المختارة من قبلها بعناية دائما، ونجحت في معظم محاولاتها لكنه نجاح خادع، فالمقاوم أساساً مشروع استشهاد، وهو يعلم تماماً عندما اختار طريقه أنه ذاهب إلى نصره أو حتفه، وإذا كان النصر لابد أنه آت بحضوره أو غيابه فإنه يكون مستعداً لحتفه دون ذلك دائماً، بل ويرجو الشهادة ختاماً لحياته، أما إنجازه الكبير فهو تعزيز فكرة المقاومة لدى من حوله ومن يأتي بعده. درس التاريخ الذي ينبغي أن نتعلمه جميعاً: إن الفكرة هي ما تبقى، وليس الأشخاص. وطالما هناك ظلم واستبداد في هذا العالم، ستظل المقاومة فكرة حية تلهم الشعوب للنضال من أجل الحرية والعدالة. رحم الله الشهيد إسماعيل هنية وكل رفاقه من الشهداء الذين آمنوا بالفكرة وعملوا على تحققها، وضحوا بحيواتهم في سبيلها خلوداً في مقام الشهداء بإذن الله تعالى.

777

| 05 أغسطس 2024

على هامش أولمبياد فرنسا: وإلى أين يتجه بنا قطار القيم؟!

احتفاء مذهل بالصورة الرمزية التقليدية لفرنسا من خلال تجسيد تاريخها وتراثها وثقافتها وفنونها وآدابها؛ (الثورة الفرنسية، بناء برج إيڤل، رواية البؤساء، كنيسة نوتردام، متحف اللوفر ومقتنياته، صناعة الموضة، الأزياء والحقائب… إلخ)، بالإضافة إلى مفاهيم ثورتها؛ (الحرية، الإخاء، المساواة).. وحفاوة بالأسماء والرموز الفرنسية التي صنعت كل هذا، لتكون رسائل مدهشة في إيجازها وجمالها وبساطتها أيضاً بدأ بها حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس بنسخة 2024، بعد أن خطف المنظمون الأبصار وهم يروون كل ذلك بالصوت والصورة والحركة والألوان على هامشي نهر السين وتحت رذاذ المطر في يوم باريسي تقليدي، بسردية جميلة بل وساحرة لم تكد تفلت شيئا يذكر بفرنسا في الوجدان إلا وأثارته برمزية خاطفة. لكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ سرعان ما تهاوى قناع الجمال الأخاذ لتنكشف سوءة فرنسا بصلافتها الطاغية، فبعد أن بدأ الحفل صورة للسحر الفرنسي في واقع الموضة والروايات والعطور والقصائد والحرية والإخاء والمساواة، انتهى لأن يكون حفلاً للشذوذ والقبح والاعتداء على قيم العائلة وقدسية الأديان. تجلى ذلك في أكثر من مشهد أوضحها مشهد مجموعة من الشواذ مثلوا لوحة دافنشي الشهيرة «العشاء الأخير»، والتي تصور وفق رؤية دافنشي المسيح مع حوارييه، لكن مصممي المشهد تجاوزوا الصورة القدسية للوحة بأبشع ما يمكن تخيله، حتى تحول المشهد كله إلى تعزيز لما يسمى بالمثلية والترويج لاضطراب التحرّش الجنسي بالأطفال (البيدوفيليا). وكل هذا باسم الرياضة واسم الألعاب الأولمبية. وتوالت بعد هذا المشهد مشاهد أخرى استدعت سرديات دينية تتعلق بفكرة الدين تحديدا لتعيد إنتاجها بسخرية وامتهان، ثم تعدت على فكرة المساواة، والتي هي واحدة من ثلاثية الثورة الفرنسية، لتلغي دور المرأة المساوي لدور الرجل وفق الأدبيات الخالدة لتلك الثورة، فنجد أن من حمل شعلة الأولمبياد رجلان أحدهما طبيعي والآخر متحول لمسخ امرأة! ‏وهنا مفارقة.. باريس التي روجت صورتها تاريخياً كعاصمة للنور والثقافة والجمال والمساواة حتى النسوية تنتهي لأن تكون بهذه الصورة المسخ. من الواضح أن باريس بهذا الاستغلال غير الأخلاقي لحفل الافتتاح خالفت مبادئ الحركة الأولمبية نفسها، التي تنص على أهمية «التحلي بالقيمة التربوية للقدوة الحسنة، واحترام المبادئ الأخلاقية الأساسية العالمية»، وبالتالي ينبغي على الدول المشاركة (غير الموافقة على هذا الاستغلال) أن تتخذ موقفاً جماعياً ضد ما حدث.. أو الانسحاب الفردي، بعد أن وصل بنا الأمر إلى الخجل من متابعة الأولمبياد بصحبة الصغار! تشارك في ⁧‫أولمبياد باريس‬⁩ 200 دولة، ربعها تقريباً دول إسلامية وعربية. وبلا شك فإن انسحاب ربع المشاركين من الأولمبياد سيساهم في فشله ويوصل رسالة أخلاقية للعالم كله. ‬‬ في ⁧كأس العالم لكرة القدم‬⁩ 2022 الذي أقيم في دولة قطر احتجت بعض الدول على سياسة ⁧‫المنظمين القطريين‬⁩ بمنع مظاهر الشذوذ والابتذال في الملاعب، ووصل الأمر لأن تُظهر بعض المنتخبات احتجاجها في مبارياتها على تلك السياسة، كما فعل ⁧‫المنتخب الألماني الذي بدأ أولى مبارياته في بوضعية أشار فيها إلى تكميم الأفواه! بالإضافة إلى الهجمة الإعلامية العالمية ضد ⁧‫»المونديال» بنسخته القطرية‬⁩ يومها لذلك السبب، على الرغم من أن ما فعلته قطر هو الطبيعي، وهو في نفس الوقت لا يتنافى مع ميثاق كأس العالم ولا سياسات الفيفا.. بل كان تعزيزاً لتلك السياسات واحتراماً لقيم العائلة في العالم كله. وهو ما اكسب تلك النسخة من البطولة احترام الكثيرين حول العالم! ‬‬‬‬‬‬ ‏والآن.. لم نرصد أي احتجاج من قبل الدول المشاركة في ⁧‫الألعاب الأولمبية ‬⁩في فرنسا رغم مخالفته لميثاق الأولمبياد وإهانته لكل القيم الدينية والأخلاقية في حفل الافتتاح. ‬‬ ‏فما الذي يحدث في هذا العالم؟ وإلى أين يتجه بنا قطار القيم؟!

564

| 29 يوليو 2024

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4242

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1938

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1773

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1614

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1428

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1164

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

906

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

696

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

663

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

636

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

564

| 07 ديسمبر 2025

أخبار محلية