رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يبدو السؤال غير منطقي، أليس كذلك؟ فكيف نسأل عن استقلال بلد في وزن تركيا السياسي والاقتصادي والعسكري، وكيف نطرح السؤال وأردوغان في الحكم لسنوات عشر من قبل؟ وقد يقول قائل: أنت تفكر في الاستقلال بالمعنى القديم الذي ساد في الستينيات. ورغم كل ذلك فالسؤال صامد، بل هو أهم معطى في دور أردوغان في تركيا، خاصة الآن.وحكاية رفض السؤال تعود إلى أن البعض لا يزال لا يدرك هذا الحجم الهائل من الاختراق الغربي للدول الإسلامية، ولا طبيعة حياة الدول الصغيرة والمتوسطة في ظل نظام دولي عولمي يقوم على حصر الدول –غير مختارة- في داخل إطاره، ويكرهها للبقاء تحت السيطرة الغربية. والعولمة باتت تسري داخل شرايين الدول والمجتمعات.لا يزال البعض لا يدرك أن قضية الاستقلال لم تعد قضية تتعلق بطرد القوات العسكرية، بل هي قضية مواجهة داخلية. الاستقلال بعد كل سنوات الغزو والاحتلال التي فاقت نحو 200 عام، صار معركة داخلية لا خارجية فقط، وذلك هو ملخص صراعات الربيع العربي وأحد أخطر أوجه الخلل في فهم بعض الحركات الإسلامية، التي لم تدرك أن تحقيق الاستقلال قضية داخلية، فراحت تتعامل مع الصراعات الجارية ضدها، وكأنها حالات داخلية من طبيعة الثورات (فلول وأزلام وشبيحة وبلاطجة) دون إدراك البعد الخارجي للصراع وهو الأساس. لم تدرك أن معركة الاستقلال واسعة المساحة وعميقة في داخل المجتمعات، وهو ما أدركه أردوغان وتعامل معه بخطط مرحلية انتقل فيها من مرحلة لأخرى، وهو لا يزال يسير في مشوارها ولم ينجزه بعد رغم كل ما حققه من إنجازات واسعة وكبيرة. هو الآن يعمق انتصاراته ويتجه أكثر فأكثر نحو حسم قضية استقلال تركيا.البعض لا يزال يتصور المستعمر كما كان منذ نحو 200 سنة، ولا يقرأ السياسة الدولية إلا من كتب التاريخ، ويتصور أن تحقيق جلاء قوات احتلاله وسماحه لمن يحكم في بلادنا من بعد رحيلها، أن تفرد له سجادة حمراء وجندي يجري متبخترا بسيف يلمع، وأن تصبح حكومته عضوا بالأمم المتحدة، نكون قد حققنا الاستقلال. هؤلاء لا يدركون أن الاستعمار مشروع حضاري وقيمي وسياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وديني، وأن وجود جند الاحتلال على أرض الدولة المحتلة، هو الاستثناء الآن، وليس إلا أحد ضرورات تحقيق هذا المشروع، وأن استخدام القوة العسكرية لا يستهدف إلا كسر إرادة المقاومة وحراسة نظم الحكم التي يقيمها الاحتلال.لقد تغيرت خطط المستعمر ما بعد انتهاء الاحتلال العسكري القديم مرتين. في القفزة الأولى، صرنا أمام استعمار واحتلال حديث، ما بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة. الاستعمار كان تعلم من تجربته في مواجهة الشعوب وقرر أن يحقق هدفه دون أن يبقى من قواته إلا ما يحرس به "مشروع وأهداف" الاحتلال، أو ما يحقق له القدرة على إدارة الحكم الذي يقيمه، وإذا كانت هناك بعض الاستثناءات لبقاء جنوده في قواعد لدواع إستراتيجية عسكرية، فقد حرص على أن تعيش دون تداخل مباشر مع السكان.. إلخ. في تلك المرحلة لم يبق على خريطة الوجود العسكري المباشر إلا حالات الاحتلال الاستيطاني، كما هو الحال في الاحتلال الصهيوني لفلسطين لاستمرار الصراع على الأرض.وقد شهد وعي المستعمر قفزة كبرى ثانية من بعد، تمثلت في نمط العولمة، وخلالها وبسببها صار يعيش بين الإنسان وثوب النوم وزوجته –كما يقول مظفر النواب عن العسس –ولم يعد حالة فجة ومعزولة في قواعد، فالعولمة هي نمط من أنماط توطين الاحتلال، الذي صار يشمل كل مجالات الحياة والثقافة والمكونات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية. وتركيا، مثلها مثل الأغلبية الكاسحة من الدول الإسلامية، قد لا تكون دولة محتلة عسكريا –مع ملاحظة وجود قاعدة للأطلنطي على أرضها -لكن العناصر المسيطرة في جهاز الدولة وبعض القطاعات من النخب والأحزاب الفاعلة وبعض المكونات الاجتماعية والاقتصادية صارت أدوات المستعمر في تحقيق مشروع الاحتلال بأبعاده الحضارية والقيمية والسياسية والاقتصادية والثقافية.ويوم أن يدشن أردوغان إنتاج سلاح تركي متطور ويحقق اقتصادا رائدا وعلى أسس قوية ترتبط به الاقتصادات الأخرى لتنهض ويوم أن يطلق أفكاره في المجتمع بلا حسابات أدت من قبل إلى السجن والحظر من العمل السياسي ويوم أن تضعف قوة الأفكار العلمانية والعنصرية والعرقية في المجتمع التركي..إلخ. يكون قد حقق الاستقلال.
2413
| 11 أبريل 2014
أنت تفكر؟أنت تنتج فكرا جديدا؟ أنت صاحب رؤية تخالف ما أقول،وأنا الحاكم؟ أنا الحاكم ولست أنت.فكرك يؤلب العامة علي، ويثير الفوضى في المجتمع ويهدد أمن البلاد. كلامك تدخل في عملي وفي شأن شعبي. لم لا تعمل معي؟ مثل جهدك أحتاجه ولكن في اتجاه هادف، خذ مالا كما تريد لتحقق حريتك الأعلى، واعمل معي لتتمتع بحرية الحاكم. لنحقق سويا مصالح المجتمع والدولة، تعال لتفكر من خلالي.أنت ترفض، عرضي وطلبي؟إذن ليس لك إلا السيف أو الرصاص أو المقصلة أو الكرسي الكهربائي أو الإعدام شنقا، والسم حاضر وجاهز، إن كان هذا خيارك. فكل طرق القتل ما أوفرها في كل زمان. لا تنسى أن القتل هو سيرة البشرية. أنت لا تفهم سيرة التاريخ حين ترفض طلب الحاكم. ألست متعاطيا للفكر؟ إذن هل تستطيع إحصاء الذين قتلوا عبر التاريخ الإنساني، فقط أنا أزيد الرقم بعدد واحد؟ أنا حين أقتلك لا أخرج عن سياق الحياة البشرية، أليس التاريخ الإنساني ملكا لمن قتل فانتصر عبر كل الحروب والفتن وأشكال الحكم؟ يا مجنون هل تظن الفكر يحكم البشر؟ لكني كريم وأنا لا أريد أن أفقد من له عقل مثل عقلك. سأمنحك وقتا للتفكير مع نفسك، سأمنحك حق الاختيار فأحقق له الحرية التي تنشدها. سأعزلك عن الآخرين الذين لا يحبون لك المصلحة ولكي يظهر لك جليا أنهم لا يستحقون تضحيتك من أجلهم سيتركونك ولن يأبهوا لك. سأمنحك فرصة أن تكون أنت ونفسك فقط. أنا كريم،سأسجنك لتخلو إلى نفسك. لكي تفكر بعيدا عن كل تأثير. سأسجنك لتعلم جانبا آخر من وقائع الحياة. هكذا أنا أساعدك ولا أكرهك،سأعمل كل ما بوسعي لكي أساعدك حتى تصل إلى الفكرة والخيار الصائب. أخبرك أن تعمل معي أو أن تتخذ قرارا بموتك. أقول لك، لن أتركك تفكر وحدك فقط،سأدفعك إلى تجربة جديدة، فما التعذيب والقهر والترويع وانتهاك العرض وهدم أسرتك، إلا وسائل لمساعدتك وزيادة في معرفتك بالواقع وطبائع الحياة وقواعد الحكم وإدارة شؤون البلاد والعباد. سأفعل ما في وسعي، حتى تصل إلى اختيار صحيح. هو ليس ضغطا عليك ولا إكراها لك،بل هو مساعدة لك،ففي السجن لا شيء تفكر فيه سوى الحرية. سأمنعك من الاتصال بكل البشر.. حتى لا يشوش عليك أحد. لن أقتلك فورا فأنا بحاجة إليك. وحين أضطر لقتلك ستكون أنت من اخترت الموت وليس أنا. حين لا أجد طريقا إلا قتلك، سأكون من ينفذ خيارك حين رفضت المال واخترت الموت. الخيار لك.هكذا عاش كل من فكر وقدم تجديدا إنسانيا في هذه الدنيا عبر التاريخ الإنساني كله. هكذا عاش كل من وصل إلى فكرة إنسانية تحسن حياة الجموع أو تنحاز إليهم وإلى مستقبل يقل فيه الظلم ويرتفع فيه الوعي وتصحح فيه قواعد العلم لتكون قراءة صحيحة لما أبدعه الخالق سبحانه وتعالى، فكل علم صحيح هو معرفة أصح أو أدق بما أبدع الخالق.والحرية والعلم كلاهما اكتشاف لأصل من أصول الخلق.هكذا عاش كل من قال بفكرة تعدل فكر الآخرين في الفلسفة أو العلم أو السياسة أو القيم أو الأخلاق.وهكذا لا يختلف أحد من الطغاة عن الآخر.كل الطغاة شخص واحد وإن تبدل الاسم والزمن. كل الطغاة واحد، فهم من صنف واحد وفكر واحد وأصحاب مدرسة واحدة في القتل والترويع، عبر التاريخ الإنساني كله. لا يختلف الطاغية القاتل الذي يرفع علم الوطنية فيما هو موغل في الارتباط بالأجنبي، عن ذاك الذي رفع علم القومية فيما هو يسخر كل طاقات وطنه وشعبه لمنع كل توحد، وعن من رفع راية الإسلام زورا وبهتانا فيما هو يعيش بشخصيتين، وعن ذاك الذي رفع راية الصليب ليحارب الآخرين تحت ظلها وهو الغارق في معاداة كل قيم الأديان، أو عن ذاك الذي يرفع راية الديمقراطية وحقوق الإنسان فيما هو مجرم يقتل ويعذب ويقهر كل شعوب الدنيا.هكذا كان السيف دوما في مواجهة الفكر. فكل الفلاسفة وأصحاب التجديد الديني أو العلمي في كل زمن وعصر، واجهوا السيف ومغريات المال. البعض اختار السيف والبعض اختار المال.وذاك حال الأمة.
2024
| 04 أبريل 2014
شهدت الإستراتيجية الإيرانية في الإقليم العربي، قفزة نوعية خلال المرحلة الأخيرة. لم يعد لإيران مجرد نفوذ هنا أو هناك، ولا مجرد مجموعات ترتبط تمويلا وفكرا وتسليحا بإيران، للعمل والتحرك والقتال في داخل هذه الدولة العربية، أو تلك. بل أصبح لإيران فيالق عسكرية تتحرك عبر الحدود من دولة عربية لأخرى، لتحقيق أهداف إيران أو إستراتيجيتها في الإقليم، وبذلك شهد الوجود والدور الإيراني قفزة هائلة على صعيد التوازنات الإقليمية - تحت سمع وبصر الجميع ودون اعتراض أو مواجهة – عبر وضع الدول والمجتمعات العربية أمام تحديات وتهديدات خطيرة، لا تقل ضراوة عن تلك التي تمثلها إسرائيل. لم تعد الدول العربية مهددة بقوة إيران وجيشها ومشروعها النووي فقط، بل عبر فيالقها عابرة الحدود العربية.الحالة السورية جاءت كاشفة، من زاوية تحرك مجموعات وفيالق إيرانية الفكرة والرؤية والتمويل والتسليح والقرار، للقتال في صف بشار، وهو ما مثل سابقة حملت دلالات عن تغير في إستراتيجية وعوامل قوة وسيطرة إيران من داخل وفي داخل الإقليم العربي. في سوريا صارت القوات المسلحة السورية -وكل مكونات جهاز الدولة الراهن -خاضعة الآن للقرار الإيراني، إذ استغلت إيران حالة الضعف لتحكم سيطرتها أكثر على الدولة السورية ومؤسساتها، لكن الأمر لم يتوقف على ذلك، فالأخطر أن من يفرض سيطرته على الأرض والدولة، هو الفيالق العسكرية الإيرانية التي تشكلت في داخل دول أخرى، وصارت تقاتل علنا في داخل سورية، بأوامر إيرانية وتمويل وتسليح إيراني. هذا الأمر يمثل نقلة نوعية كبرى في الوجود الدور الإيراني في الإقليم كله.والعراق يقدم نموذجا كاشفا، يظهر أن ما جرى في سوريا لم يكن أمرا طارئا يتعلق بأزمة ناشبة، اتخذت لمواجهتها إجراءات لم تكن واردة أصلا في داخل التخطيط الاستراتيجي الإيراني، بل كان أمرا جاهزا وفي جوهر الإستراتيجية الإيرانية للتدخل وفرض السيطرة، في الإقليم.لقد تشكل الجيش العراقي الراهن عبر دمج الميلشيات والفيالق التي سبق أن تشكلت في إيران وعملت ضد العراق عبر الحدود، قبل الاحتلال. الجيش العراقي الحالي ليس طائفيا فقط، بل هو تشكل بقرار إيراني-أمريكي قضى بدمج الميلشيات المتعددة سابقة التشكيل على الأرض الإيرانية، لتكون بديلا للجيش الوطني العراقي. والأهم والكاشف للنقلة الكبرى في التدخل الإيراني في سوريا، يأتي من أن الميلشيات "العراقية "التي تقاتل هناك الآن، هي ميلشيات جديدة تشكلت بعد دمج الميلشيات "القديمة" وتشكيل الجيش. من يقاتل من العراق في سورية هو لواء أبو الفضل العباس وعصائب الحق وغيرها (12 ميلشيا حسب بعض التقديرات)، وهي كلها ميلشيات جديدة التشكيل ما بعد تشكيل جيش العراقي. تلك الميلشيات الجديدة، جرى تشكيلها في إطار خطة إيران للحرب الطائفية في العراق، وللتدخل العسكري في الدول الأخرى، وكلها وغيرها جاءت امتدادا لما يسمى "جيش القدس".والوضع في لبنان كاشف آخر أيضا، إذ تحول حزب الله إلى ممارسة دور حربي عسكري في داخل لبنان، ومن بعد عبر الحدود للقتال في صف النظام المدعوم إيرانيا في سوريا، بما حول الحزب إلى قوة عسكرية محتلة للأراضي السورية. أصبح حزب الله قوة تدخل عسكري إيراني في الإقليم أيضا.أصبحنا الآن في مواجهة فيالق إيرانية جاهزة لممارسة الدور المطلوب منها إيرانيا. وأصبح لإيران قوات تقاتل في داخل الدول، وهي ذاتها وغيرها باتت تتحرك من دولة لأخرى للقتال تحقيقا لمصالح إيران. هذا هو أخطر ما وصنا إليه. وهنا يلفت النظر أكثر، أن تلك الميلشيات حصلت على مشروعية غربية بأداء هذا الدور التدخلي في الدول الأخرى، صمتا أو دعما وتأييدا، إذ لم تتحرك لا أوروبا ولا أمريكا وبطبيعة الحال روسيا لمواجهة ظاهرة تدخل تلك الفيالق في سوريا، بما جعل وجودها واحتلالها لسوريا وكأنه أمر طبيعي، فيما تتحرك كل القوى الدولية ضد بعض الأفراد من هنا أو هناك هبوا لدعم الثورة السورية!
1525
| 28 مارس 2014
حيّر الموقف الأمريكي من الربيع العربي، الدنيا كلها، حتى صار سابقة في المواقف الدولية، إذ جرى اتخاذ موقف هو الأشد غموضا في معالجة وضع ملتهب كله، بالوضوح إلى درجة الكراهية، وبالضجيج إلى أعلى درجات الاقتتال والتدمير والفوضى والمعارك ذات الطبيعة الثورية والمناطقية والطائفية الداخلية والإقليمية. هذا الغموض الأمريكي تجلى في إطلاق تصريحات رسمية والقيام بخطوات عملية، من أعلى رأس في الإدارة إلى المتحدثين الإعلاميين الأمريكيين والمختصين والخبراء، تفيد وتلح على أن أمريكا تقف في الصف الأول من الداعمين والمدافعين عن الربيع والديمقراطية، وإطلاق تصريحات أخرى واتخاذ خطوات أخرى، تناقض الأولى تماما، إعلاميا وعمليا، حتى كاد البعض يقول إن هناك من يشرف على إطلاق التصريحات وتحديد المواقف ليجعلها تأتي مناصفة بين الموقف وعكسه والتصريح وضده والإجراء العملي والإجراء المضاد، وهو ما وفر لجميع المشتبكين في صراعات وأزمات الحالة الجارية في كل وقت وتجاه أي مشكلة، مادة غنية وثرية تجعل كل منهم قادرا على تفسير وإعادة تفسير الموقف الأمريكي حسب ما يخدم مصلحته، سواء بإظهار خصمه عميلا متعاونا مع أمريكا أو بإظهار أنه مستهدف من أمريكا وأن مواقف أمريكا المرتبكة تجاهه تأتي من واقع أنه أجبر أمريكا على احترام دوره ومكانته باعتبار أن أمريكا لا تحترم إلا الأقوياء. وهكذا لو تابعت التقديرات الصادرة من مختلف أطراف الصراع المشتبكة في الربيع العربي بشأن الموقف الأمريكي، تجدها تحوي كل التفسيرات والاحتمالات والمآلات التي أبدعها العقل البشري في التفسير والفلسفة من أدنى سلمها الذي وصف الربيع كله بالمؤامرة الأمريكية وبعدها نقطة، مرورا بأن أوباما مسلم متخفي وأنه داعم لكل حركات الربيع من وراء ظهر إدارته وأنه ينفق المليارات لأجل تحقيق أهدافه الشخصية الخفية تلك، إلى أقصاها الذي يشدد على أن أمريكا تناصب ظاهرة الربيع العداء كليا وأنها تقف وراء كل وجميع ما يجري لإجهاض تلك الثورات.والبادي أن الموقف الأمريكي الغامض – والمتضارب - جاء قصديا ومخططا، لكي تتيح لكل من يريد أن يبدع من خياله، ما يريده من أمريكا، ويجعله مواقف صادرة عنها، فإن أراد طرف أن يقول إن الموقف الأمريكي الذي ظل مساندا للحكام السابقين قد أجبرته ثورات الشعوب على التغير، يمكنه قول ذلك وسيجد ما يستند إليه في تصريحات ومواقف الإدارة الأمريكية. وإذا أراد قادة وداعمو الثورات المضادة أن يقولوا إن أمريكا معهم وليست ضدهم أو أن أمريكا معهم فعليا وليست معهم علنيا بحكم القوانين الأمريكية أو أن أمريكا تقف ضدهم باعتبارهم من أفشلوا مؤامرتها وخطتها، يمكنه قول كل هذا ويمكنه قول ذاك، مستندا إلى موقف أو تصريح هنا أو هناك. وهكذا الحال على طول وعرض مساحة التناقض والصراع بين الأطراف المشتبكة داخليا وعربيا وإقليميا ودوليا.والحكاية أن الولايات المتحدة تدرك أنها الدبة التي تقتل من تحب، إذا استعملت جسدها وأقدمت إليه معلنة محبتها له، وأن مثل هذا الغموض تتيحه وتفترضه استراتيجية استخدام أدوات القوة الناعمة - الإعلام والدبلوماسية والضغوط الاقتصادية والاستخبارية إلخ - ولو كانت الولايات المتحدة متدخلة عسكريا ومشتبكة في حالة الحرب الجارية، لرأينا أوباما في لون وملامح جورج بوش، وكذا لأن الولايات المتحدة قد تعلمت من درس العراق أن بإمكانها أن تفعل ما تريد دون أن تكون في حالة تحيزات قاطعة تكلفها الكثير من سمعتها - إن كان بقى لها سمعة. ويمكن القول بأن الولايات المتحدة في مواقفها تحسب حسابات الأرض والمستقبل في أن واحد، وتمارس أعلى درجات الخداع تجاه الجمهور العام خشية أن يتحول أصحاب الربيع إلى فكرة، أن أمريكا عدو لهم، بما يتسبب في حشد كل هذا الجمهور الواسع لمواجهة نفوذها في الإقليم ليتحول الربيع الديمقراطى إلى ربيع مقاومة ضد الولايات المتحدة .وفي الأخير فالولايات المتحدة لم تكن أبداً مع الشعوب ومصالحها –هذا هو ملخص مواقفها تاريخيا وحاليا- بل هي منحازة فقط لمصالحها الاستعمارية، ومن يخدم مصالحها فهي معه، وإن أظهرت غير ذلك فهي تخادع وتخدع.لا أكثر ولا أقل.
2450
| 21 مارس 2014
يبدو الأشد لفتا للأنظار في رؤية جديد المشهد المصري، أن الأحزاب السياسية تتوارى على صعيد ترشيحات الانتخابات الرئاسية المصرية لصالح الشخصيات العسكرية، فإذا كان حمدين صباحي وخالد علي قد ظهرا على خارطة المرشحين، فأعلن الأول ترشحه وتحدثت التكهنات من بعد عن احتمالات تغيير قراره، وظهر الثاني في برامج تلفزيونية متحدثا بلغة المرشح المحتمل دون إعلان ترشحه بل هو ركز على رؤيته الانتقادية لظروف الانتخابات، فقد ظهر على ساحة الموقف من الرئاسة– حتى الآن -ثلاثة من القادة ذوي الأصول والخلفيات العسكرية، أحدهما المشير عبدالفتاح السيسي، الحاضر في المشهد منذ إطاحة الرئيس المدني المنتخب د. محمد مرسي، وثانيهم الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق والذي اعلن التراجع عن الترشح امس ، وثالثهم الفريق طيار أحمد شفيق الذي سبق له أن شغل موقع رئاسة الوزراء في آخر أيام حكم مبارك. تلك الحالة تكشف تراجعا لمكانة ودور الحالة السياسية الحزبية وتكشف هشاشة الأحزاب المدنية ومدى بعدها عن الأفكار التي طرحتها حول الحكم المدني، بل هي حالة تكشف مدى ضعف دور الشخصيات المدنية في الحياة السياسية المصرية.الأمر يبدو أشد وضوحا حين نقارن، الحالة الراهنة مع طبيعة المرشحين في دورة الرئاسة الأولى بعد ثورة يناير، إذ تقدم للترشيح حينها أغلبية كاسحة من المدنيين، ولم يكن وقتها على ساحة الترشيح من ذوي الخلفيات العسكرية سوى الفريق أحمد شفيق في مقابل ترشح كل من د.محمد مرسي ود. عبدالمنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وعمرو موسى وخالد علي وغيرهم. المشهد الراهن يكشف تراجعا للمرشحين من خلفيات مدنية من الانتخابات السابقة إلى القادمة، وهو ما يعيد المتابعين إلى المقولة المتأصلة في الواقع والتحليلات السياسية، بشأن الأحزاب الحقيقية في مصر، إذ يظهر مجددا أن الأحزاب ذات الشعبية الحقيقية، هي الأحزاب الإسلامية، وحين يخلو المشهد السياسي من تلك الأحزاب – رفضا للمشاركة أو إقصاء – فلا يكون هناك إلا العسكريون على مسرح الصراع لشغل أعلى مقاعد الحكم.وبتغير طبيعة المرشحين من الانتخابات السابقة إلى الحالية، يبدو المشهد الانتخابي مختلفا أيضا. وإذا كان قانون الانتخابات الرئاسية الجديد، قد أصبح مثارا لجدل حاد ودافعا لتراجع بعض المرشحين، فإن طريقة تقديم المرشحين المحتملين للرأي العام، صارت مختلفة أيضا، وتلك أمور كاشفة لما يجري ولما سيجري مستقبلا. وإذا كان المشير السيسي هو الحاضر في المشهد منذ 3 يوليو وحتى الآن، فقد وصل الأمر في تقديمه، أن أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بيانا يفسح الطريق لذلك، وحين جاء الدور على من تنطلق الشائعات يوميا حول ترشحهم ليدخلوا على المشهد الانتخابي، فقد جرى تقديمهم بطريقة مختلفة أيضا. لقد جاء تثبيت شائعات ترشح الفريق سامي عنان عبر حادث محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها. تلك الواقعة نقلت التكهنات المتناثرة حول احتمالات ترشح عنان إلى واقع فعلى بما أعلن على لسانه من تصميمه على مواصلة مشواره، ومن بعد أعلن عدم ترشحه، فيما جاء حضور الفريق شفيق في المشهد الانتخابي – هذه المرة - عبر التسريب الصوتي الذي نسب إليه وورد فيه هجوم حاد على تلك الانتخابات وعلى طريقة تقديم المجلس الأعلى للقوات المسلحة للفريق السيسي، بما جعله في صف الناقدين والمشككين في صدقية الانتخابات وجديتها.المشهد السياسي العام تتعقد خيوطه. الآن لدينا رئيس مدني منتخب مطاح به وموضوع خلف الأسوار، وفي الخلفية تبدو الأحزاب الإسلامية بجميع مكوناتها في وضعية الصراع والرفض المطلق لما يجري. ولدينا مرشحون عسكريون تراجعوا ليبقى الفريق السيسي، وباتوا في الطرف النقيض مما يجري على ساحة المشهد الانتخابي، ومرشحون مدنيون متراجعون عن الترشيح هذه المرة بما ينقلهم إلى الضفة الأخرى من أحداث وأوضاع سياسية أسهموا في صناعتها (30 يونيو 3 يوليو)، بما يطرح احتمالات إعادة ترتيب المشهد السياسي الحالي والمستقبلي في مصر. هل تنتقل البلاد إلى نمط جديد آخر من التحالفات السياسية الاضطرارية، المؤقتة أو الدائمة؟ وما تأثير ما يجري على الحراك المتواصل في الشوارع، وعلى المواقف الدولية والإقليمية؟ المشهد يزداد تعقيدا.
1088
| 14 مارس 2014
الحرب والقتل والتدمير في كل مكان، وكأنها حمى تجتاح البشرية، لتثبت أن دول العالم المشكلة للحضارة الإنسانية الراهنة، فقدت صدقية أحاديثها عن التحضر والتقدم وحقوق الإنسان، وأصلها الحق في الحياة. يعود الإنسان دوما إلى وحشية الزمن الأول وإلى شريعة الغاب بين مرحلة وأخرى، وكأن البشرية صكت قانونا سريا بتقليص عدد سكان الأرض بالحروب والقتل في كل قرن من الزمان. الحروب تتوسع وتتزايد أعدادها وتتنوع مساحاتها في القارات، وكان العالم يتحضر إلى حدث دموي ضخم، فإذا لم تحل مشكلة واحدة من تلك النزاعات التي تحولت إلى حروب طوال السنوات الماضية، فكل عام تضاف أزمة وصراع وحرب لا تعرف النهاية هي الأخرى، ليمضي العالم من حرب إلى أخرى جديدة، وكأنه يستعد لحرب كبرى.كانت الحروب والنزاعات، قد اقتصرت طوال السنوات الماضية على الدول والكيانات الإسلامية، لكنها تنجرف الآن وتذهب باتجاهات دول أخرى، أخطرها أوكرانيا التي يقف فيها الغرب وروسيا في مواجهة هي الأوضح والأصرح والأشد خطرا حتى الآن، فيما تتحضر فنزويلا إلى ذات المصير، بينما مالي وإفريقيا الوسطى ونيجيريا والصومال وقبلهما أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين ..إلخ، على حالها الدامي.ولعل أشد ما يلفت النظر أننا صرنا نعيش في عالم وصل إلى حد الانقسام الواضح الذي لا تتغير أطرافه أو تحالفاته. صرنا نجد روسيا والصين في موقف موحد في كل تلك النزاعات ومن خلفهما كوريا الشمالية وإيران، كل في إقليمها، فيما أوروبا والولايات المتحدة في الطرف الآخر ومعهما دول أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وكندا. وهنا يبدو الأخطر أن كلا من الطرفين الكبار، صارا يمدان تحالفاتهما في العالم ويتدخلان في الصراعات والحروب على خلفية تلك التحالفات المتنامية، حتى كاد المستقبل يحذرنا بأن العالم لن يعرف إلا الانقسام، دون الحياد. والخشية أن يفتح أحد ملفات الصراع الكبرى كحال الكورتين وصراع الهند وباكستان، والصين واليابان ..إلخ.العالم يتصارع والانقسام الدولي صار عاريا بلا غطاء-الأزمة الأوكرانية- بما يشعرنا بأن الأمور مفتوحة على صراعات أخطر . هنا روسيا ومن خلفها الصين ودول أخرى من دول الاتحاد السوفيتي السابق، في مواجهة دون فواصل ودون دور ونفوذ من دول إقليمية، مع أوروبا والولايات المتحدة . فهل تندلع الحرب؟ وهل إذا اندلعت بين روسيا وأوكرانيا يمكن أن تمتد نيرانها على غرار ما جرى في الحربين الأولى والثانية ؟التحليل والرؤية لا تقول باحتمالات اندلاع الحرب الآن، وأن ما يجري من صراع لن يتدحرج إلى حرب شاملة، وأن العالم لم يصل إلى هذا الجنون بعد، والأهم أن الأطراف الداخلة في الصراع تدرك موازين القوى في تلك الأزمة جيدا . الغرب يملك قوة قطاع من أهل أوكرانيا، ويملك وسائل ضغط اقتصادية على روسيا على صعيد الاستثمارات في داخل روسيا أو في مجالات التجارة الخارجية والانضمام للمؤسسات الدولية . وروسيا بدورها تملك أوراق ضغط لعل أخطرها إغلاق ممر انسحاب القوات الأمريكية والأطلسية من أفغانستان، وإمداد إيران بصواريخ إس إس 300 وكذا سوريا ..إلخ .وكلها أوراق تدفع للتسوية لا الحرب الشاملة.لكن الأخطر من وضعية الأزمة وتداعياتها المباشرة – وهي لن تصبح حربا - هو مؤشراتها المستقبلية، إذ أوكرانيا – وربما نصفها- ذاهبة الآن إلى عضوية حلف الأطلنطي، بعدما تحرك البرلمان نحو إقرار قانون يغير ملامح الأمن القومي الأوكراني ويفتح الباب للانضمام إلى حلف الأطلنطي ويلغي القانون الصادر في عام 2010 الذي نص على عدم الانضمام للحلف. المعنى هنا أن حلف الأطلنطي سيصبح على حدود روسيا الاتحادية وسط حالة نزاع ستتواصل بحكم السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم. وهناك بين الصين ومن خلفها روسيا واليابان ومن خلفها أمريكا والأطلنطي، نزاع حول جزر، تصاعد إلى أن أصبح مسألة كرامة وطنية، بما دفع الصين إلى إرسال قطع حربية، وترد اليابان بالمقابل بتصعيد فكرة عودة بناء الجيش الياباني وتطويره، وأفغانستان تضاف إلى مناطق الصراع بين الهند وباكستان ..إلخ.العالم فوق فوهة بركان، وهو إذ ينفجر حروبا في مختلف المناطق، فالخوف أن تنفجر إحدى الصراعات الكبرى الخامدة في هذه الأجواء، فتحل الكارثة الكبرى بالبشرية.
752
| 07 مارس 2014
ذهب الببلاوي، ومن قبله ذهب زياد بهاء الدين، وكان البرادعي قد اختصر الطريق وغادر بنفسه قبل أن يقال، وربما قبل أن يتعرض للمحاكمة، والثلاثة من تيار فكري وسياسي أقرب إلى بعضهم البعض، وقد وصل ثلاثتهم للمناصب في وضع مرحلي مؤقت للغاية، وانتهى وجودهم في الحكم بأسرع مما تصور الكثيرون وربما أنفسهم أيضاً، إلا أن آخرهم في المغادرة- الببلاوي-جرت مغادرته بالإقالة المفاجئة، حتى قيل إنه قد لا يبقى في البلاد، وسيغادر مثل البرادعي.كان عصام شرف أول من وصل إلى موقع رئيس الوزراء عقب إقالة حكومة شفيق، وقيل وقتها إنه أول رئيس وزراء يأتي للحكم من ميدان التحرير، فوصل محملا بالآمال الثورية، لكنه لم يجد طريقا للنجاح وانتهت تجربته بالفشل، وقد ظهر للمتابعين أن من اختاروه وكلفوه حددوا مهمته في امتصاص الضغط الثوري وإعادة البلاد للهدوء بسرعة - لا تحقيق أهداف الثورة –وحين لم يفلح ..أقيل. وإذا جرت مظاهرات 30 يونيو وصدر بيان 3 يوليو، وأطيح بالرئيس المنتخب ورئيس وزرائه، فقد جيء بالببلاوي رئيسا للوزراء –بذات طريقة عصام شرف -وفهم وقتها أن الرجل وصل للموقع لتقديم غطاء سياسي للسلطة الجديدة، باعتباره وبعض من رموز وزارته، من زمرة جبهة الإنقاذ وأطيافها، وقد كانت الذراع السياسية والإعلامية للجهات التي أثارت العنف في شوارع حكم مرسي.الآن انتهى دوره كما انتهى دور عصام شرف، إذ وجد كلاهما نفسه في داخل صندوق مغلق، لم يفتح إلا لخروجه.وإذا كان البرادعي هو من استقال، قبل أن يقال، ويقول البعض، إن دوره كان انتهى حين اندلع الصدام بين القوتين الرئيسيتين في المجتمع والدولة –القوات المسلحة والحركة الإسلامية- وكذا قيل إن زياد بهاء الدين هو من استقال، فالأغلب أن الببلاوي – ومعه من بقي من رموز الإنقاذ – قد أقيلوا وبذلك لم يبق من احتلالهم للمناصب إلا ترسيخ فكرة أن هذا التيار، لم يخرج عن خدمة الأنظمة غير الديمقراطية وأنه تيار لا يستطيع الوصول للحكم عبر الصناديق بل بالارتباط بسلطات الدولة.وقد جاء تحريك الببلاوي –ومن بقي معه-خارج مقر الوزارة إعلانا بمرحلة جديدة من حكم مصر، سيكون الببلاوي ورمزيته السياسية أحد ضحاياها.فالقادم في رئاسة حكومة مصر –إبراهيم محلب –هو أقرب إلى نمط تفكير د.الجنزوري، وسيؤدي الدور نفسه الذي أداه لكن باتجاه جبهة الإنقاذ هذه المرة. القادم هو حكم تديره الدولة وأجهزتها السيادية بشكل كامل دون غطاء من أحزاب سياسية.لقد نجحت الدولة الناصرية في تشكيل نمط من البيروقراطيين أو التكنوقراط الذين لا يفكرون إلا بعقلية أجهزة الدولة المتحكمة؛ هؤلاء حسب وصف أحد الأصدقاء الخبراء، يرون أن القرار الوطني هو القرار الذي تصدره القيادة السياسية، أيا كان.ذهب الببلاوي ومن معه، وأصبح الحكم بلا غطاء سياسي من أي تيارات فكرية، انتهى دور جبهة الإنقاذ، لتكون الدولة المصرية وحدها في الحكم دون غطاء من آخرين .عادت الدولة منفردة وحدها في ساحة النظام السياسي دون تيارات وأحزاب سياسية حقيقية، بعدما عزلت الإخوان والتيارات الإسلامية ثم عزلت حركات الشباب الليبرالي والعلماني، والآن عزلت جبهة الإنقاذ لتعود هي لتولى الحكم والتشريع والرقابة وكل شيء، هي الدولة والدولة هي، ولا أحد سواها في ساحة مصر. انتهى تحالف الدولة مع أي أحد، تلك الحالة لا تطرح وضعية السلطة بقدر ما تطرح المأزق التاريخي للحركة السياسية المصرية التي قبلت الحوار والارتباط والتحالف مع الدولة في كل العصور، ولم تكن جادة أبدا في علاقاتها وتحالفاتها مع بعضها البعض، قبلت التيارات السياسية والفكرية التحالف مع الدولة ضد بعضها البعض، منذ الملكية وخلال حكم عبد الناصر والسادات ومبارك، وحتى الآن.بقي سؤال استفساري: هل تعود جبهة الإنقاذ للبحث عن تحالفات جديدة، بعد انتهاء دورها في الحكم؟
1017
| 28 فبراير 2014
تلك الكلمات ليست موقفا بتأييد هذا المرشح، وهي ليست مشاركة في انتخابات تجرى على مقعد الرئيس الذي أتى به الشعب إلى كرسي الرئاسة عبر صناديق الانتخابات، فأطيح به وتم الانقلاب عليه وعزله.تلك نظرة تحليلية تتعلق بما يعنيه ترشيح الفريق سامي عنان، على صعيد التوازنات الكلية داخل النخبة المصرية وخلفية هذا الترشيح على الصعيد الإقليمي والدولي، وهي محاولة للنظر في النتائج المتوقعة لوصوله إلى سدة الحكم. هل يمثل مرحلة جديدة؟ هل تهدأ البلاد؟ أو هل ينتهي الانقسام الحاد الخطر الراهن؟الفريق عنان في التقدير العام لمؤيديه ومسانديه في الترشح، من النخب العليا في المجتمع والخارج، ليس مجرد مرشح لكرسي الرئاسة، بل يمثل وصوله للحكم حلا وطريقة يفضلونها لحل الأزمة الطاحنة الراهنة ووسيلة لإدارتها. وهو يمثل من وجهة نظرهم الحل الوسط دون تفاوض بين أطراف الصراع الجاري في مصر منذ انقلاب يوليو وحتى الآن، أو هو "بشخصه" البديل للتفاوض بعد أن صار طريقه مسدودا .هؤلاء يتحركون وفق رؤية أن الفريق عنان، هو الحل الوسط دون تفاوض. وهو مرشح يراه داعموه شخصا وسطا في الأزمة الراهنة، باعتباره لم ينغمس في دوامة الصراع المتفاقم الجاري حاليا .هو عسكري لكنه سابق، كما هو مرشح لمنافسة عسكري آخر أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بيانا بشأن ترشحه فهم منه أنه تأييد ودعم له، ويرى داعمو عنان أن وصوله للحكم سيحافظ على استمرار المؤسسة العسكرية في الحكم، دون أن يكون الرئيس منها بشكل مباشر، فتخرج بذلك من وضع المواجهة والمجابهة الحالية، دون أن تترك الحكم، ولا حتى لصباحي الذي كان مكونا من مكونات الأزمة الراهنة ضمن حلف 30 يونيو.وهو مرشح، سيجري تقديمه كرجل شغل الموقع الثاني في السلطة الانتقالية التي قادها المشير حسين طنطاوي، التي سلمت الحكم للرئيس المنتخب، ويرون أن بإمكانهم القول للمجتمع إنه كان مشاركا في حدث ديمقراطي كبير، وإن كانت السلطة الانتقالية قد ارتكبت الكثير من الأخطاء بما جرى فيها من اضطرابات سياسية وأحداث عنف وقتل راح ضحيتها الكثير من الأبرياء في مختلف أنحاء البلاد، فهم يردون بأن ما جرى لا يمكن أن يرتقي إلى تلك الحالة التي تعيشها البلاد الآن، لا على صعيد الاضطراب ولا أعداد الضحايا .داعموه يقدمونه كحل وسط بين حدثين كبيرين، ويرون أن فوزه سيفكك حالة الاحتقان السياسي والنفسي عند طرفي الصراع، على اعتبار أن ليس لأي طرف أن يقول إن خسارته جاءت صفرية كاملة بنفس الحدة التي يمكن الحديث بها عند فوز الفريق السيسي أو حتى صباحي.والأغلب أن هناك رؤية داخلية وإقليمية بأن يكون حكم سامي عنان، هو إعادة إنتاج لنظام مبارك بصورة هادئة توقف مفاعيل الصراع الجارية المتطورة إلى ثورة كاملة، وأن يكون وصوله للحكم محاولة للخروج من المأزق الذي وصلت إليه الدولة التي باتت داخلة في صراعات عنف متنوعة أو متدرجة وتيرتها في مختلف أنحاء البلاد، ويسعون لكي يكون سامي عنان مشروعا للتفاوض والحوار السياسي بديلا من العنف المفتوح، للوصول بالبلاد إلى حالة من التهدئة أو لتغيير أساليب واتجاهات حركة الصراع. من يفكرون به ويدعمونه، يرونه حلا وسطا يسمح بإعادة ترتيب الأوراق ويمنع أو يقلص احتمالات دخول البلاد في حالة ثورة قادمة، يتخوف منها الكثيرون بحكم الأبعاد الاجتماعية لها. والأغلب أيضاً أن داعميه سيستفيدون من هؤلاء الذين يهاجمونه بضراوة، باعتبارهم متورطين فيما جرى في مصر ويجري . سيقول داعموه أرأيتم كيف أن الرجل مختلف مع ما يجري. والسؤال الجوهري الآن، هو، هل يفيد تبديل الجياد فيما العربة لا تستطيع السير أصلا؟ وهل يتصور هؤلاء أن ما جرى قد نجح في تحطيم إرادة ثورة يناير، إلى درجة الإقبال على حل يبقي الحال على ما هو عليه؟
1849
| 21 فبراير 2014
الحكم بالترويع هو نمط أخطر وأشد إجرامية، من ديكتاتوريات أو جمهوريات الخوف.. الحكم بالترويع هو حالة أشد قسوة وفظاعة ودموية، من حكم الشعوب تحت التهديد والتخويف، فالخوف من القتل، مختلف عن الخوف تحت الترويع بفعل رؤية مشاهد القتل وتقطيع وحرق الجثث رأى العين، على قارعة الطرق. لقد أعيتني الحيرة في اختيار عنوان هذا المقال.. هل يكون الحكم بالتخويف؟ لم أجد العنوان معبرا، إذ بعض الإدارات في الدول الديمقراطية حكمت شعوبها، عبر تخويفها من الآخر، وقد رأينا كيف أن جورج بوش شن حملة تخويف على الشعب الأمريكي، من خلال التضخيم في قوة القاعدة ومن القائد العراقي السابق صدام حسين، وكان الهدف تمرير قرار العدوان على أفغانستان والعراق دون رفض ومقاومة من الشعب الأمريكي.. هل يكون عنوان المقال الحكم بالتجويع أو بالحرمان من نعمة الأمن الاجتماعي؟ وقد وجدت الفعل العام والثابت ليس التجويع الكامل عبر الحصار، وأن افتقاد الأمن قد يواجهه شجعان، وعدت لتجربة بشار فرأيت اجتماعا لأسلحة التخويف والتجويع والقتل أيضاً.. حيرتي أنقلها للقارئ، بعد أن استقرت رؤيتي على عنوان "الحكم.. بالترويع"، إذ وجدت كثيرا من الحكومات الراهنة تحكم عبر ترويع الشعوب لا تخويفها أو تجويعها أو ممارسة القتل فيها، والترويع ليس القتل فقط. وحكاية الحكم بالترويع بدأت مع العدوان الأمريكي على العراق، إذ كان عنوان خطة العدوان والحرب، هو الصدمة والترويع، حيث طلب من معد الخطة، أن يروع الإنسان العراقي حتى لا يستطيع مجرد الحركة، وأن يصاب بالشلل النفسي والذهني من شدة هول القصف فلا يفكر في إنقاذ نفسه ولا ولده.. إلخ.. من بعدها تعلم كثير من الحكام لعبة الانتقال من الحكم بالتخويف إلى الحكم بالترويع. في الحكم بالتخويف يجري غرس الخوف في نفوس المواطنين عبر التهديد بالتعذيب وانتهاك الحرمات والبيوت والسجن خارج إطار القانون. هي نفس طريقة قيادة الدابة بمجرد تحريك العصا أو الكرباج.. أما الحكم بالترويع، فيقوم على الاستخدام الفعلي الإجرامي لكل أدوات القمع وصولا إلى القتل في الشوارع.. قتل الناس بالرصاص أو السيوف وسحلهم وتقطيع أجسادهم في الميادين ورميها في القمامة وحرقها، ونشر تلك الصور على الجميع لإشاعة مناخ يشعر فيه المواطنون بأنه لا حل أمامهم إلا الخضوع.. وهناك في عالم الحكم بالترويع قصص أخرى، مارستها وتمارسها أجهزة الإعلام التي تشن حربا على جماعات المقاومة، إذ تنشر فيديوهات وأفلاما وصورا تنسب لهم، ويظهر فيها من يقطع أجساد الناس وهم أحياء أو يحرقهم أو يقطع رؤوسهم، ليقبل الناس بحكم الطاغية أو حكم القوات التي تحتل بلادهم، فحينها يصبح الحاكم الديكتاتور أو قوات الاحتلال وكأنها تحمى المواطنين من هؤلاء "البرابرة الهمجيين". الحكم بالتخويف، يقوم على ممارسات جزئية وحرب إعلامية وشائعات تصيب الناس بالخوف (كما يحدث في الجمهوريات الديكتاتورية – وكذا في بعض الدول الديمقراطية- وهو أمر يجرى لظروف مؤقتة في كثير من الحالات)، أما الحكم بالترويع، فهو حالة من حالات الحكم الدموي، التي يجري خلالها تعمد إسالة دماء المواطنين علنا ودون تمييز وبغزارة ولفترات طويلة.. الحكم بالترويع هدفه إنهاك إرادة المجتمعات أو القضاء على ثوراتها واحتجاجاتها وكسر إرادة المواطنين على استمرار المقاومة. هذا النمط من الحكم يذكر بمقولة أحد ملاك العبيد الأمريكيين، الذي نصح الملاك الآخرين الذين أعيتهم الحيل في القضاء على ثورة العبيد. فقال لهم "أحضروا أشد العبيد عنادا في ساحة، واجمعوا العبيد الآخرين من الرجال والنساء، واربطوا يده وقدمه اليمنى بحبل في مقدمة حصان جامح، ويده وقدمه اليسرى بحبل في حصان آخر، واجعلوا الحصانان يجريان بسرعة وقوة وعزم في اتجاهين متضادين، فينشق جسد العبد وهو حي إلى نصفين طوليا، وبذلك الترويع لن تجدوا عبدا يغامر بأن يشق جسده وهو حي والآخرون واقفون. وقال لهم، إن حضور النساء لحفل الترويع، يجعلكم تحصلون على جيل مدجن من العبيد تربيهم أمهاتهم على طاعتكم مهما طلبتم. الحكم بالترويع هو أشد أشكال الحكم دموية وإجرامية عبر التاريخ.
1350
| 13 فبراير 2014
لم يعد بالإمكان الحديث بلغة وألفاظ ملتفة أو منمقة، فمثل تلك اللغة باتت تمثل غطاء لأبشع عمليات قتل وإبادة شاملة، إنسانية وحضارية يشهدها التاريخ المعاصر، هي حرب عالمية حقيقية ضد السنة في كل مكان تقريبا، ولا علاقة لهذا التوصيف بأية لغة أو توصيف طائفي.من يتلفت بحثا أو فهما أو متابعة لما يجرى في مختلف أنحاء العالم، من حروب تشنها الدول الكبرى ودول إقليمية أيضاً ضد دول أخرى أو أعمال حرب إجرامية تقودها جيوش دول ضد شعوبها أو أعمال تطهير عرقي ضد أقليات.. من يفعل ذلك سيجد نفسه أمام طوفان من أعمال القتل والترحيل القسري للسكان وأعمال الاستيلاء على أراضيهم وهدم للمدن على رؤوس ساكنيها، ويجد أن عداد القتل اليومي يكاد يعلن عدم قدرته على إحصاء ما يجرى منذ سنوات طوال، وسيصدم إذ يرى الحقيقة الماثلة أمامه تقول: إن صنفا واحدا من البشر هو من تجرى ضده كل أعمال القتل والإبادة تلك.. من أفغانستان عبر ثلاثة حروب تبادلت فيها القوتان الدوليتان أدوار استخدام القوة العسكرية الجبارة في القتل والإبادة والهدم، ظل "نوع المقتول واحدا وثابتا".. إلى العراق.. حيث تبادلت قوة إقليمية (إيران) وقوة دولية (أمريكا وبريطانيا)، الأدوار في القتل والإبادة والتدمير للإنسان والمجتمع والدولة لنحو ثلاثين عاما متواصلة، نجد "نوع المقتول واحدا وثابتا"، رغم اختلاف الدول المعتدية ونوع السلاح القاتل.. المقتول هو من نفس النوع المقتول في أفغانستان.وهكذا كان ما قامت به روسيا ضد مواطني الشيشان، وما قامت به إثيوبيا ضد أبناء الصومال وكيلا عن الولايات المتحدة.. إلى بورما إلى الصين إلى إفريقيا الوسطى إلى نيجيريا، ومن قبل كانت البوسنة والهرسك بمذابحها التي جرت تحت أعين جنود الأمم المتحدة وتحت بصر العالم ومثلها كوسوفا، ومن قبل كانت فلسطين صاحبة المائة عام من القتل والإبادة والترحيل والتهجير وما تزال.أعمال الإبادة والقتل تلك هي نفسها مهما تعدد القتلة أو اختلفت لغات القتلة، وهى جرائم تجرى في مختلف قارات العالم، وإذ لم نشر إلى أمريكا على أرضها، فلأنها تقوم بدورها في القتل خارج أرضها وتعتبر المسلم المقيم على أرضها إرهابيا يستحق الملاحقة والمراقبة والتنصت عليه ومتابعته.في الوقت الراهن تجري معارك الإبادة في العراق وسوريا، فيقتل الآلاف وتهدم المدن فوق رؤوسهم ويحاصرون بحرب الجوع – التي تعيشها غزة منذ سنوات- دون تحرك دولي، إلا في فتح الطريق وتقديم الدعم لتلك المذبحة البشرية وحالة الإبادة الحضارية الجارية، مع إطلاق تصريحات لتبرئة الذمة ولممارسة الخداع لا أكثر ولا أقل.التصنيف هنا بأن السنة هم من يقتلون وتهدم مدنهم ويجرى نقلهم من الحياة إلى الموت تحت الأرض، ليس تصنيفا طائفيا وإنما هو تقرير واقع وتحديد لنوعية من يقتلون، فالقوات الأمريكية التي احتلت العراق وأفغانستان ركزت ضرباتها العسكرية من قصف الطائرات إلى الدك بالصواريخ على المناطق السنية.. والحال في سوريا، أن المقتول بأيدي وطائرات وصواريخ جيش النظام هم سكان المناطق السنية، والمفارقة هنا أن يجري اتهام من يأتي من السنة من الدول الأخرى لمناصرة السنة في سوريا أو العراق بأنه إرهابي حتى لو عمل تحت قيادة سورية، أما من يأتي لنصرة بشار على خلفية طائفية من لبنان إلى العراق إلى إيران، فالمجتمع الدولي لا يراه، ولا يتحدث عنه، إذ تخلو كل الأقوال والقرارات الدولية والأفعال من أي إدانة له.هي وفقا لهذا الرصد، حرب عالمية ضد السنة، لا يمكن تبريرها بحكاية تنظيم القاعدة أو الحرب على الإرهاب، بل يجب تفسيرها بفتح أبواب أخرى تتعلق بالصراع على الأرض والثروة.. إلخ.ما يجري هو الترجمة الفعلية لنظرية صدام الحضارات ودراسة نهاية التاريخ.. لا أكثر ولا أقل.
10355
| 07 فبراير 2014
كل شيء ممكن حتى لو كان تحدي الغرب بالحديث والخطابات والشعارات أو بالتلويح بالقوة أيا كانت طريقة استخدامها، إلا أن تحقق الديمقراطية في بلادك فذلك دونه الموت إعداما أو بالسم أو بأحكام القضاء، إذ يدرك الغرب ونظم الحكم المتعاونة معه - ومن قبلها الفئات السياسية والإعلامية وتلك التي تعيش على استنزاف أموال الشعوب ونهبها - أن الديمقراطية هي أساس التنمية ومواجهة الفساد، وأن الحكم المتمتع بمشروعية شعبية، قادر على تصحيح نفسه، وعلى نقل الدول والمجتمعات إلى حالة القوة والقدرة الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، لتصبح ندا حقيقيا في الدفاع عن السياسة والمصالح.وذلك هو سر تعثر واستمرار معركة الديمقراطية في العالم العربي لسنوات طوال - يبدو أنها ستطول أكثر- إذ تشير وقائع الأحداث أن الأمة ما تزال بحاجة إلى وقت وصراع وضحايا لأجل إنجاز وعبور معركة تأسيس نظم حكم ديمقراطية.. وواقع الحال أن معركة الديمقراطية ما تزال تشهد ارتباكا في توجهاتها وأطرافها المقاتلة لأجلها، بما يعيق التقدم نحو الانتصار فيها، إذ انتهى الربيع العربي في دورته الراهنة إلى عبور ونجاح واحد يستحق التحية باقتدار في تونس، فيما الدول الأخرى تشهد انقلابا إلى نظم وأوضاع سياسية أشد قسوة ووطأة من الديكتاتوريات التي جرت الثورات ضدها.أحد أشكال الارتباك في المشهد الراهن يعود إلى أن رياح التغيير الديمقراطي، لم تصل عاتية إلى كل الدول العربية دفعة واحدة، وظلت نسيما رقيقا في بعض الدول، التي اعتبرت ما جرى في الدول الأخرى إنذارا بثورة شعوبها، فراحت تمدد دورها الديكتاتوري وتلعب دورا معاكسا في الدول التي شهدت هبوب الرياح، لوأد تجاربها الديمقراطية الوليدة، هؤلاء تحركوا لمنع هبوب الرياح في مصادرها.وهناك الدول الغربية ليست فقط رافضة لحلول الديمقراطية في بلادنا، بل هي ما تزال قادرة على توجيه الضربات لتلك التجارب الوليدة من داخلها عبر اختراقات خطرة للدول والنخب ومجموعات رجال المال، بعدما تأكد للغرب أن إحلال الديمقراطية يعيد إنتاج الحضارة الإسلامية الند للحضارة الغربية، على صعيد المجتمع والدولة، إذ وصلت القوى الإسلامية للحكم عبر صناديق الانتخابات، الغرب صنع حربا أهلية ثقافية بين أجهزة الدولة العربية من جهة والمجتمعات من جهة أخرى – قبل أن ينتهي احتلاله العسكري - وهو يدرك أن وصول الإسلاميين للحكم ينهي تلك الحرب التي هي أحد أسس قيام الديكتاتوريات وديمومة الصراعات التي تستنزف طاقات الأمة.والأهم والأخطر أن مواجهة ووأد التجارب الديمقراطية الوليدة يعود إلى واقع وتشكيل المجتمعات العربية، إذ الديكتاتورية لا تتوقف عند حدود حكم الفرد – ولو كان الأمر كذلك لحسمت قضية الديمقراطية سريعا - بل هي حالة اجتماعية أيضاً إذ ترتبط بها فئات اقتصادية واجتماعية ونخبوية، أشد شراسة من الديكتاتور نفسه، في دفاعها عن مصالحها المرتبطة ببقائه، وفي إعادة إنتاج الديكتاتورية حال سقوط الديكتاتور نفسه.هناك نخب،لا تستحق التسمية، ولعدم استحقاقها ولمصالحها التي لا تنفك عن النظم الديكتاتورية، فهي تمارس صناعة الديكتاتور بوعي بمصالحها بأساليب أشد من الديكتاتور نفسه، تلك الفئات السياسية والإعلامية تقاتل بشراسة لعدم ولوج الطريق الديمقراطي وهى تحاول إعادة إنتاج الديكتاتورية حين تسقط.وهناك شبكات رجال الأعمال الذين وصلوا حد الديناصورات المالية دون أن يكونوا رجال اقتصاد، إذ هم ليسوا سوى ناتج من نواتج اختراق وتعاون فاسد مع عناصر جهاز الدولة المهيمنة.. ففساد رجال الدولة يتطلب ويقوم بالأساس على وجود عناصر متعاونة من خارج جهاز الدولة، إذ تسريب المال العام يجرى وفق دورة محكمة بين طرفين.. تلك الفئات أشد شراسة وأكثر قدرة على أحداث اضطرابات لتجارب الحكم الديمقراطية، التي جرت بعد الربيع العربي.وهناك فئات من المهمشين في المجتمع، أفقرهم النظام الديكتاتوري وحولهم إلى قوة هائلة يستخدمها بفقرها وقهرها - تحت سنابك خيول الدولة - للوقوف في مواجهة الداعين والمروجين والحاكمين بالديمقراطية في مراحل التحول الأولى التي يتأخر وصول نتائجها لهؤلاء مبكرا، فيظلون رصيدا للانقلابات.المعركة طويلة.. إذن، وشرطها الأساسي مدى الإيمان بأنه لا حل إلا بتحقيق الديمقراطية في بلادنا.
1361
| 31 يناير 2014
يجري الصراع في مصر فعليا بين ثلاثة مشروعات تكاد تكون قد تكاملت ملامحها الآن، وأصبحت ظاهرة للعيان على صعيد طبيعة ومكونات وأهداف كل مشروع، وإذ لا يزال البعض – فضلا عن الجمهور العام-لا يدرك ملامح الاختلاف،فالأيام القادمة حبلى بصراع وتطورات أشد تحديدا وكشفا لكل منها بحكم اشتداد الصراع وتأثيره إلى درجة كشف الأوراق جميعها.في المشروع الأول فنحن أمام دولة مبارك بطعم الحكم العسكري، الذي يقدم نفسه للرأي العام عبر حديث وطني معاد للولايات المتحدة في أبواقه الإعلامية دون إجراءات عملية متماهية مع هذا الطرح الديماجوي.هو مشروع الأتاتوركية عند بدايتها ويجري إنفاذه،بتفاصيل ملامح عربية،وأهم ما فيه إقصاء واستبعاد ومنع الإسلاميين من الوصول للسلطة عبر صناديق الانتخاب.والثاني هو مشروع الشباب الليبرالي الوطني الذي يتبنى رؤية ليبرالية حقيقية تختلف مع المشروع الإسلامي من جهة،ومع المشروع الاقصائي من جهة أخرى، باعتبارها لا تسعى لليبرالية أو علمانية إقصائية تقوم على استخدام القوة ضد الآخرين،وهم لا يعتمدون على مساندة قوة أجهزة الدولة –بل هي مجموعات من خارج جهاز الدولة ومتصادمة معه-وفق ما هو عليه حال المشروع الإقصائي.وإذا شئنا الدقة فهؤلاء يحملون مشروعا خليطا من العلمانية والليبرالية والديمقراطية والاشتراكية يكاد يكون أقرب إلى النموذج التركي بعد إنهاء تسلط العسكر.والمشروع الثالث هو المشروع الإسلامي الديمقراطي الذي حاول الإبقاء على جهاز الدولة وإصلاحه وتطويعه ليصبح ملتزما ومنضبطا داخل آليات الحياة الديمقراطية.هو مشروع استهدف إدارة الدولة والمجتمع وفق مبادئ الإسلام،والحكم عبر آليات الديمقراطية،ويحاول تعميق الهوية ومكافحة الاستلاب للغرب.هم أصحاب مشروع إسلامي يعتمد الديمقراطية آلية للوصول إلى الحكم ولتطبيق هذا المشروع نفسه.وقد كان الصراع جاريا منذ بداية ثورة يناير بين المشروعات الثلاثة،دون وضوح في الرؤى وفي طبيعة ملامح كل مشروع على حدة.أو كان الصدام بين العسكر أو المشروع العلماني الإقصائي المستند لقوة الدولة، واضحا لدى قياداته ضد المشروعين الآخرين بينما لم يكن الأمر كذلك عند خصومه،كما كان أصحاب هذا المشروع هم الأكثر قدرة على التخطيط وإدارة المواجهة مع الخصوم على أساس المرحلية،بما جعله ينجح في فصم العلاقة بين طرفي المشروعين الآخرين وهما الأقرب إلى بعضهما البعض منه،باعتبارهما يسعيان لإحلال الديمقراطية وتحقيق التداول السلمي للسلطة ووسيلة إنفاذ مشروع كل منهما.لقد تمكن أصحاب المشروع الإقصائي الاستبعادي من التعتيم على هوية وجوهر مشروعهم الخاص،وكذلك نجحوا في تشكيل تحالفات مع أصحاب كل مشروع من المشروعين الآخرين في كل مرحلة على حدة،حتى انتهوا في 3 يوليو الماضي، إلى استبعاد الطرفين الآخرين وإقصائهم وشن الحرب السياسية والإعلامية واستخدام قوة السلاح وإمكانات جهاز الدولة ضدهم ليبقوا منفردين في الحكم وإدارة المجتمع،وهو ما صار يطرح ضرورات تحالف أصحاب المشروع الليبرالي الشبابي،والإسلامي الديمقراطي.والآن تبدو الأمور قد تغيرت وإن لم تنضج كاملا بعد،إذ المشروعات والتحالفات تنضج داخل حالات الصراع أسرع.لقد أيقن أصحاب المشروع الإسلامي عدم قدرتهم على إنجاز الانتصار وحدهم،وأنه لا بديل عن التحالف مع من لم يختاروا التحالف معهم بعد نجاح ثورة يناير،باعتبار أن صراعهم ليس مع أصحاب المشروع الشبابي بل مع المشروع الإقصائي.كما أدرك أصحاب المشروع الشبابي أنهم أقرب إلى الإسلاميين باعتبارهم سويا في إطار بناء المشروع الديمقراطي، وإن كانوا على خلاف مع مشروعهم الفكري.وبذلك عادت القضية إلى جوهرها الأول ومربعها السابق.وصارت تطرح التساؤلات. وأهمها: هل يتحول الإدراك إلى إجراءات محددة أم أن المماحكات والاختلافات ستظل تلقي بأثرها على الطرفين بطريقة أو بأخرى؟ وكيف يجب التعامل القوي الذي ما يزال في طور المراوحة بين المشاريع الثلاثة، هل تظل تجد مصلحتها في بقاء واستمرار أصحاب المشروع المتغلب حاليا وتدخل في دهاليز الحالة الشكلية للديمقراطية أو هل أن عداءها للحركة الإسلامية سيكون أعلى وأقوى من تمتعها هي ذاتها بالحرية؟ وإذ تفكك الكثيرون من هؤلاء الذين بدأوا مشروع 3 يوليه، فخرج البرادعي ثم 6 أبريل وبعدهم أبو الفتوح.. الخ، فهل ينجح الإسلاميون وأصحاب المشروع الشبابي في تشكيل تحالفات جديدة؟ مثل تلك التحالفات قد تنزع فتيل المواجهة وتفرض حلا سياسيا!
804
| 24 يناير 2014
مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
1245
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
801
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...
693
| 11 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...
618
| 12 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...
585
| 14 ديسمبر 2025
نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...
555
| 11 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...
555
| 15 ديسمبر 2025
• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...
531
| 11 ديسمبر 2025
يوم الوطن ذكرى تجدد كل عام .. معها...
510
| 10 ديسمبر 2025
مع دخول شهر ديسمبر، تبدأ الدوحة وكل مدن...
504
| 10 ديسمبر 2025
في قلب الخليج العربي، وتحديدًا في العاصمة القطرية...
468
| 09 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية