رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الغرب يريد إسقاط وول ستريت(2-1)

يرفع مئات الآلاف من المتظاهرين في نيويورك وباريس ولندن ومدريد هذه الأيام شعارات الربيع العربي لكن باختلاف المطالب حيث تقول شعاراتهم: "الشعب يريد إسقاط نظام بريتن وودس" أو تقول: "هيا بنا نحتل وول ستريت" وهو انتقال حمى التغيير العربية من عالمنا إلى عالمهم لدرجة أني رأيت بأم عيني رايات تونس ومصر وليبيا الحرة مرفوعة في لشبونة لأن المواطن الغربي المعاصر اكتشف بيت الداء في أزمة الغرب وهي أن منظومة النقد العالمية التي نشأت بعد الحرب الكونية الثانية والمسماة (بريتن وودس) هي التي أسست لتفقير الشعوب وإثراء المصارف وهي التي تشكلت على منطق نهب أمم العالم الثالث وبالتالي خلق التوترات وصناعة المجاعات وتفريخ الإرهاب وكذلك فعل الاستبداد في بعض الدول العربية. نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج! ووصلت الأزمة إلى الغرب فاستفحلت مديونية الدول وانهار اقتصادها واتسعت رقعة البطالة وعوض معالجة الأصل أي إعادة النظر جذريا في منظومة بريتن وودس تنادت دول الغرب إلى إنقاذ المصارف أي رأس المال وضخ مليارات اليورو في موازين الدول المفلسة مثل اليونان والبرتغال وأيرلندة. ونما الوعي الشعبي الغربي بأصل المعضلة وأدرك أن تردي أوضاع معيشته إنما هو حضاري وليس فقط نقديا أو اقتصاديا أو سياسيا. وأصبحنا نرى الشوارع الغربية تمتلئ بالمنادين بإعادة التأسيس أي هدم منظومة الفساد الغربية المفروضة على العالم والتأسيس لمنظومة أكثر عدلا وأوفر حظا لبناء علاقات دولية أسلم. وشعار إعادة التأسيس نطق بها بيان مؤتمر العشرين المنعقد في باريس يوم السبت 15 أكتوبر الماضي رغم تباين وجهات النظر بين وزير المالية الأمريكي (تيموتيه غايتنر) ونظرائه الأوروبيين. ولكن الجميع اتفقوا فيما يبدو على دعوة زعماء العالم الغربي والأمم الصاعدة لقمة عاجلة يريدها الأوروبيون المتضررون أكثر من أزمة اليورو أن تتجاوز مجرد معالجة الأزمة النقدية والاقتصادية الراهنة لتتغلغل في قلب الأزمة الحقيقية التي هي أزمة حضارة الغرب. فعبارة (إعادة التأسيس) تعني بوضوح الشروع في عملية الهدم من الأسس ليتم إعادة البناء، حيث لم يعد الترميم حلا يتلاءم مع حال البيت الذي تداعى للسقوط ولا مع المصيبة الكبرى التي غيرت الموازين القديمة ودمرت التوازنات العقيمة. وهنا لا بد أن نرفع تحية للشارع الغربي (الأمريكي والأوروبي) لأنه بدأ يعي فداحة المعضلة في الغرب والمتمثلة في انهيار القيم الليبرالية المتوحشة بلا ضوابط والتي أدت في نهاية الأمر بالغرب إلى يقظة عنيفة وهبة مفاجأة لتدارك المركب قبل أن يغرق. ثم إنك تقرأ اليوم أغلب الأدبيات الاقتصادية والسياسية لنخبة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فتقتنع بأن الغرب الذي عاش منذ خمس وستين عاما مزهوا بانتصاراته بدأ يدرك كارثة السقوط المدوي على أنقاض منظومة (بريتن وودس) الجائرة، والتي في الواقع تشكل العمود الفقري لحضارة السوق الغربية الحرة المتحكمة في مصير الدنيا. فالكاتب المعروف رئيس تحرير المجلة الأسبوعية (لوبوان) السيد كلود امبار يكتب في افتتاحية مجلته قائلا " إن الغرب أصبح مثل الطائرة التائهة في المطبات الهوائية ليس فقط بلا كابتن طيار ولكن أيضا بلا كابينة قيادة" ويضيف الكاتب (وهو ليبرالي يميني وليس شيوعيا!) قائلا: "لقد تأسس الغرب منذ طلائعه على عمليات إبادة السكان الأصليين لأمريكا ثم على تجارة العبيد الأفارقة ثم على استعمار (بل استخراب) الأمم الأخرى وسلب مواردها ونهب خيراتها واحتقار ثقافاتها بدعوى أنه الأفضل والأقوى... وهذا هو الغرب ينهار على أصداء صعود أمم عريقة لم يقرأ لها حسابا لتحل محله في زعامة العولمة، فليس متاحا من اليوم لأية حضارة أن تدعي تطويع الأمم الأخرى مثل عجينة رخوة تصنع منها ما تشاء". أما رئيس تحرير المجلة الفرنسية المزاحمة لها (لكبريس) السيد كريستوف باربييه فيكتب: "إن البربرية والهمجية غيرتا اليوم مواقعهما وأصبحتا تلبسان الياقة البيضاء، فالبربرية هي نحن. أما السيدة هلجا زياب لاروش رئيسة المعهد العالمي (شيلر) وهي التي بح صوتها من عشرين عاما (وأنا العربي الوحيد معها كمحاضر بالمعهد) بالدعوة إلى تغيير (بريتن وودس) فقالت في أسبوعية (واشنطن اينسايدر): " إننا نسرع الخطى نحو نهاية الغرب وليس نهاية التاريخ لأننا حولنا اقتصادنا واقتصاد العالم إلى كازينو للعب الميسر بأموال الشعوب وإتلاف مدخرات الفقراء.

615

| 26 أكتوبر 2011

دخلوا إلى قصرهم فخرجوا من عصرهم

تذكرني أحداث العالم العربي بقصيدة للشاعر الحبيب الزناد قالها في هجاء لطيف للزعيم بورقيبة وهي تبدأ بهذه العبارة: " دخل إلى قصره فخرج من عصره" وذلك في أواخر الستينيات حين التف الرئيس بورقيبة على أكبر وزرائه والرجل الثاني في النظام آنذاك وزير الاقتصاد والمالية والتربية والتعليم ومنظم الحزب الدستوري الاشتراكي والنقابي القديم أحمد بن صالح التفاف الذئب على الشاة وأودعه السجن وحاكمه بتهمة الخيانة العظمى، وفعل نفس الفعل مع رئيس حكومته محمد مزالي بعد ذلك. ودخلت تونس في دوامة التصفيات القضائية التي أطاحت بهيبة الدولة ومصداقية النظام، ودخل بورقيبة بسببها أيضا دوامة المرض البدني والنفسي، وبدأ العد العكسي لزعيم كبير أخذ المعول بيده ليحطم وحده ما بناه على مدى ربع قرن. وكان في مطلع السبعينيات شاعر تونسي موهوب هو الحبيب الزناد يكتب قصائده المعبرة والملتزمة ومنها هذه القصيدة التي اعتبرناها أقصر قصيدة في اللغة العربية وهي تصف الزعيم بورقيبة وتقول بكل إيجاز وعمق وقوة تعبير:" دخل إلى قصره وخرج من عصره". وبالفعل فالرئيس الذي حرر تونس من الاستعمار وأسس دولتها الحديثة وحقق لها من المكاسب ما تعتز به خرج من عصره أي انقطع عن الواقع وأصبح رهينة لبطانات طامعة في السلطة أو المصالح الدنيوية العاجلة وبدأ رحلة السقوط مع التقدم في العمر وتراكم العلل وسرعة التحولات الاجتماعية في وطنه وتغير المحيط العالمي بترابط المصالح الدولية. وهذه القصيدة تجسدت بعد ذلك في أكثر من نظام مع الأسف وبخاصة في الجمهوريات العربية منذ مطلع الربيع العربي وقبلها في دول المعسكر الشيوعي المنهار من خلال التحولات التاريخية التي هزت شعوب رومانيا وبولونيا والمجر وبلغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا والبلدان التي كانت منضوية تحت الوحدة اليوغسلافية المصطنعة، عندما انهار جدار برلين وأذن بالهزات العنيفة التي عصفت بدكتاتور رومانيا/ شاوشسكو وزوجته هيلينة. وهذا الطاغية الروماني شكل أبرز مثال حي للخروج من العصر والانفصال عن الواقع حين رجع برجليه من زيارة رسمية كان يؤديها إلى الصين فنزل في بوخارست ودخل قصره ومن شرفة ذلك القصر ألقى خطبته الأخيرة العصماء في آلاف الرومانيين محاولا قلب موازين التاريخ وتغيير مجرى الحضارة في حركة بائسة ويائسة، تدل على مدى استفحال الغيبوبة السياسية لدى هذا الرجل. وانتهت تلك المأساة بمهزلة المحاكمة السريعة الجائرة للرئيس /شاوشسكو وزوجته والتي أدت إلى إعدامه وإعدامها ذات ليلة صقيعية من ليالي ديسمبر 1989. وهنا لابد من أن نسجل ما وقع في تونس ومصر وبدرجة أعنف في ليبيا واليمن وسوريا من دخول الرؤساء للقصر وخروجهم من العصر. فكيف غابت عن عقول هؤلاء وهم ماسكون بكل خيوط السلطة بأن العالم تغير وبأن العيال كبرت وبأن فيسبوك نفخ في صور الأمم وأن الدعم الخارجي للاستبداد جف منذ انفجر الاتحاد السوفيتي وانتهت الحرب الباردة وأعيد رسم خريطة الدنيا وانتصر العالم الحر من دون حرب واشتاقت الشعوب إلى الحرية. وقد بدأ الخروج من العصر بالسقوط المدوي لصدام حسين مهما يكن تقييمنا لحكمه،و للكارثة التي حلت بالعراق معه ومن بعد إسقاطه، فإن الموضوعية في قراءة التاريخ الحديث تقتضي منا أن نسجل غياب معطيات الواقع عن ذهنه وأذهان مساعديه. وهو لم يستخلص الدرس القاسي من مأساة احتلال الكويت والحرب الطويلة الدموية مع إيران، ولم يفهم بأن الزمن دار دورته وللزمن نواميس، فامتثل في آخر أيام حكمه للإملاءات ودمر صواريخه بنفسه ولم يتوقع ما كان يتوقعه الجميع، ولم يستمع لنصائح الناصحين ولا لإنذار المنذرين وبالفعل شكل أدق ترجمة لقصيدة الشاعر فدخل إلى قصره وخرج من عصره. وبشكل مختلف كان الأمر بالنسبة للجنرال / بينوشي دكتاتور التشيلي الذي قتل الرئيس المنتخب /جوزيف ألندي وحصن نفسه بالدستور وهرب ملايين الدولارات لبنوك أمريكا وأخيرا جرجر للمحاكم الدولية لتقتص للآلاف من الضحايا ومات ميتة المقت. وقبله كان مصير ميلوسفتش الذي استحل لحم المسلمين من أبناء وطنه فانتهى أمره إلى سوء المصير لأنه لم يحسب حساب التاريخ وهزاته المدمرة. وقائمة الداخلين للقصر والخارجين من العصر طويلة خلال النصف قرن الماضي، وأسباب السقوط متشابهة في جملتها تتلخص في صم الآذان وتغميض العيون عن التغيرات الجذرية التي تطرأ على الشعوب ومحيطها العالمي فتكون القطيعة الكارثية عن الواقع ويمضي صاحب الشأن سعيدا فرحا مرحا على إيقاع مدائح المنافقين والمخادعين من بطانات السوء التي لا تقول له إلا ما يود سماعه وما يريحه من تعب التفكير ووجع الرأس ومواجهة الحقيقة، عادة على إيقاع بالروح والدم نفديك، وجاء يوم على بورقيبة وعلى السادات وعلى ولد الطايع وصدام وابن علي ومبارك والقذافي ولم يجدوا واحدا يفديهم حتى بقطرة ماء! نواميس التاريخ تعلمنا بأن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج مهما تأخر الموعد. والمجد لكل من خدم الشعوب ولم يستخدمها وكان لأمته الحامي والمؤتمن. طوبى للعادلين الذين أدركوا حكمة العلامة ابن خلدون بأن العدل أساس العمران وأن الظلم مؤذن بانهيار البنيان وأن القهر عدو الإنسان.

511

| 19 أكتوبر 2011

مشاهد ما بعد الثورة

تساءل بعض الظرفاء في بلادنا قائلا: ما دام لدينا ما شاء الله 111 حزبا معترفا بها جميعا وعلى رأسها 111 زعيما ومادام لدينا أعضاء فيها ما بين قاعديين وقياديين بمعدل 1000 عن كل حزب يعطينا الحساب 111000 مناضل فكيف نفسر والحالة هذه صمود الدكتاتورية وبقاؤها لمدة 23 سنة؟ لعل في الأمر سرا يجب على علماء السياسة والاجتماع فك ألغازه حتى يطمئن قلب المواطن العادي ويعرف على الأقل كيف ينتخب يوم 23 أكتوبر ولمن يعطي صوته. أما المراقب الأمين لمشهدنا السياسي في تونس فإنه يحاول استنطاق الواقع وتحليل الخطاب السائد هنا وهناك في حوارات الفضائيات وعلى أعمدة الصحف وفي منابر المواقع الاجتماعية ليدرك بأن العديد من الزعامات فوجئت بالثورة واستعملت وسائل مختلفة لكي تواكب الظرف الطارئ. وسمعت ذات يوم في إذاعة جهوية تونسية أحد زعماء حزب انقلب على مؤسس نفس الحزب واحتل موقع الأمين العام وجمع حوله بعض أنصاره وكان المذيع يستجوبه عن فترة 1987 وأين كان وقتها فكان الجواب طريفا وظريفا وهو كالتالي: "كنت عامها أشتغل في سفارة تونس بالعاصمة الفلانية (لا فائدة من ذكرها) وفتحت الإذاعة فسمعت خبر انقلاب زين العابدين بن علي على الزعيم بورقيبة يوم 7 نوفمبر فقلت إنها الكارثة لأني أعرف بأن بن علي سوف يتحول إلى دكتاتور!" وهنا جاء سؤال ذكي وشقي من المذيع لم يتوقعه السيد الأمين العام: "لمن قلت يا سيدي إنها الكارثة؟ لأي وسيلة إعلام؟ وأين نشر هذا التصريح المبكر والخطير؟" فتلعثم السيد الأمين العام ولكنه أجاب بعفوية وتلقائية وربما بصدق: "لا لا لم ينشر هذا الرأي أبداً لأني صرحت به في مجالس العائلة الخاصة!" وبالطبع نستخلص من عفوية هذا الزعيم الجديد بأن كثيرين مثله من النخبة تأكدوا هم أيضا من أن وصول بن علي للحكم كان كارثة وينذر بالويل والثبور وعظائم الأمور لكنهم تصرفوا مثل صاحبنا (حسب قوله وليس لدينا شاهد من أهله...) فأعلنوا في قرارة أنفسهم أو في سهرة عائلية ضمت زوجاتهم وأبناءهم بأنهم ضد الدكتاتورية ثم أصابتهم لعنة الصمت المطبق وتحلوا بفضيلة الرضاء بالقضاء والقدر على مدى 23 سنة إلى أن استشهد المرحوم محمد البوعزيزي وثار شباب تونس فاكتشفوا فجأة بأنهم زعماء وتذكروا مجلسا عائليا حميميا خريفيا همسوا خلاله همسا بمواقفهم تلك. وفي فضاء آخر صادف أن شاهدت على شاشة تلفزيوننا التونسي حوارا أجرته آنسة موهوبة ورقيقة لأحد الصحفيين الشعراء الهزليين الكاتبين باللغة الفرنسية وهو بلا شك أحد ضحايا تكميم الأفواه لكنه كان يستعمل أسلوب عنف لفظي لم يبلغه قلم سواه لا في تونس ولا في أية بلاد عربية وأصابتني الدهشة حين طلبت منه الإعلامية المهذبة أن يعرف نفسه للسادة المشاهدين فقال حرفيا: " أنا يا سيدتي كلب مكلوب" (هكذا حرفيا!) ولا أعترف لا بالنظام المخلوع ولا بالنظام الحالي ولا بالنظام القادم ولا بأي نظام. كما لا أعترف بالمعارضة يمينا يسارا ومهنتي ككلب مكلوب هي أن أعض الجميع!" وعرفنا أيضا من الرجل أنه ينتظر جائزة نوبل للآداب! هذا نموذج آخر من نماذج ما بعد الثورة. ولا أخفيكم أيضا مدى عجبي من عمليات مسخ شامل أصابت بعض صانعي ومهندسي الاستبداد المعروفين فتحولوا بقدرة قادر إلى ضحايا "النظام السابق" ورسموا لأنفسهم لوحات وردية وهمية تقدمهم لشباب تونس على أنهم كانوا ناصحين للرئيس السابق بل وادعى بعضهم أنهم نبهوه إلى مواقع الفساد لدى زوجته وأصهاره ولكنه عوض أن يقاوم الفساد قاومهم هم وأبعد بعضهم (لاحظوا أن الإبعاد لديهم هو تغيير الوزارة أو تعيينهم فيما كان يسمى بمجلس المستشارين بنفس راتب الوزير تقريبا). وأنا أقدر حق أقدارهم أولئك الوطنيين الذين كانوا بالفعل مضطهدين ومشتتين في أصقاع الأرض أو في السجون وأسهموا في إنضاج الثورة بكفاحهم تراهم اليوم متعففين صامتين يمنعهم الحياء من تزعم الثورات أو حتى المطالبة باستعادة حقوق مشروعة تاركين مهمة إنصافهم للتاريخ. بالطبع أيها القراء الكرام فإن بعد كل حراك شعبي مرحلة من فقدان البوصلة أو غياب الرؤية سوف تترك المجال لإصلاح عميق وميلاد مؤسسات الدولة الحديثة العادلة، لكني مؤمن أشد الإيمان بما كنت قلته عديد المرات في مناسبات مختلفة وهو أن مخاطر الحرية أقل بكثير من مخاطر الاستبداد.  

359

| 12 أكتوبر 2011

همسة في أذن "الغارديان": قطر عنصر أمن واستقرار

نشرت الصحيفة البريطانية العريقة في عدد الأربعاء 5 أكتوبر يوم أمس مقالا تعجبنا من محتواه على صحيفة معروفة بالتحري و الاعتدال و النزاهة مفاده أن لدولة قطر دورا وصفته بالمثير للجدل في ملف الشقيقة ليبيا و أوحت بأن هذه الأجندة تتلاءم مع مواقف وخيارات كل من الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا مشيرة إلى "دعم" يلقاه بعض الإسلاميين الليبيين من دولة قطر و ذكرت اسما غلطا "عبدالعزيز بلحاج" وهي تقصد عبدالحكيم بلحاج كما ذكرت اسم الدكتور علي الصلابي. و أنا من منطلق معايشتي الطويلة للدبلوماسية القطرية و أتكلم باسمي الشخصي لا أدرك كيف توصلت الصحيفة إلى هذا الاستنتاج؟ فالدور الذي لعبته قطر على ساحة الوفاق العربي منذ عقد و نصف لم يعد محل شك أو مزايدة وهو دور انطلق من عقيدة سياسية و أخلاقية تؤمن بأن المعضلات العربية الداخلية تحتاج إلى من يتوسط بين الفرقاء لحلها و من يتجرأ بشجاعة على مواجهتها. و النجاح القطري في القضية اللبنانية أكبر دليل على حكمة هذا التوجه السليم. ثم جاء دور الوفاق الفلسطيني فاجتمعت كل أطرافه في الدوحة و بدأ العد التنازلي للأزمة الداخلية الفلسطينية كما جاء الدور على السودان فتوقفت الدبلوماسية القطرية إلى تجاوز الخلافات في ملف دارفور كما تجاوزته في ملف الشمال و الجنوب. و حظي الملف اليمني أيضا باهتمام الإخوة القطريين. ثم جاءت الأزمة الليبية مباشرة بعد الثورتين التونسية والمصرية لتطرح إشكالية الديمقراطية و الحريات و حقوق الإنسان في العالم العربي بقطع النظر عن الحساسيات و الانتماءات لمختلف الفصائل فرأت الدبلوماسية القطرية أن من رسالتها الأخوية النبيلة و المنصوص عليها في مواثيق منظمة الأمم المتحدة و جامعة الدول العربية و منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتقدم المجتمع العربي و الدولي للقيام بواجبات إنسانية لمساعدة ضحايا الأزمة الليبية وتضميد جراحاتهم و السعي الجاد و الحازم لتقصير مدة معاناتهم على الصعيد الإقليمي و الدولي. و كان الدور القطري محل ترحاب و دعم و إشادة من عديد المنظمات الدولية و من جامعة الدول العربية و من مجلس التعاون و بالطبع من كل فصائل ليبيا الجديدة الحرة. فأي أجندة أسمى من هذه المبادئ و القيم الإنسانية والتضامنية التي كانت قطر رائدة في تجسيدها بعيدا عن كل الحسابات الضيقة والصفقات المشبوهة؟ إن قطر تعمل و تناضل لتكون عنصر أمن و استقرار وسلام ويتحول الشرق الأوسط إلى مرحلة البناء والتقدم في كنف الحداثة والعدالة.

537

| 06 أكتوبر 2011

بين قطر وتونس علاقات أكبر وأعمق

عبارة علاقات أكبر وأعمق هي حرفيا التي نطق بها معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر أثناء زيارته القيمة التي قام به لما سماه هو نفسه وطنه الثاني تونس خلال الأسبوع الماضي. وأكد معاليه أن الزيارة تمت بتوجيه سام من لدن حضرة صاحب السمو أمير البلاد ومن ولي عهده الأمين حفظهما الله. ولعله من نافلة القول التذكير بما تم إنجازه خلال هذه الزيارة الأخوية المباركة من دعم أواصر القربى والتعاون والمحبة بين الشعبين الشقيقين حيث ستتحرك الحكومة التونسية بصفة أيسر وأسرع على طريق الإصلاح والتشغيل بفضل نصف المليار دولار سندات قرض بضمان قطري كريم وبفضل المشاريع الكبرى التي ستنطلق بتمويل شركة الديار القطرية وأبرزها مشروع المهدية (بن غياضة) ومشروع توزر السياحي الضخم ومشروع وسط مدينة سوسة الذي سيبعث الحيوية والحركية في قلب هذه المدينة المتوسطية الرائعة. كما أنه من المؤمل انطلاق مشروع مصفاة الصخيرة على أيدي شركة قطر للبترول الدولية بعد أن تم تعليقه لأسباب لم تعد اليوم بعد الثورة قائمة بل حلت الشفافية محل التعتيم. واستمع الرأي العام التونسي باعتزاز تلك المعاني النبيلة التي عبر عنها معالي الشيخ نحو تونس وافتخر أعضاء الحكومة التونسية بالثقة التي تحظى بها بلادنا لدى الدولة القطرية. وهو ما أكده الوزير الأول التونسي السيد الباجي قايد السبسي الذي ذكر أن دولة قطر كانت السباقة والرائدة في تعزيز الثورة التونسية ومباركة إرادة الشعب التونسي. وهاهي اليوم تقف إلى جانب تونس في مواجهة صعوبات تنموية ظرفية ستزول بإرادة الشعب وتضامن الإخوة معنا من أجل تجاوز العسر الراهن. واليوم يحق لنا التفاؤل وأكثر منه أي التحلي بروح المبادرة والتشمير عن سواعد الجد لتحقيق ما اتفق عليه الجانبان القطري والتونسي من معاهدات واتفاقيات تشمل كافة قطاعات الاقتصاد والمشاريع الكبرى وتعاون المؤسسات المصرفية والتأمينية والجمركية والخدماتية بين البلدين وتشمل أيضا مختلف مجالات السياسة والقضاء والإعلام والتعليم والمنظمات الاجتماعية وكذلك التعاون في الميدان العسكري والأمني. هذه المجالات التي تم إقرارها بين الجانبين على مدى اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين الحكومتين. ولا شك في أن هذا التعاون الثنائي مرشح لما سماه معالي الشيخ الانتقال إلى مرحلة أكبر وأعمق. فتونس تحظى لدى قيادة قطر بثقة غالية وهي رصيد ثمين يجب الحفاظ عليه ودعمه خاصة في عهد ما بعد الثورة التونسية وما بعد انتخابات 23 أكتوبر القادم. فالجالية التونسية العاملة في دولة قطر منذ عقود أكدت لإخوتنا القطريين أن التونسي يتحلى بالكفاءة والأمانة ويبذل قصارى جهده لأداء رسالته وتبييض وجه تونس بسلوك أخلاقي ومهني يشرفه ويرفع من مكانة بلاده في وطنه الثاني الذي أواه ومنحه كل حقوقه ووفر له ولأسرته وعياله حياة كريمة ودراسة راقية وتأمينات ضد المرض وضد غوائل الدهر. ولعل كل هذه الجسور الراسخة المؤسسة بين البلدين هي التي ستضاعف من أعداد المواطنين التوانسة العاملين في دولة قطر حيث التزمت الدولة التونسية بإعدادهم الإعداد الجيد قبل حلولهم بالدوحة من حيث التعرف المسبق على عادات الشعب القطري الشقيق وتقاليده وقوانينه وتشريعاته إلى جانب تقوية معرفتهم باللغة الإنجليزية ومهارات المهن التي سيمارسونها حتى تكون المدة التي يقضونها في قطر مرحلة متميزة من العطاء والتعاون وربط أواصر المودة. إن عهد إغلاق السفارة التونسية وقطع العلاقات بين البلدين لأسباب مزاجية قد مضى وانقضى مع النظام التونسي السابق وجاء عهد المسؤولية والارتفاع بالعلاقات القطرية التونسية إلى الدرجة العليا التي تستحقها لأن قطر بفضل دبلوماسيتها الجريئة ومواقفها الرائدة أصبحت بشهادة الجميع منارة عربية وإسلامية تهتدي بها الشعوب العربية والمسلمة لتدشين عصر الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد أثبت التعاون القطري التونسي في مساندة إرادة الشعب الليبي أن تنسيق الجهود بين الحكومتين وبين منظمات البلدين يؤتي أكله الكريم لفائدة كرامة المواطن الليبي وسيادته على مصيره. فاليوم يعتز التونسي العامل في قطر بأن سفارة بلاده مفتوحة بالدوحة وأن علم تونس يخفق فوقها وعلى رأسها أحد الدبلوماسيين المتميزين المتحمسين لإنجاز مختلف ميادين التعاون والتكامل والتضامن بين الشعبين.

522

| 02 أكتوبر 2011

العودة القوية للباب العالي

استحوذت رحلة رجب طيب أردوغان إلى مصر وتونس وليبيا ولقاؤه مع أبو مازن في القاهرة على أضواء التحليل والتعليق بعد أن زار الرجل بشجاعة أرض الصومال وتعاطف مع شعبها الجائع والمريض واحتضن أطفالها المحرومين حتى من الماء والدواء وكسرة العيش. رجب طيب أردوغان هو النجم الصاعد وهو الأمل الواعد بالنسبة لأكثر من سبعين في المائة من الشباب العربي حسب تقديرات استطلاعات رأي جدية هذه الأيام وليس هناك سر محير في الأمر لأن شباب العرب كشباب أمم الدنيا يحتاج إلى منارات تهديه في غياهب الدجى الراهن ويبحث بالفطرة عن زعماء أمناء يعبرون عن طموحاته المشروعة ويحققون أحلامه المجهضة ويرسمون له خرائط الطريق. كان ذلك حال الشباب الإفريقي حين وجد في المناضل الكبير نيلسن مانديلا ضالته لأنه حرر بلاده بل وقارته من الميز العنصري، كما كان ذلك حال الشباب الهندي في الأربعينيات حين جسد المهاتما غاندي عبقرية الأمة الهندية وأيضا شباب باكستان حين تولى محمد علي جناح قيادة إنشاء الدولة الباكستانية المسلمة. أما في العالم العربي فالتاريخ الحديث يؤكد لنا بأن الزعامات المتألقة التي حررت شعوبها انتهت في معظمها إلى دكتاتوريات عاتية بسبب التشبث العربي بالكرسي إلى مالا نهاية والتخطيط عادة للتوريث. فخاب أمل الشباب العربي في "الجملكيات" العربية التي تحولت إلى " مخابريات " عربية. وهنا جاء رجل عصامي تركي تخرج من تحت عباءة أستاذه طيب الذكر نجم الدين أربكان وأدرك حين ترأس بلدية اسطمبول بأن طاقة الحضارة الإسلامية يمكن أن تعبئ شعبا وتجند شبابا دون الوقوع في فخ التطرف والمغالاة ولا ننسى بأن أربكان هو الذي كان يقول: " إن الإسلام حضارة وليس مجرد دين وقيمه الخالدة هي التي تشكل دينامو السياسات حتى العلمانية منها" وهو القائل كذلك: " أفضل أن تكون تركيا هي الأولى في دار الإسلام على أن تكون الأخيرة في الاتحاد الأوروبي". وقد سعى رجب طيب أردوغان إلى تجسيد حي وعملي وموضوعي لهذه الشعارات. فالحكومة التركية المنبثقة عن قيم الإسلام الحنيف برئاسته أيقنت بأن دول الاتحاد الأوروبي لن تقبل بعضوية تركيا في اتحادها لأسباب عنصرية ودينية دفينة لا تفصح عنها لكنها تطبقها رضوخا لرداءة اليمين المعادي للمسلمين. وبدأ أردوغان مسيرة استقلال القرار التركي عن الإملاءات (أو لنقل الشروط) الأمريكية وعامل إسرائيل الغاشمة بما يتناسب مع بطشها الأرعن، وتقرب من محيط تركيا الجغرافي والحضاري بدبلوماسية أحمد داود أوغلو لينشأ فضاء التعاون الاقتصادي مع كل من إيران وسوريا وأقام علاقات قوية مع جناحي فلسطين: فتح وحماس. وها هو اليوم يدشن عصرا ذهبيا من التحالف الإستراتيجي مع عرب ما بعد الثورات ويؤسس للباب العالي الجديد من دون هيمنة السلطان العثماني ولا ادعاء التفرد بالقرار المركزي. ثم إن أردوغان داخليا وفي عقر دار تركيا يتربع على عرش مؤقت ومريح فقد أوصل بلاده إلى رتبة القوة الاقتصادية الخامسة عشرة في العالم والخامسة أوروبيا وحقق نسبة نمو سنوية لم يعرفها العالم إلا في الصين وأرسى قواعد ديمقراطية حقيقية تبدأ من انتخاب لجنة الحي إلى البلدية إلى مجلس النواب إلى رئيس الجمهورية. وتجرأ من جهة ثانية على أركان الجمهورية التركية ودستورها فحد لأول مرة في تاريخ تركيا من تدخل قيادة أركان العسكر في شؤون الدولة وطالب بمراجعة الدستور الحامي للعلمانية. مما أعطى الحكومة حرية الالتفات إلى السياسة الخارجية لكي تعدل مسارها وتصحح خياراتها وبالتالي تقود إقليم الشرق الأوسط إلى فضاء سلام أعدل وأبقى وأرسخ. وهكذا فإن الباب العالي الجديد يعرض على العرب نموذجا حضاريا وليس سياسيا فحسب لأنه ينبه النخب العربية إلى أن علمانية الدولة لا يعني "كفرها" وأن قيم الإسلام لا تتناقض مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وأن الحكومات إذا ما كانت منبثقة من إرادة شعوبها تصبح أقوى وأن أخطر عدو لاستقرار الدول وأمنها يكمن في التشبث الأبدي بالحكم. فليعتبر أولو الأبصار.

484

| 28 سبتمبر 2011

أبعاد السياسة الخارجية في الثورات العربية

يتذكر القراء العرب الألقاب و النعوت التي أطلقها الإعلام على الانتفاضات الكبرى التي هزت عددا من المجتمعات العربية منذ شهور فوصفت التونسية بثورة الياسمين حينا والمصرية بثورة الكرامة حينا آخر و اليمنية بثورة الحرية و الليبية بثورة عمر المختار والسورية بثورة الأحرار إلى آخر قائمة الاجتهادات. و توحي كل هذه التسميات بأن الشعوب قامت ثائرة ضد منظومة حكم داخلي لم تتغير و لم تقرأ حسابا لطموحات الأمة ولم تسمع لأصوات الشباب و لم تتأقلم مع متغيرات العصر من تكنولوجيا الاتصالات التفاعلية حتى أن بعض المراقبين الدوليين أطلقوا على الثورات العربية اسم ثورات الفيسبوك وبعضهم الآخر ابتهج بما سماه الربيع العربي. و بالطبع فإن هذه النعوت صحيحة لكنها صحيحة نسبيا و جزئيا. فقد وقع إهمال البعد الدولي في الثورات أي بعد السياسات الخارجية العربية التي استهدفها الشباب العربي الغاضب. فلم تكن الثورات تنطلق حصريا من البطالة و التهميش و الفساد و الاستبداد فحسب بل انطلقت أيضا من رصيد الغضب الكامن في ضمائر الناس من سياسات الخنوع لإملاءات القوى الخارجية التي مع الأسف تساند ظلم المحتل الإسرائيلي لشعب عربي شهيد و مقاوم هو الشعب الفلسطيني البطل. فالحكومات العربية التي لها تماس مع فلسطين لم تناصر هذا الشعب الشقيق بما تفرضه أخلاقنا أولا و بما تقتضيه حتى مواثيق الدفاع العربي المشترك التي وقعها العرب. فالشعور السائد لدى جماهير العرب هو أن مصر واصلت سياسة كامب ديفيد و أوصدت معبر رفح و استقبل رئيسها مبارك كل القادة الإسرائليين دون أي ثمرة تقطف لصالح القضية العادلة بل بلغ التردي في مصر درجة كون وزيرة الخارجية الصهيونية (تسيبتي ليفني) أعلنت من القاهرة حربها على قطاع غزة. و لم يكن عمرو موسى أفضل حالا لأننا رأيناه يضحك مع بعض وزراء الخارجية العرب ملأ الأشداق بينما غزة ما تزال تحت النار و الرصاص المسكوب. أما تونس في عهد رئيسها السابق بن علي فتوجت دبلوماسيتها بفتح مكتب في تل أبيب و عينت على رأسه دبلوماسيا برتبة سفير. و في سوريا بلد الممانعة يعرف كل الناس أنه لم تطلق رصاصة واحدة ضد المحتلين الصهاينة للجولان على مدى نصف قرن. و جاءت أحداث الجمعة 9 سبتمبر أيلول في القاهرة حول سفارة إسرائيل لتعيد هذا البعد الحساس و الهام إلى دائرة الضوء ليدرك العالم بأن للثورة العربية أبعادا دولية ربما أوجزناها في إرادة تغيير العلاقات الدولية العربية من مرحلة الخنوع المخجل لصلف إسرائيل و حاميها الكفيل الأمريكي المؤيد للظلم الصهيوني بلا ضوابط إلى مرحلة التعبير الحقيقي و الكامل لإرادة الناس أي ابتكار سياسة خارجية جريئة كالتي انتهجتها الدبلوماسية التركية حتى و تركيا تحترم مستحقات عضويتها لحلف الناتو. و هنا لا بد من التذكير بحادثتين هزتا الضمير العربي و المسلم خلال السنة الأخيرة : الأولى هي العدوان السافر على أسطول الحرية و استشهاد تسعة مواطنين أتراك جندلهم رصاص الجيش الإسرائيلي على ظهر الباخرة المسالمة المتجهة نحو كسر الحصار الجائر على قطاع غزة و التي تلاها موقف رجب طيب أردوغان المشرف و الذي أعاد بعض النخوة للأمة. و نذكر كيف تعاملت حكومة تركيا مع الصلف الإسرائيلي دون ضغوط من الشارع التركي حيث عبر رئيس الحكومة أردوغان عن غضبة مشروعة برد الإهانة الدبلوماسية و مغادرة حوار جمعه مع شيمون بيريز ثم إعلان التحرك للأسطول التركي في البحر الأبيض لحماية سفن السلام. و الحادثة الثانية هي قتل خمسة جنود مصريين على الحدود برصاص الصهاينة و بدم بارد رغم وجود معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل. وفي هاتين الحادثتين تأكد للرأي العام العربي و المسلم بأن ناتنياهو يرأس حكومة قمع و غطرسة و قوة واصلت ما بدأه شارون مع العدوان على غزة الشهيدة منذ أعوام خمس. و الأهم أن الشباب العربي الذي أنجز إرادة الشعب المصري بالقضاء على نظام حسني مبارك أدرك بأن الوقت حان للاعتبار بما حدث على الحدود و أصبح يطالب بإعادة النظر في المعاهدة المصرية الإسرائيلية و في اتفاق تصدير الغاز المصري للعدو. وهنا يأتي البعد الدولي للثورة المصرية الذي لم يتوقعة المجلس العسكري الأعلى و الذي يرأسه المشير طنطاوي (20 عاما وزيرا للدفاع مع مبارك). على خلفية هذه الأحداث و استباقا للمستقبل قرأنا التهديد الواضح الصادر عن الجنرال إيال أيزنبرغ قائد الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي للشعوب العربية حين قال يوم الجمعة 9 سبتمبر بأنه يتوقع حروبا بين إسرائيل و الدول العربية التي حققت ثوراتها مؤكدا أن هذه الثورات تهدد أمن إسرائيل. الحقيقة و الخلاصة أننا أمام تغييرات جوهرية في منظومة العلاقات الدولية برمتها بدءا من مساندة عربية قوية و فعلية لحقوق الشعب الفلسطيني على ضوء انحسار بطش إسرائيل و تحمل الشعوب العربية لأمانة مصيرها.  

971

| 14 سبتمبر 2011

منظومتان جائرتان تسقطان.. بريتن وودس والاستبداد

ستظل سنة 2011 منارة حضارية على مدى عقود قادمة فهي التي شهدت انهيار منظومتين جائرتين نشأتا تقريبا في نفس اللحظة التاريخية مع نهاية الحرب العالمية الثانية منذ خمسة وستين عاما. المنظومة الأولى هي ما يطلق عليه نظام بريتن وودس (اسم القرية الأمريكية التي شهدت توقيع اتفاقية النظام النقدي العالمي الراهن بين عالم الاقتصاد البريطاني كاينس وكاتب الدولة الأمريكي للمالية وايت يوم 22 يوليو- جويلية 1944) والمنظومة الثانية هي النظام الاستبدادي العربي الذي نشأ خجولا مع انقلاب اللواء حسني الزعيم في سوريا ثم ترعرع عملاقا مع انقلاب الضباط الأحرار في مصر بقيادة محمد نجيب وجمال عبد الناصر وانتقلت عدوى الانقلابات بسرعة إلى تونس حيث انقلب بورقيبة على ملكها سنة 1957 وانقلب عليه الجنرال زين العابدين بنفس الطريقة سنة 1987 وجاء دور العراق سنة 1958 ثم سوريا بلا انقطاع إلى آخر انقلاب على الدستور الذي أتى ببشار إلى السلطة عام 2000 وإلى اليمن السعيد منذ انقلاب المشير عبد الله السلال إلى وصول علي عبد الله صالح للحكم منذ 33 عاما ثم السودان باستمرار وليبيا حين انقلب ضابط شاب مجهول اسمه معمر القذافي على الملك إدريس سنة 1969 وقبلها الجزائر حين أقصي الرئيس بن بلا وجاء هواري بومدين سنة 1964 وعاشت موريتانيا مسلسلات الانقلابات وحكومات "الإنقاذ" المتعاقبة وكثرت محاولات الانقلاب في تونس والمملكة المغربية دون أن تؤدي إلى تغيير أنظمة الحكم. وهكذا استقرت في العالم العربي مشرقه ومغربه منظومة جائرة من الدول التي تنشأ في لحظة غفلة تاريخية ويصبح الهاجس الأول لرأسها هو الحفاظ على الكرسي مهما كانت الوسائل وضاعت مصالح الشعوب المغلوبة على أمرها والمقهورة في منظومة الاستبداد حيث حلت التعليمات محل القوانين وحلت عمليات التمديد والتوريث محل الجمهوريات المعلنة والمغشوشة واستعد رؤساؤها المخلدون لتمرير التركة وتسليم الشعوب للأبناء بل وللزوجات أحيانا كأنما تحولت الشعوب إلى قطعان غنم ترعى الكلأ يجوز توريثها وحل الأوفياء محل الأكفاء واعتلى المنافقون والجهلة سلم المناصب عوض المثقفين والوطنيين. وكاد اليأس يدب في مفاصل المجتمعات العربية بسبب طول مدد الحكم وتعود الناس على حياة الضنك والحرمان من حقوقهم وحرياتهم لولا هبت رياح تونسية غير متوقعة واستعادت تفعيل بيت شعر قديم لأبي القاسم الشابي شاعر تونس المتوفى سنة 1934 عن سن الرابعة والعشرين: إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر. و انهارت منظومة الظلم العربي كما انهارت منظومة الظلم العالمي فزلزل الدولار في الولايات المتحدة كما زلزل اليورو في الاتحاد الأوروبي وانتقلت عدوى المظاهرات إلى أثينا ومدريد وباريس وروما حيث رفضت الجماهير الغربية علاج أزمات اقتصاداتها بالترقيع والتلفيق والتقشف ونددت بضخ المليارات في موازين الدول المسحوقة بالديون أو في خزائن المصارف المفلسة والمتلاعبة بخبز وعرق الجماهير. إنه التقاء الغضب العربي بالغضب الغربي في المطالبة بمنظومتين جديدتين عادلتين تعوضان التقاليد البائسة الجائرة. والغريب أن الشباب العربي في سيدي بوزيد والقاهرة ومسراطة ودير الزور وصنعاء والشباب الغربي في باريس ومدريد وأثينا اكتشفوا أن الداء العميق والحقيقي هو استمرار فكر الاستبداد وتواصل نظام بريتن وودس وهما يلتقيان حول مشروع دولي قديم تقرر بعد انتصار الحلفاء على النازية ويقوم على اغتصاب الضمائر وطمس الحقائق وإقامة حكومة الظل في منهاتن المشكلة من الشركات العملاقة عابرة القارات والتي تتحكم في مصائر الأمم بتنظيم مسرحيات الديمقراطية الزائفة وتقنين عمليات السلب والنهب في دول العالم الثالث ومن بينها بعض الدول العربية بإنشاء وكلاء سلطة مؤتمرين بأمرها لا يدينون لشعوبهم بانتخابهم بل يدينون لأسيادهم في عواصم القهر بإبقائهم وتأييدهم في الحكم. ليس من الصدف أن يقرع عام 2011 أجراس النهاية أو بداية النهاية لمنظومتين ظالمتين مترابطتين جسدتا منذ ثلاثة أجيال انتصار القوة على الحق وجاءت أحداث 2011 لتكرس انتصار الحق على القوة. ونرى اليوم مثلا تغيير المعادلات والحسابات الإسرائيلية المعتمدة على البطش لتتحول العلاقات الدولية هي أيضا إلى فضاء جديد من استعادة الشعوب لحقوقها وحرياتها بفضل تضحيات شبابها. إنه المنعرج الأهم في مطلع هذا القرن.

400

| 31 أغسطس 2011

الغرب الحائر أمام الشرق الثائر

لم نتعجب من الأصداء السريعة لمواقف الغرب باتجاه أحداث ليبيا وسوريا خلال الأيام الأخيرة لأن الأمر يتعلق بإعادة تشكيل العلاقات الدولية على أسس إستراتيجية مختلفة في إقليم البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط شديد الحساسية والذي تنعكس التطورات فيه على العالم بأسره بسرعة وبطريقة العدوى منذ ثلاثة آلاف سنة. وسيدرك الرأي العام بعد سنوات وبعد أن ينجلي الستار عن الوثائق بأن للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أدوارا خفية في كل ما وقع في العالم العربي والإسلامي منذ خروج المظاهرات التلقائية إلى سقوط الأنظمة القديمة وتتواصل هذه الأدوار إلى اليوم حين نرى الأزمة الدبلوماسية الخطيرة بين مصر وإسرائيل بسبب استشهاد جنود مصريين ونرى اقتراب التغيير في ليبيا وأيضا حين نسمع صوت النار بين جيشنا التونسي البطل وعصابات مجهولة تسللت من الجوار يوم السبت الماضي. فالمغرب العربي كما المشرق العربي يقع في منعطف طرقات الجغرافيا والتاريخ والحضارة بين قارات إفريقيا وأوروبا وآسيا، ويحملان بالطبع هموم التحولات العملاقة التي تطرأ على العصر من جراء العولمة وإلغاء الحدود وانتقال الأفكار والإيديولوجيات والبشر والبضائع بخيرها وشرها بين الأمم واستمرار منطق الغرب في نسج مناطق النفوذ والحفاظ على مصالحه هو فقط. ثم إن التاريخ الحديث الذي يتشكل أمام عيوننا المبهورة بقيام حركات الكرامة والحريات منذ أشهر قليلة ما هو سوى امتداد حضاري للهزات المذهلة التي غيرت خارطة العالم الإستراتيجية منذ سبتمبر 2001 هذا الزلزال الذي نحيي ذكراه العاشرة هذه الأيام. وقد عزز ذلك المنعرج التاريخي سرعة انتقال بذور العنف من المشرق إلى المغرب بسبب اتساع وسائل الاتصال وانتشار أجهزة الإعلام والتحام شعوب العرب والمسلمين أمام القهر والتحديات والمظالم. فالذي حدث في العالم الإسلامي مع القرن الحادي والعشرين هو ميلاد القاعدة أي في الحقيقة نوع جديد غير مسبوق من العنف الأعمى الذي يواجه بعنف أعمى هو الآخر إلى أن بدأ العرب والمسلمون يعيدون قراءة واقعهم بعيون مختلفة ويحاولون بناء دول الحق والعدل وحقوق الإنسان بعيدا عن دول الاستبداد وعن أيديولوجيات الوهم. فالقوى العظمى كالولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي أو الصاعدة كالصين أو التي كانت إمبراطوريات ثم أفل نجمها كفرنسا وبريطانيا تسعى جميعا إلى تقاسم غنائم الربيع العربي الراهن في مطلع القرن الحادي والعشرين تماما كما تقاسمت الإمبراطوريتان الفرنسية والبريطانية غنائم العالم الإسلامي العثماني في بداية القرن العشرين بواسطة معاهدة سايكس بيكو يوم 16 مارس 1916. نعم! إن التاريخ كما يقول فرناند برودل فيلسوف التاريخ مسلسل إعادة إنتاج للفواجع الإنسانية بأشكال مختلفة، لكن بذات المنطلقات ونفس الآثار والتداعيات الفادحة. ونحن العرب إذا لم نستيقظ على هذه الحقائق الخالدة والنواميس الدائمة في منطق التاريخ سنجد أنفسنا بعد صفقات تقاسم الغنائم مجرد بضاعة بخسة الثمن في سوق المزايدات الدولية بلا أي تحكم في مصائرنا. فمشروع الاتحاد المتوسطي الذي يدعو إليه ساركوزي مثلا لا يخفي برامجه وراء الأصباغ والمساحيق، بل يعلن بأن الغايات الأمنية (لحماية الاتحاد الأوروبي!) هي الأولوية لباريس مع تأكيده بأن أولوية الدبلوماسية الفرنسية هي أمن إسرائيل أولا ثم إنشاء دولة فلسطينية ثانيا مع أن الرئيس الفرنسي هو سيد العارفين بأن العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 1967 جعل تأسيس دولة فلسطينية أمرا مستحيلا! اللهم إلا إذا لجأت فلسطين وهي موحدة للأمم المتحدة الشهر المقبل لفرض حقها. وبالطبع فإن الهدف الأوروبي نبيل مشروع لكن هل يمكن حماية أوروبا من أشباح التهديد الإرهابي دون إيجاد الحلول الجذرية والعادلة والشاملة لقضايا فلسطين والعراق وأفغانستان؟ وهل يكفي أن تنسق الدول على ضفتي المتوسط جهودها في البر والبحر حتى يغيب شبح العنف نهائيا؟ إن الغرب بما فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يزال يتردد أمام مأساة شعب فلسطين وأمام الثورات العربية التي نحتاج إلى تضامن دولي. أما حماية أوروبا من الهجرة السرية فلن تنجزها بعض خافرات السواحل حتى لو اجتمعت قيادات الحرس الحدودي في الاتحاد المتوسطي شمالا وجنوبا وشرقا غربا، لأن الحل الجذري إلى جانب الحراسة الحدودية هو إقامة الشراكة الاقتصادية الحقيقية بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب والذي ظل حبرا على ورق برشلونة واتفاقيات خمسة زائد خمسة منذ عشرة أعوام. مع أن أوروبا تعلم بأنها هي ذاتها لم ينقذها ولم ينهض بها بعد ويلات الحرب العالمية الثانية سوى اتفاق شراكة مارشال الذي أنفقت فيه واشنطن على الحليف الأوروبي المعاق 68 مليار دولار! فماذا تفعل فرنسا وأوروبا اليوم تجاه المغرب العربي وهو الإقليم الذي يشتبك أمنه مع أمن أوروبا التي لا تبعد عنه سوى 14 كيلومترا وكذلك يرتبط نموه الاقتصادي بنمو أوروبا أكثر بكثير من بلدان أوروبا الشرقية، بالإضافة إلى أن وشائج الثقافة. التاريخ والحضارة شكلت جسورا طبيعية بين شمال وجنوب البحر المتوسط.

428

| 24 أغسطس 2011

قوانين الأحوال الشخصية كائنات حية لا أصنام محنطة (3-3)

أنا حين أقرأ التاريخ بعيون الباحث عن الحقيقة فإن غايتي هي إثبات التلاعب بالواقع ومراوغة القانون بالأمس كما باليوم لطمس حقيقة بيولوجية أو إنسانية أو اجتماعية تتمثل في أن التعدد في بعض الحالات المحدودة واقع قائم تمليه الضرورة نحاول نحن إخفاءه أو تدليسه بأقنعة مختلفة ونستره بما تيسر لنا من الأوهام القانونية والتجميلات الاجتماعية لكي يقال عنا في الغرب أننا مثلهم، وهي رغبة المغلوب في تقليد الغالب! في حين أن الغرب نفسه يعيد النظر بصورة دورية في قوانينه! ولا أفهم اليوم كيف يعتبر بعض نخبتنا التونسية مجلة الأحوال الشخصية مكسبا بعد أن وقع منذ 1992 إلى 2010 استعمالها أداة ديماغوجية قيست بنودها المضافة على قياس ساكن قصر قرطاج وزوجته (تماما كالدستور) فلم تبق المجلة كما أرادها بورقيبة والشيخ جعيط نتيجة اجتهاد إسلامي لحماية الأسرة وإنصاف المرأة بل تحولت إلى سيف مسلط على الزوج فقط بفصول جديدة غريبة لا نجد مثلها حتى في السويد والنرويج. وأصبحنا نرى كل ذكرى 13 أغسطس تتحول إلى عماية ابتزاز سياسي بدعوى دعم المجلة بفصول جديدة مصحوبة بخطاب "السيدة الأولى" وتصفيق النساء المتغربات، كأنما الرجل وهو عماد الأسرة وحاميها أصبح العدو اللدود والمتسلط القاهر ووقع التغرير بالمرأة "قانونيا" بحيث وقع تعويض المحبة والرحمة بينها وبين الرجل بالمحامي والمحكمة ورأينا في أغلب الأسر حروبا أهلية وفقد الزوج هيبته المشروعة ولم يعد أولاده يقدرونه. إن المكسب الاجتماعي هو المجلة التي تركها بورقيبة أما ما جاء بعد 1992 تاريخ زواج بن علي من ليلى فهو ليس مكسبا بل هو تدليس. ولا يظن بعض الشباب أني أدعو إلى النكوص والتراجع عن المكاسب بعد أن كنت أحد المدافعين عنها في مواقع عديدة، بل إنا أدعو لوضع قانون الأحوال الشخصية موضع دراسة وتحاور علماء الاجتماع والقانون والاقتصاد والدين لتقييمه بعد نصف قرن، لا كما فعلنا مع سياسة تحديد النسل التي أوصلتنا إلى تصحر ديمغرافي وتفشي العنوسة وتأخير الإنجاب وشيخوخة الشعب حسب الإحصاءات الرسمية،لأننا اعتبرنا تحديد النسل مكسبا مقدسا أي منعنا الناس من حرية النقد والبحث العلمي في خياراته. فالمكاسب ليست معابد كهنوتية نظل نبخر حولها كالدراويش ولكنها كائنات قانونية حية تقبل إعادة التقييم والتعديل والمراجعة باعتبار آثارها الجانبية على مدى نصف قرن. وأنا أتوقع أن تأخذ الدولة بعد انتخاب مؤسساتها الدستورية في 23 أكتوبر القادم هذا القرار لتطرح على الدرس والتقييم قضايا تهم الناس وتحدد مصائرهم مثل الآثار الجانبية لسياسة تيسير الإجهاض وحماية الأمهات العازبات وإلزام الآباء بإعالة بناتهم المنجبات من سفاح وإلغاء القوامة للرجال وفوز بلادنا بأعلى نسبة في الطلاق وتعاطي المخدرات وحتى تفشي التدخين، وإن عملا تقييميا كهذا لا بد منه بعد خمسين عاما من تاريخ سن أكثر القوانين تأثيرا على الأسرة وتوجيها للمجتمع.

580

| 17 أغسطس 2011

قوانين الأحوال الشخصية كائنات حية (3-2)

عند بلوغ مرحلة الشباب في الستينات من القرن الماضي، وبما أني عشت مخضرما في المجتمع التونسي قبل الاستقلال، وأعرف بالمعايشة لا بالسماع كيف تطور المجتمع التونسي من المرحلة التقليدية الثورية (ضد الاستعمار الفرنسي) إلى مرحلة الاستقلال الإداري والعسكري وبناء الدولة بزعامة بورقيبة وحزبه الدستوري، فاهتديت مع بعض أبناء جيلي من التوانسة إلى أن السياسة البورقيبية في مجال الأسرة وفي مجال التوجه الثقافي الفرنكوفوني تتناقض مع الهوية العربية الإسلامية للشعب والأخطر تتناقض حتى مع أهداف حزبه الذي قاد معركة الاستقلال وقاوم التنصير والتجنيس من أجل استعادة ضمير الشعب وترسيخ قيمه لا سلخ المجتمع عن محيطه الطبيعي والحضاري بحجة اللحاق بركب الحضارة!  وبدأنا نكتب ونحن في صلب الحزب وأحيانا في صحافة الحزب آراء تندد بسيادة اللغة الفرنسية على حساب لغتنا الأم والذوبان في الغرب ودافعنا عن اللغة العربية بما استطعنا من قوة، ولم ننج من الملاحقات والمضايقات وحجز الجوازات، ونحن دستوريون من داخل البيت لأنه لم يكن في بلادنا لا أحزاب معارضة ولا منظمات حقوقية ولا شرق أوسط كبير، بل كنا نتعامل مع الزعيم كأب للشعب، ونعترف له بفضل التحديث والعمل على وحدة الشعب وتقديم المثل في نظافة اليد وإعطاء التربية والتعليم الأولوية في كل موازين الدولة، وهذه هي المكاسب الباقية إلى اليوم من العهد البورقيبي. والحمد لله أن أرشيف الصحف على ذمة من يريد الاطلاع على مقالاتنا وكذلك كتاباتنا في مجلة الفكر رائدة التعريب والتأصيل والكبرياء الثقافية العربية في المغرب العربي. لا أحد ينكر أن الزعيم في سياسته الاجتماعية وسن قانون الأحوال الشخصية انطلق من عواطفه وعقده الذاتية والظلم الذي كان مسلطا على والدته في طفولته وحرمانه المبكر من حنان الأم وذلك باعترافه هو نفسه في المحاضرات التي ألقاها بمعهد الصحافة عام 1972 أمام الطلبة وبأسلوبه الأبوي الحساس الذي كان يبكيه ويبكينا معه. ثم كان أول عمل عائلي قام به هو طلاق زوجته السيدة ماتيلد التي اعتنقت الإسلام وسميت مفيدة وشاركته كفاحه باعترافه هو، ثم الزواج من السيدة وسيلة بن عمار التي كانت أيضا رفيقة دربه لأنه لم يتخل عنها ولا هي تخلت عنه على مدى أربعين عاما.  فالزعيم الذي كان رائدا في إلغاء تعدد الزوجات هو ذاته كان متعدد الزوجات (لمدة أربعين عاما مهما حاول البعض من الشباب التنويري الجديد صبغ هذا الواقع بأسماء وتلبيسات بارعة لا تصمد أمام الحق). والذي يريد التأكد فليراجع تاريخ الصراع بين بورقيبة وغريمه المرحوم صالح بن يوسف ليدرك أن إصرار الزعيم بورقيبة على الجمع بين مفيدة ووسيلة كان دائما على قائمة الخلاف بينه وبين أكثر من زعيم تونسي(و مازال الصديق العزيز والمكافح الوطني حسين التريكي حيا يرزق مد الله في أنفاسه ولديه منجم ذكريات وطنية يمكن أن تفيد الشباب والكهول في هذا الملف بالذات والذي لا ينقص من قدر الزعيم شيئا في نظري). وعندما تولى زين العابدين بن علي السلطة استعمل ملف مجلة الأحوال الشخصية بصفة ديماغوجية وأضافت ليلى زوجته للمجلة فصولا أخرى غريبة وقاسية تغرر بالزوجة وتحرم الزوج من القوامة ورئاسة الأسرة وبالتالي من احترام أولاده وكان ذلك يتم كل 13 (أغسطس) تحت زغاريد السيدة العقربي وتزكية وحماس النساء المتغربات ثم بن علي طلق زوجته الأولى بطريقة بورقيبية أي دون حضورها لأن الرئيسين غفر الله لهما لم يحترما أيا من بنود المجلة التي من المفترض أن يحمياها.

545

| 13 أغسطس 2011

قوانين الأحوال الشخصية كائنات حية (3-1)

أثير نقاش واسع بين الشباب العربي وبخاصة في تونس ومصر ما بعد التحولات الكبرى في 14 يناير و25 فبراير 2011 حول ملف كنت فتحته للحوار السليم لا للجدل العقيم في بعض الصحف والمواقع منذ التسعينات وحتى من على منبر مجلس النواب حين كنت عضوا فيه في مطلع الثمانينات، مع علمي المسبق أنه ملف ساخن ولا يمكن أن يجتمع الكل حوله بالنظر إلى تعدد الآراء والأطياف والمشارب، وهو ما أعتبره شخصيا مؤشر صحة للشباب العربي وعلامة اهتمام بالشأن العربي العام وبقضايا الأسرة العربية المسلمة التي هي الخلية الأولى للمجتمع والنواة الأساسية لحضارة الأمة. هذا الملف يتعلق بالقوانين التي اختارتها الدول العربية حين استقلت من المستعمر في الخمسينات وشرعت النخب العربية في بناء الدولة الحديثة على غرار الأنموذج الغربي التغريبي، عن حسن نية وسلامة طوية،أو بتوجيه لئيم من الإمبراطوريات المسيحية حفاظا على مصالحها الدنيوية وغرسا لقيمها الدينية لأن النمط الغربي بشقيه الاشتراكي والليبرالي كان هو الوحيد المطروح كمثل أعلى للتقدم ولما كان يسميه الزعيم بورقيبة " اللحاق بركب الحضارة"و ما يطلق عليه اليوم شباب الثورات عبارة (حداثة). واليوم سنة 2011 حين تقرأ أدبيات التيارات السياسية العربية بعد التحولات العميقة تجد الجدل الأهم قائما مابين ما يسمى العلمانية (أو اللائكية) وبين الهوية الإسلامية. وهو ما يوحي بأن حربا أهلية نرجو أن تكون باردة مندلعة بالفعل في أغلب المجتمعات العربية إن لم نقل في أغلب الأسر العربية. وهذا الجدل باطل من أساسه لأنه بكل بساطة مستعار من الغرب المسيحي ولم يخض فيه علماؤنا على مدى خمسة عشر قرنا منذ فجر الرسالة المحمدية إلى اليوم. فعبارة العلمانية هي تعريب خاطئ لعبارة (لائكية) لأن أصل هذه العبارة هو من اللغة اللاتينية (لايكوس) أي الصادر عن الأمة وذلك مقابل عبارة (كليريكوس) التي تعني الكهنوت. وانفرد تاريخ الحضارة المسيحية بالصراع الطويل ما بين لايكوس وكليريكوس أي مابين عروش الملوك وكهنة الكنائس. وبلغ في فرنسا بالذات حدوده القصوى والدموية وخاصة في القرن السادس عشر حين دخل ملك فرنسا في صراع مفتوح مع بابا الكنيسة انتهى بانتصار البابا وتم جلب الملك مغلولا في الأصفاد باكيا ساجدا للبابا طالبا غفرانه وقال البابا كلمته التاريخية: "لا تاج خارج الصليب"و انتشرت في أوروبا فكرة قائلة بأن "الملك يملك الأجساد والبابا يملك الأرواح". ومن هنا سجلت الثورة الفرنسية لعام 1789 بداية القطيعة بين الديني والدنيوي (بين اللايكوس والكليريكوس) إلى أن استفحل الصراع السياسي والاقتصادي بين الكنيسة الفرنسية والممالك أو الجمهوريات الفرنسية المتعاقبة لكن تحت شعارات دينية وانتهى هذا التصادم العنيف بانتصار الدولة على الكنيسة وخاصة في مجال التعليم سنة 1905 حين قررت الجمهورية الفرنسية فصل التعليم عن الكنيسة على أيدي وزير التعليم (جول فيري). وقد ورثنا نحن في المغرب الإسلامي هذه اللوثة المستعارة من الاستعمار واعتبرتها النخب منذ ثلاثينات القرن العشرين كأنها قضيتنا نحن بينما مجتمعاتنا مسلمة تحمل جينات دينها ولم تعرف التفريق بين ما هو ديني وما هو دنيوي لأن الإسلام ليس فيه كهنوت وظلت العلاقة بين الإنسان فيه وبين الله سبحانه علاقة مباشرة وحميمية لا وساطة فيها. ونجد أن هذا الجدل قائم في تونس (كما قام في تركيا من قبل) بحدة لم تعرفها المجتمعات العربية والمسلمة الأخرى لأسباب تاريخية ومزاجية واضحة. فالزعيمان مصطفى كمال أتاتورك والحبيب بورقيبة شبيهان ببعضهما إلى درجة كبيرة فكلاهما تأثر بنهضة الغرب ونهل منها وطلب مساعدة الإمبراطوريات الغربية (الأوروبية آنذاك) لفرض غلبته على منافسيه وكان لابد أن يقدم كلاهما للغرب شواهد الولاء والإعجاب بنمط تقدم الغرب والنسج على منواله لتحقيق نهضة شعبيهما. فجاءت الكمالية في تركيا أشد تعصبا للغرب بل وأنجز أتاتورك ما عجزت عنه معاهدة (سايكس بيكو) وهو القضاء على الخلافة الإسلامية وتشويه المجتمع التركي بقوانين غريبة ومتطرفة مسخته وجعلت منه في الحقيقة ذيلا للغرب بعد أن كان رأسا للشرق (كما قال نجم الدين أربكان يرحمه الله). أما بورقيبة في تونس فبادر قبل استقلال البلاد (13 أغسطس 1956) بسن قانون الأحوال الشخصية مستوحيا إياه من القانونين التركي والفرنسي. وتولى بعض مشائخ جامع الزيتونة إصدار فتاوى صبغت عليه شرعية الدين واعتبر بورقيبة نفسه محررا للمرأة.

416

| 10 أغسطس 2011

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

2322

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

1206

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

792

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

690

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

669

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة

أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام...

597

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
النهايات السوداء!

تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...

591

| 12 ديسمبر 2025

alsharq
تحديات تشغل المجتمع القطري.. إلى متى؟

نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...

546

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
معنى أن تكون مواطنا..

• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...

531

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
الوطن.. حكاية شعور لا يذبل

يوم الوطن ذكرى تجدد كل عام .. معها...

507

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
موعد مع السعادة

السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...

501

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
مسيرة تعكس قيم المؤسس ونهضة الدولة

مع دخول شهر ديسمبر، تبدأ الدوحة وكل مدن...

498

| 10 ديسمبر 2025

أخبار محلية