رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

لا تؤجل سعادتك أبداً

متلازمة تأجيل السعادة.. حالة ذهنية تتسلل إلى حياتنا دون أن نشعر، تسرق منا لحظات الفرح الصغيرة، وتضعنا في دوامة لا تنتهي من السعي وراء أهداف نعتقد أنها مفتاح السعادة. لكن المفارقة المؤلمة هي أن هذه المتلازمة تجعلنا نعلق السعادة على شروط مستقبلية لا تأتي أبدًا، فنبقى عالقين في انتظار غدٍ أفضل لا ندرك أنه قد لا يأتي، بينما تضيع منا لحظات الحاضر بكل ما تحمله من جمال. رأيتُ مؤخرًا سيدة في مقطع مصور تتحدث عن هذا المصطلح، وقد لفتتني كلماتها حين وصفت كيف أن الإنسان يقضي حياته في انتظار ظروف مثالية ليشعر بالسعادة. كان حديثها صادقًا وبسيطًا، لكنه حمل قدرًا هائلًا من العمق. وجدت نفسي أفكر في هذا الأمر مطولًا: كم من اللحظات الجميلة نفقدها يوميًا لأننا نعيش في انتظار الغد؟ وكم من الأحلام المؤجلة تجعلنا أسرى لفكرة أن السعادة في مكان ما بعيد عنا، بينما هي في متناول أيدينا طوال الوقت؟ الآن.. حيث تسير الحياة بوتيرة متسارعة، أصبح المرء يعيش تحت ضغط مستمر لتحقيق إنجازات مادية ومهنية واجتماعية. وبدلاً من التوقف للحظة للاستمتاع بما لديه، يجد نفسه في سباق محموم لتحقيق المزيد، على أمل أن يمنحه ذلك شعورًا بالرضا. لكن هذا الأمل كثيرًا ما يكون سرابًا، لأننا نقيس السعادة بمعايير متغيرة لا حدود لها. “سأكون سعيدًا عندما أحصل على الوظيفة المثالية”، “سأكون سعيدًا عندما أشتري المنزل الذي أحلم به”، “سأكون سعيدًا عندما أصل إلى الوزن المثالي”. هكذا يستمر المرء في وضع شروط لسعادته، متناسيًا أن السعادة ليست محطة نصل إليها، بل هي رحلة نعيشها في كل لحظة. الخطر الحقيقي لمتلازمة تأجيل السعادة يكمن في أنها تحرمنا من تقدير اللحظة الراهنة. إنها تجعلنا نعيش أسرى لمستقبل مجهول، نطارد فيه أوهامًا على حساب الحاضر. نغفل عن البساطة التي يمكن أن نجدها في كوب قهوة دافئ، أو في حديث مع صديق، أو حتى في لحظة صمت نتأمل فيها جمال الطبيعة من حولنا. هذه المتلازمة تغذي شعورًا دائمًا بعدم الاكتفاء، وتجعلنا نعيش في حالة من التوتر والقلق، وكأننا في سباق مع الزمن لتحقيق شيء ما، دون أن ندرك أننا نضيع أعمارنا في هذا السباق. إن تأجيل السعادة ليس مجرد عادة سيئة، بل هو انعكاس لطريقة تفكير مترسخة في ثقافة الإنسان الحديث. نعيش في عصر تسيطر فيه النزعة الاستهلاكية على حياتنا، وتُقنعنا بأن السعادة مرتبطة بالامتلاك والإنجاز. الشركات والإعلانات تضخ رسائل متكررة تُقنعنا بأننا لن نكون سعداء إلا إذا اشترينا هذا المنتج أو حصلنا على تلك الخدمة. هذه الرسائل تجعلنا نعيش في حالة دائمة من عدم الرضا، فحتى بعد أن نحقق هدفًا معينًا، نجد أنفسنا نبحث عن هدف جديد، وكأن السعادة التي سعينا إليها لم تكن كافية. لكن، هل السعادة حقًّا في المستقبل؟ وهل يمكن أن نجدها في مكان آخر غير اللحظة التي نعيشها الآن؟ السعادة ليست شيئًا يأتي من الخارج، بل هي شعور ينبع من الداخل. إنها قرار نتخذه بأن نعيش اللحظة بكل ما تحمله من جمال ونقص. السعادة ليست في امتلاك الأشياء، بل في تقدير ما نملكه. إنها في الامتنان لكل نعمة صغيرة، في الفرح بالأشياء البسيطة التي نغفل عنها وسط انشغالنا بما هو قادم. ولمواجهة تلك المتلازمة، ينبغي علينا أولاً أن نعيد تعريف مفهوم السعادة في حياتنا. السعادة ليست هدفًا نصل إليه، بل هي حالة نعيشها. إنها تكمن في التفاصيل اليومية، في الأشياء التي تبدو بسيطة لكنها تحمل قيمة عظيمة. إنها في لحظات الحب والعطاء، في الضحكات التي نتشاركها مع من نحب، وفي الإنجازات الصغيرة التي نحققها كل يوم. كما أن مواجهة هذه المتلازمة تتطلب منا أن نكون أكثر وعيًا بحياتنا. علينا أن نتوقف للحظة ونسأل أنفسنا: ماذا يعني أن أكون سعيدًا؟ هل أنا أعيش الحياة التي أريدها، أم أنني أعيش وفق توقعات الآخرين ومعايير المجتمع؟ هذا الوعي هو الخطوة الأولى نحو التحرر من سباق لا نهاية له، سباق يستهلك أعمارنا ويُبقينا في حالة من الترقب المستمر. إن السعادة لا تحتاج إلى شروط معقدة، ولا إلى مستقبل مجهول. إنها موجودة هنا والآن، في هذه اللحظة التي نعيشها. يكفي أن نتوقف قليلاً، أن نتنفس بعمق، أن ننظر من حولنا ونبحث عن الجمال في الأشياء التي نملكها بالفعل. علينا أن نذكر أنفسنا أن الحياة ليست انتظارًا مستمرًا، بل هي احتفال دائم بما لدينا.

1383

| 18 نوفمبر 2024

متى تقتنص الفكرة؟

الفكرة الشعرية كائن حي ينبض بالحياة، تسكن في عالم خفي بين الشعور واللاشعور، تظهر وتختفي مثل طيف عابر. حين تأتي، تكون في لحظة من العفوية التي لا تحتمل القيود أو التحكم المسبق. يعرف هذا الشعراء ويعرفون أيضا أن الفكرة الشعرية لا يمكن إجبارها على البقاء أو التطور تحت الضغط، فهي مثل فراشة ترفرف بجناحيها في فضاء شاسع، تختار وقتها المناسب ومكانها الأثير وليس على الشاعر سوى محاولة اللحاق بها، والاقتراب منها بشغف ثم اقتناصها. لكن اقتناصها بعنف قد يكون مثل محاولة إمساك الفراشة، والنتيجة في كثير من الأحيان تكون واحدة: فقدان الجمال أو تشويهه على أقل تقدير. الشعراء والفنانون عبر العصور لطالما أدركوا أن الأفكار الشعرية تشبه الرحلة، بلا وجهة محددة. الفكرة تهرب وتعود، وربما في هروبها تجد نموها وازدهارها. أما محاولة السيطرة عليها أو تكبيلها بالقوة، فهو انتهاك لروحها الحرة وجمالها المتوقع. وربما تأتي الفكرة على هيئة خاطر عابر أثناء مشي في الحديقة، أو تأمل لحظة غروب، أو حتى لحظات سكون ملتبس في فترة ما قبل النوم مباشرة، فتتسلل إلى الوعي ثم تختفي مرة أخرى في اللاوعي، لتعود مجدداً بعد ساعات أو أيام أو حتى سنوات، لكن هذه المرة أكثر نضجاً. تلك العفوية التي تأتي بها الفكرة الشعرية هي مصدر قوتها وجاذبيتها. والشعر بطبيعته يتغذى على الإلهام اللحظي، ويفقد بريقه إذا ما تحول إلى عمل ميكانيكي مكرر. والإلهام يحتاج إلى فضاء واسع من الحرية، ولهذا لا يمكن أن يتحقق تحت الضغط أو الإكراه بأي صورة من الصور. بل إن أجمل القصائد وأعمق الأعمال الفنية كانت وليدة تلك اللحظات الفريدة من التجلي، حينما جاء الإلهام بلا سابق إنذار، ومن دون أي محاولة للسيطرة عليه، أي بكامل الحرية. حسناً.. قد يبدو هذا تناقضاً أحياناً، لكن الفكرة الشعرية تحتاج إلى مزيج متوازن بين الحرية والانضباط. فالحرية هي ما يسمح لها بأن تتشكل وتنمو، أما الانضباط فهو ما يسمح للشاعر بأن يستعد لاستقبالها عندما تعود. والشعراء الحقيقيون يعرفون أن الوقت ليس دائمًا مناسبًا لاقتناص الفكرة، بل قد يكون على الشاعر أن يتحلى بالصبر، وأن ينتظر تلك اللحظة التي تعود فيها الفكرة إليه من تلقاء نفسها، جاهزة لأن تتجسد في كلمات. لكن متى تقتنص الفكرة؟ ليست كل الأفكار الشعرية هاربة إلى الأبد. بعضها يعود بإرادته، وإذا كانت الظروف ملائمة، فإن الفكرة تأتي إلى الشاعر جاهزة لتتحول إلى قصيدة أو عمل فني. الأمر أشبه بالنهر الذي يجري في مجراه الطبيعي؛ لا تستطيع إجبار النهر على تغيير مساره، لكنه في نهاية المطاف يصل إلى المحيط. الكتابة الشعرية، مثل كل الفنون، تعتمد على أن تترك لنفسك ولأفكارك مجالًا من الحرية. لا تجبر نفسك على إنتاج القصائد أو الأفكار. بل كن صبورًا، دعها تهرب إن أرادت، ستعود إليك إذا كان ذلك مقدرًا. الفكرة الشعرية لا تعرف الزمان أو المكان، لكنها تعرف صاحبها، وستعود حين تجد الوقت مناسبًا. كن مستعدًا لاستقبالها عندما تعود، واحرص على أن تكون جاهزًا، ولكن لا تسعَ خلفها بالقوة. الشعر ليس ساحة صيد، بل هو حقل من الورد الذي ينمو بطبيعته. الفكرة الشعرية الهاربة هي جزء من الطبيعة الإبداعية البشرية. إنها تجربة متكررة لكل من يحمل في داخله شغف الكتابة أو الفن. الهروب ليس فشلًا، بل جزء من العملية الإبداعية التي يجب احترامها. لا تسعَ لاقتناصها عنوة، بل اترك لها الحرية. في يوم من الأيام، ستعود إليك أكثر جمالًا وقوة، وعندها ستكون جاهزًا لاستقبالها وتحويلها إلى عمل خالد.

324

| 11 نوفمبر 2024

وهو خير لكم!

شعور مزعج يطاردنا حين نفقد شيئًا عزيزًا، أو حين نفشل في تحقيق حلم لطالما تمنيناه. شعور النقص والفقد والعجز الذي يتسلل إلينا بصمت، يضعفنا ويقيد أيدينا، ويجعلنا نكاد نلج بوابة الصمت والقلق، ولا نجد في أعماقنا إلا إحساسًا قاتمًا بالعجز وقلة الحيلة. نقرأ الآية الكريمة؛ «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، فنشعر بما يشبه اليد الحانية التي تربت على أرواحنا فجأة. لا شك أن هناك أوقاتًا نشعر فيها بأن الحياة قد أغلقت أبوابها في وجوهنا، وكأن الحظ يعاكس خطواتنا، والأحلام تتلاشى أمامنا. هذا الشعور بالحزن والانكسار هو ما يدفعنا نحو اليأس. لكن حين نتأمل هذه الآية، نجد فيها وعدًا عميقًا، وعدًا بأن ما قد نراه نقمة أو حرمانًا، قد يحمل لنا في طياته خيرًا لا ندركه. هذا اليقين ليس مجرد كلمات، بل طاقة أمل تمس جراحنا بلطف، وتفتح في أرواحنا نافذة مشرقة نحو الغد. في حياتنا اليومية، كثيرًا ما نمر بأحداث مؤلمة، ربما كانت فراقًا لأحباء، أو فقدان عمل نعتقد أنه نهاية العالم، أو حتى رفضٍ لمشروع كنا نطمح له. وفي خضم ذلك، نشعر بثقل الواقع، ونغرق في حزن العجز ونبكي أحلامنا المفقودة. لكن بعد فترة، عندما تضيء بصيرة قلوبنا، ندرك أن هذه الصدمات لم تكن سوى جسر لعبورنا إلى حياة أفضل أو إلى مكانٍ أكثر سكينة، ونرى الخير الذي لم نكن نراه من قبل. هنا، تصبح الآية وكأنها صوت داخلي يُسمعنا همسات الأمل، وكأنها تهمس في أذاننا: “لا تحزنوا، فالله يعلم وأنتم لا تعلمون”. طبعا ليس من السهل دائماً أن نجد الأمل وسط الألم، لكن هذه الآية تمنحنا رؤية مختلفة عن الحياة، تجعلنا ندرك أن الأمور ليست دائمًا كما نراها. إنها دعوة لإعادة التفكير، لفهم الأحداث بمنظور آخر، منظور إلهي يحكمه العلم والحكمة. فكل حدث نمر به ليس عبثًا، وكل محنة هي جزء من لوحة كبرى يصعب علينا رؤيتها بوضوح، لكن الإيمان يجعلنا نسير نحوها بثبات، ونثق بأن الله يضع لنا الخير حتى في أشد الأوقات حلكة. وكم من مرة كانت هذه الآية سبيلًا لتجاوز أزمات قاسية، تذكيرًا بأن لا فشل يبقى للأبد، وأن لا خسارة تنهي مسيرتنا، بل هي وقفة للتأمل قبل استئناف الطريق. من منا لم يشعر يومًا بأن شيئًا قد كُسر داخله، ثم وجد لاحقًا أن هذا الكسر كان سببًا في بناء شخص جديد بداخله، شخص أكثر قوة وثقة. “وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم”. تجربة تعيشها كلما ضاقت بك السبل، تعيشها كطريق نحو الرضا والسلام. فهي ليست وعدًا بحياة خالية من الألم، بل دعوة لرؤية الخير حتى في الشدة. نتعلم منها أن نرى الجمال في كل ما يأتينا من الله، أن نستوعب أن الحياة ليست مجرد مكاسب وخسائر، بل دروس تتشكل بصورها المختلفة، وكلها تصب في خير لا يُدرك إلا بالإيمان واليقين. فهذه الكلمات السماوية تأخذ بيدنا في أوقات ضعفنا، وتجعلنا نعيد ترتيب أولوياتنا ونضع الأمل أمامنا ونتصالح مع أقدارنا بخيرها وشرها على حد سواء، ونطمئن إلى أن ما يجري ليس سوى جزء من خطة أوسع وأكبر من أن ندركها في ذات اللحظة.

471

| 05 نوفمبر 2024

حتمية التغيير.. النهر الذي ما زال يجري!

نتغير.. نعم! كلنا نتغير ودائما. الحياة سلسلة متتابعة من الأحداث والتحولات التي لا تعرف الثبات، قد نرغب أحيانًا في أن تبقى الأمور على حالها، أو نعتقد أن بإمكاننا الحفاظ على ذواتنا كما هي، من دون تغيير، لكن الواقع يعاند هذه الرغبات. فكما قال الفيلسوف الإغريقي: “لا يمكنك أن تسبح في النهر مرتين، لأن المياه تتغير في كل مرة”. لذلك فالتغيير ليس خيارًا إضافيًا يمكن تجاهله، بل هو ضرورة حتمية إما أن نتكيف معه أو نجد أنفسنا متخلفين عن الركب. الحياة في سيرها إذن تشبه مياه ذلك النهر؛ فهي في تدفق دائم، لا تعرف التوقف. قد نرغب في الوقوف أمام التيار، لكنه سيتجاوزنا بلا مبالاة. وفي هذه الصورة الرمزية، يظهر المعنى العميق للتغيير؛ حتى وإن حاول المرء الحفاظ على نسخته القديمة، ستظل الحياة بكل عناصرها؛ البشر، الظروف، والتجارب، تتبدل من حوله. وهنا تتجلى الحقيقة الأزلية: نحن في صميم التغيير سواء رضينا أم أبينا. يرى عالم النفس كارل يونغ أن “التغيير لا يحدث إلا عندما يصبح الإنسان قادرًا على مواجهة ما يزعجه”. غالبًا ما تأتي التغيرات الكبرى في حياتنا بعد مواقف صعبة تفرض علينا ترك المساحات القديمة والمألوفة. ويمكن أن يكون هذا التغيير بهيئة نهاية علاقة، أو انتقال إلى مكان جديد، أو حتى فقدان وظيفة. هذه التحولات قد تبدو في البداية مؤلمة، لكنها تدفعنا إلى النضج وترسم لنا زوايا جديدة لفهم الحياة. خاصة أن الحياة المعاصرة تحديداً تضعنا أمام متغيرات سريعة لا يمكن تجاهلها، سواء كانت تقنية أو اجتماعية. فقد يشعر البعض بالخوف أو الانزعاج من هذه التغيرات، لكن جوهر الحكمة يكمن في إدراك أن التكيف هو أحد أذكى طرق البقاء. عندما ندرك أن العالم لا يدور حولنا، نصبح أكثر استعدادًا لتقبل تلك التحولات. والتاريخ يخبرنا أن البشر الذين رفضوا التغيير وفضلوا العيش في منطقة الراحة سرعان ما أصبحوا جزءًا من الماضي. في المقابل، أولئك الذين انفتحوا على التطور والتبدل وجدوا أنفسهم أمام فرص جديدة جعلتهم أقوى وأكثر نضجًا. فقبول التغيير ليس فقط ضمانة للنجاة، بل هو أيضًا فرصة لاكتشاف جوانب غير متوقعة في أنفسنا وفي العالم من حولنا. وبمقابل التغيير، نجد أن الركود كحالة سلبية تعرقل تقدم المرء، فالعيش في دائرة مكررة من الروتين قد يمنحنا شعورًا مؤقتًا بالأمان، لكنه يعرقل إمكانيات النمو والنضج. وقد شبه الشاعر الإسباني أنتونيو ماتشادو ذلك بقوله: “الطريق يصنع بالمشي”، في إشارة إلى أن الحياة الحقيقية تتحقق بالحركة، لا بالجمود. ولذلك فنحن عندما نتجنب التغيير خوفًا من المجهول، نخسر فرصة إعادة تعريف هويتنا وتجربة مسارات جديدة في الحياة. حسناً.. ماذا عن الألم الذي قد ينتج عن التغيير؟ لا بد أنه يحمل في طياته دروسًا قيمة، تماما كما تتسبب مياه النهر المتدفقة بتآكل الصخور، قبل أن تصقلها، لتصبح أكثر انسيابية ولمعانًا. الحياة إذن لا تترك لنا خيارًا سوى المضي قدمًا مع التيار. وكما تتبدل الفصول في الطبيعة، كذلك تتبدل مراحل حياتنا. من الطفولة إلى الشيخوخة، ومن الفرح إلى الحزن، تظل الحياة سلسلة من التحولات التي لا يمكن إيقافها. ما نحتاجه هو الوعي بأن التغيير ليس تهديدًا لنا، بل فرصة لنمونا وتجدد أفكارنا. إن القبول بحتمية التغيير يجعلنا أكثر استعدادًا للاستفادة من التحولات، مهما بدت صعبة في بدايتها. نحن جزء من هذا النهر الكبير الذي لا يتوقف عن الجريان، ومن الحكمة أن نتعلم السباحة في تياره بدلاً من مقاومته. فالحياة، في نهاية المطاف، لا تنتظر أحدًا.

564

| 28 أكتوبر 2024

حلالة مشكلات!

وجدتني وأنا في بداية حياتي العملية، أي بعد تخرجي بشهور قليلة أعمل بوظيفة حلالة مشكلات! فعلا عملت في هذه الوظيفة التي كلفني بها مدير التحرير مؤقتاً بعد أن خرج الزميل المخضرم الذي كان محررا لباب قضايا الناس في الجريدة في إجازة طويلة. كان هذا الباب، بمسمياته المختلفة من أشهر أبواب الصحيفة الورقية التقليدية، إذ كانت كل الصحف والمجلات حريصة على وجوده لتفاعل القراء معه دائما. إذ يرسل أحدهم مشكلته أيا كان نوعها وينتظر أن تحلها له الجريدة أو المجلة بطريقتها، وكثير من المشكلات والقضايا حلت بالفعل من خلال المطبوعة أو بعد نشرها واطلاع المسؤولين عليها. لكن المشكلات ليست كلها من ذلك النوع الذي يمكن حله بواسطة المسؤول، فهناك مشكلات أسرية وأخرى عاطفية وأخرى نفسية، ومشكلات كثيرة اطلعت من خلال العمل الذي لم أكن أملك فيه أي خبرة خاصة أنني يومها لم أكن أتجاوز الثالثة والعشرين من عمري. لم أعرف ماذا أفعل ولمن أقول مشكلتي الجديدة في عملي وانا التي للتو أصبحت مسؤولة عن حل مشكلات الناس. المهمة في البداية كانت صعبة جدا. كانت تصلني رسائل يومية كثيرة، فكنت أقضي وقتي في فرزها وتصنيفها والاجتهاد في البحث عن حلول مناسبة لها قبل نشرها ثم تلقي ردود الفعل. ولم أكد أنسجم مع ذلك العمل وأتأقلم مع مشكلات القراء للدرجة التي نسيت فيها مشكلاتي الشخصية حتى عاد الزميل من إجازته. عدت لتلك الذكريات القديمة قبل أيام عندما سألتني إحدى القارئات المتابعات لما أكتب في كل مكان عن أمر له علاقة بالمشكلات. التقيتها صدفة وأنا أمارس رياضة المشي فكان سؤالها الأول والذي يبدو جاهزا لأول شخص تقابله في ذلك اليوم؛ كيف نتعامل مع مشكلاتنا؟ في خضم الحياة اليومية، نجد أنفسنا نواجه العديد من التحديات والمشكلات العابرة التي قد تعترض طريقنا نحو النجاح. هذه المشكلات تتنوع في طبيعتها، فهي قد تكون بسيطة أو معقدة، لكنها جميعًا تتطلب منا القدرة على التكيف والاستجابة بشكل فعال. تعتبر المشكلات العابرة جزءًا لا يتجزأ من تجربتنا الإنسانية. ويمكن أن تظهر بشكل مفاجئ، مما يجعلها تبدو كعقبات كبيرة في بعض الأحيان. إلا أن فهمنا لطبيعة هذه المشكلات يساعدنا على التعامل معها بشكل أفضل. من المهم أن ندرك أن الحياة ليست مثالية، وأن تلك المشكلات هي جزء من الرحلة التي نخطوها نحو تحقيق أهدافنا. عندما نواجه مشكلة، فإن أول خطوة يجب أن نقوم بها هي قبول الواقع كما هو. هذا القبول يسمح لنا بالتحرر من الانزعاج والقلق، ويتيح لنا التركيز على الحلول بدلاً من الاستغراق في الشكوى. بعد ذلك، ينبغي علينا تحليل المشكلة بعناية. ما أبعادها وما الأسباب الكامنة وراءها؟ من خلال الفهم العميق لجذور المشكلة، سنتمكن من تحديد الحلول الأكثر فعالية. الحلول تأتي بعد التحليل. هنا، يجب أن نكون مبدعين في تفكيرنا وأن نستغل جميع الموارد المتاحة. قد تتضمن الحلول تغييرًا في الاستراتيجيات، أو طلب المساعدة من الآخرين، أو حتى إعادة تقييم أهدافنا وأولوياتنا. هذه العملية تتطلب منا الشجاعة والمرونة. يلعب التفكير الإيجابي دورًا محوريًا في كيفية مواجهتنا للمشكلات. عندما نواجه تحديًا، يمكن أن نختار بين رؤية المشكلة كعائق أو كفرصة للنمو. التفكير الإيجابي يعزز من قدرتنا على التعامل مع الصعوبات ويحفزنا على الاستمرار في السعي نحو النجاح. بعد تجاوز أي مشكلة، من الضروري أن نقيم التجربة واستخلاص الدروس منها. كل تجربة تحمل في طياتها درسًا يمكن أن يساعدنا في تحسين استراتيجياتنا المستقبلية. هذا التعلم لا يعزز فقط ثقتنا بأنفسنا، بل أيضًا يساهم في تشكيل شخصيتنا وتطوير مهاراتنا. والمشكلات العابرة هي جزء من الحياة، والطريقة التي نتعامل بها معها تحدد نجاحنا في تحقيق أهدافنا. من خلال قبول الواقع وتحليل المشكلات والبحث عن الحلول وتعزيز التفكير الإيجابي، يمكننا التغلب على أي عقبة في طريقنا. يجب أن نكون دائمًا مستعدين لمواجهة التحديات، فكل تجربة هي فرصة جديدة للنمو والتعلم. حتى عملي المبكر في باب المشكلات كان فرصتي الذهبية للتعلم الذي استثمرته طوال حياتي. فمن مشكلاتنا نتعلم الكثير ومن مشكلات غيرنا نتعلم أيضا.

510

| 21 أكتوبر 2024

هل تكتبون يومياتكم؟

من أفضل الهدايا التي أقدمها لمن حولي في مناسبات مختلفة، وأحيانا بلا مناسبة، الدفاتر الجميلة المخصصة لكتابة اليوميات، رغم أنني لا أكتب يومياتي، أو بالأصح أقلعت عن عادة كتابة يومياتي منذ زمن بعيد جدا لسبب لا أريد أن أذكره في هذه المقالة ولكنني قد أفعل في مقالة أخرى مستقبلاً. أجمع كثيرا من هذه الدفاتر ويأتيني أصدقائي ببعضها خاصة وهم يعرفون أنني أجمعها كواحدة من هواياتي المفضلة. أحبها منها الدفاتر غير المسطرة. ما زلت أشعر أن الأسطر نوع من القضبان التي قد تحد من حرية من يود الكتابة بلا قيود أو رقابة.. هل أبالغ؟ ربما، ولكنه شعوري كلما هممت بالكتابة على ورق مسطر! خصوصا إن كنت أود كتابة نص متداع لا حدود له.. كاليوميات تماما. في بداياتي مع الكتابة كانت كتابة اليوميات واحدة من متعي الصغيرة السرية ولعلها تدريبي الذي أفلح في تعليمي بعض أسرار الكتابة ولهذا أنصح بها دائما كل من يود الدخول في ذلك العالم السحري.. تعتبر كتابة اليوميات من العادات الجميلة التي تحمل في طياتها فوائد عديدة للكاتب حتى وإن كان لا يجيد الكتابة بمعناها الإبداعي، فهي ليست مجرد وسيلة لتوثيق الأحداث اليومية، بل أداة فعالة للتعبير عن المشاعر والأفكار. وفي عالم سريع الحركة والتدفق، يمكن أن تكون اليوميات ملاذًا يساعد الناس على فهم أنفسهم بشكل أفضل. كما أن كتابة اليوميات تساهم بتعزيز الوعي الذاتي ومعرفة ما في دواخلنا، وعندما يخصص المرء وقتًا للتفكير في ما حدث خلال يومه، فإنه يتاح له فرصة لاستكشاف مشاعره وأفكاره وما أفرحه وما أحزنه وما أثار اهتمامه وفضوله وتعجبه. وهذا النوع من التأمل يمكن أن يساعد في تحديد الأنماط السلبية أو الإيجابية في السلوك، مما يسهل اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل. علاوة على ذلك، فإن كتابة اليوميات تعزز من مهارات الكتابة والتعبير. من خلال التعبير عن الأفكار والمشاعر، يتعلم الأفراد كيفية صياغة جملهم وتنظيم أفكارهم بشكل أكثر فعالية. هذه المهارات ليست مفيدة فقط في السياقات الشخصية، بل تمتد أيضًا إلى الأبعاد الأكاديمية والمهنية. وتعتبر اليوميات أيضًا أداة فعالة للتعامل مع الضغوط النفسية. في أوقات التوتر أو الحزن، يمكن أن تساعد الكتابة في تخفيف العبء النفسي، من خلال وضع الأفكار على الورق، يمكن للمرء أن يشعر بالتحرر من المشاعر السلبية، مما يسهل عملية الشفاء النفسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن اليوميات توفر وسيلة لتوثيق الذكريات. مع مرور الزمن، تصبح تلك الكتابات كنزًا من التجارب الحياتية، مما يتيح لنا العودة إلى تلك اللحظات واسترجاع المشاعر والأحداث. والذكريات لا تساهم فقط في تعزيز انتمائنا لذواتنا في الماضي، بل تساعد أيضًا في بناء شخصياتنا الراهنة لأنها تعرفنا على طبيعة تفكيرنا وتحولاته. أخيرًا، تتيح كتابة اليوميات مساحة للتخطيط والتفكير في المستقبل. من خلال تحديد الأهداف وتدوين الخطوات اللازمة لتحقيقها، يمكن أن تكون اليوميات دليلاً يدعم المرء في مسيرته نحو تحقيق طموحاته. بالتالي، فإن أهمية كتابة اليوميات لا تقتصر على مجرد تسجيل الأحداث، بل تمتد لتشمل تعزيز الوعي الذاتي، وتطوير المهارات الكتابية، وتخفيف الضغوط النفسية، وتوثيق الذكريات، والتخطيط للمستقبل. إنها ممارسة تعزز من جودة الحياة وتساعد الأفراد في رحلتهم نحو فهم أنفسهم بشكل أعمق. تعتبر كتابة اليوميات وسيلة فعالة لتحسين الصحة النفسية، فعندما نكتب عن مشاعرنا، يصبح لدينا منافذ للتعبير عن القلق والحزن والفرح وغيرها من المشاعر مما يساعد في تخفيف الضغط النفسي. ومن خلال مراجعة الأحداث والمشاعر، يمكننا أن نتعرف على الأنماط السلبية في تفكيرنا وسلوكنا. كما أن الكتابة تساعد في تنظيم الأفكار وترتيبها، مما يقلل من الشعور بالارتباك والتوتر. وممارسة الكتابة بشكل منتظم يمكن أن تتجه بنا إلى المزاج الإيجابي. ومن خلال كتابة الأهداف والتقدم نحو تحقيقها، يمكن أن نشعر بالإنجاز، وتقوية التفكير النقدي والتأمل.. وأنا متأكدة أن كل من يكتب يومياته، وإن بشكل غير منتظم، يستطيع إضافة المزيد من الإيجابيات.. فالقائمة تطول لدى أصحاب اليوميات. فهل تكتبون يومياتكم؟

579

| 14 أكتوبر 2024

وما زلنا في عجزنا سادرين!

والآن.. بعد أن مر عام، كأنه الدهر كله، على بدء العدوان الاسرائيلي على غزة في أعقاب الطوفان، ما زال السؤال قائما؛ هل ستسامحنا غزة؟ وهل ستتغير الإجابة عندما نعيد السؤال الذي لاح لنا وسط خذلاننا المبكر؟ وهل نستحق ذلك منها بعد تضاعف حجم الخذلان وخفت الصوت وتمدد العدوان؟ غزة.. الأمل الكبير والمنكوب في الوقت ذاته، والتي باءت كل محاولات العدوان بالفشل في إطفاء شعلة مقاومتها بكل شيء تملكه وبكل فعل تستطيع وبكل ابتكار اجتهدت فيه، وبكل ما أوتي شعبها من عزيمة.. لا يسعنا أن نُخاتلك عن وجعك، فقد كُنتِ وستظلين جرحًا غائرًا في الضمير الذي ما زال حياً وسط كل هذا الموات العام، ورمزاً للتحرر والقوة الحقيقية الكامنة في الصبر والإرادة. نحن أصدقاؤك في العالم كله يا غزة، نحن المؤمنين بك وطناً للحرية وحضناً للمقاومة وجغرافية للصمود، ونحن أيضا العاجزين عن نصرتك كما ينبغي، نعتبر أنفسنا سفراء لحقيقتك الباهرة، بمجرد الدعاء والكلام والكتابة، وبمجرد الشعور أننا منك أرضاً وبحرا وسماً وبشرا، ولكن لا عذر لنا في تقصيرنا ولا في تخاذلنا أو عجزنا الذي نتكئ عليه مع كل نوبة جديدة ليقظة للضمير المحتضر. عام كامل مر على طوفانك الجليل وعلى عدوانهم الشرس، وعلى محاولات العالم النادرة في الوقوف معك بالقضايا والاعتصامات والمظاهرات والتصريحات والشجب والتنديد والصور والقصائد والمقالات.. ولكن على أهميتها وعلى ضرورتها بقيت عناوين للعجز أما القوة الغاشمة التي أحرقت الأرض وقصفت البيوت وقتلت البشر أو جوعتهم وهجرتهم وحرمتهم من أبسط متطلبات الحياة اليومية، والأرقام تتصاعد يوماً بعد يوم، وتتصاعد معها حقيقة الصمود الأسطورية لهذا القطاع الذي اختصر فلسطين كلها في في مقاومة المحتل المعتدي. عام كامل منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى السابع من أكتوبر 2024 والذي يوافق اليوم، كان الأجدر بنا فيه أن نكون جسرًا لدعم غزة باليقين وبالحقيقة وبالوجود وبأن نكون نفسها، لا جدارًا من الصمت ولا دعاء خافتاً في الوجدان ولا كلمات خجول تقال لمجرد إثبات موقف أو إعلان وجهة نظر. عام كامل وغزة تُطارد حلمها الكبير، على بساطتها، في الحياة بكرامة والعيش بحرية، والبقاء على قيد الصمود. فهل لنا الآن إذن أن نقول أننا كنا معك يا غزة؟ لم نجع ولم نعطش ولم تسل دماؤنا بين شقوق الجدران وأنقاض البيوت المهدمة فوق رؤوسنا.. حتى وإن بقينا نتحدث عنك بكل ما أوتينا من إيمان، فنشعر بالأسى ونحن نتابع المشاهد الدامية بكل صورها وأشكالها عبر الشاشات..وحسب! وهذا يعني أننا مقصرون جدًا، وكثيرا وطويلا تجاهك يا غزة. لقد كان ينبغي أن نكون حراساً لحلمك الذي تقاتلين من أجله على الأقل، لكننا، ونحن نغرق في تفاصيل حياتنا اليومية، ونستهلك الوقت في أمور عابرة، نسكت إشارات ضمائرنا الموجعة بالقول أننا معك! على مدار عام كامل، رأينا كيف تقاومين وكيف تواجهين وكيف تصمدين وكيف تبقين على قيد الحياة وسط الأنقاض وبين الأشلاء والدماء رغم المستحيل في القياسات المعتادة. ورأيناك في هذا العام كيف تغيرين الجميع حولك ؛ العدو والصديق، من ضدك ومن معك.. لكن وحدك لم تتغيري، ووحده شعبك، في حياته بالمقاومة وفي مماته بالشهادة بقي البطل الأول والأخير في قصتك الكبيرة المستحيلة. ربما لم يتصور أحد عند بدء العدوان أنه سيستمر عاماً كاملاً بكل الأحوال المتوقعة، وأنك ستصمدين طوال هذا العام بكل عنفوانك ورغم كل آلامك وجراحاتك.. لكن من قال غزة تخضع لمنطق الأحوال المعتادة أصلا وهي التي اختارت لنفسها أن تكون حرة حتى وهي محاطة بكل هذا الاحتلال؟ لن تحتاجي إذن أن تغفري لنا أو تسامحينا.. فقد خذلناك طوال عام.. وما زلنا في عجزنا سادرين!

411

| 07 أكتوبر 2024

في ثقافة النسيان لماذا ننسى؟

لماذا ننسى؟ هذا السؤال كان بوابة التفكير بماهية الذاكرة، كيف تتكون وتكبر وتتطور حتى تشيخ ثم تموت في حالات كثيرة. ما الجدوى إذن من كل ما نتعلمه ونجاهد في تخزينه بين ثغرات الذاكرة إن كان النسيان هو مصيره في النهاية؟ قرأت قبل أيام خبرا عن صدور ترجمة باللغة العربية لكتاب عنوانه «أدب النسيان.. ثقافة تجاوز الماضي»، لكاتب اسمه لويس هايد، وعزمت على الحصول عليه قريبا لعلي أجد فيه بعض الإجابات عن أسئلة صرت أنسى بعضها حول الذاكرة تحديدا. على الغلاف الأخير المنشور مع خبر صدور الكتاب كتب المترجم على ما يبدو: «منذ سنوات عديدة، بينما كنت أقرأ عن الثقافات الشفوية القديمة، حيث كانت الحكمة والتاريخ يعيشان في الألسن بدلاً من الكتب، أثارت فضولي ملاحظة قصيرة. قرأت حينئذ أن «المجتمعات الشفوية» تحافظ على توازنها... من خلال التخلص من الذكريات التي لم تعد لها أهمية حالية». كان اهتمامي في ذلك الوقت منصبا على الذاكرة نفسها، وعلى الطرق القيمة التي يلجأ إليها الناس والثقافات في الاحتفاظ بالماضي في الذاكرة، ووجدت أن هذه الملاحظة كانت مناقضة لما كنت مهتما به واستثارت رغبتي الفطرية في معارضة الأشياء، فبدأت في جمع قصاصات من حالات أخرى تثبت أن التخلي عن الماضي مفيد أيضا، مثل الاحتفاظ به. اتضح لي أن هذا الكتاب، الذي نتج أخيرًا عن هذه المقتطفات، هو عبارة عن تجربة في كل من الفكر والشكل. بالنسبة للتجربة الفكرية، فهي تسعى إلى اختبار فرضية أنه يمكن للنسيان أن يكون أكثر فائدة من الذاكرة، أو أن الذاكرة تعمل بشكل أفضل بالتوازي مع النسيان ولست أقصد طبعا أن تمجيد النسيان يعني معاداة الذاكرة أحيانًا، لا بد أن تقضي أي تجربة جديرة بالإجراء عن نتائج وكذلك هو حال التجربة التي أجريتها. ومثلما فعلت أنا، لا شك في أنه سوف يتوقف القراء عند بعض الحالات ليقولوا: «كلا، علينا أن نتذكر هذا الأمر». المفارقة هنا هي أن التحريض على مقاومة النسيان في حد ذاته يسلط الضوء على إحدى وظائف النسيان». وقفت كثيرا عند تلك الجملة الهائلة جداً: التحريض على مقاومة النسيان في حد ذاته يسلط الضوء على إحدى وظائف النسيان»! يا له من أمر معقد وبسيط في الوقت نفسه، ومع هذا فهو واضح جدا في تعريف النسيان على الأقل كمقدمة لما يسمى بأدب النسيان! وأدب النسيان موضوع شائق يعبر عن تجربة إنسانية عميقة، فهو يمثل العلاقة المعقدة بين الذاكرة والنسيان. لأن النسيان ليس مجرد غياب للذكريات، بل هو عملية طبيعية تحدث في حياة كل إنسان، ما دمنا نعيش في عالم مليء بالمعلومات والتجارب، مما يجعل من المستحيل الاحتفاظ بكل شيء في ذاكرتنا. لذلك، ينسى الإنسان أشياء قد تكون مهمة في لحظة معينة، لكنها تفقد قيمتها مع مرور الزمن. والنسيان ليس دائماً سلبياً، بل يمكن أن يكون له جوانب إيجابية. في بعض الأحيان، يساعدنا النسيان على تخفيف الألم الناتج عن الذكريات المؤلمة، ويتيح لنا فرصة البدء من جديد. وعندما ننسى تجارب مؤلمة أو مواقف مؤسفة، يمكننا أن نفتح المجال لتجارب جديدة وإيجابية، وهذا يساهم في تطوير شخصياتنا ويساعدنا على التكيف مع التغيرات التي تطرأ على حياتنا. لكن في الوقت نفسه، يثير النسيان مخاوف عديدة لدى البشر عموما. فقد يشعر المرء بالقلق من فقدان هويته أو جزء من نفسه بسبب النسيان. كما أن هناك ذكريات تشكل جزءاً أساسياً من تجاربنا، وعندما ننسى تلك اللحظات المهمة الكامنة في تلك الذكريات، نشعر كأننا فقدنا اتصالنا بالعالم من حولنا. لذا، يتطلب الأمر توازناً دقيقاً بين الحفاظ على الذكريات وغيابها. ولذلك.. بدلاً من محاربة النسيان، يمكننا أن نتعلم كيف نعيش معه، وكيف يمكن أن نستخدم أدوات متاحة دائما، كالكتابة، أو الفنون، أو حتى المحادثات مع الآخرين لتوثيق تجاربنا. فهذه الطرق تعزز من قدرات الذاكرة وتساعدنا على الاحتفاظ بالأشياء التي نعتبرها مهمة.

1317

| 30 سبتمبر 2024

وهم القراءة وقراءة الوهم!

في سياق ما أنشره من أخبار عن الكتب الجديدة الصادرة من دور النشر، على حساباتي في وسائل التواصل الاجتماعي، واهتمامي بتقديمها للمتابعين والقراء، أتلقى دائما أسئلة يتعلق بعضها بالكتب ومحتوياتها ورأيي فيها واقتراحاتي بشأن قراءتها، وبعضها الآخر بطريقتي في القراءة وكيف يتأتى لي أن أقرأ كل تلك الأعداد الكبيرة من الكتب إلى جانب عملي ومشاغلي واهتماماتي الأخرى، بالإضافة إلى تساؤلات كثيرة حول أفضل الطرق للقراءة السريعة لأن أصحاب تلك التساؤلات كما يبدو يظنون أنني من خبراء تلك القراءة!. واكتشفت أن كثيرين يظنون فعلاً أنني أقرأ كل الكتب التي أشير إليها أو تظهر على رفوف مكتبتي التي اعتدت على التصوير أمامها في مقاطعي المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا بالتأكيد غير صحيح، ثم إنني لست من خبراء ولا هواة القراءة السريعة، ولا أشجع عليها في الأحوال العادية.. وأسبابي كثيرة! ظهرت ظاهرة القراءة السريعة في منتصف القرن العشرين كوسيلة لتحسين القدرة على استيعاب محتويات الكتب والأوراق في عالم سريع الحركة تتضخم فيه كمية المعلومات شيئاً فشيئا. ومع تزايد ضغوط الحياة والاهتمامات اليومية أصبح الكثيرون يبحثون عن وسائل لتوفير ما يمكن توفيره من وقت لاستغلاله في أمور أخرى، وهكذا ظهرت فكرة القراءة السريعة فقدمت وعوداً مغرية بتمكين القراء من استيعاب ما يقرأونه بسرعة كبيرة وبرز كثيرون كخبراء لهذه التقنية التي أصبحت تُدرس في دورات مخصصة!. كثيرون بدوا سعيدين بتدربهم على هذه التقنية وأصبحوا يتباهون بارتفاع عدد الصفحات التي يمكنهم قراءتها في الدقيقة الواحدة، متجاهلين السلبيات التي كان لابد لها أن تؤثر على تجربة القراءة نفسها، وهو ما اكتشفته بنفسي من خلال التجربة الذاتية ومن خلال التحقق من الآخرين، خصوصا خبراء تلك التقنية، فالقراءة السريعة غالبًا ما تؤدي إلى فقدان الفهم العميق للنصوص وبدلاً من الانغماس في الأفكار والمشاعر التي تعبر عنها الكلمات يصبح القارئ مجرد متلقٍ للمعلومات التي قد تتلاشى سريعًا من الذاكرة، هذا الفقدان في العمق والتفكير النقدي ينعكس على قدرة القارئ على التفاعل مع المحتوى وفهمه بشكل شامل، مما يحد من الاستفادة الفعلية من القراءة، وتصبح التجربة مجرد واجب ينبغي إنجازه بدلاً من كونه رحلة ممتعة ومليئة باللذة والدهشة الأدبية والنفسية. والقراءة السريعة قد تؤدي إلى تشتيت الانتباه في إطار محاولة استيعاب المعلومات بسرعة، مما يجعل القارئ يتنقل بين الأفكار من دون أن يُعطي نفسه الوقت الكافي للتأمل في ما يقرأه وهذا بالتأكيد سيؤثر على جودة الفهم والتركيز، وفي بعض الأحيان يصبح القارئ أسيرًا للسرعة التي يسعى لتحقيقها فتظهر له نصوص غير مكتملة، أو أفكار لم يتم استيعابها جيداً مما قد يؤدي إلى فقدان الرغبة في القراءة نفسها حتى وإن لم يعترف القارئ بذلك في حمأة الانتصار لفكرة التباهي بكمية الكتب التي يقرأها. والقراءة السريعة قد تؤثر على علاقتنا بالأدب كفن أيضاً، إذ تحول النصوص الأدبية إلى مجرد معلومات يجب استهلاكها بسرعة من دون تقدير للجماليات والأساليب الأدبية التي تميز كاتباً عن آخر، فالأدب ليس مجرد كلمات على صفحات بل هو عالم مليء بالمشاعر والأفكار التي تحتاج إلى وقت للتفاعل معها وبالتالي فإن الانغماس في القراءة السريعة يقضي على تلك اللحظات السحرية، التي تجعل من القراءة تجربة لا تُنسى في الواقع. والقراءة السريعة التي أتت كاستجابة لمتطلبات العصر الحديث وظروفه، تسببت في تقويض جوهر القراءة كوسيلة للمتعة واستجلاب الدهشة والتعلم العميق، وبدلاً من أن تكون القراءة وسيلة للتأمل والتفاعل مع الأفكار تصبح مجرد عملية ميكانيكية تُستهلك من خلالها المعلومات بسرعة مما يجعل القارئ يفقد الشعور بالارتباط العاطفي مع النصوص التي يقرأها. لذا.. من المهم التفكير في كيفية تحقيق توازن بين السرعة والاستمتاع في القراءة، فبدلاً من السعي وراء عدد ما يمكن قراءته من كلمات في وقت محدد في ما يمكن تسميته بوهم القراءة في قراءة الوهم، يمكننا التركيز على تقدير اللحظات التي نقضيها مع الكتب، وأن نمنح أنفسنا الفرصة للغوص في عوالم جديدة والتفاعل مع الأفكار والمشاعر ببطء ولكن بعمق وحب.

1398

| 23 سبتمبر 2024

مفاتيح الكتابة

اعتدت منذ أن بدأت بتقديم دورات الكتابة والتدرب عليها أن أبدأ اي دورة، مهما كان نوعها بخمسة مفاتيح أعتبرها مفاتيح الكتابة الأساسية، ولا بد أن يعرفها من يود خوض مضمار الكتابة منذ البداية. أول هذه المفاتيح الخمسة هو مفتاح الموهبة، أي اكتشاف الصوت العميق، حيث تُعتبر الموهبة أهم المفاتيح الأساسية في عالم الكتابة، لكنها ليست شيئًا يمكن اكتسابه أو التحكم فيه بشكل كامل. بل هي كالأرض الخصبة التي تحتاج إلى رعاية لاكتشاف ما يمكن أن ينمو فيها. ويتطلب الأمر من الكاتب المبتدئ أن يستمع إلى «صوته العميق»، أي إلى الأفكار والمشاعر التي تدفعه للكتابة. هذا الصوت هو ما يجعل النص شخصياً وفريداً. لذا، ينبغي على الكاتب أن يكون في حالة وعي دائم بموهبته وأن يسعى لتطويرها من خلال التجربة والتأمل. وثاني هذه المفاتيح هو مفتاح الحرية، أي الكتابة بلا قيود، إذ تُعد الحرية عنصراً جوهريا عملية تعزيز الإبداع، وعندما يعتاد الكاتب أن يكتب بلا رقابة أي رقيب ولا قيود، يصبح قادراً على التعبير عن أفكاره ومشاعره بأسلوب صادق وشفاف. وتسمح هذه الحرية بتجربة أساليب جديدة وأفكار مبتكرة، مما يساعد على خلق نصوص تعكس رؤية الكاتب الحقيقية. ولذلك من المهم أن يتبنى الكاتب هذه الحرية كأداة لاستكشاف ذاته وتوسيع آفاقه الأدبية وألا يتنازل عنها حتى لو كان المقابل أو الثمن هو عدم النشر. أما القراءة، فهي مفتاح الإلهام في الكتابة، ولا تقتصر القراءة كمفتاح للإلهام على الكتب المتعلقة بالموضوع الذي ينوي الكاتب الكتابة عنه، بل تمتد لتشمل مختلف الأنواع الأدبية والفكرية. القراءة تعتبر بمثابة نافذة إلى عوالم جديدة وأساليب مختلفة في الكتابة، ومن خلال التعرف على أساليب كتاب آخرين وتجاربهم، يمكن للكاتب أن يستلهم أفكارا جديدة ويعزز لغته وأسلوبه الخاص. وبالتالي، فإن القراءة تساهم في توسيع مدارك الكاتب وتغذية خياله. ومن المفاتيح المهمة في عالم الكتابة مفتاح الإرادة بامتلاك الشغف والمحافظة عليه، فالإرادة هي القوة الداخلية التي تدفع الكاتب للاستمرار في رحلته الإبداعية. فهي تعني رغبته الحقيقية في الكتابة والتعبير عن أفكاره، بالإضافة إلى القدرة على الحفاظ على الشغف رغم التحديات. ويواجه الكتاب أحيانًا عقبات مثل حبسة الكتابة، والنقد السلبي. ولكن، من خلال الإرادة القوية، يمكن للكاتب التغلب على هذه العقبات والاستمرار في تطوير مهاراته وتحقيق أهدافه الأدبية. وأما المفتاح الأخير فهو الاستمرارية، إذ لا ينبغي للكاتب أن يتوقع النجاح بين ليلة وضحاها ولا أن يتوقعه منذ المرة الأولى، بل يتطلب الأمر المحاولات الدؤوب والتدريبات المستمرة، من خلال تخصيص وقت يومي للكتابة، يمكن للكاتب أن يطور أسلوبه ويكتسب الثقة في قدراته. إن الاستمرارية لا تعني فقط الكتابة بشكل منتظم، بل أيضًا التعلم من الأخطاء والسعي للتحسين. لذا، فإن الالتزام بالكتابة هو المفتاح الذي يفتح أبواب النجاح أمام الكاتب.

1770

| 16 سبتمبر 2024

المقاومة ليست نزهة!

بعد مضي نحو عام على بدء عملية طوفان الأقصى في غزة وما تلاها من عدوان صهيوني وحشي ما زال مستمرا، نلاحظ تراجع كثيرين ممن كانوا قد صفقوا بحماسة شديدة للعملية، عن موقفهم الأولي منها، خاصة وقد تجاوز أعداد الشهداء الأربعين ألفا بالإضافة الى عدد أكبر من المصابين وكذلك المفقودين والنازحين. وتراجع من هذا النوع متوقع بالتأكيد، ولكنه لا يدل إلا على قصر نظر حقيقي في رؤية هؤلاء، مع الأخذ بعين الاعتبار حسن نواياهم، لفكرة المقاومة أصلا. فالمقاومة لم تكن في يوم من الأيام نزهة قصيرة، يعود في نهايتها المقاوم منتصرا ومحتفظا بكل المعطيات التي انطلق منها بالضرورة، وإلا لأصبحت الخيار الأسهل للجميع، ولكنها كانت دائما هي الخيار الأصعب، والذي لا بد منه في سبيل التحرر ثم التحرير وصولا إلى الحرية. هذه حقيقة بدهية ينبغي أن تكون دائما واضحة كما عبر عنها بيت أحمد شوقي الخالد: وللحرية الحمراء باب/ بكل يد مضرجة يدق! نعم.. تكلفة المقاومة دائمة باهظة، حيث تُزهق الأرواح، وتتمزق الأسر، ويجوع الناس، وتتهدم البيوت، وتُفقد الوظائف، وتُترك المجتمعات في حالة من اليأس والشعور باللاجدوى من كل شيء في هذه الحياة. ودائما ما تكون استجابة العدو المحتل لأي مقاومة وطنية استجابة وحشية، لأنه يعلم تماما أن السكوت عنها سيوسع من رقعتها وسيشجع الآخرين للانضمام إليها مما يعني حلول لحظة نهايته بأسرع مما يتوقع، فما بالك إن كان هذا العدو هو الكيان الاسرائيلي الذي يعتبر احتلاله لفلسطين فكرة دينية ووجودية، متكئا في ذلك على مساندة معظم الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في المال والسلاح والمساندة الدبلوماسية في المحافل الدولية؟ ما بادرت إليه المقاومة في السابع من أكتوبر الماضي كان ضرورة حتمية، وبالتأكيد كانت تعرف ما ستؤدي إليه من وقوع ضحايا وإصابات وندوب دائمة على الأفراد والمجتمع ككل. وهذا حدث ويحدث دائما في كل حركات المقاومة والتحرر التاريخية، حيث لا يصمد في النهاية إيمانا بفكرتها وجدواها إلا الذين يعرفون أن عدم وجود طريق حقيقي للتحرر سواها. وما فعله طوفان الأقصى ليس قليلا، في لحظاته الأولى. لقد كانت مفاجأة مدوية ليس للكيان الصهيوني وحسب بل للعالم كله، وبالتالي فكان لا بد من توقع حجم ردة الفعل لدى حكومة الكيان التي تواجه بدورها ضغوطا محلية من مجتمعها لأسباب أخرى تتعلق بالانتخابات واستحقاقاتها. ولأن كثيرا من العرب يعيشون في هامش مشبع باليأس خصوصا بعد تداعيات الربيع العربي القاسية بدورها، فقد عاملوا ما يحدث في غزة وفق المنطق نفسه، وسحبوه الى هامشهم البائس وهو ما جعلهم يستسهلون إلقاء اللوم على قيادة المقاومة في استمرار العدوان على أهل غزة! هذه ضريبة العيش تحت طبقة من التعقيد النفسي فيما يتعلق بفكرة المقاومة أساسا، حيث يعاني العديد من العرب من الصدمات وعدم اليقين. ثم إن المفاهيم والتحيزات الإعلامية الطاغية غالباً ما تحجب تصورات الصراع، مما يجعل من الضروري للناشطين والمدافعين مشاركة السرديات الحقيقية لأصل الصراع وحتمية النضال المستمر، والتذكير بأن الرحلة طويلة ومكلفة. وكل خطوة تتخذ من أجل التحرير هي شهادة على الروح القوية للشعب الفلسطيني. إن نضال هذا الشعب المستمر والتاريخي ليس فقط من أجل تحرير فلسطين ولكن من أجل حقوق الإنسان الأساسية في العيش بكرامة على أرض الوطن. صحيح أن التحديات هائلة والتكاليف باهظة والمعركة قاسية وقطار التضحيات يسير بأقصى سرعاته الممكنة، ولكن الإيمان بمستقبل خالٍ من الاحتلال يظل بمثابة ضوء هادٍ للفلسطينيين، وكل عمل من أعمال المقاومة يقربهم خطوة واحدة من هدفهم النهائي: التحرير. وليس أمام الآخرين المؤمنين بفكرة فلسطين حرة سوى التضامن مع المقاومة ليس فقط لأنها الأدرى بالتفاصيل، والأكثر قربا من الناس في فلسطين وحسب، ولكن أيضا لأنها وحدها من تملك الحق في تقرير مصيرها وهي من دفعت وتدفع الثمن دائما.

735

| 09 سبتمبر 2024

اللعب الصهيوني على المكشوف!

ما الذي جعلهم أخيراً يتخلون عن حرصهم الشديد وكذبهم المشهور ليظهروا حقيقتهم بلا مراوغة ولا دبلوماسية؟ قبل يومين انتشر مقطع مصور لواحد من الحاخامات اليهود في الكيان الصهيوني، وأظنه يعمل عضوا في الكنيست أيضا، وهو يلقي خطابا باللغة الإنجليزية، وليست العبرية كالمعتاد، يقترح فيه تفجير المسجد الأقصى بصاروخ تطلقه «إسرائيل» ولكن من دون أن تعترف بذلك بل يقال حينها إن إيران هي من فعلت ذلك.. وهكذا تزداد الفتنة اشتعالا بين إيران وبعض الدول العربية مما يخدم مصالح الصهاينة بالتأكيد». ما لفت انتباهي ليس الهدف الأخير الذي ذهب إليه هذا الحاخام من اقتراحه الذي يبدو جادًّا وحسب، فهذا الهدف معروف ومعلن ومتوقع بين الخصوم والأعداء.. لكن اللافت الحقيقي للنظر هو أن الكيان الصهيوني وعلى لسان هذا الحاخام يعترف أن المسجد الأقصى لا يهمه لا كمكان ولا كرمز، وأنه لا يمثل للديانة اليهودية شيئاً كما يدعون في سرديتهى التاريخية، وأن الهيكل المزعوم تحته مجرد كذبة وها هي الكذبة تذوب تحت شمس الحقيقة المضمخة بالدماء أخيرا. هذا يعني أن ما يقولونه بالسر أصبحوا يتباهون به ويقولونه بالعلن وبكل صلف وعنجهية. ومتى يفهم العرب أن هذه هي «إسرائيل» الحقيقية؟ لم يتشجع هذا الحاخام على اقتراحه العلني الجاد بتفجير المسجد الأقصى، مع أهميته الدينية والتاريخية والمعترف بها عالميا، إلا بعد أن تأكد أن تصريحه لن يؤدي إلى شيء يضر كيانه المحتل، خاصة وأن الدماء التي سالت على مدى يقترب من السنة الكاملة للفلسطينيين الأبرياء لم تنجح في تحريك جهود حقيقية من قبل العرب والمسلمين تحديدا، وبقيت ردود الفعل مجرد بيانات وتصريحات متحفظة ومكتوبة بلغة دبلوماسية لا تكاد تقول شيئا.. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء لاكتشفنا أن هذا الصلف الصهيوني بدأ يكشف عن نفسه علنا تدريجيا منذ أن صوتت الأمم المتحدة على إلغاء قرار تجريم الحركة الصهيونية الصادر في 10 نوفمبر 1975، عندما اعتمدت الجمعية العامة قرارًا يعتبر الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. ففي 16 ديسمبر 1991، ألغي هذا القرار في إطار ما سُمي آنذاك بـ «جهود السلام في الشرق الأوسط»، وها نحن نشهد الآن ما الذي حل بجهود السلام المزعوم بعد مرور ثلاثة عقود! المزيد من العلاقات السياسية بين بعض الحكومات العربية وحكومة الكيان الصهيوني وتراجع العمل العربي لصالح القضية الفلسطينية بل ترتجع القضية نفسها سياسيا وإعلاميا إلى حد كبير.. ولعل هذا من أهم الأسباب المباشرة لعملية طوفان الأقصى التي نجحت في إعادة القضية إلى واجهة الأحداث وبؤرة الاهتمام العالمي وأرجعتها إلى مكانتها الحقيقية في وجدان كل عربي ومسلم بل وإنسان حقيقي في كل مكان. وساهمت بكشف سياسات الكيان الصهيوني تجاه المسجد الأقصى علناً وربما لأول مرة بهذا الشكل العنجهي الصلف. لقد تأكد الصهاينة أن الفلسطينيين يواجهون الاحتلال وحدهم، وأن معظم الحكومات العربية والإسلامية، لن تحرك ساكنا ولن تتدخل لا لإنقاذ البشر ولا لإنقاذ الحجر.. وأن المسجد الأقصى على قدسيته في الوجدان الإسلامي ورمزيته الكبيرة للقضية الفلسطينية لن يهم هذه الحكومات، حتى أن أحدا منها لم يستنكر ما قاله هذا الحاخام ولم يعترض عليه ولو على سبيل ذر الرماد في العيون.. ببيان شجب أو تنديد أو استنكار خجول، ولهذا أصبحوا يعربدون ويلعبون بالبشر والحجر والمقدسات على المكشوف وأمام العالم كله.. وبمنتهى الوقاحة أيضا.

639

| 02 سبتمبر 2024

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3069

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

3066

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2856

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

2637

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2574

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1404

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1134

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

975

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

945

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

822

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

795

| 17 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يحلّق من جديد

في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...

759

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية