رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
رجال في دولة قطر يشهد التاريخ لهم بالأمانة والتواضع وتحمل المسؤولية أحمد بن سيف كام مثالاُ للإنسان المتسامح مع نفسه ومع من حوله الشيخ أحمد يظل علامة فارقة في حُبّه لوطنه وقدرته على تحمّل المسؤولية عندما يقدّم الكاتبُ شهادته في مسؤول أو شخصية مهمّة في بلده، بعد رحيله، فإن هذه الشهادة تكون صافيةً لوجه الله، لا يهدف الكاتبُ منها، إلا أن يقدِّم حقيقة أو حقائقَ عن هذا المسؤول أو تلك الشخصية. ولقد فُجعت قطر، والوسط الدبلوماسي على الأخص، برحيل الشيخ أحمد بن سيف آل ثاني، أول وزير دولة للشؤون الخارجية في دولة قطر عام 1978، حيث انتقل إلى جوار ربّه يوم 29 /6 /2019، وعمّت غمامةُ حزن لا حدود لها، كُلَّ من تعاملوا أو سمعوا عن سيرته الراقية، وكان قبل ذلك التعيين قد تسلَّم مهامَ سفير دولة قطر في بريطانيا، عام 1972، وهو موقع مُهم، خصوصاً في مرحلة بناء هياكل الدولة، ومدّ أذرعِها الدبلوماسية إلى دول العالم، تتعامل معها بتحضّر ومسؤولية. الفقيد يتحدث من على منبر الأمم المتحدة، والهيئات الدولية، في بقاع شتى من العالم، وفي أروقة مجلس التعاون، الذي شهد إنشائه عام 1981. وشهدتُ، أنا، مرحلةَ نشاطه في أواخر السبعينيات والثمانينيات، حيث الحرب العراقية الإيرانية، إنشاء مجلس التعاون، الحرب الباردة، وغيرها من العواصف التي هبّت على العالم. وكنتُ أعمل بعضَ المقابلات مع الوزير الإنسان أحمد بن سيف، وكان يُناديني ( أخي أحمد)، بروح من التواضع النبيل، والتقدير لمهنة الإعلامي، مع احتفاظه بمكنونات السياسة وحتمياتها. تشرَّفت بالسفر معه على ذات الطائرة، في أكثر من مناسبة، فلا يضع حدوداً بينه وبين الإعلاميين، كما أن الابتسامة لا تفارق وجهه، وصوته بالكاد تسمعه، وهذا ينمُّ عن شخصية حنونة في المقام الأول، وإيجابية في المقام الثاني، وذات مسؤولية في المقام الثالث، وإنني لأغمُط أسرتَه على وجوده بينهم، ونيلها هذا التعامل الراقي والهدوء الجميل، والتأني في الأحكام التي تصدر عنه. وفي تصريحاته السياسية، القليلة، كان يحرص على مواكبة مسيرة السياسة القطرية، ولا يجرح السياسات المناوئة، مهما حاول بعضُ الصحافيين (جَرّهُ) إلى تجاوز الخطوط الحمراء. أحمد بن سيف، كان مثالًا للإنسان المُتسامح مع نفسه ومع من حوله، وهذا لا يتوفر لكثيرين، فهو لا يترفع على غيره، حتى لو كان مذيعاً يافعاً أو صحافياً متدرباً، بل يقابل الجميع بابتسامته العاقلة، وحنوّهِ الواضح، لدرجة أنه يتجاوز ثقافة المسافات Proximity، ليتحدث بدرجة الهَمس مع محدثيه. ثلاثةٌ وسبعون عاماً قضاها الشيخ أحمد بن سيف مع محبّة الآخر واحترامه، ولم " يغرّهُ" المنصبُ الرفيع، كما أنه يهتم لشؤون المواطنين القطريين، سواء عندما كان سفيرًا في بريطانيا، أم عندما شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، وأذكر إنني كتبت مقالاً عن حادثة تعرَّضت لها عائلتان قطريتان، على حدود دولتين في أوروبا، وقد خاطبتا سفارة قطر في إحدى الدولتين كي يُسمح لهما بدخول بلد في أوروبا الشرقية. ولم يحدث ذلك، نظرًا لتأفّف، أحد الدبلوماسيين. وأخبرني أحد موظفي الخارجية آنذاك ( 1979) على ما أعتقد، أن وزير الدولة قد اهتم بالموضوع، وأعطيتهم بعض المعلومات حول الموضوع. وهذه اللفتة لا يُمكن أن تصدر عن وزير يحملُ عبءَ المواطنين على عاتقه، إلا أن يكون استثنائياً. واصلَ الشيخ أحمد بن سيف تحمّل مسؤوليات بلده ومجتمعه بنيلهِ ثقة الدولة بتعيينه وزيراً للعدل من 1992-1995، وتم تكليفهُ بمهامَ وزير الصحة. كما احتفظ بمنصبه كوزير دولة حتى وفاته، رحمه الله. هنالك رجالٌ في دولة قطر يشهد التاريخُ لهم بالأمانة والتواضع وتحمّل المسؤولية، وما أكثرهم، إلا أن الشيخ أحمد بن سيف، يظل علامة فارقة في حُبّه لوطنه، وقدرته على تحمّل المسؤولية، إبّان المُنعرجات الخَطرة في عالم السياسة. إن ما عبّر عنه المواطنون القطريون في الصحف عن مآثر الفقيد، ورسائل النعي، ووسائل التواصل الاجتماعي، يحتّم أن تقوم جهةٌ ( ما) بتوثيق حياة الرجل، في كتاب، يكون لمسة َوفاءٍ لهذا الدبلوماسي الإنسان، الذي عاش يعملُ بهدوء، ودون ضجيج، في وقتٍ كنا نسمع الكثير من الآخرين كلاماً ( لا يُسمن ولا يُغنى من جوع). كما يُمكن أن تقوم وزارة الخارجية الموقَّرة، عبر المعهد الدبلوماسي، بعمل مسابقة للبحوث السياسية تحمل اسم الفقيد ( جائزة أحمد بن سيف للبحوث السياسية)! أحمد بن سيف، رجلُ مرحلةٍ مُهمّةٍ من تاريخ قطر، ولقد أدّى واجبهُ بكُلِّ اقتدار ومهنية، وتركَ أثرًا طيبًا في الدوائر الدبلوماسية، وفي السياسة الخارجية لدولة قطر. رحمَ اللهُ الفقيدَ وأسكنهُ فسيحَ جنّاته.
463
| 10 يوليو 2019
رجال في دولة قطر يشهد التاريخ لهم بالأمانة والتواضع وتحمل المسؤولية أحمد بن سيف كام مثالاُ للإنسان المتسامح مع نفسه ومع من حوله الشيخ أحمد يظل علامة فارقة في حُبّه لوطنه وقدرته على تحمّل المسؤولية عندما يقدّم الكاتبُ شهادته في مسؤول أو شخصية مهمّة في بلده، بعد رحيله، فإن هذه الشهادة تكون صافيةً لوجه الله، لا يهدف الكاتبُ منها، إلا أن يقدِّم حقيقة أو حقائقَ عن هذا المسؤول أو تلك الشخصية. ولقد فُجعت قطر، والوسط الدبلوماسي على الأخص، برحيل الشيخ أحمد بن سيف آل ثاني، أول وزير دولة للشؤون الخارجية في دولة قطر عام 1978، حيث انتقل إلى جوار ربّه يوم 29 /6 /2019، وعمّت غمامةُ حزن لا حدود لها، كُلَّ من تعاملوا أو سمعوا عن سيرته الراقية، وكان قبل ذلك التعيين قد تسلَّم مهامَ سفير دولة قطر في بريطانيا، عام 1972، وهو موقع مُهم، خصوصاً في مرحلة بناء هياكل الدولة، ومدّ أذرعِها الدبلوماسية إلى دول العالم، تتعامل معها بتحضّر ومسؤولية. الفقيد يتحدث من على منبر الأمم المتحدة، والهيئات الدولية، في بقاع شتى من العالم، وفي أروقة مجلس التعاون، الذي شهد إنشائه عام 1981. وشهدتُ، أنا، مرحلةَ نشاطه في أواخر السبعينيات والثمانينيات، حيث الحرب العراقية الإيرانية، إنشاء مجلس التعاون، الحرب الباردة، وغيرها من العواصف التي هبّت على العالم. وكنتُ أعمل بعضَ المقابلات مع الوزير الإنسان أحمد بن سيف، وكان يُناديني ( أخي أحمد)، بروح من التواضع النبيل، والتقدير لمهنة الإعلامي، مع احتفاظه بمكنونات السياسة وحتمياتها. تشرَّفت بالسفر معه على ذات الطائرة، في أكثر من مناسبة، فلا يضع حدوداً بينه وبين الإعلاميين، كما أن الابتسامة لا تفارق وجهه، وصوته بالكاد تسمعه، وهذا ينمُّ عن شخصية حنونة في المقام الأول، وإيجابية في المقام الثاني، وذات مسؤولية في المقام الثالث، وإنني لأغمُط أسرتَه على وجوده بينهم، ونيلها هذا التعامل الراقي والهدوء الجميل، والتأني في الأحكام التي تصدر عنه. وفي تصريحاته السياسية، القليلة، كان يحرص على مواكبة مسيرة السياسة القطرية، ولا يجرح السياسات المناوئة، مهما حاول بعضُ الصحافيين (جَرّهُ) إلى تجاوز الخطوط الحمراء. أحمد بن سيف، كان مثالًا للإنسان المُتسامح مع نفسه ومع من حوله، وهذا لا يتوفر لكثيرين، فهو لا يترفع على غيره، حتى لو كان مذيعاً يافعاً أو صحافياً متدرباً، بل يقابل الجميع بابتسامته العاقلة، وحنوّهِ الواضح، لدرجة أنه يتجاوز ثقافة المسافات Proximity، ليتحدث بدرجة الهَمس مع محدثيه. ثلاثةٌ وسبعون عاماً قضاها الشيخ أحمد بن سيف مع محبّة الآخر واحترامه، ولم " يغرّهُ" المنصبُ الرفيع، كما أنه يهتم لشؤون المواطنين القطريين، سواء عندما كان سفيرًا في بريطانيا، أم عندما شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، وأذكر إنني كتبت مقالاً عن حادثة تعرَّضت لها عائلتان قطريتان، على حدود دولتين في أوروبا، وقد خاطبتا سفارة قطر في إحدى الدولتين كي يُسمح لهما بدخول بلد في أوروبا الشرقية. ولم يحدث ذلك، نظرًا لتأفّف، أحد الدبلوماسيين. وأخبرني أحد موظفي الخارجية آنذاك ( 1979) على ما أعتقد، أن وزير الدولة قد اهتم بالموضوع، وأعطيتهم بعض المعلومات حول الموضوع. وهذه اللفتة لا يُمكن أن تصدر عن وزير يحملُ عبءَ المواطنين على عاتقه، إلا أن يكون استثنائياً. واصلَ الشيخ أحمد بن سيف تحمّل مسؤوليات بلده ومجتمعه بنيلهِ ثقة الدولة بتعيينه وزيراً للعدل من 1992-1995، وتم تكليفهُ بمهامَ وزير الصحة. كما احتفظ بمنصبه كوزير دولة حتى وفاته، رحمه الله. هنالك رجالٌ في دولة قطر يشهد التاريخُ لهم بالأمانة والتواضع وتحمّل المسؤولية، وما أكثرهم، إلا أن الشيخ أحمد بن سيف، يظل علامة فارقة في حُبّه لوطنه، وقدرته على تحمّل المسؤولية، إبّان المُنعرجات الخَطرة في عالم السياسة. إن ما عبّر عنه المواطنون القطريون في الصحف عن مآثر الفقيد، ورسائل النعي، ووسائل التواصل الاجتماعي، يحتّم أن تقوم جهةٌ ( ما) بتوثيق حياة الرجل، في كتاب، يكون لمسة َوفاءٍ لهذا الدبلوماسي الإنسان، الذي عاش يعملُ بهدوء، ودون ضجيج، في وقتٍ كنا نسمع الكثير من الآخرين كلاماً ( لا يُسمن ولا يُغنى من جوع). كما يُمكن أن تقوم وزارة الخارجية الموقَّرة، عبر المعهد الدبلوماسي، بعمل مسابقة للبحوث السياسية تحمل اسم الفقيد ( جائزة أحمد بن سيف للبحوث السياسية)! أحمد بن سيف، رجلُ مرحلةٍ مُهمّةٍ من تاريخ قطر، ولقد أدّى واجبهُ بكُلِّ اقتدار ومهنية، وتركَ أثرًا طيبًا في الدوائر الدبلوماسية، وفي السياسة الخارجية لدولة قطر. رحمَ اللهُ الفقيدَ وأسكنهُ فسيحَ جنّاته. hamsalkhafi57@hotmail.com
1931
| 10 يوليو 2019
بطبيعة الحال، لا يوجد خطأ في عنوان اليوم، فالعنوان نِسبة إلى بعض طلبتنا الذين يكتبون كلمة (لكن) بهذه الصورة (لاكن)!. وآخر ما قرأت هذه الكلمة بهذه الصورة لطالبٍ في الثانوية العامة!. بصراحة، نحن أمام معضلة كبيرة ولا بدَّ من مواجهتها، لأنها سوف تؤثر على أفرد الجيل القادم. ومع مرور الأيام، سوف تزداد أخطار النفور من اللغة العربية، أو إساءة استخدامها. فالطالب الذي لا يُجيد كتابة (لكن)، كيف وصل إلى الثالث الثانوي؟ وهو أمر غريب، حتى لو كان في التخصص العلمي. قد لا نلوم المدرسَ وحده، إنما هذه ظاهرة مجتمعية، عزَّزتها وسائل التواصل، التي أصبحت مُركّزة على «ماراثون» سرعة النشر، إلا أن الأصل في المشكلة، هو التعليم! وما يُصاحب عملية التعلُّم من نشاطات لا صفيّة! ونلاحظ – هذا الشأن – مجموعة من الملاحظات، من خلال تدريسنا الجامعي: - معظم الطلبة ينفرون من الكتابة، ولا يُحبذون أن تكون أسئلة الامتحانات مقالية. - معظم الطلبة يقرأ - فقط - تلخيصَ التلخيص الذي يقوم به المدرس، وبعضهم لا يفتح الكتاب المُقرر، لذلك، نلاحظ أن الثروة المعلوماتية ضعيفة لدى هؤلاء. - معظم الطلبة لا يقرأ كتباً خارج المنهج، وهذا يُضمِر الدافعية للقراءة، ويحدّ من تطوير عادة الكتابة، لدرجة أن الطالب في المرحلة الجامعية يَستصعبُ كتابة موضوع من 200 كلمة!. - بعض المواد – في المرحلة الجامعية – تتطلب تقديم بحوثٍ أو أوراق، حسب كُلِّ تخصص، فإذا كان المخزون الثقافي والمعلوماتي – لدى الطالب – محدودًا، فإنه لن يستطيع كتابة البحث أو الورقة، وقد يخدع نفسه أولًا، ثم المدرس ثانياً، بشراء بحثٍ من إحدى المكتبات، وبالمناسبة، (يجب أن تقوم الجهات المختصة بمنع بيع البحوث والأوراق العلمية، وتوقيع عقوبة على من يقوم بذلك). - من واقع التجربة الذاتية، في عملية التدريس الجامعي لأكثر من 25 عامًا، وجدنا محدوديةَ الأفكار لدى العديد من الطلبة، ولكأنهم لا يعيشون في هذا المجتمع! فإذا ما طلبَ المدرسُ بحثًا، من ألف كلمة، وهو ليس بحثًا علمياً بالمعنى الصحيح، فإن ( اللاكنيون) * لن يكتبوا أكثر من 300 كلمة، مع تجاهل الإملاء والنحو وعلامات الترقيم، ناهيك عن الهوامش والمراجع. وللأسف، شهدنا أوراقًا منقولة بالكامل من الإنترنت؛ حيث يقوم الطالب فقط بوضع اسم البحث واسمه على الصفحة الأولى!. - وبعض (اللاكنيون) يريدون أن يقوم المدرسُ بعمل الواجب المنوط بهم، بل إن هذا البعض يُريد من المدرس أن يختار لهم الموضوع الذي سيكتبون فيه، وعناصره، وأسلوب التناول، ويقترحُ لهم الصورَ والإحصائيات والمقابلات، وغيرها من الإثباتات الداعمة للبحث أو الورقة! وهذا ناتجٌ عن محدودية الخيال، وضآلة التجربة، وعدم إشغال العقل في التأمل واستنباط الأفكار الجديدة. - ومن الملاحظات التي واجهناها مع (اللاكنيون) أنهم ينسون أو يتناسون الواجبات المطلوبة خلال الفصل الدراسي، بل يأتي يومُ تسليم الأوراق أو العروض التقديمية، وبعضُهم لم يختَر موضوعه! ويطلبُ تأجيله لأسبوع آخر! وهذا ناتج عن محدودية ثقافة الوقت لدى كثيرين، على الرغم من أن توصيف المقرر يتم شرحه من أول أسبوع من الفصل، ويقوم المدرسُ بعرض التكليفات التي يتطلبها المقرر، بل ويقدِّم للطلبة نماذجَ لأوراق سابقة، ويدعو الطلبة للتفكير في مواضيعَ جديدة، بعد أن يشرحَ لهم كيفية كتابة الورقة. - الأزمة تتلخص هنا في عدم القدرة على الكتابة نتيجة محدودية الأفكار الناتجة عن عدم القراءة، وأعتقد بأننا بحاجة لأن تكون هنالك مادة كتابية – كما هو الإنشاء أو التعبير – تُرصد لها درجات، بالإضافة إلى قيام المدرس بتكليف الطالب بنشاطات خارج الفصل، كالزيارات الميدانية، والجلوس في المكتبة، لتلخيص كتاب، مثلاً! - نأتي إلى وقت الفراغ عند ( اللاكنيون)، حيث نجدهم في الأغلب، يتجولون في سياراتهم، أو يتمشون في (المولات). وغالبًا ما يكونون خارج رقابة الأسرة، قدر ما يجلسون مع الأصدقاء. كما أنهم لا يتفاعلون مع المؤسسات التي تُقيم نشاطاتٍ ثقافية واجتماعية، ولا يتعودون على القراءة كنشاط إنساني، في المقام الأول. أعتقد بأن التوجيه السليم لا بد وأن يأتي من الأسرة! وعليها تقديمُ الحوافز، ومتابعةُ الأبناء في عملية القراءة، ولا بأس من تخصيص مكافأةٍ للطالب الذي يقرأ كتابًا ويُلخصه في أسبوعين أو ثلاثة. - أتصورُ أن أحد (اللاكنيون) قد تخَرّج من الجامعة، وتم توظيفه؛ لاعتبارات خاصة، في وظيفة مهّمة! كيف سيقرأ المعاملات؟ وكيف سيكتشف أخطاء الطابع أو الطابعة؟ وكيف سيقرأ الخطاب (الذي يُعدّهُ) غيرهُ في اجتماع محلي أو دولي؟ والأنكى إن تم تعيينُ هذا الشخص في وزارة مهمة!. - كنا، قبل أربعين عاماً، نتحدثُ ونكتبُ عن تطوير التعليم، وحصل ما حصل، ولا نريد هنا عقد مقارنة بين تحصيل جيل الثانوية، قبل أربعين عاماً، وبين تحصيل الجيل الحالي، بطبيعة الحال، سهّلت شبكة الإنترنت وتوابعها أساليب التعلم، كما هي الوسائط الأخرى، لكنها جمّدت عملَ العقل لدى الطالب. إذ بضغطة زِرٍّ، يستطيع الطالبُ الحصول على معلومات أكثر من كافية، لوضع ورقة بحثية، وهذا لم يكن متوفرًا في تعليم الماضي، وكنا نذهب إلى دار الكتب، من أجل استعارة المصادر، وكنا نعود إلى القاموس للتحقق من إملاء الكلمات الإنجليزية! وبذلك تثبت المعلومةُ في الذهن، أما جيل اليوم، فيعتمد أغلبه على ترجمة الكمبيوتر – رغم عدم دقتها – وكثيرًا ما نُصادف أوراقًا على أنها من عمل الطالب، ولكنها، أو 95% منها، عبارة عن قطع ولزق ( Cut and Paste) وهنا مربط الفرس! إن كتابة البحث أو الورقة رهنٌ بعقلية الطالب، ونمط تفكيره، ورؤيته للأمور، أما أن يُلغي (اللاكنيون) عقولَهم وينقلون من الكمبيوتر، هكذا بكل سهولة، فهذا أمر يتناقضُ مع التمنية وحتمياتها، وحُسن بناء الإنسان. - كما أن تعويد الطالب وتشجيعه على القراءة، كنشاط إنساني ووطني في المقام الأول، من الأمور المُهمة في العملية التربوية، ودوماً كُنا نُردِّد بأن (التعليم ليس لفكِّ الأمية الأبجدية، بقدر ما هو إعداد الطالب لمواجهة الأسئلة الصعبة في الحياة!. - ومن الكلمات التي يتم تداولها بواسطة ( اللاكنيون) كلمات مثل: «أيظًن، شُكرن، حتمَن، بالظبط، عبارتن عنه، بين أعضاؤه، نضام، قليلن... إلخ». - الأمر يحتاج إلى وقفة جادة من جهات الاختصاص، من أجل رفع قدرة الطلبة في الكتابة الصحيحة. • وضعنا كلمة (اللاكنيون) بين قوسين، حتى لا يتغيّر موقعها من الإعراب.
1408
| 26 يونيو 2019
قسّمت الكاتبة الدكتورة أسماء معيكل روايتها «تلُّ الورد» إلى عدة فصول، تبدأ بعنوان منفصل، يجري في رويّ عبر الراوي العليم، وتتناوب الشخصيات في كلِّ فصل، تعلن عن مواقفها، في اتساق تام مع حبكة الرواية، وهذا ما رفع الإرباك الذي يحصل لدى القارئ عندما تتداخل الشخصيات في كلِّ فصل. صوّرت الكاتبة معاناة اللاجئين السوريين، سواء في معابر الخروج إلى تركيا، أو المعابر الغربية إلى هولندا، إلا أن الحبكة اقتضت، بعد أن تم لم شمل عائلة (عمران)، أن يحدث صدام الأفكار والسلوكيات، إذ كيف لإنسان عاشَ في عالم النظافة والنظام، وحقوق الإنسان، والسكن المجاني، والتعليم المجاني، والراتب أيضاً، أن يعود إلى بلد مُدمَّر، والموتُ يقبع في كُلِّ زاوية وفي كُلِّ مسجد!؟ بعد ضياع الابن (حيّان) الذي حوّلت العائلة الهولندية اسمه إلى (حنّا)، لأنها عائلة مسيحية، يعود الوالدان خائبَين إلى قرية (تلّ الورد) ليجداها بَلقعاً، خصوصاً وأن أم (عمران) قد أصابها الجنون، و(كافي) يحملها (عمران) فوق كتفيه، بعد أن تمكّن منها المرض، ويدفنها مع أخته (باهرة) تحت شجرة، بعد أن اكتظت المقبرة - (بستانُهم) الذي تحوّل إلى مقبرة - بالجثث. في مشهد دراماتيكي، يكتشف (عمران) أن أخاهُ (ربيع) لم يمت، كما أشاعت (الجماعة الإسلامية)، بل شاهدهُ (عمران) واخته (باهرة) يمشي مع (الدهلوج)، جارهم الذي هو الآخر فقد عقله، بعد أن سقط عليه برميلٌ متفجر، وصارا يأكلان الجيف والقطع الآدمية!. تربط الكاتبة حكاية (أشورينا) ذات الجمال الرائع ووحيدة أهله، وكيف أنها كانت (مرصودة) من قبل مارد، وقرر والدُها مَن الشخص الذي سيفوز بحبها؛ تقول الرواية: «ففي إحدى الليالي الباردة، هبّت رياح عاتية، وجلبت معها أسراباً من الطيور الغريبة، وبينما كانت (آشورينا) جالسة تغني في البستان صباحاً، انتفض أحدُ الطيور الغريبة، وتحوّل إلى كائن غريب، له جسد إنسان، ووجه شيطان، وذيل كلب، ثم انقضَّ عليها واغتصبها، بعدها عاد مرة أخرى إلى ما كان عليه، وحلّق بعيداً، ومن ذلك اليوم، توقفت (آشورينا) عن الغناء، وبعد فترة من الزمن، وبينما كانت جالسة في البستان حزينة تفكِّر فيما جرى لها، نزل أحدُ طيور البستان بجوارها، انتفض ثم تحوّل إلى رجل قبيح المنظر، وانقض عليها واغتصبها، وعاد إلى هيئته الأولى، رفرف بجناحيه، وحطَّ على غصن قريب يراقبها، وهي تنتحب. بعد ذلك، تكالبت عليها الطيور، في كُلِّ مرة يأتيها طائر يختلف عن الآخر، بعضها كان غريباً عن المكان، وبعضها من المكان نفسه، يتناوبون على اغتصابها، لم يدرِ بها أحد، لكنَّ والديها لاحظا أنها بدأت تفقد جمالها، وتغيّر صوتها العذب، فاعتقدا أن ذلك بتأثير المارد، وقد حلما بمجيء فارس يُحررها من ذلك المارد، طال انتظارُهما، ولم يأت أحد، وفي كُلِّ يوم كانت (آشورينا) تذبل، لم يحتمل الأب رؤية ابنته على تلك الحال، فهامَ على وجهه في البراري، ووجدوه ميتاً جوار صخرة، ولم تحتمل الأم رؤية ابنتها تنطفئ، ففقدت عقلها، ولم تعد تعي شيئاً». إن مصير (آشورينا) هو نفسه مصير (كافي) و(باهرة) بل ومصير سوريا بأكملها، واستحضار قصة (آشورينا) جاء مُحكماً وفي اتساق مع أحداث الرواية. ربطٌ مُوفق ووثيق بين الأحداث، وانتقالٌ سلس حتّمته الأحداثُ الحقيقية التي جرت في سوريا، وتطوّرٌ للشخصيات أثرى الرواية، تماماً كما هي لغة السرد التي تجعل القارئ يواصل قراءة الرواية حتى الصفحة 382، والتي تختم الرواية بأنشودة: خضرة يا بلادي خضرة رزقك فوّار محروسة بعين القدرة تبقى هالدار
1153
| 16 مايو 2019
لم يكن لعَبق الجوري ورائحةِ اللوز، وثمار التين والعنب والرمان أن يعيش، بعدما حَلَّ الدمار بتلك القرية، وحَطّت أشكالٌ من الغربان المتوحشة، وقامت بتخريب كُلِّ شيء، من الحيوان حتى الإنسان، وتَغتصبُ تلك الغربانُ لحظاتٍ مسروقة من عين الشرف والنقاء. الالتحامُ بين الثوار السوريين وقوات الجيش الرسمي لا يتوقف، والكلماتُ النابية تنبت من أفواه الجنود النتنة، والإهانات والتفتيشات على الحواجز، والرشوة، وعذابات الانتظار لا تتوقف. موضوع (الإسلاميين) و (الدواعش) وفرضُهم قوانينَهم الغريبة، على كُلِّ مَن يلاقونه بالقوة، وإن امتنعَ أحدُهم عن الانصياع لأوامر الجيش قُتل بدمٍّ بارد، أو أودعَ السجن دون أن يعلم به أحد. عالجت الرواية المأساة السورية من جميع جوانبها، بأسلوب أدبي راقٍ، ولكأنها تحملُ كاميرا تُسجّل الأحداث بكلِّ دقة. التناقضات كانت حاضرةً في الرواية، وكيف أن الابن (ربيع) الذي انضمَ إلى (التنظيم الإسلامي) يتحوّل إلى وحش، ويتبرعُ لتعذيب والده، الذي كانت له قيمة ووقار لدى أهل القرية، بل يأخذه بنفسه بعد تعنيفه إلى السجن. تناقض آخر يتجلّى في خوف (عمران) على ابنه (حيّان) الذي لم يُكمل تعليمه الابتدائي، ومخاطرته به، كي يخرج من معسكر اللاجئين في تركيا، إلى هولندا، حيث يصرف (عمران) كُلَّ ما في يده من مال، كي يؤمِّن تهريبَ الطفل، ومن ثم، وبعد سنوات، تأتي معاناة الأب في السفر من تركيا إلى هولندا، والالتقاء بابنه (حيّان)، الذي أصبح غربيَّ الطباع والهيئة والتفكير، كونهُ سكَنَ عند عائلة هولندية، ودخل مدارس هولندية! خيبةُ أمل تبدو على والديه المُسلمَين المُحافظَين، يحاولان إثناءَه عما يقوم به، حتى يهرب منهما ويتوه في شوارع اللهو والإجرام. الاغتصابُ أمرٌ مألوف ولا يفرق المتطرفون بين عجوز وفتاة. زوجة ( عمران)، (كافي)، تتعرض لمرات عديدة من الاغتصاب على يد جنود الجيش الرسمي، شأنها شأن (باهرة) أخت (عمران)، التي عانت من مرات الاغتصاب بصورة وحشية. في (تلّ الورد ) المكان (الذي قد يكون افتراضيًا لمن لا يعرف القرى والمدن السورية) والرواية، لا تشمّ إلا رائحة الموت، والاغتصاب، وولوج الرصاصة إلى الرأس، ولا ترى إلا الثياب النتنة وآثار التعذيب على الرجال والنساء، وتحوّل الإنسان إلى مجرد كائن لا يعرف ماذا يريد؟ ولا يستطيع التنبوء بما سيحدث بعد لحظة، يروي (عمران) ما حصل له بعد الاعتقال: « وجدنا أنفسنا مُطوقين من قبل رجال الأمن ونحن نهمُّ بالخروج في نهاية الدوام من المعمل، حشرونا في شاحنة وهم يسوقوننا بالعصيّ والركلات العشوائية كما تُساق البهائم، ثم أودعونا في فرع الأمن العسكري، وهناك جرّدونا من هواتفنا ومن وثائقنا الشخصية، ثم أنزلونا إلى سرداب، ووضعونا في غرفة مُعتمة ضاقت علينا، رغم اتساعها، بحيث لا يمكن للشخص أن يتمدَّد وعليه أن يظل واقفاً، وبالكاد يمكنه أن يجلس القرفصاء، في انتظار أن يأتي دورهُ في التحقيق، كانت أصواتُ التعذيب والاستغاثات تصل إلينا من الغرف المجاورة، صرنا نرتعدُ من الخوف، ومما ينتظرنا في غرف التعذيب، ثم دخل علينا ضابط ومعه بعض أتباعه، كانت ملامحهم قاسية وقبيحة، تفرّس الضابط في وجوهنا واحداً واحداً، ثم قال لنا: - متطلعوا في المظاهرات يا كلاب؟! بدكن حرية ؟! الآن سأريكم فيلماً سيعجبكم كثيراً.. خذوهم جميعاً إلى غرفة التعذيب». كلمات خارجة عن الذوق والأخلاق تنطلق من أفواه الضباط والجنود، دونما مراعاة لحقوق المواطنة، أو القانون المدني. يتواجه الابن (ربيع) بعد أن انضم إلى الجماعة الإسلامية مع أسرته، ويبدأ في تنفيذ قوانين الجماعة على الجميع، بدءاً من أبيه وأمه وحتى أخته (باهرة)، ويُغيّر اسمه إلى (أبو المثنى) كي يُصبح في النهاية جلاّداً يقطع الرؤوس الآدمية بكُلِّ وحشية وتلذُّذ، يدور هذا الحوار مع أسرته: «- ترفع صوتك على أمك وأختك الكبيرة يا ولد! هكذا علّمك قائدُك، ودينُك الجديد؟! أمام غضب الأم يتراجع (ربيع) قليلاً، ويخفف من لهجته: - يا ميمتي، يا روحي، أنا لا أريد إلا مصلحتكم، هذه الملابس التي ترتدونها حرام، لأنها تُظهر مفاتن المرأة، وأنا خائفٌ عليكم من عقاب الله. - الله أرحم الراحمين يا ابني، وهذا زيّنا، تعوّدنا عليه منذ زمن طويل، وهو محتشم وليس فيه ما يُعيب، ونحن نعرف الحلال والحرام. ونعرف أمورَ ديننا جيداً ولا انتظر منك يا ابن بطني أن تأتي الآن لتعلّم أمَّك أمورَ دينها! - كلامك صحيح يا أمي، ولكن هناك أشياء كُلُّنا نجهلها، وعلينا أن نسأل أهلَ العلم، والملابس السوداء أستر للمرأة، وتغطية الوجه ضرورية إذا كان وجه المرأة فيه فتنة، وأنت تعرفين جمال (باهرة)، هل تريدينني أن أسمع الناسَ يتحدثون عن جمالها وينظرون إليها وأسكت؟! عليها أن ترتدي العباءة، وتضع النقابَ في أثناء خروجها من البيت، وأنتِ لا بأس يكفي أن تلبسي العباءة. أتى ردُّ (باهرة) صارماً: - لن أغيّر ملابسي يا (ربيع)، كُلُّ أهالي (تلّ الورد) يعرفونني، ولا أحد يجرؤ على الإساءة إليّ، فيكفيك فذلكة، ههه، وكأنكم انتهيتم من كُلِّ شيء، وصحَّحتُم كُلَّ الأوضاع، ولم يبق سوى حجاب (باهرة)!» وضعٌ انقلابيٌ على كُلِّ مكتسبات المجتمع، وصراعٌ بين الاعتدال والتطرف، وهي إشارةٌ واضحة على مدى تغلغل التطرفُ في حالة (تلّ الورد)، شأنه شأنَ العديد من المدن العربية التي رُزِءَت بالأفكار المتطرفةِ والمُخالفةِ لصيرورة العصر.
1338
| 14 مايو 2019
ستةُ رؤساء دول عربية أسقطتهم شعوبُهم، وبقيّ واحدٌ مُتكئاً على قوات أجنبية تحمي بلاده. والمصادفة أن الرؤساء الستة وقفوا في الصف الأول، في أحد الاجتماعات العربية، بينما وقف الزعماءُ العرب الآخرون في الصف الثاني! حيث تم وضع علامة ( x ) على صور الستة، إشارة لرحيلهم بعد الحراك الشعبي. الأنظمة في أغلب الدول العربية أمرُها غريب !؟ فهي تستعذبُ الاضطهادَ، وتتربى على الديكتاتورية، ونظام الرَجل الواحد! وهي إما موبوءة بحُكم العَسكر، الذي سيطر على معظم " الثورات"، مثل: مصر، سوريا، ليبيا، اليمن، العراق، السودان، الجزائر، موريتانيا، أو محكومة بنظم شمولية قابضة لا علاقة لها بمصالح الشعوب. ولقد جرّبت بعضُ الدول العربية، التي تتقاسمها إثنياتٌ وأيديولوجياتٌ، مثل لبنان، النموذجَ الديموقراطي، الذي يوزِّع الحقائبَ الوزارية – بتوازن – على تلك الإثنيات ومن يُمثلها، حسبما يقرُّ بذلك الدستور! ولكن مع استبشارنا بهذا النموذج، إلا أن البلد دخل في حرب أهلية عام 1975، وعانى من الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ومن ضربات الطيران الإسرائيلي – الذي دمّر مؤسسات البلاد، خصوصاً طرق المواصلات – عام 2006! كلُّ ذلك بسبب وجود (حزب الله) في الجنوب والضاحية، واستفزازه المُستمر لإسرائيل، رغم أن هذا الحزب يعتبره اللبنانيون رمزَ المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بالطبع أثّرَ ذلك سلباً على إنجازات الدولة، وتدهور الاقتصاد، وضعُفت المرافقُ العامة كالماء والكهرباء، وانحسرت فرصُ العمل، ناهيك عما يعاني لبنان من الحروب الأخرى، حيث مخيمات اللاجئين، التي أثّرت على فرص العمل للبنانيين، ونشوء مجتمعات غير آمنة في تلك المخيمات. لا نودُّ هنا تقديمَ كشفِ حسابٍ لما قام به هؤلاء الزعماءُ العرب، لأن الشرحَ يحتاج لمساحة أكبر، ولكن هنالك ملامحَ واضحة في البلدان التي حُكمت عبر شخص واحد لأكثر من ثلاثين عاماً!. ومن هذه الملامح: ضعفُ البنى التحتية، وتدهورُ التعليم والخدماتِ الطبية، ونشوءُ انشقاقات إثنية وعِرقية في البلد الواحد، كما حدث في العراق وليبيا والسودان واليمن، وهذا ما أدى إلى الدخول في حروب أهلية دمّرت العديد من مؤسسات البلاد، وراكمت عليها الدَين الخارجي، بحيث انصرف الشعبُ يطاردُ شبحَ الرغيف، ونسيَّ معنى الكرامة أو الديموقراطية التي وعَد بها هذا الجنرال أو ذاك المُهيب أو ذاك الزعيم! ومن الملامح الواضحة في تلك البلدان: أن الفساد يستشري، وتتسعُ أفواهُهُ لالتهام كعكةِ الوطن، التي لا تصل إلى الجماهير، إلا عبر الصحافة والتلفزيون، ولا "يذوق" الشعبُ طعمَ تلك الكعكة!؟ لذلك تظهر ما تُخفيه خزائنُ الرئيس " الديموقراطي" بعد أن يُطاح به، ويكتشفُ العالم مدى " جشع" هذا الرئيس، وكيفية استئثاره وعائلته بمُقدرات الشعب!؟ ومن الملامح أيضاً: أن الرئيس يظل طوال ثلاثين عاماً يتحدثُ عن إصلاح الاقتصاد، وتوفير فُرص العمل للشباب، وتنفيذِ برامجَ استثماريةٍ يعود خيرُها على الشعب، ولكن لا تتحقق تلك الوعود، التي ألِفَها الشعب، وهي ( لا تُسمن ولا تُغنى من جوع)!؟ ومن الملامح أيضاً: غيابُ الرئيس في قصره بين الحرس، وعدم خروجه لتلمس احتياجات الشعب، أو محاسبة الجهاز التنفيذي على القصور في أوجه الحياة العامة! ذلك أن التقارير التي تصل إلى الرئيس – عادةً – ما تكون غير دقيقة، بل وغير أمينة؛ حتى يختنق الشعبُ ويثور مُطالباً برحيل الرئيس! ومن الملامح في تلك الدول: تركيز الاهتمام على الجوانب الأمنية وشراء الأسلحة، دعماً لبقاء النظام، في الوقت الذي تُستخدمُ هذه الأسلحة، المُشتَراة من قوتِ الشعب، لضرب هذا الشعب، والمثال السوري والليبي والسوداني واليمني واضح للعيان. وبهذا المنطق، لا يتم الالتفاتُ إلى إصلاح التعليم، وتطوير الخدمات الطبية، أو تهيئة المُناخ العام للإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية، عبر انتخابات نزيهةٍ، ولعل الرقم (99.9 %)، واضح في الأدبيات التي حكمَت الانتخاباتِ في أكثر تلك الدول، وهو يؤيد بقاء الرئيس الأوحد، لثلاثين عاماً فوق الكرسي، غيرُ مُبالٍ بجلوس الشعب فوق " الخازوق"!؟ ومن الملامح في هذه الدول: فتحُ السجون للمعارضة، وحبسُ أيِّ صاحبِ رأي، دون محاكمة، حيث تظلُّ قضايا الرأي سنوات عديدة تدور في أروقة القضاء، الذي يُفترض أن يكون نزيهاً، يُدافع عن الحق، حتى لو كان هذا الحقُّ ضد الحكومة أو النظام ؛ لذلك، تسود المجتمع نقمةٌ على النظام، وحبُّ الانتقام، يتمثل في مظاهرات وتفجيرات واعتداءات على المواكب، وتفخيخ السيارات! ومصير الرئيس اليمني المخلوع (علي صالح) خير مثال، وأيضاً الرئيس الليبي (معمر القذافي)، ولو بقي الرئيسان السابقان الجزائري والسوداني لَلقيا المصيرَ نفسه!. بوديّ لو قرأ هؤلاء الرؤساء، ومَن بقي على العرش منهم، سِيّر الرؤساء الأمريكان أو الغربيين، وكيفَ أنهم يحكمون وفق الدستور، فترة معينة، لا يمكن أن يتجاوزوها، ويخرجون من قصر الحُكم لا إلى السجن أو المقبرة، بل يَسعدون بقيةَ عُمرِهم مع أحفادهم في الريف، ويصبحون نجوماً في الملتقيات السياسية أو البرامج التلفزيونية، ويظل حبٌّهم في قلوب الناس، الذين يستحضرون إنجازاتهم. لقد جرّبت الشعوبُ العربية حُكم العسكر، في أكثر من ثماني دول عربية، ولأكثر من ثلاثين عاماً، وفي بعض الدول لأكثر من سبعة وستين عاماً، فلماذا لا يُسمح لها بـ"تجربة" نموذج آخر؟ وها هو الناطق باسم الجيش السوداني " يتعهد" بأن الجيش لن يمسك الحكم إلا لعام فقط وهي فترة انتقالية، لترتيب الحُكم في السودان، ويتم تسليم الحُكم إلى سُلطة مدنية منتخبة! ثم أعلن وزير الدفاع أن الفترة الانتقالية ستكون عامين، بعد أن تم اعتقال الرئيس البشير!؟ فهل سيتحقق الوعد، أم "يستلذُّ" العَسكرُ – جرياً على التاريخ – ممارسة الحُكم في السودان! يتخوف كثيرٌ من المُفكرين والمُحللين من عودة العَسكر من النافذة، بعد أن تمت الإطاحة بالبشير من الباب!؟.
1321
| 17 أبريل 2019
أصدرَ حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى يوم 14/1/2019 القانون رقم 7 لسنة 2019، بشأن حماية اللغة العربية. وحوى القانون مجموعةً من الإجراءات الكفيلة بتحقيق رؤية صاحب السمو لدعم اللغة العربية، ومنها: إجراءات التفاوض، والمُذكرات والمراسلات التي تقوم بها أجهزة الدولة، والاتفاقيات التي تعقدها الدولة مع الحكومات والهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، وكذلك المؤتمرات. ونصَّت مواد القانون البالغة 15 مادة، على إلزام الجامعات ومؤسسات التعليم العالي التابعة للدولة بالتدريس باللغة العربية، وكذلك إجراء الدراسات والبحوث العلمية، وتسمية الشركات التجارية والعلامات التجارية، وحوت المواد ( 11-12) العقوبات التي حدّدها القانون في حالة وجود مخالفة من أية جهة. ولقد استوقفتني المادة (2) من القانون والتي تُلزم الوزاراتِ والأجهزة الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة باستخدام اللغة العربية في اجتماعاتها ومناقشاتها، وتسميات وبرامج ومنشورات وإعلانات مرئية أو مسموعة أو مقروءة. وفي واقع الأمر، نحن نعاني من أَمْرين مُهميّن في قضية اللغة العربية، الأول هو: نفور الطلبة والطالبات من اللغة العربية، ليس لكونها صعبة، بل لأن المناهج التعليمية السابقة، والخبرات التراكمية لمنظور التعليم، وكذلك الأسرة، لها دور كبير في تدنّي استيعاب أبنائنا وبناتنا للغة العربية، فنحن نشهد حاليا في المرحلة الجامعية، طلبة وطالبات لا يعرفون الكثير عن اللغة العربية، بل وتكون مُمارستهم لها في حدود دُنيا! فالطفل في سن السابعة أو الثامنة، والذي أُدخلَ مدرسة أجنبية، نجدهُ لا يستطيع نُطق الجُمل، بل ولا التراكيب اللغوية الصحيحة، لأنه يقضي حوالي سبع ساعات في المدرسة، يتحدث بالإنجليزية، ويُناقش نظراءَهُ بالإنجليزية، ثم يأتي إلى المنزل، ويتحدث مع المُساعِدة بالإنجليزية لمدة خمس ساعات، قد تتخللها بعضُ الحوارات مع الأب أو الأم باللغة العربية. والطفل أيضاً يقضي 3-4 ساعات يومياً وهو يشاهد برامجَ تلفزيونية باللغة الإنجليزية، أو يمارسُ ألعابًا لغتها إنجليزية! فكيف لنا أن نجعل من هذا الطفل مُلبيًا للقانون السامي؟! هل هي مسؤولية المدرَسة، أم الجامعة، أم مسؤولية الأسرة، التي ترتاح جداً لو بقي الطفل خمس ساعات يشاهد قناة أجنبية، حتى لا « يُعكّر» مزاج الأم!؟ وهنا لا نتحدث عن اللغة فقط، بل عن الثقافة التي تحملها تلك اللغة الأجنبية، والمفاهيم التي تترسخ في عقل الطفل. إذن، فالمسؤولية هنا على الأسرة في المقام الأول، وثانياً: المسؤولية على جهات التعليم، في ( تحبيب) الطالب في لغته العربية، وإعطائه الحوافز لإتقانها، حيث يتشكَّل وجدانهُ وثقافته من اللغة التي يُتقنها. ونحن في المرحلة الجامعية، نشهد ضعفاً واضحاً لدى أبنائنا وبناتنا، في هذا الجانب، وأعتقد أن القانون الجديد سوف « يُنبّه» القائمين على شؤون التعليم بإعادة النظر في مناهج، ووسائل توصيل المادة، بحيث نضمن تطبيقَ القانون السامي، وبما يخدم أهداف الدولة. الأمر الآخر هو لغة الإعلام!؟ فنحن نشهد تراجعاً في الأداء الإعلامي – في الإذاعة والتلفزيون – حيث تحاول البرامجُ التركيز على اللهجة المحلية، دونما اعتبار للغة العربية، التي هي حاضنة الحضارة العربية والإسلامية. والمادة (2) من القانون صريحة، ولها دلالة واضحة على ضرورة استخدام اللغة العربية في وسائل الإعلام. كنا في السبعينيات، لا يُسمح لنا بالجلوس خلف المايكروفون وأمام الشاشة، إلا بعد أن نجتاز امتحان الشاشة وامتحان اللغة العربية!؟ كما كانت لنا سجالات يومية، يذكرُها الجيلُ الإعلامي من نظرائي ( عبدالوهاب المطوع، محمد إبراهيم، د. يوسف الإبراهيم، المرحوم فوزي الخميس، الأستاذ زهدي أبوخليل، والأستاذة كوثر مطر، وليلى الأطرش، وذهبية جابي)، وغيرهم مِمن كانوا يدخلون في نقاشات حامية حول أدائنا لنشرة الأخبار في الليلة السابقة وكان كلٌّ منا يستفيد من تلك النقاشات، بل كان مدير التلفزيون آنذاك – عام 1974 – الأستاذ جواد مرقة، يستدعيني بعد أن أُكمل نشرة الأخبار، حيث يُسلّمني ورقة صفراء دوّنَ فيها بعض الأخطاء التي عملتها في النشرة، ويُهدِّدُني بتوقيفي عن النشرة إن أعدت تلك الأخطاء في نشرة قادمة. وبهذه الطريقة حفظنا اللغة العربية، وبعضنا رجعَ إلى مُدرس لغة عربية كي يقويّ لغته، بل أصبح المذيع فينا « يخجل» في اليوم التالي، عندما يُرسل الأستاذ زهدي أبوخليل، ورقته حول أخطاء المذيعين، وبذلك تعلّمنا اللغة العربية، وبعضنا تخصَّص فيها في مرحلته الجامعية. أما اليوم، فنلاحظ أن 90% من برامج الإذاعة والتلفزيون تُبث باللهجة المحلية، وهو أمرٌ يتناقض مع القانون السامي، وأعتقد أن اشتراطات قبول المُعد والمذيع، في الأجهزة الإعلامية تحتاج إلى إعادة نظر؟! ذلك أن لغة الدولة، هي العربية الفصحى أنطلاقاً من هوية الدولة، التي نصَّ عليها الدستور. ثم أتى هذا القانون ليؤكد ضرورة استخدام اللغة العربية، حسب المواد التي تنظم هذه القضية. وعليه، فإن امتحانات قبول المذيع في الإذاعة والتلفزيون يجب أن تنطلق من هذا القانون، وأن نبتعد عن المجاملة أو المهادنة، لأن القائم بالاتصال (المذيع)، إن لم يُتقن لغته العربية، فإنه لن يُوصل الرسالة التي ترسلها الدولة بصورة صحيحة. وبطبيعة الحال، نحن نشهد حالياً مذيعين ومذيعات لم يتطوروا منذ 15 عاماً، ويُحبّذ البعضُ البرامجَ الحوارية ( Talk shows)، باللهجة المحلية، ولكن إن وصلَ خبرٌ من أية جهة حكومية، إلى البرنامج، ظهرَ الارتباكُ والتلعثمُ على المذيع أو المذيعة، ولا يفلح أيٌّ منهما في توصيل الخبر المكتوب باللغة العربية الفصحى. القانون السامي يُشكِّل خارطةَ طريق لإصلاح المسار الذي قام عليه التعليم والإعلام في بلدنا. ونحن نقول هذا، من باب الاعتراف بالخطأ، لمحاولة تصحيحه، وليس لتسجيل موقف دفاعي ضد مقولة: « ‘إنكم قدامى الإعلاميين، تتمسكون باللغة العربية الجامدة، وهي لا تناسب العصر»؟؟ وهذا قولٌ مردود عليه، لأن اللغة العربية، لو كانت جامدة، لما نزل بها القرآن الكريم، ولما حُفظت فيها العلومُ والتفاسيرُ والشِّعرُ والموسيقى. اللغة العربية حضارة، وحافظة للهُوية، ونحن نريد لأبنائنا وبناتنا أن يحافظوا على هذه الهُوية، لأنها هي المستقبل، ولا بأس من إتقان لغة أخرى إلى جانبها. وأخيراُ أعتقدُ، بأن على الآباء والمُرَبين أن يلتفتوا إلى هذه القضية، وألاّ «يتفاخروا» بأن أبناءَهم يُتقنون اللغة الإنجليزية، في الوقت الذي لا يعرفون فيه شيئاً عن اللغة العربية.
2039
| 23 يناير 2019
بطبيعة الحال، فإن حقوق أغلب الشعوب العربية ضائعة، ولا يُمكن استردادها! بدءًا من الشعب الليبي، إلى الشعب العراقي، إلى الشعب اليمني، إلى الشعب السوري، إلى الشعب المصري، وغيرها من الشعوب التي لم يصلها (الربيع العربي)، ولكن ظلَّ النظام فيها لآمادٍ طويلة، لا يُحرك ساكناً، حتى ولو وصل الرئيس إلى (الكرسي المُدولب)، ولا يستطيع الوقوف للنشيد الوطني! بالله عليكم، كيف يمكن لحاكم أن يحكم بالعدل والرؤية الثاقبة وقد قارب الثمانين؟ هل الحكم حقٌّ إلهيّ لشخص واحد ومدى الحياة؟ نحن لا نريد استحضار حالات الحكم الغربي الديمقراطي، حتى في الملكيات الدستورية، حيث إن رئيس الوزراء يقود البلاد لفترة محددة، ثم تأتي بعد ذلك انتخابات جديدة، قد تُبقي الحزب ذاته في الحكم، وقد يأتي حزب آخر، كان معارضًا ويواصل عمل الحزب الأول. والحال في الفترات الرئاسية في الولايات المتحدة، مختلف أيضًا عما عليه في العالم العربي. فالرئيس العربي – في النظام الجمهوري – يبقى مدى الحياة، ما لم يتدخل القدر، أو احد الأبطال فيقتل الرئيس. وهنالك رؤساء فهموا شعوبهم بعد ثلاثين عاماً من الحكم، إثر ثورة مضادة، والبعض الآخر تم تفجيره وتشويه جسده، وظل متمسكا بالحكم، وآخرهم، خرج الشعب يُطالبه بالرحيل، فأبى، وظل يخطب خطبًا عصماء، كما فعل أول مرة عندما قاد الانقلاب ووصل إلى سدّة الحكم. وقد تراجع الأداء في بلده، وارتفعت الأسعار، وعانى الشعب ما عاناه من ويلات الحطّ بالكرامة. ونأتي إلى سوريا، وحقوق الشعب السوري! هل فعلاً ضاعت حقوق السوريين، وذهبت عذاباتهم مع المنافي أدراج الرياح؟ وهل جرت مداولات سرية من أجل إبقاء النظام، مع تراجع الثورة السورية؟ إن المؤشرات، هذه الأيام، تُنبئ عن ذلك، وإن خريطة جديدة ستكون في سوريا، التي تنتهكها جيوش نظامية لدول أجنبية، مثل روسيا وإيران، وايضًا مليشيات خارجية كعناصر (حزب الله) اللبناني المدعوم من إيران. وغيره من العصابات المجرمة التي عاثت فسادًا في هذا البلد، وروّعت أهله، وهدمت المنازل والمساجد والكنائس والقلاع الأثرية، دون ردع أو حتى وازع من ضمير، وجرى ذلك تحت راية الإسلام. السؤال المهم، بعد وجود تحركات للعودة إلى سوريا، من بعض الأنظمة العربية، وبعضهم يرى أن تلك العودة يجب أن تكون عبر بوابة الجامعة العربية، وهو مؤشر مهم يُنبئ عن نية لعودة العلاقات العربية مع سوريا، حتى من قبل الأنظمة التي ساندت الثورة السورية. أتصور المشهد، في القمة العربية، حيث يجلس (بشار الأسد) مبتسمًا أمام القادة العرب، متناسيًا الدمار في بلده، والأطفال السوريين الذي ماتوا غرقًا في البحر، وعذابات الشابات السوريات في الملاجئ والمخيمات، في بعض البلاد العربية، حيث حصلت مآسٍ عديدة دون أن يركز عليها الإعلام. كما أن ( الأسد) لا يستحضر جيلاً من الطلاب السوريين الذين حُرموا من دراساتهم، وآمالهم، وهم يعبثون ببقايا الرصاص والمدافع. مَن يُحاسب مَن؟ وهل سيتم تعليق «إثم» النظام على الثورة المُجهَضة، وهكذا تعود سوريا إلى نقطة الصفر، وينسى التاريخُ كلَّ المآسي التي لحقت بالشعب السوري؟ وهل سيتناسى التاريخ مُعاقبةَ المسؤول عمّا لحق بالشعب السوري؟ وهل من الحكمة استخدام أموال الشعب السوري وجيشه في تدمير هذا البلد الجميل، وتهجير أهله، وإذلالهم في المنافي، تحت رحمة قوانين صارمة، فيما يتعلق بحق اللجوء. والسؤال: لماذا اللجوء في المقام الأول؟ أليس من مهام الجيش – في أي بلد – هو حماية الشعب والسهر على أمنه ورخائه؟ فأين الشعب السوري من كل هذا ؟ أليس من حق الشعب السوري أن يقول كلمته، كما قالتها الشعوب العربية الأخرى، التي عانت جور النظام، ومن أعطى الحاكم العربي الحقَّ في تكميم الأفواه المُطالبة بحياة كريمة، وبرحيل النظام الفاسد، أينما كان؟. ولقد كان لقرار الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) سحب القوات الأمريكية من سوريا، والذي أعلنه في 19/12/2018 الأثر الأبلغ في خلط الأوراق في سوريا، ولربما خلق حالة اندهاش دبلوماسي، إذ إن الفراغ الذي ستتركه القوات الأمريكية، الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية ( الأكراد)، سيترك قوات سوريا الديمقراطية تحت رحمة القوات النظامية السورية والقوات التركية، وترى تقارير غربية أن أكثر الدول استفادة من القرار الأمريكي، هي إيران، كون الانسحاب الأمريكي يعزز التواجد العسكري الإيراني، في المناطق التي سوف تنسحب منها القوات الأمريكية، وهذا بحد ذاته، يُعتبر انتصارًا واضحًا لحلفاء (الأسد)، مع أفول نجم المعارضة التي ستدخل عامها الثامن في شهر مارس القادم. كما استفادت تركيا من الوضع القائم، بإحكام سيطرتها على مناطق في الشمال السوري، لمحاربة ( الأكراد)، الذين تعتبرهم قواتٍ إرهابية، فدخلت القوات التركية عدةَ مدن مثل (جرابلس) و(عفرين)، ويرى مراقبون أن فراغ القوة، المتمثل في انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، سوف «يُغري» تركيا بالتمدُّد أكثر فوق الأراضي السورية باتجاه (منبج). وكانت وكالة (دمير أورين) التركية قد ذكرت أن (أنقرة) كثّفت من إرسال تعزيزات إلى حدودها مع سوريا، ويأتي ذلك، بعد ايام قليلة من تصريحات الرئيس التركي ( رجب طيب أردوغان) أشار فيها إلى أن بلاده ستؤجل عملية عسكرية مُزمعة ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، بعد أن قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا، وأضاف الرئيس التركي، أن بلاده سوف تواصل المعركة ضد تنظيم ( داعش) في سوريا، مع سحب القوات الأمريكية من هناك. من جانب آخر، ذكر الرئيس (ترامب)، خلال زيارته للقوات الأمريكية في العراق، أنه سيُبقي القوات التي قوامها 2000 جندي في سوريا لحوالي أربعة أشهر، قبل سحبها، وكان عدد من الخبراء الأمنيين الأمريكيين قد أشاروا إلى أن (ترامب) يُبالغ في الأمر، وحذّروا من التعجل في الانسحاب من سوريا. اللاعب الثالث على المسرح السوري هو الجيش الروسي، والذي تمثّل عملهُ في حماية النظام ودعم (الأسد)، خلال السنوات الماضية، إلا أن مكاسب روسيا تبدو محدودة مقارنة مع مكاسب إيران وتركيا، من «الغنيمة» السورية. ولقد ذكر تقرير لصحيفة (نيويورك تايمز) أن « سوريا ستكون دولة ضعيفة تحت سيطرة روسيا وإيران».. وأنها ستكون نسخة من دول (البلقان)، التي أنهكتها الحرب الأهلية لثماني سنوات. وعن الموقف السوري، رأت الصحيفة أنه « بعتد سنوات من الحرب الدموية، التي بدأت بالربيع العربي، والمطالبات السلمية بالإصلاح، فإن سوريا ستخرج من ركاب الحرب الأهلية، ولن تكون سوى نسخة هشة ومشوهة عن التي وُجدت قبل الحرب. وأشارت الصحيفة إلى أن الإيرانيين والأتراك سوف ينافسون الدور السعوي في سوريا، بغية إيجاد موطئ قدم لهم على المستوى الإقليمي، بينما تسيطر روسيا على السياسة الخارجية والخدمات الأمنية. إن الطريق ستكون وعرة جداً أمام سوريا الجديدة، وستبقى مشكلة اللاجئين تؤرق النظام، وكذلك مشكلة إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي، بعد كل النبذ والرفض الذي قوبلت بها أعمال النظام في المجتمع الدولي، ناهيك عن تكاليف إعادة إعمار ما دمرته الحرب في هذا البلد. وأخيرًا.. هل ستوجد محاكمات عادلة ونزيهة لكل مَن ساهم في تدمير هذا البلد؟.
1520
| 09 يناير 2019
انتهت الأسبوع الماضي الامتحانات النهائية للفصل الدراسي خريف 2018، ونبارك لطلبتنا وطالباتنا ممن حالفهم الحظ في اجتياز الامتحانات بنجاح، وتأهلهم إلى المرحلة التالية، كما نتمنى على الذين لم يُحالفهم الحظ، أن يتمعّنوا في الأسباب التي أدّت إلى تأخرهم. وبهذه المناسبة، وحرصاً منا على أن يقتنص أبناؤنا وبناتُنا الفرصة، لتحقيق آمالهم في الدراسة، وبالتالي خدمة الوطن، وبعد تجربتنا لأكثر من خمسة وعشرين عاماً في التدريس الجامعي تولدت لدينا بعض الأفكار والرؤى حول ملابسات التعليم الجامعي وظروفه، نوجزها في التالي: عدم تأهيل طالب الثانوية تأهيلاً واضحاً ودقيقاً، كي يُدرك متطلبات المرحلة الجامعية! إذ نجد الطالب لا يُقدّر قيمة الوقت، فهل لا يحضر في موعد المحاضرة، وقد يصل متأخراً لأكثر من خمسين دقيقة، وهو أمر مخالف لنظم التعليم، كما أنه يفوّت على نفسه فرصة الحصول على المعلومات من الأستاذ، فيما يتعلق بالتوجيهات الأكاديمية، أو ما يخص المادة التي يدرسها، ويدخل ضمن التأهيل (Orientation ) طريقة مخاطبة الطالب لأستاذه، إذ لاحظنا – من خلال التجربة – أن خطاب الطالب فوقي، ولكأن الأستاذ يعمل لديه! كما أن بعض الطلبة يرفعون أصواتهم عالياً، عندما يحاولون طلب شيء من الأستاذ، وأغلبهم لا يعي القوانين المُنظمة للدراسة الأكاديمية، ولا يقرأ (توصيف المقرر) الذي هو بمثابة عقد إلزامي بين الطالب والأستاذ. عدم مراعاة الوقت، كأن لا يحضر الطالب إلى الامتحان في موعده، دون سبب، ويطلب من الأستاذ عمل امتحان خاص به، وهذا يُربك جدول الأستاذ، ويجعله يتأخر في التزاماته تجاه الجامعة أو الكلية. ويلجأ بعض الطلبة، من المتعثرين، إلى الطلب من الأستاذ إعادة الامتحان، وهذا لا يجوز، لأنه يفتح الباب أمام كل الطلبة من الذين لم يحققوا درجات عالية أن يطلبوا إعادة الامتحان، وهذا له علاقة بتعود الطالب – في أيام قبل الدراسة الجامعية – وعدم إلمامه بقوانين ولوائح الجامعة أو الكلية، وينطبق الشيء ذاته على مواعيد تسليم الواجبات أو التكليفات، إذ أن تأخُرَ طالبين عن تسليم الواجبات أو التكليفات يُلجئ الأستاذ إلى عدم رفع الدرجات على (البلاك بورد)، وبالتالي يدخل في إلحاحات الطلبة المتكررة لمعرفة درجاتهم، أما أهم المخالفات في هذا الخصوص، فهو عدم حضور الطالب للامتحان النهائي، وعدم اتصاله بالأستاذ، الأمر الذي يتسبب في إرباك جدول الأستاذ، وعدم إيفائه بدقة تسليم النتائج للإدارة. لذا، يتوجب على جهات التعليم في المرحلة الجامعية، تنظيم ورش عمل، حول مراعاة الوقت، وكيفية الاستفادة من تجارب الأساتذة، في حفظ الوقت، وحُسن استغلاله لمصلحة الطلبة. بحيث لا يُربك الأستاذ بطلبات الطلبة المتعددة، ما يمكن أن يؤثر على سير الرحلة الأكاديمية. عدم مذاكرة بعض الطلبة كليةً، حيث وجدنا في الامتحان النهائي من أجاب إجابة 100% في الامتحان، ونال كل الدرجة، في الوقت الذي سجّل البعض أقل من 5 درجات من مجموع 30 درجة! وأيضاً حصل 8 طلاب على درجة (A) بينما حصل 4 طلاب على درجة (F). وهذا مؤشر على أن الأسئلة ليست بتلك الصعوبة، بقدر ما تحتاج إلى تركيز بعض الطلبة. ومع تقديرنا لظروف الطالب اجتماعياً ووظيفياً، إلا أن تخصيص وقتٍ كافٍ للمذاكرة أمر مهم لنجاح عملية التعليم، فإذا ما اجتمعت عادةُ عدم المذاكرة، مع الغياب المتكرر، مع عدم تركيز الطالب في الفصل، فإن المشكلة تتفاقم، وتساهم في تعثّر الطالب دراسياً. عدم اهتمام بعض الطلبة بالتكليفات، داخل أو خارج الفصل، ومن واقع التجربة، وجدنا أن أكثر من 75% من الطلبة الذين تُطلب منهم بحوث خارج الفصل، يقومون بالاستعانة بالغير في وضعها، حتى إذا ما دعاهم الأستاذ لشرح ما تقدموا به، نجدهم يتعثرون، أو يتهربون من ذلك، أو نجدهم يغيبون وقت عرض بحوثهم، وهذه إشكالية واضحة، لابد وأن توضع لها الحلول، لأن الأستاذ يكتشف مستوى الطالب خلال الأسبوعين الأولين، ويلاحظ المفردات والصياغات التي يستخدمها. وترتبط بهذا الموضوع، قضية القطع واللزق (Cut and Paste)، التي نلاحظها في بعض تكليفات الطلبة خارج الفصل، فعلى سبيل المثال وجدنا في تقرير لإحدى الطالبات عن زيارة لمعرض الكتاب الأخير في الدوحة، أنها دخلت على موقع المعرض، وسحبت المادة بأسرها من الموقع وطبعتها وقدمتها إلى الأستاذ، حتى دونما مراعاة لتغيير صيغ المستقبل أو الماضي في العبارات، وتعتقد هذه الطالبة أنها سوف «تخدع» الأستاذ، كي يُعطيها درجة عالية، ويغيب عن بال هذه الطالبة أن الأستاذ يدخل إلى موقع المعرض، ويتابعه أولاً بأول. لهذا، فإن توجيه الطلبة والطالبات في أول أيام الدراسة، خلال عملية التأهيل (Orientation) إلى أهمية مراعاة ذلك، وكتابة التقارير الخاصة بهم، حسبما شاهدوه في المعرض، من الأمور التي تُجنّبهم الإحراجات مع الأستاذ ومع الطلبة. طلب رفع الدرجات.. درجَ بعض الطلبة على الطلب من الأستاذ رفع درجاتهم، دونما مبرر، فقط لأن هؤلاء الطلبة لم يحرزوا النتيجة التي ترفع معدلاتهم، ولكأن الأستاذ يفتح «دكاناً» لمنح الدرجات. كما أن العديد من الطلبة لا يرضى بما حققه أثناء دراسته، ونغمة الاحتجاج والعتب تطغى على تعاملهم مع الأستاذ. فالطاب الذي يحقق (A) يُشغل الأستاذ – وقت وضع الدرجات – بأن يمنحه (A+)، والطالب الذي يحقق (C)، يطلب من الأستاذ رفع درجته إلى (B)، وهكذا، وهذا نابع من عدم تقييم الطالب لذاته، أو أنه سوف «يكسر قلب» الأستاذ، ويقوم بتغيير درجته! وهذا، مستحيل، لأنه مخالف للقوانين الأكاديمية، ولابد لنا هنا أيضاً من ربط هذا الموضوع بموضوع التأهيل (Orientation)، الذي يجب أن يساعد الطالب في تفهم ظروف الدراسة الجامعية. عدم اهتمام بعض الطلبة بالساعات المكتبية التي يحددها الأستاذ، والتي هي من حق الطالب، فنجد الزيارات للاستاذ في الأسبوع الأخير من الدراسة، وهذا يسبب تراكم الأسئلة على الطالب، وعدم وجود حلول لها، ومن المفيد للطالب، الذي لا يستوعب، خلال شرح الأستاذ، أن يأتي للأستاذ – خلال الساعات المكتبية – ويشرح له الموقف، والذي يحصل أن بعض الطلبة يغيبون عن المحاضرات، قد يوزع الأستاذ فيها بعض المذكرات الهامة، ويأتي هذا البعض إلى الحصة التالية، ولا يسأل زملاءه عما تم شرحه في الحصة السابقة، علماً أن جميع مواد المقرر مرفوعة على الـ (Black board)، ويسهل على الطالب الوصول إليها، إن حضور الطالب، وأخذه للملاحظات، خلال الفصل، أو خلال الساعات المكتبية، أمر مهم لتسهيل استيعابه للمادة، وجعله مستعداً لمواجهة الامتحان. بعض الطلبة يُشعرك بأنه ما زال في المرحلة الثانوية، أو أنه في « العزبة»، يحضر متى شاء، ويخرج متى شاء، وهذا يشيع مناخ الفوضى وعدم احترام المدرس، ولقد واجهنا مثل هذه المواقف من بعض الطلبة، من الذين يخرجون بلا استئذان، ولا يعودون إلى الفصل، مكتفين بأنهم وقعّوا على كشف الحضور. وبعد، فهذه بعض التجارب، التي بالطبع عاصرها العديد من الزملاء الأساتذة، والتي لا شك تحتاج إلى حلول وعلاجات لبعض المشكلات التي تواجه التعليم الجامعي لدينا.
1051
| 25 ديسمبر 2018
فقدَت الكويت، والرواية العربية، الأسبوع الماضي، واحداً من أقدَر الروائيين العرب، وهو الروائي إسماعيل فهد إسماعيل، المُؤَصِل والمُجَدِّد، للرواية العربية، وصاحب التنوُّع في الصياغات الروائية، والمُزاوِج بين الخيال الخصب، والشخصية الرمزية، والرابط بين الأسطورة وقضايا العصر، ثمانية وسبعون عاماً قضاها الرجل في خدمة الأدب، ورصْد التحولات في مجتمعه، إضافة لمعاصرته القضايا السياسية، ولعل أهمها كارثة الاحتلال العراقي لدولة الكويت عام 1990، وتوظيفه الحدثَ ومزْجهُ مع شيء من سيرته داخل رواية ( في حضرة العنقاء والخِلّ الوفي)، حيث وجدَ بطلُ الرواية (مَنسي) نفسهُ مَنسيًا، في زحمة الأحداث، كونه من غير مُحدَّدي الجنسية، فيما تعارف عليه اسم (البدون)، وبين انخراطه في المقاومة ضد الاحتلال العراقي، وعذاباته مع الملف (المتآكل الحَواف)، الذي يحوي طلبَ الجنسية، وزياراته المُتعددة، مع والدته، لمقابلة لجنة الجنسية. يأخذنا الروائي إلى أجواء العمل الصحفي في منتصف الثمانينيات، وكذلك إلى فرقة (المسرح العربي)، ويذكر أسماء شخصيات حقيقية عاصرها، مثل: عبدالعزيز السريع، وفؤاد الشطي، وسليمان الياسين، ومبارك سويد، وغيرهم. ويصطدم بقضية زواج الكويتية من البدون، بعد أن تفجّرت قصة حب بينه وبين فتاة من إحدى الأُسر الكويتية، في حبكة درامية، أدّت إلى أسرهِ من قبل جنود الاحتلال العراقي وأخذه إلى الكويت، بعد أن وشى به أحدُ أقرباء الفتاة، ومن ثمّ إعادته جندياً كي يحارب المقاومة، التي ينتمي إليها. رواية في 386 صفحة، لا تتركها حتى تنتهي من قراءتها، كونها سلسةً وصادقة، وتفوح منها رائحةُ الوفاء للمكان وللإنسان. وكان الراحل قد بدأ حياته بكتابة القصة القصيرة في مجلة (الرائد) الكويتية، منذ عام 1963، حيث جمع تلك القصص القصيرة في مجموعة قصصية صدرت عام 1965 بعنوان (البقعة الداكنة). أما روايته الأولى فقد كانت باسم (كانت السماء زرقاء)، وأصدرها عام 1970، ثم توالت إصداراته الروائية، مثل: (الضفاف الأخرى)، و(الطيور والأصدقاء)، و(خطوة في الحلم)، و(دوائرة الاستحالة) و(ذاكرة الحضور)، و(إحداثيات زمن العزلة)، و(في حضرة العنقاء والخِلّ الوفي)، و(السبيليات) التي أصدرها عام 2017. استطاع إسماعيل فهد إسماعيل تحريك المياه الراكدة، التي كانت تغمر الرواية الكويتية، منذ صدور أول رواية عام 1948، بواسطة (فرحان راشد الفرحان)، تحت اسم (آلام صديق)، وقد اختلف حولها النقّاد، ووَسمَها بعضهم بأنها ليست رواية، بل قصة طويلة! ولكن النقاد في الكويت أيضًا، يرون أن النضج و(الحرفنة) لم يظهرا إلا في أعمال إسماعيل فهد إسماعيل، واعتبروا أن أعماله هي البداية الحقيقية للرواية الكويتية. ورغم قوة ورصانة كتابات إسماعيل فهد إسماعيل، واشتمالها على الصراعات الإنسانية، إلّا أنه عاش حياة معتدلة، متصالحاً مع نفسه، ولم يتدخَّل في الحروب الفكرية، سواء داخل الكويت أم خارجها، كما أنه يمتاز بهدوء الشخصية، وتأمُّلها لصيرورات الحياة، وأيضًا احترام الآخر، لدرجة أنه يُخجِلك وأنت في حضرته. قابلتُ الراحل في معرض الكويت عام 2017، حيث أهداني آخر رواياته (السبيليات)، وكان كعادته، باسم الثغر ويحمل عناءَ السنين السبع والسبعين على كاهله، كما يحمل وطأةَ المرض، وبالكاد تسمع صوته متهدّجاً، مُبدياً روحاً شفّافة، ورؤية عميقة لواقع الأدب. حصل الراحل على مجموعة من الجوائز، منها: جائزة الدولة التشجيعية عام 1989، وجائزة الدولة في الدراسات النقدية عام 2002، وجائزة سلطان العويس عام 2014، كما احتلّت روايته (السبيليات) القائمة القصيرة لجائزة (البوكر) عام 2017. أدخل الراحل عبارات وصِيغاً جديدة في الرواية العربية، خصوصاً ما جاء في رواية (الظهور الثاني لابن لعبون) ، حيث تقرأ توليفات وتركيبات غاية في الجمال، مثل: -أضَفتُ مُترسّمًا جدِّيتي -حَثَّ خَطْوهُ -واصلتْ بحِسِّ الاحتمال -أهبْتُ بي -شكّي باقٍ يُشاغلني -يُناورني عقلي -أعودُ أُنَبِهُني وغيرها من التوليفات التي تُضيف رونقاً وجمالاً للرواية، وتُجبرُك على التعرُّف على المزيد منها. أما في سباعية (إحداثيات زمن العزلة) فقد وثَّق معايشته لفترة الاحتلال العراقي لدولة الكويت، وتُعَّد من المراجع المهمّة المعاشة، المؤرِخة لذاك الوقت. رحل إسماعيل فهد إسماعيل، إلى ملكوت آخر، بعد أن ترك لنا وللأجيال إرثاً زاخراً من الأعمال الأدبية، التي تحتاج إلى دراسات علمية نقدية. كان حضوره دافئاً وخفيفاً، بقدرِ ما كان غيابه هادئاً ودون ضجيج. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
1539
| 07 أكتوبر 2018
4- حتّمت أحداثُ رواية ( فرج.. قصة الحب والعبودية) للفنان محمد علي عبدالله أن تكون لغة السرد بسيطة ومُركزة، إلى درجة كبيرة، حيث غاب عنها البديع اللغوي، والمُحسنات اللفظية إلى درجة كبيرة، حيث حتمت تلك الأحداث أن تكون اللغة مباشرة لا تعقيد فيها، رغم حالات محدودة احتاجت للوصف البديعي. كما أحسن المؤلف مراجعة النص، ولم تظهر إلا مواقع محددة تستلزم بعضها التشكيل ، كي يُحسن القارئ قراءة المدلول المعني. 5- ولأن الكاتب ، ليس غضاً ، وقد غاص في التراث والفن التشكيلي لاكثر من أربعين عامًا ، وجدته مُمسكًا بتلابيب حبكته، بحيث لا ترتخي، في الوقت الذي حرص فيه على القفز – بين الأمكنة – مع شخصياته ، دونما تطويل، او إسهاب. فجاءت فصول الرواية قافزة، وثائرة، ومتحدّية للقوالب التقليدية المعروفة. 6- ولقد أحسنَ الكاتب استخدام القيم الدينية ، ولربما قصدَ ذلك، لإجراء المفاضلات والمقاربات في تصرفات شخصياته. إذ رغم أن (فرج) عبدٌ أسود، ويعمل في أحط الأعمال ، وأن شكله مخيف لضخامته ، بل وسرت عنه حكايا بأنه يخاوي الجن، نظرًا لقوته المعروفة، إلا أنه رقيق القلب، يلجأ إلى الله في كل صغيرة وكبيرة، يؤدي الصلاة، ويرفض أي ظلم يقع على أي إنسان، ويهب لمساعدته، في الوقت الذي أبرز فيه المؤلف نقيض ذلك في السلطة الإدارية ( القوة) والسلطة الدينية ( القاضي)، بشكل خالف ما يجب أن يكون عليه الحال، فكان (الشيخ ضرار) وجماعته يمارسون العنف ضد الآمنين ويتكبرون على الناس، ومن ثم يتحالف (الشيخ ضرار) مع (الشيخ شاهين) (السلطة الدينية) ، حيث استغل وضعه الاجتماعي ليمارس ممارسات خالفت قيم الدين وسماحته. وهذا إسقاط واضح على أوضاع عربية معروفة. 7- أراد الكاتب أن يُبعد روايته عن أرضية الواقع ، ليس فقط عبر تسميته للأماكن، بل حتى في المسافات فيما بينها. ولقد استخدم – في البداية – كلمة محيطات، عندما تم جلب ( فرج) من تنزانيا، نحو مسقط، ولربما قصد المحيط الهندي، ولكنه يعود ويذكر (الهيرات) في الخليج، ونحن نعرف أن مياه الخليج العربي يكثر فيها المحار الذي يحتوي اللؤلؤ. كما أنه أشعرنا بأن (ظويلم) تقع في الخليج، حيث انطلق منها (فرج) هاربًا نحو (عنيزة) التي تقع في شبه الجزيرة العربية، والتي تبعد عن (ظويلم) مسيرة عشرة أيام، إلا أنه قصدَ التمويه أكثر عندما جعل جزيرة (جذام) وبلده (هدام) أهل الشر، تقع على مسيرة عشرة أيام من (ظويلم). وتلك حتميات كان لا بد منها لتأكيد عملية الرمز. وأخيرًا ، فإن (فرج) العبد، لم يكن إلا (كماندا) ابن الرئيس سامبا، وهذا ما نقشه (فرج) على صخرة بعد أن تم اصطياده من قبل صائدي العبيد: "مرَّ من هنا (كماندا ابن الرئيس سامبا)، ولم ينل الاحترام والتقديس الذي يتوجب تقديمهما له. واجبي في كل الحالات أن أكون متسامحًا وعطوفًا وعازمًا على تقديم كل ما يحتاجه الناس من (كماندا)، نقشها بيده في 29 فبراير 1756". وتلك إشارة كافية ليُعرّفنا المؤلف بزمن حدوث الرواية ، دون أن يذكر ذلك مباشرة في النص. في نهاية مأساة (فرج) ، تمرض حبيبته (عويشه) في سجن القلعة، وتُنقل إلى الجزء الجنوبي من السجن وهو مكان الذين لا يُرجى شفاؤهم. يزورها (فرج) في مشهد دراماتيكي، وينسحب من مكان الموت ، وهنا لا يفوت المؤلف أن يُعرج بالأحداث على الشيخ الضرير عند باب المسجد ، حيث يقول: "هكذا (ظويلم) يا (فرج)، الأحياء ليسوا إلا طابورًا من الأموات لم يحن رحيلهم، لا قيمة لحيّ". وهذا تصريح عميق عن حالة الأسى التي تعيشها (ظويلم) ومئات المدن العربية. وفي استسلام للقدر، وبعد أن سلمت (عويشه ) الروح، يجلس (فرج) عند رأسها قائلًا: " يا الله جاءتك (عويشه) من ضيق الدنيا والبشر، إلى سعة مُلكك ورحمتك، فأكرمها يا رب". لم تنته أحزان (فرج) برحيل (عويشه)، بل يُفاجأ بغدر (أبي ضرار) والشيخ (شاهين) بأن يعود (فرج) إلى مُلك الأول، رغم أن (فرج) يمتلك (بروة) – صكّ حريته- من سيدته (أوار بنت حابس)، فيهرب (فرج) على ظهر إحدى السفن نحو زنجبار، وينال حريته. رواية سعدتُ بقراءتها، وأُهنّئ الكاتب الصديق محمد علي عبدالله عليها.
1838
| 17 سبتمبر 2018
صوت قطري جديد ينضم إلى نادي الرواية القطرية، وهو الفنان محمد علي عبدالله، الذي أصدر أولى رواياته ، الموسومة ( فرج.. قصة الحب والعبودية) في 295 صفحة من القطع الكبير. وجديد هذا الصوت أنه عزفَ على وترٍ اعتُبر من أوتار (التابوهات) في العالم العربي، وبالأخص في منطقة الخليج العربي، حيث إن الحديث عن العبودية لم يكن مألوفًا أو مرغوبًا به، في ظل التطورات الاجتماعية ، وصدور بعض المراسم التي ألغت العبودية في بعض دول الخليج تحقيقًا للعدالة الإنسانية. ذكّرني اختيار الكاتب لموضوع العبيد، برواية ( الجذور) التي تحكي قصة جد الكاتب ( إليكس هيلي) الإفريقي ، واسمه ( كونتا كونتي) ، حيث تم أسره عبر تجار العبيد من إفريقيا وبيعه في أمريكا، ولقد صدرت الرواية عام 1976، وتُرجمت إلى 37 لغة ، وبيع منها أكثر من 50 مليون نسخة، كما تم تحويلها إلى مسلسل تلفزيون مؤثر. وقضية (فرج) لم تختلف عن قضية (كونتا كونتي) ، حيث أسرهُ بعض صائدي العبيد في إفريقيا وهو ابن ملك، وتم أخذه إلى تنزانيا وبيعه لتاجر عربي. رواية ( فرج) إطلالة جديدة على مساحات من تضاعيف الحياة، أحسنَ المؤلف حبكها، بصورة لا تبعث على السأم ، في روح القارئ، رغم طول الرواية. واستطاع المؤلف – الذي يمتلك حسا فنيًا وانتماءه للفن التشكيلي وخبرته في فن العمارة الخليجية وأدواتها – أن يتفنن في وصف المكان ولوازم هذا المكان. فما (ظويلم) إلا قرية أو مدينة من مدن العالم التي ينتشر فيها الظلم والشر، حيث يقع ضحايا لذلك الظلم ، ومنهم أهلها الأصليون. وما (فرج) إلا صورة من صور آلاف يعانون ويصبرون ويتحملون الضيم، حتى ينالوا حريتهم المسلوبة ، ويثبتوا للعالم حقيقة العدالة الإلهية في خلق البشر سواسية . وما تحويه (ظويلم) من أرض وبحر وبشر وبيوت ومعالم وإدارة مشاعر، إلا نموذج لأية مدينة عربية تتحالف فيها القوة مع الدين، فيحدث الاستغلال الوحشي للدين، على يد الشيخ شاهين، القاضي الظالم، والذي يُجيّر ويبرر كل أفعال سيده (ضرار) الذي يستولي مع جماعته على (ظويلم) ، ويستولي على حقوق الآخرين، وسلب ممتلكاتهم ، بل وتكليف جماعته بالإخلال بالأمن. أما الشيخ شاهين ، فهو رمز واضح للاستغلالية وحب الذات والتبرير غير الأخلاقي في الاعتداء على الحرمات ، وإصدار الأحكام الجائرة بحق الآمنين. لن أسرد قصة (فرج) ، لأنها طويلة ومعقدة، ولكن الكاتب ضمّن دفّتي الكتاب رسائل لا تخطئها العين ، وهذا هو ديدن الرواية التي تحتمل كل شيء ، وتصلح للإحاطة بكل اتجاهات الحياة، والكتابة بين السطور . تدور القصة حول قمة الوفاء ( حب (فرج) لسيده العربي الذي اشتراه ، حيث يصاب السيد بالمرض، ويظل (فرج) يرعاه. كما يتمثل الوفاء لـ (عويشة) نصف العربية أصيلة ونصف الإفريقية ، والناتجة عن تسرّي مالك أمها بأمها ، حيث تولد (عويشة) ، وتلاقي الويلات من آل بطي. هنالك نواح فنية استوقفتني في الرواية ، التي يكتبها المؤلف لأول مرة ، ومنها: 1- نضج الفكرة واتساع مساحة الخيال فيها ، وتماسك الأحداث بصورة جاذبة ومثيرة. 2- حُسن استخدام اللغة المناسبة للزمان والمكان، واشتمال النص على لوازم الزمكانية، عبر الإتيان بالأوصاف والأسماء الدالة على مدلولاتها، دون تكلف، مثل: عدة صيد اللؤلو، عدة صناعة السفن ، المداواة بالأعشاب، التخاطر مع الجن، آلات الغوص مثل: الغيص، السيب،القفال، العزّال، الدقس، السكوني، الخطام، الدانات، الصلّ، القبقب، القران، وأيضًا البروة.. وغيرها. 3- حسن استخدام الرمز ، الذي يُجنّب صاحبه المساءلة ، خصوصًا في دلالات الجغرافيا ( المكان) والتاريخ ( الزمان) ، فـ (ظويلم) مدينة خلقها الكاتب كي يُحرك شخصياته فيها ، ويوزع الأفكار والسلوكيات المتناقضة بين أهلها، تمامًا كما جزيرة ( طاش) و (جذام) التي يُنفى إليها المرضى وغير المرغوب فيهم من البشر. وكذلك ( فرشوك) التي يتحدث أهلها برطانة، وكان المؤلف يقصد الشاطئ الشمالي للخليج العربي. كما ظهر حُسن استخدام الرمز في ركوب (فرج) سفينة صغيرة ، للحصول على اللؤلؤ الذي هو ثمن حريته، مع (نوخذا) أعمى، و(سيب) ذي رجل واحدة ، وتلك إشارة إلى عدم الاستهانة بأصحاب العاهات أو ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أبرزها الكاتب في صورة جمالية رائعة، رغم مصيرهما المؤسف عندما تهب العاصفة ويقعان – مع بحارَين آخرين – إلى البحر ولا يعودان، بينما يصل (فرج) إلى الشاطئ، يقول النص على لسان (فرج): " تسرّب خبرنا أن سفينة نصف ميتة، وربانًا أعمى، وسيبًا بدون ساق، وعبد آخر سيدخلون الغوص مع (فرج الدقس)، فكان مثار استغراب واستهجان وضحك سكان (ظويلم) ، وكلمات اقتربتُ من مقهى الغواصين كان المقهى يهيجُ بالضحك والأصوات المُتهكمة". لكن العبرة في النهاية ، حيث يحصل (فرج) على ثمن حريته ويأتي بالدانات.
4026
| 16 سبتمبر 2018
مساحة إعلانية
في عالم تتسابق فيه الدول لجذب رؤوس الأموال...
9933
| 13 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام...
2364
| 16 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم...
1296
| 14 نوفمبر 2025
شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من...
1230
| 18 نوفمبر 2025
في بيئتنا الإدارية العربية، ما زال الخطأ يُعامَل...
1179
| 12 نوفمبر 2025
يبدو أن البحر المتوسط على موعد جديد مع...
1131
| 12 نوفمبر 2025
يعكس الاحتفال باليوم القطري لحقوق الإنسان والذي يصادف...
906
| 12 نوفمبر 2025
الاهتمام باللغة العربية والتربية الإسلامية مطلب تعليمي مجتمعي...
870
| 16 نوفمبر 2025
في صباح يعبق بندى الإيمان، تُطلُّ قطر بنداء...
867
| 13 نوفمبر 2025
نعم ترجّل الفارس عن فرسه الذي كان يصول...
780
| 13 نوفمبر 2025
القادة العظام يبقون في أذهان شعوبهم عبر الأزمنة...
741
| 18 نوفمبر 2025
نعيش في عالم متناقض به أناس يعكسونه. وسأحكي...
684
| 18 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية