رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
رغم فوزه بـ (95 مقعدا) بفارق كبير عن أقرب منافسيه وهي قائمة الأحرار الصدريين (34 مقعدا)، فإن المالكي في وضع لا يحسد عليه، والسبب هو تفسير المحكمة الاتحادية لمفهوم (الكتلة الأكبر) والذي أسهم إلى حد كبير في حرمان ائتلاف العراقية الفائزة في انتخابات عام 2010 من حقها المشروع دستورياً من تشكيل الحكومة باعتبارها القائمة الفائزة. بتاريخ 25/3/2010 أصدرت المحكمة الاتحادية تفسيرها للمادة 76 أولا الخاصة بالكتلة الأكبر (هي الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة واحدة دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر ثم تكتلت بكتلة واحدة ذات كيان واحد أيهما الأكثر عددا) وبذلك قضت هذه الفتوى على مغزى التنافس الانتخابي إذ لم يعد للفوز بالصدارة من قيمة طالما أن قوائم فاز كل منها بعدد محدود من المقاعد تستطيع الاندماج وبالتالي تجميع ما يكفي من المقاعد لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر متجاوزة بذلك عدد المقاعد الذي حصلت عليه القائمة الفائزة الأولى في الانتخابات. لم يكن الوضع هكذا في أول انتخابات تجري في ظل الدستور عام 2005، حيث صمتت عندها المحكمة الاتحادية ولم تتدخل في توصيف أو تعريف الكتلة الأكبر، ربما لأن الفائز كان الائتلاف الشيعي (العراقي الموحد) وهو نفسه الذي اعترض بعد أن خسر أحد أكبر أقطابه (قائمة دولة القانون) السباق في انتخابات عام 2010 وجاء بالمرتبة الثانية بعد ائتلاف العراقية. حينها وبترتيب وتنسيق مع مجلس القضاء أمكن الالتفاف على عرف بات شائعاً على نطاق واسع في كافة الأنظمة الديمقراطية، يمنح الفائز الأول في الانتخابات الأسبقية على منافسيه في تشكيل الحكومة، حيث يمكن أن ينجح أو يفشل في التصويت على نيل الثقة في وقت لاحق (نص المادة 76 رابعا وخامسا من الدستور). حصل ائتلاف دولة القانون على ٩٥مقعدا لكن مازال بحاجة إلى ٧٠ صوتا كي يصل إلى العتبة التي تؤهله لنيل الثقة (50 +) أي ما يعادل ١٦٥ مقعدا، وهي مهمة صعبة في ظل العزلة التي يعاني منها الائتلاف المذكور، ذلك أن حلفاء المالكي من القوائم الشيعية في انتخابات عام 2005 و2001 والذين مكنوه في حينه هم اليوم ينافسونه بقوة على منصب رئاسة الوزارة، رغم أن الجميع مازال يتمتع بعضوية التحالف الوطني (الشيعي)، لكن هؤلاء الحلفاء باتوا يشعرون بالغبن والحيف بسبب حصر منصب رئيس الوزراء على مدى دورتين بقيادة حزب الدعوة فحسب رغم شعور قياداتهم - الحلفاء - بالأهلية، ولهذا من الطبيعي أن يلجأ هؤلاء للتكتل مع القوائم المنافسة للمالكي أصلا، من خارج التحالف وعلى وجه الخصوص القوائم الممثلة للعرب السنة والكورد والليبراليين.. يبدو أن طموح المالكي يصطدم بجدار صلب من الرفض، في ضوء ذلك خصوم المالكي الذين تفوق عليهم بفارق كبير في عدد المقاعد يستطيعون جمع شتاتهم والتفوق عليه بما يزيد على 90 صوتا أي بمقدورهم جمع ما يزيد على 185 صوتا ما يؤهل الحكومة المشكلة من قبلهم لنيل الثقة بسهولة. لكن المهمة مع ذلك تبدو ليست سهلة، إذ من جانب فإن المالكي سيسعى غاية ما يستطيع من أجل كسب المؤيدين من القوائم الصغيرة ولديه الأدوات والوسائل، سوف يوظفها بالترغيب أو الترهيب، إلى جانب مساعيه في تقويض وتفتيت أي تحالف مضاد، بإغراء القوائم الفائزة الأخرى في تلبية تطلعاتها بالحصول على الوزارات أو المناصب السيادية التي ترغب، أو الاستجابة لمسائل خلافية بقيت معلقة منذ سنوات وأخص منها بالذكر ملفات النفط والغاز، البيشمركة، وما يطلق عليه المناطق المتنازع عليها، التوازن، الملف الأمني، حقوق الإنسان، القوانين المثيرة للجدل كقانون مكافحة الإرهاب وقانون المساءلة والعدالة، الفساد وغير ذلك. في هذه الأيام التي تسبق تشكيل الحكومة حولها نوري المالكي إلى (بازار)، أي سوق تنشط فيها الصفقات بيعاً وشراء والمالكي في مثل هذه الظروف لا يضارعه أحد في السخاء والكرم وعينه لا تفارق كرسي رئيس الوزراء ومبدأه.. الغاية تبرر الواسطة. وطالما نحن نتكلم بلغة السوق والبازار.. فإن مشكلة المالكي هي أنه عادة ما يشتري عاجلا لكنه يدفع آجلا، يشتري الموافقة لدعم ترشيحه مقابل وعود بتنفيذ هذه المسألة أو تلك ويوقع صكوكا وتعهدات بالدفع في وقت لاحق، لكنه سرعان ما يتنصل منها وينكل بها.. إنه مدين غير جدير بالثقة، لا يحترم حتى توقيعه وكان آخر دين لم يوف به ومازال معلقاً بذمته هي بنود اتفاق اربيل التي على أساسها ظفر المالكي بولاية ثانية في حينه، فقد المالكي مصداقيته ولا أحد يبدو مستعدا أن يتكفله أو أن يضمنه وبالتأكيد أن يعقد معه صفقة. وهذا هو موقف النخبة السياسية جميعها، من شتى الأعراق والمذاهب والأديان. من دون شك فإن المالكي الذي يبدو أنه غسل يده من إمكانية حصوله على الدعم المطلوب من القوائم الفائزة، لابد أن يناور لاستجداء الدعم الدولي الذي مكنه حتى الآن من النجاح في دورتين، ورغم أنه على مدى ثماني سنوات فرط نوري المالكي بالسيادة وأهدر مصالح البلد العليا ومزق النسيج الاجتماعي بإثارة وتأجيج الفتنة الطائفية، وربما هذا ما رغبت فيه وسعت إليه دول عديدة فإن الجميع يدرك أن بقاء رجل الأزمات لأربع سنوات قادمة من شأنه أن يدفع العراق إلى أتون حرب أهلية وإلى التقسيم ما يضع أعباء جديدة على الدول صاحبة النفوذ في العراق وهي في تصوري غير مستعدة لذلك، إذ في تصوري لا الولايات المتحدة مستعدة أن تزج نفسها من جديد في مستنقع العراق وهي مازالت تعاني الكثير بسبب مغامرة غزو عام 2003 ولا من مصلحة الحزب الديمقراطي الحاكم المجازفة بعودة العراق للواجهة في الحملات الانتخابية القادمة وهو يعلم أن الجمهوريين سوف يستغلون تدهور أوضاع العراق لاتهام الرئيس أوباما والديمقراطيين وتحميلهم المسؤولية بفضل المسألة المثيرة للجدل وما أطلق عليه (الانسحاب المسؤول) من العراق. أما إيران فيكفيها غرقها في الملف السوري وما نجم عن تدخلها من إدانة على نطاق واسع وعزلة دولية إضافة إلى أن تدخلها بات يستنزف موارد هي بأمس الحاجة إليها بعد أن تأثر اقتصادها كثيراً بالحصار المفروض. وهكذا ففي ظل تفسير دستوري أفرغ الفوز من محتواه إلى جانب غياب الشركاء وتراجع الدعم الإقليمي والدولي لن يستطيع نوري المالكي تشكيل الكتلة الأكبر، وهو يشرب اليوم من نفس الكأس التي شربه ائتلاف العراقية عام 2010 وكان مضطرا لذلك.. كان بإمكان المالكي لولا هذه الفتوى أن يمضي على الأقل إلى تشكيل الحكومة باعتباره الفائز الأول ودون انتظار، لكنه عام 2010، فضل الكسب العاجل دون التحسب لاحتمالات المستقبل.. وهكذا ينطبق عليه المثل الشائع.. (على نفسها جنت براقش).
1875
| 26 مايو 2014
خلال وجوده في السلطة على مدى ثماني سنوات لم ينجح نوري المالكي في شيء قدر نجاحه في مشروع (تقسيم العراق)، لقد عمل جاهدا على تمزيق النسيج العراقي وحول العراق بسياساته الخرقاء من دولة مواطنة إلى دولة مكونات خلاف الدستور، ولأن المهمة لم تنته بعد والعراق لازال حتى اللحظة موحد، فإن وجود نوري المالكي في المنصب لدورة ثالثة تبدو مطلوبة من أجل إكمال المهمة. بصرف النظر عما نسمع، فإن العديد من الدول وبعضها إقليمي لازال يتحسب ويتخوف من عراق قوي وأمامه اليوم فرصة تاريخية حيث العراق ضعيف وشعبه منقسم يمكن استثمارها في تفكيك العراق آخذين بنظر الاعتبار أن مشروع التقسيم هو منذ عشرات السنين مطروح على الطاولة دائماً في دوائر الغرب وإسرائيل وإيران. لم أجد تفسيرا واحدا للنهج الذي اعتمده حزب الدعوة ابتداء من حكومة إبراهيم الجعفري وأكمله لاحقا نوري المالكي إلا الدفع باتجاه تقسيم العراق، وللتذكرة فقد انطلقت في زمن الأول حملات التطهير الدموية، وظاهرة الجثث مجهولة الهوية والقتل بالمثاقب والمناشير الكهربائية حتى بلغت الذروة في فبراير من عام 2006 بعد تفجير المراقد في سامراء حيث أكدت مصادر مطلعة تورط إيران فيها. تفاقم الوضع لاحقا في زمن ولاية نوري المالكي الذي توسع في حملات التطهير و التهجير والتضييق واستهدف العرب السنة بشكل منهجي في مختلف مجالات حياتهم وبات الكل مهدد بالاتهام والذي يسلم من قطع الأعناق بتهمة الإرهاب لاينجو من قطع الأرزاق متهما وفق قانون المساءلة والعدالة، حتى الذين شاركوا في العملية السياسية واغضبوا شريحة واسعة من العرب السنة لم ينج من الملاحقة والتضييق ناهيك عن فصائل المقاومة المسلحة التي لوحقت بتهم الإرهاب أيضاً.، بل امتد ذلك حتى للصحوات وهي رغم أنها قضت على أكبر تهديد كان يواجه العملية السياسية السلمية واقصد نفوذ تنظيمات القاعدة فقد استهدفت بحملة اغتيالات منظمة بالكاتم تولتها فرق اغتيال تابعة لمكتب المالكي وسهلت ذلك بسحب الحمايات والتضييق عليهم بقطع الرواتب رافقتها حملات إثارة الغرائز الطائفية وتأجيج مشاعر الكراهية واستدعاء خلافات تاريخية مضى عليها 1400 سنة لتكون جزءا من الشهد السياسي للعراق الجديد. الخلافات مع إقليم كردستان والتي تركزت على حقوق التنقيب عن النفط وتسويقه ليست عصية على الحل، بل حتى المشاكل المتعلقة بحرس الإقليم والبيشمركة والمناطق المتداخلة ممكنة الحل، لكن المالكي اختار أن يبقيها معلقة كي تتعاظم قواته العسكرية أولا وبالتالي يتفاوض من موقع قوة ومتى فشلت المفاوضات فإن خيار استخدام القوة جاهز.... أما خلافه مع العرب السنة وهو الأكثر بروزاً على الساحة فإن المالكي ليس فقط لم يستجب لمطلب واحد من مطالبهم رغم أن الاستجابة لها ممكنة باعتبارها مطالب دستورية مشروعة بل هو لم يضع حدا لاستهداف رموزهم أو ملاحقة شبابهم واغتصاب مساجدهم والتعدي على أعراض نسائهم.. بل إن المداهمات العشوائية وحملات الاعتقالات الجماعية على الهوية لم تتوقف، وتحولت المحافظات ذات الأغلبية العربية السنية إلى مناطق غير صالحة للحياة ما دفع الملايين من العوائل للهجرة وطلب اللجوء.. وعندما يفقد المواطن الملاذ الأمن في وطنه ويضطر للهجرة فهل سيلام هذا المواطن إذا ما راجع مع نفسه ثابتا مقدسا آمن به وترعرع عليه ودافع عنه بكل ما يملك وأقصد (العراق الموحد)؟ لا أعتقد سيلومه أحد. الحياة الحرة الكريمة أكثر قدسية من جغرافيا الوطن الواحد، إذ ماهي قيمة العراق الموحد للمواطن إذا أصبح اليوم بحكم حملات التطهير والتفريس غريبا عنه؟ وفي الوقت الذي يتهيأ فيه إقليم كردستان لإعلان حق تقرير المصير، فإن العرب السنة بعد أن اضطروا لحمل السلاح لن يتنازلوا للمالكي أو لمن سيخلفه عن حقهم في حياة حرة كريمة وباتوا يتحدثون علانية بخيارات تؤمن لهم استقلالية عن المرجعية الإدارية في بغداد لأمور الأمن والخدمات والطاقة وغيرها، وهم في ذلك مجبرون لا مخيرون لكنهم باتوا أكثر حزما من أي وقت مضى خصوصا بعد العدوان العسكري واسع النطاق على الأنبار وديالى ومناطق حزام بغداد. وحتى تكتمل المسرحية لابد أن يكون للشيعة من موقف يعزز حالة التشرذم والانقسام، والسيناريو انصرف لإيذائهم بسيل لا ينقطع من الهجمات الظالمة بالسيارات المفخخة لا تستهدف النخبة بل بسطاء الشيعة والذين لا حول لهم ولا قوة ومن ثم الترويج أن القتلة هم (العرب السنة) وليس فريقا متعصبا منهم، لهذا قسم نوري المالكي الشعب العراقي بين جيش الحسين وجيش يزيد! ليس هذا فحسب بل إنه بات يوظف خلافات فنية مع إقليم كردستان حول النفط من أجل التحريض وخطابه، لماذا يستفيد الكورد من ثروات البصرة وميسان والناصرية وغيرها بينما تمتنع كردستان عن تسليم ما تنتجه من نفط خام لخزينة الدولة وتحرم منه الشيعة.!! بالطبع مع موقف وخطاب من هذا الطراز لابد أن تتحول ثقافة الشراكة والمصلحة المشتركة إلى ثقافة الشك والحسد والأنانية.. وهي بذور تصلح للتقسيم لا أروج للتقسيم ولا أؤمن به وأعتقد أنه يمثل وصفة كارثية يتلاشى بموجبها العراق بالكامل لصالح الدول المجاورة، لكن ذلك لا يلغي الحقائق الصارخة على الأرض وتسليط الضوء عليها ولو كانت مرة. العراق في مفترق طرق، وأمامنا ربّما الفرصة الأخيرة، فأما بقاء العراق موحد شرط تولي طاقم قيادة بديل يشكل حكومة على أساس من التوافق الوطني تتولى إصلاح ما أفسده نوري المالكي وتعمل بجدية على إقامة دولة المؤسسات والعدل أو استحواذ المالكي على ولاية ثالثة ما يعني مواصلة النهج الكارثي الذي سيقود دون شك إلى تقسيم العراق. وفي هذا الصدد أعيد للأذهان تصريح وكيل وزارة الأمن القومي الإسرائيلي عندما صرح في محاضرة ألقاها في إحدى الجامعات العبرية عندما قال (لقد حقنا في العراق ولا زلنا نحقق ما تجاوز إلى حد بعيد ماكنا نتوقع تحقيقه!) صرح بذلك ونوري المالكي رئيساً لمجلس الوزراء منذ ثماني سنين. لهذا أحذر وأقول إن التصويت لنوري المالكي في انتخابات غد إنما تعني التصويت لتفكيك العراق وتقسيمه.
1668
| 29 أبريل 2014
في عام 1978 عند كتابتي لأطروحة الماجستير وكانت تحت عنوان (العلاقة بين الدفاع الوطني والتنمية الاقتصادية) تناولت بإسهاب موضوع (الخدمة الوطنية) ونطلق عليها في العراق (الخدمة الإلزامية) أو (خدمة العلم)، تأكد لدي في حينها مدى ارتباط هذه الخدمة وبشكل وثيق بالدفاع من جهة والتنمية من جهة أخرى. إذ من غير المتصور عند جميع الاقتصاديين أن تجري تنمية في بلد ما ويخصص لها قسط كبير من الثروة الوطنية دون التفكير بسياج يحمي مخرجات التنمية ويدافع عنها باعتبارها وجها من أوجه المصالح الوطنية العليا، ونحن بالتأكيد نتحدث في هذا الصدد عن مرافق خدمية ومشاريع عملاقة استنزفت مخصصات مالية هائلة، على سبيل المثال لا الحصر مولدات الطاقة والسدود ومشاريع الماء ومصافي النفط والغاز والمطارات ومخازن الغلال والصناعات التحويلية.. والقائمة تطول، لهذا ليس من الغريب أن تأخذ معظم دول العالم بالخدمة الوطنية. صحيح أن الهدف المباشر للخدمة الوطنية ينصرف إلى تطوير الدفاع عن الوطن من خلال تعظيم القوة البشرية المؤهلة للخدمة العسكرية، حيث يضاف الاحتياط (أفراد الخدمة الوطنية) إلى الملاك الدائم من تشكيلات ووحدات عسكرية تضم المتطوعين للخدمة العسكرية، لكن الآثار غير المباشرة لهذه الخدمة على التنمية تبقى إيجابية ولا يستهان بها على الإطلاق، الخدمة الوطنية في جانب منها شكل من أشكال التنمية البشرية، لأنها تصنع الشعب المنتج المنظم المنضبط الصبور، ومهما برعت واجتهدت فإن مراكز التدريب والتأهيل المدنية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تضارع المؤسسة العسكرية في هذا المجال، ذلك لأن العسكرية كمهنة تستند على قيم أصيلة لا تجتمع إلا فيها وهي في مجموعها تشكل مدخلات حيوية في برامج التنمية البشرية. الإقبال على تمارين اللياقة البدنية والتدريب على مهارات مهنة الميدان وتمارين التحمل والإسعافات الأولية وتمارين السلاح وإطفاء الحرائق، والرمي الحقيقي.. وجميعها، كما أعلم، مواضيع شملها البرنامج التدريبي، من شأنها أن تقود إلى الانضباط والالتزام، التخطيط والتنظيم، الترشيد والاقتصاد، الصبر والتحمل، التنسيق والنظافة، الإبداع والابتكار، الصحة البدنية والنفسية.. قيم تتمحور حولها المهنة العسكرية ويحتاجها الفرد في حياته اليومية كما تحتاجها العائلة.. فكيف بالوطن! لاشك أن الأمم الحية بحاجة ماسة إليها ولولاها ما نهضت الشعوب وارتقت على مدى تاريخ الحضارات، ولا أظن أمة تطلعت للتقدم والنمو دون أن تكون قد هيأت شعبها لهذه المهمة وزرعت فيه منظومة القيم هذه ابتداء، ويبقى الإنسان قيمة عظيمة، لابد من الاعتناء به، باعتباره وسيلة التنمية وهدفها. حجم السكان في الدولة عنصر قوة لا يستهان به، ليس فقط لأسباب تتعلق بالدفاع بل لأسباب أخرى تتعلق بالاقتصاد والتنمية، صحيح ليس هناك حجم مثالي للسكان، لكن يبقى هذا العامل أحد عناصر القوة، حيث تفتقدها الدول خفيفة السكان، ما يشكل لها هاجسا كبيرا، ليس فقط في الأمن، بل في الاقتصاد والتنمية أيضا، يتضاعف هذا الهاجس كلما زاد ثراء الدولة.. ما يدفعها للتعويض عن النقص العددي بالاستثمار الأمثل لجميع الموارد الوطنية المتاحة مادية وبشرية إلى جانب الاهتمام بالكيف بدل الكم، والنوع بدل الحجم. في جانب الدفاع الوطني يتطلب من الدول الخفيفة بالسكان أن تضع برامجها على أساس: 1. تأهيل جميع القادرين على حمل السلاح للقتال وعدم الاكتفاء بشريحة الشباب، بل قد نضطر لتجنيد الفتية والنساء أيضاً عند الحاجة. ٢. الاهتمام بالتدريب ما يرتقي بمتوسط القدرة القتالية إلى أضعاف ما هو عليه الجندي في الجيوش العادية. ٣. تسليح حديث يوفر قوة نارية مضاعفة يجري تشغيله بأقل عدد من المقاتلين. من دون شك فإن الأساسين أولا وثانيا يوفران الإمكانية للتعويض عن النقص العددي في السكان، طالما أن معيار المفاضلة في التوازن العسكري لا ينحصر بمجرد أرقام الموجود البشري من البشر، بل بقدر ما تنجزه هذه الأرقام على أرض الواقع وأقصد المهارة القتالية، هذا هو الأصل في المفاضلة. شعب قطر محافظ ومتدين ولهذا أتوقع أن يلقى مشروع الخدمة الوطنية استجابة كبيرة، لأنه يرسخ معاني الإسلام وقيمه في حب الوطن والانتماء إليه، الجهاد بكل ما فيه من فداء وتضحية والقوة والصبر والتحمل والزهد ونبذ العادات السيئة المرتبطة بالترف، كما أنه سيقرب عشائر وشرائح المجتمع القطري بعضها مع بعض ويعزز من تماسكها وذلك من خلال صهر الفوارق الاجتماعية بين أبناء الشعب الواحد بدعوتهم للعيش فترة من الزمن في ظل ظروف متشابهة وتحت خيمة واحدة بكل ما فيها من تعب أو نصب، حيث تتعزز قيم الانتماء للوطن، ويلتقي الجميع على هدف نبيل واحد، ألا وهو الرغبة للمشاركة في الدفاع عنه، يتساوى في ذلك الغني والفقير، الصغير والكبير، المثقف والأمي.وهنا تتوسع دائرة فهم الفرد للمواطنة وتتحول من مجرد كون المواطن مستهلكا لنعمة أفاضها الله سبحانه وتعالى على وطنه إلى دافع ضريبة يسدد فيها كلفة هذه النعمة بالدفاع عنها متى يتطلب الواجب ذلك. ويبقى الحرص على إنجاح هذه التجربة ضروريا لأسباب لا تنحصر في الكلفة المحاسبية لكشوف وزارة الدفاع فحسب، بل تتعداها للكلفة الفرصية الضائعة غير المنظورة للمؤسسات والقطاعات والأنشطة المدنية التي حرمت من خدمة موظفيها المكلفين / المجندين خلال فترة التحاقهم بالخدمة الوطنية، وتتعاظم هذه الكلفة بالطبع كلما زادت حصة شريحة التكنوقراط والفنيين وخريجي الجامعات في قائمة المكلفين / المجندين، لكن هذه الكلفة ليست دون مقابل، بل إنها أيضاً مدفوعة الثمن من جانبين، فهي إلى جانب المزايا الناشئة من إعادة تكييف وعي وسلوك المجندين نحو الأحسن فإن القطاع العسكري يستفيد من خبرات ومهارات هو بأمس الحاجة إليها ولا مجال للحصول عليها إلا من خلال برنامج الخدمة الوطنية. درست عند كتابتي لأطروحة الماجستير تجارب دول متقدمة واكتشفت أن أغلب المتقاعدين من الخدمة العسكرية كالمهارات في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والعلوم الحياتية المختلفة.. إنما يشقون طريقهم بسهولة نحو مناصب مرموقة في المؤسسة المدنية على اختلاف تخصصاتها بفضل حاجة هذه المؤسسة إلى تخصصاتهم ونمط سلوكهم، باختصار القطاعان المدني والعسكري إنما يتبادلان المنافع بتوظيف مخرجات كل طرف بشكل واعٍ ومدروس.ورغم أن التجربة كانت محل دراسة لسبع سنوات مضت كما نشر في الإعلام فإن من المحتمل أن تواجه كما في أي تجربة ناشئة أخرى بعض المشاكل ولذا فإن إخضاع التجربة الأولى للتحليل والتقييم ضروري من أجل إغنائها وتطويرها لتنفيذ برامج أفضل في المستقبل. والمطلوب هنا إجراء دراسة جدوى تقارن فيها المنافع المتحققة، في الأمن الوطني والدفاع، في وعي وسلوك الفرد، مقابل الكلفة المادية والكلفة الفرصية.. وليس لدي شك واحد أن برامج الخدمة الوطنية من هذا القبيل إنما ستعود بالخير العميم على الوطن والمواطن وستثبت الأيام صحة هذه النظرة. وأن قرار دولة قطر في هذا المجال إنما كان قرارا صائبا وخطوة في الاتجاه الصحيح.
1384
| 13 أبريل 2014
على قدر أهل العزم تأتي العزائم، الحكمة التي غدت منذ أن أطلقها الشاعر المتنبي منذ قرون مضرب الأمثال، عزائم متواضعة تقود في العادة إلى إنجازات متواضعة، وهذا هو حال القمة العربية في دورتها الخامسة والعشرين في الكويت. ورغم أن الثقة الشعبية تراجعت بالجامعة العربية ومؤتمراتها منذ وقت طويل، لكن ما فقدناه اليوم هو قوة الخطاب بعد أن كنا فقدنا اقتران القول بالعمل. لم يعد الكيان الصهيوني هو التهديد الوحيد لحاضر الأمة ومستقبلها، بل انضم إليه التهديد الفارسي الذي لا يقل عنه خطرا، وكان من المؤمل أن يفضي تعاظم التهديد وتنوعه إلى التقريب في وجهات النظر والتوحد خلف الثوابت والمشتركات على أساس أن "المصائب يجمعنا المصابينا"، لكن الذي حصل هو العكس مع الأسف، حيث تفشت بدل ذلك ظاهرة عدم الاستقرار، ولاسيَّما في العديد من دول الربيع العربي، إضافة إلى حالة تفاقم الشقاق والفرقة بين الدول سواء على الصعيد العربي أو الصعيد العربي الخليجي، وكان المأمول أن تنجح القمة في تخفيف حدة الخلاف بالتركيز على الهم العربي المشترك باعتباره ثابتا من شأنه أن يستقطب الجميع لكن ذلك لم يحصل وعاد القادة إلى دولهم كما خرجوا منها خالي الوفاض من أي قرارات ذات مغزى، وهذا الوضع مع الأسف الشديد من شأنه أن يبقي على حالة الاضطراب قائمة لسنوات قادمة من الزمن. ملفات ساخنة كان المأمول أن يتصدى لها القادة العرب بجرأة وبمسؤولية وبقرارات حازمة نظرا لخطورتها على الأمن القومي العربي، لكن القمة في بيانها الختامي إما تجاهلتها أو تعاملت معها رغم سخونتها باستحياء كحالة التهديد الإيراني، أو الحصار المفروض على غزة، أو تهويد القدس الشريف أو الاستهداف الطائفي للعرب السنة في العراق، أو البربرية التي يتعرض لها الشعب السوري من جانب النظام بالقتل والتشريد والخراب... والغريب بدلا من الانتصار له كوفئ هذا الشعب صاحب المائة وخمسة وعشرين ألف شهيد وعشرة ملايين مشرد ومهجر بحرمانه من مقعد الجامعة العربية الذي كان منح له في مؤتمر قمة الدوحة قبل سنة!! من حق الشعوب العربية أن تغضب وأن تفقد الثقة نهائيا بمثل هكذا مؤتمرات، بل من حقها بعد ذلك أن تفكر في خيارات بديلة. أعجز عن أن أعذر قائدا عربيا وهو يتجاهل حصار غزة والناس تموت، إما لنقص في الوقود أو لنقص في الدواء بفضل الحصار ولديه القدرة المالية الكافية ولا يتكرم!! بل لا أستطيع أن أتفهم موقف مسؤول وهو يتجاهل قتل الأطفال اليومي في سوريا الجريحة بالبراميل المتفجرة أو تهجير العوائل على مدار اليوم والساعة ولا يفعل شيئا، بل يكتفي بالتفرج!! يصعب علي أن أتفهم موقف عدم الاكتراث ومدفعية نوري المالكي وطيرانه تدك بيوت العرب السنة في الرمادي والفلوجة وبهرز والطارمية وجرف الصخر وسليمان بيك، صباح مساء، وفوق ذلك الولايات المتحدة وروسيا وإيران تدعم عدوانه في السر والعلن وكأن العرب لا يعنيهم الأمر، رغم أن العديد منهم قادرون على ممارسة الضغط على هذا الطرف أو ذاك ولا يفعلون!! نعم يصعب علي أن أتصور أن ذلك يحصل والعرب مشهورون بالمروءة والنخوة، لكنه مع الأسف هو واقع الحال، إنه بالفعل زمن الانحطاط. لدي كلام كثير مشوب بالحسرة والألم.. لكني أقول وبكل موضوعية وتجرد: لو اعتمد خطاب أمير دولة قطر الشيخ تميم كجدول أعمال ربما كانت القمة وفقت في الخروج بقرارات ذات مغزى، لكن وهي قد تجاهلت ذلك فإن الفرصة تكون قد ضاعت. وهكذا يضاف إلى قائمة القمم الفاشلة مؤتمر قمة الكويت.
1578
| 30 مارس 2014
حلت قبل أيام الذكرى الحادية عشرة لغزو العراق في العشرين من مارس عام 2003، وبفضل التداعيات الكارثية التي انطوى عليها الغزو والتي طالت مختلف أوجه الحياة في العراق يليق أن نطلق على هذا العام (عام الحزن). لم يتحسن المشهد عما كان عليه في العام الفائت بل تفاقم في أكثر التحديات خطورة واقصد بها التحدي الأمني من جهة والتحدي الاجتماعي وفرص التعايش الوطني بين الأعراق والمكونات من جهة أخرى، حيث سجلت تراجعا ملفتا للنظر. الأمين العم للأمم المتحدة في تقريره السنوي عن العراق (حذر بوضوح من آثار مدمرة ودائمة للتحديات السياسية والأمنية على الاستقرار في العراق على المدى البعيد.. ما لم يجري معالجتها قريبا بالحوار الوطني الذي بات أكثر إلحاحا من أي وقت مضى).. وهو لاشك تشخيص دقيق للخطورة التي يواجهها العراق.. لكن المؤسف والمحزن أن المجتمع الدولي بضمنه العربي يكتفي بتصريحات يطلقها في هذه المناسبة او تلك وينتهي الأمر كأنما الموضوع إسقاط فرض لا غير. كثيرة هي الخطابات والرسائل التي أرسلها من وقت لآخر للقادة والرؤساء إلى جانب المنظمات الدولية، الأمم المتحدة والجامعة العربية والتعاون الإسلامي وباستثناء البرلمان الأوربي فإن مستوى التفاعل مازال دون المأمول، والخلاصة التي توصلت لها، إن الدول الكبرى وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة لحسابات تتعلق بالانشغال بالداخل وأسباب أخرى.. لا تريد عودة العراق للواجهة مرة أخرى وفي هذا الوقت بالذات على الأقل كي لا يحمل الرئيس الأمريكي أوباما مغبة التدهور الحاصل في الوقت الذي لازال العراق يرتبط مع الولايات المتحدة باتفاقي شراكة.الموقف الرسمي العربي هو الآخر يدعو للأسف والاستغراب وهو حقيقة لا يختلف كثيرا عن الموقف الأمريكي! رغم أن الأسباب قد تختلف إذ إلى جانب الانشغال بالداخل هناك مؤشر واضح على قصور في الهمة إلى جانب قصور في النظر لدى البعض يرتبط بمخاوف من عراق قوي متعافي وهذا الموقف يستند على أحكام مسبقة مبنية على أحداث تاريخية معينة عفا عليها الزمن. يمكن أن يتفهم المرء أو يعذر الآخرين هذا السلوك فيما لو انحصرت آثار الوضع المتفجر في العراق في إطار حدوده، لكن وهي تعبر الحدود إلى الجوار وتشكل تهديدا حقيقيا على أكثر من دولة خليجية ولا يجري تدارك الأمر ويكتفي بالتفرج على المشهد المحزن أو إطلاق تصريحات متباعدة لا أثر لها على ارض الواقع؟ هنا حقيقة يتعذر علينا الفهم. وأرجو أن أكون مخطئا في تحليلي. آمل أن يتبنى العرب ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي مقاربة جديدة مختلفة يحددون فيها مصالحهم الجيو سياسية ويبنون عليها سياساتهم الجديدة وهذه المرة باستقلالية عن الآخرين.متغيرات هامة بعضها حصل وأخرى ستحصل في الأمد القريب، تشكل فرصة مناسبة علينا ان نحسن في إطارها الأداء. لعل في مقدمتها الاتفاق المتوقع على الملف النووي الذي جعلته إيران مشروطا باعتراف الغرب بمصالح إقليمية تطمح لها لا تقل في أهميتها عن البرنامج النووي نفسه، هذا إضافة الى انتخابات تشريعية في العراق في الثلاثين من أبريل القادم يمكن أن تقود لتشكيك حكومة مختلفة، بالطبع لا نغفل ثورة الأنبار التي مضى عليها ما يقرب من ثلاثة أشهر يمكن أن تشكل منطلقا لأحداث التغيير المنتظر بالتوازي مع الانتخابات، وأخيرا زيارة الرئيس أوباما للمنطقة إذ ربما ستكون الزيارة التاريخية الأخيرة له قبل أن يودع البيت الأبيض والتي من المحتمل أن تحدد إطار الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط. يحصل ذلك ومؤتمر القمة العربي على الأبواب نهاية الشهر الحالي في الكويت. لابد أن نتهيأ لهذه الزيارة ونذهب للتفاوض ونحن بوضع أفضل في أكثر من مجال، إذا عجزنا في إطار البيت العربي فلا أقل من البيت الخليجي حيث يقتضي التجانس والانسجام، ثورة الأنبار مدعومة قولا وعملا، انتصارات ملموسة تحققها الثورة السورية على الأرض ردا على سقوط يبرود، وقفة مع غزة، دعم الاستقرار في اليمن، نشاط دبلوماسي مكثف مع روسيا للبحث عن مشتركات جديدة في فترة ما بعد ضم جزيرة القرم.. زيارة ولي العهد السعودي للشرق جاءت في وقتها وآمل أن تكون قد حققت أغراضها لكن الرسالة للولايات المتحدة حول الخيارات المفتوحة أمام المملكة كبديل عن الاعتماد الحصري على الغرب بالتأكيد كانت قد وصلت. الخاسر الأكبر لما تعرض له العراق خلال حقبة الأحد عشرة سنة الماضية كان العراقيون بالتأكيد، لكن من دون شك شملت الخسارة العرب أيضا، والخليجيون على وجه التحديد، خصوصا بعد ان بات العراق يشكل هاجسا حقيقيا لأمن واستقرار الدول الخليجية وأمام العرب خيارين لا ثالث لهما، أما أن ينسجموا مع أنفسهم ويحسموا أمرهم في ضوء متطلبات الأمن القومي العربي ويراجعوا أجندتهم وعلاقاتهم الإقليمية والدولية على أساس أن الأمن العربي واحد، وان تجاوز إيران على الخطوط الحمر متمثلا بالتجاوز على أية سيادة أي عربية إنما يعتبر تهديدا، مباشرا على العرب جميعا يقتضي مواجهته وإفشاله، أو أن يرفعوا الراية البيضاء وينسجموا مع نصيحة الرئيس الأمريكي أوباما في تكييف هذه الدول مواقفها مع الاتفاقيات الجديدة بين الولايات المتحدة وايران وتتهيأ لتقديم المزيد من التنازلات في مصالح معتبرة باتت مهددة في العديد من الدول العربية التي تشهد اضطرابات لاشك أن وراءها إيران. ولا أعتقد أن الخيار الأخير يصب في صالحها.
1508
| 24 مارس 2014
هزلت!! ولكن ليس اليوم.. بل منذ زمن بعيد، إذ كثيرة هي المؤتمرات الفاشلة التي تعقد من وقت لآخر بل إن بعضها يولد ميتا كحال المؤتمر الذي دعا إليه نوري المالكي في بغداد وانعقد خلال الثاني عشر والثالث عشر من الشهر الجاري.ولد المؤتمر ميتا ليس بفضل سيرة الداعي للمؤتمر تلك السيرة التي تدعو للاشمئزاز والصدمة وتشكل لوحدها مفارقة ملفتة للنظر إذ كيف يرعى مؤتمرا لمكافحة الإرهاب من هو متورط بجرائم موثقة ومؤكدة تتجاوز الجرائم العادية إلى جرائم إبادة ضد الإنسانية مكان التقاضي الطبيعي فيها المحكمة الجنائية الدولية، وهنا أشير إلى المعلومات المخابراتية المهمة للغاية والتي سربها الصحفي أنور مالك والتي تؤكد علاقة المالكي بالقاعدة وداعش. كما أن الذين شاركوا في المؤتمر لم يتجشموا عناء السفر أو مخاطر التواجد في المنطقة الخضراء حرصا منهم على إغناء المؤتمر بحلول ناجعة تصلح كعلاج للحالة الأمنية المستعصية في العراق منذ سنوات. بل أغلب الظن أن الذين شاركوا غير جادين وغير مكترثين بالحالة المأساوية التي انحدر إليها العراق ولهذا فإن مشاركتهم إنما جاءت لحسابات تتعلق بعقود وصفقات.. وليس التزاما بمبادئ. بعض الدول ولاسيَّما الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن تتطلع إلى عقود تسليح بعد أن أبرمت حكومة المالكي عقودا بالمليارات مع الولايات المتحدة وروسيا والصين، حجتها أن هذه الأسلحة موجهة لمكافحة الإرهاب، إرهاب القاعدة وداعش فحسب، وبصرف النظر عمن سيستخدم هذه الأسلحة (حتى لو كانوا إرهابيين من صنف آخر) على سبيل المثال لا الحصر ميليشيات العصائب أو فيلق بدر أو حزب الله أو الحرس الثوري أو البطاط، هذه الفصائل والجماعات لا تقل إرهابا عن القاعدة وداعش، لكنها لا تصنف هكذا رغم سجلها الأسود. مثال آخر على المعايير المزدوجة للغرب. شارك بعض العرب ومنهم خليجيون في المؤتمر رغم دعوتنا للمقاطعة وهذا حدث يدعو للأسف، كما يدعو للاستغراب بعد أن وجه المالكي اتهاما صريحا غير مسبوق للسعودية وقطر بالضلوع في الإرهاب المتفشي في العراق؟ لقد خسر هؤلاء الكثير وأغضبوا إخوانهم أولئك الذين يضطهدهم المالكي وكانوا يأملون موقفا يعزز من صمودهم ويداوي جراحهم ويعطيهم جرعة من أمل وعلى وجه الخصوص العرب السنة من عشائر الأنبار في الرمادي والفلوجة الذين تستهدفهم مدفعية المالكي وطيرانه الحربي صباح مساء، بالنسبة لهذه الدول يبدو أن الخوف دفعها للمشاركة لإرضاء نوري المالكي ومن يقف خلفه بدل التعاطف مع العشيرة والأهل رغم ما يتعرضون له من سياسات تمييزية وطائفية.الضعف بلاء، وكنا نأمل أن يستتروا بسببه، لا أن يفضحوا أنفسهم بأنفسهم وعلى رؤوس الأشهاد، إذا بليتم فاستتروا!! المؤتمر في الشكل والمضمون لم يقدم جديدا، حتى التوصيات التي خرج بها ما هي إلا استنساخ وتكرار لطروحات وأفكار مستهلكة، لهذا يمكن القول إن المؤتمر لا يعدو أن يكون وجها من أوجه العلاقات العامة استهدفت جملة أغراض، الأول تبييض السجل كالح السواد لنوري المالكي ونظام حكمه الفاشي، وحتى في هذه لم يفلح. والثاني جمع أكبر حشد دولي ممكن للوقوف معه في الحملة العسكرية الفاشلة على الأنبار، وثالثا أن يسكت صوت المعارضة في الخارج لأن كل معارض لنوري المالكي يصنف في قاموسه بأنه إرهابي، ورابعا أن يحصل على بعض الأمل في عدم ملاحقته في الجرائم التي ارتكبها أو التي مازال يرتكبها بعد أن تصاعد خطاب المنظمات الحقوقية الدولية ضد ممارساته واتهام الاتحاد الأوروبي له بتورطه بجرائم ضد الإنسانية. الكلفة الاقتصادية البديلة للمؤتمر كانت عالية، إذ ذكرت العديد من المواقع المعنية بالشأن العراقي أن الكلفة التي تحملتها الميزانية ربما تقترب من مائة مليون دولار!! وهو رقم فلكي لاشك.. ولا ينبغي العجب من ذلك في ظل تصرفات حكومة صنفتها الشفافية الدولية أنها أسوأ الدول التي ينتشر فيها الفساد، ولا ننسى أن هذا الوقت بالذات هو الأفضل للترزق والكسب الحرام حيث الرقابة البرلمانية مشلولة وقانون الميزانية لم يشرع حتى اللحظة. نوري المالكي يفرط في قوت المحرومين والفقراء رغم أن الميزانية تواجه ما يقرب من ثلاثين مليار دولار كعجز لا يعرف حتى الآن كيف سيجري معالجته، مائة مليون دولار تصرف على مظاهر ترفية لاتسمن ولا تغني من جوع تعني بالنسبة للفقراء حرمانهم من عشرة آلاف وحدة سكنية حديثة، أو أربعمائة مدرسة تحتاجها مناطق محرومة مازال أولادها يدرسون في مدارس الطين ويفترشون الأرض، أو إنقاذ مائة ألف مشرد بدفعة نقدية مقدارها ألف دولار تعينهم على قضاء المتطلبات الضرورية للحياة.. هذه هي الكلفة الحقيقية، لكن هل نوري المالكي يفكر بهذه الطريقة، حاشا لله. التراجع في الملف الأمني يحصل في إطار التراجع العام في مختلف مجالات الحياة وإذا كان من مسؤول حكومي ينبغي أن يحاسب فهو المالكي دون شك بفضل صلاحياته الدستورية واسعة النطاق، لذلك فإن من أولى خطوات التغيير رحيل حكومة نوري المالكي، كي يتعهد بالملف الأمني من هو مؤهل، مؤمن بالسلام وراغب به، وعلى استعداد أن يتخذ قرارات صعبة تطال مختلف أوجه الأنشطة الإنسانية ذات العلاقة من سياسية إلى اقتصادية واجتماعية وثقافية وقانونية وغيرها. ما يحتاجه الأمن حقا هو رزمة من الإصلاحات لا مؤتمرات ذات طابع مظهري، أتذكر اجتماعا عقده المجلس السياسي بعد الهجوم الكبير على وزارة الخارجية عام 2009 وسمي في حينها الأربعاء الأسود وحضره القادة ورؤساء الكتل النيابية، قلت والخطاب موجه لهم اشرحوا لي هذه الظاهرة، لماذا جميع عواصم العالم آمنة باستثناء بغداد؟ بل لماذا جميع محافظات العراق غير آمنة ومعرضة لهجمات إرهابية باستثناء إقليم كردستان؟ رغم أن الإقليم غير معزول جغرافيا ولا يفصله عن المحافظات المجاورة لا بحر ولا صحراء ولا جبل.. الكل فوجئ بهذا السؤال ولم يعلق أما أنا فعلقت وقلت هذا دليل وجود خلل موضوعي في النظام والإدارة، علينا أن نتداركه بالمراجعة وإعادة النظر.. ملاحظة ضاعت كغيرها في خضم تسارع للأحداث لا يرحم يدفع بلدي نحو المجهول.
1285
| 17 مارس 2014
في سابقة تعمد فيها توجيه صفعة جديدة للبرلمان الضعيف صرح نوري المالكي أنه سوف يطلق الصرف من الميزانية السنوية ولا ينتظر تشريع قانون الميزانية لعام 2014 من قبل البرلمان....بهذا يكون قد قضى على الدور التشريعي للبرلمان بعد أن كان قضى على الدور الرقابي برفضه المثول للاستجواب حول أسباب تردي الحالة الأمنية في البلاد. لم يعد مجديا إطلاق صيحات الاستنكار والغضب بل بات من الغباء تكرار نفس الخطاب الذي مل منه العراقيون على سنوات وفحواه لايتجاوز التنديد بعودة الدكتاتورية والاستبداد، والانحراف عن النهج الديمقراطي، وان هذه الممارسات لا دستورية وإنها...وإنها...المفارقة واضحة بين المالكي ومعارضيه من السياسيين، هو لا ينتظر بل يمضي من إجراء لآخر، بينما معارضوه يكتفون بالخطاب وينتقون منه ما يسقط الفرض وهم يعلمون قبل غيرهم أن مجرد الخطاب أن لم يترافق مع فعل ملموس إنما هو من باب الصخب الإعلامي الذي لا يشبع ولا يسمن من جوع. لو كان هؤلاء الساسة مجرد صحفيين لعذرناهم، ولكنهم غير ذلك. والواقع بعد أن هيمن نوري المالكي على القوة العسكرية والقضاء والمال والإعلام الرسمي.....فإنه لم يترك لخصومه أي هامش ذي مغزى يمكن استثماره في التعامل مع خروقاته وسياساته الكارثية. ولهذا يأتي الرد عادة من باب الأمنيات والأحلام معلقا في الفضاء مقطوع الجذور من ارض الواقع. هذا هو ثمن السكوت والتراخي في التعاطي مع النزعة المنهجية في استقطاب السلطة لنوري المالكي وقد بدأها منذ اليوم الأول وهو في المنصب في أبريل من عام 2006، والكل مسؤول عن ذلك بالطبع. ابسط المشهد الذي نحن عليه، على جانب لدينا رئيس مجلس وزراء يستقطب السلطة، لا يحترم قانونا ولا يلتزم بدستور ولا يؤمن بديمقراطية ولا يعير اهتماما بالمؤسسات الدستورية.....ولا يهتم بالتعايش ولا يعرف السلام ولا يكترث لضياع السيادة.....جل غرضه السلطة لا غير وفي هذا المجال يجعل الميكافيلية دليله في العمل، الغاية تبرر الواسطة.وعلى الجانب الآخر، لدينا معارضين، لم يصمد منهم إلا القليل أمام ترغيب المالكي أو ترهيبه، والذي لا يستجيب لإغراء المال يستهدف على أمل أن تكسر إرادته بالمادة 4 إرهاب!! هذه المعارضة ليس فقط عاجزة عن ممارسة دورها كما هو عليه الأمر في الأنظمة الديمقراطية بل هي مهددة على الدوام، بالتصفية أو بالحرمان من السفر أو بالملاحقة القضائية المفبركة....نحن في وضع شاذ وديمقراطية مشوهة، ولهذا فالركون لقواعد اللعبة الديمقراطية لم يعد مجديا ولابد والحالة هذه من ابتكار وسائل ضغط تتناسب والحالة الراهنة من جهة وترتقي بالمعارضة من جهة أخرى إلى مستوى التحدي الذي تشكله خروقات نوري المالكي وهي لا نتتهي. لجا نوري المالكي للمحكمة الاتحادية في محاولة منه لانتزاع قرار يسقط الشرعية عن مجلس النواب، قد تستجيب وبذلك تسقط عنها آخر ورقة توت كان يتستر خلفها مدحت المحمود رئيس مجلس القضاء أو قد تتردد وتلوذ بالصمت وتبقي القرار معلقا لاجل وهو الأرجح. .. وبهذا سيتعرض المجلس لابتزاز دائم وينشغل حتف أنفه في قضية جديدة هي الدفاع عن شرعيته بدل التصدي والتركيز على القضية الأساس موضع الخلاف وهي الخرق الدستوري غير المسبوق والقاضي بالسماح للسلطة التنفيذية بالتصرف بالميزانية دون مصادقة ممثلي الشعب صاحب المصلحة الأولى والأخيرة فيها. هنا وكما أسلفت لابد من ابتكار وسائل ضغط جديدة غير تقليدية تناسب الظرف الراهن على سبيل المثال لا الحصر....... ماذا لو دعت الكتل النيابية مؤيديها للاحتشاد جماهيريا في وقفة وطنية رافضة لنهج المالكي يعلن فيها تشكيل جبهة وطنية لإسقاط حكومة نوري المالكي، ماذا لو دعي مجلس النواب الشعب العراقي للتجمع ومواصلة الاعتصام في ساحة التحرير ومن ثم لاحقا في محيط المنطقة الخضراء حتى إسقاط حكومة نوري المالكي، ماذا لو تم إحياء سحب الثقة من حكومة نوري المالكي بعد ثبوت مروقها على الدستور وحنث رئيسها بقسمه، ماذا لو وقع النواب والرئاسة طلبا بالحماية من البرلمان العربي..... والبرلمان الدولي، ماذا لو رفع مجلس النواب إلى الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن طلبا بدعوة المجلس للانعقاد لمناقشة الانقلاب الدستوري لنوري المالكي؟ ماذا لو ناشد المجلس تدخل الجامعة العربية باعتبارها بيت العرب وضمير شعوبهم....وأخيرا وهذا هو الأهم..... ماذا لو هجر السياسيون المعارضون هذه العملية السياسية التي أصبحت بائسة بكل المقاييس وتخندقوا مع أهلهم وهم يدافعون عن النفس والعرض والدين والهوية ويقتسمون معهم رغيف الخبز المغموس بالدم الطاهر تسفكه مدفعية نوري المالكي المعتدية في الفلوجة والرمادي والحويجة والمشاهدة والطارمية والسعدية وجرف الصخر وابو غريب والموصل وسامراء وسليمان بيك... هؤلاء هم الأهل والأصحاب وبقية الخير وعليهم أن يحتكموا لموقفهم، وما أنا إلا من غزية إذ غوت ******** غويت وإن ترشد غزية أرشدأرجو أن لا يتاخر الرد ولا يكون حال أهلنا كحال غطفان عندما نبههم الشاعر الفارس دريد بن الصمة لكنهم ضيعوا بتكاسلهم فرصة العمر أمرتهم أمري بمنعطف اللوى******** فلم يستبينوا الأمر إلا ضحى الغد؟؟ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
1098
| 10 مارس 2014
انقضى شهر على القرار الأخرق الذي اتخذه نوري المالكي بالعدوان العسكري على الأنبار حيث انطلقت العمليات في الثلاثين من شهر كانون أول الماضي بعد الهجوم على مضارب عشيرة البوعلوان واعتقال النائب المجاهد أحمد العلواني فك الله أسره، الحصاد واضح وجلي لكل ذي عينين، هو من جانب صمود أسطوري تضيفه الأنبار إلى سجلها المشرف وعلى وجه الخصوص الفلوجة الباسلة مجددا لتؤكد أصالتها ونقاء معدنها وعنفوانها ورفضها لسياسة فرض الأمر الواقع بالقوة حتى لو كان الثمن مدفوعا بالشهادة والدم والتهجير، ومن جانب آخر هزائم وخسائر فادحة تسجلها قوات المالكي المعتدية ، لم يشهدها تأريخ جيش العراق ولا سفره الخالد. على العموم، تنوعت القوات المنتشرة على جانبي الميدان بين قوات تضم رجالا شجعانا من عسكريين سابقين محترفين ورجال عشائر كريمة وضعوا القضية في أواسط قلوبهم وحملوا المسؤولية على أكتافهم ونفروا نصرة للدين والنفس والعرض والكرامة بل للهوية، انطلقوا على بركة الله يحرصون على الشهادة قدر ما يحرص أعداؤهم على الحياة، مقاتلين من هذا الطراز كيف ينكسرون؟ محال.وبين جيش أسس على هوى ودرب على خطأ وثقف على فرقة، كيف ينتصر؟ محال...ربما يسأل البعض وماذا عن القاعدة وداعش؟ ولا أنكر وجودهما في مناطق متفرقة وخصوصا في الفلوجة، لكن على الرغم من كل التهويل الإعلامي المغرض فإن الغلبة لازالت وستبقى للعشائر ومتى رفع المالكي يده عن الانبار سرعان ما تنتهي هذه الظاهرة. النصر في المعارك لا يتحقق فقط لمن يحمل سلاحا أفضل بل في المقام الأول من يملك جنديا أفضل، الميزة ليست للسلاح بل دائما للجندي العزوم الذي يحمل السلاح وهكذا غرته تكنولوجيا سلاح حديث بين أمريكي وروسي وظن المالكي أنه بهذا السلاح سينجح بكسر إرادة مقاتلين صحيح أنهم لا يحملون إلا سلاحا خفيفا لكنهم يحملون إلى جانب ذلك سلاحا أثقل غير قابل للكسر هي هذه الروح المعنوية العالية والعزيمة التي لا تلين والقدرة على مطاولة وصمود لا حدود لهما، ورغبة في شهادة تحفز على التعرض الجريء حيث لا يصمد أمامه بالتأكيد جيش يفتقر في قتاله للدافع وهو عنصر مهم في الحروب، جيش المالكي لا يعرف لماذا يقاتل! وإلى متى سيقاتل؟ بل لماذا هذا القتال العبثي مع شركاء في وطن واحد! ورغم الشحن الطائفي المكثف فإن القناعة بجدوى القتال لمجرد إرضاء نزعة طائفية تكرس لنظام حكم مستبد وفاسد لم تتحقق والدليل المستوى المتدني لمعنويات المقاتلين. لدى المالكي ما يزيد عن مليون مقاتل درب على قواعد اشتباك أمريكية انحصرت في تلبية متطلبات الأمن الداخلي وجهز لهذا الغرض بأسلحة ومعدات تقنية حديثة ومتقدمة، نعم هذا الجيش تخصص في مداهمة البيوت الآمنة في منتصف الليل، يفزع الأطفال، ينتهك الحرمات، يحتجز الأبرياء، يسمعهم ما لا يليق، يبدو سعيدا عندما يجد المواطن البريء ضعيفا عاجزا مستسلما يرتجف منه فرقاً!! أنّى لمثل هذا الجيش أن يصمد أمام مقاتل عزوم له من الدوافع النبيلة ما يبرر طلب الشهادة.. مستحيل.بعد مرور شهر من مواجهات عنيفة وخسائر فادحة السؤال هل أدرك المالكي أن تقديره للموقف كان خطأ؟ وأن معركته بالانبار كما توقعنا خاسرة؟ وأن زج المزيد من القطعات لن يغير من مجرى العمليات بقدر ما يلحق بجيش المالكي المزيد من الخسائر ويلحق بأداته الحربية إهانة وطنية (هو يتحملها شخصيا) سوف تبقى في الذاكرة تتناقلها الأجيال، جيلا بعد جيل.أتذكر جيدا كم حرص ممثلو حزب الدعوة وأطراف التحالف الشيعي عام 2005 على تضمين مسودة الدستور نصا جامعا مانعا - كان من المفروض - ألا يسمح مهما كانت الظروف للحاكم مستقبلا باستخدام القوة المسلحة ضد شعبه: ( المادة أ أولا / 9 من الباب الأول المبادئ الأساسية نصت: القوات المسلحة العراقية.. تدافع عن العراق ولا تكون أداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة...)، في ذلك الوقت كانت في ذاكرة كتاب الدستور عمليات عسكرية نفذها النظام السابق في الشمال والجنوب والخشية كانت من تكرار ذلك مستقبلا، كان موقفنا مؤيدا، انطلاقا من قناعتنا بأن مهمة الجيش باعتباره سياج الوطن إنما تنصرف حصرا للدفاع ضد أي عدوان خارجي وهو كمؤسسة وطنية لا يليق أن تنزلق وتوظف كأداة في تسوية خلافات سياسية أو طائفية.. لكن كالعادة، المالكي وزمرته أول من خرق هذه المادة، وسقط في أول اختبار. أشعر بمرارة وغضب وأنا أرى قطعات الجيش تستهدف مدنيين في الفلوجة والبو فراج والرمادي وأبو غريب والطارمية وجنوب بغداد وديالى بقصف عشوائي، كما لا أشعر بالسعادة ولم أكن أتمنى أن أرى في حياتي عربات الجيش وأسلحته ومعداته تحرق وتدمر بأيد عراقية بل أن يقع جنود أسرى بأيدي ثوار عراقيين!! هذا ما يحصل في الأنبار مع الأسف، وهو نتيجة حتمية لسياسة كارثية من شأنها لو استمرت أن تقضي على الأخضر واليابس.
2536
| 06 فبراير 2014
في الثامن من أكتوبر من العام الماضي 2013 وبعد أن فشلت الحكومة العراقية في تقديم أدلة جنائية كافية ووثائق على مستوى من المقبولية الدولية قررت سكرتارية منظمة الإنتربول شطب (النشرة الحمراء) ذات الرقم 297774/2012 التي كانت أصدرتها بحقي وعممتها على الدول 190 الأعضاء في المنظمة وذلك في مارس من عام 2012، وهكذا أسدل الستار على محاولة يائسة من جانب نوري المالكي للتضييق علي والحد من حرية تحركي عالميا.خلال سبعة عشر شهرا وهي الفترة الفاصلة مابين 7/5/2012 و8/10/2013 قصة، هكذا بدأت. على غير المألوف وفي صباح يوم السابع من مارس في عام 2012 تزاحمت وكالات الأنباء على مكتبي تلتمس تعليقاً على (نشرة حمراء)، أصدرتها بحقي منظمة الإنتربول، وكانت مفاجئة، لم أتحسب لها ولم أتوقعها إطلاقاً أولا لثقتي بمهنية المنظمة وثانيا لأن دستور المنظمة يمنعها من الانخراط في متابعة الجرائم ذات الطبيعة السياسية أو الدينية أو العشائرية القبلية.. كان فهمي هكذا أن المنظمة لن تورط نفسها في ضوء ذلك بخلاف سياسي جمع قطبي السلطة في العراق نائب رئيس جمهورية وهو يمثل مكوناً رئيسا من مكونات المجتمع العراقي ورئيس الوزراء يمثل مكون رئيس آخر، لم أتوقع أن منظمة رصينة كمنظمة الإنتربول سوف تتعامل مع أي طلب يصلها من الداخلية العراقية بهذه البساطة وبهذه السرعة، دون تحرٍ أو تدقيق، رغم الانحطاط في سمعة حكومة نوري المالكي على الصعيد الدولي طال جميع مجالات الحياة وعلى وجه الخصوص ملف حقوق الإنسان.. لكن حصل ما لم يكن في الحسبان. ومع ذلك لم أجزع ولم اقلق بعد أن كنت فوضت أمري إلى الله سبحانه.وبعد أن تأكد الخبر أصدرت بياناً أحدهما بالعربية والآخر مترجم للإنكليزية وعبرت عن أسفي واستعدادي للطعن بقرار الإنتربول. نظرت من نافذة شقتي في إسطنبول ورأيت حشداً كبيراً من الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء، وكنت في يومها مدعواً للقاء شخصية سياسية في أنقرة، حيث غادرت اليها وعقدت هناك مؤتمراً صحفياً قرأت فيه البيان باللغتين وأجبت على أسئلة الصحفيين وكلفت مكتب محاماة متخصص لمتابعة الموضوع مع المنظمة ثم تبرع محامي فرنسي اخرفي وقت لاحق وهو متمرس في قضايا الإنتربول قدم طعناً رائعاً سلط الضوء على المخالفات التي ارتكبتها المنظمة في تعاطيها مع مذكرة وزارة الداخلية العراقية. حكومة بغداد لم تكتف بذلك بل خاطبت الدول التي أقيم على أراضيها برسائل عن طرق الخارجية تطالبها بإلقاء القبض علي وتسليمي إليها؟! وهو ما تجاهلته تلك الدول جملة وتفصيلاً، ليقينها بان جميع التهم مفبركة ليس إلا.لماذا تحركت حكومة نوري المالكي وفاتحت منظمة الإنتربول وطالبت بتسليمي إليها بعد أن كان المالكي حريصاً على إبعادي من العراق باي ثمن بل حتى إخراجي حتى من كردستان!! الم يطلب من السيد مسعود البارزاني تهريبي؟ وهو ما كان السيد البارزاني قد استهجنه ورد عليه بقوة قائلاً (هل يحسب نوري المالكي إقليم كردستان مجموعة من المهربين؟) لقد تحقق لنوري المالكي ما أراد ورغم ذلك لجأ إلى منظمة الإنتربول بعد أن أغضبها استقبال الدوحة لي بتاريخ 16 مارس 2012 بشكل رسمي ومقابلتي في اليوم التالي أمير دولة قطر في حينه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ونشر المقابلة في وسائل الإعلام تأكيدا بان وضعي القانوني وموقعي الوظيفي لم يتغيرا، إيمانا من دولة قطر ببراءتي ونظافة سيرتي من جميع التهم التي فبركها نوري المالكي، التقيت فيما بعد أيضاً بولي العهد في حينه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وكذلك بالشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء آنذاك وكانت لقاءات طيبة كالعادة تأكد لدي من خلالها أن دولة قطر كانت متفهمة لاستهدافي، شكرتهم على موقفهم ثم زرت بعد قطر المملكة العربية السعودية والتقيت بالأمراء ومن بينهم الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، ونشر خبر اللقاء في الإعلام. لكن موقف التحدي جاء من تركيا حيث صرح الأخ رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء في رده على موقف الحكومة العراقية التي أرعدت وأزبدت حنقا وغضبا، أن تركيا سوف تفتح أبوابها لضيافتي للفترة التي أشاء وأنها ستدافع عني لثقتها ببراءتي منتقدة بمرارة نهج المالكي الطائفي من سنة العراق. ربما فوجئت حكومة المالكي بموقف تركيا وكانت تتوقع أنها اشترت موقفها ببضعة عقود، وحقيقة العراق وليست تركيا بحاجة إليها. جن جنون المالكي، وحرك ماكينته الإعلامية الرديئة في النيل من دولة قطر ومن تركيا، وهدد بملاحقتي عن طريق منظمة الإنتربول وهذا هو ما فعله.تجاهلت تركيا ودولة قطر النشرة الحمراء التي أصدرها الإنتربول لأسباب موضوعية وليقينها بان القضية مسيسة من ألفها إلى يائها وبالمناسبة النشرة لاتستدعي القبض بل تحديد التنقل بين الدول والإخبار عن المكان. وهذه ليست المرة الأولى بل سبق لهاتين الدولتين أن تحفظتا على ملاحقة الانتربول لشخصيات عربية معارضة، دولتان أصبحتا بحق ملاذا للمظلومين. لم أتقدم بطلب زيارة أي دولة أخرى، ولم أكن بحاجة لذلك، وجاءت زيارتي لبروكسل بتاريخ 17 تشرين ثاني 2013 استثناءً حيث وجهت لي دعوة من لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي، لبيت الدعوة، قابلت وحاورت وألقيت محاضرات.. أنجزت المهمة وغادرت بروكسيل ولم أكن اعلم في حينها أن الإنتربول كان ألغى النشرة الحمراء قبل أيام. وأبلغت بذلك فيما بعد لكني لم احصل على الوثيقة الرسمية إلا مؤخرا عندما اطلعت بنفسي على محضر اجتماع السكرتارية العامة للمنظمة والتي قررت إلغاء النشرة الحمراء في اجتماعها يوم 8 أكتوبر 2013 للأسباب التي وردت أنفا.إضافة لجهود المحامين فإن دولة شقيقة وفت بما وعدت به، وبذلت ما في استطاعتها لإثبات أن قضية الهاشمي (سياسية بامتياز) وبالتالي لا ينبغي أن تكون المنظمة طرفا فيها طبقا لدستورها. نجحت المساعي بحمد الله، فلها ولكل من أسهم في هذا النجاح شكري وخالص دعائي. قرار الإنتربول بإلغاء النشرة الحمراء سابقة محمودة آمل انها ستدفع المنظمة إلى إعادة النظر بقائمة الشخصيات التي طلبت الحكومة العراقية ملاحقتها لأسباب مختلفة وستكتشف المنظمة أن هناك الكثير من القضايا التي لا تختلف كثيرا عن قضيتي حيث يقتضي العدل مراجعتها. أصبحت الآن أتمتع بهامش لا حدود له في التحرك على الصعيد العالمي وهو ما سأوظفه بإذن الله تعالى من أجل نقل معاناة أبناء شعبي للعالم اجمع من المسلوبين حقهم في الحريات العامة والخاصة، الراقدين خلف القضبان وهم أبرياء كانوا أخذوا بالشبهة، المهمشين والجياع والمشردين والمحرومين من ثروات بلدهم.. سأكون لهم المنبر والصوت والموقف.. حتى يبرأ بلدي مما أصابه من ضر ونؤسس بتوفيق الله لدولة القانون والمؤسسات والعدل.هذه صفحة من صفحات الصراع بين الحق والباطل، بين الظلم والعدل، انتصر فيها الحق والعدل، ولابد أن هذه الحادثة ستثير انتباه المعنيين بالعدالة وحقوق الإنسان في العالم اجمع وتلفت أنظارهم إلى الوضع الحقوقي والإنساني الذي تراجع بشكل حاد منذ أن ابتلي العراق برئيس حكومة لا يحترم قانونا ولا دستورا ولا عرفا ولا تقليداً بل جعل الشيطان له قرينا فساء قرينا. في سجون المالكي اليوم السرية والعلنية الآلاف من الأبرياء من العرب السنة اخذوا بالشبهة وحرموا من حقهم بالحرية ومضى على الكثيرين منهم سنوات دون إذن بالقبض، ودون تحقيق أو محاكمة، أما الناشطين منهم فإن المادة 4 إرهاب لهم بالمرصاد، ولدى الحكومة الظالمة مشروع كامل للظلم ابتداء من المخبر السري، إلى انتزاع الاعترافات الكاذبة بالإكراه، إلى شهود الزور، إلى الجرائم المقيدة ضد مجهول، إلى القضاة الفاسدين، إلى إصدار أحكام الإعدام إلى تنفيذها... من لهؤلاء المظلومين بعد الله سبحانه وتعالى غير ناشطين شجعان من شرفاء العالم يتصدون معنا لهذا الظلم ويعينونا في إقامة دولة المؤسسات والعدل.لقد كانت مفارقة تدعو للاستغراب أن يرد الظالم نوري المالكي بالرفض على طلب الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارته الأخيرة لبغداد بإيقاف تنفيذ أحكام الإعدام بعد أن ثبت للامين العام من خلال المنظمات المتخصصة بحقوق الإنسان أن حكومة نوري المالكي بذريعة الاتهام الباطل بالإرهاب إنما تسوغ لقتل شباب العرب السنة في إطار حملة التطهير المذهبي التي لم تتوقف منذ 2005، لكن ماذا بعد؟ فهل ستتحرك المنظمة الدولية وتدافع عن القيم التي انبثقت من اجلها منظمة الأمم المتحدة أم ستغض النظر عن انتهاكات حكومة نوري المالكي وتكتفي بإصدار بيانات لاتغني ولاتسمن من جوع؟ لننتظر ونرى.لقد هيمن نوري المالكي على القضاء بالتواطؤ مع رئيسه مدحت المحمود وفقد استقلاليته وحياده، ولهذا لابد أن يعوض القضاء الدولي ما فقده المواطن العراقي من مؤسسات عدلية حرفية كان يلجا اليها وهو مطمئن أن حقه لن يضيع. هذه قضيتي مع الإنتربول عززت إيماني بنصر الله سبحانه للصابرين ولو بعد حين.بسم الله الرحمن الرحيم (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) الآية 39 - الشورى
2790
| 20 يناير 2014
لا جديد أن يعبر المواطن عن شعوره ويدلي بدلوه فرحا وسرورا احتفالا بهذا اليوم، الثامن عشر من ديسمبر من كل عام اليوم الوطني وذكرى تأسيس دولة قطر، الموقف طبيعي وتحصيل حاصل، أليس حب الوطن من الإيمان؟ لكن أن يشاركه في ذلك مقيم فهذه مسألة طبيعية أيضا ومن لايشكر الناس لايشكر الله، ومع ذلك هي بحاجة للتأمل! هي من جانب رد الجميل لبلد يتمتع فيه المقيم بخيرات تفيض على أهله لتشمل بجودهم وكرمهم الآلاف من عرب ومسلمين وغيرهم في داخل البلد أو خارجه، ومن جانب هي الامتنان لدولة اقترنت سياستها بمبادئها وقيمها، وباتت علامة فارقة بين الشعوب والأمم إذ ارتضى لها مؤسسها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني طيب الله ثراه أن تكون (قلعة المضيوم) لتكون ملاذا للمظلومين مفتحة الأبواب في كل وقت وحين، هنا مجرد الشكر لايكفي، بل لابد أن يقترن ذلك بالتأييد والمؤازرة بل وخالص الدعاء، هذا أقل مايستوجبه الوفاء لبلد يوفر للمظلومين جميع مستلزمات الراحة والأمان، مروءة وشهامة، لوجه الله سبحانه لايرجون مقابل ذلك حمدا ولاشكورا!! لا أدري كيف تكون الأريحية والكرم، هنا، ليس وفرة الخير هي مايحرض الناس على فعل الخير، وإنما حب الناس لفعل الخير أيضا، وفي هذا صدق الشاعر إذ يقول:وماتنفع الخيل الكرام ولا القنى إذا لم يكن فوق الكرام كراميليق بدولة قطر أن تحتفل بهذه المناسبة من كل عام تخليدا لتأسيس دولة فتية حددت خياراتها وحسمت أمرها وتوكلت على الله، تربط ماضيها بحاضرها، رؤاها بقيمها، تدخل الحداثة من أوسع أبوابها لكنها لاتنسى الأصول والجذور، وهكذا تضع قطر نموذجا فريدا تتزاوج فيه البداوة والحداثة، القديم بالجديد في تناغم بديع لاتعب فيه ولا نصب، لا إفراط ولاتفريط، نموذج لابد أن يفخر به العرب والمسلمون.كان قدري أن أزور قطر في الثمانينيات من القرن الماضي، وأن أعود إليها بعد زمن وتحديدا عام 2006 وهالني ماشاهدته من نهضة، لقد حققت قطر طفرة هائلة في العمران والتنمية، وصناعة النفط والغاز والبتروكيمياويات، في الخدمات الصحية والتعليمية، في الاستثمارات الخارجية، ليس هذا فحسب بل في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية أيضا بل وأصبحت علامة فارقة في الجهود الإغاثية والإنسانية الدولية، والرياضة والمسابقات.. إلخ لم أستغرب ذلك لأني مؤمن أن أمتنا تملك كل مستلزمات الرقي والتقدم والمطلوب فقط أن نحرر طاقات مخزونة ونحسن إدارتها وتوجيهها وهذا ما حصل في دولة قطر.البعض حسدا لايريد قطر إلا دولة مترهلة مستهلكة رتيبة تكتفي برد فعل بطيء، لا يريدها دولة نشطة مفعمة بالديناميكية والمبادرة وصناعة الفعل، ويأخذ عليها، وهنا وجه الغرابة، أنها تلعب بأكثر مما يوفر لها حجمها! وكأن العزيمة والإرادة إن هي إلا قرينة حجوم السكان ومساحات الأراضي!! والكل يعلم أنه لا قيمة للجسوم مهما كبرت إن لم تزنها عقول، وإن الله سبحانه وتعالى وصف سيدنا إبراهيم عليه السلام بأنه كان أمة!!
627
| 22 ديسمبر 2013
مكتب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في بغداد (يونامي) يصدر بيانا ينتقد فيه أداء وسلوك الأجهزة الأمنية ويطالب بإعادة تأهيلها من أجل أن ينسجم سلوكها بمتطلبات احترام ومراعاة حقوق الإنسان، تطور نوعي يحسب للسفير بلغاري الأصل نيكولاي ميلادي نوف يأتي بعد فضيحة مواقف سلفه السفير الألماني الأصل مارتن كوبر الذي كان متحيزا بشكل مقرف لحكومة نوري المالكي على الرغم من تقارير إدانة لمنظمات دولية رصينة تلاحق صدورها على مدى سنوات وهي لا تكف عن تسليط الضوء على الممارسات الهمجية والبربرية لتلك الأجهزة في قمع واضطهاد أبناء الشعب العراقي، سكت عنها كوبلر على مدى سنوات، بينما تصدى لها ميلادينوف رغم حداثته في منصبه. لايختلف اثنان أن ملف حقوق الإنسان في العراق تدهور خلال السنوات الماضية إلى حد خطير بعد أن فرطت حكومة نوري المالكي بشكل مباشر أو غير مباشر بجميع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ابتداء من الاحتجاز القسري إلى التعذيب والسجون السرية والاغتصاب والابتزاز والقتل.. الخ الأمر الذي لم يترك للمنظمة الدولية بشخص أمينها العام أو ممثله في العراق من خيار أو عذر سوى أن يتحملوا مسؤوليتهم. التأهيل لا يفترض أن ينصرف للحديث عن إعداد وتدريب المنتسبين من أجل رفع كفاءتهم المهنية فحسب، هذا لا يكفي بل المطلوب تفكيك المنظومة الأمنية وإعادة تركيبها على أسس مهنية ووطنية، ابتداء من مراجعة ملف المنتسبين، إلى التأهيل والتدريب، إلى السياقات وقواعد الاشتباك، إلى التجهيز والتسليح، إلى الوعي والثقافة.. التأهيل يستدعي إعادة النظر بالملف من ألفه إلى يائه. ولكن حتى لو تحقق ذلك وتعهدت بالملف أياد نظيفة وخبيرة فإن الملف الأمني في العراق سيبقى يعاني، وهذه المرة من مستوى ونوعية القيادة والسيطرة، وأقصد الجهة المسؤولة عن إدارة الملف الأمني، وهي مرتبطة بنظام الحكم القائم ، إذ يدير القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء الملف الأمني بشكل حصري ويحتفظ لنفسه بخمسة مناصب قيادية ترتبط بالأمن والقوات المسلحة والكل يعلم أن المالكي يدير الملف الأمني بتفاصيله المملة بنفسه لذا يتحمل شخصيا جميع الخروقات في ملف حقوق الإنسان، وبدون تأهيل الحكم في العراق لن يجدي نفعا تأهيل الأجهزة الأمنية لوحده، إنه مطلوب لكنه لايكفي. إنها خطوة للإصلاح في طريق طويل. لاشك أن الأمم المتحدة ولديها كم هائل من المعلومات والتقارير واثقة أن منشأ الخلل في إدارة الملف الأمني قدر تعلق الأمر بحقوق الإنسان يعود إلى عدم أهلية المنظومة الأمنية المؤلفة من السياسات الأمنية إلى القيادة والسيطرة وانتهاء بالأجهزة الأمنية التنفيذية في الجيش والشرطة والمخابرات والأمن الوطني . ومن دون مراجعة موضوعية لهذه المنظومة فإن الاكتفاء فقط بتأهيل الأجهزة التنفيذية لن يحقق الغاية المرجوة على الإطلاق، ذلك أن حرمان حق الإنسان في الحرية أو حقه في التقاضي العادل أو الحط من الكرامة بالتعذيب والإذلال.. لايحصل في العراق فقط بسبب تراكم ثقافات خاطئة أو اختيارات عشوائية لرجال الأمن أو نقص في التعليم والتأهيل إنما يحصل في المقام الأول بفضل السياسات الأمنية التي يعتمدها المسؤولون عن الأمن والتي تسمح بحدوث الخروقات وتتجاهل سلوك رجل الأمن غير القانوني مع المواطن بل وتحصينه من الملاحقة القانونية متى خرق القانون والدستور. عندما تخرق الأجهزة الأمنية حقوق الإنسان على نطاق واسع وتتجاهل المعايير الدولية ويصبح هذا النمط من السلوك بمثابة عرف كما هو عليه الحال في العراق فنحن في هذه الحالة أمام نموذج الدولة البوليسية، ولست أدري في مثل هذه الحالة كيف نراهن على إصلاح الأجهزة الأمنية فقط ونترك بقية أطراف المنظومة الأمنية أي السياسات والقيادة رغم تأثيرها المباشر دون تغيير أو إصلاح . بل من المؤكد أن إصلاح الرأس سيقود إلى إصلاح الجسد وستكون المهمة في هذه الحالة أسرع وأسهل . يونامي انتقلت من القول إلى الفعل، هي تنهض من جديد حيث تتعامل مع القضية العراقية باهتمام أفضل ونأمل أن يكون ذلك مؤشرا حقيقيا لدخول المجتمع الدولي على خط الأزمة.
487
| 19 نوفمبر 2013
كان من الأحرى بالنسبة للشخصيات التي استمعت باشمئزاز إلى كلمة نوري المالكي وهو يلقيها على الحضور في معهد السلام الأمريكي في واشنطن أن يغادروا القاعة استنكارا، ليس فقط تعاطفا مع الملايين من المحرومين والمضطهدين العراقيين، بل إشفاقا على سمعة معهد عرف بثقله الفكري والثقافي، الذين تجشموا عناء الصبر حتى أفرغ ما في جعبته، صرحوا فيما بعد أن المحاضرة تدعو للاشمئزاز والقرف، وقد اضطر آخرون من رجال الصحافة والإعلام أن يلغوا لقاءات صحفية معه كانت قد رتبت منذ زمن، وخرج آخرون يتندرون ويتأسفون لأنهم ضيعوا وقتا ثمينا في الاستماع إلى محاضرة ظنوها هذه المرة متميزة، لكنها في النتيجة لم تختلف عن خطاباته في الداخل العراقي تدليسا وتضليلا وكذبا. وصلت ردة فعل الجانب الأمريكي إلى نوري المالكي الذي انزعج كثيرا واضطر بناء على هذه التطورات إلى تقليص برنامج زيارته وغادر واشنطن بعد أن ألغى لقاءات صحفية وجماهيرية أنفقت عليها سفارته في واشنطن المال الكثير. في معرض حديثه، المالكي عرض نفسه ضحية للإرهاب!! في بلد هو العراق جميع أموره على خير!! والعراقيون سعداء!! وحكومته ديمقراطية!! أما هو فيتعبد ليل نهار بالدستور!! خصوصا ما يتعلق بالتبادل السلمي للسلطة!! ويحترم الفصل بين السلطات ويقدس استقلال القضاء!!، وليس هناك تطهير طائفي أو قتل على الهوية وإنما جرائم عادية من وقت لآخر!! أما نفوذ إيران فهو إشاعة!! والفساد مبالغة!!.. وأن جميع مشاكل العراق هي القاعدة وأنا بحاجة لكم ولأسلحتكم للقضاء عليها... (هكذا باختصار خاطب الأمريكان)... تبدو المشكلة منا وفينا... نحن العراقيين...أما هو أي المالكي... فهو الحل بعينه.. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.... لقد كان الخطاب فضيحة بكل المقاييس، أثار سخرية المجتمع الثقافي والسياسي والإعلامي في واشنطن، لكنه بالوقت نفسه أثار الانتباه إلى عظم فاجعة العراق يقوده كذاب أشر، لقد انحطت سمعة العراق إلى الحضيض. لا أدري لماذا تجاهل القيمون على موسوعة (جينيز) خصلة الكذب من بين آلاف الأنشطة والسلوك الإنساني التي استقطبت انتباههم وأفردوا لها الصفحات والأبواب والجوائز، لماذا لا يخصصون بابا خاصا للكذب، والأمر يستحق، ولدينا مرشح في العراق لن يباريه أحد لا في الشرق ولا في الغرب ونحن في العراق مستعدون للترشيح، بل ومطمئنون للفوز هذه المرة، مجرد اقتراح. ونستون شيرشل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق مر على مقبرة وتوقف عند شاهد كتب عليه (هنا يرقد السياسي المتمرس والصادق الصدوق)... ضحك حتى بدت نواجذه وعلق: (من المفارقات أن تقترن السياسة بالأخلاق.. رغم أن الرجل غير مشهود له كثيرا بالكذب)، ترى ماذا سيكتب العراقيون على قبر نوري المالكي لو كان له قبر.
1071
| 03 نوفمبر 2013
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6453
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6390
| 24 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3855
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3126
| 23 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2859
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1860
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1650
| 26 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1575
| 21 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1038
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
996
| 21 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
990
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية