رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تداعت الدول العربية والإسلامية الى عقد قمة احتضنتها الرياض في وقت وصفه حضرة صاحب السمو أمير قطر بالحاسم حين قال: "تـأتـي هذه القمة فـي وقـت حـاسـم فـي تاريخ منطقتنا إذ تنعقد قمتنا الـيـوم وأشـقـاؤنـا الفلسطينيون في قطاع غـزة يمرون بما لا طاقة للبشر على تحمله مــن فـظـائـع آلـــة الــحــرب الاســرائــيــلــيــة وقـــد فـشـل المجتمع الـدولـي في تحمل مسؤولياته القانونية والاخــلاقــيــة واتــخــاذ مـا مـن شـأنـه إيـقـاف جـرائـم الحرب والمجازر المرتكبة باسم الدفاع عن النفس، ووضع حد لهذه الحرب العدوانية. ومنذ بداية الخطاب أدان سموه القوة المحتلة وحربها معلنا انها تنتهك الشرعية الدولية مرة أخرى وتقدم للرأي العام العالمي مشاهد رهيبة من قتل الأطفال والنساء والشيوخ متسائلا عن صمت العالم عن كل هذه الانتهاكات، وقال سمو الأمير:"وإذ تنفطر قلوبنا ألما لمشاهد قتل الاطفال والنساء والشيوخ بالجملة والمعاناة الانسانية نتساءل إلى متى سيبقى المجتمع الدولي يعامل إسرائيل وكأنها فـوق القانون الـدولـي وإلـى متى سيسمح لها بضرب كافة الـقـوانيـن الـدولـيـة عـرض الحائط فــي حـربـهـا الـشـعـواء الـتـي لا تـنـتـهـي عـلـى سـكـان البلاد الاصليين؟ مـــا يـــحـــدث فـــي غــــزة يــشــكــل خـــطـــرا عــلــى كــافــة المـســتــويــات فــثــمــة ســـوابـــق تــســجــل حــتــى عـلـى مـسـتـوى الـحـروب الـعـدوانـيـة. كـيـف أصـبـح قصف المـسـتـشـفـيـات أمـــرا عــاديــا؟ يــتــم إنــكــاره واتــهــام الضحايا بداية ثم يبرر بوجود أنفاق تحتها ثم يصبح أمــرا لا حـاجـة لـتـبـريـره بـعـد تبلد المشاعر وتــعــود العـيـن عـلـى مـشـاهـدة المــآســي." وحلل حضرة صاحب السمو ظاهرة عجيبة سماها بفقدان الشعور بالمسؤولية كأنما ارتفع منسوب المناعة لدى عديد الدول ضد التأثر الإنساني بمشاهد الترويع وإرهاب الدولة! وقال سموه: "هــذه أمــور غير مسبوقة وجـدنـا فـي هـذه الـحـرب أوقبل هذه الــحــرب أثــنــاء حـصـار غــزة ارتـفـاعـا مـلـحـوظـا في مــعــدلات المــنــاعــة لــدى بـعـض الـــدول الــتــي تـدعـي حماية القانون الدولي والنظام العاملي حيث رأينا مناعتهم تجاه مناظر القتل العشوائي للمدنيين الفلسطينيين سـواء كانوا أطفالا أو نساء وكذلك قـصـف المـسـتـشـفـيـات والملاجــئ أصـبـحـت لا تـؤثـر فـيـهـم ووصـلـت مـعـدلات المـنـاعـة لـديـهـم إلــى رؤيـة جثث الابرياء وهي تنهشها الكلاب لا تحرك لتلك الــدول ساكنا سبحان الـلـه قـوة المناعة فقط على أشقائنا الفلسطينيين. !" مشيرا الى أن الـنـظـام الـدولـي يـخـذل نفسه قبل أن يخذلنا حين يسمح بتبريرها! وتساءل صاحب السمو: "من كـان يتخيل أن المستشفيات سـوف تقصف علنا في القرن الـحـادي والعشرين؟ وأن عــائــلات بـأكـمـلـهـا سـتـمـسـح مــن الـسـجـلات بـالـقـصـف الـعـشـوائـي لأحياء سـكـنـيـة؟ وأن شعبا بأكمله سيجبر عـلـى الـنـزوح قـسـريـا بـوجـود مـخـطـطـات مـسـتـنـكـرة ومـرفـوضـة لـتـهـجـيـره؟ وكــل ذلــك عـلـى مــرأى ومـسـمـع الـعـالـم. ويــرافــق ذلــك تـصـريـحـات عـنـصـريـة سـافـرة لـقـادة إسرائيليين لا يستنكرها قادة الدول الحليفة لهم!" وأكد سمو الأمير ثبات دولة قطر على مواقفها التاريخية الـداعـمة لـصـمـود الـشـعـب الـفـلـسـطـيـنـي الـشـقـيـق وقـضـيـتـه العادلة واستمرار قطر مع شركائها في المنطقة والمجتمع الـــدولـــي فـــي تــقــديــم الـــعـــون الانــســانــي والــعــمــل عـلـى سـرعـة وصــولــه إلــى مـحـتـاجـيـه مشيرا الى الـتـعـنـت الاسرائيلي المستمر فـي إعاقته، وطالب سموه فـي هذا الصدد بفتح المعابر الانسانية الامنة بشكل دائم لإيصال المساعدات للمتضررين والمنكوبين دون أي عوائق أو شروط ورفض قطر رفضا قاطعا استخدام التعسف في إتاحة المساعدات الانسانية والتهديد بقصفها كـوسـيـلـة للضغط والابــتــزاز الـسـيـاسـي، مؤكدا سموه أن هذا كله أضعف الايمان وأقل ما يمكننا جميعا عمله قائلا:"كـــمـــا أنـــنـــا مــــاضــــون فــــي دعـــــم كـــافـــة الــجــهــود الدبلوماسية الاقليمية والدولية لخفض التصعيد وحـقـن الـدمـاء وحـمـايـة المـدنـييـن بما فـي ذلـك بذل الـجـهـود فــي الـوسـاطـة الانـسـانـيـة لإطلاق ســراح الـرهـائـن ونـأمـل فـي الـتـوصـل إلـى هـدنـة إنسانية فـي الـقـريـب الـعـاجـل تجنب الـقـطـاع تفاقم الكارثة الانسانية التي حلت به ونعيد التأكيد على موقفنا الثابت من إدانـة كافة أشــكــال اسـتـهـداف المـدنـييـن أيــا كـانـت خلفياتهم العرقية أو الدينية أو الـوطـنـيـة". وأعاد سمو الأمير التذكير بالموقف المبدئي والأخلاقي القطري من قضية الحق الفلسطيني فقال: "خـتـامـا، نـشـدد عـلـى أن الـحـل الـوحـيـد والمـسـتـدام لـهـذه القضية هـو الــذي يـرسـي أسـس الـعـدل وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وهـو الحل الـذي نـادى بـه المجتمع الـدولـي، والـذي نتمسك بـه إيـمـانـا مـنـا بـحـق الـشـعـب الفلسطيني فـي أن ينعم بالخير والـرفـاه وحـق تقرير المصير فــي دولــتــه المـسـتـقـلـة، ولأنــنــا نــؤمــن أن الـخـطـط الاسـرائـيـلـيـة لما بعد الـحـرب الإجـرامـيـة هـي تكرار لـسـيـاسـاتـهـا الاسـتـعـمـاريـة الــتــي أفـشـلـت جـمـيـع مــبــادرات الــسلام وحـتـى الاتـفـاقـيـات وقـــادت إلـى جــمــيــع هـــذه الأزمــــــات. والأســـــاس أنــهــا تــرفــض الاعـتـراف بـحـقـوق الـشـعـب الفلسطيني، ولا تفكر إلا بترتيبات أمنية مـع مواصلة عقلية المستعمر ومـمـارسـاتـه تـجـاه الـسـكـان الأصــلــيـيـن. وهنا أستشهد بشهادة الزميل الدكتور الكويتي عبد الله الشايجي فيما سماه (القوة القطرية الناعمة) فكتب في صحيفة الشرق: "تثبت سياسة قطر الخارجية خـلال العقدين الماضيين صـواب موقف قطر وصــواب تخطيط صـانـع الـقـرار فـي الـدوحـة لتحقيق سـيـاسـة خـارجـيـة نشطة ومتوازنة مكنتها من الانفتاح على الجميع لحل النزاعات. ونجح استثمار قطر طويل الأمد بجعلها اللاعب الوحيد في المنطقة بعلاقات مع جميع المتصارعين في المنطقة وفي داخل دولهم في السودان ولبنان والـيـمـن وأفـغـانـسـتـان بـكـونـهـا الـدولـة الـوحـيـدة الـتـي تـرتـبـط بـعـلاقـات مع جـمـيـع الأطــراف المـتـنـازعـة" ومنذ أربعة أيام ارتكب الاحتلال جريمة قصف مقر دبلوماسي قطري مخصص لإعادة إعمار غزة وحول هذه الجريمة جاءت افتتاحية (الشرق) يوم الثلاثاء تقول: " إن مثل هذه الجرائم والأفعال المنكرة لن تثني دولة قطر انطلاقا في موقفها الثابت الداعم للشعب الفلسطيني الشقيق وقضيته العادلة عن العمل مع كل الشركاء لدعم كافة الجهود الدبلوماسية لوضع حد لهذه الحرب العدوانية وما يرافقها من جرائم غير مسبوقة في تاريخ الحروب."
1737
| 17 نوفمبر 2023
منذ عقدين من الزمن العربي الإسلامي الصعب وأنا لم أكف عن متابعة ما يكتبه هذا الصحفي البريطاني الأمين (ديفيد هيرست) وهو الذي دعاه المركز القطري للصحافة للحديث عن طوفان الأقصى كما أن الجزيرة خصصت له حوارا ثريا والشكر للمركز وللقناة على اختيارهما لاعلامي بريطاني أمين وهي حقيقة تبينت لي وللرأي العام العربي المسلم لأن جميع تحاليله ورؤاه شديدة الاطلاع على خفايا السياسات الأمريكية والأوروبية تجاه حضارة الإسلام وهو الذي على موقعه الشهير (ميدل إست أي) يوميا يفضح مؤامرات الغرب وانخراط اليمين الإسرائيلي العنصري في لعبة خطيرة نسميها نحن (إخراج الإسلام من التاريخ وإبادة المسلمين فكرا وقيما وأخلاقا) فيما يشبه الحملات الصليبية السبعة التي انطلقت من كاتدرائية (كليرمون فيران) في فرنسا على أيدي بابا المسيحية الفرنسي (يوربان الثاني) واخترت أن نتابعه اليوم في محطة طوفان الأقصى مع التوجه بالشكر والتقدير لهذا الصوت النزيه ولموقع (عربي 21) المناضل الذي يترجم مقالات هيرست لجمهور القراء العرب خاصة وأنه اليوم يحذر إسرائيل من أن تهجير مليون فلسطيني من غزة بغاية وهمية هي تشكيل خارطة جديدة للشرق الأوسط ستكون بداية النهاية للدولة العبرية وفي هذا الصدد نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للكاتب البريطاني ديفيد هيرست، تحدث فيه عن النكبة الثانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد أهالي قطاع غزة وشكك هيرست في قدرة الاحتلال على تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، بمجرد "القضاء على فصيل واحد". قال هيرست:"منذ اللحظة الأولى لهجوم حماس من داخل غزة، قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي وعدا لم ينتبه له الكثيرون في حديثه مع عمد البلدات الحدودية قال إن رد إسرائيل "سوف يغير الشرق الأوسط". وعاد وكرر نفس الشيء في خطابه الموجه إلى الشعب المصدوم، حيث قال: "ما سنفعله بأعدائنا خلال الأيام القادمة، سوف يظل صداه يتردد معهم لأجيال قادمة". فما الذي يجول في خاطره؟ نعلم أنه انتظر طويلا رجاء أن يتمكن من ضرب مرافق إيران النووية بعد مرور ثلاث سنين على إحباط محاولته في عام 2010 قال في مقابلة مع سي بي إس: "لن أنتظر حتى يفوت الأوان." كما نعلم أيضا أنه يريد أن يجتث حزب الله وحماس، التي وصفها ذات يوم في حديث له معي (عندما كان في المعارضة)، إنهما بمنزلة حاملتي طائرات تعملان لإيران. لقد استخدم منذ الهجوم الذي شنه المقاتلون الفلسطينيون يوم السبت كلمات وعبارات مشابهة لتلك التي صدرت عن الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ردا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في أثناء مطاردة القاعدة في أفغانستان، كان نائب الرئيس السابق ديك تشيني القوة الحقيقية من وراء العرش يفكر بهجوم أكبر على العراق. هل يفكر نتنياهو باستغلال الدعم الهائل الذي يحظى به حاليا من المجتمع الدولي في تنفيذ حملته ضد غزة؟ من أجل تحقيق شيء أكبر، كما فعل بوش في 2001؟ ولقد أومأ زعيم المعارضة الإسرائيلية، بيني غانتز، هو الآخر إلى شيء أكبر، حين قال: "سوف ننتصر ونغير الواقع الأمني والاستراتيجي في المنطقة." إن إعادة احتلال غزة والقضاء على فصيل فلسطيني مسلح واحد، لن يغير الواقع الاستراتيجي في المنطقة، ولا تحتاج إلى جيش قوامه 360 ألف جندي حتى تستعيد احتلال غزة. يمثل ذلك أضخم عدد من الاحتياطيين يتم استدعاؤهم في تاريخ البلد. وبحسب مصادري، يوجد لدى حماس من الرجال المسلحين ستون ألفا كحد أقصى، وقد تتمكن بصعوبة بالتعاون مع الفصائل الأخرى من تشكيل قوة تعدادها ثلث ذلك العدد. وطبعا من الممكن أن يكون ذلك مجرد تبجح – من نمط اللغة العدوانية التي يتسم بها خطاب نتنياهو. لكم جاءت مثل هذه التعهدات بتغيير الشرق الأوسط على لسان مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين سابقين، وثبت أنها جوفاء. خذ على سبيل المثال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، الذي ألف كتابا يشرح فيه كيف ستعيد أوسلو تغيير شكل الشرق الأوسط. وكذلك وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، التي أشارت إلى تشكل “شرق أوسط مختلف"، عندما حثت إسرائيل على تجاهل المطالبات بوقف إطلاق النار بعد أحد عشر يوما من قصفها لحزب الله في جنوب لبنان في عام 2006. ولكن ماذا لو كان ذلك الذي يتم التخطيط له مشروعا أكبر من ذلك؟ على ماذا سوف ينطوي؟ وما هي الأخطار التي يشكلها على المنطقة ككل؟ أول وأوضح إجابة هي نكبة ثانية أو طرد جماعي لجزء كبير من سكان قطاع غزة الذين يبلغ تعدادهم 2.3 مليون نسمة وهو رقم يكفي لتغيير القنبلة الزمنية السكانية التي لا يغيب هاجسها عن ذهن كل واحد من الإسرائيليين. المقدم الإسرائيلي ريتشارد هيشت قال في حديث مع الصحفيين: إنه ينصح اللاجئين الفلسطينيين "بالخروج" من خلال معبر رفح على حدود غزة الجنوبية مع مصر. ثم اضطر مكتبه لأن "يوضح" ما قاله هيشت من خلال الإقرار بأن المعبر كان مغلقا. و من جهة أخرى أثار الأزهر الشريف أكبر مؤسسة دينية في مصر إمكانية أن تضطر مصر للسماح للاجئين المتدفقين من قطاع غزة بالعبور إليها – وهو نفس ما حدث بعد حربي عام 1948 وعام 1967 بين العرب والإسرائيليين. ودعا الأزهر الفلسطينيين إلى الصمود والثبات وحثهم على البقاء حيث هم. ما الذي سيدفع الأزهر إلى إصدار مثل هذا التصريح لولا أن إمكانية حدوث نزوح جماعي جديد قد تمت مناقشتها خلف الأبواب المغلقة. فمن شأن وصول مليون فلسطيني من غزة إلى سيناء وبدون أدنى مبالغة أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه بالنسبة لمصر وذلك بعد عقد من الانهيار الاقتصادي تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي. منذ فترة وأعداد غير مسبوقة من المصريين يركبون البحر في قوارب يدرك السيسي نفسه هذا الخطر ولذلك لم يكن منه إلا أن كرر الدعوة الصادرة عن الأزهر. لا يوجد أدنى شك فيما سيكون للطرد الجماعي للفلسطينيين من أثر على التوازن الدقيق بين الفلسطينيين وسكان الضفة الشرقية من الأردن الذي يشترك مع إسرائيل في أطول حدود وهي الحدود التي ماتزال حتى الآن على الأقل أهدأ الجبهات. ومن شأن النكبة الثانية أن تخلق أزمة وجودية لأول بلدين عربيين اعترفا بإسرائيل، وذلك أن مثل هذه الأزمة سوف تهدد قدرة كل واحد من النظامين على السيطرة على دولته. وعلى الرغم من ذلك، وكما هو جلي من تصريحات القيادة الإسرائيلية ومن أفعال طياريها، فإن الطرد الجماعي هو بالضبط ما قد تحاول إسرائيل حمل أهل غزة عليه في الوقت الراهن. وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وصف الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية"، وذلك تعليقا على مزاعم تقول؛ إن حماس قطعت رؤوس الأطفال، وهي مزاعم لم يمكن التحقق من صحتها بشكل مستقل، ولم تصدر عن الصحفيين الإسرائيليين عندما سمح لهم للوهلة الأولى برؤية آثار ما وقع داخل كفار عزا. ودعا عضو الكنيست ريفيتال غوتليف إسرائيل إلى التفكير باستخدام القنبلة النووية ضد غزة، وغرد قائلا: "فقط انفجار يهز الشرق الأوسط من شأنه أن يعيد للبلد كرامته وقوته وأمنه. آن لنا أن نرسلهم إلى الجحيم." ثم هذا غيورا إيلاند، الجنرال السابق، يقول: إنه يتوجب على إسرائيل "خلق أزمة إنسانية غير مسبوقة" في غزة، وهدد بنكبة أخرى قائلا: "فقط تعبئة عشرات الآلاف وصيحة المجتمع الدولي يمكن لهما أن يمارسا الضغط اللازم على غزة، لتختار بين أن تكون بلا حماس أو تكون بلا شعب. إننا في حرب وجودية". لقد حطم المقاتلون الفلسطينيون في غارة الفجر صبيحة يوم واحد الأسطورة التي نسجت حول مناعة إسرائيل وهي التي تمتعت بها منذ أن هزمت ثلاثة جيوش عربية في حرب الأيام الستة في عام 1967. بل حتى حرب 1973 لم تسبب صدمة تعادل تلك التي نجمت عن هجوم حماس. تقول إسرائيل الآن: إن هذه الحرب حرب وجودية. ولكنْ ثمة إحساس في الشارع بأن إسرائيل بلد لا وجود للسلطة فيه بلد يمكن للإسرائيليين أن يأخذوا حقوقهم بأيديهم بلد راح المواطنون العاديون الذين لا يربطهم شيء لا بالمستوطنين ولا باليمين المتطرف يتجولون في الشوارع والطرقات وهم مسلحون. هذا هو ما وصل إليه المستوى العام من الكراهية والخوف، وما هي إلا مسألة وقت قبل أن يبدأ الفلسطينيون في الداخل يتعرضون للاعتداء. الخلاصة والعبرة هما: نعم حملة غزة التي تتطور إلى خطة يمكن أن تغير الشرق الأوسط، من الممكن أن ترتد عكسيا على الدولة العبرية وبشكل خطير جدا، وعلى مساندي المجزرة من الغرب والعرب وينبغي أن تتوقف قبل فوات الأوان وقبل أن ترسم للتاريخ صورة إبادة جماعية أكبر من الهولوكوست.
1785
| 03 نوفمبر 2023
مرة أخرى وبنفس الثقة في الله وفي الشرعية الدولية يصدع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني - حفظه الله بما يراه الحق بتناغم كامل مع ثبات الدبلوماسية القطرية على احترام المبادئ والقيم وعلى نصرة المقاومة الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر الى اليوم. نعم صدع سموه بعبارات الانتصار للحق رغم جعجعة الباطل من حولنا وتفاقم الشر في جرائم حرب وإبادة جماعية ترتكب على مرأى ومسمع الغرب الذي دلس الحقائق وغيب الضمائر وخدر العقول بالكلام المعسول المغشوش عن ميثاق حقوق الإنسان المنبثق عن ثورته عام 1792! صدع سمو الأمير بالحق ناصعا ساطعا لا تشوبه "تزويقات" إرضاء الغرب الظالم وشراء وده! جاءت هذه المواقف عند افـتـتـاح انــعــقــاد الدور الــعــادي الـثـالـث لمجلس الشورى: حيث بدأ خطابه السامي بقضية الأمة المركزية قضية فلسطين فـفال سموه: "أشـقـاؤنـا الفلسطينيون يعيشون ظروفا عصيبة تفوق التصور ولا يجوز السكوت عن القصف الهمجي غير المسبوق الذي يتعرض له المدنيون في قطاع غزة، إحدى أكثر المـنـاطـق اكـتـظـاظـا بـالـسـكـان فـي الـعـالـم، ولا تجاهل الأعـــداد المـهـولـة مـن ضـحـايـاه الأبــريــاء مـن الأطـفـال والنساء وتـعـلـمـون جـمـيـعـا أنــنــا دعـــاة ســـلام، وأنــنــا نتمسك بقرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية وأننا ضد التعرض للمدنيين الأبرياء من أي طرف، وأيا كانت جنسيتهم. ولكننا لا نقبل الكيل بمكيالين، ولا الـتـصـرف وكــأن حـيـاة الأطـفـال الفلسطينيين لا تـحـسـب، وكـأنـهـم بـلا وجــوه وبلا أســمــاء. مــا يـجـري خطير للغاية، بما في ذلك الـدوس على جميع القيم والأعـراف والشرائع الدينية والدنيوية، وليس على الـقـانـون الــدولــي فـحـسـب، والـتـصـريـح الاسـرائـيـلـي العلني بالنوايا غير الشرعية مثل التهجير وغيره. نحن نقول كفى. لا يجوز أن تمنح إسرائيل ضوءا أخضر غير مشروط وإجـازة غير مقيدة بالقتل ولا يـجـوز اسـتـمـرار تـجـاهـل واقــع الحــال والـحـصـار والاســتــيــطــان. ولا يـفـتـرض أن يـسـمـح فــي عـصـرنـا بـاسـتـخـدام قـطـع المــاء ومـنـع الــدواء والـغـذاء أسلحة ضد شعب بأسره. نحن ندعو إلى وقفة جادة إقليميا ودولــيــا أمــام هــذا الـتـصـعـيـد الـخـطـيـر الــذي نشهده والـذي يهدد أمـن المنطقة والعالم، وندعو إلـى وقف هذه الحرب التي تجاوزت كل الحدود، وحقن الدماء وتـجـنـيـب المدنـيـين تـبـعـات المــواجــهــات الـعـسـكـريـة، والحيلولة دون اتساع دائرة الصراع. ونـــود أن نــســأل المـصـطـفيـن خـلـف الــحــرب، والــذيــن يعملون على إسكات أي رأي مخالف: ماذا بعد هذه الحرب؟ هل ستجلب الأمن والاستقرار للإسرائيليين والفلسطينيين؟ وأين سيذهب الفلسطينيون بعدها؟ الـشـعـب الفلسطيني بــاق، وكـذلـك مـعـانـاتـه فـي ظل الاحتلال والحصار والمصادرة والاستيطان. لا تقدم الـحـرب حـلا مـن أي نــوع. كـل مـا ســوف يـحـصـل هو تفاقم المعاناة وازدياد عدد الضحايا، وكذلك الشعور الـعـمـيـق بـالـغبـن. وســوف تـنـشـأ أجـيـال مـن الأطـفـال الذين مـروا بهذه التجربة المـروعـة، بما فيها صمت المجـتـمـع الــدولــي عـلـى قـتـل إخـوتـهـم وأتــرابــهــم. إن السبيل الوحيد لضمان الأمـن والاستقرار للشعبين هـو مـا يـتـم تجنبه حـتـى الآن، وهـو تحقيق الـسـلام الـعـادل والـدائـم وحـصـول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه المشروعة التي أقرتها الهيئات الدولية، بما فيها إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. في نفس السياق قامت بعض الأوساط الإسرائيلية باتهام قطر بما سمته (مناصرة إرهاب حماس!!!) وذلك كان رد فعل "طبيعيا" بعد نجاح قناة الجزيرة في فضح جرائم العنصرية الإسرائيلية المتطرفة ضد المدنيين العزل وارتكاب جرائم قتل أكثر من 2550 طفلا بريئا تحت أنقاض الأطنان من المساكن المدمرة فوق رؤوس الأبرياء. وجاء رد معالي رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في المؤتمر الصحفي المشترك مع السيد وزير الخارجية التركي حيث قال:" ان اتهام قطر يدخل في آليات الابتزاز الإسرائيلي وهو مرفوض كأي ابتزاز آخر لأننا ندين قتل المدنيين مهما كانت أديانهم وأعراقهم ونتمسك بالقانون الدولي والشرعية الأممية وهي تمنح حق المقاومة لكل شعب محتلة أرضه وعبر معاليه عن تقدير قطر للموقف التركي المشرف داعيا المجتمع الدولي أن لا يكيل بمكيالين وأن يكون موقف الغرب من مظالم إسرائيل هو نفسه الذي وقفوه مع أوكرانيا حين تعرضت لما سموه العدوان الروسي. لا يمكن أن نختم مقالنا هذا دون أن نترحم على عائلة الزميل وائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة المناضلة والرائدة وهو الذي تلقى نبأ استشهاد زوجته وأبنائه على الهواء مباشرة وهؤلاء الشهداء الأبرار من بين الاف شهداء الهمجية المارقة عن القانون والأخلاق وتؤكد دولة قطر أنها السباقة لنصرة الحق والشرعية والمستضعفين من المؤمنين من مسلمين ومسيحيين والدولة التي تسير في اتجاه التاريخ لا ضد تياره بتوجيه من أميرها وقائد مسيرتها صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد حفظه الله ورعاه.
582
| 27 أكتوبر 2023
هما يوم 7 أكتوبر وبعده بعشرة أيام يوم 17 أكتوبر 2023 التاريخ الأول سجل أمام العالم نقلة نوعية متميزة في صمود شباب فلسطين الصاعد من جولة الحجارة الى مراتب المقاومة المشروعة في القانون الدولي حيث تقول بنود ميثاق منظمة الأمم المتحدة بكل وضوح أن لكل شعب محتلة أرضه الحق في مقاومة المحتل بل الوسائل المتاحة لديه بما فيها العسكرية وهذا ما فعله شباب عرين الأسد يوم السابع فزعزع شبه حقيقة كادت تنغرس في عقول أجيال من العرب وهي أن لإسرائيل جيشا لا يغلب فتعرت الدولة المارقة من هذا الوهم واحتاجت لدعم عسكري سريع من أمها وراعيتها وحاميتها بل مؤسستها واستجابت الإدارة الأمريكية بصفة استعجالية فهرول وزيرها للدفاع ثم وزيرها للخارجية وأخيرا رئيسها بعد التاريخ الدموي الثاني 17 أكتوبر يوم قصف همجي للمستشفى المعمداني ورغم أن المحتل اعترف بقصف المراكز الصحية واطلاق دعواته للجلاء عن المعمداني فإن الرئيس بايدن حاول تبرئة حليفته من جريمة إنسانية لا تغتفر ولم ينجح بل كان قليل التركيز وبدا في المؤتمر الصحفي المشترك كأنه يكرر بطريقة آلية ما قيل له. العبرة الأولى من يومي العزة هي أن المقاومة الإسلامية ربحت معركة الإعلام وكسبت الرأي العام العربي والدولي وبشهادة الجميع فإن الرائدة في هذا النصر كانت قناة الجزيرة صوت الحق والشرعية والناقلة بأمانة لكل مراحل المقاومة البطلة ردا على الأكاذيب والأراجيف وحسب المرصد الدولي للإعلام فقد حصلت قنوات الجزيرة الخمس بالعربية والانجليزية والمباشر والوثائقية على أعلى مستويات المشاهدة فاقت ال100 مليون عبر العالم. عاد الوعي لأمة الإسلام أن العدو يقاومها باسم الدين واللاهوت والأساطير التلمودية وأن الفلسطينيين يقاومون تحت شعار القوميات والأعراق وليس باسم الدين الموحد لجميع أقوامهم والشاحذ لجميع قواهم فأصبحت المواجهة بحق بين أمة موحدة وبين شتات من اليهود حرفتهم العقيدة الصهيونية العنصرية وجندتهم لتنفيذ (نكبة) ثانية بعد نكبة 1948وفي هذا المعنى صرح المتطرف بن غفير للقناة 12 التلفزيون الإسرائيلي زاعما بأن "الشعب الإسرائيلي بعد أن هجر الفلسطينيين عاش 75 سنة من الراحة رغم حروب 56 و 67 و 73 التي انتصرنا فيها جميعا وأدعو الى عملية تهجير ثانية تمنحنا 75 سنة جديدة من الاستقرار"! ولا مناص من استعراض الموقف القطري من مذبحة المعمداني لأنه أجرأ المواقف العربية وأشدها تمسكا بثوابت الشرعية الدولية وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال:" أدانـت دولـة قطر بأشد العبارات قصف الاحتلال الاسرائيلي للمستشفى الاهلي المـعـمـدانـي فـي غــزة، واعـتـبـرتـه مـجـزرة وحشية، وجريمة شنيعة بحق المدنيين الـــعـــزل، وتــعــديــا ســـافـــرا عــلــى أحــكــام الـقـانـون الــدولــي، والــقــانــون الانـسـانـي الـــدولـــي. وأكـــــدت وزارة الــخــارجــيــة فــي بــيــان الثلاثاء، أن تــوســع الـهـجـمـات الاســرائــيــلــيــة فــي قــطــاع غـــزة لـتـشـمـل المستشفيات والمــــدارس وتـجـمـعـات الــســكــان مما يعتبر تصعيدا خطيرا فـي مـسـار المـواجـهـات، ويـــنـــذر بـــعـــواقـــب وخــيــمــة عــلــى أمــن واستقرار المنطقة كـمـا حـــذرت في نفس الــســيــاق، مــن أن تواطؤ المجتمع الدولي، تارة بالصمت، وتـــارة أخــرى بـالانـتـقـائـيـة إزاء جـرائـم الـــحـــرب، والـــجـــرائـــم ضـــد الانــســانــيــة الـتـي يـرتـكـبـهـا الاحــتــلال بـحـق الشعب الـفـلـسـطـيـنـي سـيـزيـد حــالــة الاحـتـقـان، ويوسع دائـرة العنف، ويقود إلـى مزيد من التصعيد وعدم الاستقرار. وطالبت المجتمع الدولي، في هذا الصدد، بتحمل مسؤوليته وردع إسـرائـيـل مـن ارتـكـاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين. وجــــددت الـــــوزارة، مــوقــف دولـــة قـطـر الثابت من عدالة القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الـشـقـيـق، وإقــامــة دولـتـه المـسـتـقـلـة على حــدود عــام،1967 وعـاصـمـتـهـا الـقـدس الشرقية" هذا البيان الرسمي لدولة قطر ينخرط في مسار الدبلوماسية القطرية التي ترتكز على جملة من المبادئ والقيم لا فقط على حسابات المصالح ونجد قطر في هذه المحطة المنذرة بالمخاطر لا تتزحزح قيد أنملة عن توجيهات قائدها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله الذي ما فتئ يصدع بهذه المواقف المشرفة في العديد من المناسبات لعل آخرها ضمن خطاب سموه على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي في نيويورك. مواقف اعتبرتها عديد الدول والمنظمات وثائق تحفظ للأجيال القادمة حتى يستلهموا منها وتنير لهم طريق المستقبل. لعل الله سبحانه بحكمته الربانية أراد أن يقدم لأمته عبرة من عبر التاريخ ويؤكد لها سنة من سننه الخالدة حين ابتلاها بعدو لا يرحم ولا يقيم وزنا لكل المواثيق المغشوشة التي وضعوها ورفعوها شعارات مضللة تدعو لما يسمونه حقوق الانسان بل وحتى حقوق الحيوان فتبين للأمة اليوم أنها أدوات تضليل وهيمنة وإبادة جماعية أي مجرد استمرار لما فعله أجداد هؤلاء في القارة الأمريكية منذ 1492 وفي أستراليا ثم افريقيا والهند حيث عادت مناهج الإبادة باعتبار الشعوب حيوانات للقنص.
729
| 20 أكتوبر 2023
منذ الساعات الأولى لانطلاق طوفان الأقصى حملت وزارة الخارجية القطرية، في بيان صحفي أوردته وكالة الأنباء القطرية (قنا) "إسرائيل وحدها مسؤولية التصعيد الجاري الآن بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني، وآخرها الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى المبارك تحت حماية الشرطة الإسرائيلية وشددت الوزارة على "ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها السافرة للقانون الدولي وحملها على احترام قرارات الشرعية الدولية، والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، والحيلولة دون اتخاذ هذه الأحداث ذريعة لإشعال نار حرب جديدة غير متكافئة ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة وجددت وزارة الخارجية "موقف دولة قطر الثابت من عدالة القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية." كان هذا الموقف الجرئ الحاسم هو أول ما صدر عن دولة عربية مسلمة خليجية أصبحت مواقفها الدبلوماسية تجاه القضية المركزية للأمة انموذجا من الوعي الدقيق بحقائق الشرعية الدولية وتحميلا بدون تردد للاحتلال الإسرائيلي المسؤولية كاملة عما يحدث ومثالا لنصرة الحقوق الفلسطينية بلا تزويقات سترت عورات مواقف دول أخرى فكانت دولة قطر بتوجيه من حضرة صاحب السمو حفظه الله رائدة في الاصداع بالحق سباقة الى تسمية الأشياء بأسمائها وطبعا كما يعلم الأشقاء الفلسطينيون والإخوة العرب والعالم كله فإن الموقف القطري صحبته منذ سنوات حركات تضامنية ملموسة لعل أبرزها المساهمة المادية الفعالة في إعادة إعمار قطاع غزة بعد كل عدوان غاشم دمر بنيته الأساسية فأسست قطر بمبالغ هامة عديد المستشفيات والمدارس والطرقات وحين انسحبت إدارة ترامب من تمويل جزء من صندوق وكالة الغوث الأممية (الأونروا) لم تتردد قطر في تعويض المفقود وذلك السلوك الشهم لا ينطلق سوى من قيم أخلاقية ومبادئ إسلامية تميزت بهما الدبلوماسية القطرية منذ عقود. واليوم حين يتورط نتنياهو وحكومته المتطرفة والعنصرية في مستنقع المروق عن الشرعية تظل مواقف دولة قطر ثابتة وتظل قناة الجزيرة الصوت القوي للشعب الفلسطيني والناقل الحي لكل أحداث البطولة التي انتصر بها شباب عرين الأسد على العنصرية والإجرام والتنكيل. وللتذكير بثبات وصمود قطر في نصرتها لشقيقتها فلسطين نورد أهم ما صرح به معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية حول محاولة الاحتلال الإسرائيلي فرض واقع جديد في الأقصى وجاء حديث معاليه في حوار مع التلفزيون القطري حيث أكد معاليه أن على رأس أولويات بلاده الوقوف الى جانب الحق والشرعية وأشار إلى أن بلاده سعت لمنع التصعيد في الأراضي الفلسطينية خلال شهر رمضان الكريم وتابع بأن ما جرى من انتهاكات إسرائيلية خلال شهر رمضان في القدس يعد إنذارا خطيرا من خلال فرض واقع جديد لتغيير المكانة التاريخية للمسجد الأقصى وهو أمر غير مقبول وشدد على أنه إذا كانت الدول العربية والإسلامية صمتت على التصرفات الإسرائيلية، فإن القضية الفلسطينية لن يكون لها قيمة إذا فقدنا المسجد الأقصى. وفي نفس السياق أشار معاليه إلى اعتداء جنود الاحتلال على المصلين واصفا ما جرى بأنه "وحشي وهمجي وأكد أن العالم يتعامل بـ"ازدواجية معايير" حيال ما جرى في المسجد الأقصى المبارك مؤخرا من انتهاكات وأضاف: "الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، ومحاولة تغيير الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى عبر منع الاعتكاف والاعتداء على المصلين وتطبيع الاقتحامات وصولاً للفصل الزماني أو المكاني في المسجد هو أمر لا يمكن القبول به يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه حماية حقوق الشعب الفلسطيني مؤكدا أن اقتحامات القوات الإسرائيلية والمستوطنين المتكررة للأقصى أدت إلى توتر واشتباكات في أنحاء الأراضي الفلسطينية والداخل المحتل، بالإضافة إلى إطلاق قذائف صاروخية من لبنان وغزة وسوريا. بهذا الموقف القطري الأخير يتأكد الأشقاء العرب والمسلمون والرأي العام العالمي أن المواقف القطرية بتوجيه حكيم من حضرة صاحب السمو حفظه الله لم يطرأ عليها أي تغيير مهما تقلبت شؤون العلاقات الدولية وتحولت مراكز القوى العالمية والإقليمية لأنها مواقف ثابتة تستند أولا الى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ثم إن منطق الكيل بمكيالين لم يعد يحتاج الى المزيد من الأدلة لأن ما يسمى النظام العالمي هو أساسا نظام جائر قيس على مصالح الأمم القوية الغالبة وتحرك آلياته السياسية والدبلوماسية والإعلامية قوى الطغيان واستعباد الأمم المستضعفة ولم تتردد دولة قطر في ربط القول بالفعل فكانت المساعدات القطرية الأخوية تتعاقب على الضفة والقطاع بل وكان صوت قطر في المحافل الدولية والأممية صوتا مدويا وعاليا لنصرة فلسطين ومساندة مقاومتها المشروعة للاحتلال وللميز العنصري ولممارسات القمع والقتل والاغتيال والتنكيل. وفي نفس السياق أصدر المركز القطري للصحافة بيانا يندد بقيام سلطات الاحتلال باستفزاز مشاعر المسلمين باقتحاماتها المتكررة للمسجد الأقصى، وما ينتج عن ذلك من اعتداءات وجرائم ترتكبها قوات الاحتلال بحق المصلين العزل في المسجد المقدس ولفت إلى إطلاق الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الصوت والغاز السام المسيل للدموع صوب المواطنين ومنازلهم مما أدى لاندلاع مواجهات أصيب خلالها العشرات بحالات اختناق كما هاجم مستوطنون بحماية قوات الاحتلال منازل مواطنين عربا وأشار إلى جرائم المستوطنين تجاه الفلسطينيين المدفوعين بخطاب الكراهية من جانب الاحتلال ورشق منازل الفلسطينيين وهم يرددون الموت للفلسطينيين فضلا عن استفزازاتهم المفتعلة مع قطاع غزة" ولعل هذه المواقف القطرية الثابتة والصامدة تعيد للأذهان ما يردده وزراء اليمين الإسرائيلي المتطرف منذ انطلاق طوفان الأقصى وهم يصفون المقاومين الفلسطينيين بالحيوانات بل وينادون بإبادتهم عن آخرهم! وهذا ما يقوم به نتنياهو بقصف كل مباني غزة والنية الخبيثة تتجه الى ما يسمى بالحل النهائي أي للحسم الأخير مع المقاومة وعرين الأسود بالقضاء على الحياة والمباني والبنية التحتية لكل غزة!
1602
| 13 أكتوبر 2023
كانت الساعة 2 صباح يوم 6 أكتوبر 1973 -أي منذ نصف قرن يوما بيوم بالضبط - لحظة فاصلة في تاريخ الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي. نصف قرن ترك بصمات مؤثرة وعميقة في حياة كل عربي منذ أن اعتقد الرأي العام العربي أن عبور قناة السويس جاء ليمسح آثار هزيمة يونيو 1967 ويرفع رؤوسا طأطأها عبد الناصر بالشعبوية الجوفاء واعلان انتصارات وهمية! والى اليوم مع الأسف ما تزال تلك الحرب توظف في دعايات انتخابية ومن الحكمة أن نستمع لرجل حكيم بفعل السن (100 عام من العمر) كان هو المخطط والمهندس لما يسمى اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل وما يرويه لنا من ذكريات تلك الحرب. من عناوين الييرى الضابط الإسرائيلي المتقاعد أفيغدور كهلاني الذي تعدّه إسرائيل أحد أبطالها على الجبهة السورية، أن حرب /أكتوبر 1973 شكّلت "صفعة" كانت تحتاج إليها بلاده على رغم خسائرها البشرية أصيب المقدّم كهلاني بحروق بالغة في حرب /يونيو 1967 التي احتلت خلالها إسرائيل أراضي عربية تشمل سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وهضبة الجولان ننقل للقراء قبل كيسنجر بعض مذكرات شاهد عيان على الميدان وهو الضابط كهلاني الذي أمضى عاماً في المستشفى للعلاج. ومع اندلاع الحرب بين إسرائيل وكلّ من مصر وسوريا في السادس من /أكتوبر 1973، كان ابن التاسعة والعشرين عاماً قائداً لكتبية الدبابات 77 التي تم نشرها للتو في الجولان. اختارت دمشق والقاهرة بدء الهجوم المشترك من سوريا شمالاً ومصر جنوباً في يوم كانت إسرائيل تحيي عيد الغفران أحد أقدس الأعياد اليهودية وهو يوم صوم تشلّ خلاله حركة الدولة، ويقول كهلاني (79 عاماً) في مقابلة مع وكالة فرانس برس في منزله في تل أبيب "فجأة أدركنا أنها حرب شاملة ويضيف "خلال 24 ساعة سقطت مرتفعات الجولان بأكملها تقريبًا في أيدي السوريين"، متابعا "كانت نسبة القوات السورية أكبر، فكلّ ثماني أو عشر دبابات تقابلها دبابة إسرائيلية. وكانت دباباتهم أفضل من دباباتنا في مؤشر على صعوبة الأيام الأولى للحرب يقول كهلاني "في بعض الأحيان كان يمكن لمن يراقب مجرى الأحداث أن يقول إنه ليست لدينا (الإسرائيليين) أي فرصة... لكننا انتصرنا. كشف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ومن جهته في مقابلة نادرة وحصرية مع صحيفة معاريف؛ كواليس ما حدث خلال حرب عام 1973، خاصة ما دار خلال رحلات تنقله بين تل أبيب والقاهرة زمن المواجهة التاريخية التي انتهت بنصف انتصار مصري لأن الداهية شارون أحدث النقطة 101 بتغلغل الجيش الإسرائيلي داخل التراب المصري وتهديده بغزو القاهرة! كيسنجر الذي تجاوز المائة عام مؤخرا، يذكر في المقابلة التي أجراها (أبينوعام بار-يوسيف) رئيس مركز سياسات الشعب اليهودي عبر تطبيق "زووم" أن "الأوضاع المتطورة في الشرق الأوسط في خريف 1973 قبيل الحرب كانت تقريبا روتينية، بل إن التقارير الاستخباراتية لم تحتو على معلومات غير عادية، حتى الأسبوع الثالث من أيلول/ سبتمبر حين تحدثت الإحاطات الأمنية عن تعزيز للقوات المصرية، رغم أن الرئيس الراحل، أنور السادات بادر لأعمال مماثلة في سنوات سابقة أيضاً، ولم يفعل شيئاً أبعد من ذلك"، ورغم ذلك قال كيسنجر، إنه طلب من قادة المخابرات تقريرا يوميا عن تحركات الجيش المصري، إذا استمر المصريون بتجميع الجيش ويضيف في المقابلة المطولة التي ترجمتها "عربي21" أن "المخابرات الأمريكية في كل يوم كررت نفس الخبر، مما أشعرني بعدم الارتياح إزاء تطور الوضع، دون توفر أخبار تدعم مخاوفي، وبدأت أحاول مع إسرائيل لتهدئة الأوضاع، فيما خشيت أن أمارس الضغوط عليها، ولذلك أبلغتني أنها لا ترى سببا يدعو للقلق، رغم تراكم الأخبار لديها في الأيام التي سبقت الحرب عن تمركز قوات مصرية كبيرة غرب قناة السويس، حيث قدّر قادة الجيش ومسؤولو المخابرات فيها، باستثناء عدد قليل من الضباط ذوي الرتب المتوسطة، أنها مناورة، وأن المصريين لا ينوون شنّ هجوم. وأشار إلى أنه "لم ينشأ الخوف من اندلاع حرب فعلية إلا يوم الجمعة 5 تشرين الأول/ أكتوبر، عشية يوم الغفران، حيث أمر الكرملين دبلوماسييه وعائلاتهم بمغادرة الشرق الأوسط، والعودة إلى منازلهم في موسكو، فيما شهدت لندن في وقت مبكر من المساء وصول رئيس الموساد تسفي زامير بشكل غير متوقع للقاء (الملاك)، لقب العميل المصري أشرف مروان، صهر جمال عبد الناصر، وهو أقرب مستشاري السادات، وتعاون في نفس الوقت مع الموساد، وقبل 14 ساعة فقط من اندلاع الهجوم في سيناء والجولان، حمل مروان الخبر الذهبي عن (ساعة الشفق)، وتنسيق الهجوم الشامل بين السادات وحافظ الأسد. وأوضح أن "هذه اللحظات في إسرائيل شهدت بدء تعبئة قوات الاحتياط، وغادر قادة الفرق، وركض الآلاف من جنود وضباط الاحتياط لمنازلهم لارتداء زي الجيش، وتشكلت طوابير الإسرائيليين لجمع التبرعات بالدم للجرحى، فيما وجهت واشنطن رسالة قاسية لمصر، ولا أذكر أننا أرسلنا مثلها لسوريا، وأعلنّا عن زيادة الضغوط الدبلوماسية لوقف أعمال العنف، وقمت بتشكيل فريق عمل خاص لاتخاذ القرار بشأن الاستراتيجية المعتمدة، وكان الهدف أن يصل الإسكندرية قبل أن تطأ أقدام المصريين سيناء، بغرض وقف القتال، والعودة للوضع السابق، وكنا مصممين منذ اليوم الأول على منع تحقيق أي انتصار عربي، لأنه سيفسّر نصرا سوفياتياً وأوضح أنه "مع اندلاع القتال بدأت تأتينا التقارير الميدانية عن نجاح المصريين بضرب خط بارليف، والتسلل إلى سيناء بأكثر من مائة ألف جندي وأربعمائة دبابة ووحدة كوماندوز، فيما فقدت إسرائيل في الأيام الأولى للحرب مائتي مقاتلة يوميا، وأسر العديد من جنودها، دون أن يتوفر لقواتها الجوية رد حقيقي على صواريخ SA-6 السوفياتية، بل تم إصابة وأسر عدد من الطيارين، وتعرضت أرتال مدرعاتها في سيناء لحالة اضطراب نموذجي، وفي الأيام الثلاثة الأولى للقتال، خسرت 49 طائرة مقاتلة، وتضررت 500 دبابة في سيناء، ونقص في ذخيرة المدفعية بمستودعات الطوارئ، واكتشاف المعدات الصدئة جزئيا، وغير الصالحة للاستعمال.
2178
| 06 أكتوبر 2023
عودة النفير الثوري الديمقراطي في جنوب سوريا والسويداء تؤكد أن توق الشعوب للحرية والسيادة والديمقراطية تبدد أوهام الاستبداد العربي وفي أوطان عربية أخرى تستمر المطالبات بالحقوق ضد الدول العميقة صنيعة الاستعمار القديم والجديد ونتذكر أن تونس شهدت فتنة الانقسام الخطير والدموي بين بورقيبة وغريمه صالح بن يوسف في الخمسينات وحسم بورقيبة ذلك الصراع الأهلي باغتيال منافسه سنة 1962 وأعتقد أن أول مشهد بدأ يختفي من العالم العربي بسبب التحولات العميقة التي هزته هو مشهد السياف مسرور الذي كان رمزاً أدبياً ودمويا للحكم المطلق وعنواناً عربياً تاريخياً لجمع كل السلطات في يد الحاكم العربي، ولم يكن السياف مسرور سوى الجلاد الجاهز لتنفيذ أي حكم فردي وفي الحال بدون تردد أو نقاش. وجاءت مشاهد الانقلاب على التجارب والطموحات الديمقراطية في العالم العربي تؤكد أن السياف مسرور الذي اعتقدنا أننا أطردناه بثورات الملايين عاد من جديد كما يطلع فجأة العفريت الشرير من قمقم مصباح علاء الدين ليقول للمنقلبين:"شبيك لبيك عبدك مسرور جاهز بين يديك أمرك مطاع يا ملك الملوك أشر لي فقط الى أحد الرعاع والى الرأس التي أقطعها من بين معارضيك الخونة وخلاياك السرطانية التي تحتاج الى علاج كيماوي وسيلتحق ضحيتك بقافلة ما يسمونه هم بشهداء رابعة وبالطبع فإن غياب السياف مسرور إلى الأبد كان وهما شعبيا لأن الرعايا لم يتحولوا الى مواطنين ولأن نخبتهم بدأت تتعود على السياف ولا ترى في سيفه البتار سوى قدر محتوم وأصبحت جزمة الاستعمار على رؤوس القوم أمرا عاديا ومستحبا وابتعد أكثر فأكثر حلم يقظة بأن الثورة بشهدائها الأبرار وجرحاها الأخيار سوف تفتح بقدرة قادر وبدون تضحياتنا عهداً حضارياً للأمة يعود فيه للإنسان المواطن حقه في الحياة بدون رعب السياف وفي منأى عن الأمزجة والطاغوت. صورة السياف مسرور الواقف بين أيدي أمير المؤمنين هارون الرشيد ظلت تداعب خيالنا منذ الطفولة كأنها ملحمة عربية صميمة حين بدأنا نقرأ أمهات كتب الأدب العربي مثل كتاب الأغاني لابي فرج الأصفهاني وكتاب العمدة لابن رشيق القيرواني وكذلك أدب الخيال مثل ألف ليلة وليلة وتواصلت صورة السياف مسرور ترافقنا مع قدوم الأفلام المصرية الأولى أبيض وأسود والمستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة والتي نرى فيها من خلال شاشاتنا القديمة ذلك الرجل الأسود البدين القوي مفتول العضلات والممتشق سيفا ضخما وهو يأتمر بأوامر الخليفة الأموي أو العباسي الذي كان يجسده عادة الممثل المصري عباس فارس بصوته الجهوري كلما ناداه: يا مسرور اقطع رأسه! وكان يقوم بدور مسرور نفس الممثل المصري على مدى ربع قرن ونظل نحن الأطفال المساكين نرتعد في قاعة السينما مع الضحية الذي لا يملك استئنافاً ولا نقضاً للحكم البات والفردي، ويغمض الحساسون منا وذوو القلوب الرقيقة عيونهم إلى أن يمر مشهد قطع الرأس. وما كان أكثر الرؤوس المتدحرجة في بلاطات الخلفاء والملوك عبر التاريخ العربي ظلماً وعدواناً وما أكثر السيافين في كل العصور العربية المظلمة!. ومع مرحلة الاستعمار في بلاد المغرب العربي عشنا بالفعل مأساة السياف مسرور لكنه هذه المرة يخدم ركاب المحتل الفرنسي ويلاحق المجاهدين ويغتال المقاومين، ورأينا مسرور يرفع سيفه البتار لينال من حقوقنا في الاستقلال والحرية وهو موظف في إدارة المستعمر أو عضو في منظمته الإرهابية (اليد الحمراء) التي اغتالت الشهيد فرحات حشاد يوم 5 ديسمبر 1952 ثم أولاد حفوز ثم الهادي شاكر وغيرهم كثير. وحين حصلت بلداننا على استقلالها تذبذبت حكوماتنا الوطنية بين انتهاج نهج الوفاق والمصالحة وبين إتباع طريق تصفية الحسابات بين الفرقاء والخصوم والمتنافسين على السلطة فعاد شبح السياف مسرور يرتاد بلاطات الحكم في مرحلة ما بعد الاستقلال، وشهدت تونس فتنة الانقسام الخطير والدموي بين بورقيبة وغريمه ورفيق كفاحه المرحوم صالح بن يوسف، واستعمل بورقيبة نفس السياف ضد الملك طيب الذكر الأمين باشا باي وأسرته، وضد المناضل الكبير الطاهر بن عمار ثم ضد أقرب أبنائه أحمد بن صالح، وأخيرا ضد أوفى الأوفياء له محمد مزالي، وكذلك فعل بعده وريثه زين العابدين بن علي. وفي مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا سالت أنهار من دماء الناس بتهم "الخيانة والرجعية" وانحرفت الدول الى الخروج من التاريخ. وشهدت المملكة المغربية صراعاً بين الملك محمد الخامس والسلطان بن عرفة وعاشت الجزائر فواجع التصفيات بين فصائل الدولة بعد التحالفات في مرحلة الثورة وكان آخر ضحاياها المرحوم الرئيس محمد بو ضياف عام 1992 وعشرات الآلاف من المواطنين. وأنا أكتفي بذكر السياف المغاربي مسرور لأني لو فتحت معاجم تاريخ السياف المشرقي مسرور لاحتجنا إلى مكتبات كاملة. ولكل مثقف ومواطن مصري وتونسي وجزائري وشامي وعراقي وسوداني ويمني وليبي أن يستعيد التاريخ القريب لبلاده ليدرك بأن السياف مسرور من جنسيته وبأن ضحاياه بالآلاف منذ أكثر من نصف قرن. وظلت نداءات الحكام للسياف مسرور هي ذاتها مع بعض التغيير في التفاصيل ومع انتقال السلطة بين يوم وليلة من حاكم إلى حاكم بالانقلابات وبيانات الساعة الأولى تغيرت ملامح الديكور وتبدلت الشعارات البراقة وتحولت الأساليب لكن الذي لم يتغير هو السياف مسرور. بقي كما هو بسيفه المهند يقف وراء العرش ويأتمر بأوامر صاحب العرش وينفذ ويطيع مع تغيير في الرؤوس المقطوعة بل إنك تحسبه لا ينظر من هو الجلاد ومن هو الضحية ولا يهمه من الذي يعطي الأمر ومن الذي يروح في داهية المهم بالنسبة إليه هو رفع البتار ليهوي به على رقبة بائس مغلول في القيود دون أن ترف لمسرور عين ولا أن تصيب يده رعشة وبلا أي حزن ولا تردد ولا سؤال ولا ندم يواصل أداء وظيفته كالآلة الخرساء العمياء إنه مسرور العربي الأبدي الأزلي: ماكينة القتل مسرور الدائم منذ خمسة عشر قرنا من التاريخ العربي! هو ذاته الذي رأيناه ليلة من ليالي يوليو 1958في بغداد يقتل الملك الشاب فيصل ورئيس حكومته نوري السعيد ثم رأيناه هو ذاته يقتل قاتلهما عبد الكريم قاسم مؤسس الجمهورية العراقية والذي كان على سدة الحكم ذات يوم من أيام يوليو1961. ثم جاء صدام حسين فقتل من قتل إلى أن قتلوه رحم الله الجميع وغفر لهم ومنطق الرأس المقطوعة كان هو مبدأ الحكم في دولة المماليك حيث لا يبايع حاكم على العرش إلا بعد أن يقدم للجمهور رأس سلفه مقطوعة فتحل البيعة ويستوي القاتل الجديد على العرش منتظرا تنفيذ نفس المنطق يوما من الأيام على يد شقيق أو صديق أو عدو متربص لأن مسرور يلازم مكانه بطلعته العملاقة وبسيفه المتعطش للدم لا يتحرك إلا بأمر. لكن في الأثناء ضاعت فلسطين كما ضاعت قبلها الأندلس لولا بصيص أمل في شباب جديد مقاتل يرد الصاع صاعين أطلق على كتائبه نعت (عرين الأسد) ولا يمد رأسه للقطع كما فعل جيل اليأس مع حكومات الضفة المتعاقبة.
855
| 29 سبتمبر 2023
خطاب حضرة صاحب السمو تاريخي بكل المقاييسهذه فقرة من خطاب حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر حفظه الله اخترتها في مفتتح تحليلي للخطاب السامي ورسائله السياسية والحضارية والإنسانية: «لقد حبانا الله أن نعيش في عصر التقدم المتسارع الـــذي لــم يـسـبـق لــه مـثـيـل، والـــذي تــســود فـيـه روح الابتكار فـي مـجـالات الطب والتكنولوجيا والعلوم عـمـومـا، وتـتـضـاعـف فـيـه قــدرة الـبـشـر عـلـى تسخير الموارد التي تمكن مـن توفير حياة كريمة للبشرية جـمـعـاء. لـقـد أتـاحـت الابـتـكـارات المتواترة إنتاجية ورفاهية ودرجة تواصل بني البشر تكاد تحقق رؤى الخيال العلمي مـا مكننا هــذا الـتـطـور مـن تحقيق الـكـثـيـر من الأمــنــيــات، الا أن ذلــك لــم يـكـن دون كـلـفـة لـشـعـوب العالم ولكوكبنا ومـوارده. لقد ارتفع معدل الأعمار، ومـسـتـوى المـعـيـشـة لـغـالـبـيـة الإنسانية وظـهـر ذلـك بـوضـوح فـي التكاثر السكاني. ولكن مـعـدلات الفقر والبطالة ارتفعت أيضا، وازداد الوعي بغياب العدالة فـي تـوزيـع الــثــروات، فـضـلا عـن الـتـبـعـات الـخـطـيـرة على البيئة. وفي مجالات مثل علم الجينات والذكاء الاصــطــنــاعــي تــــزداد الإمكانيات لـتـحـقـيـق الــرفــاه للبشرية جـمـعـاء. لـكـن الـفـجـوة بـين المـمـكـن والـواقـع تـزداد أيضا. ففي نفس العصر الـذي تظهر فيه هذه الامـكـانـيـات تـعـانـي فـيـه شـعـوب مـن عـمـالـة الاطـفـال والجوع والبطالة والحروب الاهلية، وتدافع فيه دول متطورة عن حدودها أمـام تدفق اللاجئين الهاربين من تلك المعاناة، وكأن شعوب الكرة الارضية تعيش في عصرين مختلفين» هذه فقرة من الخطاب التاريخي الذي ألقاه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله من على منبر الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء في أول أيام انعقادها لأن العادة اقتضت أن تبرمج رئاسة الجمعية خطب قادة الدول حسب أهمية هذه الدول ومساهمتها الفعالة في مجرى العلاقات الدولية ولهذا السبب كما قال سعادة السفير القطري الأسبق لدى الأمم المتحدة السيد ناصر بن عبد العزيز النصر كان صاحب السمو من بين ثلة من القادة المؤثرين أمثال الرئيس بايدن والرئيس أردوغان. واخترت شخصيا هذه الفقرة لأنها تشكل رؤية شاملة تتعلق بالجذور الحقيقية والخفية للأزمات الراهنة التي أتى عليها الخطاب بالتحليل واقترح لها الحلول وكان مساعد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة صادقا حين قال: «إن خطاب صاحب السمو أمير دولة قطر تعمق في تفكيك الأخطار المحدقة بالإنسانية والتي عادة يمر عليها الآخرون مرور الكرام للبحث في التداعيات والاثار المدمرة الناتجة عن تلك الأخطار. وقد توفق حضرة صاحب السمو كل التوفيق في هذه الرؤية الكونية التي قال عنها سموه إنها قسمت العالم الى قسمين لم يعد يربط بينهما رابط منطقي بل تفرقهما المصالح والمغانم عوض أن تجمعهما المبادئ والقيم. وفي الحقيقة بعد مشاهدتي المباشرة للخطاب استفدت أيما استفادة من حوار متعمق وممتع لثلاثة من الإخوة المثقفين القطريين حاورهم التلفزيون القطري مباشرة بعد الخطاب وهم السادة سعادة سفير قطر لدى الأمم المتحدة سابقا ناصر النصر والزميلان الإعلاميان جابر الحرمي رئيس تحرير الشرق وعبد العزيز آل إسحاق لأن هؤلاء المحللين أناروا جوانب مختلفة من الخطاب الكثيرة وأماطوا الستار عن الرسائل الثرية التي أراد حضرة صاحب السمو إرسالها الى صناع القرار وأصحاب الأمر في مواقع الأزمات الخطيرة حتى ينخرطوا كما انخرطت دولة قطر في منظومة القانون الدولي والشرعية الدولية ولأول مرة على لسان زعيم عربي جاءت عبارة الميز العنصري وهو منهج سياسة اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل وهذه العبارة جاءت على لسان قائد عربي أثبتت مواقفه وأعماله أنه رجل الفزعة الصادقة لمناصرة الشعب الفلسطيني وإعادة اعمار قطاع غزة وتمويل وكالة الأونروا ومعاضدة جهود منظمة الأمم المتحدة بإعانة اثنتي عشرة منظمة متخصصة وتمكينها من مواطئ أقدام في الدوحة وقال سموه في شأن القضية الفلسطينية: «فلا يجوز أن يبقى الشعب الفلسطيني أسير تعسف الاحـتـلال الاسـرائـيـلـي الاستيطاني، ورفـض الـحـكـومـات الاسـرائـيـلـيـة المتعاقبة أي حـل سياسي عادل وفق مبادئ الشرعية الدولية. ولا يغيب عنكم أن تقاعس المنظمة الدولية عن اتخاذ إجـراءات ضد الاحتلال أتاح ويتيح الفرصة لاسرائيل لكي تقوض أســس حــل الـدولـتيـن بـالـتـوسـع والاسـتـيـطـان حتى أصـبـح الاحــتـلال يـتـخـذ شـكـل نـظـام فـصـل عنصري في وضح نهار القرن الواحد والعشرين. وقد لاحظ ذلــك حـتـى بـعـض أصــدقــاء إســرائــيــل المــقــربيــن. كما ترد إســرائــيــل عـلـى مــبــادرات الــســلام والـتـطـبـيـع الـعـربـيـة بــالمــزيــد مــن الـتـعـنـت والــتــطــرف الـقـومـي والتطرف الديني الاصـولـي والمـزيـد مــن الاســتــيــطــان وتــهــويــد الــقــدس والاعـــتـــداء على الاماكن المقدسة، والتنكيل بالواقعين تحت الاحتلال وتـقـدم قـطـر الـدعـم الـسـيـاسـي والانـسـانـي والـتـنـمـوي للشعب الفلسطيني الشقيق، وتساهم في إعمار قطاع غـزة الــرازح تحت الـحـصـار، عـلاوة على مساهمتها المتواصلة في تمويل وكالة غوث اللاجئين وتواصل تمسكها بالموقف المبدئي من عدالة هذه القضية التي أصبحت امتحانا لمصداقية ساسة دول العالم تجاه منطقة الشرق الأوسط». وهذا ما حدا بالسيد غوتيريش للتصريح بأن دولة قطر هي دولة أممية بالكامل. وتحدث سموه تباعا عن بؤر الحروب والتوتر في العالم فبدأ بالحرب الروسية الأوكرانية مقترحا لها حلولا أقرب للعدالة الدولية وتلافيا لأزمات في الطاقة والحبوب بدأت تؤثر على كل شعوب العالم كما عرض سموه مخاطر تفاقم حالات سوريا واليمن والسودان وليبيا مقدما اقتراحات تندرج ضمن العودة للقانون الدولي وإعلاء مصلحة الشعوب فوق الطموحات الشخصية للسلطة وتجنب الانخراط في مخططات خارجية لا تريد الخير للأمة. ثم استلهم صاحب السمو من نجاح مساعي الوساطة القطرية مبدأ خدمة قطر للأمن والسلام الدوليين وخاصة التوصل الى حلول للأزمة بين واشنطن وطهران تمثلت في اطلاق سراح مساجين الطرفين وإعادة أموال للجمهورية الإسلامية الإيرانية معربا عن أمله في الوصول الى حلول نهائية وعادلة في ملف النووي الإيراني ولم ينس سمو الأمير التنديد بالمس بالمقدسات الإسلامية تحت شعار حرية التعبير في بعض المجتمعات الغربية وختم سموه خطابه التاريخي بتلخيص موجز لقيمة من قيم الدبلوماسية القطرية المتمثلة في الاسهام بقسطها في إحلال السلام وتوفير الأمن والقضاء على العنف والإرهاب والعنصرية وكذلك تحمل قطر لمسؤوليتها الدولية كإحدى مصادر الطاقة للعالم. أجمعت عديد المحافل الدبلوماسية ومراكز البحوث الاستراتيجية ووسائل الاعلام العالمية الأمينة على القول بأن رسائل السلام القطرية وصلت وأن الخطاب الأميري سيبقى وثيقة متميزة لن ينساها العالم.
1938
| 22 سبتمبر 2023
لاحظت أن تدويناتي الكاشفة لما خفي من تاريخ العرب وبلادي تونس تجلب اهتمام الأصدقاء وتثير فضولهم. وهو أمر طبيعي لأن الذين كتبوا التاريخ هم الذين دلسوه حين فازوا بالمناصب وصادروا الدولة لخدمتهم. ولا يعتقدن البعض أن الفساد نشأ (كالفطر..) فجأة مع أنظمة حالية أو توسع مع الثورات العربية ومع من جاء بعدها. الحقيقة التي لا يريد بعض الغافلين كشفها هي أن الفساد وأكبر الكبائر السياسية في تونس مثلا كنموذج لم يولد عام 87 بل تمأسس وترعرع منذ عهد مؤسس الدولة الحبيب بورقيبة وبعده زين العابدين لأن جمرة الفساد نائمة تحت الرماد ثم اندلع لهيبها وانتشر بطريقة سريعة ومس كل مفاصل الدولة وتحول الى ثقافة عامة وشعبية. وفي مصر لم يولد الفساد فجأة اليوم بل تهيأت أركانه منذ تم الانقلاب على الملك فاروق على أيدي من سموا أنفسهم بالضباط الأحرار وقضوا على تجربة ديمقراطية ناشئة مع الملكية الدستورية بقيادة وطنيين أمثال فؤاد سراج الدين والنحاس باشا وسعد زغلول. ثم استقر في مصر حكم العسكر المعروف بسلطة حمزة البسيوني مدير سجن طره الذي كان يتلذذ بتعذيب وقتل المعارضين من ماركسيين وإخوان! لكن الذي حفر أساس الفساد وصب خرسانته وجهز أعمدته وجدرانه هو عهد ميلاد "الجمهوريات" المنقلبة على الملكيات واضطهاد الأسرة الحسينية في تونس والأسرة الهاشمية في العراق والأسرة الملكية العلوية في مصر وسلالة الأيمة في اليمن وتم القضاء على حكم ملوك مصر للسودان حين انقلب الفريق إبراهيم عبود على السلطة وجاء إعلان انفراد زعماء جدد بلا تاريخ ولا مشروع بكل الأمجاد والفضائل كما فعل بورقيبة وعبد الناصر وعبد الكريم قاسم والجنرال السلال وإبراهيم عبود رحمهم الله وغفر لهم ومارسوا تخوين كل الآخرين ما عداهم. وهو ما حدا بصديق بورقيبة الصحفي الفرنسي المناصر لتحرير تونس والجزائر مؤسس ومدير مجلة (لونوفيل أبسرفاتور) (جون دانيال) إلى القول:"بأن بورقيبة هو مفترس الرجال"Bourguiba est un mangeur d'hommes". وعند لقائي بـ (جون دانيال) آخر مرة في حفل سفارة قطر بباريس بالعيد الوطني سألته عن سبب ذلك النعت فقال لي ضاحكا: " أنا قلت هذا للرئيس بورقيبة نفسه ولم ينف أو يغضب". وأضاف: "إن بورقيبة بدأ بافتراس أخيه سي محمد بورقيبة مؤسس الحزب معه ثم أكل رؤوس أغلب من تبقى من المؤسسين كمحمود الماطري والصادق بوصفارة وسليمان بن سليمان والحبيب ثامر وحسين التريكي وطبعا أولهم صالح بن يوسف الذي صفاه بالاغتيال متهما إياهم جميعا إما بالخيانة أو بالضعف أمام القمع الاستعماري. واستمر في اضطهاد الجيل الذي جاء بعدهم أمثال علي البلهوان محرك مظاهرة 9 أفريل 38 وعزوز الرباعي أحد أبطال 9 أفريل الذي عملت معه سنوات في النشر وهو الذي أكد لي أن علي البلهوان توفي إثر أزمة قلبية مباشرة بعد أن أهانه بورقيبة وشتمه بما لا يليق بزعيم وطني ناصره مقاوما وعمل معه كرئيس لبلدية العاصمة بعد الاستقلال. رحمهم الله جميعا. ثم جاء الدور على البقية أمثال الباهي الأدغم والهادي نويرة وأحمد بن صالح والحبيب عاشور ومحمد مزالي. أريد أن أستخلص حقيقة تاريخية وهي أن التصفيات السياسية والانفراد بالسلطة وادعاء المجد لم تولد اليوم بجرة قلم بل إن واضعي أساسها المكين هم مؤسسو "النظام الجمهوري" أو كما سماه أحدهم "النظام الجملكي" أي الجمهورية ولكن وراثية!!! لكن هذا لا ينفي في نظري مكاسب النظام البورقيبي على سبيل المثال خاصة إكمال تحرير البلاد ومساندة الشعب الجزائري وإرساء الدبلوماسية التونسية وإنشاء الجيش الوطني ونشر التعليم المجاني والقضاء النسبي على القبلية. مع أن رئيس أول جمهورية لم يكن عادلا بين الجهات لأنه جعل من مسقط رأسه المنستير، بالرغم من وطنية أغلب السواحلية وعدم رضاهم، عاصمة ثانية مع إهمال كارثي لبقية الولايات المهمشة. كما لم تنجح قوانين الأحوال الشخصية في رفع الظلم عن النساء بل إنها كرست المظالم على الرجل والمرأة معا وفككت الأسرة وهو ما تؤكده إحصائيات الدولة الرسمية منذ أعوام. أما توظيف القضاء فبدأ في عهده لا محالة بمحاكم استثنائية عديدة ذهب ضحيتها كل من وقف ضد انفراده بالقرار. وتواصل استعمال بعض القضاة (حاشا الشرفاء منهم وهم الأغلبية) في تصفية الخصوم والمغضوب عليهم بتعليمات تعطى مباشرة من بورقيبة نفسه إلى وزير العدل وحتى من وسيلة زوجته ومن سعيدة ابنة أخته رحمهما الله في عهد انهيار الدولة وحدثني وزير العدل في أواخر عهد بورقيبة وهو صديقنا الوفي رضا بن علي وكذلك سكرتير بورقيبة محمود بلحسين كيف تصدر الأحكام جاهزة حسب مزاج وأحقاد أولئك المقربين وحاشيتهم واستمر بن علي في نفس النهج بأكثر وحشية. وبقي وجه من كان يسمى (عميد قضاة التحقيق) حسن بن فلاح رحمه الله رمزا لمهازل كيدية أحتفظ بوثائق بعضها لأنها تصنع "جريمة" من أي ممارسة عادية لأي رجل عادي يحوله هذا العميد بسحر ساحر إلى متهم! وهي بلا شك تدين 23 سنة من نظام التحول وتبرئ من أدينوا ظلما، وللأمانة كانت الـ 23 سنة مع بن علي ذات إيجابيات اقتصادية عديدة بسبب تعيينه لكثير من التكنوقراط الخبراء وزراء فأحسنوا إدارة الدولة. لكن ذلك العهد تأسس مثل عهد بورقيبة دون قضاء مستقل ولا برلمان حر! أنا عملت في حزب بورقيبة منذ صباي الأول وكنت مديرا للسان الحزب (العمل) التي أسسها الزعيم عام 1934 وكنت من 1981 إلى 1986 مقررا للجنة المركزية للحزب أعد بيانات اللجنة وأتلوها على مسامع بورقيبة عند نهاية أشغالها إلى أن تحمل صديقي محمد مزالي أمانة رئاسة الحكومة عام 1980 فحاولنا كسر طوق الاستبداد وقص أجنحة الاستعمار الثقافي والاقتصادي بتجربة تأصيل التعليم وتحرير الاقتصاد ومكنا أحزابا منافسة من الوجود القانوني فغضب علينا من كان يتمعيش من الفساد واللحاق بالاستعمار ونفينا في الأرض على مدى 14 سنة مطلوبين من أنتربول مقاومين للاستبداد بالأمس واليوم. وتشرفت بتوسيمي من أيدي الزعيم بوسامي الاستقلال (1982) والجمهورية (1986) لكني كنت منذ شبابي الأول معارضا للحزب الواحد وكبت الأصوات التي لو تركها بورقيبة تعبر لما عانينا مصائب الانحرافات ولا التطرف ولا الفساد. أما أن يطلع علينا اليوم من يصنف الزعيم خائنا ويتهمه بالعمالة فهو أمر غير مقبول وغير موضوعي لأن بورقيبة أصيب بنوع من الانحراف إلى الشخصانية منذ 1974 ولم يعارضه أحد أبدا ولم يتكلم أحد عكس ما يدعيه بعض من كتبوا سيرتهم الذاتية بعد جانفي 2011 فالتاريخ علم وتدقيق وحياد وهذا هو الذي يدفعني إلى كشف بعض العاهات التي شوهت عالمنا العربي وتاريخ غرسها في تربتنا ونتمنى ألا تعود مستقبلا مع شباب الغد.
978
| 15 سبتمبر 2023
بارك الله في قناة الريان، التي حاورت عميد الصحافة القطرية وأحد روادها الكبار صديقي وصديق الجميع ناصر محمد العثمان في برنامج ذكي بعنوان (صور في الذاكرة)، فجمع منتج البرنامج بين حديث منعش وعميق لرجل من الرجال الذين تفتخر بهم قطر والعرب، وبين ألبوم نادر من صور ماضي هذه الدولة الرائدة المعترفة على الدوام بأفضال كل من خدموها من أمراء سابقين وشيوخ وأدباء ورواد أعمال وصناع حضارة ومهندسي مجد، رحم الله من توفي منهم وبيض الله وجوه قادتها الحاليين، الذين لم ولن ينسوهم بل وضعوا البر بهم وبذكراهم العطرة فوق كل قيم الوفاء من أجل تواصل الدولة واستمرار العطاء. نعود إلى شخصية عميد الصحافة القطرية - متعه الله بالصحة والعافية - وقد حالفني الحظ أن تعرفت عليه قبل استقراري بالدوحة مدرسا بجامعتها الأصيلة حيث كنت أدعى للموسم الثقافي الجامعي كأستاذ زائر بفضل مروءة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة حفظه الله حين كان آنذاك وليا للعهد ووزيرا للدفاع، وهي مروءة واصل الحفاظ عليها حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ تميم بن حمد - وفقه الله ورعاه -. صادف زمن تعرفي على عميد الصحافة مع بداية سنوات الجمر بالمنفى الذي أخرجني من وطني بغير حق عام 1986 مع رفيق الكفاح والمنفى محمد مزالي رئيس حكومة تونس ووزير الدولة للدفاع أحمد بنور رحمهما الله ووزير الداخلية الطاهر بلخوجة أطال الله عمره. وتصادفت تلك المرحلة أيضا مع محطة مضيئة من تاريخ تعزيز الصحافة القطرية المتميزة بوجود صحيفة (الشرق) الغراء وتولي الإعلامي القدير ناصر محمد العثمان رئاسة تحريرها وتأطير ثلة من الشباب القطري والعربي لتكوينهم وتوجيههم مما ترك في نفوسهم صورة المشرف النصوح بكل لطفه المعهود وتشجيعه الناجع مما أعطى للشرق إشراقها المستمر إلى اليوم وأفردها بشخصية إعلامية وخط تحريري حافظت عليهما الشرق واقتضت سنة التداول مع الزمن بإشراف إخوة إعلاميين متميزين على رئاسة تحريرها بنفس الحماس والكفاءة المهنية، ومنهم عبد العزيز آل محمود وعبد اللطيف آل محمود وأحمد عبد الملك وصادق العماري وجابر الحرمي لفترتين وهو إلى اليوم على رأس مسؤوليته الجسيمة كان الله في عونه، وهو الذي حتى حين لم يتحمل مسؤوليات رسمية كان متألقا في الحوارات الوطنية عبر القنوات والندوات مدافعا عن وطنه ومصالح وطنه بالحجة القوية والبرهان الثابت. نعود إلى العميد ناصر محمد العثمان ونتذكر أن أول مقال نشرته لي الشرق كان بعنوان (رب اجعل هذا البلد آمنا) كتبته مستوحيا إياه من الحكمة المنقوشة في أحد الدوارات والى اليوم يحضنها جناحان يرمزان إلى انطلاقة قطر العزيزة نحو نهضتها الشاملة وتمسكها بسيادتها ومبادئها. وكانت تلك تحيتي الصادقة لقطر التي لم أكن مستقرا فيها بعد عام 1990 حين كانت دولة الكويت لا تزال محتلة بغزوة صدامية (ولا أقول عراقية) وهي الكبيرة السياسية من الكبائر التي فتحت الخليج على التدخلات الأجنبية وزعزعت استقرار دوله الست المنضوية صلب مجلس التعاون وأربكت السلام العالمي، ومع الأسف أعلنت دمار العراق وإعادته كما «وعد» رئيس أمريكا بوش الى العصر الحجري!. في تلك المحطات العسيرة التي لم يتبين فيها الخط الأبيض من الخط الأسود كان قلم ناصر العثمان سيفا يقاوم الباطل ويدعو لرص الصفوف الخليجية والعربية وراء أهداف سامية تجمع ولا تفرق وتقنع أهل الخليج والعرب بضرورة إعطاء الأولوية المطلقة للوفاق ونبذ الشقاق. ولا ننسى مديري التحرير المتعاقبين إلى اليوم على هذه المسؤولية الدقيقة وأتذكر خاصة فقيد الصحافة نور محمد نور الذي توفاه الله وهو على رأس عمله عام 1999 كما أتذكر ارتباط وجه بشوش بإدارة الصحيفة، وهو شفيق الكفراوي وغيره من الوجوه الأليفة وهي جزء من تلك القيم التي تأسست عليها عقيدة صحيفة الشرق الى اليوم وتعود بي الذكرى الى حملة عالمية نظمتها (الشرق) بتنسيقي الشخصي وبحماس رئيس تحريرها عام 1998 الأخ عبد العزيز آل محمود وهي حملة نصرة المفكر الفرنسي المسلم الكبير صديقي رحمة الله عليه رجاء جارودي وهو الذي لاحقته إسرائيل وقوانين فرنسا بالحكم عليه بالسجن وبعشرين ألف دولار غرامة لأنه «اتهم» بمعاداة السامية لمجرد التعبير عن رأيه في كتابه الشهير (الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل) واجتمعت في لجنة مناصرته نخبة من المثقفين والمثقفات من قطر وأبرزهم الدكتورة عائشة المناعي حفظها الله والشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله والوزير المثقف حمد عبد العزيز الكواري حفظه الله وتبرع أحد رجال الأعمال القطريين بالعشرين ألف دولار قمنا بدفعها كغرامة ونجا الصديق جارودي من السجن نظرا لتقدمه في السن. والقانون الجائر الفرنسي يسمى باسم مقدمه للبرلمان (قانون غايسو) وهو لأول مرة في تاريخ القضاء يجرم مجرد التشكيك في عدد ضحايا المحرقة (الهولوكوست) ومجرد إدانة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين! المهم نجحنا في (الشرق) لنحبط مخطط التنكيل برجل ذي قامة فكرية إسلامية خاطبت الغرب بلسانه وهو المقاوم للنازية الذي حكم عليه بالإعدام سنة 1943 من طرف حكومة (فيشي) النازية ونجا من الإعدام بفضل عسكري مسلم رفض أن يطلق النار على المحكوم لأن دينه لا يسمح له بالتعدي على حياة الناس بغير حق.
2793
| 08 سبتمبر 2023
جاءت تصريحات معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية خلال جلسة حوارية عقدت في سنغافورة أثناء الزيارة التي أداها معاليه إلى تلك الدولة الصغيرة جغرافيا بدعوة من رئيستها السيدة حليمة يعقوب، وهي امرأة محجبة وربة أسرة مسلمة تدير شؤون سنغافورة باقتدار ونظافة قلب ويد ولسان وجعلت من تلك الجزيرة الصغيرة رقما متميزا من الرقي والنهضة الاقتصادية وسعادة المواطن نمرا آسيويا من النمور. وهنا قارن معالي رئيس الوزراء بين الدولتين من حيث اشتراكهما في صغر الحجم الجغرافي وكبر الحجم الاقتصادي والإشعاعي والحضاري وهي نفس المعاني التي ذكرها حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظه الله، في العديد من المناسبات مشيدا بجهود دولة قطر لتتحول إلى قطب طاقي وصناعي ثم إلى وسيط خير وسلام في كثير من أزمات المنطقة والعالم. حيث أكد رئيس الوزراء وزير الخارجية أن الدول الصغيرة المحدودة بحجمها يمكنها استخدام الأدوات والإستراتيجيات المتاحة لتصبح أطرافا فاعلة دوليا وجاءت تصريحات معاليه خلال مشاركته مع المدير العام والرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات (جون تشيبمان) في الجلسة الحوارية المنعقدة تحت عنوان «الدول الصغيرة وإستراتيجيات النجاح في عالم تنافسي»، وقال رئيس الوزراء: «لفترة طال أمدها كنا ننظر إلى الدول الصغيرة على أنها دول محدودة بحجمها كأنما نقصد أنها معاقة بالجغرافيا ولكن اليوم وبالنظر إلى الأمثلة الناجحة من الدول الصغيرة مثل قطر وسنغافورة يمكننا رؤية كيف يمكن أن تصبح أطرافا ناجعة وفاعلة في المجتمع الدولي». وأضاف: «غالبا ما أسأل كيف تمكنت قطر كدولة صغيرة من تحقيق التوازن بين اللاعبين الدوليين»، قائلا إن «قطر تؤمن بتداخل وترابط المجتمع الدولي وهذه القناعة تمكننا مثلا من إقامة شراكة تجارية قوية مع الصين مع الحفاظ على تحالف إستراتيجي مع الولايات المتحدة»، وتابع: «في ذات العام الذي تم فيه تصنيفنا كحليف للولايات المتحدة كدولة غير عضو في حلف شمال الأطلسي وقعنا ثلاث اتفاقيات طاقة جديدة مع الصين». وأوضح أن «قدرتنا على إدارة علاقاتنا مع الصين والولايات المتحدة ترتكز على قدرتنا على التكيف والمشاركة الدبلوماسية والسعي لتحقيق المصالح ذات المنفعة المتبادلة وهذا لا يخدم المصالح الوطنية لدولة قطر فحسب، بل يساهم في الاستقرار الإقليمي والعالمي أيضا»، وأشار إلى أنه «يمكن للصراعات العديدة التي نشهدها في كل المناطق أن تغري الدول الصغيرة بتبني القناعة بأنه ليس لها دور تلعبه لمجرد صغر حجمها ولكن الحقيقة على النقيض من ذلك تماما ففي بعض الأحيان تكون الدول الصغيرة في وضع أفضل للعب دور حاسم في حل النزاعات»، وأضاف: «يتعين على قادة الدول الصغيرة أن يكونوا مستعدين لمواجهة هذه التحديات لا كمتفرجين سلبيين بل كمشاركين نشطين وفاعلين في بناء السلام والاستقرار وكميسرين للحوار ووسطاء خير وسلام في الصراعات العالمية». كما أكد أن نجاح دولة قطر في هذه المشاركات يأتي من خلال التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية هي: بناء التحالفات المتعددة الأطراف وتيسير الوصول للسلام والاستثمار في النمو الاقتصادي من أجل الأجيال القادمة. وبيَّن أن دولة قطر «تركز أيضا على عملية تعزيز الوصول للسلام لتعزيز السلام والأمن الدوليين وقد كان هذا أحد الركائز الرئيسية لسياستها الخارجية لأكثر من 25 عاما.. وكوننا دولة صغيرة مثلنا مثل سنغافورة يمنحنا الكثير من المزايا في التحرك الدبلوماسي وبناء العلاقات والشبكات مع الجميع.. ويمكن للدول الصغيرة أن تفتح قنوات اتصال موثوقة بين الدول، مما قد يشكل فرصة لتعزيز الشراكات الإستراتيجية مع القوى الكبرى». وتابع: «توصلنا مع إيران إلى اتفاق بينها وبين الولايات المتحدة لنصبح وسيطا رئيسيا في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة ولفتح قناة مالية ستساعد في حل القضايا التي طال أمدها وهي خطوة نأمل أن تؤدي إلى تفاهمات أكبر بشأن مسألة إيران النووية». وهنا أذكر أن وزير الخارجية الإيراني توجه بالشكر لدولة قطر على وساطتها لحل الأزمات بين طهران وواشنطن وتابع: «فباستخدام الثروة التي حبانا الله بها استثمرنا في بلدنا وشعبنا في مجالي التعليم والبنية التحتية وأنشأنا شركة طيران ومطارا وميناء بحريا على أحدث طراز في حين أصبحنا خبراء في الخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والخدمات المهنية، وأنشأنا أيضا جهاز قطر للاستثمار الذي يخطط للاستثمار في مستقبل قطر من خلال مشاريع متنوعة تمتد عبر الأسواق والقطاعات والمناطق الجغرافية العالمية الرئيسية»، وأكد أن نموذج دولة قطر الاقتصادي قد أثبت نجاحه من خلال استضافة أحد أكبر الأحداث الرياضية في العالم ألا وهو بطولة كأس العالم قطر 2022، قائلا: «لقد شكَّل تنظيم قطر الناجح لكأس العالم إنجازا كبيرا لدولة صغيرة فالبطولة لم تمنحنا فرصة لبناء بنية تحتية مستدامة ونمو اقتصادي كبير فحسب وإنما عرضت أيضا الثقافة القطرية والعربية والإسلامية لتصحيح الصورة النمطية المشوهة السائدة». مؤكدا أن «مهمتنا الآن هي أن نصبح مركزا عالميا حيويا». هذه ملامح فلسفة سياسية حديثة تتبناها قطر بفضل حكمة قيادتها وسلامة توجهاتها وهي التي جعلت قطر الصغيرة جغرافيا كبيرة في العلاقات الدولية ومؤثرة في مسيرة العالم.
2067
| 01 سبتمبر 2023
أتذكر جيدا ذلك اليوم الحزين 29 أغسطس 1966 حين جاءنا خبر تنفيذ حكم عبد الناصر بالاعدام على رجل مفكر وأديب ومؤمن بدينه ومتمسك بعقيدته (سيد قطب) خبر لم نتوقعه ونحن صحفيون شباب صلب الحزب الدستوري، لأن الرئيس الحبيب بورقيبة تدخل قبل أشهر لدى نظيره جمال عبد الناصر لإنقاذ سيد قطب من حبل المشنقة كما تدخل بحزم أيضا المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز. كان تدخل بورقيبة مبنيا على مبدأ متأصل لدى زعيم تونس وهو الاعتراف بالجميل لكل من وقف الى جانبه أثناء معركة التحرير كما فعل تماما مع رئيس حكومة العراق محمد فاضل الجمالي فتدخل لدى عبد الكريم قاسم واستجاب حاكم العراق وحل الجمالي بتونس معززا مكرما الى وفاته والسبب هو أن الجمالي حين كان وزير خارجية المملكة العراقية في الأربعينيات مكن بورقيبة من عضوية الوفد العراقي للجمعية العامة للأمم المتحدة ودافع بورقيبة من على منبر الأمم المتحدة عن قضية وطنه أما اعتراف بورقيبة بفضل سيد قطب فسببه يعود الى سنة 1946 حين هاجر الزعيم التونسي الى مصر عبر ليبيا فلم يجد أذنا صاغية من جامعة الدول العربية ولكنه وجد في جماعة الإخوان الرعاية للقضية التونسية وأسكنوه في لوكندة على ملك الجماعة وأصبح يزوره بانتظام سيد قطب ويأخذه الى المنابر لكي يتحدث عن ملف تحرير تونس العربية المسلمة. أما أنا فنشرت مقالي في جريدة (العمل) في الأسبوع الأول من سبتمبر 66 بعنوان (قطيعتنا مع عبد الناصر) ثم أتاحت لي ظروف إقامتي في الدوحة خلال التسعينيات أن أتعرف على الدكتور الفاضل محمد قطب شقيق سيد وحليفه في السجون وحافظ تراثه القيم رحمة الله عليه وكان يشغل وظيفة أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة سعودية وكانت لي مع د. محمد أحاديث مطولة في شقة زميلنا الكبير طيب الذكر د.عبد العظيم الديب - رحمه الله - أحد قادة الإخوان وهو الذي ربطته في الستينيات علاقة وثيقة مع الشيخ سيد بسبب اقتسامهما نفس الزنزانة في سجن حمزة البسيوني وهو الذي شرفني رحمه الله بكتابة مقدمة كتابي الصادر عن رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بعنوان (نحو مشروع حضاري للاسلام). رحم الله جميع من ذكرت وما تزال ترن في أذني كلمة د. محمد قطب حين قال لي: "ما أعدل حكم الله سبحانه الذي يحاسب الظالمين فقد مني عبد الناصر بأشنع هزيمة عسكرية في الخامس من يونيو 1967 بعد سنة من مصرع شقيقي وتوفي في ظروف غامضة بعد ثلاثة أعوام غفر الله له ولكل من طغى وتجبر حين ظلم الأبرياء بقدرته عليهم ناسيا قدرة الله عليه. وفي الثمانينيات أهداني أحد المصريين المنفيين في قطر الأجزاء السبعة لكتاب سيد وهو (في ظلال القرآن) في طبعته الأولى بدار البولاق للنشر ولم يفارقني الكتاب بكل أجزائه إلا حينما استولى أصحاب الشر على بيتي وفيها مكتبتي وجزء من تاريخي ومسيرتي. في مثل هذا اليوم التاسع والعشرين من أغسطس عام 1966 تم تنفيذ حكم الإعدام في المفكر الإسلامي المصري سيد قطب أحد أعلام جماعة الإخوان المسلمين وأكبر ملهمي الحركات الإسلامية الحديثة ولد سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي يوم 9 من أكتوبر/ عام 1906 في محافظة أسيوط بصعيد مصر، وكان والده عضواً في الحزب الوطني الذي كان يرأسه الزعيم مصطفى كامل. حفظ قطب القرآن الكريم بكُتاب القرية، ولم يتزوج قط، وكان له أختان هما حميدة وأمينة وأخ يصغره سناً هو محمد، والتحق بكلية دار العلوم وعاش بالقاهرة مع خاله الشاعر والصحفي والسياسي أحمد حسين الموشي. وبعد تخرجه في العام 1933 عمل مدرساً للمرحلة الابتدائية، وتولى سيد قطب وظائف عدة في وزارة المعارف ثم قدم استقالته منها عام 1952 لكنه قضى عدة أشهر مستشاراً لمجلس قيادة الثورة. تأثر سيد قطب في البداية بالمفكر المصري عباس العقاد ثم اختلف معه، ثم مهدت كتاباته الإسلامية منذ العام 1947 لبداية علاقته بجماعة الإخوان المسلمين التي انضم إليها رسمياً عام 1953، وأصبح عضواً بمكتب إرشادها ومسؤول قسم نشر الدعوة بمجلتها. تنوعت كتابات قطب ما بين أدبية خالصة، وسياسية متنوعة، وإسلامية فكرية وحركية، وكتب النثر والرواية والشعر، وكان لا يقبل الحلول الوسطية في معاركه الفكرية والسياسية التي خاضها مع أحمد شوقي ومصطفى صادق الرافعي وطه حسين ومع النظام السياسي المصري لاحقاً. اعتقل بعد حادث المنشية في عام 1954 حين تعرض الرئيس جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال اتهم الإخوان بتدبيرها، وحكم عليه بالسجن 15 سنة عذب خلالها تعذيباً شديداً. وحين قُبض على أخيه محمد في يوليو/ 1965 بعث قطب برسالة احتجاج إلى المباحث العامة فقبض عليه هو في أغسطس/ من نفس العام، وحكم عليه بالإعدام شنقاً وتم تنفيذ الحكم فجر يوم الاثنين 29 من أغسطس 1966. كان لقطب تأثير فكري بالغ في الحركات الإسلامية المعاصرة بمنهجه الذي ركز على مفهوميْن رئيسييْن هما: “الحاكمية” و”الجاهلية المعاصرة”. وكتب في سيرته ومسيرته وفكره عشرات البحوث والكتب والمقالات. من أشهر مؤلفاته التي لاقت إقبالاً كبيراً في الأوساط الإسلامية عالمياً وترجمت إلى لغات أجنبية “مهمة الشاعر في الحياة” عام 1936 الذي أتبعه بأكثر من 20 كتاباً منها: “طفل من القرية، العدالة الاجتماعية، النقد الأدبي أصوله ومناهجه، والتصوير الفني في القرآن، وخصائص التصور الإسلامي، معالم في الطريق، والمستقبل لهذا الدين، وفي ظلال القرآن 1951-1964 في 8 مجلدات والذي قدم قراءة جديدة للقرآن الكريم. ومن أقواله: “لابد للأمة الإسلامية من ميلاد، ولابد للميلاد من مخاض، ولابد للمخاض من ألم”. وأيضاً: “إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفاً واحداً يقر به حكم الطاغية”. وقوله: “إنهم يريدون إسلاماً أمريكياً، إنهم يريدون الإسلام الذي يفتي في نواقض الوضوء ولكنه لا يفتي في أوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية”. وأيضاً قوله: “الطغيان لا يخشى شيئاً كما يخشى يقظة الشعوب وصحوة القلوب، ولا يكره أحداً كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة، ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية”. وقوله: “لا كفاح بلا عقيدة، ولا حياة بلا عقيدة، ولا إنسانية بلا عقيدة”.
5244
| 25 أغسطس 2023
مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد...
807
| 16 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...
657
| 12 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...
642
| 14 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...
630
| 15 ديسمبر 2025
في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص...
585
| 14 ديسمبر 2025
يأتي الاحتفال باليوم الوطني هذا العام مختلفاً عن...
528
| 16 ديسمبر 2025
إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...
471
| 18 ديسمبر 2025
-إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح -...
420
| 14 ديسمبر 2025
بينما تعيش دولة قطر أجواء الاحتفال بذكرى يومها...
411
| 15 ديسمبر 2025
من الجميل أن يُدرك المرء أنه يمكن أن...
411
| 16 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...
405
| 18 ديسمبر 2025
لا يزال التعليم في كثير من مدارسنا وجامعاتنا...
390
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية