رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

"ولكن الله سلم"

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); هالني حجم المؤامرة، وشراسة المكر، وعظم الكيد، في واقعة الانقلاب التركي الفاشل نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن اتضحت معالمه، وتكشفت بعض خيوطه، وتبدت أشياء عن تفاصيله، وما خفي كان أعظم. وذْلك بدءا بالأعداد المشاركة، ومناصبهم في أركان الدولة، وإمساكهم بمفاصل القوة، وتأثيرهم في قلب موازين القوى، وتغلغلهم في مراكز صنع القرار، وتسييرهم لحركة المجتمع والدولة معا في الجيش والشرطة والقضاء والأوقاف والتعليم، فضلا عن مؤسساتهم الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية المستقلة، مما اصطلح عليه في الحياة السياسية المعاصرة بالدولة العميقة، بعد سنوات تخطت العشر من الجهد والإصلاح والتغيير ممن تولوا زمام الحكم. وانتهاء بوقوف كثير من الدول بنفوذْها وإعلامها وراء هذا الانقلاب على إرادة الشعب، مخططة وداعمة ومدافعة عن عناصره المتآمرة، وجاهدة في وأد التجربة الديمقراطية الوليدة، ومجهزة على الحريات التي طالما تغنت بها، والتي ضاقت بها في آن واحد، حين جاءت بغير وعلى غير ما اشتهت: "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال".ومع كل إلمامة جديدة بما كان يمثل تهديدا وخطورة وانقلابا على إرادة الشعب التركي أجدني في تلقائية وعفوية أردد قول الله تعالى: "ولكن الله سلم " أو كما نقول: قدر ولطف. وكان هذا تعقيبا قرآنيا على ما أراده الله تعالى في غزوة بدر، قال تعالى: "إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الأمر وَلكِنَّ الله سَلَّمَ ". قال الطبرى: إذ يريك الله عدوك وعدوهم "في منامك قليلا"، أى يريكهم في نومك قليلا فتخبرهم - أصحابك - بذلك. حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم، ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرًا، لفشل أصحابك. فجبنوا وخافوا، ولم يقدروا على حرب القوم. ولتنازعوا في ذلك، ولكن الله سلمهم من ذلك بما أراك في منامك من الرؤيا. الحمد لله الذي أرانا حجم المؤامرة وعظم المكر بعد أن أفشلهما، فاتجهت الأرواح صوب السماء تظهر الضعف، وتخرج من الحول والقوة، وتستلهم المدد، وهرعت الأجساد صوب مكامن الخطر، وكمائن الشرر تدفع الباطل وترد المعتدى، فكان توفيق الله وتثبيته وتأييده ونصره. ولو تكشفت خطة الأشرار وخيوط المؤامرة أمام أعين أهل الحق مع بداية حلول البلاء لكان لذلك آثار سلبية على نفوس المؤمنين وعقول المناصرين، أبرزها التردد والخوف والتراجع بل والتنازع والفشل كما قال الله تعالى "ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر". وقد يخفي الله عنا الكثير مما لا نعرفه في حينه لطفا بنا ورحمة مما نتبين خطورته فيما بعد، ولو عرفناه في وقته لكانت له نتائج وخيمة.كم من حادثة وقعت، وكان يمكن أن تكون أعظم "ولكن الله سلم".وكم من واقعة ألمت بنا على المستوى الفردي أو المجتمعي، وكان لطف الله تعالى بنا، فدفعها عنا برحمته، لنردد "ولكن الله سلم"، "وكان فضل الله عليك عظيما".وسبحان من ينصر أولياءه على أعدائه، ثم يقول: "فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" الأنفال: 17، ثم يكتب ذلك حسنة لهم. يحمدهم عليها ويثني عليهم بها، وهو الذي تولى نصرهم.

54

| 22 يوليو 2016

اكتساب المال من الحرام لا تطهره الصدقة

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); حث الإسلام على الكسب الحلال في مثل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} الملك: 15. وفتح آفاق الكسب المشروع أمام المسلم للتملك، وجعل من طرق التملك العمل والتجارة وإجارة الأجير والمضاربة والوصية والهبة واصطياد ما يحل برا وجوا وبحرا ونهرا وغير دلك. ونظر إلى المال على أساس أن المالك الحقيقي له هو الله تعالى كما في قوله تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ الله الذَّي آتَاكُمْ }النور: 33، وأن الإنسان مستخلف في ملك الله، كما قال تعالى: { وأنْفِقُوا مِما جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} الحديد: 7، وأن المال ضرورة من ضروريات الحياة، كما أنه وسيلة لا غاية، واعتبره خيرا إذا جاء من حِله ووضع في مَحله. وحرم كنْزه في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } التوبة: 34، لأن كنز المال يعيق التنمية الاقتصادية، ويضر بالمصلحة العامة. وحرم الكسب الخبيث وسماه باطلا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } النساء: 29، ومن أكل أموال الناس بالباطل: الغصب، والسرقة، والقمار، وبيع المحرَّمات، والربا، والاحتكار، والغش، والغرر: وهو كل بيع اشتمل على جهالة في الثمن أو السلعة أو الأجل. وجعل الله تعالى الزكاة فريضة محكمة في مال المسلم، وجعلها تطهيرا للمال الذي اكتسب من حلال في قوله تعالى:"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"، وفي الزكاة غنى وكفاية، وقد فرض الله تعالى في الأموال القدر الذي يسع الفقراء، وهي مليارات من الحلال الطيب في كل قطر من أقطار المسلمين. وقد استوقفني في قضايا المال عند العلامة الشيخ القرضاوي أن اكتساب المال من الحرام لا تطهره الصدقة، فلا يطهِّره عند الله أن يتصدَّق صاحبه بجزء منه على الفقراء والأيتام، أو على جهة من جهات الخير، بل لا يقبل منه إلا أن يخرجه كلَّه عن ملكيته، ويردَّه إلى أهله إن كانوا أحياء أو إلى ورثتهم إن كانوا موتى، أو يتنازل عنه إلى جهات البرِّ والخير، إذا لم يُعرف أصحابه. ذلكم لأن الإسلام يشترط طهر الوسائل، كما يشترط شرف المقاصد والغايات. فالمال الخبيث في مكسبه لا يُقبل صدقة عند الله تعالى، كما في الحديث الصحيح:"لا يقبل الله صدقة من غُلول" رواه مسلم. والغلول: الخيانة من المال العام، مثل مال الغنائم في الجيش قبل أن يوزَّع. وفي الحديث الصحيح:"إن الله طيِّب لا يقبل إلا طيِّبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} المؤمنون: 51، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} البقرة: 172، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذِّي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟" رواه مسلم. وقال ابن مسعود: إن الله تعالى لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث. رواه أحمد وصححه الدار قطني موقوفا. وتأملت في واقع المسلمين اليوم فوجدت أن كثيرا من أصحاب الثروات الطائلة في ضوء ما سبق ممن يجب عليهم أن يخرجوا عن أموالهم جميعا أو جلها، ممن أثروا على حساب الشعوب المنكوبة بالفاسدين، من المحتكرين، والمغتصبين، والسارقين الكبار، والمرابين، وكل من انتفشوا من الأموال الخبيثة.ترى لو حدث ذلك، كم من المليارات التي ستمتلئ بها خزانات الجمعيات الخيرية، ومؤسسات البر، ليعاد توزيع الثروات كرها على أفراد المجتمعات البائسة؟!.

4443

| 15 يوليو 2016

الرسول وصناعة الأمل

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كان القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم صانعا للأمل في أشد اللحظات التي مرت بالمسلمين، وكان يخرج من حوله من حالة الضعف والهزيمة إلى آفاق القوة والنصر والثقة في المستقبل، حتى لا يستسلموا لما هم فيه، أو يلتفتوا إلى الوراء، أو يبكوا على اللبن المسكوب، وحتى لا تنال المواقف من عزائمهم، أو تقعدهم عن العمل والاستعداد لما هو آت. وسيرته صلى الله عليه وسلم تحدثنا أنه حين عاد جيش المسلمين منهزما من غزوة مؤتة، فاقدا لثلاثة من كبار قادته، فقابلهم الصبيان والناس، يحثون عليهم التراب، ويقولون: يا فرار، فررتم في سبيل الله، وكان أفراد الجيش في حالة نفسية سيئة تتجرع مرارة الهزيمة، والتراجع أمام جيش الروم، حتى آثر بعضهم - فيما بعد - المكث في البيت، وعدم الخروج للصلاة. لم يستسلم القائد الأعظم لواقع الهزيمة الذي فت في عضد أصحابه، ونال من معنوياتهم، وعمل على ألا يتسرب معنى الانكسار إلى نفوسهم، وعمد إلى الخروج من الحالة النفسية الراهنة للصحابة التي سيطر عليها الغم والحزن والانكسار وهي الحالة المعبر عنها "بالفرار" إلى حالة بعث الأمل والانتصار والقوة المعبر عنها: "بالكرار"، فقال: "ليسوا بالفرار، ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى". وحين شكا الصحابة للرسول الكريم واقعهم الأليم، وهوانهم على الناس، ونيل كفار قريش منهم، وتعرضهم للأذى والتعذيب كما جاء عند البخاري أن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا!! فأبان لهم النبي طبيعة الطريق، ومسار أصحاب الرسالات في قوله: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه". ولم يقف الأمر عند توضيح معالم الطريق أو سمات المرحلة التي يعيشونها، بل بشر بإتمام الأمر، وتغير الحال، واستتباب الأمن، وتمكين الله لهذا الدين: "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه"، ثم نبه إلى العجلة التي جبل أكثرنا عليها، فتجعل أحدنا تواقا لرؤية مصارع الظالمين، ورؤية النصر المبين، في يوم وليلة، بقوله: "ولكنكم قوم تستعجلون". وفي طريق الهجرة وهو طريد ملاحق، يقول لمطارده سراقة، وهو موقن بعدالة السماء، والوعد الحق: "كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟". وفي غزوة الخندق حين تجمعت الأحزاب من كل حدب وصوب في أكبر خطوة استئصالية آنذاك، هدفت إلى اجتثاث شأفة الدعوة الوليدة ودعاتها، فلجأ المسلمون الجياع المكروبون لتوقي شر هذه الجموع المتكاثرة إلى حفر الخندق، يلوذون بحصن الله المنيع، فتعترضهم صخرة عظيمة لا تنال منها المعاول، فشكوا لرسول الله، فبدد المخاوف أمنا، وأحال الفزع اطمئنانا وسكينة، وبشر بما تتوق إليه النفوس، وما تشرئب له الأعناق، وهو فتح فارس والروم واليمن، وتحول المشهد في نفوس الصحابة أملا وسعيا، حين أخذ النبي المعول فقال: "بسم الله " فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر، وقال: "الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا". ثم قال:"بسم الله" وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر فقال:"الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا "ثم قال: "بسم الله" وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر فقال: "الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا" رواه أحمد. وكان صلى الله عليه وسلم دائم الفأل محبا لكل ما من شأنه أن يبعث على الأمل، ويكره كل ما من شأنه أن يدعو إلى التشاؤم أو الإحباط أو إشاعة اليأس، كما قال أبو هريرة "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، ويكره الطيرة". وكان من هديه تغيير الأسماء التي يلمح منها الضعف أو الحزن أو الخمول أو التراجع فسمى المضطجع المنبعث، وغير اسم حزن، وجعله سهلا. وندب جماعة إلى حلب شاة، فقام رجل يحلبها، فقال: "ما اسمك؟ "قال: مرة فقال: "اجلس"، فقام آخر، فقال: "ما اسمك؟ "فقال: يعيش، فقال:"احلبها". وقد ترك النبي البشارة الكبرى لأمته لتبعث فيهم الأمل المتجدد، وتقودهم إلى العمل المستمر كما روى أحمد في مسنده أن تميما الداري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر". ومهمة ورثة النبي والموجهين والمربين من بعده في كل زمان ومكان خاصة في وقت الأزمات والمحن أن يبثوا الأمل، ويدفعوا إلى العمل، ويسدوا الخلل، ويبشروا بالفرج، ويذكروا بسنن الله في كونه، والتي منها: أن دوام الحال من المحال، وأن مع العسر يسرا، وأن الأيام دول، وأن الحق منتصر، وأن المحن تصهر معادن الناس، وأن الشهادة اصطفاء، وأن السجن اختبار وابتلاء، وأن الهجرة في سبيل الله ممتدة، وأن انتظار الفرج عبادة، وأن الصبر والثبات من أخلاقيات جيل النصر المنشود، وأن بعد الاستضعاف المن والتمكين:"وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ" القصص 5، 6. ولولا الأمل لما كان الصبر في المحن، كما قال الشاعر: إِنَّ للآمالِ في أنفســــنا.... لـــذةً تنعشُ منــها ما ذَبــلْلذةٌ يحلو بها الصبرُ على.... غَمَراتِ العيشِ والخَطْبِ الجللْ وقد اقتدى أصحاب الرسالات برسول الله صلى الله عليه وسلم في صناعة الأمل وبعثه في حياة الأمة، فكتب الأستاذ سيد قطب المستقبل لهذا الدين، وكتب الشيخ الغزالي مستقبل الإسلام، وكتب الشيخ القرضاوي المبشرات بانتصار الإسلام.وتاريخ الإسلام عبر دوراته ينبئنا أن الإسلام لا يقضى عليه ولا ينتهي أمره ولا يستأصل أهله، ولكن يمكن أن يمر بحالة ضعف لضعف حملته، أو ركود مؤقت، أو إجهاد عارض، أو تغييب بعض الوقت لكنه سرعان ما يسترد عافيته ويستعيد قوته، ويستأنف نشاطه، ويجدد دماءه، ثم يعود بقوة إلى حلبة الصراع ليهزم من تعملقوا في غيابه، ويصرع من استأسدوا أثناء ركوده. والتاريخ يحدثنا بوضوح عن انكسار شوكة الصليبيين في حطين بعد أن ظنوا أن العالم الإسلامي سقط إلى الأبد، ويحدثنا عن هزيمة التتار في عين جالوت القوة التي قيل وقتها: إنها ﻻتقهر، بل أكثر من ذلك كان الانتصار الأكبر في ميدان الأخلاق والاعتقاد حين اعتنق كثير من التتار الإسلام، وعادوا إلى بلادهم دعاة إلى الدين الذي حاربوا أهله ودخل الغالب في دين المغلوب.ونحن على أمل في تحقق بشارة الرسول بفتح رومية، وهزيمة الصهاينة، وعودة الخلافة ووحدة المسلمين، ولكن يبقى اليقين والعمل لتحقيق ذلك، وإنه لكائن إن شاء الله.

3765

| 08 يوليو 2016

هذا ديننا

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); وقفت على حقوق غير المسلمين في المجتمع المسلم قبل تطور مفهوم المواطنة عند فقهائنا القدامى والمعاصرين منهم الدكتور عبدالكريم زيدان "في أحكام الذميين والمستأمنين"، والشيخ القرضاوي في "غير المسلمين في المجتمع المسلم"، والدكتور محمد سليم العوا "في النظام السياسي للدولة الإسلامية"، فوجدت الإنسانية تجسدت في منظومة من الأحكام الفقهية التي تقررت لهم. من ذلك حق الحماية من الاعتداء الخارجي، والحماية من الظلم الداخلي وتشمل حرية المعتقد وإقامة شعائرهم وبناء كنائسهم ودور عبادتهم بالقدر الذي يسعهم، وحماية الدماء والأبدان، والأعراض والأموال، وحرية العمل والكسب، والتنقل داخل الدولة والخروج منها والعودة إليها، ويجب ضمان الحياة الكريمة لهم عند الكبر، وفك أسراهم من أيدي المحاربين. ففي حرية المعتقد جاء الدستور الإلهي في قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ البقرة 256.وفي ضمان حريتهم فيما له خصوصية لهم: قال الفقهاء: أمرنا أن نتركهم وما يدينون. وجاء في المادة (16) الفقرة (جـ) من الدستور الذي أعده المجلس الإسلامي العالمي (الأحوال الشخصية للأقليات تحكمها شرائعهم إلا إذا آثروا هم أن يتحاكموا فيها إلى شريعة الإسلام).وفي حمايتهم من الاعتداء الخارجي: جاء قول الفقهاء (يجب على الإمام حفظ أهل الذمة ومنع من يؤذيهم وفك أسراهم ودفع من قصدهم بأذى).ويحكي ابن حزم الإجماع ــ كما يروي عنه القرافيــ على (أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونًا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة) حتى عقب القرافي على هذا بقوله: (فعقد يؤدى إلى إتلاف النفوس والأموال صونا لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم).وفي حمايتهم من الظلم الداخلي جاء قوله صلى الله عليه وسلم في سنن أبى داود: "من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقًا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة".وفي تاريخ الطبري كان عمر يسأل الوافدين من الأقاليم عن حال أهل الذمة مخافة أن يكون قد نالهم أذى على أيدي أحد من المسلمين ويقول: (لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى) فيقولون: "ما نعلم إلا وفاء".وفي حماية دمائهم قرر الفقهاء أن دماءهم وأنفسهم معصومة، وقتلهم حرام بالإجماع، وقال علي بن أبي طالب: (إنما قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا). وفي حرمة أموال الذميين يرعى الإسلام أموالهم وممتلكاتهم حتى إنه ليحترم ما يعدونه ــحسب دينهمــ مالا وإن لم يكن كذلك في نظر المسلمين، فالخمر والخنزير لا يعتبران مالًا عند المسلمين، أما الخمر والخنزير فهما مالان عند الذمي بل من أنفس الأموال فمن أتلفهما على الذمي غرم قيمتها، قال أبو عبيد في كتابه "الأموال": (الخمر والخنازير مال من أموال أهل الذمة، ولا يكون مالًا للمسلمين).وعلى هذا فلا يعاقب الذمي بشرب الخمر ولا تراق عليه بل ترد عليه إذا غصبت منه، ويضمن متلفها، بخلاف إتلاف خمر المسلم فإنه لا يوجب الضمان ولو كان المتلف ذميًا كما يقول ابن نجيم في "الأشباه والنظائر"، وكل شيء امتنع منه المسلم امتنع منه الذمي إلا الخمر والخنزير.وفي حماية أعراضهم قرر الفقهاء كما جاء في حاشية ابن عابدين الحنفي أنه (تحرم غية الذمي كالمسلم لأنه بعقد الذمة وجب له ما لنا، فإذا حرمت غيبة المسلم حرمت غيبته، بل قالوا: إن ظلم الذمي أشد).وفي كفالتهم عند العجز والشيخوخة والفقر قرر المسلمون الأوائل أن من تمام حق الذمي في الدولة المسلمة كفالته عند العجز والشيخوخة والفقر، حتى لا يقال إن أحدا من رعايا الدولة المسلمة لحقه الجوع بسبب فقره أو عجزه. وفي الحديث كما جاء عند البخارى: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والأمير راع والرجل راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".وقد روى أبو عبيد في "الأموال" بسنده أن عمر بن عبدالعزيز قال: (بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: "ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك"، قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه).وبهذا تقرر الضمان الاجتماعي في الإسلام ــ كما يقول الدكتور القرضاوي ــ باعتباره مبدأ عاما يشمل أبناء المجتمع جميعًا، مسلمين وغير مسلمين، ولا يجوز أن يبقى في المجتمع المسلم إنسان محروم من الطعام أو الكسوة أو المأوى أو العلاج فإن دفع الضرر عنه واجب ديني، مسلمًا كان أو ذميًا.هذا ديننا، بينما يصيبني الغم عندما لا يجد الفارون من الحروب التي صنعها الغرب في ديارنا مأوى آمنا يلوذون به، ويموتون في عرض البحار، وتطفو أجسادهم على سطح المياه، أو يلقي بها البحر على ساحله، في مشهد يوضح إنسانية الغرب المزعومة، وهم يستمتعون بمشاهد المعذبين والمطاردين على شاشات التلفاز دونما أن يحركوا ساكنا.وجدت إنسانية وضياء في ظل الإسلام، ووجدت ظلاما من الغرب.

317

| 03 يونيو 2016

الفصل بين الدعوي والسياسي

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); أثار إعلان حركة النهضة التونسية فصل الدعوي عن السياسي حفيظة المراقبين والمتابعين للشأن الإسلامي بعامة، ولشأن الحركات الإسلامية خاصة، وذهبت التأويلات والتحليلات تجاه هذه الخطوة كل مذهب. فمن الناس من اعتبر الخطوة خروجا على الثوابت الإسلامية للحركة، ومنهم من عد ذلك انسلاخا من جلد الإسلاميين وتبرؤا منهم، ومنهم من رأى أن هذا يعد أول المزالق في منعطف الرضوخ للعلمانية المستبدة وسيعقبه كثير من التنازلات، ومن الناس من سارت به الظنون إلى اتهام الحركة بسلوك طريق العلمانية الأولى، ومنهم من رأى غير ذلك.ولا أدرى لماذا هذه العجلة التي انتابت الكثيرين في الحكم على ما حدث؟ رغم أننا لا تتوافر لدينا المعطيات الأولية، ولا التفاصيل الإجرائية عن كيفية هذا الفصل، والتي توضح لنا المشهد، وتكيف لنا الواقعة، وتصور لنا النازلة حتى نستطيع أن نبدى رأيا، أو نظهر نقدا، أو نؤمن على ما فعلوا استحسانا، أو نزكي ما أقدموا عليه استصوابا.. ومن المعلوم أن الإعراب فرع المعنى، وأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. ولى عدة ملاحظات على هذه الخطوة: الملاحظة الأولى تتعلق بالتسمية وهي فصل السياسي عن الدعوي، وأرى أنه من الأنسب أن تكون فصل الحزبي عن الدعوي حتى لا يتطرق إلى الذهن معنى غير مراد بإطلاق تسمية فصل السياسي عن الدعوي، وترسيخ لمعنى انفصال الدين عن الدولة، وذاك هو عين العلمانية التي عادت الإسلام، والتي أنكرناها على أهلها، وعلى الحركة أن تؤكد على معنى الشمولية في الإسلام بصورة عامة تنظيرا، وأن الإسلام عقيدة وشريعة، باعتبارها حركة ترتكز على الإسلام، ومنه تنطلق، حتى لا نرسخ لمفهوم العلمانية اعتقادا وسلوكا، وحتى نتحاشى المساهمة في علمنة الإسلام من حيث لا ندرى، أو أن ينشأ جيل يفهم الإسلام بمنظور العلمانية في ضوء الانفصال بين الدعوي والسياسي. كما أن اعتقاد كل عضو سيمارس العمل الدعوي أو السياسي من باب التخصص سيظل كما هو ثابتا، وهو أن السياسة جزء من الإسلام، ولن تنفك عنه، وأن الإسلام عقيدة وشريعة، ودين ودولة، وأن الحزبي سيمارس السياسة من خلال الحزب والبرلمان والحكومة وغيرها، والدعوي سيمارس السياسة بشكل أو بآخر بصورة غير رسمية من خلال الحديث في الشأن العام في المنتديات والملتقيات ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال التصويت والمشاركة في الانتخابات العامة والاستفتاءات وغيرها. كل ما هنالك أن المصلحة الشرعية المقصودة اقتضت هذا الفصل التخصصي، وأن الضرورة الواقعية ألجأتهم إلى سلوك هذه السبيل، واتخاذ هذا الإجراء، واختيار هذه الوسيلة، والوسائل لها حكم المقاصد كما يقرر الأصوليون.الملاحظة الثانية: أن هذه الخطوة تعد جانبا اجتهاديا من أصحابها يتغيا مصلحة الدعوة، ويتوخى الحفاظ على كيان الحركة، في ضوء الظروف الراهنة، والأوضاع القائمة، كما هو واضح بعد زلازل الثورات المضادة ضد ما عرف بالربيع العربي، ولا حرج في الاجتهاد من أجل تحقيق مصالح الخلق، ما دام يدور وفق مقاصد الحق، والعبرة للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، وأنهم مجتهدون في طلب المصلحة الشرعية للدعوة والناس، ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين؛ فلا مجال لإساءة الظن، ولا مدعاة للحكم بالتخطئة، في أمر تختلف فيه الأنظار، كما أنه من السابق لأوانه الحكم على التجربة، وتحديد رأى تجاهها، فلم يظهر حتى الآن آليات ممارسة الدعوي الذي فصلوه عن السياسي، وكيف سيمارس؟ وهل سيكون الدعوي مجردا من التربوي؟ إلى غير ذلك من الأسئلة.الملاحظة الثالثة: هي أنه من المستقر لدى عموم المثقفين أن السياسة هي فن إدارة المجتمعات الإنسانية، كما أنها فن الممكن، وهي في المنظور الإسلامي كما قال ابن عقيل الحنبلي: ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا نزل به وحي. وهي كذلك فن المستطاع والمتاح والممكن والمقدور عليه، قال تعالى: {لا يكلف الله نفسها إلا وسعها}، وقال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، ولذلك قرر الفقهاء أن التكليف على قدر الوسع. قال ابن تيمية: إن مدار الشريعة على قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعت}.وفى ضوء فعل المكلف للمقدور عليه -سواء كان فردا أو جماعة- قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}، قال ابن تيمية: من أدى الواجب المقدور عليه فقد اهتدى. فلا نريد أن نرهقهم من أمرهم عسرا.الملاحظة الرابعة: لا بد للمتصدرين للعمل الإسلامي من نوعين من الفقه: فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس، وهذا ما قرره ابن القيم واجبا على كل فقيه، ومن ثم تقرير ما يترجح سلوكه لمعالجة الواقع، وتعيين الصالح من الوسائل لتحقيق الواجب الشرعي.وحين اختار عمر للناس في زمانه الإفراد بالحج، لمصلحة رآها وهي أن يعتمروا في غير أشهر الحج؛ فلا يزال البيت الحرام مقصودا، ظن بعض الناس أنه نهى عن المتعة (التمتع في الحج)، وأنه أوجب الإفراد. ولكن الصحيح: أن هذا وأمثاله كان سياسة جزئية بحسب المصلحة، تختلف باختلاف الأزمنة، فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة، وكما هو معلوم أن الشرائع الكلية لا تتغير بتغير الأزمنة، أما السياسات الجزئية التابعة للمصالح، فتتقيد بها زمانا ومكانا، وهذا ما قرره المحقق العلامة ابن القيم.

833

| 27 مايو 2016

أين الخلل؟

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كان هذا عنوان المنتدى الفكري الذي أقامته رابطة تلاميذ القرضاوي مساء السبت الماضي لمناقشة كتاب "أين الخلل"؟ في حضور الشيخ القرضاوي والذي ألفه قبل أكثر من ثلاثين عاما، واستدعاه الواقع اليوم استدعاء لمناقشته، وقوفا على نظرة تقييمية موضوعية متجردة شاملة لمسيرة الحركة الإسلامية وتحديد مواطن الخلل، وتعيين سبل النهوض واستشراف المستقبل. ومن الملفت للنظر أن دراسة الموضوع في الوقت الراهن الذي تحياه الأمة كان موضع اتفاق بين الحضور، إذ هو حديث الساعة، وواجب الوقت، ومعقد أولويات المنظرين والتنفيذيين على حد سواء، كما تعد هذه الوقفة من أولويات الحركة الإسلامية اليوم في ظل النكبات التي أحاطتها والضربات التي لاحقتها، حتى أذهلتها في بعض المواطن وأفقدتها الوحدة والتماسك في بعض المواقع، فكانت مناقشة الموضوع دعوة إلى النقد والتطوير والتقييم والتجديد والمراجعة وتقييم الوسائل والأدوات، وقياس الواقع ورصد التحديات، وليأخذ ذلك من الوقت والتأني والجهد ما يأخذ، فلا يعقل أن ننطلق إلى رسم المستقبل دون دراسات عميقة ورؤية واضحة، وخطوات مرسومة، وأهداف معلومة، في ضوء ما تفرزه عملية التقييم والمراجعة.وليس بغريب ولا جديد حتى على المستوى الفردي أن يراجع المسلم مسيرته وخطته ليعيد النظر، ويقيم جهده، ويقف على نقاط القوة فيستثمرها، كما يقف على جوانب الإخفاق، ومواطن الضعف والخلل، ويقف على العراقيل والعقبات والتحديات التي تشتت جهده وتعرقل سعيه وتستنفد طاقته دونما طائل، ومن ثم يصوب خطوه نحو الهدف ويمضي قدما تجاه مقصده، وقد ورد في الأثر: "من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان غده شرا من يومه فهو ملعون، ومن لم يتعاهد النقصان من نفسه فهو في نقصان، ومن كان في نقصان فالموت خير له".وقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري كما جاء في شرح السنة للبغوي: "لا يمنعنك قضاء قضيته، ثم راجعت فيه نفسك، فهديت لرشده أن تنقضه، فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل". هذا على المستوى الفردي؛ فكيف إذا تعلق الأمر بمستقبل أمة ومصير أوطان، أعتقد أن الأمر أشد وجوبا، وأعظم خطورة. وتعد معرفة أين الخلل أولى الخطوات في عملية التقييم؛ لتصحيح المسيرة، ولضبط بوصلة السير نحو المستقبل، تماما مثلما يبدأ الطبيب بعمل الفحوص والتحاليل الطبية والأشعات بأنواعها ليتعرف على نوع المرض وتشخيص الحالة ومن ثم يمضي قدما في توصيف العلاج المناسب ملتمسا في ذلك النجاة والعافية.كما يعد وضوح الرؤية لاختراق آفاق المستقبل فريضة شرعية وضرورة حياتية وعملية وواقعية لضمان السير بصورة واضحة على هدى وبصيرة نحو المستقبل، وذلك يعصم من العشوائية والعفوية والاجتزائية، والخروج من حالة ردود الأفعال إلى حالة صناعة الأفعال، بحيث تجيب الرؤية على أسئلة من نحو: أين أنا؟ وماذا أريد؟ وكيف السبيل؟ ومتى أحقق ذلك؟ وقد عرف الفقه الإسلامي بمدارسه المتعددة هذه المراجعات، وعرف ما أسماه الفقهاء بقاعدة تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، وعرف قاعدة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، فكان للشافعي مذهبان في القديم والجديد، وشاع عنه هذه العبارة: قال في القديم، وقال في الجديد. وقال العلماء في اختلاف الصاحبين –أبى يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني- مع أبى حنيفة: إنه اختلاف عصر وزمان، لا اختلاف حجة وبرهان.ومما ينقل عن الشيخ ابن أبي زيد القيرواني المالكي، وكان وقع له حائط في داره، وكان يخاف على نفسه من الشيعة؛ فاتخذ كلبا لذلك، فقيل له: إن مالكا لا يتخذ الكلب في الدور لحراسة البيوت والأمتعة!! فقال: لو أدرك مالك زماننا لاتخذ أسدا ضاريا.والمدارس السياسية والتربوية والإصلاحية سواء مع المدارس الفقهية في ضرورة المراجعة وقراءة الواقع الجديد، والبصر بالزمان، ومن ثم الإفتاء بما يحقق المصلحة الشرعية.أما مفردات النقد والتقييم والمراجعة، وبنود التطوير وأفكار التجديد فهذا مرجعه إلى أبناء الحركة الإسلامية، من الشباب والشيوخ، ومن الرجل والمرأة، ومن كل وطني غيور يعمل من أجل دينه وأوطانه من المختصين، ومن كل حريص على المساهمة في عملية البناء والنهوض، مع مراعاة التوظيف المناسب للطاقة البشرية، كل حسب مؤهلاته ومواهبه وقدراته، والاستفادة من كل ذي خبرة.قال الزهري كما جاء في شرح السنة للبغوي: كان مجلس عمر مغتصا من القراء، شبابا كانوا أو كهولا، فربما استشارهم، فيقول: "لا يمنعن أحدكم أن يشير برأيه فإن العلم ليس على قدم السن، ولا على حداثته، ولكن الله يضعه حيث يشاء".ومما أختم به حديثي وكان موضع انتباهي أن الشيخ لم يفته وهو يدعو إلى نقد الذات وإلى التجديد والتطوير ومعرفة أين الخلل، لم يفته أن يشير إلى المناخ الذي تعمل فيه الحركة الإسلامية، والضربات التي تلاحقها، حتى إنها لا تكاد تفيق من ضربة إلا وتصيبها أخرى، باعتبار ذلك عنصرا أساسيا من عناصر التقييم الشاملة، والنقد الموضوعي، إنصافا للحركة، وإحقاقا للحق، وشهادة للتاريخ.

424

| 20 مايو 2016

الكبر في حياة بعض المتدينين

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لفت نظري مبكرا وأنا طالب في الجامعة كتابان في تنبيه المتدينين إلى بعض الأمراض القلبية التي تصيب النفوس في مقتل، ومن ثم كان التوجيه إلى تداركها قبل استفحالها واستعصائها على العلاج. أول هذين الكتابين للشيخ الدكتور عبدالرشيد صقر -رحمه الله تعالى- خطيب مسجد صلاح الدين بالمنيل- بعنوان "علل التيار الإسلامي"، وثانيهما للشيخ الدكتور السيد نوح -عليه رحمة الله- بعنوان "آفات على الطريق". وما زلت أذكر جيدا وصف بعض الدعاة المربين للمدارس الفكرية الإسلامية بأنها مستشفيات للمسلمين، ذلك لأن فيها المريض والممرض والطبيب. وقد رأيت من علل بعض المتدينين والمتصدرين من أبناء التيار الإسلامي الكبر، وقد جاء في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعريف الكبر أنه "بطر الحق وغمط الناس". وبطر الحق هو دفعه وإنكاره وعدم قبوله ترفعا وتجبرا، وغمط الناس أي احتقارهم.وقيل الكبر هو: استعظام الإنسان نفسه واستحسان ما فيه من الفضائل والاستهانة بالناس واستصغارهم والترفع على من يجب التواضع له. وفي ترهيب المتكبر جاء قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". ومن أضرار الكبر -كما قال بعض العارفين- الحرمان من النظر والاعتبار، ومن حرم النظر والاعتبار، كانت عاقبته البوار والخسران، وكذلك من أضراره القلق والاضطراب النفسي ذلك أن المتكبر يحب -إشباعًا لرغبة الترفع والتعالي- أن يحني الناس رؤوسهم له، وأن يكونوا دومًا في ركابه، ولأن أعزة الناس وكرامهم يأبون ذلك، بل ليسوا مستعدين له أصلًا، فإنه يصاب بخيبة أمل، تكون عاقبتها القلق والاضطراب النفسي.بعض المتكبرين من المتدينين صنعتهم الآلة الإعلامية، وجعلت منهم نجوما مثل نجوم السينما قديما، وطاب لهم هذا المقام، وعاشوا عليه واطمأنوا به.يريد بعضهم إذا تكلم أن يسكت الجميع، وإذا نطق فلا قول بعد قوله ولا معقب عليه؛ فقوله الفصل، يستنكف أن يراجعه أحد، فهو يرى نفسه أكبر من أن يراجع، وإذا مشى فلقي قوما أحب أن يبدؤوه بالسلام، وإذا حضر انتظر أن يوسع الناس له في المجالس، وإذا باع أو اشترى رأى من الواجب أن تقدم مصالحه على غيره، وتقضى حوائجه قبل غيره، كأنما يتأكل بتدينه. ولم لا؟! فظهوره وشهرته يجب أن يكون لها ثمن وضريبة وتضحية عند من يرغبون في الاقتراب منهم، أو ينالون شرف الصلة بهم.ومن قبل قال الشيخ دراز: ليست الشهرة دليل فضل، وليس عدمها دليل نقص، فكم من صالح استتر، وكم من عاطل ظهر.بعض ضعاف النفوس من الإمعات التابعين يساهمون -بوعي أو بغير وعي- في صناعة المتكبرين، ونفخ الفارغين على حساب شخصياتهم وذواتهم. وفي أمثال هؤلاء ممن يحبون أن يلتف الناس حولهم، ويستكثرون بهم في الغدو والرواح، كان النصح المباشر لهم ولمن حولهم واجب المبصرين لهم قبل أن يستفحل الداء ويستعصي على الدواء.كتب يوسف بن الحسين الرازي إلى الجنيد الصوفي الزاهد ناصحا: لا أذاقك الله طعم نفسك، فإن ذقتها لا تفلح. ولما رأى عمر الناس ملتفين حول الصحابي الجليل أبي بن كعب أحد الذين يؤخذ عنهم القرآن، علاه عمر بالدرة لحكمة رآها، كما جاء في سنن الدارمي، قال سليم بن حنظلة: أتينا أبي بن كعب لنتحدث إليه، فلما قام قمنا، ونحن نمشي خلفه، فرهقنا عمر رضوان الله عليه، فتبعه، فضربه عمر بالدرة. قال: فاتقاه بذراعيه، فقال: يا أمير المؤمنين: ما نصنع؟ قال: "أوما ترى؟ فتنة للمتبوع، مذلة للتابع؟".ولما تولى عمر الخلافة، وناداه الناس بأمير المؤمنين، في الذهاب والإياب، توقف الفاروق مع نفسه، وتأمل أثر مثل هذا اللقب على قلبه، وأنه من الممكن أن يغيره ويفتنه، حتى سمعه بعض الصحابة من وراء حائط يكلم نفسه مؤدبا ويقول: عمر بن الخطاب..أمير المؤمنين..والله لتتقين الله يا عمر أو ليعذبنك الله.وفى شأن المتدينين المتصدرين المتكبرين ومن على شاكلتهم كان الراحل الكريم الشيخ الغزالي يقول: "أصلحوا أنفسكم أو اتركوا مواقعكم فلسنا بحاجة إلى علل أخرى". نحن بحاجة إلى العودة من جديد إلى محاضن التربية لنتعلم ونعمل ونجاهد أنفسنا للتخلق بالفضائل، عافانا الله تعالى وإياكم من الكبر.

1939

| 13 مايو 2016

غسيل الشخصيات وتبييض الوجوه السوداء

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); على غرار ما عرف في الحياة الاقتصادية والمالية بغسيل الأموال، أو تبييضها وهي جريمة اقتصادية تهدف إلى إضفاء المشروعية على أموال محرمة أو ما يسمى بالأموال القذرة، جاءت من طريق فاسد مثل الغش والتزوير والتهريب، وتجارة المخدرات والرقيق والأسلحة وغيرها، على غرار ذلك هناك من ينحو نفس النحو في المجال العلمي والتاريخي والإعلامي لتبييض الوجوه السوداء، أو لغسيل الشخصيات، فيعمد إلى شخصيات مستبدة جائرة ساءت سمعتها، وانتشرت سيرتها بالظلم والفساد، ليعيد تدويرها، ولتبدو كما لو كانت شخصيات إصلاحية، سعت للنهضة، وخطت نحو التقدم، وأسدت لشعوبها معروفا، أو العكس يفعل بالنسبة للشخصيات الإصلاحية بحق، فتسود الوجوه البيضاء، وتشوه الصفحات الناصعة، والمحصلة هي تخوين الأمين، ورفع الوضيع، وانقلاب المعتدل، واستقامة المقلوب، ولكن هيهات، متى يستقيم الظل والعود أعوج؟ ويستخدم أصحاب هذه الأغراض الوضيعة لهذا الدور بعض المؤرخين والأذرع الإعلامية، أو ما اصطلح عليه في الإعلام بالبلاك ميديا، أو من أطلق عليهم قديما سحرة فرعون، لتسويق الأوهام، وتصدير الأحلام، وترويج المعدوم، لغسل الأدمغة، والاستخفاف بالعقول، ومحو ذاكرة الأمة. وقد يذكر بعضهم أن الدافع إلى ذلك هو الإنصاف والعدل، وسواء كانت سيرتهم بعيدة الزمن أمثال الحجاج، أو قريبة حديثة أمثال مصطفى كمال أتاتورك، أو معاصرة تتربع على سدة الحكم على أنقاض جماجم المغدورين، وأجساد المقهورين.يؤسفني أنني رأيت من يحاول جاهدا لتبييض وجه الحجاج تحت عنوان مستفز يقول فيه صاحبه: "الحجاج المفترى عليه" وكأن أمثال الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعاصم بن أبي النجود، وطاووس، وأبو عمرو بن العلاء، الذين اكتووا بنار الحجاج، وشهادة عمر بن عبدالعزيز فيه وغيرهم، قد ظلموه، وافتروا عليه كذبا، حين أجمعوا على ظلمه، وجبروته، وسفكه للدماء، وإرهاب العلماء قبل العامة، وفرار العلماء واختفائهم منه ومن جنده خشية ملاحقتهم، وإذا لم نصدق معاصريه الذين عايشوا الأحداث، وشهدوا عليه، ممن اشتهروا بالعلم والدين والصلاح، من فقهاء الأمة، ومفسريها، ومحدثيها، وقرائها، وحكامها العادلين، فمن نصدق؟ وذكر بعضهم من محاسنه أنه قام بجهود إصلاحية عظيمة في العراق، شملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها؛ فأمر بمنع بيع الخمور، وأمر بإنشاء الجسور وحفر الآبار، وأنشأ صهاريج لتخزين مياه الأمطار، وأنجز بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واعتبر من أهم إنجازات الحجاج تعريبه للدواوين، ونجاحه في إصدار الدراهم العربية وضبط معيارها، وقام بإصلاح حال الزراعة في العراق بحفر الأنهار والقنوات، ويعتبر كذلك من أجلِّ الأعمال التي قام بها الحجاج أمره بتشكيل المصاحف.وبعض من ينتصرون للحجاج يقارنونه بحكام اليوم؛ فالحجاج كان أفصح الناس، وكان حريصًا على اللغة العربية، واليوم بعض الحكام لا يستطيع أن يقرأ صفحة من ورقة مشكّلة! والحجاج فتح البلاد الواسعة، وبعض الحكام اليوم يبيعها للكفار. والحجاج كان يقرأ القرآن كل ثلاث ليالٍ، فيما يُحارب اليوم من يُعلم القرآن في بعض بلاد المسلمين، والحجاج مات ولم يترك إلا 300 درهم، وبعض حكام اليوم يملك المليارات، والحجاج لم تتلطخ سمعته بالفروج والخمور، وأما في عصرنا فحدث ولا حرج.هذا خطأ منهجي في الاحتجاج، إنما نحتكم إلى قيم الإسلام وتعاليمه، ومدى التزام الشخصيات التي تنتمي إلى الإسلام به، وتطبيقها له، أما إذا كان هؤلاء يريدون أن يثبتوا بمقارنة الحجاج بحكام اليوم أنه أقل ظلما منهم، وأنه أفضل المستبدين، وأروع السفاكين للدماء، فأنا أتفق معهم، ولا حاجة للاسترسال في الاحتجاج. ماذا استفادت الأمة من صلاح الحجاج المدعى، ومن قراءته للقرآن، ومن مواعظه على المنبر؟ يا ليته كان فاسدا في نفسه، عادلا مع الرعية! لكان الحال غير ذلك.وماذا يقول هؤلاء عن العدل الذي تحياه شعوب الدول الأوروبية، والحقوق التي يتمتع بها أفرادها، في ظل حكومات غير مسلمة، ورؤوساء بعضهم ملحدون، سيرتهم الذاتية زكمت الأنوف فُجرا وسُكرا وعربدة وانغماسا في الملذات؟وما قيمة ما فعله الحجاج من إصلاحات مادية، إذا كان لا يعظّم حرمة الإنسان، التي هي عند الله أعظم من حرمة الكعبة المشرفة؟وما قيمة ما فعله بجوار سفكه للدماء البريئة، وقيام دولته على الإرهاب للرعية، وتكميم الأفواه، واختباء المعارضين له في السراديب؟وما قيمة ما فعله بجوار غياب الحرية والعدل والأمن، إلا لمن والاه أو هادنه، وارتضى سيرته، وأذعن لسيفه؟وما نصيب الفتوحات التي ذكرت في عهده، من الإسلام الذي سينشره إليهم ويعرفهم به؟ هل هو دين الاستكانة والذل، والتسليم للظالم؟وماذا سيصدره للدول المفتوحة؟ وماذا سيعلمه للشعوب الداخلة في دين الله أفواجا؟ وما هي التعاليم الإسلامية التي سينشرها بينهم، إذا كان يخالفها في المقر الذي انطلقت منه هذه التعاليم؟ولمن يشيد العمران؟ أليس للإنسان وسعادته وتكريمه؟ فماذا استفاد الذين عذبوا وقتلوا وسجنوا وهجروا من دون جريرة؟وما الفرق بينه وبين زعيم إحدى الدول الشيوعية اليوم، الذي يناور مع أكبر دولة عسكرية في العالم، وتمتلك دولته الكثير من القوة العسكرية عددا وعدة، وأحرزت تقدما علميا وحضاريا لا تخطئه عين، ولكنها دولة قامت على أنقاض حريات الناس ودمائهم، ونشر الرعب في الشعب بين جنبات الأزقة والحواري، ما الفرق بينه وبين مثل هذا الزعيم؟ لا أرى فرقا سوى أن الأول مارس الاستبداد والظلم وهو يقرأ القرآن، والثاني مارسه وهو يقرأ تعاليم ماركس وإنجلز. كفانا تبييضا للوجوه السوداء!!

592

| 06 مايو 2016

شكرا تركيا.. النموذج الحضاري الإسلامي المعاصر

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); انتهى مؤتمر « شكرا تركيا » والذي اختتم بحشد كبير كتب فيه الآلاف ،والذي اختتم بحشد كبير كتب فيه الآلاف ،« شكرا تركيا » انتهى مؤتمر اعترافا بفضلها، لما ،« شكرا تركيا » من الجاليات العربية بأجسادهم لها من جهود ومواقف إنسانية لا تدانيها فيها دولة أخرى، في إيواء المشردين، ونجدة الملهوفين، والدفاع عن قضايا المستضعفين، حتى أضحت الوجهة الآمنة للمضطهدين والملاذ الآمن للمضيومين، حيث استقبلت عدة ملايين من الفارين من الحروب، والملاحقين من الأنظمة المستبدة، ولو فعلت دولة أوروبية عشر ما فعلته تركيا لتغنت بذلك إلى الأبد، ولقلدت وسام الحرية وحقوق الإنسان. وكل هذا حق تحمد عليه، وتشكر لأجله، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله. لكني أشكر تركيا من زاوية أخرى، أشكرها من حيث مثلت نموذجا حضاريا للمشروع الإسلامي المعاصر، فأحسنت وأجادت، ووضعت حدا للذين كانوا يتهكمون على أصحاب المشروع الإسلامي من قبل، وكانوا يقولون: أي مشروع إسلامي تريدون: مشروع إيران، أم مشروع أفغانستان؟ ولم يكن أمامنا مشروع قائم يمثل الفكرة الإسلامية الإصلاحية لنرد به على هؤلاء المتعالمين، وكان العلماء يكتفون بالرد عليهم نظريا، ويتحدثون عن صورة الإسلام التي ننشدها، متجنبين السلبيات التي وقعت فيها التجارب السابقة. فلما قام المشروع الحضاري الإسلامي التركي نستطيع أن نقول بكثير من الاطمئنان: هذا تطبيق أمين، وترجمة صادقة للمشروع الإسلامي المعاصر ؛ فهل حقا كنتم أيها الكارهون للمشروع الإسلامي تفتقدون هذه الصورة؟ أم أنها كانت تكئة لتشويه صورة الإسلام والمنادين بمشروعه الحضاري؟ وهل سترفعون القبعة احتراما لهذا النموذج الحضاري؟ أم أنكم ستناصبونه العداء؟ حكومة تركيا التي تمثلت قيم الإسلام وحضارته ومعالمه، تركت الشعارات والأقوال، وعملت في صمت، وتركت إنجازاتها تتحدث عنها، وضربت مثلا للنموذج الحضاري الإسلامي الذي يرتقي بالشعوب، وينهض بالبلاد، ويحترم العهود والمواثيق، ويحافظ على الحريات. وسيشهد التاريخ أن حكومة الإسلاميين في تركيا واجهت معارضيها بخراطيم المياه، ولم تقصفهم بطائرات الميج أو السكود، ولا ببراميل الموت والدمار. هذا النموذج الناجح أزعج الغرب، فهم لا يريدون نموذجا ناجحا لتطبيق الإسلام، يغري الآخرين، ويقنع الشعوب بعظمة الإسلام وقدرة أبنائه على بناء حضارة ونهضة تقوم على دعائم هذا الدين، وإنما الذي يروق لهم أن يصدروه للعالم عن الإسلام من خلال آلتهم الإعلامية القوية، صورة داعش، والإرهاب، وتسليط الضوء على قسوة العقوبات في الإسلام، وإبرازها في صورة الوحشية والهمجية. وقد وقفت على تقرير يبرز إنجازات حكومة تركيا خلال عشر سنوات في عام ٢٠١٣ ، سأقتبس منه ما يفي بالغرض، وآثرت أن أدع الإحصاءات والأرقام تتحدث عن التطور الهائل الذي حدث، حتى نتبين الطفرة التي شهدتها تركيا الحديثة، ومدى تحقيق حكومة تركيا لمقاصد الحق، ومصالح الخلق من الحرية والعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان وتشييد أعمدة النهضة الاقتصادية والعلمية والصحية والعسكرية، في الوقت الذي يتهم فيه بعض الإسلاميين أردوغانبالعلمانية، وأنه لم يأخذ على عاتقه تطبيق الشريعة الإسلامية، ولم يع هؤلاء أن تطبيق الشريعة إنما هو مضامين لا عناوين، وتطبيقات لا شعارات، والعبرة للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، وهل هؤلاء عمريون أكثر من عمر حين قبل أن يأخذ الجزية من نصارى تغلب باسم الصدقة، حين استنكفوا أن يأخذها منهم باسم الجزية. ففي مجال الاقتصاد تمكنت حكومة الإسلاميين الأتراك من تحويل تركيا من دولة فقيرة تعيش تحت وطأة الديون. إلى واحدة من أقوى ١١اقتصادا في العالم. وسدّدت عجز الميزانية البالغ ٤٧ مليارا، وكانت آخر دفعة للديون التركية ٣٠٠ مليون دولار، تم تسديدها في يونيو ٢٠١٣ للبنك الدولي، بل وصل الأمر أن أقرضت تركيا البنك الدولي ٥ مليارات، إضافة إلى وضع ١٠٠ مليار في الخزينة العامة.وكان دخل الفرد في تركيا ٣٥٠٠ دولار سنويًا فارتفع عام ٢٠١٣ إلى ١١ ألف دولار! وهو أعلى من نسبة دخل المواطن الفرنسي، ورفعت قيمة العملة التركية إلى ٣٠ ضعف، وارتفعت الرواتب والأجور بنسبة .٪ ٣٠٠ ٪، وانخفضت نسبة البطالة من ٣٨ ٪ إلى ٢ وفي مجال التجارة أصبحت صادراتها ١٥٣ مليار بعد أن كانت ٢٣ مليار، وتحتل السيارات المركز الأول، تليها الإلكترونيات. وتبنّت الحكومة عملية تدوير القمامة لاستخراج الطاقة وتوليد الكهرباء ؛ ليستفيد منها ثلث سكان تركيا، وقد وصلت الكهرباء إلى ٩٨ ٪ من منازل الأتراك في المدن والأرياف، وزرعت مليارين و ٧٧٠ مليون شجرة مثمرة. وفي مجال الدفاع صنعت تركيا ولأول مرة في عهد حكومة مدنية، أول دبابة مصفحة، وأول ناقلة جوية، وأول طائرة من دون طيار، وأول قمر صناعي عسكري حديث متعدد المهام، في الوقت الذي كانت فيه إنجازات حكومات عسكرية في المنطقة العربية إنتاج المكرونة والصلصة والكفتة والبيض. وفي مجال التعليم، بنت حكومة تركيا١٢٥ جامعة جديدة، و ١٨٩ مدرسة، و ١٦٩ ألف فصل دراسي حديث حتى لا يتجاوز عدد الطلاب بالفصل ٢١ طالبا، وفاقت ميزانية التعليم والصحة ميزانية الدفاع. وعندما رفعت الجامعات الأمريكية والأوروبية الرسوم الجامعية إثر الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت أوروبا وأمريكا، أصدرت الحكومة التركية مرسومًا يجعل الدراسة في كل الجامعات والمدارس التركية مجانية وعلى نفقة الدولة! وفي مجال الصحة أنشأت ٥١٠ مستشفيات جديدة، وأولت العناية الصحية اهتماما كبيرا. وفي مجال البحث العلمي، تمّ إنشاء ٣٥ ألف قاعة مختبر لتكنولوجيا المعلومات، وقواعد بيانية حديثة يتدرب الشباب الأتراك فيها، وتعمل الدولة جاهدة لتفريغ ٣٠٠ ألف عالم للبحث العلمي للوصول إلى عام ٢٠٢٣ ، وهو العام الذي حدده أردوغان لتصبح تركيا القوة الاقتصادية والسياسية الأولى في العالم. يبقى أن أقول: إن هذه الحكومة التي يتهمها البعض بالعلمانية أعادت تدريس القرآن والحديث النبوي إلى المدارس الحكومية بعد تسعة عقود من الحكم العلماني، وأقرت قانون حرية ارتداء الحجاب في الجامعات الحكومية ودار القضاء، وهي التي أجبرت إسرائيل على الاعتذار عن ضربها لسفينة مرمرة التي كانت متوجهة إلى غزة، واشترطت لقبول الاعتذار رفع الحصار عن غزة.

458

| 29 أبريل 2016

الرؤيا الصالحة

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); أستبشر خيرا كلما رأيت رؤيا، أو سمعت ممن رأى رؤيا، أو ممن يروى عنه أنه رأى رؤيا، تبشر بنهاية ظالم، أو مصرع مستبد، أو هلاك طاغية، يستريح الناس من شره وأذاه، ويتنفس الناس الصعداء بعد طول حبس الأنفاس، وتكميم الأفواه، وأقول: لعله خير، لأن: "الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة". كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عند البخاري. ولأنه: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات" قالوا: وما المبشرات يارسول الله؟ قال: "الرؤيا الصالحة". كما جاء عند البخاري. ولأن الرؤيا الصالحة من البشرى في الدنيا، كما سأل عبادة بن الصامت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قول الله سبحانه: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} (يونس: 64)، قال: "هي الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو ترى له". لكني لاحظت تعلق الكثيرين من المهمومين وأصحاب الحاجات بالرؤى يرونها أو ترى لهم؛ حيث ينتظر أحدهم رؤيا يراها في المنام تبشره بتغيير واقعه، وانفراج همه، وزوال غمه، ثم هو يجلس منتظرا تحققها، دون سعي أو وعي بسنن الله في كونه، والجوعان يحلم بسوق العيش كما يقال، وما علم أنها قد تتحقق وقد لا تتحقق. فالذي يريد وظيفة، يحدث نفسه غدا ستأتي أو بعد غد، ليلا أو عشاء، وكأنما كانت الرؤيا وحيا أوحي إليه به، حتما سيتحقق حتى ولو أهمل الأخذ بالأسباب، وطرق أبواب السعي، وأن رؤياه ستقع وفق ما رأى، أو أنها ستأتي كفلق الصبح. وأخرى تنتظر عريسا، وذاك حديث نفسها ليل نهار، حتى إذا ما رأت رؤيا، طرقت باب معبري الرؤى، حتى إذا ما فسرها لها أحد المفسرين، بأن ابن الحلال أوشك أن يطرق الباب، وأن طريق السعادة قد فتحت أبوابه، فتراها تهيم في عالم الخيال، وتنتظر تحقيق رؤياها، ويأخذها مخدر الرؤيا إلى العيش في الأوهام، وتتوقف الحياة عند حدود الرؤيا، وتقوم وتنام على ذلك، أو لعلها ترى رؤيا أخرى، ويقعدها هذا عن الاستفادة بعمرها، وتطوير ذاتها، وتوظيف قدراتها في النافع المفيد، حتى تتحقق رؤياها، أو يكون لها ما قدره الله. ولا حرج مطلقا في أن يتفاءل المسلم بالخير، ويستبشر بالفرج، ويستقرب السعادة، حينما يسمع الكلمة الطيبة، فهذا مما كان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مما دعتنا السنة إلى تمثله في مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل" قالوا: وما الفأل؟ قال: "كلمة طيبة". ولكن هذا التفاؤل لا ينبغي أن يقعد المسلم عن الأخذ بالأسباب، والسعي في الأرض، والأخذ بوسائل تحقيق الأهداف، ثم بعد ذلك يكون ما قدره الله في علمه، وليست الرؤيا قدرا مقدورا، أو حتما مقضيا، أو وحيا يوحى به إلى أحد من خلق الله. ينتظر كثيرون هلاك ظالم، أو موت جبار، أو إزاحة ديكتاتور، ثم تراهم ينامون مبكرا ريثما تتحقق لهم أمنيتهم، ويتحقق حلمهم، ويشاهدون نهايته في منامهم، فإذا ما رأوا رؤياهم انتظروا تحققها، حتى ولو مكثوا سنين عددا، دون أن يخطوا خطوات نحو الأمام في ابتكار وسائل مقاومة المستبد، وإزاحته من المشهد اتكالا على الرؤيا، واستنادا إلى المنام الذي قضى بأن الظالم قد انقضى أمره، وأن الجبار قد قصم ظهره، ويبقى أن نعيش أبد الدهر على أمل تحقق الرؤيا، حتى وإن كنا كسالى قعودا، وكأن الرؤيا حجة شرعية يحتج بها البعض، مثلما يحتج بالقرآن والسنة والإجماع والقياس وغيرها. فهناك من اعتمد على الرؤى في حياته كلها، وكأنها وحي، حتى إن مما يحكى أن بعض الحكام بعد أن قرر إجراء الانتخابات في بلده في موعد معين، عاد فألغاها نتيجة رؤيا رآها حذرته من عواقبها. للأسف هناك من اتخذ من الرؤى والأحلام منهجا له في حياته، يحلم ولا يعمل، ولا يريد أن ينتقل من الخيال إلى الواقع، ولا يبغي أن ينطلق من الوهم إلى الحقيقة، ولا يتحرك فيعمل ويأخذ بأسباب تحويل الغيب المنتظر إلى واقع ملموس، مكتفيا بانتظار كلمة القدر الذي يقول للشيء "كن" فيكون. إن الرؤى الصالحة -كما قال العلامة القرضاوي- مجرد مُبشِّرات أو منبهات، لتثبيت قلوب المؤمنين أو تقوية عزائمهم، وليست "مخدّرات" يتعاطاها بعض السلبيين من الناس، ليتخذوا منها تكئة للاتكالية الواهنة، وللهرب من الواقع، أو للقعود عن مجاهدة الفساد، ومواجهة الظلم والظلام.

3446

| 22 أبريل 2016

أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); حكى لي صديق أن أحد العرب دخل مطعما في سنغافورة، وطلب طعاما أكثر من احتياجه فأكل قدر وسعه، وخلف وراءه الكثير الذي لم يستطع التهامه، وسدد فاتورة الحساب كاملة، عما أكل وعما ترك، ولكنه روجع في ذلك من قبل إدارة المطعم، ولما سئل فأجاب: سددت الحساب كاملا، ولم أرتكب جرما. فقوبل: بأنك أهدرت موارد ومواد تستوردها الدولة، وهي حق للجميع، لا يجوز لأحد أن يهدرها، وإهدارها يعني الجور على حق الآخرين في المجتمع.وأخبرني صديق بأنه أثناء زيارته لسنغافورة قرأ إعلانا في أحد المطاعم في البوفيه المفتوح فيه تنبيه أن تأكل كما تشاء، ولكن لا تبقِ شيئا في الطبق، وما تبقيه ستدفع مبلغا مقطوعا نظير ذلك، فلما سأل لماذا هذا الإعلان؟ قيل له: هذا خاص بالعرب.وأخبرني آخر أن كثيرا من الأوروبيين يشترون احتياجاتهم من الفواكه والخضراوات بالحبة، والقطعة، لا بالكبشة، ولا باللفة.سلوكيات كنا نحن –المسلمين- أحوج ما نكون لأن نتمثلها ونتخلق بها، ونعلمها لغيرنا، أي نأخذ من كل شيء حاجتنا، بلا سرف ولا مخيلة، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا، في غير إسراف ولا مخيلة". وقال ابن عباس: "كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك اثنتان: سرف، أو مخيلة".كان أحد العلماء يأكل في بوفيه مفتوح في أحد الفنادق ذات النجوم الخمسة، فيأخذ قدر حاجته، وإذا بقى شيء من مرافقه يأكله ولا يطلب جديدا، حفاظا على النعم، وقياما بشكرها، حتى ولو كان الطعام كثيرا ومفتوحا.ولفت نظري أحد رجال الأعمال الصالحين، وهو يأكل مع ضيفانه، ومائدته عامرة بما لذ وطاب، فيأكل الكسر، ويلتقط ما وقع، في مظهر بالغ التأثر والتأثير في الحفاظ على النعم، ينطق بأن ذاك العبد يعلن افتقاره وحاجته إلى المنعم، ولا تنسيه النعم واهبها، في مشهد يستنكف أن يفعله أحدنا من البسطاء، حتى يتحاشى الوصم بالبخل أو الإمساك، أو الريفية، أو الرجعية، أو يتحامى نظرات الإحراج من الرامقين له، ممن يحبون المظاهر الخادعة، والأشكال الكاذبة. وما زلت أذكر قولة إحدى العجائز الفقيرات حين كان يتفقدها أحد المحسنين، معبرة بلغتها الدارجة عن شكرها لله على النعمة التي هي فيها: "لو زادت عن كده تحمض". أي تفسد، وربما لا تجد في بيتها المتهالك طعاما للعشاء.وجدت من يعيش على القليل من الطعام ومع ذلك تخرج كلمة الحمد من فمه بعد الفراغ من طعامه وشرابه، مفعمة بالرضا، وكأنما انتهى من مجلس ذكر وتسبيح وتهليل ودعاء، مما ذكرني بقول النبي الأمين صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك في صحيح مسلم: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها".رأيت القليل من النعم تقود كثيرا من العباد إلى الشكر، وإلى حب المنعم، وهم يخشون أن يكونوا ممن عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا. ولقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي والحاكم: "أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه ". بينما رأيت كثيرين يعيشون مع النعم، وينسون المنعم. وفي الولائم يظهر الكرم العربي، فتذبح الخراف والجمال تحية للحضور والضيفان، إلا أن هذه المكرمة تتلبس كثيرا بالمفاخر والمباهي وتقترن عادة بالتبذير، وتستحيل إلى آثام حين تخلف أكواما من الطعام مصيرها إلى مقالب القمامة، بعد معركة حامية الوطيس بالأيدي والملاعق والمغارف، بينما هناك من يتضورون جوعا، ومن يبيتون على الطوى.ولم يستطع أهل الثراء أن يتخلصوا من آفة التبذير في الولائم والعزائم إلا حين وجدت الأفكار الاجتماعية الإيجابية سبيلها في حياة الناس، فنظمت الجمعيات الخيرية تجميع ما تبقى من طعام نظيف، وأحسنت تغليفه، ووزعته على أهل التعفف، ممن أحصتهم في قوائم مسبقة لديها.ولما نزل قوله تعالى: "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" (التكاثر: 8) قال الزبير كما جاء في مسند أحمد: أي رسول الله، أي نعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان؟: -يعني التمر والماء- . قال: "أما إن ذلك سيكون". وصدق النبى: أما إن ذلك كان.

3188

| 15 أبريل 2016

الإسلاموفوبيا وصراع الحضارات

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); مثل من الأمثال العربية المعروفة يقول: "رمتني بدائها وانْسَلَّتْ".وهو مثل يُضرب لمن يُعَيِّر صاحبهُ بعيبٍ هو فيهِ، فيُلقي عيبهَ على الناسِ ويتهمهم به، ويُخرجُ نفسَه من الموضوع، وذلك عين ما اصطلح عليه الغرب بـ"الإسلاموفوبيا"، وهي ظاهرة مرضية تعني الخوف من الإسلام، وهو خوف مرضي مصطنع غير مبرر رافض الإسلام والمسلمين. وكان من مظاهر الإسلاموفوبيا في الغرب: الهجمات اللفظية والجسدية على المسلمين، والاعتداء على مساجد ومقابر المسلمين، وانتشار صورة نمطية سلبية على نطاق واسع في وسائل الإعلام عن الإسلام والمسلمين.وكان آخر الأحداث التي لا تزال حية في الذاكرة، ما قامت به الخطوط الجوية المتحدة من طرد عائلة أمريكية مسلمة من الطائرة لأسباب تتعلق بـ"سلامة الطيران"، واتضح أن سبب الطرد هو المظهر الإسلامي للعائلة فقط.ومن قبل في بريطانيا تظاهرت إحدى المنظمات ضد بناء مسجد، وتم الاعتداء على إمام مسجد وفقء عينه. وفي ألمانيا قتلت الدكتورة مروة الشربيني طعنا بالسكين على يد عنصري ألماني. وفي بلجيكا دعت وزيرة الداخلية إلى حظر الحجاب لأنه يتنافى مع قيم المجتمع. وفي إيطاليا حرقت مساجد في مدينة ميلانو أعلنت جماعة اسمها الجبهة المسيحية المقاتلة، مسؤوليتها عنها. وقد صدر تقرير هلسنكي لحقوق الإنسان، وكذا تقرير مركز المساواة في بروكسل ليؤكدا تزايد التعصب ضد المسلمين في أوروبا، وركز التقرير على دور الإعلام الغربي في تغذية التعصُّب وكراهية الإسلام. ومما أسهم في تشكيل ظاهرة الإسلاموفوبيا، المؤسسة الكهنوتية المتعصبة، والنمو السريع للإسلام في الغرب، وهو ما عبرت عنه صراحة منظمة أوروبية في بريطانيا وبلجيكا حين أطلقت على نفسها اسم: "أوقفوا مظاهر الأسلمة في أوروبا"، إضافة إلى وسائل الإعلام الغربية ودورها في إذكاء نار التفرقة والعنصرية ضد المسلمين.ومع ذلك لا يكف الغرب عن الحديث عن الحريات العامة والدينية التي يمنحها لكل المقيمين على أرضه، وفي الوقت ذاته تصدر عنه التقارير المتتابعة عن اضطهاد الأقليات في بلاد العرب والمسلمين، مثل الأقباط في مصر، والشيعة في السعودية.هذه هي الحقيقة التي تنطلق منها نظرة كثير من الغربيين إلى أن الأصل في العلاقة مع الآخر -وبخاصة المسلمين- علاقة حرب وعداء، وذلك منذ أن طرح للعلن فكرة صدام الحضارات، والتي ذهبت إلى أن صراعات ما بعد الحرب الباردة ستكون الاختلافات الثقافية هي المحرك الرئيسي لها.وعلى العكس مما سبق، تنطلق نظرة جمهرة كبيرة من فقهاء المسلمين، خاصة المعاصرين منهم إلى أن الأصل في العلاقات الدولية هي السلم لا الحرب.كما أن الإسلام يقيم العلاقة بين الناس جميعًا على أساس التعارف والتعايش وحفظ الكرامة الإنسانية، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ} الحجرات 13.والمخالفة في الدين لا تبيح العداوة ولا البغضاء، ولا تمنع المسالمة والتعاون بين البشر في شؤون الحياة العامة: {لَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الممتحنة 8.لقد أدنا العنف بكل أشكاله، ورفضنا قتل المدنيين أينما وجدوا، ومهما تنوعت أعراقهم أو دياناتهم، وقطعنا الطريق أمام من يريدون تصفية حسابات مع حكومات ظالمة من خلال قتل الأبرياء من رعاياها، وسارعنا بالتبرؤ من كل ما يمس القيم الإنسانية المشتركة، وكل ما يعكر صفو التعايش المشترك، وأقسمنا أيمانا مغلظة أنه لا علاقة لنا بالإرهاب ولا بالإرهابيين وشاركنا في المسيرات المنددة بتفجيرات مقر الصحيفة المسيئة لنبينا، حتى توارت الجريمة الأصلية للصحفيين الذين أساءوا للنبي صلى الله عليه وسلم، لعلهم يصدقوننا، وينصفوننا ويبرئوننا من تهمة الإرهاب، وفي الوقت ذاته يلوذون بالصمت تجاه من يقتلوننا، بل وكثيرا ما يبررون أعمالا إرهابية لمواطنيهم بأنها سلوك فردي، وليس لها أبعاد دينية، فهلا أدنتم العنف بشكل صريح سواء كان عنفا فرديا أم جماعيا، وسواء كان عنفا شعبيا أو حكوميا، وسواء كان إرهابا شرقيا أم غربيا! وهلا حددتم تعريفا واضحا للإرهاب حتى نحتكم إليه جميعا فيقع من يرتكبه تحت طائلة القانون والعقاب؟! وإن كنتم تريدون الوصول إلى الحقيقة فاقرأوا كلام أحد أعضاء حزب العمال البريطاني حيث يقول: حين اعترفت فرنسا بفلسطين حدث تفجير باريس، وحين اعترفت اليابان بفلسطين بعدها خطفت داعش اثنين من اليابانيين وقتلتهما، وحين دعمت إندونيسيا مستشفى قي غزة حدثت فيها تفجيرات، وحين حددت بلجيكا موعدا لمناقشة حقوق الإنسان في فلسطين حدث التفجير.. كم حادثة تحتاجون لتدركوا أن إسرائيل تدير داعش؟!

744

| 08 أبريل 2016

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6639

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

2703

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
المدرجات تبكي فراق الجماهير

كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...

2199

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1701

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1515

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
طال ليلك أيها الحاسد

نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...

1098

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
حين يوقظك الموت قبل أن تموت

في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...

1032

| 29 أكتوبر 2025

alsharq
التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...

1026

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
فاتورة الهواء التي أسقطت «أبو العبد» أرضًا

“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...

969

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
بين العلم والضمير

عندما تحول العلم من وسيلة لخدمة البشرية إلى...

867

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر

بينت إحصاءات حديثة أن دولة قطر شهدت على...

822

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من المسؤول؟

أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...

678

| 30 أكتوبر 2025

أخبار محلية