رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس حديثي عن الرياضة والأندية وبطولاتها الرياضية المختلفة كما يوحي العنوان بذلك، لكنه عن ذاك النادي الذي حدوده من صنعاء اليمن يبدأ، ونواكشوط موريتانيا ينتهي، أو بلغة الجغرافيا التي رسمها المحتل لنا، يكون النادي العربي المسلم هو عالمنا العربي. محاولات الأتراك مثلاً الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عقود، ورفض هذا الاتحاد بشكل غير مباشر، وأحياناً بشكل مباشر واضح للفكرة، أوحى لي هذا العنوان، بعد أن قال بالمعنى نفسه هيلموت كول مستشار ألمانيا الأسبق في تعليق له على محاولات تركيا الانضمام إلى الاتحاد، وقال بأن الاتحاد الأوروبي ناد مسيحي لا مكان للمسلمين فيه ! لا أحد يمكنه منع أو انتقاد الأوروبيين من وصف اتحادهم بالنادي المسيحي. فالاتحاد فعلياً يجمع دولاً أوروبية تجمعهم الديانة المسيحية بفروعها الثلاثة، وتجمعهم الجغرافيا والتاريخ، بالإضافة إلى مصالح مشتركة، وإنَّ رفضهم انضمام آخرين من خارج الديانة والفكر والثقافة، حق مشروع لهم ولا أحد يجبرهم ضم عضو من هنا أو هناك. هذا أمر منطقي لا غبار عليه. إن جئنا لعالمنا العربي، وأردنا تطبيق المعيار نفسه ووصف منطقتنا العربية بناد عربي مسلم، فسنجد أن الأمر مشروع ومنطقي أيضاً، وللعرب حق في إقامة مثل هذا التجمع - وإن لم يقم بعدُ لأسباب كثيرة ليس المجال ها هنا للتطرق إليها - لكن أقول: من حقنا رفض أي عضو من خارج الملة المسلمة، أو بعيد عن الفكر والتراث العربي المسلم، كما يفعل النادي المسيحي، وبالتالي ليس لأحد الحق في نقد الرفض هذا، لاسيما من الجانب الأوروبي. النفاق الغربي وازدواجيته الشاهد من الحديث أعلاه، أن الغرب الذي انكشفت سوءاته كلها بعد السابع من أكتوبر المجيد، يستهجن هذا الأمر ولا يقبله من العرب، في اثبات لعمق ازدواجية المعايير عنده، وهو الذي زرع في نادينا العربي المسلم، جسماً غريباً أشبه بخلية سرطانية تتمدد مع الزمن، ليأتي الآن مستغرباً من عدم قبول الكيان الصهيوني السرطاني ضمن منطقتنا، رغم إدراكه التام بمدى البعد الشاسع بيننا وبين شذاذ الآفاق أولئك، والذين لا تجمعنا بهم لا ديناً ولا فكراً ولا تراثاً ولا قيماً. بريطانيا كما يعلم الجميع، أساس المشكلة، بعد أن أخذت على عاتقها نيابة عن الأوروبيين، السير بمشروع التخلص من قذارة ومصائب الشراذم اليهودية في غالب أوروبا، عبر مشروع انشاء وطن يجمع الشتات اليهودي في قلب العالم العربي المسلم، أو النادي العربي المسلم، ووقفت بكل قوتها لزرع هذا الكيان الغريب في جسم الأمة حتى يستوي على سوقه، ثم أخذت الراية من بعدها الولايات المتحدة بصورة أكثر تطرفاً في الدعم والتعزيز والتثبيت، حتى أصابت أمتنا أو نادينا، بجرح لم يندمل حتى اليوم، بل يزداد عمقاً وسوءاً ونتانة. حين يرفض النادي العربي المسلم، غالبيته أم بعضه، هذا المشروع أو الزراعة الخبيثة هذه، فلأن دخول هذه الشرذمة للنادي سيكون سبباً لصداع مزمن مؤلم، ودخولهم سيكون عامل تفرقة بين أعضاء هذا النادي، بل خطر استراتيجي وجودي، مثلما كانت أوروبا تعاني طويلاً معها. وما دعوات بعض العرب لقبول هذا الكيان بيننا وتطبيع العلاقات معه، إلا دعوات نفاق انهزامية باطلة، لا أساس لها من الدين ولا الثقافة ولا القيم، ومقاومتها لا تقل أهمية عن مقاومة الاحتلال. لهذا كله، حين يرفض وما زال يرفض الأوروبيون انضمام جار جغرافي مسلم لهم وهي تركيا، باعتبار أن ناديهم مسيحي لا مكان للمسلمين فيه، رغم البون الشاسع بين تركيا والكيان الصهيوني في الاستراتيجيات والمخاطر، فإننا أولى إذن برفض الكيان الصهيوني المحتل أن يكون موجوداً بيننا، الذي لا هو يهودي على هدى موسى – عليه السلام – كي نقبل به في نادينا العربي المسلم باعتبار ايماننا بكل رسل وأنبياء الله الكرام، ولا فكره وتاريخه وتراثه مماثل لنا أو قريب منا حتى يمكن قبوله، فهو كيان خليط مشوه من شذاذ آفاق من علمانيي اليهود مع متطرفين كُثُر، والأكثر منهم ملحدون بلا دين ولا أخلاق ولا قيم، وبالتالي رفض وجود هذا الكيان بيننا أمر منطقي وقانوني لا يثير استغراباً، بل ليس لأحد الحق في استهجان هذا الرفض أو الحث على تغيير فكرة الرفض إلى القبول تحت أي مبرر كان، لاسيما الغرب المنافق. الطوفان وهدم السردية الصهيونية من هنا أجد أن أحداث السابع من أكتوبر أو طوفان الأقصى، فرصة تاريخية ثمينة تفرض علينا ضرورة استثمارها بشكل صحيح فوري، عبر قيامنا نحن أعضاء النادي العربي المسلم بتعريف العالم حقيقة هذا الكيان، وما هو إلا صنيعة أوروبية استعمارية استخباراتية متقدمة، قامت على أكتاف بريطانيا، ثم تولت الولايات المتحدة أمر الرعاية و الدعم بعد أفول نجم وتأثير الأولى، وأن هذا الكيان في الأساس ما هو إلا جسم غريب وسط عربي مسلم له دينه وفكره وثقافته وتراثه، ولا علاقة لهذا الكيان بكل تلك الأمور لا من قريب أو بعيد، وبالتالي منطقياً، لا مكان له في هذه البقعة. جميل جداً كخاتمة لهذا الحديث أن نشيد بشعوب أوروبا وأمريكا وغيرهم في العالم، الذين استعادت نسبة مهمة منهم وعيهم، لاسيما الجيل الشاب منهم، فبدأت في إدراك حقيقة هذا الكيان، وأيقنت بعد بحث ومتابعة لتاريخ القضية، أن الكيان الصهيوني عمل استخباراتي للغرب، وأن شذاذ الآفاق ليس لهم حق في فلسطين، لا دينياً ولا تاريخياً، وبدأت الشعوب الغربية من تلقاء ذاتها بالتحرك لكشف هذه الحقائق المُغيّبة طويلاً للآخرين، وبالتالي أرى أننا أولى بمثل هذه التحركات، ونسف الروايات الصهيونية التي دامت وعششت كثيراً في أذهان العالمين، وتعزيز تحركات الشعوب الحرة في نصرة القضية، قبل أن يتمكن الغرب من جديد لملمة أموره والبدء في إعادة السيطرة على الروايات الداعمة لحق وجود الكيان السرطاني الصهيوني بيننا.. إنها واحدة من التحديات الكبيرة التي تنتظرنا للبدء بالمبادرة تلو الأخرى إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
783
| 26 سبتمبر 2024
عنوان مقال اليوم يبدو مستفزاً بعض الشيء، فمن ذا الذي يهش ويبش للجواسيس، الذين باتت صورهم الذهنية غاية في السوء ما إن يتحدث أحد عن عالم الجاسوسية والعملاء؟ بالطبع لا أحد يهش لهم أو يسعد بهم إلا من له مصلحة معهم أو من وراء مهامهم.. ومع ذلك نقول: نعم للجواسيس الذين من نصنعهم على أعيننا، لا أولئك الذين يتم زرعهم في أوساطنا. نعم لجواسيس أو عملاء نصنعهم بمعرفتنا ولغايات تجسيد آية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة). فهذه فئة تلعب أدواراً غاية في الأهمية في معارك الحق والباطل، إن تم التخطيط لها لتسير وتعمل وفق منهج يتوافق مع تعاليم الشرع. إذ بهم يمكنك تحقيق مكاسب وانتصارات دونما حاجة لإراقة دماء أو زهق أرواح، لا من معسكرك أو حتى معسكر الجانب الآخر. الجاسوسية أو زرع العملاء، أمر قديم قرأنا عنه في كتب التاريخ، بل ما زلنا نقرأ عن شخوصها وأحداثها إلى يوم الناس هذا. إنها في كل الأزمنة والأمكنة، قديماً وحديثاً. تجد اليوم أجهزة التجسس ومؤسساته في كل الدول تقريباً، بل زاد الاهتمام بمؤسسات التجسس باعتبارها صفوفا أمامية في المعارك، وعلى أكتافهم تتقدم الصفوف الأخرى إن سخنت الأجواء واحتاج الأمر إلى حزم وحسم للنتائج. المغول مثلاً، رغم وحشية أساليبهم مع الدول التي كانوا يغزونها وهمجيتهم بعد كل انتصار، لم يكن ليحصل لهم ذلك لولا عامل التجسس أو زرع عملاء من بني جنسهم، أو تجنيد خونة من أبناء الدول التي كانوا يخططون لاجتياحها ونهبها وإهلاك الحرث والنسل فيها. قال فيهم الإمام السيوطي: «تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم. وقلما يقدر جاسوس أن يتمكن منهم، لأن الغريب لا يتشبه بهم، وإذا أرادوا جهة كتموا أمرهم، ونهضوا دفعة واحدة، فلا يعلم بهم أهل بلد حتى يدخلوه ولا عسكر حتى يخالطوه..». الجاسوسية مهارات وفنون ليس هناك ما يمنع من تطبيق فكرة التجسس على العدو، لا من الناحية الشرعية ولا القيمية، بدليل قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة). ومن تلك القوة، كما أسلفنا، ما نسميه اليوم بجهاز الاستخبارات، الذي يكون من صلب مهامه وعمله، حماية أمن ومصالح البلاد ومن فيها، من أعداء الداخل والخارج. الجاسوسية اليوم صارت عملاً احترافياً يتطلب من القائم بهذا النوع من العمل، دقة ومهارة، وكياسة وفطنة، مع سرعة بديهة، لاسيما إن كان هذا «العميل» يعيش وسط بيئة معادية لبلده ودينه. فالعمل وسط العدو جد دقيق ويتطلب حذراً فوق المعتاد والمطلوب، وعدم مخالفة التعليمات. حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - طلب منه حضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إحدى الليالي الباردة لمعركة الخندق أو الأحزاب، أن يجمع قواه ويدخل خلف خطوط العدو، وطلب منه مهمة معينة لا يتجاوزها ولا يبادر بأي عمل من تلقاء نفسه، حتى لو وجده سهلاً يسيراً وفي صالح المسلمين. ونجح حذيفة في دخول معسكر المشركين، بل ووصل إلى القائد الأعلى لهم وكان يومها أبوسفيان، حيث يقول حذيفة عن مشهد اقترابه منه: «رأيت أبا سفيان يُصلي ظهره بالنار- من شدة البرد - فوضعت سهماً في كبد القوس فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تُذعرهم عليّ، ولو رميته لأصبته». المهم في القصة أنه نفذ المهمة وعرف معلومات غاية في الأهمية عن الحالة المعنوية لجيش المشركين، وعاد سالماً دون أن يكتشف أمره أحد، بعد معاناة من برودة ورهبة تلك الليلة، فأخبر الرسول الكريم ما رآه وسمعه، فكانت مكافأته كما يقول حذيفة: «فألبسني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائماً حتى أصبحت. فلما أصبحتُ قال: قم يا نومان». عيون الداخل والخارج مشاهد من الحاضر كثيرة هي أمثلة على ما نتحدث عنه. اقرأ ما كان يحدث مثلاً أثناء الحرب الباردة بين الأمريكان والسوفييت. كل معسكر كان يجند عشرات الآلاف من العملاء المهرة في المهام المطلوبة، وأصحاب ذكاء عاطفي واجتماعي، بالإضافة إلى تمتعهم بمهارات أخرى تتطلبها مهامهم، سواء كانوا مواطنيهم أم مواطني المعسكر الآخر أو الخونة، إن صح التعبير. كل معسكر يريد كشف ثغرات الآخر كي تسهل عملية التسلل وجمع المعلومات لتحقيق وانجاز المهام المطلوبة. الأمر لا زال مستمراً بين المعسكرين، بل اليوم لا تجد دولة إلا ولها أجهزة للداخل والخارج. فأما الأجهزة المختصة بالخارج أو الأعداء الخارجيين، فالأمر غالباً يعتمد على مدى نفوذ وسعة المصالح حول العالم أو استراتيجات الدولة، وبالتالي تنوع الأعداء وكثرتهم بالضرورة. الأمن الداخلي لأي دولة لا يقل أهمية أبداً عن حماية مصالحها الخارجية وهو ما يستدعي انشاء جهاز أمن داخلي يستهدف عمله أهل الريب والشبهات في مجالات السرقة والجرائم اللاأخلاقية وما شابه من جرائم تؤثر على الأمن الداخلي للبلد، وأهمية تتبعهم وملاحظتهم للحيلولة دون وقوع ضرر منهم على المجتمع ومن يعيش فيه. لكن هذا الأمر مع أهميته، يحتاج لتقنين أو ضوابط، فالأمر ليس بهذه السعة التي يمكن تصورها حتى يتم إطلاق يد الأجهزة الأمنية الداخلية بلا حدود وضوابط كما يحدث في عديد الدول. الأهم من هؤلاء المؤثرين على الأمن الداخلي وسلامة المجتمع، أولئك الذين يقومون بأعمال التجسس لغير صالح بلدانهم وأمتهم ودينهم، فهذا الأمر ليس فيه أدنى شك أنه خيانة لله والرسول والأمة. إن مثالاً واحداً على النموذج هذا يكفي أن يجعلك تدرك خطورة هذه الفئة الخائنة البائسة، التي ارتضت من الدنيا القليل مقابل الاساءة لأهله ومجتمعه. إنه الصداع المستمر للمجاهدين في غزة. خونة الداخل المتعاونون مع الصهاينة. بلاؤهم ربما أكثر من بلاء الصهاينة المجرمين. قبل الختام، لابد من الإشارة أيضاً إلى الذي يتجسس داخل بلده لكن على أبناء وطنه، خدمة لزعيم فاشي أو ديكتاتور ظالم أو نظام سياسي فاسد أو لصالح جهاز مالي أو منفعة شركات تجارية أو مؤسسات رياضية أو ما شابه من كيانات أو حتى لصالح أفراد.. ذلك عمل تجسسي بحت ممقوت وقميء، بل هو خيانة دون أدنى ريب. وهذا بلا شك يحتاج من المجتمع نفسه أن يتنبه لهم ويكشفهم ويقطع دابرهم. وقانا الله وأوطاننا المسلمة، شر الخيانات والخونة، أكانوا منا أو من غيرنا.. إنه سميع عليم مجيب الدعوات.
843
| 19 سبتمبر 2024
تذكير إلهي للمسلم المؤمن الذي يقاتل عدو الله وعدوه، قتالاً عسكرياً أم فكرياً أم اقتصادياً أم غيرها من أنواع القتال ضد الأعداء، وألا يستسلم للألم أو الوهن أو الضعف الذي قد ينتج في مرحلة من المراحل نتيجة شدة القتال، أياً كان نوع هذا الألم. إن ذلكم الضعف أو التعب والنصب أو الألم الناتج من مقارعة العدو، أمر طبيعي بحسب قوانين الحياة أو مواجهات الحق والباطل (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون) أي أنه كما تتألم أيها المسلم المؤمن في معركتك ضد عدوك، فتأكد أن ذلك العدو يتألم بالمثل، وقد أصابه الوهن والضعف والجهد والنصب أيضاً. جاء في تفسير القرطبي من أن الآية الكريمة «نزلت في أعقاب غزوة أحد، حيث أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين بالخروج في آثار المشركين، وكان بالمسلمين جراحات. وكان قد أمر ألا يخرج معه إلا من كان قد حضر القتال في غزوة أحد». معنى هذا أن الآية الكريمة تأمر المسلمين المؤمنين في كل زمان وكل مكان بالمحافظة على فرائض الله ومنها الإقدام على قتال أعدائهم، بعزيمة صادقة، وهمة عالية، وصبر وتصابر وتحمل للأذى، وألا يحول بينهم وبين هذا القتال ما يشعرون به من آلام وجهد ونصب بدني، ومثلها من آلام نفسية عميقة ناتجة عن خذلان وإرجاف من لدن إخوانهم في الدين، أوغيرها من مسببات الألم. هذه نقطة أولى جديرة بالمعرفة. - إحدى الحسنيين النقطة الأخرى الأهم: (وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليماً حكيما)، أي أن الفرق بينك أيها المسلم المؤمن وبين عدوك في مثل هذه المعارك، أنك ترجو من الله ما لا يرجوه عدوك. أنت تقاتل عدو الله وعدوك في معركةٍ أنت تعلم قبل خوضها أنها جولة من جولات الصراع بين الحق والباطل، وأنك على يقين تام لا يتزعزع أنه مهما تكن النتائج، فأنت فائز منتصر نهاية الأمر. إن للمؤمنين، كما يقول ابن عاشور في تفسيره: «مزية على الكافرين، وهي أنّهم يرجون من الله ما لا يرجوه الكفّار، وذلك رجاء الشهادة إن قتلوا، ورجاء ظهور دينه على أيديهم إذا انتصروا، ورجاء الثواب في الأحوال كلّها». هذا هو المفهوم الصحيح المطلوب من المسلم المؤمن إدراكه تمام الإدراك، وهو يخوض معاركه ضد أعداء الدين على جميع الجبهات والأصعدة. فلا معركة، مهما كان نوعها، دون إصابات ودون آلام وجروح ومشقة وضعف في مرحلة من مراحلها. لكن الذي يعين ويثبت المسلم أن الجزاء المنتظر والمرجو من الله، يختلف عن الذي ينتظره عدوه، وهذه هي نقطة الاختلاف الجوهرية بين فريق الحق وفريق الباطل. آلام معسكر الباطل أشد ما يجري الآن في غزة هو أوضح وأبرز الأمثلة على هذا الحديث. إن الألم الذي يشعر به المجاهد الغزاوي أو المقاوم الفلسطيني بشكل عام، يكاد في مرحلة من مراحل هذا القتال الدائر أو صد العدوان الصهيوني الجائر يصل إلى قمته، وربما يمكن القول ونحن نشاهد القتال الدائر على أرض غزة الأبية، أن الألم وصل مداه فعلاً، سواء البدني أو النفسي وهو الأشد. لكن على رغم ما نراه أمامنا، إلا أن هناك ثباتاً غير طبيعي لهؤلاء المجاهدين، رغم كل الآلالم والمصاعب، وهذا دليل على نوع التربية الإيمانية التي تربى هؤلاء عليه، وعمق إيمانهم بوعد الله لعباده المؤمنين المجاهدين الصابرين، وصدق يقينهم بحتمية النصر وإن طال الأمد. وهذه نقطة ربما تغيب عن بال الكثيرين. إن الجانب المقابل أو معسكر الباطل، بعسكرييه ومدنييه، يتجرع آلاماً ومشقات قد لا تظهر علناً بالشكل المكثف الذي تحرص وسائل الإعلام المختلفة على إظهارها عن الجانب الفلسطيني، وهدفه الخفي بث الوهن واليأس في النفوس المجاهدة في فريق الحق. إن الجانب الصهيوني يعاني ويتألم ربما أكثر من الجانب الفلسطيني، وإن لم تظهر مشاهد ذلك كثيراً على وسائل الإعلام. إن هؤلاء (أحرص الناس على حياة) أي حياة. الجندي الصهيوني ومن يسانده من جنود ملة الكفر، سواء كانوا أمريكان أو أوروبيين أو هندوسا أو غيرهم، يدخلون القتال رغبة في مكافآت ومغانم ينتظرونها على شكل ترقيات وأوسمة وحوافز مادية وغيرها، وبالتالي ترى حرصاً شديداً ألا ينكشف أحدهم في ميادين القتال، وألا يُقتل قدر المستطاع، لأنه قد وعد أهله وأحبابه أنه ذاهب لقتال مجموعة ( إرهابية ) أو أعداء كما تم حشو ذهنه بتلك الأكاذيب، ثم يعود ليعيش حياته بعد ذلك. ومن هنا ترى جزع أهاليهم الشديد وحزنهم الأشد حين يرون أبناءهم وقد عادوا في توابيت الموتى، ملفوفة بعلم دولتهم الإرهابية المجرمة، على عكس ما تراه في معسكر الحق، حيث تجد عائلات غالبية الشهداء، وإن بكت قليلاً، فإنها استبشرت كثيراً لنيل أبنائها إحدى الحسنيين، وزاد ذلك في إيمانهم وثباتهم. ولم لا وقد تحقق ما كان يرجوه أبناؤهم الشهداء وهم داخلون لمواجهة الباطل وأهله. هذا هو الفرق بين معسكر الإيمان ومعسكر الباطل. الجميع في المعسكرين يتألم، لكن ليس الجميع يرجو من الله الرجاء ذاته. معسكر الحق مؤمن بوعد الله أن الأمر محسوم لا شك فيه، لكن يحتاج لبعض الصبر والتصابر، وإن طال الأمد (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ). هذه هي المعاني التي لا أشك لحظة في أنها ترسخت في نفوس كتائب الحق في غزة، والمرجو في الوقت ذاته أن تترسخ في الكتائب الأخرى المنتظر نهوضها في بقية فلسطين المحتلة. ولعل هذا أيضاً هو سر بقاء المواجهة مشتعلة بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر في غزة، والذي نسأل الله أن يتم نعمته على أوليائه، وينصرهم نصراً عزيزاً مؤزراً.. (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا).
984
| 12 سبتمبر 2024
أول ما يمكن أن يبدأ به أي مسؤول عمله هو القيام بالاختيار الدقيق للبطانة، أو من سيكونون حوله، أو بتعبير إداري أدق، يختار فريق العمل الخاص به، الذي معه يتحرك ويعمل. فإن نجح في هذه الخطوة، فالخطوات القادمات تكون سهلة يسيرة. أما إن فشل في هذه البداية، فالطريق سيكون شاقاً غير يسير. في الحديث عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بالأمير خيراً، جعل له وزير صدق. إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه. وإذا أراد به غير ذلك، جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكّره، وإن ذكر لم يعنه «. الأمير كما جاء بالحديث الشريف، هو كل من ولي أمر مجموعة من الناس، سواء كان رئيس قسم أو مدير إدارة وصولاً إلى الوزير ثم رئيس الدولة.. كل أحد منهم بحاجة إلى شخص صادق ثقة، أو مجموعة أشخاص صادقين ثقات، مهمتهم تقديم كل العون للأمير على أداء مهامه بما يرضي الله. وقد سارع النبي موسى – عليه السلام – بالطلب من الله بعد تكليفه بالنبوة أن يجعل له من أخيه هارون وزيراً، يشدد به أزره ويشركه في أمره، وما أعظمه من أمر ومسؤولية. • ما هي البطانة؟ مما سبق نرى أهمية بالغة لقيام أي مسؤول بتشكيل أو اختيار البطانة أو فريق العمل، قبل أن ينطلق نحو تحقيق الأهداف والمهام الموكولة إليه. والبطانة في اللغة، هي الجزء الموجود داخل الثوب وجمعها بطائن، وظاهر الثوب يسمى الظِهارة. وبطانة الرجل: خاصته - كما جاء في زهرة التفاسير- الذين « يعرفون خفايا أمره، ومكنون سره، ويستبطنون ما يخفى على غيرهم، فيعرفون موضع قوته وضعفه، ويتخذ منهم مستشاريه الذين يستشيرهم، ويستنصحهم إن احتاج إلى نصيحة «. بطانة الرجل منا قد تتكون من زوجته مثلاً وبعض أبنائه وأخلص أصدقائه. وبالمثل تكون بطانة المدير أو الرئيس أو الزعيم مجموعة من المقربين إليه، الأكثر أمانة وإخلاصاً وصدقاً، أو هكذا المفترض أن تكون بعض أهم معايير اختيار أفراد البطانة، والتي سنذكرها بشكل أوضح لاحقاً. القرآن الكريم أشار إلى أهمية هذه الفئة، وضرورة الاعتناء بمسألة الاختيار كما في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا )، حيث ينهى الله المؤمنين بهذه الآية – كما يقول القرطبي - أن « يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء ويسندون إليهم أمورهم». ويضيف القرطبي قائلاً:»... وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان باتخاذ أهل الكتاب كتبة وأمناء، وتسودوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء». • لكل مسؤول بطانتان روى البخاري عن أبى سعيد الخدري عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه. وبطانة تأمره بالشر وتحثه عليه، والمعصوم من عصمه الله. لاحظ أن في الحديث إشارة مهمة إلى مدى وعظمة تأثير البطانة على صاحب القرار. بطانة صالحة وأخرى طالحة. الأولى تأمر بالخير والأخرى بالشر. والمعصوم - كما في الحديث - من عصمه الله. أي أن من يقوم بتشكيل بطانته، لابد أن يستعين بالله، يسأله الهداية والتوفيق في الاختيار، لأنه لن يكون يسيراً إلا على من يسّره الله عليه، وبالتالي فإن أي تقصير أو تهاون في الاختيار، من شأنه إتاحة المجال لعناصر ربما تكون نواة لبطانة سيئة ستتشكل بعد حين، وتكون وبالاً وخبالاً. أي فساداً واضطرابا للرئيس أو القائد ومن يكونون تحت إمرته وفي أمانته، وبالتالي سيتحمل هو المسؤولية في المقام الأول، ولن تكون البطانة هي الملامة عند أي تقصير أو مشكلة، لأنه هو من قام بتشكيل الفريق المحيط به أو البطانة. أي إنسان منا، مهما كان وضعه الوظيفي أو القيادي، وقبل ذلك الإيماني، يتأثر بمن حوله من الأصدقاء والخلان. فإن كانوا صالحين أصلحوه، وإن كانوا فاسدين أفسدوه. هكذا بكل اختصار، دونما حاجة لكثير شروحات وتفصيلات، والمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل، كما قال صلى الله عليه وسلم. من هنا تظهر أهمية قيام صاحب المسؤولية، أو من يحمل أمانة إدارة كيان ما، من أصغر وحدة في وزارة ما مثلاً، مروراً بالقسم والإدارة والوزارة نفسها، وانتهاء بالدولة - بحسن اختيار بطانته - أو إن صح وجاز لنا التعبير، يقوم هو بنفسه على صناعة بطانته. • هذه صفات البطانة من يرغب الاقتداء أو السير على النهج العمري، أو أسلوب الفاروق عمر بن الخطاب في تشكيل البطانة واختيار المسؤولين، لا شك أن بطانته ستتكون من راشد رشيد، وناصح أمين، وصادق صدوق، وحفيظ عليم، ومستشار مؤتمن. يجمعهم إيمان وتقوى من الله، يستشعرون ثقل المسؤولية والأمانة. ولن يكون مستغرباً كذلك وجود خل وفي، أو عدد منهم ضمن البطانة. خلة أو صداقة من تلك المبنية على الحب في الله، وليس على الانتهازية والاستغلال والمصالح الشخصية. مستذكرين قوله تعالى ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) على اعتبار أن الصداقة الحقيقية في الدنيا، هي التي تكون مبنية على الحق والعمل الصالح، والمرجو ثوابها في الآخرة. إنّ بطانة تلك هي صفاتهم أو ما يميزهم، فلا ريب أن العواقب والمآلات ستكون محمودة طيبة. ستكون بطانة معينة للمسؤول على الخير وما فيه صالح الأمة، ومانعة عنه الشر وما فيه فساد للأمة. قال ابن كثير وهو يصف نموذجاً للمسؤول ودور البطانة وقوتها في توجيهه - وهو ها هنا يعني الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز- الذي « كان في هذه المدة من أحسن الناس معاشرة، وأعدلهم سيرة. كان إذا وقع له أمر مشكل جمع فقهاء المدينة عليه، وقد عين عشرة منهم، وكان لا يقطع أمراً بدونهم، أو من حضر منهم وكان لا يخرج عن قول سعيد بن المسيب «. بطانة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، لا شك أنها لعبت دوراً في الرخاء والعدل والأمن الذي حدث للأمة في عامين هي مدة خلافة عمر. فلم يكن رحمه الله يتحرك وفق أهواء وأمزجة متقلبة، بل وفق علم وفقه وإيمان، تسانده بطانة صالحة كانت أكثر كفاءة وعلماً منه، وليس في ذلك ما يعيب المسؤول، فإن قوة وكفاءة البطانة هي في صالحه قبل صالح الأمة. وليس شرطاً أن تكون البطانة جيشاً من خبراء ومستشارين، فقد تكون البطانة رجلاً واحداً، لكنه بألف رجل. ولنا في موسى - عليه السلام - النموذج، كما أسلفنا في بداية الحديث، فقد كان هارون - عليه السلام - هو البطانة، وهو المستشار. ولنا كذلك قبل أي أحد، رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم – ثم خلفاؤه الراشدون، القدوة الحسنة في هذا الأمر. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
975
| 05 سبتمبر 2024
ليس حديثنا اليوم عن حيوان الماعز – أعزكم الله – ولا لي دراية بحياتها وكيف تعيش حتى أتحدث عنها. لكن بالطبع أزعجني وربما الكثير منكم، ذلكم الضجيج المثار حول الفيلم الهندي السينمائي «حياة الماعـز» الذي تم إنتاجه بناء على رواية صدرت قبل سنوات عدة لم ينتبه لها كثيرون إلا بعد أن تحولت إلى فيلم درامي سينمائي، وخصوصاً بعد أن تم عرض نسخة مترجمة منه على منصة « نتفليكس « فجذب الاهتمام والأنظار، بل زاد من شعبيته!. الفيلم، وإن حكى قصة حقيقية وقعت بالسعودية قبل سنوات مضت لا تخلو أرقى المجتمعات منها، لم أجد أنه يحتاج لكل هذا التفاعل من الجانب العربي المسلم، سوى ما كان بالشكل الذي يتم عبره توضيح حقائق وخفايا أمور، لكن دون رفض محتوى الفيلم جملة وتفصيلاً في الوقت نفسه، باعتبار أن الجانب الإنساني في الفيلم والمتعلق بظلم الإنسان لأخيه الإنسان، قضية أزلية مستمرة منذ قصة قابيل وهابيل، وبالتالي لابد من الوقوف ضد الظلم في كل زمان ومكان. هذه نقطة أولى. نقطة ثانية مهمة في هذه المقدمة وهي أن الفيلم، وإن أظهر الجوانب الإنسانية في مشاهد العامل وهو بالصحراء، تناسى عن عمد وقصد، جوانب إنسانية لدى أهالي حفر الباطن، حيث جرت أحداث القصة بجزء بعيد في عمق صحرائها، الذين تكاتفوا وسعوا إلى جمع مبلغ 170 ألف ريال دية المقتول، وهو ها هنا الظالم، أو الكفيل كما سماه الفيلم، وذلك بعد أن تم اعتقال العامل وسجنه لخمس سنوات بسبب القتل الخطأ. ولم يتطرق الفيلم كذلك إلى إنسانية أبناء الظالم، وتنازلهم عن الدية، بل ومنحها للعامل كاملة مع عشرين ألفا أخرى، كنوع من التعويض على سنوات عشر أمضاها العامل في السعودية بدون أجر. إضافة إلى ما سبق، لم يتم التطرق في الفيلم عن قصد أيضاً، إلى العامل غير المسلم وهو يرى إنسانية الأهالي، ومن ضمنهم أبناء ظالمه الجاهل، وتأثره بتلك الأخلاقيات الإسلامية، ما دفعه إلى إعلان إسلامه بعد أن رأى وعاين بنفسه سماحة هذا الدين التي ظهرت في سلوكيات الأهالي، والذين أظهرهم الفيلم على أنهم عديمو رحمة وقساة غلاظ في أحد مشاهد العامل وهو داخل المدينة، مع خلفية لصوت مؤذن ينادي الله أكبر، مع لقطة خاطفة لمئذنة مسجد، من أجل ترسيخ وربط فكرة القسوة والغلظة بالإسلام في ذهنية المشاهد!. لو نظرنا كنقطة ثالثة مهمة في هذه المقدمة، وبشكل أوسع إلى مسألة الظلم كما يريد الفيلم أن يظهرها، ودققنا النظر في الواقع نحو ما يجري في الهند نفسها من اعتداءات الهندوس الممنهجة والمستمرة على المسلمين، فربما احتجنا مئات الأفلام وآلاف الروايات للحديث عنها، هذا بفرضية رغبتنا الدخول في سباق مع الآخر وبيان ما عنده من مساوئ ومظالم وشرور أيضاً. لكن ما هكذا تورد الإبل - كما تقول العرب - لأن المسألة تحتاج منهجية وعملا واضحا منظما لا يعتمد على ردود أفعال، وهذا هو محور حديثنا اليوم. لكن قبل أن نتعمق أكثر، هناك نقطة أخرى أخيرة مهمة في هذه المقدمة الطويلة، ومن باب تأكيد المؤكد ليس أكثر، هي أنه لا يوجد مجتمع ملائكي الصفات بين البشر، والظلم بأنواعه موجود في أرقى المجتمعات والأمم، وليس عند العرب فقط كما يريد أن يقول هذا الفيلم، كواحدة من رسائله غير المباشرة. ثم إن الفيلم لن يكون آخر الأفلام في سلسلة الإنتاجات الفنية الموجهة والمغرضة، سواء الهندية أو غيرها من تلك التي تسير على درب هوليوود، والتي فعلت بنا أكثر من بوليوود ونظيراتها آلاف المرات. صناعة السينما ليس المهم ها هنا الحديث عن الفيلم بقدر أهمية تأمل السؤال الذي يفرض نفسه دوماً في مثل هذه المناسبات والأحوال: أين السينما العربية؟ وأين الإنتاج الفني الإعلامي العربي المسلم الذي يكشف الحقائق دون مبالغات أو إساءات؟ ستجد أنه لا أثر أو إجابة مقنعة، وإن وجدت بعض أعمال فنية هنا وهناك، فهي غالباً لا تجد ذلكم الدعم الذي يوصلها للعالمية أو إلى الساحات التي يمكن عبرها توصيل رسالتنا للعالم، وهو الأمر الذي يدعونا للتساؤل المستمر أو المتكرر في كل حين: لماذا لا تنشط المؤسسات الفنية والإعلامية في إنتاج دراما فنية هادفة تخدم قضايا الأمة، ولماذا لا تنشط في الوثائقيات وتكشف المستور في تلك المجتمعات التي تتفنن منذ عقود طويلة في الإساءة لنا كعرب ومسلمين، كالمجتمع الأمريكي أو الغربي بشكل عام، ومعهم الآن المجتمع الهندوسي والصهيوني وغيرها من مجتمعات معادية؟ الفن السينمائي أو إن صح التعبير، صناعة السينما، تحتاج إلى كثير رعاية واهتمام في عالمنا الإسلامي. لا أقصد بالسينما الترفيهية العبثية، إنما تلك التي تحمل رسالة واضحة، وتسير وفق رؤى ومنهجية محددة ضمن عمل إعلامي واسع. هذا الفن الإعلامي ما زال مدار بحث ونقاش طويل مفصل يتجدد بين الحين والحين في أوساط علماء الشرع، منذ أن عرف العالم الإسلامي فن التمثيل وإنتاج المسلسلات والأفلام. وما خرجنا من نقاش تلك المسألة بإجماع أو على أقل تقدير، برأي يتفق عليه عدد لا بأس به من العلماء، يكون موجهاً أو معياراً لهذا العمل المهم في زمن الإعلام والمعلومات. التخلف السينمائي غير مقبول نعود للموضوع مدار البحث، ونحن نعيش عصراً متسارعاً في أفكاره وعلومه وتقنياته، والفن السينمائي واحد من المجالات التي اختلفنا عليه فتأخرنا، لنؤكد أن التخلف في هذا المجال أمر غير مقبول البتة - ونحن كما أسلفنا - نعيش زمن الإعلام والمعلومات ومنها السينما، فيما غيرنا مستمر في إبداعاته وإتقانه في هذا المجال حتى ساروا بعيداً بعيدا. وصار هذا الفن سلاحاً فاعلاً بأيديهم لا يقل فعالية وكفاءة وأثراً عن الأسلحة العسكرية والاقتصادية وغيرها. هذا الفن أو هذه الصناعة، إيجابياتها تفوق سلبياتها. وليس لأن البعض يستخدمها في الشر فهي بالتالي شر كلها، فنترك جلها. لا، الأمر أوسع من هذا بكثير. إن الكاميرات السينمائية التي تصور الأفلام الهابطة، هي نفسها التي تصور أفلام الاستقامة. إنها آلات صماء تأتمر بأمرك، وأنت من يحركها ويديرها كما تريد وليس العكس. إنها هي نفسها الكاميرات التي قام المخرج السينمائي مصطفى العقاد - رحمه الله - باستخدامها لتصوير فيلمي الرسالة وعمر المختار، واستخدمها تلفزيون قطر لإنتاج أروع المسلسلات التاريخية مثل مسلسل عمر الفاروق والإمام ابن حنبل وغيرهما الكثير النافع. السينما سلاح مؤثر ختام القول إنه لا شيء يمنع في استخدام فن السينما في تحقيق المقاصد الطيبة والأهداف الإنسانية النبيلة، وأن نقدم أنفسنا للعالمين بالصورة التي أرادها الله وأرادها رسوله الكريم محمد ﷺ. هذا فن وصناعة، ونحن من يسيطر ويحدد الأطر والضوابط لها، أو هكذا المفترض أن يكون. إن إنتاجاً فنياً على غرار مسلسل عمر، أو فيلم الرسالة وعمر المختار ومحمد الفاتح كأبرز نماذج سينمائية مسلمة، يمكنها فعل الكثير من التأثير في الآخرين. ومطلوب بالتالي على غرارها، أن يستمر الإنتاج السينمائي أو صناعة السينما بذلكم المستوى وأفضل، وفق رؤى واضحة وأهداف محددة. وبها كذلك يمكننا أن نواجه المخالف الراغب في التشويه والإساءة بنفس السلاح الذي يستخدمه، ليس بالتشويه طبعاً، لكن عبر إنتاج أعمال راقية بديعة تكون قادرة على كشف رداءة بضاعة المهاجم حين يأتي وقت المقارنة. بمثل هذا التفكير وهذه المنهجية نخدم ديننا، دون أن نشتت ونهدر مواردنا وجهودنا على شكل ردود أفعال قد تصيب، أو تخيب غالب الأحيان. والله دوماً كفيل بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
2100
| 29 أغسطس 2024
هذا المقال من وحي حلقة بودكاست رائعة في عالم الجغرافيا السياسية مع الدكتور محمد الشنقيطي حول موقع العالم الإسلامي من النظام العالمي، والذي أنصح مشاهدته أو الاستماع إليه لأجل فهم أفضل وأعمق لما يحدث بالعالم الآن من بعد طوفان الأقصى. الطوفان الذي كشف الكثير الكثير من الألاعيب والمؤامرات والخدع التي تعيش أمتنا تحت تأثيراتها إلى يوم الناس هذا. الأمة لا أحد يشكك في أنها تعيش حالة تململ من بعد سبات عميق. تريد أن تنهض وتدرك وضعها الحالي لتبدأ من حيث توقفت أو نامت أو تم تنويمها، رغبة أو رهبة. هناك رغبة مشتركة بين بعض قادة الفكر والسياسة وخلفهم جمع أكبر من شعوب مسلمة ما بين مشرق ومغرب الأمة. شعوب يؤلمها استمرار حال الأمة على ما هي عليه من تشتت وتفرق، وعبث غربي مستمر بها ومقدراتها وشعوبها منذ قرن من الزمان. لكن لله الفضل فيما يحدث الآن من صحوة، وإن بدت أنها بطيئة في زمن سريع متسارع، لكنها البداية. وعادة بدايات أي مشروع نهضوي تكون بطيئة، وخطواتها محسوبة ثقيلة، إلى أن تستوي وتنضج وتقف على أساسات صلبة مُحكمة. فلسطين بلاءٌ على المعتدي لا شك أنه بفضل الله سبحانه، صار لطوفان الأقصى أو فلسطين بشكل عام، الدور المهم في هذه الصحوة أو بدايات النهوض الذي نتحدث عنه ونتأمله. ذلك أن هذه القطعة التي بارك الله حولها، هي أساس كل الاصطدامات والتدافعات التي وقعت بين أمتنا والغرب منذ قرون عدة، والتي تبدو أننا على موعد قادم آخر قريب مع تصادم جديد مع هذا الغرب وعبثه واستغلاله. نعم ستكون فلسطين، كما كانت قديماً، في قلب هذا التدافع والتصادم. الدكتور الشنقيطي كتب من ذي قبل دراسة موجزة محكمة نشرها بالعنوان الذي استخدمناه اليوم لهذا المقال، شروق الشرق وغروب الغرب، يستشرف فيها مستقبل الأمة في هذا التدافع والصراع الحضاري، ويضع وصفة استراتيجية لهذا النهوض المأمول. الجميل أنه بدأ دراسته بالحديث عن العنوان، وأنه من ابداعات الكاتب المصري أحمد حسن الزيات « الذي استخدم التعبير ضمن مقال له عام 1938 دفاعاً عن فلسطين، ختمه مهدداً المستعمر الإنجليزي المتواطئ مع الاحتلال اليهودي لفلسطين:» وفلسطين كانت منذ أنشأها الله بلاء على المعتدي، وشؤماً على الظالم. وقد التقى عندها الغرب والشرق، مرةً في عهد عمر بن الخطاب، ومرة في عهد صلاح الدين، فكانت العاقبة في كلتا المرتين غروب الغرب وشروق الشرق «. مشاهد ماضية تتكرر على رغم الخسائر المادية والبشرية في غزة، إلا أن ما نتج عن طوفان الأقصى حتى يوم الناس هذا، هو دون شك إعادة للمشاهد الماضية في عهد الفاروق ومن بعده صلاح الدين، أو كما عبّر عنها الزيات بالتقاء الشرق والغرب من أجل أن يشرق الشرق ويغرب الغرب. وبالطبع ليس الشرق هو العالم الإسلامي فحسب، بل المقصود أيضاً القوى الآسيوية الصاعدة مثل الصين وروسيا. لكن العالم الإسلامي الذي يقع جزء كبير منه في هذا الشرق، سيكون عند حدوث هذا الشروق في بؤرة الأحداث والاهتمام، بل والتأثير بإذن الله. ما يحدث في غزة رغم الخسائر المادية الهائلة على الجانب الغزاوي كما أسلفنا، إلا أن ذلك كله لا ينظر إليه الاستراتيجيون كما عامة الناس. إنهم يستشرفون عبر هذه الأحداث مستقبل العالم. فلو لم تكن فلسطين نقطة التقاء الشرق والغرب أو نقطة الصراع من أجل الهيمنة، ما رأيت أساطيل الأمريكان وخلفها وحولها إمكانات الغرب العسكرية والتقنية، من انجليزية وفرنسية وألمانية وإيطالية، تزحف نحو هذه النقطة الملتهبة. طوفان الأقصى سرّع هذا الزحف وهذا الالتقاء سنوات عديدة. لولا هذا الطوفان، ما كان ليحدث ما يحدث الآن من صحوة عالمية تتساءل ليس عن أهمية وقف العدوان فحسب، بل الأهم من ذلك تعاظم تساؤلاتها حول الفائدة المرجوة من وجود كيان استفزازي دخيل مثل الكيان الصهيوني على العالم. ولولا هذا الطوفان الذي خرج عن السيطرة، ما رأيت تهافت الأمريكان على وجه التحديد ومن ورائهم قوى غربية أخرى من أجل تهدئة الأحداث، ليس لشيء سوى رغبة في التقاط الأنفاس أولاً، ومن ثم كسب بعض الوقت لإعادة ترتيب وتنسيق المواقف السياسية والعسكرية والاستراتيجية، قبل أن تنزلق الأمور ويحدث ما لا يرغب فيه الغرب أن يحدث الآن. الغرب يشعر أن هذا الكيان ورطة تاريخية. لقد أرادوا التخلص منه وحذفه خارج أوروبا بعيداً عنهم، ليقوم بمهام قذرة نيابة عن الاستدمار الأوروبي إن صح التعبير، إلى حين من الدهر طويل. لكن مع الطوفان، تبين مدى هشاشة هذا الكيان، الذي فقد ما بقي عنده من عقل، واضطربت بوصلته حتى راح يهدم ويهلك الحرث والنسل يميناً وشمالا، وهو لا يدرك أنه بهذا يقترب أكثر فأكثر من نهاية حتمية له أولاً بإذن الله، ومن ثم يكون سبباً رئيسياً في خلخلة نظام العالم بأكمله، وهو ما يراه الاستراتيجيون ومن يستشرفون مستقبل العالم أنه المشهد ذاته، الذي بعده سيشرق الشرق ويغرب الغرب بإذن الله (ويقولون متى هو. قل عسى أن يكون قريبا).
1377
| 22 أغسطس 2024
في لقاء طويل رائع مع المفكر الجزائري عبد الرزاق مقري حول طوفان الأقصى - أنصح الاستماع إليه لمن أراد صورة واضحة لما يجري الآن في غزة - قال عبارة، ربما هي سر التحول الهائل الحاصل بالعالم تجاه القضية الفلسطينية، وهو عنوان هذا المقال.. ثبات غزة، حالة أسطورية. وهذه حالة نادرة تستوجب منا التوقف قليلاً وتأملها طويلا. ثبات غزة، بمجاهديها ورجالها ونسائها وأطفالها، رغم الشدائد والأهوال والآلام، لابد وأنه يدفعك لاستحضار مشاهد مؤلمة ماضية من تاريخنا مثل سقوط الحواضر الإسلامية أمام المغول الهمج، ثم الأندلس وقصص محاكم التفتيش والحروب الصليبية، وصولاً إلى بدايات القرن العشرين ومآسي المسلمين على يد الاستدمار الغربي، الذي وإن خرج من عالمنا العربي والمسلم، إلا أنه أبقى كلابه المسعورة المتوحشة من الصهاينة، يهوداً كانوا أم غيرهم من العرب والفرس والترك والهندوس وغيرهم من أهل الوثن والحجر والشجر. لكن الأمر الملحوظ ورغم كل تلكم الأهوال والشدائد التي نزلت على الأمة عبر تاريخها الطويل، إلا أنها كانت تنهض بصورة وأخرى، ولم تهلك أو تفنى وتندثر كبقية الأمم والحضارات الغابرة. فما كنا نقرأ في كتب التاريخ والسير عن أولئك المتوحشين ضد المسلمين، على اختلاف معتقداتهم وأهدافهم، صرنا اليوم نعايشها لحظة بلحظة في غزة الأبية. صفقة القرن ما كنا نستغرب منه إذن ونحن نقرأ في تضحيات الأولين، صار يتكرر الآن، بل أصبح متجسداً واقعاً أمام أعيننا وأمام كاميرات وشاشات وكافة وسائل التواصل والإعلام حول العالم. ثبات غزة، ثبات أسطوري أفشل كل مخططات الغرب والصهاينة ومعهم كل المطبعين العرب، بعد أن كانت القضية الفلسطينية تسير بشكل متسارع نحو تصفية نهائية، وكانت ستنتهي وتتحقق أحلام من خططوا طويلاً لما يسمى بصفقة القرن، كي تقر أعين الصهاينة أولاً، وتتحقق نسبة كبيرة من أحلامهم ومشاريعهم التوسعية، ومن ثم تقر أعين المطبعين بعد ذلك وتنتهي القصة المزعجة لهم منذ أكثر من سبعة عقود، وليحمل بعدها الأمريكان أمتعتهم مغادرين المنطقة - إلى غير رجعة - لاعتقادهم بأن وجودهم صار غير ذي جدوى، بعد أن تكون المنطقة قد هدأت بتصفية القضية، وتولي بيادق صهيونية الصنع إدارتها، لتتفرغ هي للعملاق القادم، أو هكذا التصور الأمريكي الغربي، ويُقصد به الصين، أو التحالف الصيني الروسي. إذن ثبات أهل غزة بشكل عام، واستمرارهم في التصدي لجحافل الجيش «الأكثر أخلاقية في العالم» بل والمبادرة بالهجوم أحياناً كثيرة، أفشل مخططات ومشروعات كلفت خزائن بعض الدول، مليارات الدولارات وسنوات من العمل والتخطيط أو التآمر إن صح التعبير. حالة سُننية لم يدر بخلد أي أحد من أولئك المتآمرين أن تكون للمقاومة بقية قدرة وطاقة للصمود والبقاء، بعد اعتداءات الصهاينة المتكررة منذ انسحابهم من غزة في 2005 وأهمها في العصف المأكول 2014 ثم حارس الأسوار في 2021 لتهدأ بعدها غزة لعامين تقريباً، حتى ظن المتآمرون أن الإنهاك قد أصاب المقاومة، وبالتالي هي فرصة لتسريع إجراءات التصفية، لكن تتدخل الإرادة الإلهية دوماً، بعد أن يكون عباده المخلصين قد اتخذوا كافة الأسباب لكنها لا تكفي لإحداث الفرق أو نتيجة مؤثرة. فكان السابع من أكتوبر 2023 ليكون هذا اليوم بداية حالة كما أسماها الدكتور مقري «حالة سُننية « في معرض تحليله للأحداث، حيث تبدأ بعد ذلك تتكشف الكثير الكثير من الأمور، هي التي نعيشها الآن منذ ذلك التاريخ المجيد. إن ما يحدث اليوم في العالم بأسره من فضح وكشف للرواية الصهيونية التي جعلت العالم يصدقها طويلاً، هو أمر لو أنفقنا نحن المسلمين ملايين الدولارات في الدعايات والإعلام المضاد لكشفها وإقناع الآخرين برواياتنا الحقيقية، ما نجحنا ولا استطعنا تحقيق بعض الذي تحقق بعد طوفان الأقصى. لماذا؟ لأن الثمن لم يكن مليارات الدولارات أو اليوروات أو غيرها من العملات الصعبة، بل كان هو الدم، والروح، والثبات. وهي كلها عوامل أعطت صدقية للرواية الفلسطينية الإسلامية، وكشفت زيف الرواية الصهيونية الخبيثة. انكشاف الصهيونية والنفاق الغربي ما يحدث منذ السابع من أكتوبر الفائت، أزاح الستار عن ظلم الصهيونية وزيف ادعاءات المظلومية، وانكشف وجه الغرب الحقيقي القبيح، الذي كان مغطاة بوابل من قيم ومبادئ خادعة عبر مؤسسات ووسائل إعلام وغيرها، وهذا ما دفع بمئات الألوف من غير المسلمين إلى الشوارع، وفي عقر دار العالم الغربي، احتجاجاً أولاً على رضوخ حكوماتهم ومؤسساتهم الطويل للفكر الصهيوني، الذي أدى إلى الأحداث البشعة بحق مدنيين من أطفال ونساء في غزة كإحدى نتائج ذلك الرضوخ، ثم انتشار واسع ممتد مستمر للظلم حول العالم كنتيجة أخرى، إلى غير ذلك من نتائج ستنكشف مع الأيام. النقطة المهمة المطلوب التركيز عليها الآن بعد أحداث عشرة أشهر أسطورية، هي أهمية استيعاب المسلمين جميعاً لما يحدث في غزة، وضرورة استثمار الحدث للانطلاق بهمة وعزيمة وإيمان في أي مساهمة أو مشروع حول العالم يعمل على تفكيك النظام العالمي الحالي، الذي هو نظام غربي استعماري تم وضعه لخدمة مصالح الغرب أولاً وأخيراً عبر مؤسسات غير فاعلة، إلا إن أراد هذا الغرب تفعيلها خدمة لمصالحهم فقط ! النقطة الأخرى المهمة، هي المساهمة في تعزيز ثبات غزة، ودعم المقاومة بكل ما يستطيع الفرد منا القيام به. كل فرد منا، من بعد نية خالصة، وإيمان راسخ، ويقين لا يتزعزع بقرب نصر الله، يمكنه المساهمة بحسب قدراته وإمكانياته وظروفه المحيطة به في عملية التعزيز هذه، سواء بالمال، أو بالكلمة، أو بالصورة، أو غيرها عبر مؤسسات إعلامية، أو تشريعية، أو خيرية، أو غيرها من مؤسسات ومكونات مجتمعية عديدة. غزة.. إيمان أو نفاق أقول كخلاصة لهذا الحديث: لا يجب أن يتزعزع ثبات أهل غزة، مجاهدين أو حواضن شعبية، ولا يتم ذلك إلا عبر استمرار الدعم بكل الطرق والوسائل، لأن الاستمرارية تلك هي عامل حاسم في المرحلة الأخيرة من حرب التحرير التي انتظرناها طويلا. كما لا يجب أن ندع المجال للمشككين والمرجفين لنشر الأراجيف والأكاذيب. هؤلاء الذين (كره الله انبعاثهم) لا بد أن نكره نحن انبعاثهم أيضاً، لأن دخولهم في الأحداث، عامل مساهم إضافي يدعم الظلم الصهيوني المدعوم غربياً قبل كل شيء، باعتبار أنه مشروع غربي أولاً وأخيراً، يتطلب دعماً مستمراً لا يتوقف. وبالتالي، والحال كذلك، لابد من كشفهم وفضحهم أمام الملأ دون أدنى مجاملة، فالوقت لا يتسع للمجاملات والمهادنات. إنه وقت دعم الحق وإزهاق الباطل، والطرق باتت واضحة جليّة. من أراد الحق، فليلحق بأهله، ومن أراد الباطل فله ما أراد. إن الوقوف مع غزة أو ضدها، صار اليوم معياراً للتفريق بين الإيمان والنفاق، فلينظر كل منا تبعاً لذلك المعيار، إلى أي معسكر تقوده قدماه..
966
| 15 أغسطس 2024
أثبت طلاب بنغلاديش للعالم أن الشباب هم العامل الحاسم في أي تغيير أو مناهضة لظلم واستبداد في أي مجتمع. أثبتوا الحقيقة التي نؤمن بها، خاصة في عالمنا المسلم، باعتبار أن هناك ما يؤصل لهذه الحقيقة ويؤكدها. نجد ذلك واضحاً جلياً في قوله تعالى « إنهم كانوا فتية « في معرض الحديث عن قصة أصحاب الكهف ودورهم في تغيير مجتمعهم ولو كان بعد حين. لاحظ أن جل الثورات في العالم، قديماً وحديثاً، الشباب هم عمادها، وبهم تنجح ثورة ما أو تخفق، إن لم يتم توجيه طاقاتهم وضبطها والسير بها نحو هدف واضح محدد. هم العامل الحاسم في التغيير، وهم العامل الفاعل في مناهضة ومقاومة أي ظلم واستبداد، وهم الركيزة الأساسية في بناء وتنمية أي مجتمع. خرج مئات الألوف من طلاب جامعات بنغلاديش، أفقر دول العالم ذات الكثافة السكانية العالية. أخرجهم قانون بدا ظاهره حب الوطن وتقدير السواعد السمر التي نهضت بالبلاد، فيما باطنه كان يعشش الفساد. قانون ما يسمى بتخصيص نسبة من الوظائف العامة لأبناء الجنود، الذين ضحوا بأرواحهم فيما يُعرف بالاستقلال عن باكستان، لكن تم توظيف القانون لخدمة الشيخة حسينة وحزبها والموالين لها، ما أثار الشعب البنغلاديشي، الذي يعاني فقراً واضحاً وارتفاعاً كبيراً في نسبة بطالة الشباب بينه.. هذا واقع بنغلاديش. الخداع التاريخي تاريخياً، ليت الاستقلال عن باكستان لم يكن، لكان حال هذه الدولة أفضل نسبياً، وما كان ليتم تمرير مخطط الاستدمار البريطاني الخبيث في تشتيت مسلمي شبه القارة الهندية، ما بين باكستان الحالية أو الغربية، وصناعة أخرى تسمى باكستان الشرقية وفيما بعد بنغلاديش، وبينهما كيان ضخم هائل هو الهند الهندوسية، التي لعبت دوراً حاسماً في انشاء بنغلاديش لتكون تابعة لها وأداة من أدوات استفزاز وخلخة استقرار باكستان. إنه تاريخ مضى، لكن الخدعة البريطانية لعبت دورها في تشتيت مسلمي شبه القارة، بعد أن خلقت وصنعت مشكلات لا تزال ساخنة تتأجج إلى يوم الناس هذا، من بعد أن تم وما زال يتم دعمها وتعزيزها بواسطة مجموعة متنفذة، تبدو عليها ملامح إسلامية، فيما هي عن الإسلام ببعيد، والشيخة حسينة إحدى رموز تلك المجموعة، التي تعمل بكل الوسائل على مسح الهوية الاسلامية عن هذا البلد، بالسر والعلن، وترمي في الوقت نفسه بكل ثقلها في أحضان الهند. معركة الشباب الحاسمة خاض الشباب البنغالي معركته الحاسمة هذه المرة التي اختلفت عن المرات السابقة، حيث بدأ في التصعيد التدريجي إلى أن وصل الأمر بالاضراب المدني وتعطيل شبه تام للحياة في بنغلاديش، وزاد عدد المتظاهرين ضد تعسف واستبداد حزب عوامي وحكومة حسينة، مما اضطرت الى استدعاء قوات خاصة من حليفها الهند للتدخل وضبط الشارع، بعد أن رفض الكثير من ضباط الجيش البنغالي النزول إلى الشوارع لقمع المتظاهرين، فيما الشرطة استمرت في تنفيذ الأوامر وبوحشية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 500 شاب، وتم قطع الانترنت عن البلاد لساعات عدة، رغبة في التحكم بمجريات الأمور، لكن فشلت الحكومة في هذا الأمر واضطرت لإعادة الخدمة، فالسيل الشبابي هذه المرة قوي وهادر، إلى درجة أن وصلت حشود شبابية لمقر إقامة حسينة التي كانت أعدت عدتها للفرار وتنتظر الوقت الحاسم، وكان لها ما أرادت قبل أن تقع في أيدي الثوار، وإلا كانت اليوم في قبضة الشباب والعدالة التي بدأت ملامحها تتشكل. الشباب لعب دوره الحاسم إذن في إزاحة هم وغم وظلم كبير جثم على صدور الشعب البنغالي عقوداً عدة، وبهذا العمل الجاد المستمر تخلصت بنغلاديش أخيراً من حكومة تابعة للهند، لا حول لها ولا قوة، وارتفعت فوراً أصوات عديدة تنادي بالخلاص من أوامر الخارج، لاسيما الهند والكيان الصهيوني الذي أساءه ما حدث لحسينة، شأنه شأن الهندوس الذين أغرقت أدواتهم وسائل الإعلام بتقارير وأخبار مزيفة كاذبة عن الأوضاع في بنغلاديش، وهدفها إحداث فوضى وارباك المشهد البنغالي لبعض الوقت، أملاً في أن يتم لملمة الأوراق والتنسيق بين الهند والكيان الصهيوني وحسينة ومن يقف معها ووراءها لجولة جديدة، فلعل وعسى تتمكن من العودة كما المرات السابقة، والتي لا أظن هذه المرة كسابقاتها، فقد طفح الكيل بالشعب البنغالي، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى احتمالية أن ينخدع الشعب بالوعود الجميلة الكاذبة مرة أخرى. النموذج القدوة ما حدث في بنغلاديش المسلمة، يمكن اعتباره نموذجاً قابلاً للاقتداء من قبل الشعوب المضطهدة، لاسيما المسلمة التي تعاني الأمر نفسه، ومنها بعض الشعوب العربية المكتوية بنار حكومات مستبدة فاسدة، والتي لا تختلف أحوالها عن أحوال الشعب البنغالي. الحدث البنغالي نموذج قابل للإقتداء من قبل الشعوب التي لا تزال تحت نير الأنظمة الديكتاتورية العسكرية. لابد أن تدرس النموذج البنغالي، وتقتدي به في تغيير الواقع، الذي يحتاج ويتطلب القليل من التضحيات في سبيل الكثير من الايجابيات والمنافع واستعادة الحقوق المنهوبة، وما أكثرها. والمطالب عادة كما هي سنن الحياة، لا تُنال بالتمني كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي، ولكن تُؤخذ الدنيا غلابا. أي بالقوة والمنازعة. فما بالك لو كانت تلك المطالب جملة حقوق إنسان أساسية ضرورية، مع مطالب أخرى مثل نشر العدالة والمساواة بين الناس؟ لابد أن الوضع يحتاج لبعض الجهد والوقت والتضحيات والتخطيط والتنسيق، ومن ثم التوكل على الله بعد عقد النية والعزم، فهو سبحانه كفيل بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
1002
| 08 أغسطس 2024
لن يكون أبو العبد، إسماعيل هنية، آخر شهداء هذه الأمة - نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً - بل نعتبره أحدث من انضم لركب الشهداء الذي لن يتوقف حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. إن خبر اغتيال هنية بالأمس، مثلما أحزن ملايين المسلمين حول العالم، فإنه يثبت لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أن الطريق الذي سار عليه ومن قبله إخوانه في المقاومة الفلسطينية، هو الطريق الصحيح الذي ينبغي البقاء عليه وعدم الانحراف عنه. طريق الأنبياء والمرسلين. طريق الشهداء والصديقين، وحَسُن أولئك رفيقا. كثيراً ما قرأ الشهيد هنية في صلواته، وكذلك في خطبه عن قوافل الشهداء ( ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يُرزقون) بصوت دافئ يستشعـر السامع له عمق معانيها، وباعثاً في الوقت ذاته الأمان في نفوس أهالي الشهداء، وأن أحبابهم أحياء عند الله يُرزقون بإذنه، إلى أن جاء اليوم الذي صرنا نحن من يقرأ تلك الآية العظيمة، ويقرأها ملايين من المسلمين بعد انتشار خبر استشهاده، لنسأل الله له أن يكون من الشهداء، حياً عند ربه. وما أجمل وأزكى حياة تكون عند الله. سيفرح الصهاينة والمشركون ومن معهم من منافقي هذه الأمة بخبر اغتيال هنية، ظناً منهم أن اختفاء قائد ومجاهد من المشهد، سوف يوهن من معنويات المجاهدين، غير مدركين أن استشهاد مجاهد بحجم هنية، ما هو إلا عملية إنتاج طاقة جديدة تثبّت النفوس وتقويها، وتدفعها للمزيد من التضحيات في سبيل الله، بل ويتحول الشهيد إلى قدوة مؤثرة لكثيرين ممن لم يبدأ السير على هذا الطريق المبارك بعد. منذ أن شرع الله دفع الظلم وقتال الظالمين، وركب الشهداء ماض في طريقه لم يتوقف. كان عبيدة بن الحارث، ابن عم النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - أول شهداء الإسلام في بدر الكبرى، ثم تبعه كثيرون. حمزة، سيد الشهداء، مصعب بن عمير، زيد بن حارثة مع ابن رواحة وجعفر الطيار، ثم غيرهم كثير كثير، وصولاً إلى واقعنا المعاصر، حيث الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي والشقاقي ويحيى عياش، لينضم إليهم إسماعيل هنية، فيما آخرون ينتظرون، مصداقاً لقوله تعالى ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ). يستشهد إسماعيل هنية، ليخرج ألف إسماعيل، هكذا المسألة واضحة وضوح الشمس، الجهاد ماض إلى يوم الدين، طالما ظهر كفر وظلم في أرض ما، فالجهاد بالمقابل وبالمرصاد. يظهر ظالم واحد في بقعة ما، فيخرج له مائة مجاهد، وإن مَلَكَ ذاك الظالم قوى العالم كله وقتلهم جميعاً، فالمجاهد يدفع الظلم وهو على يقين تام أن هناك نتيجتين لعمله أو دفعه للظلم لا ثالث لهما. إما النصر أو الشهادة، وكلاهما يسعى إليهما المجاهد. إن انتصر وأنقذ العباد والبلاد من ظلم وظالمين، فنعم العمل هو. وإن لم يستطع واستشهد، فالشهادة أسمى أمانيه. سنفتقد إمامتك لنا في صلوات الجمعة بجامع مصعب بن عمير بالدوحة يا أبا العبد. سنفتقد صوتك الدافئ وأنت تتلو آيات القرآن في ركعتي الجمعة بمسجد الحي الذي كان أبو العبد يقطنه، وكان لنا نحن أهل الحي شرف جواره. فقد رزقنا الله أن نستمع وننصت، بل ونرى شهيداً يصلي بنا بل ويمشي بجانبنا وفي حينا.. فهنيئاً لك أخي الكريم الشهادة - ونحسبك كذلك ولا نزكيك على الله – ولكن لفراقك يا إسماعيل لمحزونون.
1212
| 01 أغسطس 2024
لا شيء يدوم على حاله، فكل شيء فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، حقيقة حياتية لا ريب فيها، وكل شيء يتغير، بل لابد أن يتغير، لكن وفق قوانين ومعادلات كونية معروفة، وحكمة الله في أي تغيير تبقى فوق كل تلك القوانين والسنن. لكن هناك تغييرات تحصل حولنا يكون للإنسان دوره المهم فيها. منها زوال النعمة، وأكثرنا غير مبصر لها وغير مدرك لأهميتها. ذلك أن النفس الإنسانية تلعب دورها في تغيير واقع أصحابها وما حولهم من مظاهر معيشية متنوعة. فنعم الله علينا التي لا تُحصى، قد تتبدل وتتغير وتنقص أو تزول، بتغير ما بنفوسنا من مشاعر ونيات (ذلك بأن الله لم يكُ مغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). إنها سنّة من سنن الله في كونه، والآية تتحدث عن كيفية وقوع أمر التغيير في مسألة نعم الله على الإنسان. معنى الآية لمزيد شرح - كما جاء في تفسير الرازي - أنه تعالى أنعم على البشر بالعقل والقدرة وإزالة الموانع وتسهيل السبل، والمقصود أن يشتغلوا بالعبادة والشكر، ويعدلوا عن الكفر، فإذا صرفوا هذه الأحوال إلى الفسق والكفر، فقد غيروا نعمة الله تعالى على أنفسهم، فلا جَرَمَ استحقوا تبديل النعم بالنقم، والمنح بالمحن. وهذا من أوكد ما يدل على أنه تعالى لا يبتدئ أحداً بالعذاب والمضرة، والذي يفعله لا يكون إلا جزاء على معاص سلفت. نعم الله على خلقه كثيرة متنوعة تستحق شكراً بالمقابل كي تزيد وتستمر بحسب الوعد الإلهي ( ولئن شكرتم لأزيدنكم ). وذلكم الوعد سنّة إلهية أخرى من سننه سبحانه، أو لنقل إنها معادلة رياضية واضحة لا تحتاج لكثير شروحات وتفصيلات، والله سبحانه لا يزيل نعمه عن خلقه دون سبب. قد تكون الأرزاق والنعم من الابتلاءات التي تصيب الإنسان، هل يشكر أم يكفر؟ لكن المعادلة التي ذكرناها قبل قليل واضحة. إن شكر الإنسان نعمة أنعمها الله عليه، فالزيادة والبركة حاصلة بحسب الوعـد الإلهي. أما إن جحد وكفر، فالنقصان أو زوال البركة، واقعان لا شك في ذلك، بصورة أو أخرى. نموذج الكفر بالنعمة أبرز الأمثلة القرآنية على موضوع الكفر بالنعمة وعدم تقديرها، قوم سبأ في اليمن، الذين سخّر الله لهم نعم الأرض وخيراتها، ورزقهم الأمن والأمان، حتى أن مسافرهم لم يكن يجد أو يشعر بمشقة السفر المعروفة بين القرى البعيدة، أو كما هو المعتاد للمسافرين بشكل عام. ذلك أن القرى أو المدن من اليمن حتى الشام كانت مرتبطة ببعض، فكان المسافر السبئي لا يشعـر أنه خرج من دياره. هكذا كانت صور بعض نعم الله عليهم. أمن وأمان، وسهولة انتقال. فهل شكروا الواهب والمنعم؟ حدث العكس بعد حين من الدهـر. حيث بدأ القوم يشعرون بشيء من السأم أو الملل من سهولة أسفارهم، وعدم استشعارهم بالشوق لديارهم وجناتهم وهم خارج البلاد، فأرادوا استشعار بعض الجهد والعناء، ومشاعر الاغتراب، في مشهد لا أدري حقيقة ماذا كانت دوافعهم لذلك، أو كيف كانت نفسياتهم حينذاك حتى يسألوا الله العناء والمشقة ؟! هل حياة الرفاهية والأمن والأمان هي الدافع؟ وهل يمكن أن تؤدي تلكم الرفاهية بالمرء أن يطالب بتغييرها بصورة وأخرى؟ مسألة غير مفهومة في السلوك الإنساني، بل ربما تحتاج دراسات نفسية واجتماعية. قالوا إذن - كما يقول الإمام الطبري - ربنا باعد بين أسفارنا، فاجعل بيننا وبين الشام فَلوات ومفاوز، لنركب فيها الرواحل، ونتزوّد معنا فيها الأزواد، وهذا من الدلالة على بطر القوم نعمة الله عليهم وإحسانه إليهم، وجهلهم بمقدار العافية. ولقد عجل لهم ربهم الإجابة، كما عجل للقائلين ( إن كان هذا هو الحق من عندك فأَمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليم ) فقد أعطاهم ما رغبوا فيه وطلبوا من المسألة . حدثت قصة انهيار سد مأرب أو سيل العرم، وتفاصيلها المرعبة التي حولت تلك الحضارة العظيمة إلى أحجار مكومة، ماتت جموع غفيرة، وتفرقت بقية الأحياء منهم في أنحاء الجزيرة العربية وما بعدها، وما بقيت من تلك الحضارة، سوى جنتين ( ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور). بالشكر تدوم النعم النعم ثلاث، أو هكذا قال الإمام ابن قيم الجوزية: نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظرة يرجوها، ونعمة هو فيها لا يشعر بها، فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرّفه نعمته الحاضرة وأعطاه من شكره قيداً يقيدها به، حتى لا تشرد، فإنها تشرد بالمعصية وتقيد بالشكر ووفقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة، وبصَّره بالطرق التي تسدها وتقطع طريقها ووفقه لاجتنابها، وإذا بها قد وافت إليه على أتم الوجوه. من هنا يمكن إيجاز القول بأن شُكر المنعم والواهب سبحانه ليس بالقول فحسب، بل بالعمل الصالح والاستمرار عليه، وهو سبب أساسي لبقاء النعم والمحافظة عليها من الزوال. أما الكفر بها كما كفر بنو إسرائيل بنعم الله عليهم، أو كفر مجرمي قريش بنعمة بعثة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – أو نعمة الإسلام، فإنما سبب لسخط الله وزوال نعمته. وهل هناك ما هو أشد إيلاماً من سخطه سبحانه وزوال نعمته؟ فاللهم إنّا نعوذ بك من زوال نعمتك وفُجاءة نقمتك وتحوّل عافيتك وجميع سخطك
978
| 25 يوليو 2024
بداية وقبل الخوض في بعض تفصيلات الهجرة النبوية الشريفة التي تمت على مراحل عدة، لم تكن في شهر الله المحرم كما يعتقد كثيرون. الهجرة كفكرة ومشروع، بدأ التجهيز والاستعداد لها في محرم، لكن تمت واكتملت فعلياً بهجرة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام مع الصديق أبي بكر، في الثاني عشر من ربيع الأول، كما تقول أغلب روايات المؤرخين. شهر الله المحرم تم اختياره في زمن الفاروق عمر رضي الله عنه حين كان الصحابة الكرام في نقاش حول أهمية وضع تأريخ خاص بالمسلمين، كما عند الرومان والفرس وغيرهم. فتم اختيار محرم لبداية السنة الهجرية، لأن فيه تم تداول فكرة الهجرة واتخاذ القرار، باعتبار الهجرة من أعظم الحوادث في التاريخ الإسلامي، ونموذجا للتفريق بين الحق والباطل. مسألة الهجرة لم تكن عملاً عشوائياً أو وليد اللحظة. إنما كانت أحد التكتيكات أو الوسائل التي اتخذها الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم - ضمن خطة إستراتيجية بعيدة المدى، إن صح وجاز لنا التعبير، حيث كانت الهجرة ضمن خطة عشرية رسمها خلال وجوده بمكة، نفذ منها مجموعة عمليات مهدت للهجرة، فكانت آخرها رحلته - صلى الله عليه وسلم – أو لجوئه السياسي إلى يثرب. اللجوء والاندماج إن هجرة شعب إلى ديار شعب آخر، ليست بالأمر الهيّن. قد يتم الترحيب بك كلاجئ سياسي حيناً من الدهر. لكن إن طال هذا الدهر، فإن احتمالات كبيرة أن تكون النتائج ارتدادية سلبية عليك كلاجئ. إنك حين تهاجر كلاجئ سياسي تطاردك حكومتك مثلاً بكل مؤسساتها وقواها، وربما معك مئات أو آلاف مثلك لسبب أو آخر، فلا شك أنه عبء كبير على الجهة المستضيفة، حكومة وشعباً، بل لابد أن يقوم بعض من آفاقهم وصدورهم ضيقة في بلد اللجوء، بالتحرش والتحريض ضدك وآخرين من اللاجئين أو المهاجرين بصورة وأخرى، تحقيقاً لأهداف أو أجندات خارجية، أو بسبب أمراض نفوس نعوذ بالله منها. ولكم في المشهد التركي مع اللاجئين أو المهاجرين السوريين مثالاً حياً مستمراً، ومواقف بعض العنصريين الأتراك من وجودهم بتركيا، رغم محاولات الحكومة ضبط الأمر، وبقية تفصيلات معروفة للجميع. نعود لمشهد الهجرة المباركة، لنجد أن الجهة المستقبلة والمرحبة باللاجئين أو المهاجرين من مكة، لم تكن بقوة قريش العسكرية والاقتصادية والسياسية بالجزيرة العربية. فقد كانت مدينة متواضعة اقتصادياً. شعبها يعيش على الزراعة، وبينهم خلافات وتصدعات لا تهدأ، كانت تصل أحياناً لحد الاقتتال وسفك الدماء. وقد استفاد من ذلكم الوضع، شر البرية، يهود يثرب، على رغم أنهم هم كانوا قبائل متناحرة أيضاً، لكنها كانت تتفق وتتحد ضد الأوس والخزرج، وكانت تتسبب في أزمات مستمرة لهم. أي أن الوضع السياسي للمدينة أو يثرب، كان مضطرباً غير مستقر، وإثارته في أي وقت لم تكن بتلك الصعوبة، خاصة مع انضمام فئة جديدة هي المنافقون إلى يهود يثرب أو المدينة فيما بعد. الأنصار نموذج للنصرة حاول أن تتأمل وضع يثرب في تلك الفترة. ثم كيف ينقلب ذلكم الوضع بمجيء أفواج مهاجرة متتالية معارضة للنظام السياسي والقبلي والاجتماعي، من دولة ذات شأن وبأس. ثم تأمل كيف كان أغلب اللاجئين الذين خرجوا من ديارهم، لا يحملون سوى زاد الطريق، بعد أن تركوا ما عندهم من مال وممتلكات في بلدهم الأم، وبالتالي سيهاجرون وهم والفقراء في مرتبة واحدة أولاً، ومن ثم سيكونون ثانياً، عالة على أهل يثرب بسبب عدم درايتهم بمهنة أهلها الأساسية وهي الزراعة. فهل ذلك الأمر خفي على مهندس الهجرة صلى الله عليه وسلم؟ بالطبع لا. فقد ذكرنا منذ البداية أن مشروع الهجرة تم التخطيط له منذ سنوات وبدقة عالية، وبالتالي مسألة اقتصاد البلد وكيفية المساهمة فيه، كانت من ضمن المسائل التي بحثها النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – ووضع الآليات المناسبة لدعم البلد وأهله، بل وعدم إطالة فترة الاعتماد على الغير في تدبير أمور المعيشة اليومية وما بعدها. أهل يثرب من الأنصار، بايعوا النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – قبل الهجرة، على أن يكونوا حماة له وللدين الجديد في المنشط والمكره، والسراء والضراء. أما وقد اكتظت يثرب بالمهاجرين، وأصبح الوضع الاقتصادي أصعب من ذي قبل، فإنه يعني أن وقت الضراء حل سريعاً. لكن الأنصار على دراية تامة بالتطورات، ووعدهم لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – قائم وراسخ بالنفوس لا يمكن أن يتزعزع، على رغم أنه سيدخل في ذلك المشهد بعد قليل يهود يثرب لتشويهه وخلط الحابل بالنابل، ومعهم من سيُطلق القرآن عليهم لفظ المنافقين، ليعمل الفريقان عملهما في إثارة النزعات العنصرية وبث الكراهية في نفوس ضعاف الأنصار ضد هؤلاء اللاجئين. منها: أنهم ما جاءوا إلا ليتقاسموا لقمة عيشهم مع أهل يثرب. ومنها أيضاً، أنهم ربما جاءوا للسيطرة عليها بعد حين، وغيرها من أكاذيب اليهود والمنافقين في كل زمان ومكان، كما هو الحاصل في بلدان تحتضن لاجئين من نفس الملة ! هجرة الأفكار والمشاعـر الشاهد من قصص وحوادث مشروع الهجرة، أن الفكرة هي نفسها في كل زمان ومكان. لا تموت، بل ترتقي وتتطور، ويتم تعديلها وتحديثها بحسب ظروف الزمان والمكان. إن الهجرة ليست انتقالا ماديا لأشخاص من موقع لآخر فحسب، بل هي انتقال لأفكار ومفاهيم ومشاعر وأحاسيس من زمن وموقع ما إلى زمن وموقع جديدين آخرين، وخاصة إن كانت ريادية إصلاحية، حيث يتم تفعيلها من أصحابها أو من يحملونها في نفوسهم وصدورهم وألبابهم، من أجل التأثير على من عنده الاستعداد لاحتضانها والتأثر بها. هكذا كان الأنصار الكرام. استعداد تام لاستقبال الأفكار والمشاعر والأحاسيس، بل والتفاعل معها بصدق وإيمان، رغبة في الوصول إلى تجانس تام معها ومن يحملونها، وتكوين جسم واحد متكامل بين المهاجر والداعم، أو كما نعرفهم في تراثنا بالأنصار، رضي الله عنهم وأرضاهم. هكذا هي ذكرى الهجرة. دروس وعبر لا تنتهي في كل مرة نتذاكرها ونتدارسها. وكيف تنتهي وقد كانت رحلة هادينا، وقد حمل الإسلام لنا دينا، فسلامُ الله على الهادي والكونُ يردد آمينا.
1500
| 18 يوليو 2024
في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتشار المعلومة وسرعتها، ظهرت موجة مصاحبة لها هي ما تسمى بالمشاهير، بغض النظر عن المحتوى المقدم من لدنهم، وإن كان غالبه غث لا يسمن ولا يغني من جوع، بل يزيد المتابع أو المقتدي بهم، تشتتاً فكرياً وخواء روحياً وغيرها من سلبيات لا أظنها خافية عليك أيها القارئ. أقول: في مثل هذا الزمن، حيث غلبة مشاهير الخواء الفكري والروحي والثقافي على الساحة الإعلامية ومنصات التواصل، صارت الحاجة تزداد أكثر فأكثر إلى التوعية أولاً ومن ثم صناعة مشاهير بنفس الوسائل وعلى نفس المنصات والساحات، مع تنويع الطرق والأساليب، لإنتاج محتوى يليق بالإنسان ويثري فكره وثقافته. أي إنسان منا غالباً في حاجة إلى قدوة أو معيار على شكل إنسان في مرحلة من مراحل حياته، كي يكون بمثابة منارة للاهتداء به والسير على دربه. وأحسبُ أن أي أحد منا، لابد وأن في أعماق نفسه شخصا ما يضعه كقدوة أو معيار، به يقوّم ويصحح تصرفاته وسلوكه وأفعاله وأقواله.. اليوم بفعل تأثير وسائل الإعلام المتنوعة، بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، صار مفهوم القدوة أو النموذج ليس كما عهدناه قبل جيل من الآن، بل تجد اليوم بفعل تلكم الوسائل والمنصات، وقد تحول لاعبو الكرة إلى قدوات، ومثلهم المطربون والمطربات، والممثلون والممثلات، وعارضو الأزياء والعارضات، وغيرهم كثيرون وكثيرات. لكن اللافت في المسألة أن هناك جهات عديدة على شكل مؤسسات وشركات بل حتى دول، هي من تقف وراء انتشار ظاهرة المشاهير بصورة وأخرى، ودفعها بكل قوة من أجل تحويل أولئكم المشاهير إلى قدوات لأطفالنا وشبابنا، الذين دخلوا هذا العالم المفتوح، المتسارعة أحداثه وابتكاراته، دون زاد كاف من المعرفة الفكرية والثقافة الدينية، أو إن صح التعبير، دون وعي كاف يحفظهم من سلبيات ومؤثرات اتباع أفكار ملوثة مشوشة تنتقل عبر الانغماس في عالم المشاهير غير البريء. أمة النماذج والقدوات نحن أمة حباها الله بآلاف القدوات منذ أن ظهرت على هذه الأرض حتى يوم الناس هذا، والصالحة للاقتداء الفوري. إن تاريخنا مليء بالقدوات المختلفة، من قادة وفرسان، وعلماء ودعاة، وغيرهم من الصالحين والصالحات، الهادين المهديين. نحن لا نفتقر إلى قدوات حتى يتهافت أبناؤنا على غثاء مشاهير اليوم، ولك أن تبحث وتقرأ في تاريخنا وتراثنا العظيم لتجد الآلاف المؤلفة من القدوات، بدءاً من القدوة الحسنة، نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، مروراً بصحابته الكرام، فالتابعون وتابع التابعين، ثم نماذج فذة ظهرت في عصور متتالية وصولاً إلى أيامنا هذه، التي لا تفتقر كذلك إلى القدوات الحسنة القابلة للاقتداء. من يعرف من شباب اليوم مثلاً أبي عبيدة الجراح أمين هذه الأمة، وسعد بن أبي وقاص، أو سعد بن معاذ وخبيب بن عدي، أو الحسن البصري والشافعي، أو ابن تيمية وابن قيم الجوزية، أو غيرهم من السلف والخلف كثير لا يتحمل المقام المحدود ها هنا لحصرهم فضلاً عن ذكرهم؟ لن تجد سوى القليل من جيل اليوم من يعرف تلك القامات والقدوات. أبو عبيدة الإعلامي حين ترى تلهف الكثيرين مثلاً لخطابات أبي عبيدة، الناطق الإعلامي لحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين، وتأثرهم بكلماته المنتقاة بدقة، وتقليد الأطفال له في طريقة حديثه وزيه العسكري، فإنما هو مؤشر إلى أن التأثير في الجيل الحالي من الأطفال والشباب، أمر ليس بالصعوبة التي يعتقد بها كثيرون منا، سواء عبر استحضار نماذج من ماضينا، أو صناعة نماذج جديدة من حاضرنا. ها هو الرجل لا يفعل شيئاً غريباً أو مثيراً أكثر من التحدث إلينا بكلمات منتقاة كما أسلفنا، مع حركات قليلة جداً ليده اليمنى، لكنه مع ذلك استطاع لفت الأنظار، وحجز مكان له في ملايين القلوب. رجل ملثم بملابس عسكرية دون رتب أو نياشين مزيفة، يستحوذ على ألباب الملايين قبل أبصارهم حين يخرج متحدثاً عن آخر مستجدات عدوان الجيش الأكثر نذالة وخسة في العالم، وعن صمود وجرأة المقاومة في التصدي وإيلام العدو في الوقت نفسه. أبو عبيدة، هو نموذج واحد ضمن عشرات النماذج المرغوبة في صناعة المشاهير، إن صح وجاز لنا التعبير، الذين يستحقون المتابعة بكل الطرق والوسائل. مشاهير تحمل رسائل وقيما وطموحات راقية، لا مشاهير الزيف والدجل، ناشرو الغثاء دون أدنى حياء أو خجل. صناعة المشاهير ماذا لو استثمرنا مثلاً هذا الحب والاعجاب بهذا الملثم من قبل جماهير هذه الأمة المتلهفة لأي انجاز يفتخر به، وربطنا بينه وبين أمين الأمة أبي عبيدة بن الجراح بصورة من الصور أو من نواحي أدب الحديث ورباطة الجأش وبث الأمل في النفوس، كما كان أمين الأمة يفعل؟ على شاكلة تلك المقارنة مثلاً، يتم استحضار نماذج أخرى وتعريف شباب الأمة بها ضمن برنامج توعوي منهجي، يتم استخدام أدوات العصر في ابراز النماذج، وتحويلهم لمشاهير تستحق الاقتداء، وبالتالي يمكن التصدي لحملات تشويه الذوق والمزاج والفكر الشبابي المسلم عبر مشاهير فارغة مدعومة من مؤسسات وجهات لأهداف متنوعة، ليس من بينها ما يصلح للأمة ولا شبابها. المسألة إذن، كخلاصة للحديث، تحتاج جهداً منظماً وفق منهج تربوي يستهدف الشباب قبل الكبار، يتم خلاله استخدام الأدوات نفسها التي عند المعسكر الآخر، الذي لا يهدأ ليلاً ونهاراً في تنفيذ ومتابعة برامج التأثير والاستحواذ على قلوب وألباب الشباب. إنها معركة إعلامية فكرية لا تقل أهمية عن المعارك الأخرى، العسكرية منها والسياسية والاقتصادية.. والله بكل جميل كفيل، وهو دوماً حسبنا ونعم الوكيل.
972
| 11 يوليو 2024
مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...
3840
| 04 نوفمبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...
2202
| 03 نوفمبر 2025
8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...
2121
| 04 نوفمبر 2025
من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...
1308
| 04 نوفمبر 2025
تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...
954
| 04 نوفمبر 2025
مضامين ومواقف تشخص مكامن الخلل.. شكّل خطاب حضرة...
951
| 05 نوفمبر 2025
أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...
942
| 05 نوفمبر 2025
ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...
879
| 02 نوفمبر 2025
تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...
879
| 03 نوفمبر 2025
ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة...
816
| 06 نوفمبر 2025
الناس في كل زمان ومكان يتطلعون إلى عزة...
816
| 07 نوفمبر 2025
وجهات ومرافق عديدة، تتسم بحسن التنظيم وفخامة التجهيز،...
741
| 05 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية