رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إستراتيجية جحا في مواجهة الفيل الجمهوري

خطر على بال الوالي فجأة ان يعلم حماره الكلام، فقرر أن يستدعي جحا لهذه المهمة بعد أن عجز عنها حكماء الولاية، وعندما دخل جحا على الوالي وقدم له التحية قال له الوالي: إذا أعطيتك الآن عشرة آلاف درهم، كم تحتاج من الوقت لتجعل حماري يتكلم؟، أمعن جحا النظر في حمار الوالي وفكر قليلًا ثم قال: سيستغرق تعليم هذا الحمار أربع سنوات ياحضرة الوالي، قال الوالي: خذه معك ولا تأتيني به إلا وهو يتكلم وإلا... قطعت رأسك، قبل جحا بالعرض وخرج يجر خلفه حمار الوالي وعلى ظهره كيس النقود وسط دهشةٍ من الناس، قال له أحد أقربائه هل جننت ياجحا كيف ستعلم الحمار الكلام؟ لقد حكمت على نفسك بالإعدام مقابل عشرة آلاف درهم!، فرد عليه جحا قائلًا: أعلم جيدًا أن الحمار لا يتعلم ولكن المهلة التي أعطاني إياها الوالي كفيلة بأن تغيب أحد الثلاثة، فإما أن تُقبض روحي أو يموت الوالي أو يموت الحمار. وفي الولايات المتحدة الأمريكية ارتبط رمز الحمار بالحزب الديمقراطي منذ نحو 150 سنة، ويعود الفضل في اختيار رمز «الحمار» للمرشح «أندرو جاكسون» الذي أسس الحزب عام 1828م بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية، أما الفيل فقد بدأ استخدامه كرمز للحزب الجمهوري في أواخر القرن التاسع عشر، ويعود الفضل في ذلك إلى رسام الكاريكاتير «توماس ناست» الذي نشر في عام 1874م رسما كاريكاتوريا في مجلة «هاربرز ويكلي» صور فيه الفيل كممثل للحزب الجمهوري، معبراً عن القوة والصلابة. قد يعيد فوز «الفيل الجمهوري» للذاكرة الكثير من التحديات التي واجهت العالم عمومًا والمنطقة خصوصًا، وقد يحمل فوزه أخبارًا سارة لبعض الأطراف في المنطقة وعلى رأسها «الكيان الصهيوني» الذي احتفى بهذا الفوز حيث علق «النتن ياهو» على فوز ترامب قائلًا: «إنها أعظم عودة في التاريخ»، ومن المعلوم لدى الجميع أن الأربع سنوات القادمة، وهي فترة الحكم الثانية لترامب ، ستكون الفرصة الأخيرة له ليخلد اسمه في التاريخ الأمريكي ويضع بصمته في العالم عمومًا والشرق الأوسط خصوصًا. وفضلًا عن التسارع المتوقع في وتيرة التطبيع لإنجاز مايسمى بـ «صفقة القرن»، فإن على الأطراف المخلصة في المنطقة العمل على إبطاء وتيرة الأجندات المشبوهة والتي لا تعمل لصالح قضايا الأمة المصيرية لا بالمواجهة المباشرة، ولا بالتورط في خصومات حادة، ولكن باحتواء التحديات وكسب الوقت على طريقة إستراتيجية جحا مع حمار الوالي حتى تنقضي الفترة الرئاسية بأقل الأضرار، (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا).

753

| 13 نوفمبر 2024

فلسفة التفكير

عندما سقطت تفاحة على رأس إسحق نيوتن، كما هو مشهور عنه، نظر إلى ذلك الحدث على أنه ظاهرة جديرة بالدراسة، وليس مشكلة تريد حلاً، والفرق بين النظرتين شاسع والنتائج كذلك، تخيل لو أن إسحق نيوتن نظر لسقوط التفاح كمشكلة تؤرق المزارعين، وتؤدي إلى خسارة نسبة كبيرة من المحصول، ثم بدأ بالتفكير في الحلول الممكنة لتلك المشكلة لَوَصَلَ إلى منطقة مختلفة تماماً عن تلك التي وصل إليها عندما اكتشف الجاذبية الأرضية، السر في بداية التعاطي مع الحدث.. إنها منهجية التفكير التي صنعت الفرق. فإذا كانت عملية التفكير تهدف إلى اختيار المسار الأنسب للتمكن من تحقيق أفضل النتائج، فإن منهجية التفكير تتعلق باختيار الوجهة في المقام الأول، أي قبل أن نخطو خطوة إلى الأمام، ونبدأ في عملية التفكير، ونستغرق في تفاصيل الحلول الممكنة لما نواجه من تحدٍّ، فإننا بحاجة لأن نخطو خطوة إلى الخلف، لنتأكد من عدم وجود مفترق طرق خلفنا قد قمنا بتجاوزه دون أن نلحظه، وذلك أنه عند مفترق الطرق سنكتشف أننا أمام حزمة أخرى من الخيارات التي قد تكون مختلفة تماماً عن تلك التي تتراءى أمام أعيننا عند مواجهة تحدٍّ ما، لذلك نحن بحاجة لنتأمل ما يصادفنا من تحديات للوصول إلى فهم أعمق، قبل أن ننشغل بإيجاد الحلول، من هنا نجد أن منهجية التفكير أقرب إلى الحكمة منها إلى الذكاء. يقول أحدهم: «عندما كنت أعمل مديراً في إحدى المؤسسات، تقدم للعمل أحد المختصين في «ضبط الجودة»، وكانت سنوات خبرته أقل من متطلبات الوظيفة المعلن عنها، فأرسلت سيرته الذاتية إلى رؤساء الأقسام للإفادة وإبداء الرأي، جاءت الردود من الجميع بالرفض، ما عدا أحدهم، فقد قدم مقترحاً غير متوقع لتوظيف ذلك المرشح، وهنا تتضح أهمية منهجية التفكير، فالذين رفضوا توظيفه كان السبب لديهم واضحا ووجيها وهو نقص سنوات الخبرة المنصوص عليها في الوصف الوظيفي، أما رئيس القسم الوحيد الذي وافق على تعيينه فقد نظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، لقد اتخذ خطوة إلى الوراء إلى حيث الموظفين الأقل درجة، واعتبر أن المرشح من فئة المتدربين، لكنه يتفوق عليهم بسنوات الخبرة، فقدم له عرضاً للعمل كمتدرب، وأعد له برنامجاً محدداً يؤهله بعد مدة قصيرة للقيام بمهام الوظيفة الشاغرة». وهنا نسأل القارئ.. لو كنت مديراً لمدرسة إعدادية، وأخبرك أحد المدرسين بأنه لاحظ أحد الطلاب يرتكب مخالفة ما، ولتكن تدخين السجائر مثلاً، فكيف ستكون ردة فعلك؟، هل ستنفعل وتبدي غضبك الشديد من الطالب، وتطلب من ولي أمره الحضور؟ إذا أظهرت غضبك الشديد، وبدأت بالصراخ على الطالب، ثم طلبت منه أن لا يأتي في الغد إلا بصحبة ولي أمره، ستكون قد تصرفت كما يتصرف أكثر من 90 % من المديرين في هذا الموقف، وتكون قد اخترت منهجك في التفكير، قبل أن تقوم بما يلزم، لقد نظرت إلى ذلك الحدث على أنه مشكلة، واخترت أن تحلها عبر التصعيد والتخويف، ولكن ماذا لو تكرر ذلك مع طالب آخر وآخر وآخر، لتكتشف في نهاية اليوم أنك أنهكت نفسك بالصراخ والغضب، ولم تنتبه إلى أن ما يحدث عبارة عن ظاهرة تريد حلاً جذرياً لا مشكلة فردية معزولة. قد يكون من الأفضل أن تقوم بتقصي الحدث قبل أن تتخذ أي إجراء لتكتشف أنه ظاهرة، وليس مشكلة، ومن ثم تبدأ وبمشاركة بعض عناصر الطاقم الإداري في طرح الحلول المناسبة، واختيار أفضلها، أليس ذلك ما يصنع الفرق؟، لذا... تأمل قبل أن تفكر.

786

| 06 نوفمبر 2024

الطريق إلى المدينة المقدسة

يقول جبران خليل جبران في إحدى فلسفاته: «في طريقي إلى المدينة المقدَّسة صادفت حاجًّا، فسألته: أهذه هي الطريق إلى المدينة المقدَّسة؟ فأجابني: اتْبعني تصلْ إلى المدينة المقدَّسة بيوم وليلة، فتبعتُه وسرنا أيَّاماً ولياليَ ولم نبلُغ المدينة المقدَّسة!، وأدهشني غضبه مني حين أدرك أنَّه أتاهني»، ولا عجب أن تجد ذلك في الطريق إلى الحق، ستعجب من الحجاج الذين يسلكون الطريق الخطأ ويحسبون أنهم مهتدون، ثم ينصحون الناس باتباعهم اتباعًا أعمى حتى إذا أضلوا مريديهم وأتباعهم وانكشف ستر جهلهم أو نفاقهم ألقوا باللائمة على الضحية وتنصلوا من مسؤولياتهم. إن فساد البيئة المحيطة بالمدينة المقدسة هي أكبر عائق للوصول إليها، وقد اتخذ العدو المتحصن فيها من ذلك الفساد والتيه والتشرذم الذي نعيشه درعًا يُخَذّل كل من أراد الوصول إليها وتحريرها من المعتدي، لقد نسج العنكبوت اللعين خيوطه حول منافذها مستعينًا بأحفاد «أبو رغال» وهم كثر، ولا غَرْوَ فجدهم هو أول من يخون قومه مقابل أجر معلوم ولمصلحته الشخصية فهو الدليل العربي لجيش أبرهة، فما كان الأحباش يعرفون مكان الكعبة أصلًا. لسنا بحاجة لأن نواجه الظلام بالرمح والسيف، كل ما علينا فعله هو إشعال شمعة صغيرة وهي كفيلة بأن تبطل مفعول الليل البهيم الذي خيّم على المؤمنين، علينا أن نصلح ما أفسده العدو في مجتمعاتنا، وما بثه وتبثه قنواتنا من فرقة بيننا، وما أشعله ونشعله من فتن عرقية وطائفية وأحقاد وكراهية تعرفها السياسة وينكرها الدين. سيسقط العدو بلا مواجهة، بمجرد أن نطهر البيئة المحيطة بالمدينة المقدسة من الأضغان والأحقاد والمزايدات، ونكنس الأنانية والنفاق والعمالة، بمجرد أن نتحد على كلمة سواء، ونقاطع المغتصب ونحاصره بكل الوسائل سيذبل ويموت دون أن نطلق رصاصة واحدة، نحن بحاجة لقادة يأخذون على عاتقهم توحيد الأمة لا مواجهة العدو، بحاجة لقادة على استعداد لقليل من التضحية من أجل نهضة الأمة من عثرتها، قادة يطمحون أن يخلدهم التاريخ وتتباهى بذكرهم الأجيال، قادة يصنعون الفرق، ويعبرون بنا القنطرة إلى مصاف الدول الفاعلة في المجتمع الإنساني، فالمصير مشترك والعدو واحد، وللأمة موعد مع النصر آتٍ لا محالة.

666

| 30 أكتوبر 2024

روّاد الفكر... ونهضة الأمم

لقد أعجز التفكُر في مَكْنُونْ العَقْل كل من أراد إلى ذلك سبيلاً، فلم يُحِط أحدٌ بِكُنْهِهِ ولا بِمُنْتَهَى قدرته، وقد سار في ذلك المضمار نفرٌ من المتكلمين والفلاسفة، حتى بلغ الحديث عنه والتنظير له مبلغاً كاد أن يُعْجَبْ به مَنْ صاغه، وينتشي له من ابتدعه، حتى وجد نفسه لم يبرح واقفاً على شاطئه يغمس مروده في وشَلِ مُحِيطِه لا يَلوي على شيء من عِلمه، بل الْتَبَسَ على بعضهم كُنْهَهُ ومَكَانَ انْعِقَادِه، فمنهم من نسبه للمادة الموجودة في تجويف الرأس، ومنهم من ادعى أنه في مكان ما خارجه. لا شك أن العقل وإن كان صغيراً في جُرْمِه فهو عجيبٌ في أمره، وأعجب ما يكون في قدرته على التعلم والتدبر والاستنباط واسترجاع الحوادث بصورها وشخوصها وأحاديثها، فضلاً عن تخيل ما لم يحدث، فسبحان الخالق المصور، والفكرُ ثَمَرَةُ العقل وهو يتقلب في ثلاثةِ أحوال، أشرفها وأنفعها للمرء في حالهِ ومآلهِ، هو الانشغال بالتفكر والتدبر، ومنها حال التفكر في الكائنات والجمادات، تفكراً يورث حكمةً وعلماً، ويوصل إلى العبقرية والإبداع، (إنِّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ وَاخْتلِافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياَتٍ لِأوُلِي الْألَباَبِ). وأوسط أحوال الفكر هو الانشغال بالأخبار على أنواعها وأهميتها، وذلك الغالب في مجالس الناس ولا بأس في ذلك، بل إن بعض تلك الأخبار مرتبط بمعايش الناس، والعلم به خير من الجهل إذا ما قدر بقدره وأخذ من مصادره، وقد كثرت في زماننا وسائله، وغلب غَثَهُ سمينه حتى لم يعد يعرف صحيحه من كذبه، وأصبح مضيعةً للأوقات والطاقات، فضلًا عن إشاعة ما لم يصحْ من الأنباء التي تنتشر انتشار النار في الهشيم بلا حدود ولا قيود، حتى لتجد التافه من الناس يتحدث في الشأن العام ويقتفي ما ليس له به علم. وأدناها وهي الحال الثالثة للفكر، هو الانشغال بالأغيار، والمقصود به الانشغال بالآخرين، حيث لا يجاوز الفكر خاصة الناس، وذلك قد يفضي إلى الغيبة والنميمة التي تورث الشحناء والبغضاء والحقد والحسد، وفي ذلك فساد الدين والدنيا، فضلاً عن غضب الله سبحانه وتعالى، فلا ينشغل بالناس إلا جاهل بنفسه وحكمة وجوده، خلا جِرابَهُ من العلم وتكاسل عن العمل فَسَيّر فضول وقته فيما لا ينفع. وبذلك نخلص إلى أن أصحاب الفكر هم خلفاء الله في الأرض، وأقدر على عمارتها، يصنعون الحدث ويساهمون في نهضة البشرية وتطورها وينشرون العلم والحكمة، فهم على قلة عددهم مؤثرون في مسيرة الأمم، فلا يخلو من ذكرهم ديوانُ تاريخٍ مضى، ولا كتابُ حاضرٍ نعيشه، ولا صفحاتُ مستقبلٍ نؤمله ونستشرفه، فإن وجدت أمة متخلفة عن باقي الأمم فاعلم أنها لا تقيم لمفكريها وزناً.

708

| 23 أكتوبر 2024

"وأمرهم شورى بينهم"

تُعَرَّفْ الشورى، وهي مصطلح قرآني، بأنها أخذ رأي ذوي الحكمة، وأهل الحل والعقد من أهل الاختصاص، ومشاورتهم في مختلف الأمور، قال سبحانه وتعالى "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ"، ولأهمية الشورى في الإسلام جعل الله سبحانه وتعالى سورة في القرآن تسمى "الشورى"، وكانت الأنصار قبل قدوم النبي إلى المدينة إذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه، ثم عملوا عليه؛ فمدحهم الله تعالى حيث قال "وأمرهم شورى بينهم"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه وخصوصًا كبار الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، وقد تأتي الشورى بأكثر من رأي لذا لا يلزم ولي الأمر أن يأخذ بها جميعًا ولكن يختار ما يوافق الكتاب والسنة ويراعي فيه المصلحة العامة. إن من فوائد الشورى اختيار أنسب الآراء وأصلحها، والمشاركة في تحمل المسؤولية، وتعزيز الولاء والانتماء، وإشاعة جو من التلاحم والألفة بين الحاكم والمحكوم، كذلك تفعيل دور أهل الحكمة والخبرة في إيجاد حلول للتحديات التي تواجه الأمة أو الدولة، ومشاركتهم أيضًا في رسم مسيرة المستقبل، ولكن... من هم أهل الحل والعقد؟ وما مواصفاتهم؟، إنهم من يجتمع فيهم العلم والخبرة بما يستشارون فيه، والأمانة وتقدير المسؤولية، والعقل والرأي الراجح، والشجاعة الكافية لقول آرائهم ولو خالفوا بها الكثير، وهم بلا شك من أصحاب التخصص الذين يستنبطون آراءهم من معطيات الواقع والخبرة العميقة كل حسب مجاله، قال تعالى "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ "، وللاستنباط أوجه وطرق متعددة، فالاستنباط الفقهي مثلًا هو استخراج المعاني والأحكام الشرعية من النصوص ومصادر الأدلة الأخرى، لذا نستطيع أن نقول بأنها مهارة يتقنها الخاصة من أهل الدراية والفكر والمنطق. ولا يختلفُ اثنان على أهمية المشاركة الشعبية، فالجميع مع الإصلاح والمصلحة العامة دائمًا، فهي المقصد وما عداها لا يتعدى كونه آلية أو وسيلة لتحقيق العدالة والعيش الكريم، إلا أنه عندما نقارن بين تلك الوسائل نجد أن الشورى المبنية على مشاورة أهل الحل والعقد التي سبق ذكرها تختلف في بعض جوانبها عن الديمقراطية بمفهومها الغربي، فالتجارب التي مرت بها كبرى الديمقراطيات الغربية المعاصرة منذ نشأتها حتى هذا اليوم لم تكن عصية قط على الاختراق من قبل اللوبيات ومحاور النفوذ التي تمتلك الوسائل المتعددة للتأثير على الناخبين ومنها ما يسمى بـ "الهندسة الاجتماعية" وغيرها من الطرق التي تفسد العملية الانتخابية وتأتي بمرشحين محسوبين على هذا التيار أو ذاك لأهداف ضيقة لا تمت لمصلحة الأمة بصلة. ومن باب الشيء بالشيء يذكر، فقد حدثني أحد الأصدقاء الغربيين وهو أستاذ جامعي بدرجة بروفيسور في علم الإدارة، قال إنه يقاطع الانتخابات الرئاسية منذ زمن طويل، وحسب قناعته بأن الانتخابات لا تأتي بالأفضل ولكنها تأتي بالأكثر شعبية وهذه مفارقة كبيرة، لقد توصل بالتجربة، على حد قوله، إلى أنه من السهل اختراق طبقات المجتمع الأكثر حاجة عن طريق تقديم وعود انتخابية فارغة لكسب المزيد من الأصوات، أو استخدام أدوات التأثير الإعلامية بطريقة غير عادلة لتوجيه الجماهير إلى انتخاب هذا المرشح أو ذاك، وأعتقد كما يعتقد آخرون بأن هناك شواهد على صحة هذا الطرح ولو لم نتفق على كل ما جاء به. إنّ من مميزات المجتمعات الحية هي ديناميكية المراجعة والتصحيح ومراقبة القرارات ومخرجاتها، تلك التي تسمى بالتغذية المرتجعة، وهي ضرورية لتصحيح المسارات وضمان الاختيار الأمثل لكل مرحلة، وعدم الجمود والتوقف عند محطة ما، وذلك يتطلب الكثير من الشجاعة والإقدام، فالعالم يشهد تحولات عظيمة وسريعة تفرض علينا أن نفهمها ونقرأها جيدًا حتى نتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب. والله من وراء القصد

861

| 16 أكتوبر 2024

آن لأبي حنيفة أن يمد قدمه

دخل رجل على أبي حنيفة وكان مادّاً قدميه فاستحى وتربع، فقال الرجل لأبي حنيفة متى يفطر الصائم؟ قال أبو حنيفة: إذا غربت الشمس فقال الرجل وإذا لم تغرب الشمس ! قال: أبو حنيفة «آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه»، لقد علم أبوحنيفة من كلام الرجل أنه ذو منطق سقيم لا يستحق أن يعطى أكبر من قدره، ولا أن يتحمل ألم ركبتيه لأجله، وهي إشارة من إشارات لغة البدن التي تنم عن الرغبة في إنهاء الحديث وقطع الجدل في مسألة لا يمتلك أحد طرفيها مهارات التفكير المنطقي ولا أدواته، المصيبة أن بعض هؤلاء البشر لا يقرأ لغة البدن أيضًا ولا يعرف متى ينهي الجدل. لقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا في إيصال المعلومات لجميع أفراد المجتمع، وعلى قدر ما لذلك من فوائد في التثقيف والتوعية، إلا أن بعض تلك المعلومات قد تكون ضارة أو كارثية لشريحة كبيرة من الناس، وهذا الضرر يأتي من وجهين: الوجه الأول هو التعاطي الخاطئ للمعلومة بسبب الجهل بمصدرها ومعناها، وبالتالي خلق رأي عام وقناعات تصب في أجندة من يروج لتلك الأخبار، والوجه الآخر هو إمكانية التفاعل معها وإعادة نشرها دون وعي بآثارها، وهنا تكمن الخطورة حيث يكمن التدمير الذاتي للمجتمعات عبر تفكيك لحمتها وتشتيت انتباهها عن قضاياها المصيرية المشتركة، وإشغالها في معارك جانبية تافهة تجتر خلافات الماضي السحيق وتضعها كحجر عثرة أمام وحدة مصيرها ومستقبلها مما يعطي الفرصة لأعدائها لمواصلة العبث والتسلط على مكوناتها وانتهاك سيادتها. إن مجرد الاطلاع على المعلومات وتراكمها لا تخلق شخصًا مثقفًا أو مفكرًا، فعندما نقول عن شخصٍ ما أنه «مطلع» فهذا لا يعطي دلالة قاطعة على فهمه، فقد ينقل لك خبرًا من لم يصل إلى معناه وغايته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رب مبلغ أوعى من سامع)، وقس على ذلك ما يتناوله العامة من أخبار وأحداث وتحليلات، فتجد في المجلس الواحد عدة آراء متباينة ومتضاده لذات الموضوع، وقد يكون مصدر الخبر واحد، ولكن الناس تتفاوت في الفهم والتحليل والاستنباط، فالمتابع للأخبار إما أن يكون مدركًا لأبعاد الخبر ودلالاته، أو جاهلًا يعلم بجهله فينقل ما اطلع عليه أو سمعه لمن هو يدرك معناه وغايته، والأخطر أن يكون جاهلًا لا يعلم بجهله، فيتفاعل مع ما اطلع عليه في حدود إدراكه له، ويجادل من خالفه بكل ما أوتي من قوة، المشكلة لا تكمن في الاختلاف في الرأي ولكنها تكمن في ضعف المنطق أو إنعدامه في بعض الآراء، مما يخرجها من دائرة الرأي المعتبر أصلًا، والعجيب أنك تجد تلك الأصوات هي الأعلى والأجرأ. وقد روي في ذلك عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال»ما جادلت عالما الا وغلبته وما جادلت جاهلا الا وغلبنى»، ولا يقصد الإمام الشافعي أن الجاهل يغلبه بالحجة ولكنه ينسحب من الجدال معه حتى لا يتجرأ عليه فيخدش مكانته ويضعف هيبته، إن ضحالة الفكر وعدم تمييزه بين المهم والأهم وافتقاره لمنظومة الأولويات، تلك الحالة متعارف عليها بـ «أحادية التفكير»، ومن علاماتها أيضًا أن الشخص لا يرى القضية المطروحة إلا من بعد واحد، فهو على أساس ذلك يصدر حكمه ويتمسك برأيه، ولديه الرشاقة الكافية للقفز من موضوع لآخر للخروج من مأزق النقاش الموضوعي حال إحساسه بفقره للمعلومة أو المنطق، لذا بمجرد أن تستوعب بأنك تناقشك «أحادي التفكير» فعليك أن تمد قدميك فلن تكون أفقه من أبي حنيفة.

6171

| 09 أكتوبر 2024

الاستثمار في الأفكار المجنونة

قد تختار أن تكون مبدعاً، تماماً كما أنك اخترت قراءة مقالي هذا بمحض إرادتك، ولكن هل ستكون مبدعاً لمجرد أنك اخترت ذلك؟ قد يكون لدى كل منا رغبة لعمل شيء ما، وقد نتنافس على إنجاز العمل ذاته كما يكون في السباقات والمنافسات، ولكننا ندخل مضمار السباق ولكل منا درجة من الجاهزية والاستعداد، تلك الدرجة سيكون لها القول الفصل في تحديد ترتيب المتسابقين عند خط النهاية. إذاً هناك رغبة لعمل ما، يقابلها مهارة متباينة من شخص لآخر، الحد الأعلى لتلك المهارة هو الموهبة، فالأفراد الموهوبون لديهم استعداد فطري للإبداع، أما الحد الأدنى فهو المعرفة السطحية والتي قد تصل إلى الوهم بمعرفة ما ينوي أحدهم القيام به من عمل، وهؤلاء الأشخاص الموهومون بالمعرفة يتجلى لهم مدى عجزهم في بداية الطريق، الذي حرصوا على أن يسلكوه دون زاد من علم أو استعداد فطري. إن الأعمال الإبداعية في الأغلب تكون محل اتفاق بين الناس ولو تفاوتت درجات الحكم عليها، فعندما رسم الفنان ليوناردو دافينشي لوحته المشهورة باسم «الموناليزا» صُنفت كأحد الأعمال الفنية الأكثر إبداعاً وشهرة، وهناك العديد من الابتكارات والأفكار التي تُعد إبداعية ويُنعت أصحابها بالمبدعين، كما أن هناك مدارس وجامعات تحتضن الموهوبين وتنمي قدراتهم الإبداعية ضمن سلسلة من الدورات وورش العمل المصممة خصيصاً لصقل المواهب وتحفيز الإبداع. ولكن، عند تتبع بعض الاختراعات والأفكار التي كان لها أكبر الأثر على نمط حياة الإنسان في وقتنا المعاصر، نجد أن مخترعي تلك المبتكرات التي غيرت وجه العالم قد واجهوا صعوبات في أن يتقبل المجتمع العلمي أفكارهم في بداية الأمر، كانت تبدو مستحيلة التحقيق أو بصريح العبارة «أفكار مجنونة»، كان هناك غشاوة على رؤية ما يتحدث عنه هؤلاء «الغرباء»، ولنأخذ على سبيل المثال العالم الاسكتلندي اللورد «كلفن» وهو مؤسس علم الفيزياء الحديثة، عندما سمع في العام 1895م عن محاولة الأخوين رايت الطيران بمحرك، قال ببساطة: إنه «لا يمكن أن تطير آلة أثقل من الهواء في الهواء»، وإنه ليس لديه أدنى شك باستحالة الطيران بمحرك، لذلك لم يهتم بأن يكون عضواً في «جمعية الطيران»، وبعد 8 سنوات أي في عام 1903م، تمكن الأخوان رايت من الطيران بمحرك. وعندما قدم «جراهام بيل» في عام 1876م نموذج الهاتف لأول مرة لشركة التليغراف آن ذاك والمعروفة باسم «ويسترن يونيون»، محاولاً بيع الاختراع بمبلغ 100 ألف دولار أمريكي، واجه «بيل» سيلًا من التندر والاستهزاء من قبل مسؤولي الشركة، ورفض رئيس الشركة شراء الاختراع قائلاً: «إن هذا الاختراع لا يُعد شيئاً سوى دمية»، إلا أنه وبعد سنتين فقط من هذا الموقف كان رئيس شركة «ويسترن يونيون» يسعى للحصول على الاختراع بمبلغ 25 مليون دولار. وفي وقتنا المعاصر، لم يكن أحد من البنوك يتقبل فكرة بروفيسور الاقتصاد البنجالي، والرئيس المؤقت لبنغلاديش حاليًا الدكتور «محمد يونس» الفائز بجائزة نوبل عن فكرة «بنك الفقراء»، بل واجه يونس العديد من التحديات للحصول على قروض للفقراء ضمن النموذج الاقتصادي الذي كان يروج له، لقد تعهد يونس على نفسه بمواصلة العمل وتحمل المسؤولية المالية أمام البنوك لصالح الفقراء، حتى تمكن من إدارة عجلة الاقتصاد للأعمال الصغيرة، ومن ثم الاعتماد على الدفع الذاتي للمساهمين في «بنك الفقراء»، أو ما بات يُعرف بعد ذلك بـ «جرامين بنك». وقد لا يتسع المجال هنا للحديث عن العديد والعديد من الاختراعات التي غيّرت وجه التاريخ لكنها لم تبد براقة عندما عرضت لأول مرة، وكان القرن العشرون بفضل تلك الابتكارات هو قرن التحولات الكبرى بامتياز، إلا أننا لا نعلم ما تخفي لنا الأيام من مفاجآت مع تسارع وتيرة البحث العلمي وتوفر آلياته وموارده، فهل سيكون لنا كأمة عربية أو إسلامية دور وإسهام في القفزة المقبلة للعلم؟ أم سيكون لدينا ما يكفي من الموارد لنواصل مسيرة التفرج والاستهلاك؟ كل ذلك يحمّل أصحاب القرار في وطننا العربي الكبير ومؤسساته التعليمية ومراكزه البحثية ونخبه العلمية دون استثناء، مسؤولية خلق بيئة حقيقية مشجعة للشباب العربي على الإبداع والابتكار.

1341

| 02 أكتوبر 2024

الموارد البشرية أصول منتجة .. لا عالة مستهلكة

يومًا ما تواصل معي أحد الإخوة المقيمين من الذين أنهيت خدماتهم بعد أن استنفدت جهة عمله كل فرص التمديد له والتي بلغت عدة سنوات من بعد الستين، كان اتصاله بي مجرد محاولة أخيرة لعلني استطيع مساعدته عن طريق علاقتي بجهة عمله، ولكن للأسف كانت الظروف لا تعمل لصالحه. إن ذلك الرجل الذي تغرّب عن وطنه في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، طلباً للرزق والعيش الكريم وهو اليوم يترجّل عن صهوة جواده مكرهاً بعد أن شارف على نهاية عقده السابع، واستنفد كل محاولات التمديد لمواصلة العمل والعطاء. لقد كان تشبثه بالعمل مستمداً من تشبثه بالحياة، ومع إيمانه العميق بأن لكل شيء نهاية وأن هذا اليوم لا بد آتٍ، مع كل ذلك، كان وقع إشعار إنهاء خدماته كالصاعقة على مسامعه، يقول لي أحد الأصدقاء العاملين معه، بعد أن زاره في مكتبه ليودعه الوداع الأخير، يقول: لم أجد ذلك الرجل الذي عرفته بحزمه وثقته وحكمته، رأيت في عينيه ارتباكاً شديداً وخوفاً من المجهول، وتشتت فكر، وكأن لسان حاله يقول: ماذا بعد؟ إلى أين سأمضي؟ وكيف سأقضي باقي عمري؟ وماذا أفعل بهذا الإرث المكتنز في ذاكرتي عن هذا المكان والزمان؟ وماذا...؟ وماذا....؟ يقول صاحبي معقباً: لقد قضى الرجل جُلّ عمره مشغولاً عن عائلته، ويعمل ليل نهار ليؤمّن لهم متطلبات الحياة الضرورية، أعتقد، آن الأوان أن يستمتع بالحياة بعيداً عن الضغوط، بعد أن شقّ أبناؤه طريقهم، وأصبح لديه أحفاد يتوقون للجلوس مع جدهم، والاستمتاع بوجوده في حياتهم. لا شك أنها قصة مؤثرة جداً، لكنها في المقابل، موقف يتعرض له معظم الموظفين، سواءً مواطن أو مقيم، تلك معاناة حتمية يمر بها الجميع، أليس كذلك؟ ولكن عندما يصبح وضع الموظف المواطن كوضع ذلك الرجل وهو في العقد الرابع أو الخامس من عمره، تلك هي المأساة الحقيقية، وذاك ما دفعني لكتابة هذا المقال. عندما نستعرض الرؤى الوطنية لدول الخليج العربي، والتي تهدف جميعها لتحقيق التنمية المستدامة، نجد أن العنصر البشري هو عصب تلك التنمية، والحائز على معظم أوجه الإنفاق الحكومي، خصوصاً تلك الموجّهة للتعليم والصحة، أي أن الدولة تستثمر في طاقاتها البشرية التي تعتبر أصول التنمية المستدامة، وكما يعلم الجميع أن المستثمر لا يفرّط في أصوله، بل يحافظ عليها ويصونها؛ لأنها مصدر قوته ورزقه. صحيح أن نسب البطالة في بعض دول الخليج قد تكون الأقل عالمياً، ونعني بالبطالة هنا المواطن الذي لم يجد عملاً يؤمّن له مصدر رزق، إلا أن هناك مصطلحاً آخر، وهو «البطالة المقنعة»، وهذا المصطلح يعبّر عن الموظفين الذين يتقاضون أجوراً أو رواتب دون مقابل من العمل أو الجهد الذي تتطلبه الوظيفة، ولا غرابة أن تجد هؤلاء الموظفين مؤهلين، ولديهم الخبرة الكافية للقيام بوظيفة ما، كل ما هنالك أنه تم تحييدهم لأسباب غالباً ما تكون غير موضوعية، أو قد تتعلق بتغييرات إدارية أو هيكلية لم تستوعبهم لأسباب، قد يكون أهمها قصور الوعي بأنهم أصول منتجة، وليسوا عالة مستهلكة. هنا، يتمنى المواطن أن يكون كذلك الرجل، الذي أنهى عقده السابع وهو يشعر بأهميته ودوره، ومساهمته في البناء والعطاء.

978

| 25 سبتمبر 2024

ما بين البندقية والأرض المقدسة.. ما لم يقله شكسبير!!

من روائع الكاتب الإنجليزي وليام شكسبير مسرحية "تاجر البندقية"، التي تدور أحداثها في مدينة "فينيسيا" الإيطالية، حيث كان اليهودي الجشع "شيلوك" يجمع الثروات الطائلة من المال الحرام عندما كان يقرض الناس بالربا الفاحش، وكان عدوه اللدود ذلك الشاب المسيحي "انطونيو" فقط لأنه لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض وبدون فائدة، لذا كان "شيلوك" يتحين الفرص للانتقام من "انطونيو". والحقيقة أن تلك المسرحية لها فصول جديدة لكن المنيّة باغتت المؤلف قبل أن يكتبها، فبعدما فشل "شيلوك" في الانتقام من "انطونيو" وانكشف أمره ونبذه المجتمع، نصحه عمه "سام" بالهجرة من "فينيسيا" إلى "المدينة المقدسة" والبدء من جديد هناك، وأعطاه خارطة طريق تضمن له النجاح والتفوق على منافسيه، كل ذلك مقابل هدفين، أولهما فتح أسواق جديدة لتجارة عمه وخصوصًا تجارة السلاح، وثانيهما أن يشتركا معًا في تجارة القروض الربوية حتى يبسطا سيطرتهما ونفوذهما على مفاصل الاقتصاد والثروات في الأرض المقدسة، أما هدف عمه "سام" غير المعلن فهو التخلص من إزعاج "شيلوك" وطلباته ومشاكساته إلى الأبد. كانت خارطة الطريق هي المفتاح السحري لـ "شيلوك"، فقد وجد فيها كل ما يحتاجه ليضع الخطط الكفيلة بتمزيق خصومه في الأرض المقدسة والاستحواذ على كل شيء، كانت أول نصيحة من عمّه هي إفشال أي محاولة لتكتل تجار الموطن الجديد، ومحاربة أي تاجر شريف يقرض الناس بلا فوائد، لذا كان "شيلوك" يقرب التجار الفاسدين ويدعمهم ويلمع صورهم لدى "العم سام" ويحارب الأخيار ويشيطنهم ويُنَفِّرْ الناس منهم ويحرض على مقاطعتهم وعدم التعامل معهم. أما نصيحة "العم سام" الثانية فهي العمل على تأجيج الصراعات بين سكان الأرض المقدسة عن طريق استغلال الاختلافات السياسية والدينية والمذهبية والعرقية الموجودة في أي مجتمع إنساني، والعمل على إشعالها وتحويلها من اختلافات طبيعية إلى خلافات وكراهية واستقطابات ونزاعات مسلحة وعدم استقرار، كل ذلك ليمهد الطريق لازدهار تجارة المال والبندقية. لقد استغل "شيلوك" كل الوسائل المتاحة للوصول إلى غاياته، فجند جيوشًا من العملاء والمتخاذلين والأغبياء، من تجار ووجهاء ورجال دين، واستعان بهم مستغلاً تارةً حب المال والسلطة والشهرة، وتارةً أخرى الغباء وقصر النظر، لبث الفرقة بين سكان الأرض المقدسة، فَنُكِّسَتْ رايات الوحدة والسلام، ورفعت رايات القومية والحزبية والمذهبية، واختلط الحق بالباطل، ووصلت الكراهية بين الناس لدرجة انهم يثقون في "شيلوك" وعمه اللعين اكثر من ثقتهم في إخوانهم في الأرض المقدسة، لقد كان لدى العملاء المتقدم ذكرهم الاستعداد التام للتخلي عن كل شيء مقابل منافعهم الشخصية والحزبية. لقد ساءت أحوال الناس فلم يعد لأهل الحق سوق ولا بضاعة، وارتفع صوت الباطل وكثرت منابره، وأُخْمِدَ صوت الحق وبارتْ بضاعته، وأصبح الناس يتقربون إلى "شيلوك" أفرادا وجماعات ولسان حالهم يقول "لك العتبى حتى ترضى"، فحق على المتخاذلين وسماسرة الأوطان قول ربك جلّ وعلا ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾، هذا ما لم يقله شكسبير … والله من وراء القصد.

825

| 18 سبتمبر 2024

الشيخ جوجل وتخمة المعلومات

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المعلومة متوفرة بصفة لحظية، كل ما عليك فعله هو أن تكتب ما تبحث عنه في آلة البحث ويأتيك الشيخ ”جوجل“ بما تريد في لمح البصر، تلك الميزة وفرت الكثير من المعاناة على الباحثين وطلبت العلم، ولكن اكتناز المعلومات بهذه الطريقة أو عن طريق القراءة الحرة، ومن ثم إعادة تدويرها في الندوات والمحاضرات والحوارات النقاشية لا تعني أن الشخص مثقف، أو مفكر أو عالم، دون أن تكون له بصمته الخاصة في الطرح والتحليل والاستنباط والقياس. من ناحية أخرى تصنف القراءة إلى صنفين، قراءة متخصصة وهي تلك المرتبطة بالبحث العلمي أو بفهم علم ما لأجل الانتفاع بذلك العلم ومباشرة تطبيقه، ومثال على ذلك أن يهتم الطبيب بقراءة الكتب والنشرات العلمية المتخصصة في مجال عمله، وكذلك يفعل المهندس والمعلم والمحاسب.. إلخ، والصنف الآخر القراءة العامة غير المرتبطة بالتخصص، فهي إما أن تكون مرتبطة باهتمامات معينة كأن يهتم المهندس بالجغرافيا السياسية مثلًا، أو أن يهتم الطبيب بأدب الرحلات.. إلخ، أو تكون قراءة عامة بلا هدف محدد بمعنى أن الشخص لديه نهم قراءة فهو يقرأ كل ما يقع تحت يديه وفي أي مجال كان، وهذا قد يعرضه للإصابة بتلبك فكري أو عسر هضم للمعلومات إذا ما صح التعبير. وأذكر هنا في إحدى محاضرات الدكتور محمد الاحمري والتي كانت بعنوان ”القراءة“، رتب د. الأحمري القراءة حسب الأهمية، فتحدث عن ضرورة البدء بقراءة النصوص العالية أي تلك التي تكسب القارئ لغة صحيحة وبيانا وتوسع مداركه وملكاته وعلى رأسها القرآن الكريم، ثم يأتي بعد ذلك قراءة النصوص القديمة كالشعر الجاهلي وغيرها من الكتب الرصينة، ثم قراءة الكتب التخصصية أي المتعلقة بمجال العمل أو مجال الاهتمام، وأخيرًا القراءة العامة. وأضاف قائلًا: يفترض أن تكون القراءة المتخصصة في أول النهار حيث تَوَقُّد الذهن وإمكانية الاستفادة والاستيعاب تكون أكبر، أما آخر النهار فيكون للقراءات الخفيفة كالقصص والروايات والصحف والمجلات، وفي هذا السياق ينصح الدكتور طارق سويدان أيضا بالقراءة في مجال التخصص أولًا وألا تتعدى قراءة الروايات نسبة ١٠٪ من إجمالي القراءة. لذا عندما يكون لدى القارئ منهج واضح وهدف محدد فهو لا يقرأ أي كتاب بل يكون انتقائيًا وقاصدًا في اختياره للكتب التي يقرؤها بما يخدم أهدافه واهتماماته ومن ثم يحدث ما يسمى بتراكم المعرفة في مجال ما وليس تخمة المعلومات.

1092

| 11 سبتمبر 2024

لماذا جيل الطيبين؟!

تتردد على مسامعنا عبارة ”جيل الطيبين“ أو ”زمن الطيبين“ وهي عبارة تطلق مجازًا على جيل ثمانينيات القرن الماضي، ولا يقصد بذلك أن الأجيال اللاحقة ليست طيبة أو أن زمانها زمن الشر، ولكن هناك بلا شك تحولات جذرية طرأت على المجتمعات الإنسانية عموما والخليجية خصوصا منذ مطلع الألفية الثالثة، لم تكن تلك التحولات متدرجة بشكل طبيعي كما كانت بل كانت أقرب للطفرة منها للتطور الذي شهدته الإنسانية فيما قبل، تلك التغيرات أخذت الطابع الكوني أكثر من الطابع الإقليمي أو المحلي إلا أن تداعياتها متباينة بين المجتمعات الإنسانية. وكما هو معلوم فإن لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية إرثه الحضاري والديني والثقافي وقيمه وعاداته وتقاليده، والمجتمعات في ذلك تتقارب لدرجة التطابق كالمجتمعات الخليجية مثلًا، وقد تختلف اختلافًا بيّنا كاختلاف الشرق عن الغرب، وفي كلتا الحالتين كان للموروث الحضاري والعادات والتقاليد الدور الرئيس في ضبط إيقاع المجتمع وتوجيهه، وكذلك كان الوضع في المجتمعات الخليجية، حيث كان الدين والعادات والتقاليد تشكل الإطار المرجعي لأفراد المجتمع ومؤسساته، وذلك لا يعني الجمود وعدم التطور بل يعني التمسك بالثوابت والتعامل مع المستجدات بما لا يتعارض مع الإطار العام لثقافة المجتمع وموروثه. لا شك أن الأشخاص الذين ولدوا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي قد شهدوا تحولات كبيرة على مدى الخمسين سنة الماضية، وفي جل مجالات الحياة كالمواصلات والاتصالات والإعلام والعمران وحتى الفن والترفيه شملته تلك التحولات البيّنة، لكن ومع بداية التسعينيات دخلت المجتمعات الخليجية في حالة من الاضطراب إذا صح التعبير، فقبل أن تمتص صدمة إدماج الحاسوب في مؤسسات الدولة وخسارة شريحة من الموظفين لوظائفهم بسبب تحديات استخدام الحاسب الآلي اقتحمت الشبكة العنكبوتية ”الإنترنت“ المشهد لتضيف العديد من الأبعاد وتمهد للنقلة الكبرى لثقافة المجتمعات الإنسانية بحيث تصبح أكثر تقاربًا من بعضها وتبتعد أكثر فأكثر عن هويتها ومرجعيتها. إن قراءة ذلك المشهد من ناحية تقنية بحتة قد يكون اختزالًا مخلا لما كان يحدث بالفعل، إن دعوات العولمة والحقوق وتحرير التجارة هي جزء لا يتجزأ من ذلك الحراك وتلك ”الفوضى الخلاقة“ إذا صح التعبير، بل البعض يشبه تلك الدعوات بحصان طروادة يقتحم حصون المجتمعات، محاولًا أن يعبث بهويتها ويهز ثقافتها وموروثها، مهيئًا إياها لتقبل الجديد مرة بدعوى الإنسانية والمساواة والحرية، ومرة بدعوى التقدم والتمدن، وأخرى بدعوى التغير المناخي… إلى آخره. لقد نجحت القوى المهيمنة في هذا العالم أن تجعل المجتمعات وخصوصا المحافظة منها أكثر تقبلًا لما كانت ترفضه بالأمس حتى على مستوى الأفراد بعد أن استطاعت بسط نفوذها الثقافي والقيم التي تخدم مصالحها على العالم، ومع دخول الألفية الثالثة أصبحت الأطر المرجعية للمجتمعات المحافظة باهتة أو هلامية وتراجع دورها الذي كان حاضرًا بقوة في الثمانينيات من القرن الماضي لصالح وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الوسيلة الأكثر تأثيرًا في إعادة تشكيل ثقافة المجتمع ووجدانه، لذلك يعيش جيل الثمانينيات اليوم في غربة حقيقية لا يعلمها إلا من تجاوز الخمسين من العمر.

2979

| 04 سبتمبر 2024

آفاق الذكاء الاصطناعي ومآلاته

قبل أكثر من خمسة وثلاثين عامًا كان الإنترنت حديث المجالس، وقد أخبرني أحد المهتمين بأخبار التكنولوجيا في ذلك الوقت بأن العالم منقسم بين من يستخدم الإنترنت ومن لا يستخدمه، وأن الفرق بن القسمين كالفرق بين النور والظلام، وبعد ذلك بعدة أشهر فقط أصبح الكل يبحث عن أي معلومة تشرح له فائدة واستخدامات هذا القادم المجهول، أصبح هناك خشية وقلق من تداعيات الجهل بالإنترنت على مستوى المؤسسات والأفراد، وها هو الإنترنت اليوم أصبح بمثابة العمود الفقري للأعمال والمعاملات وأصبحت تطبيقاته هي القلب النابض لتسيير شؤون الحياة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وما أشبه اليوم بالبارحة ونحن نسمع عن الذكاء الاصطناعي ونشاهد جزءًا بسيطًا من إمكانياته على شبكات التواصل الاجتماعي ونجهل الكثير الكثير عن قدراته ومستقبله وغاياته ومخاطره، هذا القادم الأشد خطورة لو أسيء استغلاله سيكون من أخطر الأسلحة التي ابتكرتها البشرية على الإطلاق. وتشمل تلك المخاطر جوانب متعددة، تتراوح بين الاقتصادية والأمنية والأخلاقية، ومن تلك المخاطر فقدان الوظائف حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي إلى أتمتة العديد من الوظائف، مما يسبب فقدان وظائف على نطاق واسع. كما أشار الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل، إريك شميدت، «الأتمتة والذكاء الاصطناعي سيؤديان إلى فقدان كبير للوظائف، وسيؤثر ذلك على كل مجتمع في كل بلد». وهناك خطر «التحيز والتمييز» حيث يمكن أن ترث الأنظمة الذكية التحيزات الموجودة في البيانات التي تدربت عليها، مما يؤدي إلى نتائج غير عادلة. وكما قالت عالمة البيانات كاثي أونيل: «الخوارزميات هي آراء مغروسة في الكود». ومن المخاطر الأمنية إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير أسلحة أو تنفيذ هجمات سيبرانية معقدة. وقد حذر إيلون ماسك من هذا الأمر قائلاً: «أعتقد أن خطر الذكاء الاصطناعي أكبر بكثير من خطر الأسلحة النووية». أما عن انتهاك الخصوصية فحدث ولا حرج عن استخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة وتحليل البيانات مما قد يؤدي إلى انتهاكات كبيرة للخصوصية، حيث قد تتمكن الأنظمة الذكية من تتبع وتوقع سلوكيات الأفراد دون موافقتهم. كما قال إدوارد سنودن: «النتيجة النهائية لهذه التكنولوجيا هي قلب مفهوم الخصوصية رأساً على عقب». ومع ازدياد قدرة الأنظمة الذكية على اتخاذ قرارات مستقلة، تصبح قضايا المساءلة واتخاذ القرارات الأخلاقية أكثر تعقيدًا، يقول العالم ستيفن هوكينغ: «قد يشكل تطوير الذكاء الاصطناعي الكامل نهاية للجنس البشري». وختامًا يجب أن أعترف بأنني ولأول مرة أستعين بالذكاء الاصطناعي في كتابة المقال، لقد كتبت أول فقرتين من هذا المقال فقط وتركت الباقي لمعالجة الذكاء الاصطناعي الذي طلبت منه سرد المخاطر مع الاقتباس من أقوال المختصين في هذا المجال.

1602

| 21 أغسطس 2024

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6441

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6390

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3849

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

3000

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2859

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1860

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1650

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1575

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1026

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

996

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

993

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...

990

| 24 أكتوبر 2025

أخبار محلية