رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية ضعيفة اقتصاديا، بل شبه مدمرة، نتيجة الإصابتين النوويتين في قلب مدنها واقتصادها. استطاعت بفضل جهود القطاعين العام والخاص، كما بفضل مساعدة الغرب، أن تنشط إنتاجها وترفع إنتاجيتها حتى أصبحت مضرب مثل لكل الدول الراغبة في التطور والتقدم. نما الناتج المحلي الإجمالي الياباني بنسبة سنوية قدرها 4.3% بين سنتي 1970 و1980، أي أعلى من المعدل الدولي الذي بلغ 3.5% وأقل من الصين التي نمت بمعدل 5.2%. تابعت اليابان نموها في العقد التالي، حيث بلغ 4.2% حتى عام 1991 مقارنة بـ 3% كمعدل دولي. تطور اليابان أقلق الولايات المتحدة وأوروبا، إذ إن مراجعة المقالات والكتب التي صدرت في تلك الفترة تشير إلى شعورهما بجدية المنافسة اليابانية. أصبحت تجربة اليابان الناجحة دروسا في جميع كليات الاقتصاد وإدارة الأعمال. كانت لهذا النجاح الذي عزز الطلب ورفع ثقة المستهلك نتائج خطيرة، منها فورة عقارية ومالية لم يشهدها العالم من قبل. ارتفعت الأسعار، كما الأصول، بنسب عالية وسريعة، وأصبحت قيمة أصول مجموعة "ميتسوشيتا" (التي تنتج باناسونيك) أعلى من شركة "يونيفرسال ستوديو" العملاقة. أصبحت قيمة أصول مجموعة "سوني" أكبر من شركة "كولومبيا للأفلام". كما ارتفعت قيمة شركة "ميتسوبيشي" العقارية، ففاقت قيمة مركز "روكفيللير" في نيويورك. رفع التضخم القيمة السوقية للشركات فأصبحت أرقاما نظرية واصطناعية تشير إلى فقاعة خطيرة آتية، لا بد وأن تنفجر تماما كما حصل في سنة 2009 وإن كانت الأسباب والظروف مختلفتين. من الأسباب الأخرى للسقوط الياباني اعتماد الحكومات المتعاقبة لسياسات التحرير المالي السريع من دون رقابة جدية وفاعلة، مما سبب ارتفاع الين تجاه الدولار الأمريكي. أثرت السياسة النقدية الداعمة للاقتراض المصرفي والمخفضة للفوائد على التضخم في غياب سياسات اجتماعية تغطي الفقراء. سببت القوانين التي تسمح للشركات بامتلاك المصارف Keiretsu والعكس بالعكس في تحقيق "تضارب المصالح" المضر الذي يقضي عمليا على الشفافية والمحاسبة. أما النظام الضرائبي، فكان غير عادل، بل ميز بين قطاعات وأخرى دون أسباب علمية ومنطقية، بل تبعا لمصالح سياسية ومالية مرتبطة بالسياسة. أخيرا وليس آخرا، لم ينجح اليابانيون في إيصال الشخص المناسب إلى المكان السياسي المناسب، فانتشر الفساد المنتقل من حكومة إلى أخرى رغم التبديل الدوري للأشخاص والأحزاب. بدأ السقوط في التسعينيات واستمر في العقد الذي تلاه، وما زالت اليابان تعاني من الانكماش المستمر منذ التسونامي في 11\3\2011 والحادثة النووية في "فوكوشيما". تشير إلى السقوط مؤشرات الأسهم، حيث انحدر الـ Nikkei من 38915 في 31\12\1989 إلى 15000 في صيف 1992. انخفضت أسعار العقارات بنسبة %50 في فترة 1991 - 1996. تعاني اليابان من الركود القوي ومن ديون غير قابلة للتحصيل، بل من سقوط مصارف ومؤسسات مالية. كما أن الحكومات المتعاقبة لم تحسن تطبيق السياسات الصحيحة التي تخفف من الخسائر وربما تساهم في الإنقاذ. تتهم الحكومات بأنها لم تع المشكلة إلا متأخرة، ولم تنسق السياسات بين المؤسسات الرسمية، مما جعل تأثيرها سلبيا على الأوضاع. يتبين أيضا أن هيكلية الشركات اليابانية التي كانت مضرب مثل في الإنتاجية والنوعية لم تكن كذلك فعلا، بل كانت أوهاما أكثر بكثير من حقيقة. من المؤشرات المؤلمة لما يحصل هو ارتفاع عدد المنتحرين الذكور من 26 لكل مئة ألف في سنة 1985 إلى 35.2 في سنة 2000 بسبب القلق وتردي الأوضاع الاقتصادية واليأس في بعض الأحيان. هل كان النجاح الياباني حتى 1991 مبنيا على الأوهام؟ وما هي المشاكل التي بني عليها والتي لم تظهر إلا لاحقا، أو بالأحرى التي لم يحللها العالم إلا متأخرا؟ أولا: تميزت إدارات الشركات اليابانية بتجنب المخاطر المبني على التباطؤ في اتخاذ القرارات الصحيحة والسريعة في عالم متغير. تميزت باهتمامها بالحصة في السوق أكثر من تركيزها على الأرباح. لم تقم بالتجديد والإبداع الكافيين كما لم تستمع إلى آراء المستهلكين في الداخل والخارج كما تفعل مثلا الشركات الألمانية. أسهمت هذه السياسات مع الوقت في إنتاج سلع دون المستوى، فاستردت مثلا ملايين السيارات وغيرها من السلع. لم تعد الصناعات المختلفة بالنوعية المرتفعة التي كان يشهد لها العالم. ثانيا: نتيجة سوء الممارسة من قبل القطاعين العام والخاص، خمس الصناعات اليابانية تحصل في الخارج، بينها %30 من مجموع الإلكترونيات ونصف السيارات. انعكس هذا الانحدار الصناعي على نسب البطالة التي ارتفعت إلى 5% وهي غير مسبوقة في اقتصاد تعتبر فيه الوظيفة مدى الحياة من أهم ميزاته. ثالثا: أثرت كارثة "فوكوشيما" ليس فقط على واقع الاقتصاد، إنما على مستقبله، خصوصا مصادر الطاقة فيه. رابعا: تعاني اليابان أيضا من انخفاض عدد سكانها وبالتالي من انخفاض الاستهلاك مع الوقت رغم القوة الشرائية المرتفعة. خامسا: الاستثمارات المباشرة الخارجية في اليابان ضعيفة أو 3% من الناتج، مقارنة بـ 13% في الولايات المتحدة و35% في فرنسا. تعتبر النسب الضرائبية على الأعمال مرتفعة في اليابان مقارنة بالدول المجاورة وحتى الغربية. أما سوق العمل فتعتبر جامدة ومقفلة، بالإضافة إلى أن اليابان لم توقع على اتفاقيات تجارة حرة كغيرها، لثقتها المبالغة في جودة سلعها وخدماتها وعلاقاتها الدولية. لا تعتمد الشركات اليابانية سياسات تسويق فاعلة وناشطة كما تفعل الغربية والمنافسة عموما. نتج عن تسونامي 2011 حوالي 27 ألف قتيل أو مفقود و350 ألف مهجر، فسبب تغيرا أساسيا في المؤشرات التجارية وتكلفة إعمار مقدرة بـ 235 مليار دولار. لأول مرة منذ 30 سنة وفي 2011، يكون الميزان التجاري عاجزا بسبب انخفاض الصادرات بنسبة 2.7% وارتفاع الواردات بنسبة 12%. سببت الأحداث انخفاضا في الناتج بنسبة 0.7% بسبب الأضرار التي لحقت بالمصانع والشركات. تحولت اليابان من نموذج للنجاح والتفوق إلى مضرب مثل للانحدار والسقوط. هل هنالك دروس للعالم؟ أولا: أمجاد الماضي لا تنفع، بل يجب التجدد دائما، خاصة في عالم متغير بسرعة فائقة. المرونة كما حسن التوجيه والقيادة مطلوبتان من قبل القطاعين العام والخاص. ثانيا: بعض المشاكل الاقتصادية يمكن أن تكون هيكلية وليست عابرة أو شكلية، وبالتالي تكون معالجتها صعبة وتتطلب دعما سياسيا وشعبيا ومؤسساتيا. تحتاج اليابان إلى تخفيف القيود المفروضة على الأسواق والشركات كي يتعزز الاستثمار الأجنبي. ما زالت اليابان تقاوم الانفتاح على الخارج، علما بأن التغيير ليس سهلا بسبب العادات والتقاليد والعقلية المحافظة، بل المنغلقة. "الحاجة أم الاختراع"، وبالتالي سيتحقق التغيير عاجلا أم آجلا.
1428
| 17 أبريل 2013
لا شك أن العمال خسروا نتيجة الأزمة ليس فقط في الأجور والمنافع وإنما في البطالة حيث فاقت بعض المؤشرات الوطنية نسبة الربع. الأوضاع تختلف بين الدول بسبب القوانين والمؤسسات والسياسات المستعملة، إلا أن العبرة واحدة وهي أن العمال خسروا أكثر بكثير من شرائح المجتمع الأخرى. هنالك تقريران شاملان دوليان صدرا في سنة 2013 بشأن موضوع العمل والبطالة وهما تقرير البنك الدولي السنوي للتنمية WDR وتقرير الأجور الصادر عن منظمة العمل الدولية. يشيران إلى خطورة البطالة وتأثيرها ليس فقط على النمو وإنما على الاستقرارين الاجتماعي والسياسي. المطلوب في كل دولة سياسة عامة للأجور للقطاعين العام والخاص تحددان الأطر المناسبة لتغير الأجور بحيث لا يظلم العامل ورب العمل. ما هي الأطر المناسبة التي تنبع مبادئها من التقريرين المذكورين؟ يجب أن تحترم أي سياسة أجور: أولا: الركائز الأساسية للاقتصاد أي تدعم الاستقرار والمناخ الاستثماري وتقع ضمن القوانين والمنطق وتحترم حقوق الانسان. إن النمو ينبع من الاستثمارات وأن المستثمرين يتجنبون الدول ذات التكلفة المرتفعة ليس فقط في الأجور وإنما في كل شيء كالمسكن والضرائب والغذاء والنقل وغيرها. ثانيا: لا يمكن فصل موضوع الأجور عن السياسات التفصيلية المرتبطة مباشرة بتطوير الإنتاجية والفعالية بحيث تتمكن المؤسسات من تحسين أوضاع العمال وتطوير إنتاجها ونوعية سلعها وخدماتها. رفع الإنتاجية يسمح بتحسين أوضاع العمال بسهولة أكبر. ثالثا: تحديد أولويات الاقتصاد من قبل الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص وممثلي العمال. لكل اقتصاد حاجاته المختلفة ومن الضروري إزالة كل العوائق بحيث تتحقق الأهداف لمصلحة كل أطراف الإنتاج. رابعا: لا يمكن تحديد سياسة أجور وحتى غيرها من السياسات من دون إحصائيات دورية شاملة وصحيحة بحيث تؤخذ القرارات بوضوح تجنبا للأخطاء المكلفة. الدول النامية والناشئة مقصرة في إعطاء الاحصائيات التي تسيس في العديد من الأحيان لمصلحة الحكام. يجب أن تكون مؤسسة الإحصاء الرسمية مستقلة بحيث تستطيع مقاومة من يحاول التأثير عليها. ما هي الأدوات الضرورية لإنجاح سياسة الأجور؟ أولا: في كل دولة هنالك حد أدنى رسمي للأجور يسمح للفرد بالعيش بكرامة. تحديده يخضع لمعايير علمية أهمها دراسة تكلفة المعيشة عبر اعتماد مؤشر واقعي للأسعار يرتكز على سلة استهلاكية معقولة للمواطن العادي. الحد الأدنى هو المعيار الأساسي لأي سياسة أجور جدية. لا يمكن أن يكون الحد الأدنى مرتفعا جدا إذ يؤثر عنده على البطالة كما لا يمكن أن يكون منخفضا لا يسمح للعامل بالعيش بكرامة. تحديد الأدنى يجب أن يتم بدقة. ثانيا: يجب أن تحمي القوانين الموظف والعامل من الظلم وسوء المعاملة كما من الصرف التعسفي. المطلوب ضمانات اجتماعية وصحية للعمال ممولة من الدولة والشركات. ما زالت الدول النامية والناشئة مقصرة وما زالت حقوق العمال المحليين أو المستوردين غير محترمة تبعا للقوانين الدولية وتوصيات مؤسسة العمل الدولية. كما على العامل أن يبذل كل جهوده لمصلحة المؤسسة التي يعمل فيها، عليها في المقابل أن تحترم حقوقه المادية والإنسانية. عقود العمل الجماعية مهمة في الدول التي لا تحدث قوانينها بحيث يحفظ العامل حقوقه من ضمنها. ثالثا: هنالك نظام دولي للعطل الرسمية والإجازات لا يمكن تخطيه. هو الحد الأدنى المقبول في المجتمعات التي تختلف حكما في عدد أعيادها الوطنية والدينية إلا أن هنالك عددا يقارب العشرة لا يمكن النزول دونه. كما أن العطل السنوية مهمة جدا لإراحة العامل وللسماح للمؤسسة بتدوير العمل بحيث ترتفع الإنتاجية. رابعا: من المهم جدا أن يكون هنالك صوت للعمال أفرادا ومجموعات. يساهم هذا الصوت في رفع انتاجية العامل ويسمح للمؤسسة بمحاورة العمال عبر ممثليهم في مجموعات أو نقابات. الحياة النقابية مهمة ولم تتحسن ظروف العمال في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها إلا بفضل النشاط النقابي وتعاون قطاع الأعمال والدولة. الوعي العام مطلوب لإعطاء كل الفرقاء حقوقهم المشروعة بل المفيدة للاقتصاد. خامسا: المطلوب قوانين عمل عصرية تسمح بتطوير الأسواق أي تحفز الشركات ضرائبيا كي تقوم بتدريب موظفيها وعمالها. تتطور العلوم سريعا بحيث يصبح التدريب أكثر فأكثر ضرورة وطنية واقتصادية في نفس الوقت. ماذا حصل في الواقع دوليا بشأن الأجور؟ أولا: في معظم الدول النامية والناشئة تدنت حصة العمل من الدخل الوطني لأن الأجور لم تلحق بالتضخم. حصل ذلك أيضا بسبب التكنولوجيا التي تتطور أحيانا فوق قدرة العامل على استيعابها، بسبب أسواق المال المعولمة التي تعزز أوضاع الأغنياء على حساب الفقراء والتي لا تمكن العامل من الاستفادة منها كما بسبب قوانين ومؤسسات عمل ضعيفة وغير فاعلة. ثانيا: كيف تغيرت الأجور بين سنتي 2000 و 2011؟ عالميا ارتفعت الأجور في هذه الفترة بنسبة 23% لكنها لم تتوزع بشكل متواز على المناطق الجغرافية. في أفريقيا، زادت الأجور 18% وفي أسيا 95%، وفي شرق أوروبا وآسيا الوسطى 171% وفي الدول الصناعية 5% وفي دول أميركا اللاتينية والكاريبية 15%. المنطقة الوحيدة في العالم التي انحدرت فيها الأجور خلال فترة الـ 11 سنة هي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث انخفضت 6% وهذا غير مقبول في كل المعايير الاقتصادية والإنسانية. ترتبط الأسباب بالإنتاجية والقوانين والمؤسسات وبعدم احترام حقوق العمال والموظفين كما تفرضه القوانين بل يفرضه المنطق والعقل. ثالثا: المزعج في ما يحصل أنه بالرغم من أن أوضاع العمال تتراجع دوليا وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يحصل الكثير من الجشع من قبل إداريي الشركات الكبرى والتي لا تبررها النتائج المالية. هنالك حملة دولية ضد هذه المنافع والتعويضات التي يحصل عليها بعض رؤساء الشركات في وقت تفلس أو تتعثر شركاتهم. رابعا: الاقتصاد العالمي يعاني اليوم من الأزمة المستمرة. هنالك سياسات تقشف متبعة في العديد من الدول المصابة، إلا أن هذا التقشف يطال أولا وفي أكثريته العمال ووظائفهم وحقوقهم وتبقى الأمور الأخرى من هدر وفساد كما هي. لا يمكن القبول بهذا الواقع الذي لا يعطي العامل حقوقه لا في فترة الازدهار ولا في فترة الصعوبات. مستوى الأجر مهم جدا لكنه لا يكفي كي يأخذ العامل كما رب العمل حقوقهما. العلاقة الجيدة مهمة وهي ليست فقط رقمية بل يجب أن تكون إنسانية معتمدة على الإخلاص والنية الحسنة من الفريقين. ما هي الحلول التي يمكن أن تطبق لتحسين أوضاع العمال؟ أولا: وضع علاقة واضحة بين الأجر والإنتاجية بحيث تشكل حافزا للتحسن المفيد للاثنين. ثانيا: رفع الأجور سنويا بنسبة معينة من غلاء المعيشة. ثالثا: تطوير ركائز أسواق العمل من إحصائيات وقوانين ومؤسسات وقضاء سريع فاعل ومتخصص. يجب أن يكون في كل دولة مؤسسة تساعد العاطل عن العمل على إيجاد فرصة له أي تصل طالبي العمل بعارضيه. يجب اعتماد الأخلاق في التصرف. رابعا: تطبيق معايير الثواب والعقاب في القطاع العام الذي يعاني عموما في انخفاض الإنتاجية. تحفيز التدريب ومعاقبة التمييز على أساس العرق والجنس وغيرهما.
988
| 11 أبريل 2013
تدل أزمة قبرص بوضوح على أن النظام الاقتصادي الصناعي لم يتعاف بعد.. "الركود الكبير" مستمر في كل أوروبا وبدرجات مختلفة. يمكن القول إن قبرص لم تكن جاهزة للانضمام إلى منطقة اليورو كما أن اليونان متهمة بالتلاعب بالأرقام كي تقبل. الواقع هو أنهما انضمتا إلى المنطقة وتعانيان من نتائج قرارهما. كان الخيار القبرصي الأخير واضحا بين الإفلاس أو قبول الدواء المزعج والمكلف للبقاء في منطقة اليورو. خيار الإفلاس يعني ترك النقد الأوروبي والعودة إلى نقد وطني وسقوطه حكما في السوق مما يشجع على زيادة الصادرات. اعتماد نقد وطني يعني إفقار البلد بحيث تسقط الأجور والأرباح وينحدر مستوى المعيشة. اعتماد خيار البقاء في منطقة اليورو يحصل ضمن شروط قاسية، أسوأ ما فيها أنها تشكل سابقة لدول تعاني من الداء القبرصي أي عجز مالي مرتفع ودين عام مقلق كما قطاع مصرفي مضخم يوازي أضعاف الناتج المحلي؛ وضع اليد على الودائع حتى على تلك التي تفوق مئة ألف يورو مقلق في المبدأ، وما كان محرما ومستحيلا وممنوعا يحصل بل يمكن أن يصبح مقبولا في دول أخرى وقريبا. لا شك أن الودائع ستترك المصارف القبرصية عندما تسمح لها الظروف بذلك، أي عندما ترفع الدولة يدها عن الودائع ويتمكن المواطن أو الشركة من التصرف بأموالهما. أين ستذهب هذه الأموال وفي طليعتها الروسية؟.. من المتوقع أن تعود إلى بلد المنشأ أو تذهب إلى اليونان وربما إلى دول أوروبا الشرقية ككرواتيا وصربيا وألبانيا وغيرها. لا شك أن قبرص مذنبة لناحية ما وصلت إليه، لكن الحلول أيضا لها مساوئها على العالم وضربت ركائز الرأسمالية من ناحية سطو الدولة على ودائع مواطنين ربما يكون معظمهم أو بعضهم أبرياء من نواحي تبييض الأموال أو التهرب من الضرائب أو تمويل الإرهاب. في الحقيقة لم تنته أزمة قبرص بعد، بل إن تداعياتها بدأت وهي تفوق بكثير حجم الجزيرة وتأثيرها ودورها الاقتصادي في أوروبا. قبل الأزمة المالية الدولية الحالية، كانت الدول النامية والناشئة فقط تطلب المساعدات الدولية من هبات وقروض. في سنة 1976، قامت الحكومة البريطانية بالتقدم بطلب قرض من صندوق النقد الدولي وكانت هذه الأخيرة لها. في نفس الوقت تقدمت إيطاليا والبرتغال وإسبانيا بطلبات مماثلة وحتى الولايات المتحدة قامت باستعمال احتياطها في الصندوق للدفاع عن سعر صرف الدولار في الأسواق النقدية العالمية.. آخر مرة دولة صناعية تقدمت بطلب من صندوق النقد الدولي للمساعدة كانت البرتغال في سنة 1983 وبالتالي تركزت جهود الصندوق منذ ذلك الوقت وحتى سنة 2008 على إقراض ومساعدة الدول النامية والناشئة فقط. اعتمدت الدول الصناعية منذ سنة 1983 على سياسات تنقلت بين المحافظة والمتهورة؛ ضبطت إنفاقها في المرحلة الأولى لتعود إلى الإفلاس فيما بعد. ارتفعت نسب عجز الموازنات كما زاد ثقل الدين العام نسبة للناتج. لم تعتمد الدول الصناعية على قدراتها الإنتاجية بل أنفقت كثيرا واقترضت الكثير من آسيا ودول الخليج العربي، أصبح الاقتصاد الغربي متكلا على رغبة آسيا والصين خاصة في إقراضها أحيانا بفوائد عالية. انتقلت الاقتصادات الصناعية من اعتماد النموذج الواعي والعلمي والمحافظ إلى آخر متهور لا يمكن أن يستمر، فوقعت الخسائر بدءا من سنة 2008 مما سبب ضرب الثقة التي تشكل ركيزة النمو والتطور. منذ السبعينيات؛ اعتقد المجتمع الدولي خطأ وفي مقدمه مؤسسات الإقراض الدولية أن الأزمات هي نتاج طبيعي للاقتصادات الناشئة والنامية، وأن الاقتصادات الغربية محصنة بل لها مناعة قوية نهائية ضد الخضات النابعة أصلا من سوء الإدارة والفساد والديون التي تتميز بها الاقتصادات الأقل غنى. كانت الاقتصادات الناشئة والنامية معرضة مبدئيا أكثر بكثير بسبب عدم نضجها المالي، هشاشة الديمقراطية والمؤسسات، غياب دولة القانون، ضعف الشفافية والمحاسبة، وجود قيود ورقابة قاسية على الأسواق في وقت ينمو خلاله الدين العام من مصادر خارجية أي بالنقد الأجنبي.. ترسخت هذه القناعة بالرغم من حصول أزمات مصرفية عميقة في اليابان والدول الاسكندينافية في الثمانينيات والتسعينيات وبالرغم من حصول أزمات نقدية في بعض الدول الأوروبية والتي شكلت دافعا لها لاعتماد اليورو كنقد مشترك. في الحقيقة كل هذه الأزمات لم تكن بحجم وعمق الأزمة الآسيوية التي حصلت في فترة 1997 / 1998 ولا في حجم عمق وقوة الأزمتين الروسية والمكسيكية. هل تعلم العالم منها؟ تشير الوقائع إلى العكس. تقدمت أيسلاندا بطلب قرض من صندوق النقد الدولي في أواخر سنة 2008 تبعتها اليونان وأيرلندا والبرتغال مما يشير إلى تغير ركائز الاقتصاد الدولي لمصلحة الدول الناشئة وضد نفوذ الدول الصناعية. تأثر العديد من الدول النامية والناشئة بأزمة الاقتصاد الغربي لكنها تعافت بسرعة على عكس الدول الصناعية التي ما زالت تعاني. كان الرئيس الفرنسي واضحا في آخر مقابلة تليفزيونية له بشأن الأزمة وتأثيرها على النمو والبطالة التي لن تبدأ في الانحسار بأفضل الحالات إلا بدءا من أول 2014 بالرغم من كل السياسات والوسائل والأدوات المتبعة. جميع الحكومات الأوروبية الغربية معرضة للتغيير اليوم في حال حصول انتخابات. ربما يسقط فرنسوا هولاند وديفيد كامرون وحتى أنجيلا ميركل. أما الانتخابات الإيطالية، فسببت مشاكل إضافية بسبب عدم اقتناع المواطنين بالخيارات المتاحة بل ربما بسبب ضياعهم وعدم استطاعتهم حسم خياراتهم السياسية والاقتصادية. تتخبط إيطاليا اليوم في أزمة حكومية بسبب الانقسام وعمق المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة. لماذا تستمر الأزمات في الاقتصادات الصناعية بالرغم من الجهود المبذولة في كل الاتجاهات؟ هل هي أزمة أنظمة أم مشكلة ثقة؟ هل تقع الاقتصادات في مأزق عميق لن تستطيع الخروج منه مع السياسات الحالية؟. أولا: حجم الديون والسياسات التقشفية المتبعة للتخفيف من وطأتها على الاقتصاد والتي تضرب في نفس الوقت النمو. في الواقع إن الخيارات ليس كبيرة للدول المدينة، وتتلخص أولا في رفع نسبة النمو إلى أعلى من معدل فوائد الديون وهذا ما لا يحصل إذ يبقى النمو ضعيفا أو غائبا وبالتالي أدنى من معدل الفوائد المتدنية أصلا. الخيار الثاني هو أصعب أي إلغاء قسم من الديون كما حصل في اليونان، حتى لا نقول السطو على قسم من الودائع لتسديد ديون قديمة أو جديدة.
375
| 03 أبريل 2013
الاقتصاد العالمي مختلف جدا بين ما قبل الأزمة المالية العالمية واليوم. في سنة 2007، شكل الاقتصاد الأمريكي حوالي %30 من الاقتصاد العالمي و14% من التجارة الدولية. كان حجم الأسواق المالية الأمريكية يعادل 145% من الناتج، علما بأن ربعها كان مصرفيا. حجم القروض المالية للقطاع الخاص شكل في سنة 2007 حوالي 210% من الناتج في أمريكا مقارنة بـ 121% في منطقة اليورو و98% في شرق آسيا. نما الاقتصاد العالمي حوالي 4% سنويا في فترة 2000 \ 2007 مقارنة بـ 3% في العقد الذي سبق. تحصل الأزمة المالية الدولية المستمرة منذ سنة 2008 بسبب السياسات الخاطئة التي اعتمدتها أمريكا وأوروبا كما نتيجة الممارسات السيئة المرتكزة على الفساد وسوء الأداء. كانت السياسات النقدية أحد الأسباب الأساسية لأزمة 1929، وبالتالي ظن البعض أنها ستكون كذلك هذه المرة. إلا أن وجود "بن برنانكي" على رأس المصرف المركزي الأمريكي، وهو الباحث في شؤون أزمة 1929، أسهم إلى حد كبير في عدم تكرار التجربة. لا يكفي ألا تشكل السياسات سببا للمشكلة، بل يجب أن تساعد في حلها أو التخفيف من وطأتها. لا بد من مراجعة كل السياسات التي اعتمدت قبل الأزمة أي منذ سنة 2000 منعا لتكرار التجارب التي أوصلت الاقتصاد الدولي إلى ما هو عليه. المعلوم أن السياسة النقدية تهدف أصلا إلى تحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط والطويل شرط ألا تسبب الركود المؤذي بالبطالة. تكمن المشكلة في أي مؤشر أسعار نعتمد؟ هل ندخل إليه فقط السلع أم الخدمات والأصول أيضا؟ إن ضبط النمو النقدي ضروري جدا منعا للتضخم شرط ألا يقضي على فرص النمو. هنا تكمن أهمية التنسيق بين السياستين المالية المسؤولة عنها وزارة المالية والنقدية التي تخضع للمصرف المركزي شرط المحافظة على استقلالية كل منهما. أكثرية الدول تعتمد الاستقلالية التي يخطئ البعض بتحميلها مسؤولية الأزمة الدولية. الاستقلالية ممتازة وضرورية، لكن الممارسة لم تكن بالمستوى المطلوب فحصلت أخطاء عديدة. هنالك دور كبير للمصرف المركزي في إبقاء الاقتصاد العام مستقرا. هنالك مصارف مركزية تعتمد على قواعد أو معادلات دقيقة لسياساتها النقدية. لكن التقلبات الدولية تمنع في العديد من الأحيان تطبيقها. هنا تكمن صعوبة تحديد السياسة النقدية الفضلى، إذ تختلف من دولة إلى أخرى. لا شك أن كفاءة حكام المصارف المركزية مهمة لتعديل السياسة النقدية كلما تدعو الحاجة لمصلحة الاقتصاد وحمايته. يكمن دور المركزي في حسن الرقابة على المصارف والمؤسسات المالية بمختلف أنواعها. لم تحصل الأزمة المالية من دون دور كبير وسلبي للمصارف، أي إقراض غير مدروس خاصة للعقارات في وقت كانت المصارف المركزية تتفرج. دور المصرف المركزي هو التأكد من سلامة القطاع المصرفي الذي احتاج إلى الضرائب للإنقاذ. هنالك غضب دولي كبير ومحق تجاه المصارف بدأ يخف، لكنه ما زال قويا. في مؤتمر دافوس هذا العام، يظهر الغضب وهنالك اعترافات بالأخطاء من أهم المصرفيين. لكن هذا لا يكفي، إذ يجب التأكد من أن الممارسات المستقبلية ستكون أفضل وأنزه وأقل مخاطرة بأموال وودائع المواطن. تقوم المصارف المركزية بإدارة عمليات الدين العام للدولة أي تصدر سندات الخزينة وتسوقها لصالحها. أسواق السندات هي في غاية الأهمية وتشكل قسما أساسيا من الأسواق المالية الكاملة. هنالك دول كالسعودية تستطيع تسديد كل ديونها العامة وكل السندات، لكنها لا تفعل كي تبقي السوق فاعلة. تعطي أسواق السندات معلومات كبيرة عن توقعات المواطنين والمستثمرين المستقبلية بشأن الفوائد ومخاطر الدولة. لماذا يجب أن يبقى ضرب التضخم هدف السياسة النقدية؟ أولا: التضخم القوي يضرب فرص النمو، إذ يبعد الاستثمارات ويرفع مستوى المخاطر. ثانيا: يضرب التضخم الادخارات المالية والودائع المصرفية وبالتالي معاشات التقاعد المهمة جدا للإنسان في نهاية حياته العملية. ثالثا: يضرب التضخم النظام الضرائبي في عدالته. كيف يمكن تجنب التضخم؟ المهم هو إبقاء مجموع الطلب موازيا أو أقل من مجموع العرض. يمكن للسياسات العامة أن تؤثر على عاملي الطلب والعرض لتجنب حصول التضخم الذي يدخل بسرعة ويخرج بصعوبة. فالسياسة المالية ترفع مجموع الطلب عندما تزيد الإنفاق العام على الحاجات العادية كما الاستثمارية. ترفع السياسة النقدية من حجم الطلب عندما تخفض الفوائد، فتزداد القروض وبالتالي الطلب على كل السلع والخدمات. يمكن تحفيز العرض عبر تخفيض الضرائب، فيزداد الإنتاج وبالتالي تنخفض الأسعار. يمكن للحكومة أن تضبط تحركات الطلب العام كما العرض العام عبر سياساتها الهادفة إلى تحقيق النمو بالإضافة إلى معالجة موضوعي التضخم والبطالة. من العوامل المهمة للتي تضرب التضخم هي تحرير أسواق العمل، بحيث تعكس الأجور التوازن وبالتالي يحصل العمال كما رب العمل على حقوقهم كاملة. أسواق عمل ضبابية تسبب البطالة واعتماد أجور غير متوازنة يبقى ظالما. زيادة الأجور دون ارتفاع الإنتاجية تؤدي إلى التضخم، من هنا ضرورة اعتماد السياسات الداعمة للإنتاجية والتنافسية كما فهمها الفرنسيون جيدا ويسعون إلى تطبيقها عبر تقرير "غالوا". أخيرا من العوامل المهمة لضرب التضخم إدخال الجميع إلى سوق الإنتاج عبر القروض الصغيرة التي تعتمد أكثر فأكثر حتى في الدول الصناعية. هنالك أسس اجتماعية وتضامنية ومالية ومؤسساتية ترتكز على الثقة والعلاقات الاجتماعية والثقافية وشبكات التواصل بين المواطنين وضعها أصلا محمد يونس في بنجلادش وحصل على جائزة نوبل للسلام بفضلها. اعتمدت هذه الأسس تحديدا في نيويورك عندما تحمست لها الشيخة هيلاري كلينتون في العقد الماضي.
504
| 13 فبراير 2013
تحققت منطقة اليورو بعد عقود من الجهود التي قادها قياديون كبار أمثال ديغول واديناور وغيرهما. كما لكل مشروع اقتصادي، هنالك فوائد ومساوئ، لكن المهم أن تكون الخلاصة إيجابية. تمر المنطقة منذ سنة 2008 بأزمة كبيرة كادت أن تطيح بالنقد المشترك وتسبب انفراطها في عودة عقود إلى الوراء. أدركت القيادات الأوروبية عمق المخاطر وعملت جاهدة على تخفيف الخسائر ونجحت. كانت السياسات المالية سخية ليس فقط ضمن بعض الدول إنما فيما بينها، وأسهمت سياسة الإقراض في تجنب كارثة أكبر في اليونان وإسبانيا وغيرهما. كانت السياسة النقدية للمصرف المركزي المشترك ذكية، إذ ضخت الكتلة النقدية الإضافية لتوفير السيولة للمصارف وعبرها للأفراد والشركات. أسهمت القروض الدولية عبر صندوق النقد والوحدة الأوروبية كما من بعض الدول الأعضاء في تجنب كارثة في اليونان وغيرها. شاركت المصارف في الإنقاذ، إذ ألغت قسما كبيرا من الديون التي وفرتها لبعض الدول وفي مقدمها اليونان. خلاصة ما حصل، أننا لم نعد نتكلم اليوم عن استمرارية اليورو ومنطقته. فالجميع مقتنع أن اليورو سيستمر والمنطقة ستبقى، بل إن سعر صرفه يتحسن بخطى ثابتة وسريعة تجاه الدولار الأمريكي. ما هي السياسات الأساسية التي اعتمدتها دول مجموعة اليورو السبعة عشرة والتي أسهمت في خلقها وفي استمراريتها. ألغت الدول القيود على تحرك رؤوس الأموال فيما بينها وحتى مع الخارج. قامت بها في أوقات مختلفة تبعا لأوضاعها وجهوزيتها الداخلية. في التواريخ ألغت فرنسا هذه القيود في سنة 1990 وألمانيا في سنة 1967 واليونان في سنة 1994 وإسبانيا والبرتغال في سنة 1992. حررت الدول الأعضاء سياسة الفوائد لديها كي تعكس الفائدة سوق المال، وكان ذلك في سنة 1990 في فرنسا وبلجيكا وإيطاليا و1981 في ألمانيا و1992 في كل من إسبانيا والبرتغال. شاركت الدول الأعضاء في تطبيق سياسات مصرفية مشتركة بحيث أصبحت السوق فعلا واحدة. كانت التواريخ مختلفة علما بأن ألمانيا كانت دائما الرائدة، ولم يكن هنالك مجال يوما لخلق وحدة أوروبية أو وحدة نقدية من دونها. هل كان خلق الوحدة النقدية الأوروبية في محله؟ ما هي التكلفة والمنافع؟ لماذا حصلت الأزمة التي تم تجاوزها بذكاء وجهد دون أن تكون الوحدة قد تعافت تماما؟ في أبرز بنود التكلفة، نذكر أن الوحدة النقدية تفقد الدول الأعضاء سياستها النقدية الوطنية وتجعلها تخضع في هذا المجال لأوامر السلطة المركزية أي لفرانكفورت. تخسر الدول المنضمة إلى الوحدة إمكانية تعديل سعر صرف نقدها لتنشيط الصادرات ومعالجة وضع ميزان المدفوعات. لو كان لليونان مثلا نقدها الوطني، لسقطت عملتها وبالتالي خفت مشاكلها دون أن ننكر أن هذا يعني تفقير الشعب لمصلحة الاستقرار الاقتصادي. عندما يكون لكل دولة نقدها، تتحمل بطرق مختلفة أي خطة آتية من الخارج بحيث يتحرك النقد لامتصاص الخلل. في الوحدة النقدية، تنعكس الخطة مباشرة على الأسعار والأجور بحيث يكون الوجع أكبر خاصة على المواطن العادي. في الدول التي تعتمد نقدا وطنيا، يعكس سعر الصرف الأوضاع الداخلية من إنتاجية وتنافسية بينما تخسر هذه الحيوية تلك التي تعتمد نقدا مشتركا. أما المنافع، فهي كبيرة وتبدأ في تخفيض تكلفة التبادل المالي التي كان يفرضها التحويل بين العملات المختلفة. اعتماد نقد واحد يخفف تكلفة التجارة ويوحد الأسعار مع الوقت بين الدول ويساهم في نشر التنمية بطريقة أكثر عدالة. النقد الموحد يسهل الاستثمارات بحيث تزول مخاطر تغيير أسعار الصرف التي يخشى منها دائما قطاع الأعمال. يشجع النقد الواحد على انتقال العمال بين المناطق تبعا للعرض والطلب. تزداد شفافية الأسعار إذ تسهل مقارنتها بين الدول المجاورة. إن اعتماد نقد موحد لمجموعة قوية كأوروبا يساهم في جعل اليورو نقدا دوليا بامتياز ينافس الدولار على الصدارة كاحتياطي وكوسيلة للتبادلين التجاري والمالي. في هذه الفترة من وجود اليورو، تعمقت الفوارق بين الدول وكان ممكنا أصلا التخفيف من سرعة الانضمام إلى الوحدة أو جعلها مجموعتين في البداية حتى تتقارب أكثر الأوضاع. تحتاج كل وحدة نقدية إلى سنوات من الجهد كي يستفيد كل أعضائها من القوة المشتركة. اليوم أوروبا أنقذت نفسها وجمعت قواها وعاد النمو، وإن يكن بنسب خفيفة. إذا استمرت الدول في العمل المشترك الشاق المبني على الرغبة في الوحدة، ستعرف أوروبا في العقد الحالي ازدهارا نموذجيا لم تعرفه أي من دولها من قبل.
792
| 06 فبراير 2013
تجري العادة بمقارنة الأوضاع الاقتصادية العربية بالغربية عموما لرغبتنا في أن تتحسن أحوالنا وتتقارب مع الوقت من الغربية. إن التشابه مثالي، إذ هنالك عوائق أو فوارق كبيرة وبعيدة تفصل مجتمعاتنا عن الغربية تبدأ من التاريخ إلى الثقافة والجغرافيا وغيرها. لذا لهذا التشابه مغذى أكاديمي ونظري ونفسي كبير، لكنه يبتعد عن الواقع في العديد من الأحيان بل يقترب من الأحلام والتمنيات. مقارنة الأوضاع الاقتصادية العربية بالتركية ربما تكون أقرب إلى الواقع. من يزور تركيا دوريا يشعر بالتقدم الهائل الذي يحققه الاقتصاد بنموه وبنيته التحتية والفوقية في ظروف لا يمكن وصفها بالسهلة. مقارنة أوضاعنا بالتركية هو في محله نظرا للتقارب الجغرافي والسكاني والثقافي والاقتصادي كما للعلاقات التاريخية الطويلة الإيجابية كما السلبية التي ربطتنا بها على مدى قرون. مقارنة أوضاعنا بالتركية مهمة في وقت انتقال مصيري لتركيا بين الوجهة الأوروبية أو الشرق أوسطية. لا تقل هذه القرارات خطورة عن التحديات التي تواجه العالم العربي مجتمعا وفي كل من دوله. يمر العالم العربي اليوم بظروف دقيقة مرتبطة بالسياسة والحريات والتنمية. العالم العربي اليوم ليس في وضع عادي، بل ربما يمر في فترة انتقالية تطول سنوات بل عقودا. الوضع الاقتصادي متقلب ليس فقط في مصر وإنما في معظم أنحاء العالم العربي بشكل أو آخر. الوضع السوري خطير ولا يمكن تنبؤ ما يمكن أن يحصل، بل إن الخسارة البشرية كبيرة والمادية لا تحصى وعملية البناء ستدوم سنوات. في الوقت نفسه تركيا حائرة بين أن تعزز فرصها للدخول إلى الوحدة الأوروبية وما يتطلب هذا الهدف من تغييرات عميقة في المؤسسات والقوانين، وبين أن تساهم مع الدول العربية وإيران في إدارة شؤون المنطقة كما يحصل بين البرازيل والأرجنتين وفنزويلا فيما يخص أمريكا اللاتينية. استقرار منطقة الشرق الأوسط يحتاج على المدى البعيد إلى المشاركة الفاعلة لكل من إيران وتركيا والدول العربية في جميع الاتفاقيات بدأ من السياسة إلى الاقتصاد. تقع المنطقة على مفترق طرق كبير وخطير يؤثر على مستقبلها. في المؤشرات الاقتصادية، حققت تركيا نموا بلغ 4.7% في سنة 2007، 0.7% في سنة 2008 وانخفاضا قدره 4.8% في سنة 2009 بسبب الأزمة الاقتصادية الدولية التي انعكست سلبا على معظم دول العالم بل على الاستثمارات والتجارة الدوليتين. معدل البطالة التركية هو في حدود 11%، علما أنها ارتفعت إلى 14% في سنة 2009 لتنخفض فيما بعد إلى نسبتها الطبيعية بدأ من سنة 2010. عاد النمو بقوة في سنة 2010 (أي 9.2%) و2011 (8.5%) بسبب السياسات الحكيمة التي هدفت إلى تحقيق التنمية المتوازنة بل حسنت درجة تقييمها الائتماني الدولي. تحقق تركيا عجزا في الموازنة بمعدل 3%، وهذا معقول ويحترم النسب المقبولة أوروبيا عبر اتفاقية "ماستريخت". أما نسبة الدين العام من الناتج، فتبقى في حدود 40% وهي دون النسبة المقبولة أوروبيا أي 60%. من الضروري أن تخفف تركيا اقتراضها الخارجي عبر سياسات تشجع على الادخار داخليا. تشير هذه الأرقام إلى الإدارة الفاعلة بل الجدية للملف المالي الداخلي للإدارة السياسية بقيادة حزب العدالة والتنمية مع الرئيس أردوغان. في الملف الاقتصادي الخارجي، يحقق ميزان الحساب الجاري عجزا سنويا يقارب الخمسة بالمائة من الناتج وهذا يعود إلى عجز ميزان السلع الكبير. بلغت صادرات السلع في سنة 2011"143%" من الناتج مقارنة ب 232% للواردات، فسببت عجزا تجاريا بلغ 89% من الناتج. حتى لو استثنينا الواردات النفطية (54% من الناتج) يبقى ميزان السلع عاجزا. يشير هذا الواقع إلى ضرورة تنشيط الصادرات عبر زيادة الإنتاج أولا وفتح أسواق تجارية تاليا للسلع التركية ليس فقط في أوروبا وإنما خاصة في المنطقة العربية المجاورة. بلغ الناتج التركي 774 مليار دولار في سنة 2011، لكن الحجم السكاني البالغ 75 مليون شخص خفض الناتج الفردي إلى 10 آلاف و400 دولار أي معدل منخفض أوروبيا ومقبول عربيا باستثناء دول الخليج طبعا. يشير الرقم التركي إلى الفرص الكبيرة التي تمكن الاقتصاد من النمو بشكل أكبر وأسرع، إذا استقطب الاستثمارات في القطاعات التي تحدث نموا وتستوعب العمالة الجيدة المتوافرة. ما الذي ميز النجاح التركي النسبي؟ كيف استطاعت الوصول إلى وضعها الحالي؟ ما هي السياسات المستقبلية التي عليها اتباعها لتعزيز أوضاعها ورفع مستوى الناتج الفردي؟ أولا: لا يمكن التكلم عن تركيا من دون ذكر التأثير الكبير الذي أحدثه فيها مصطفى كمال أتاتورك مؤسسة الدولة الحديثة. وصفه "دافيد لويد جورج" رئيس الوزراء البريطاني في سنة 1922 بالعبقري، وتمنى لو كان لبريطانيا عبقريا مثله. من يقيم إنجازات الزعيم أتاتورك الضخمة خلال فترة 1923 \ 1938، يتعجب من أن النتائج لم تصبح بعد بمستوى طموحه. إنجازات أتاتورك كبيرة، منها إعطاء المرأة نفس الحقوق كالرجل، علمنة وعصرنة الدولة وفصل الدين عن السياسة، تحديث وتطوير التعليم خاصة التقني والمهني، التحديث في الفنون والقوانين والمؤسسات، تطوير القطاعات وفي طليعتها الزراعة، اعتماد الخطط الإنمائية ومد سكك الحديد لتغطي كافة أنحاء البلاد. إنجازات كبيرة في فترة قصيرة نسبيا لرجل وهب معظم ثروته الخاصة للدولة والسلطات المحلية في سنة 1937. حافظت كل الحكومات المتتالية بما فيها الحالية على الإنجازات الأساسية لأتاتورك بعد أكثر من 70 سنة على وفاته، مما يشير إلى التأييد الشعبي لها وإلى حس المسؤولية الكبير الذي يتمتع به القادة وإلى إدراكهم للمصلحة الوطنية العليا في شقيها السياسي والاقتصادي. ثانيا: السياسات الاقتصادية الحكيمة التي نفذت عبر الزمن والتي جنبت البلاد خسائر كبرى نتيجة أزمة 2008 وسمحت للاقتصاد بالنهوض بسرعة. ثالثا: العلاقات الاقتصادية التركية الأوروبية قوية وتتمثل خاصة في الاستثمارات المباشرة الخارجية حيث تشكل 72% منها. رابعا: رغم الجهود الكبيرة، لا يزال الاقتصاد التركي يعاني من ضعف التنافسية بسبب ارتفاع تكلفة العمالة نسبيا مقارنة مع الدول المنافسة خاصة الآسيوية. رغم استمرار الرغبة التركية في الانضمام إلى الوحدة الأوروبية، لابد لها من مراجعة التجربة اليونانية والاتعاظ منها خاصة أن الظروف والأوضاع متشابهة. من الضروري أن تقارن تركيا مصلحتها في الانضمام إلى أوروبا مع مصلحتها في البقاء خارجها، أي عبر توسيع وتعميق علاقاتها الاقتصادية العربية. نرى في الخيار الثاني مصلحة كبرى على المدى الطويل لتركيا يحدث توازنا في المنطقة تستفيد منه تركيا وتفيد غيرها أيضا. يتم هذا مع الحفاظ على علاقات ممتازة مع أوروبا والغرب كما الشرق.
866
| 09 يناير 2013
هناك صراع قوي بين العملات الأساسية على من يتزعم النظام النقدي العالمي وما هي الشروط؟ نظام "بريتون وودز" الذي أقر بعد الحرب العالمية الثانية أعطى الذهب ومن ورائه الدولار الدور الأساسي. لكن بعد أن ألغت الولايات المتحدة في 15\8\1971 قرار تحويل الدولار إلى ذهب عبر سعر صرف محدد، أصبح الدولار عمليا النقد الدولي الأساسي دون منازع. منذ ذلك التاريخ لم يعد هنالك في الواقع أي نظام عالمي واضح ومحدد، بل أصبح الاقتصاد الدولي مرتكزا على عدة عملات تتنافس فيما بينها. قبل خلق اليورو، كانت المنافسة بين الدولار والمارك والين. مع اليورو ونتيجة نمو الاقتصاد الصيني وتراجع الياباني، أصبحت المنافسة الدولية اليوم عمليا بين الدولار واليورو واليوان حيث تشكل الاقتصادات الثلاثة 60% من العالمي. لولا مشاكل أوروبا المالية الحالية، لكان وضع اليورو أفضل بكثير عما هو عليه. ما هي المواصفات المطلوبة كي يقبل أي نقد في الاقتصادات المحلية والإقليمية والدولية؟ يجب أن ينظر المواطنون إلى النقد كوسيلة مقبولة وذات قيمة للتبادل السلعي والخدماتي ولتقييم الأصول وكافة المبادلات التجارية. يجب أن يحافظ النقد على قيمته الشرائية حتى لا يستبدل بآخر أو يرمى من أجل آخر. كي يكون مقبولا دوليا، على النقد أن يكون حرا في الأسواق ومتوافرا خارج الحدود بكمية كافية ويمكن استبداله بأي عملة أخرى. كي يقبل كاحتياطي دولي، عليه أن يكون صادرا عن دولة كبيرة ذات نظام مالي حديث ومؤسسات قوية ويعتمد على النظام الاقتصادي الحر. يبقى الدولار النقد الوحيد الذي يتمتع بهذه المواصفات يليه اليورو الذي يعاني من عدم وجود دولة واحدة وراءه كما أنه تضرر كثيرا من الأزمات اليونانية والإسبانية وغيرها. قدرة الولايات المتحدة على تمويل عجزها المالي عبر إصدار سندات خزينة بنقدها هي فريدة حتى اليوم وتشير إلى استمرار الثقة بالنقد والدولة. هنالك دولة تطبع دولارها لتشتري السلع والخدمات في وقت يطلب العالم منها أن تحافظ على قيمة نقدها وهذه مفارقة تعرف بتناقض "تريفين". أما اليوان فهو بعيد كل البعد عن صفة الاحتياطي النقدي الدولي ليس فقط لأنه ليس حرا في الأسواق، وإنما لأن الصين نفسها لا ترغب في تحويله إلى ذلك. ما هي الأوضاع الاقتصادية للمجموعات الثلاث وإلى ما تشير إليه الأرقام لسنة 2013؟ في النمو الاقتصادي، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.3% مقابل انخفاض قدره 0.4% لدول الوحدة النقدية الأوروبية وارتفاع يقارب ال 8.5% للصين. ما زالت الصين مميزة بنموها رغم الأزمة المالية العالمية التي طالت زبائنها الغربيين. في ميزان الحساب الجاري ونسبة للناتج، من المتوقع أن يكون فائضا في أوروبا (1.4%) والصين (2.5%) وعاجزا في أمريكا (3%-). في الموازنة، من المقدر أن يكون هنالك عجز كبير في الولايات المتحدة (6- %) وعجز أدنى في كل من أوروبا (2.6- %)والصين (1- %). هذا يشير إلى أن الدول لا تزال تنفق فوق إمكاناتها وهذا سيئ على المدى الطويل. في حجم الدين العام من الناتج، يتوقع أن يصل إلى 111% في الولايات المتحدة، 93% في أوروبا و 20% في الصين. ارتفاع الدين الأمريكي يشكل نقطة ضعف تؤثر بقوة على مستقبل الاقتصاد في غياب الحلول العملية التي تفترض تعديلا في السياسة المالية. مقارنة هذه الأرقام بعضها ببعض تؤكد على عدم وجود قوة كبرى واحدة في العالم، أي أن الاقتصاد الدولي سيبقى معتمدا على عملات ثلاث متنافسة بدرجات وأحجام وأدوار مختلفة. ما هو مستقبل الدولار؟ السياسة النقدية التضخمية للمصرف المركزي الأوروبي منذ سنة 2001 أحدثت أزمة عقارية لا مثيل لها في التاريخ الحديث. الركود الذي مرت به أمريكا والتعثر في النهوض أضعفا الاقتصاد الأمريكي ونقده. لولا وجود مقرضين للولايات المتحدة كالصين والدول الخليجية وبعض الدول الآسيوية التي استثمرت في الاقتصاد، لكان الوضع الأمريكي أسوأ بكثير. يمكن للدولار أن يبقى النقد الاحتياطي الدولي الأقوى إذا استطاعت أمريكا أن تبقي عجز ميزان حسابها الجاري في حدود 3% بالتزامن مع تخفيض كبير في عجز الموازنة وارتفاعا في نسبة الادخار الداخلي كي يتم الاعتماد أكثر على التمويل الداخلي بدل الخارجي. ما هو مستقبل اليورو؟ الأزمة الأوروبية كبيرة وعميقة لكن الأوروبيين يعالجون أزمتهم بنجاح وترو وذكاء. إذا استمرت السياسات التقشفية القاسية المعتمدة اليوم، من الممكن أن ينتخب الأوروبيون مستقبلا الأحزاب المتطرفة. هنالك ضرورة للانتظام المالي ولتطبيق اتفاقية "ماستريخت" لكن ليس على حساب الاستقرارين الاجتماعي والسياسي. يجب أن تتحول الوحدة النقدية الأوروبية باتجاه وحدة فضلى أي تماما كما أوصى بها مؤلفها "روبرت مونديل" الذي حاز جائزة نوبل للاقتصاد. عندها يمكن لليورو أن يصبح منافسا قويا بل موازيا للنقد الأمريكي. ما هو مستقبل اليوان؟ تحقق الصين منذ سنوات نموا قويا متواصلا. أصبحت الصين حديثا الاقتصاد العالمي الثاني ومن المتوقع أن تصبح الأولى خلال عشرين سنة أو أقل. حققت الصين نجاحا تجاريا كبيرا وها هي تتدخل يوميا في السوق لمنع ارتفاع اليوان كي لا تنحدر صادراتها. تفتقد الصين إلى أسواق مالية منفتحة حرة عميقة وشفافة بحيث ترفع من حظوظ نقدها في الأسواق الدولية. لكن الحكومات الصينية المتعاقبة حتى اليوم لا تظهر حماسا للانتقال إلى هذا المستوى وهذا الدور. عندما يتغير الهدف وتتعدل السياسات، على الصين تحرير سعر صرف نقدها والسماح بتحويله بحرية إلى العملات الأخرى في الأسواق الداخلية والخارجية. ما هو مستقبل النظام النقدي العالمي؟ السياسات النقدية السخية الهادفة إلى تكبير حجم الكتلة النقدية تؤدي حكما إلى منافسة كبيرة بين العملات ومن الممكن إلى حروب فيما بينها. هنالك دور كبير لصندوق النقد الدولي في منع الحرب عبر التنسيق القوي والذكي بين المصارف المركزية الثلاث كما عبر رقابة الأسواق منعا للتقلبات الكبيرة المكلفة. تشير الدراسات إلى أنه في حال توقفت المصارف المركزية عن التدخل في الأسواق، سينحدر العجز التجاري الأمريكي بحدود 150 مليار دولار أي بين 1 و 2% من الناتج ويرتفع عدد فرص العمل ما بين 1 و 2 مليون. ستستفيد منطقة اليورو أيضا لكن بنسب أقل. ويتغير الاقتصاد العالمي كثيرا باتجاه دور أكبر للدول الناشئة. في سنة 2025، من المتوقع أن يبلغ حجم مجموع الناتج للدول الست الأساسية أي البرازيل والصين والهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وروسيا حوالي نصف الناتج العالمي. أما منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فما زالت مرتبطة كثيرا بالدولار بسبب تحرير النفط بالنقد الأمريكي. إذا اعتمدت الولايات المتحدة سياسة الدولار القوي، ستصبح الدول النفطية العربية أقوى وبالتالي تتحسن أوضاع المنطقة العربية المدولرة جدا. لكن من الحكمة توسيع التعاون المالي والتجاري بين الدول العربية من جهة وأوروبا والصين من جهة أخرى لتخفيف المخاطر وتنويع العلاقات وتوسيع الخيارات المتاحة.
552
| 26 ديسمبر 2012
لم يستطع لبنان تطوير اقتصاده ليس فقط بسبب الحرب، إنما بسبب التقصير في الأداء من قبل القطاع العام. لم تتحدث القوانين والمؤسسات، فبقي الأداء متدنيا ولا يخدم المواطن والمستهلك تحديدا. جميع العوامل الداخلية مرتبطة حكما وبالوقت نفسه بالسياسة والاجتماع والاقتصاد. في الستينات كانت هنالك مؤسسات محترمة وشخصيات سياسية عديدة مميزة تعمل لخدمة المواطن. أما اليوم ونتيجة الحروب، لم تعد المؤسسات قوية بل اللبنانيون لا يحترمون القوانين ويشكون في نزاهة وصدقية وكفاءة معظم من يحكمهم. كانت هنالك أخلاق أكثر بكثير وحساب وعقاب بحيث التزم الإنسان بعمله وسعى إلى رفع إنتاجيته. كان لبنان كما اقتصاده لؤلؤة تنير العالم العربي والدولي، حتى سمي بسويسرا الشرق. ايننا اليوم ليس من سويسرا الغرب بل حتى من سويسرا الشرق الماضية؟ في الستينات، بنيت أجهزة الرقابة والمصرف المركزي واحترمت التوازنات بين المؤسسات وطبق مبدأ فصل السلطات الذي يبنى عليه الاقتصاد الحديث بل الدولة الحديثة. في الستينات، أقر قانون النقد والتسليف الذي كان أساس النجاح المصرفي المستمر. بلغ متوسط التضخم 1.4% مقارنة بـ 14.6% في السبعينات، وذلك بفضل الاستثمارات التي كانت تتدفق إلى لبنان وتحدث نموا قويا متواصلا. الاقتصاد اللبناني في الستينات مختلف جدا عن اليوم لأسباب داخلية وإقليمية ودولية كما لأسباب مرتبطة بالتغير الهيكلي والديموغرافي للشعب اللبناني الذي مر ويمر في حروب مؤذية مدمرة ما زالت توقع الخسائر الكبيرة في المادة والإنسان. لا شك أن الحرب اللبنانية واستمرارها أثرا سلبا على مستوى المعيشة ومؤشرات التنمية ودفعا بمئات ألاف اللبنانيين إلى الهجرة. تؤثر الأوضاع سلبا على الاستثمارات والنمو والبطالة التي تطال الجامعيين من مختلف الاختصاصات. استفاد لبنان كثيرا من الاقتصادات العربية التي اعتمدت الاشتراكية في الستينات، فهجر الينا آلاف المتمولين من مختلف البقاع المجاورة. استفاد لبنان من الوجود الفلسطيني المؤسساتي حيث تدفقت الأموال العربية اليها، فوضعت في المصارف كما في الاقتصاد بشكل عام. استطاع لبنان التواصل مع الغرب بفضل الثقافة التي تميز بها والتي افتقدتها الدول المجاورة. يتنافس لبنان اليوم مع دول ومناطق لم تكن تنعم في الماضي بالمواصفات الحديثة المتطورة كدبي وقطر والعراق وقريبا ليبيا. لم يعد لبنان اليوم النموذج الذي كان عليه، بل أصبح واحدا من عدد من الاقتصادات العربية المرنة التي تستقطب الاستثمارات الخارجية. في الستينات، بلغ النمو الاقتصادي السنوي 4.9% مقارنة بمتوسط انحداري سنوي في السبعينات قدره 5.4% وإيجابي يصل إلى 4.9% في العقد الأول من القرن الحالي. نمت الزراعة سنويا في الستينات بنسبة 6.3% والصناعة بـ 4.5% والخدمات بـ 4.8%. كان هنالك اهتمام بالقطاعين الزراعي والصناعي لكنه زال عمليا منذ السبعينات وحتى اليوم. كان التوازن الاقتصادي هدفا وأساسا للتنمية الاقتصادية الاجتماعية. توزع الناتج المحلي الإجمالي في الستينات على 12% للزراعة و33% للصناعة و68% للخدمات. بني الازدهار اللبناني على هذا التنوع المتوازن الذي غاب بدأ من السبعينات. في سنة 2009، كانت القيمة المضافة بنسبة 78% في الخدمات و17% في الصناعة و5% في الزراعة، أي انعدم التوازن وخسرت المناطق تنميتها وتوسعت المدن بشكل بائس وعشوائي. نسبة الخدمات هي من الأعلى عالميا مقارنة بسويسرا (72%)، الولايات المتحدة (77%) ومتوسط عالمي قدره 70%. إذا أمكن القبول بنسب زراعية متدنية في الدول الصناعية بسبب ارتفاع إنتاجية القطاع، لا ينعكس هذا الواقع على لبنان حيث تعاني الزراعة من ضعف الري والكيمائيات والأدوية والإرشاد التقني. بلغت القيمة المضافة للعامل الزراعي اللبناني 31477$ دولار في آخر العقد الماضي مقارنة بـ 44041$ دولار في أمريكا و43543$ دولار في السويد و46233$ في كندا. في الواقع نمو فترة الطائف اعتمد على العقارات والمضاربات مما سبب ارتفاعا كبيرا في أسعار الشقق والمنازل، كما اعتمد على بعض القطاعات الخدماتية. لم نحسن كمجتمع الحفاظ على الزراعة والصناعة من نواحي الإنتاجية والتنافسية والنوعية. ها هو لبنان اليوم أحد مؤسسي "الغات" ممنوع من دخول منظمة التجارة العالمية التي تضم 157 عضوا بينهم 11 دولة عربية منها مصر والأردن، بل يحصل فقط على مقعد مراقب. لبنان قائد الاقتصاد الحر في المنطقة العربية منذ الأربعينات يراقب اليوم فقط التجارة العالمية ولا يشارك في تحديد القواعد الدولية. في سنة 1960 بلغ الناتج المحلي الإجمالي اللبناني 830$ مليون أي مثلا أعلى من سنغافورة (700$ مليون). أما اليوم، يبلغ الناتج اللبناني 38.5$ مليار مقارنة بـ 210$ مليار لسنغافورة حيث يتقارب عدد السكان. لا شك أن المؤشرات الإنسانية تطورت ونعني بها الصحية، فانعكست على مستوى العمر المرتقب الذي يصل إلى حدود 70 سنة للرجل و74 سنة للمرأة. أما المؤشرات المالية والنقدية، فكانت أسلم إذ لم يصل ماضيا عجز الموازنات كما مستوى الدين العام إلى ما نحن عليه اليوم. كان دور الدولة في الاقتصاد قويا دون أن يمس بالحريات وكانت الليرة اللبنانية قوية، بل من أفضل النقد العالمي. أما اليوم، فدولرنا الليرة ولم تعد تتمتع بالوهج والصدقية المطلوبة. كانت هنالك ثقة كبيرة بالدولة وأجهزتها والمسؤولين عنها، أما اليوم يقع العكس تماما. ينتشر الفساد أفقيا وعموديا مما يؤثر سلبا على مستوى ومحتوى الإنفاق. أفقد الفساد لبنان جاذبيته في الاستثمار التي كان ينعم بها لعقود. كان ميزان المدفوعات في العموم فائضا، مما أسهم في رفع مستوى الاحتياطي النقدي إلى أرقام غير مسبوقة. هذه السنة سيتحقق عجز كبير في ميزان المدفوعات يفوق الملياري دولار دون أن تكون الأفق واضحة من ناحية حجم رؤوس الأموال المتوجهة إلى لبنان للإيداع أو الاستثمار. كان مستوى التعليم في لبنان من أفضله عالميا، وكان مقدما من عدد قليل من المؤسسات النوعية خاصة الجامعية. تدنى المستوى التعليمي اللبناني من نواحي اللغات والآداب والعلوم بسبب تكاثر المؤسسات وهجرة الكفاءات وعدم وجود أجهزة رقابة متخصصة فاعلة وصارمة. تدنت قيمة الشهادات الجامعية في السوق بسبب افتقادها إلى النوعية التي ميزت لبنان. ما الفائدة من وجود 60 جامعة تقدم برامج في اختصاصات متشابهة تنتج عموما عاطلين عن العمل بسبب الكفاءة. ما الفائدة من التراكض على التعليم الجامعي والهرب من المهني والتقني الذي يعطي مردودا ماليا عاليا بسبب قلة العرض وارتفاع الطلب. لا شك أن مستوى الخبرة التقنية والحرفية والمهنية تدنى دون أن ننسى ابتعاد الناس في العديد من الأحيان عن الممارسة الأخلاقية المطلوبة. لبنان البلد الصغير جغرافيا لا يمكن أن يتميز إلا بالنوعية المرتفعة، وليس بالكميات التي تبقيه صغيرا ومهمشا على الصعيد الخارجي. كانت الإدارة العامة في الستينات تعمل بإنتاجية عالية بسبب فعالية أجهزة الرقابة، أما اليوم فهي غير فاعلة مما يسمح للفاسد بالهرب. رفع الإنتاجية ضروري لكنه صعب في الظروف الحالية. نعيش اليوم في أزمات لحوم وأدوية ومأكولات وحبوب فاسدة، كما لم نشهد تنفيذ عقوبات جدية تساهم في توقف هذه الأعمال المشينة. في الستينات، كان هنالك احتراما للمواطن وكان السياسي يخدم المواطن أكثر بكثير مما هو عليه اليوم. حاليا وفي العديد من الأحيان، يقع المواطن في خدمة السياسي للحصول على الحقوق والخدمات البديهية مما يفقد البلد أي أمل جدي في التغيير والإنقاذ والإصلاح.
5155
| 19 ديسمبر 2012
من الممكن أن تتجدد اليوم الأزمة الزراعية التي ضربت العالم في فترة 2007 \ 2008. الأسعار ترتفع لأسباب عدة أهمها: انخفاض العرض الغذائي نتيجة الطقس والمناخ وزيادة الطلب نتيجة النمو السكاني كما الاستعمال لحاجات أخرى بالإضافة إلى تغير أسواق المستهلكين خاصة في الدول الناشئة وفي مقدمتها شرق آسيا. يرتفع عدد سكان العالم من 7 مليارات إنسان إلى حوالي 8.2 مليار في سنة 2030 وإلى 9.3 مليار في سنة 2050. في العرض هنالك 3 مسببات متنقلة منها التغير المناخي العالمي وارتفاع الحرارة، ثم الجفاف القاتل الذي ضرب أفضل السهول الزراعية في غرب الولايات المتحدة وأخيرا الفيضانات التي تقضي على السلع الزراعية في مهدها. ضرب الجفاف هذا الصيف الولايات المتحدة مما جعل وزارة الزراعة تخفض توقعاتها لإنتاج الذرة لهذه السنة بنسبة 14%. تعتبر هذه السنة الأكثر جفافا في الولايات المتحدة في التاريخ الحديث. فقط 24% من إنتاج الذرة يعتبر جيدا أو ممتازا من قبل الجهاز الأمريكي المتخصص USDA مقارنة بـ 62% السنة الماضية. الأسواق الزراعية مختلفة عن غيرها إذ هنالك سلامة المواطن وصحته، من هنا تتدخل الدولة لمراقبة الجودة والأسعار. للسلع الزراعية تأثير كبير على صحة الأطفال وبالتالي منتجي المستقبل. انخفاض الفيتامينات في الغذاء يسبب ضعفا في نمو الدماغ ومناعة الجسم في مقاومة الأمراض كما يؤثر على سلامة النظر والسمع وغيرهما. فالغذاء هو أساس التنمية ويدخل في صلب السياسات العامة المحاربة للفقر. في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هنالك ما بين 40 إلى 60% من السكان يعيشون في الريف ويعملون في الزراعة. تحسن أوضاع المزارعين يؤدي إلى ارتفاع الطلب على كل السلع والخدمات وبالتالي يتحقق النمو الاقتصادي كما تتوسع التنمية العامة. هنالك للأسف تحيز دولي ضد الزراعة غير مبني على العلم ولا يخدم المصلحة العامة. لم تنجح تجمعات المزارعين في مقاومة هذا التحيز الذي ينعكس سلبا على الموازنات وعلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية. هنالك نظرة شعبية سلبية ضد الزراعة تضر ليس فقط بالقطاع وإنما بالوضع العام وأسواق العمل. أسعار الذرة هي اليوم 90% وهي أعلى مما كانت عليه في يوليو 2010 وأعلى من مستوى 2007 \ 2008 عندما سببت الظروف مشاكل وفوضى اجتماعية خطيرة في أكثر من 30 دولة. في 25 \ 7 \ 2012، نبهت الولايات المتحدة إلى أن ارتفاع أسعار الذرة سيرفع سعر اللحوم ما بين 4 و5% السنة المقبلة. نعلم جميعا أن فقراء العالم ينفقون ما بين 60 إلى 80% من دخلهم المتواضع على الغذاء مما يسبب تضاعف الأوجاع وزيادة الأوضاع المعيشية سوءا. خلال سنة 2010، ارتفعت أسعار معظم السلع الزراعية بنسب مختلفة أي 89% للدخان، 76% للسكر، 68% للقمح، 55% للقطن و21% للأرز. من واجب الحكومات التدخل لحماية الفقراء الذين يتزايد عددهم وتتعمق أوجاعهم. ما هي العوامل التي تحرك أسعار السلع الزراعية وتقلباتها؟ كيف يمكن معالجتها على الصعيدين المحلي والدولي؟ ما هي العوامل الأكثر أهمية التي يمكن تطبيقها داخل الدول وفيما بينها؟ هل هنالك دور للمنظمات الدولية في حل مشكلة الغذاء توافرا وأسعارا؟ كيف تغير الإنتاج الزراعي بين القرنين الماضي والحالي؟ أولا: سوء المناخ: ثانيا: أسعار النفط والطاقة التي تتقلب كثيرا لكنها ترتفع مؤخرا لأسباب عائدة للعرض كما للطلب. ثالثا: ارتفاع الطلب على السلع الزراعية ليس فقط للغذاء وإنما لإنتاج الطاقة البديلة كالايتانول. رابعا: تقلبات الأسعار كبيرة جدا بسبب القلق الاجتماعي المتزايد نتيجة الأزمة المالية العالمية بالإضافة إلى الخوف الأمني والسياسي والاجتماعي من حصول مشكلة في الدول المنتجة للنفط وفي مقدمها إيران وفنزويلا. في القرن الماضي، ارتفع الإنتاج الزراعي والحيواني نتيجة زيادة المساحات القابلة للإنتاج. في بداية القرن الحالي، حصل العكس أي بقيت المساحات كما هي أو تدنت بسبب التطور المدني، لكن قابلهما ارتفاع في إنتاجية المزارع والأرض. لذا انتقلت الزراعة من قطاع مبني على كمية عوامل الإنتاج المتوافرة للمزارع إلى آخر مرتكز على العلم المتطور دائما. الطريقة الفضلى للسيطرة على العرض هي رفع الإنتاجية الزراعية عبر الاستثمار في الري وتقديم الأدوية والأسمدة والمنشطات والبذور للمزارعين بالإضافة إلى الإرشاد التقني غير المتوافر في معظم الدول النامية. لا يمكن بناء قطاع زراعي حيوي ومنتج وفاعل من دون تدخل القطاع العام بشكل أو آخر بسبب مخاطره الفريدة المرتبطة بالطقس والأرض والمناخ. في سنة 2010، كان الحد الأدنى للأجور في أمريكا 7.25$ في الساعة مقابل 4.3$ في اليوم في المكسيك. الحل السهل لتخفيض الأسعار هو فتح الحدود واستقدام المكسيكيين للعمل وبالتالي تنخفض أسعار السلع المنتجة. اختارت الولايات المتحدة الحل الأصعب أي حافظت على سياسة الهجرة الضيقة واستثمرت في البحث والتطوير لرفع إنتاجية الزراعة ونجحت. أخيرا هنالك دور كبير للمنظمات الدولية في تقديم النصائح كمنظمة التغذية والزراعة FAO والبنك الدولي وصندوق التنمية التابع للأمم المتحدة UNDP وغيرهم. لابد من تعاون دولي من ناحية العرض إذ تبقى المشاكل نفسها والحكومات عموما مقصرة أو عاجزة.
1020
| 05 سبتمبر 2012
تقوم جميع الدول التي أصابتها الأزمة المالية بجهود كبيرة لتجنب الركود ومنع البطالة من الارتفاع. كان لهذه المحاولات تأثير محدود خاصة فيما يتعلق بعودة النمو. كانت سياسات التقشف المالي مسؤولة عن تعميق الأزمة في اليونان وإسبانيا، إلا أن الاقتصاديين كانا مريضين منذ سنوات. كانت السياسات النقدية إيجابية وناجحة من ناحية شراء المصارف المركزية للأصول لإبقاء الفوائد منخفضة، إلا أنها لم تكن كافية للمعالجة. الفوائد عالميا هي في أدنى المستويات الممكنة وتقارب الصفر إلا أن حلقة الإقراض الفاضل على المشاريع الإنتاجية لم تظهر بعد. لم يتبين عمق المرض إلا مؤخرا بكافة مساوئه الاجتماعية والإنسانية. هنالك خلل بنيوي يمنع العودة إلى النمو بالطرق التقليدية العادية، ولا بد من أفكار جديدة. من الأخطاء التي تم تطبيقها دوليا هو التفكير بأن إدارة الدولة هي شبيه بإدارة الشركة، وبالتالي يجب التعلم من ممارسة القطاع الخاص وتطبيق الدروس في القطاع العام. يتبين اليوم أن هنالك فارق كبير بين الاثنتين، وأن أهداف الأولى هي مختلفة جدا عن الثانية وبالتالي لا يمكن للسياسات المعتمدة أن تكون متشابهة. أهداف الشركة هو تحقيق أعلى الأرباح وبالتالي رفع قيمتها السوقية إلى أقصى الحدود الممكنة ضمن القوانين. أهداف الدولة هو تأمين الاستقرار الاجتماعي المرتكز على البحبوحة الاقتصادية والمالية التي تضمن استمراريته. واجب الدولة هو معالجة البطالة وتأمين الغطاء للفقراء وتحديث البنية التحتية والاهتمام بالقطاعات الاجتماعية وغيرها. واجب الشركة هو الربح، أما القيام بالمساعدات الاجتماعية فيبقى محدودا وجانبيا. أفق ممارسة الحكم هو أوسع بكثير من إدارة شركة حتى الكبيرة. من الطبيعي أن يتعلم الأفراد كما الشركات والدولة من أخطاء الماضي وتصحيحها للنجاح مستقبلا. هذا ما يجري اليوم، لكن الأفكار النهائية ما زالت غير موجودة. التجربة السابقة أي منذ الثمانينات كانت مرة بنتائجها. لا يمكن إصدار حكم إعدام نهائي بحقها لأن لها بعض الجوانب الإيجابية، منها أحداث نمو قوي في العالم أسهم في تحسين مستوى المعيشة إلا أن فجوتي الدخل والثروة توسعتا إلى حدود غير مسبوقة. في الولايات المتحدة مثلا، معدل الدخل السنوي للواحد بالمئة الأعلى دخلا هو مليون ونصف مليون دولار فيما المعدل للـ 99% الآخرين هو 55 ألف دولار. هذا فارق كبير في دولة استقطبت المهاجرين وبنيت على جهودهم وأعطت الفرص للجميع. مؤشر آخر مهم يدل على عمق المشكلة الاجتماعية والإنسانية هو عدد غير الشرعيين الذين طردوا من الولايات المتحدة في سنة 2011 والذي بلغ 400 ألف شخص أي الأعلى في التاريخ. دوليا ترك الفقراء يفقرون أكثر ولم يكن الغطاء الاجتماعي بالمستوى المطلوب. كان الجشع المالي أقوى بكثير من القلب الإنساني وحدثت الأزمة المالية التي تفرض إعادة النظر في هيكلية الاقتصاد الحر وطريقة إدارته. حتى المؤسسات الدولية من البنك الدولي وصندوق النقد تراجع سياساتها كي تكون نتائج الغد أفضل من ضياع اليوم وخسائره الكبيرة. هنالك أفكار معتمدة أظهرت الوقائع أنها غير صحيحة، كانت ارتبطت بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية. أولا: تقول نظريات البطالة المقبولة منذ عقود بأن العاطل عن العمل يرفع من جهود التفتيش عن فرصة عمل كلما طالت مدة البطالة، أي قبل أن ينتهي مفعول التأمين ولأن حاجاته الاجتماعية تضغط أكثر مع الوقت. أما الوقائع، فتشير إلى العكس أي أن العاطل عن العمل يفقد الثقة بالنفس ويغضب كلما طالت بطالته فيخفف من التفتيش عن فرصة عمل يأسا أو لأن تطور العلوم يجعله غير مؤهل للفرص الجديدة. هنالك فارق كبير في معالجة البطالة بين النظريتين وبالتالي فإن التغيير ضروري. ثانيا: في الدول النامية والناشئة ننظر إلى مواطني الدول الغنية وكأنهم مكتفين معيشيا واجتماعيا ونفسيا حتى لا نقول إنسانيا. ثالثا: لا يمكن للسياسات الاقتصادية العادية أن تعالج خللا بنيويا. تعاني الاقتصادات الحالية من ضعف نمو الإنتاجية لأن الإنفاق العام في العقود القليلة الماضية هدف إلى تمويل الحاجات الجارية وليس الاستثمارية. رابعا: مع تدني النمو وارتفاع الفجوة بين الميسورين والفقراء، تدنت الأخلاق وارتفع الفساد كما ازدهر الاقتصاد غير الرسمي الذي وصل إلى حدود 44% من الناتج في روسيا، 39% في البرازيل، 36% في باكستان و35% في مصر. لم يقتصر هذا الانتشار على الدول النامية والناشئة، بل وصل إلى الدول الصناعية كإيطاليا (27% من الناتج)، كندا (16%) والولايات المتحدة (9%). جعل الاقتصاد غير الرسمي ينمو هو في غاية الخطورة، إذ يضعف مقومات الدولة وإيراداتها الضرائبية كما يساهم في انتشار النشاطات المخلة بالآداب والتقاليد والعادات. لذا المطلوب نشاطات جديدة مؤثرة في الوقت نفسه على الاستهلاك والاستثمار وتخلق أجواء تفاؤل يحتاج العالم إليها. لا بد من التنويه هنا بالألعاب الأولمبية الحالية التي تعطي نتيجتين كبيرتين أولاهما ظهور الصين كعملاق رياضي كبير نتيجة القوة الاقتصادية التي تسمح بتمويل النشاطات الرياضية من تدريب وتجهيزات وملاعب وغيرها. أما النتيجة الثانية فهي قدرة البريطانيين على تنظيم ألعاب بهذا المستوى بدأ من الافتتاح المدهش إلى المسابقات التي تخلو حتى اليوم من الأخطاء الجدية. كانت التقديرات الأولية للألعاب تقارب 3.375 مليار ليرة إسترلينية، إلا أن التكلفة الحقيقية وصلت إلى 11 مليار ليرة. ستمول مع الوقت من الاستثمارات الإضافية في الاقتصاد ومن الإيرادات السياحية كما من ارتفاع الإنتاجية الآتي من اعتماد البريطانيين أكثر للممارسة الرياضية التي تنتج مواطنا صحيا مع عقل سليم يساهم في نهضة الاقتصاد. أسبوعان من الرياضة والمسابقات يساهمان في نقل أنظار العالم من العنف والفوضى والقلق إلى المنافسة الصحية الأخلاقية التي تنتج نموا وفرحا وأحلاما سعيدة.
387
| 08 أغسطس 2012
يمكن وصف فترة العقدين الأخيرين باقتصاد الجشع. لم تكن هنالك حدود للمضاربات حتى على حساب النمو والاستقرار. أصبح النجاح موازيا للثروة دون النظر بالضرورة إلى مصادرها. الإنسان المعتبر والمحترم هو الذي يحقق أرباحا كبيرة تفوق مرات مستوى معيشته. أصبحت الأسواق المالية إلى حد بعيد كازينو للمغامرة بحيث ابتعد الطلاب عن دراسة القطاعات الاقتصادية الأساسية كالزراعة والصناعة وتوجهوا نحو الحواسب للتبادل المالي وتحقيق الأرباح الكبيرة بثوان وربما ساعات. أرباح الساعات فاقت إلى حد بعيد أرباح سنوات الاستثمار والتعب في الزراعة والصناعة وتجارة السلع العادية، فلماذا يعمل الإنسان ويشقى ويبني إذا كان بالإمكان تحقيق الملايين عبر الحاسوب والإنترنت ومن المنزل؟ لماذا يدرس الطلاب العلوم المرتبطة بالقطاعات الحقيقية؟ لذا ذهب الجميع إلى دراسة ليس العلوم المالية بل تقنيات التبادل المالي التي تعطي الفرصة لتحقيق الأرباح الكبيرة والسريعة. كادت كليات الزراعة والهندسة وبعض كليات التجارة تقفل لأن الطلب على شهاداتها قليل. أصبحت الأراضي الزراعية مكلفة أكثر بسبب صغر المساحات المتبقية لها. كان للانتشار المدني والمضاربات العقارية التأثير الأكبر على الإنتاج الزراعي. لذا ترتفع أسعار السلع الغذائية ليس فقط بسبب النمو السكاني وارتفاع الطلب وتغير الأذواق وإنما أيضا بفضل انحسار العرض نسبيا. شكل الجشع حلقة مفرغة أحدثت فقاعات في الاقتصادات المحلية والدولية، فانتهت بخسارات كبيرة بدأ من سنة 2007 وما زالت مستمرة. حصل الانفجار الاقتصادي بدءاً من قطاع العقارات إلى الأسواق المالية والقطاعات الحقيقية، فحصل الركود الذي كان من الممكن أن يصبح كسادا لولا تنبه السلطات المالية والنقدية وتعلمهم من تجارب الماضي السوداء وفي مقدمها كساد 1929. ركود اليوم ليس عاديا، بل تحققت الخسائر الكبيرة في جميع الاقتصادات وأن يكون بدرجات وأشكال مختلفة. أمريكا تعثرت وهي غير قادرة على تخفيض بطالتها تحت الـ 8.2% رغم الجهود الكبيرة المبذولة من الإدارة والمصرف المركزي. كي تعود نسبة البطالة إلى ما دون الـ 6% وهي التي يقبلها الأمريكيون ويعتبرونها طبيعية، يجب خلق أكثر من 5 ملايين فرصة عمل جديدة وهذا ما يظهر مستحيلا. بقاء البطالة ما فوق 8% يهدد فرص التجديد للرئيس أوباما كما يبشر بالخسائر لحزبه الديمقراطي في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب. الاقتصاد الأوروبي مريض وتظهر أوجاعه في كل دول منطقة اليورو، لكن أشدها في اليونان وإسبانيا. فالسياسات التقشفية المستمرة أفقرت الدول المعنية وأطاحت بالأحزاب الحاكمة وكادت أن تفجر المنطقة لولا التدخلات السريعة للإدارة الألمانية وصندوق النقد الدولي. ما زال الوضع المصرفي الأوروبي من ناحيتي التوازن المالي والتصرف الأخلاقي يهدد صحة منطقة اليورو ويجعلها تتعرض للمخاطر غير المحسوبة كما للخسائر الكبيرة. في ظل هذه التجارب القاسية، يظهر أن الأوروبيين مقتنعون بضرورة تغيير السياسات عبر تنشيط الاقتصادات والإنفاق على البنية التحتية أي على مستقبل الوحدة. فاز فرنسوا هولاند في رئاسة فرنسا ليس فقط بفضله وإنما بفضل نتائج حكم سلفه، فاختاروه للتغيير وأعطوه أكثرية كبيرة في مجلس النواب علما بأن مجلس الشيوخ هو في أيدي الاشتراكيين أيضا. هذه فرصة كبيرة للرئيس الجديد كي يكون عند حسن ظن الفرنسيين الراغبين في الاستقرار والنمو. ما هي الركائز التي سيبني عليها فرنسوا هولاند سياساته؟ لا شك أن تخفيف البطالة هو الأهم وبدأها بوضع ضرائب على ساعات العمل الإضافية. في حساباته، تخفيض عدد الساعات الإضافية إلى النصف يسمح بخلق 200 ألف وظيفة جديدة. رفع هولاند جزئيا الحد الأدنى للأجور ومن المتوقع أن يرفعه أكثر عندما تتحسن الأوضاع الاقتصادية. سيضع الرئيس نصب أعينه تنشيط الصناعة وما هي نتائج شركة "بيجو" الأخيرة إلا لقلقه حيث قررت الشركة إلغاء ما يفوق 8 آلاف وظيفة. تسعى الحكومة إلى معالجة هذا الواقع ليس فقط عبر إنقاذ العمال أولا وثم الشركة، لكن خاصة عبر وضع سياسات تحفيزية للصناعة الفرنسية التي كغيرها من الصناعات أصيبت في عهود اقتصاد السهولة والجشع. كما أن الغطاء الاجتماعي سيتعزز وهنالك تمويل مناسب سيأتي من ضرائب جديدة على الأرباح والثروات والإيرادات المرتفعة. يهدف الرئيس الفرنسي أيضا إلى العودة إلى نسبة عجز مالي منخفضة أي إلى 3% من الناتج كما نصت عليه اتفاقية ماستريخت أساس الوحدة النقدية. بين سنتي 2007 و2012، خسر القطاع المالي البريطاني المتواجد خاصة في عاصمة الألعاب الأولمبية حوالي 99 ألف وظيفة بسبب نتائج عصر الجشع. انحدر عدد الموظفين في القطاع المالي في لندن من 354 ألفا في سنة 2007 إلى 255 ألفا في سنة 2012. كما أن العلاوات التي أعطيت في سنة 2011 بلغت 2.3 مليار ليرة إسترلينية وهي 48% أقل من السنة التي سبقتها، وأدنى بكثير من مجموع علاوات سنة 2007 التي بلغت 11.6 مليار ليرة. لم يستطع الاقتصاد البريطاني العودة بعد إلى النمو بسبب السياسات التقشفية المعتمدة كما بسبب ضعف الطلب الاستهلاكي بالإضافة إلى عدم قدرة العرض على التأقلم مع الوضع الدولي الجديد. لا يخفى على أحد أن أهم شركات السيارات البريطانية كجاغوار ولاندروفر أصبحت مملوكة من شركة تاتا الهندية. تنتقل القوة الاقتصادية البريطانية إلى الاقتصادات الناشئة وليس إلى الهند وحدها. تأمل الحكومة البريطانية في أن تسبب الألعاب الأولمبية ارتفاعا في الطلب على كل السلع والخدمات بالإضافة إلى جذب استثمارات جديدة في كل القطاعات. لكن فضيحة تحديد فائدة لايبور لا بد وأن تؤثر سلبا على جاذبية الاستثمارات في بريطانيا لأنها دولة قوانين ومؤسسات وتحتوي على أجهزة رقابة فاعلة ومتخصصة وكفؤة، فكيف تحدث فيها هذه الجرائم غير الأخلاقية؟
1546
| 05 أغسطس 2012
ربما تكون هنالك مفاجأة لبعض الناس من ناحية ارتفاع سعر صرف الدولار مؤخرا في الأسواق العالمية وتحديدا تجاه اليورو. كان سعر الصرف لمصلحة اليورو أي 1.13 في أول شهر من سنة 1999، ليصبح 0.84 في تشرين الأول 2000، ثم 1.36 في كانون الأول 2004 و 1.58 في أذار 2008 و 1.26 في شباط 2009 و 1.49 في تشرين الأول 2009 وليستقر في حدود 1.2 اليوم. هذه تقلبات كبيرة وتعكس درجة المخاطر في الاقتصاد الدولي. بدأت الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 في أمريكا وصدرت إلى أوروبا وبقية دول العالم بدرجات مختلفة. يشكل الدولار العمود الفقري للنظام المالي الذي تأسس في منتصف الأربعينات مع اتفاقية بروتون وودز. تبلغ صادرات السلع الأمريكية حوالي 10% من المجموع الدولي مقارنة بـ 16% للوحدة الأوروبية و 12% للصين. في حجم الناتج من العالمي، يتأرجح الأمريكي في حدود الخمس مقارنة بـ 30% للأوروبي وحوالي 7% للصيني. تصدر الولايات المتحدة الدولار وتحرك كتلتها النقدية تبعا لمصالحها وليس لمصلحة الاقتصاد الدولي. لا تحتاج الولايات المتحدة إلى الحفاظ على احتياطي نقدي كبير عندما يكون نقدها هو الأساسي دوليا. في المقارنة، يبلغ الاحتياطي النقدي بالدولار في أمريكا حوالي 50 مليار دولار، 350 مليار دولار في الوحدة الأوروبية و 2273 مليار دولار في الصين. هنالك الكثير من التباينات بين أمريكا وبقية دول العالم من حيث الهيكلية والأنظمة والقوانين والمصالح كما المؤسسات. لم يعد الثقل الاقتصادي اليوم لأمريكا كما كان منذ نصف قرن، كما أن للدول الناشئة تأثيرا كبيرا على الاقتصاد ليس في المال فقط وإنما في التجارة أيضا. إذا كان هنالك من وجه إيجابي للأزمة فهو دعوة المجتمع الدولي إلى التفكير بنظام مالي ونقدي بديل يأخذ في الاعتبار تبدل القوى والعلاقات الدولية ويطبق تدريجيا. تقلب سعر صرف الدولار يشير إلى عدم استقرار النظام النقدي الدولي وإلى حيوية مدهشة للاقتصاد الأمريكي تسمح له بالتعافي والتحرك بسرعة وفعالية مدهشتين. منذ حكم الرئيس ريغان، تطور النموذج الأمريكي على ثابتة وهي الاقتراض الخارجي لتمويل السياسات المالية كما النمو الاقتصادي الداخلي. ارتكزت هذه السياسة على واقع يكمن في وجود ادخار كبير من قبل الدول الناشئة وتحديدا الصين كما من قبل اليابان وألمانيا ودول مجلس التعاون الخليجي سمح للاقتصاد الأمريكي بامتصاصه ليس للاستثمار وإنما للإنفاق العادي كما للاستهلاك. لم يكن لهذا الفائض المالي في أن يتحقق ولم يكن للنمو الاقتصادي العالمي في أن يكون مرتفعا لولا شهية الاستهلاك عند الأمريكيين التي فاقت الطاقة الإنتاجية للولايات المتحدة. تراكمت الديون العامة والخاصة في أمريكا، فوقعت الخسائر ليس فقط في القطاع العام وإنما في حسابات الشركات والأفراد. هل تعلمت أمريكا من تجربة الأمس وهل تشير السياسات الجديدة إلى أي تغير في العقلية والممارسة والأهداف الاقتصادية؟ هنالك عوامل عدة تحدد قوة الدولار وتأتي من جوانب مختلفة تؤثر على الطلب والعرض وأحيانا على الاثنين معا: أولا: النقد الأمريكي هو عملة صعبة أي نقد احتياط. لا تفقد أي عملة صعبة وهجها بسرعة والتجارب الماضية مع الليرة الإسترلينية كما مع الذهب تؤكد ذلك. شراء سندات الخزينة من قبل الخارج هو نتيجة لثقة العالم بالدولار وبالاقتصاد الأمريكي ولاعتقاده أن الدولار كما السندات تشكل ملجأ للقيمة. ثانيا: تشير الدراسات إلى وجود علاقة مباشرة بين صحة الاقتصاد الأمريكي وتقلبات سعر صرف الدولار. انحدر الدولار عندما تعثرت أمريكا، فلماذا يتحسن سعره اليوم مع بقاء الاقتصاد تحت العناية؟ الفضل لا يعود إلى أمريكا وإنما إلى صحة الاقتصاد الأوروبي كما البريطاني وغيرهما التي تعتبر متعثرة بل سيئة. ثالثا: يبقى الدولار النقد الرئيسي في احتياطي الدول، أي لم تتغير نسبته في المجموع منذ السبعينات. تطورت حصة اليورو على حساب العملات الأخرى من يابانية وسويسرية وغيرها. لا شك أن الأزمة الأوروبية ستساهم في إبقاء الدولار النقد الأساسي في غياب بدائل، إذ أن اليابان ضعيفة والصين باعتمادها السعر الثابت للصرف غير راغبة في لعب الدور الدولي المناسب. أولا: ليس هنالك أي دليل على رغبة الولايات المتحدة في تغيير سياستها النقدية واعتماد سياسة الدولار القوي. الحكم الأمريكي راغب في إبقاء الدولار ضعيفا لتعزيز الصادرات، وتحسنه اليوم هو غصب عنه أي بسبب ضعف الآخرين. بفضل هذه السياسة النقدية، انحدر العجز التجاري الأمريكي من 6% من الناتج في سنة 2006 إلى 4% اليوم. الصين مستفيدة من سياسة الدولار الضعيف لأن نقدها مثبت بالدولار وبقائه ضعيفا يناسب صادراتها. هنالك مصالح بل علاقة استراتيجية قوية وعميقة بين الصين وأمريكا. ثانيا: من المتوقع أن يتطور النظام النقدي العالمي عبر إعطاء صوت أكبر للصين والدول الناشئة في المؤسسات الدولية الرئيسية كالبنك الدولي وصندوق النقد. ثالثا: ليس واضحا إذا كانت الدول المصدرة للنفط تستفيد أم تخسر من سياسة الدولار الضعيف بسبب العلاقة السلبية بين سعر برميل النفط وسعر صرف الدولار. رابعا: لم يعد الصراع الاقتصادي السياسي قائما اليوم بين دول الشمال والجنوب، بل أصبح ضمن كل من المجموعتين. أولا حجم دول الجنوب العالمي كبر كثيرا وهو يفوق الـ 30% حاليا، وبالتالي لا يمكن موازاة الجنوب بالفقر والتأخر. لم نعد نتكلم اليوم عن الدول السبع الكبرى، بل عن الدول العشرين وهذا تغيير في محله. خامسا: لن يتم إنقاذ الاقتصاد الدولي إلا عبر زيادة النمو.
452
| 25 يوليو 2012
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6528
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6405
| 24 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3900
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3126
| 23 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2859
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1866
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1674
| 26 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1575
| 21 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
1491
| 28 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1122
| 27 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1014
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية