رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إنه كاتب برتبة قارئ، قارئ من قبل ومن بعد، لم تعتقه القراءة من أسرها يوماً واحداً في حياته، غير أنها لا تنفك تتغاير على هوى الواقع ومدارك الوعي وتغير المزاج، لا محالة! فيروي في كتابه (مسرات القراءة ومخاض الكتابة) تفاصيل تجر تفاصيل عن رحلته التي لا تزال تمضي على طريق الكتابة بمعية القراءة. الكتابة التي تعلّمها بالكتابة، لا على مقاعد دراسية، ولا في ورش كتابة إبداعية، ولا من خلال منشورات تعلّم (الكتابة في سبعة أيام) على غرار التوصيات الدعائية مفرطة السذاجة. إنما الكتابة في نظره منظومة متكاملة من معايير، تجمع بين استعداد فطري، وذهن حاضر، وشخصية صبورة، وقراءة نوعية دؤوبة، وتمارين كتابة شاقة مؤبدة، وتضحيات غير مأسوف عليها من متع الحياة المادية! وبينما يعتقد الكاتب بإمكانية موازاة سعة القراءة لسعة الكتابة في أنماطها ومختلف مجالاتها، لا يضمن بلوغه مبلغاً من العلم يجعله لا يقر بمدى عمق مجاهله التي تبلبل مغاليقها أسئلة تتوالد مع تنامي معارفه. أسئلة يحرض عليها تفكير خلاق وعقلية جدلية وقراءة جادة لا تسلم له بما اكتسب، بل تثير فيه بواعث الشك والريبة والحيرة، وتغربل ما اعتنق من حقائق، وتزحزح ما آمن به من مسلمات، وتدفعه نحو إعادة النظر فيها من جديد بعين رقيب وفكر ناقد، على الدوام. لا عجب بعد هذا أن يصنف الكاتب كتابه كـ (فصل من سيرة كاتب)، كما جاء في عنوانه الفرعي، وبوصفه أثمن ما عاشه في حياته، كما عبر في مقدمته. أما عنه، فهو (د. عبدالجبار الرفاعي 1954) مفكر عراقي وأستاذ جامعي، حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، واختص في علم الكلام وفلسفة الدين، ثم عمل على إصدار عدد من المؤلفات تصب في مجال تجديد الخطاب الديني، ونال العديد من الجوائز المحلية والعربية والعالمية. ففي نظره، يكتسب القارئ خبرة ما بعد تجواله في عالم الكتب، فلا ينتقي منها إلا ما يعزز بناء المعرفة الذي شيّده لنفسه، وبيقظة ودراية، ولا تعود تلك ذات العناوين الطنانة، تجذبه بإغواء رخيص وهي خاوية من أي نفع حقيقي! يقول في موضوع (القراءة العشوائية): «ما يخدع القراء من الكتب ويزيف وعيهم ليس قليلاً، مثل هذه الكتب ينبغي الفرار من شراكها. لا يعكس تعدد عناوين الكتب واختلافها تنوع مضمونها. يكون التعدد أحياناً تكراراً مملاً لكلمات خاوية، لا تجيد رسم صورة ما تنشده بلغة صافية؛ فقلما نقرأ من يمتلك موهبة إعادة بناء الكلمات ورصفها بتشكيلة معمارية فاتنة. تسود مجتمعنا حالة شعف بالكلام، وطالما تحول الكلام إلى ركام كتب مبتذلة لا تقول شيئاً مفيداً، يضيع فيها عمر القراء ويزيف وعيهم». وفي موضوع (كلما احترقت مكتبة انطفأ شيء من نور العالم) وبعد أن يعرض تجربته الشخصية في ضياع مكتبته، لا لمرة واحدة، بل لمرات كان إحداها بفعل حريق متعمد له أسبابه القاهرة، يتعرض الكاتب من ناحية أخرى للتراث العربي الذي شهد على مدى العصور، مجازر وإتلاف وإغراق وحرائق انتقامية أودت بكنوز من كتب قد لا تقدر بثمن! فمن هولاكو وماكينة التدمير التي أودت بحياة مكتبات بغداد النفيسة، وحرائق مكتبات الأندلس إثر سقوط آخر معاقلها في غرناطة، إلى آليات التدمير الأخرى التي اعتمدتها الفرق الإسلامية في تكالبها على بعضها البعض، وتعمّد الفئة الناجية طمس مآثر الفئة الضالة، حسب رواية المنتصرين! فيقول: «متعة الظفر بكتاب ممنوع بعد سنوات من البحث عنه لا يعرفها إلا هواة الكتب. في زمن غياب المنع ووفرة الكتب الورقية والإلكترونية، يخسر القارئ هذا النوع من الشوق الغريب للممنوع ولا يبتهج بمتعة الظفر بكتاب بعد سنوات مديدة من البحث عنه». ثم يضيف ملح على جرح القارئ التقليدي الذي لم ينفك يرقب الكتاب الورقي وقد احتوشه الكتاب الإلكتروني إثر الطفرة الرقمية التي باتت تبرمج شؤون الحياة بضغطة زر، والكاتب يتحدث في موضوع (الكتابة في عصر الإنترنت) من منطق واقع أشد قساوة من منطق القارئ الرومانسي! فيقول: «لا شيء يحمينا من زحف الكتابة والكتاب الإلكتروني، وليس باستطاعتنا إيقاف شلال الإنترنيت الكاسح الذي يتسلط على كل شيء في حياتنا. في منازل الكتاب، غالباً تتبعثر الكتب بشكل فوضوي في غرف وباحات بيوتهم، المولعون بالورق كأنهم يستمعون إلى سمفونية تفيض على مشاعرهم رقة وهدوءاً. للكتاب بوصفه كائناً نعيش معه إيحاء مهدئ لا يتحسسه إلا أولئك المغرمون بالورق يتعاطون معه كأنه صديق حميم، يبدد وحشة عزلتهم، ويخفّض شيئاً من اكتئابهم، ورفيق عاطفة يبوح لهم بما لا يبوحه أقرب الخلان، ومصباح يضيء عقولهم بما لا يرونه بأي ضوء غيره، ومحطة استراحة تبدد شعورهم بالقرف والملل وتكسر نمطية حياتهم ورتابة التكرار فيها لحظة ينخرطون في حوار مع الكتاب، يحدثهم فيحدثونه، يصغون إليه فيصغي إليهم، يناقشونه فيناقشهم، يشاكسونه فلا يمتعض منهم. يبقى على الدوام يهبهم ما يتوقعونه وما لا يتوقعونه منه بلا أي ثمن».
258
| 18 يوليو 2025
في عصر ما قبل سقراط، قال الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس قولاً ما معناه: «لا يعبر الإنسان نفس النهر مرتين أبداً»، أما (ناجيات) هذا الكتاب السبع، فقد تقدمهن في صفحته الأولى قول: «ربما ستنجو.. لكنك لن تعود كما كنت»، وقد يكفي عنوان الكتاب الفرعي للتدليل على صدق المعنى في القولين، والذي جاء بـ: (شهادات حقيقية لناجيات سوريات من معتقلات نظام الأسد)! يتضمن هذا الكتاب شهادات حية لسبع معتقلات سوريات نجين من سجون الأسد وبطش جلاديه، بعد أن عشن في أقبيته الظلامية تجربة وحشية إثر اندلاع الثورة السورية عام 2011، تجسّد معاني القهر والظلم والألم واغتصاب الروح قبل الجسد! إنها حكاياتهن التي تم توثيقها من خلال مقابلات مسجلّة أجراها معهن فريق مختص، وقام فيما بعد بتفريغها وإعادة صياغتها في قالب قصصي موحد، وافقن على نشرها كما هي بعد أن عُرضت عليهن! ولأغراض الحفاظ على سرية هوياتهن وسلامتهن وسلامة ذويهن، فقد طال بعض التفاصيل شيء من التغيير، مع الحفاظ على صحة المعلومات الأساسية، كأماكن الاعتقال وفتراتها وأساليب التعذيب وأسماء المحققين ومناطقهم وانتماءاتهم، حتى تبقى صفحات هذا الكتاب بمثابة شهادة حقيقية على تجارب الاعتقال وجرائم نظام الأسد! على إثرها، تنتقل تلك الحرائر إلى تركيا، ويؤسسن عام 2019 (منظمة ناجيات سوريات)، تضم إليهن مجموعة أخرى تعرضن لتجربة اعتقال أو اختفاء قسري على خلفية رأي أو نشاط سياسي، وكذلك المناصرات لهن! ولأنهن يؤمن بالقيم التي قامت عليها الثورة السورية من عدالة وحرية وديمقراطية، فإن منظمتهن تسعى إلى «كشف الحقيقة وتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات»، وإلى المساهمة في طي قضية الاعتقال في سوريا ومنعها من التكرار، كما تعمل على تمكين النساء الناجيات حقوقياً وسياسياً واقتصادياً، وإلى رفع الوعي المطلوب في عملية التوثيق، كما في هذا الكتاب. تقول الناجية الأولى في قصتها (إنسان مع وقف التنفيذ) والتي تمنت لو استسلمت لليأس منذ ليلتها الأولى في السجن، وقد افتقدت معنى الدفء من حينها بعد حادثة الاغتصاب التي تعرّضت لها، عندما اختارها المحقق وهي مسنة دوناً عن بقية السجينات الأصغر سناً، ولم تسعفها فيما بعد معاطف كل السجينات اللاتي هرعن لتدفئة جسدها المرتجف: «أما كل ذلك الكلام عن ضرورة التمسك بالأمل للنجاة فهراء محض.. اليأس هناك هو ما ينجي، فهو الذي يعينك على اللامبالاة الضرورية لتمضي الأيام كما هي! لا غد منتظر يطيل دقائقها، ولا آمال عريضة تثقل خيبات الأيام على النفوس». تقول الناجية الثانية في قصتها (يا حرية) والتي عثرت على مسمار في ظلمة زنزانتها المنفردة، وقد اعتبرته بمثابة هدية تُنهي به عذابها، فتُدفن ومعها كل ما شهدت عليه: «استجمعت كل ما لديَّ من رباطة جأش لأختار أفضل طريقة أستخدمه بها بأقل قدر من الألم! فكرت وفكرت.. أطبقت يدي على المسمار بقوة لا أعلم منبعها تاركة نصله مكشوفاً، ثم غرزته بالجدار.. وخططت به «يا حرية»». تقول الناجية الرابعة في قصتها (أنا مو بنان) والتي حلمت بالعودة يقيناً مرتدية بيجامتها التي لا تزال جدتها ترتبها في منزلها كل أسبوع ترقباً لمقدمها: «سأعود لا شك، وستزول تلك المنظومة الهشة التي يحاول النظام بها تشكيل المجتمع بشكل طائفي.. سأعود وسيكون السوري سورياً قبل كل شيء، ولن يكون هناك من يولدون ضباطاً وعناصر أمن، ومن يولدون مغتربين.. سأعود لأشهد رفع علم الثورة في جبلة واللاذقية وطرطوس وسوريا كلها! سأعود.. وسيزول النظام.. وستبقى سوريا». تقول الناجية السادسة في قصتها (قارئة الفنجان) والتي بدورها تناوب خمسة ضباط على اغتصابها وعلى شتم الذات الإلهية معاً، لا سيما ذلك الذي لم يخف أصله العراقي في لهجته الشامية، حين ردت على بذاءة شتائمه الطائفية بفخر الانتساب والاتصاف بـ «بنات عائشة»، والذي توعدها بأن يجعلها تكره النظر لوجهها في المرآة: «كنت أبكي نفسي ومصيري بأنين مكتوم، فقد أدركت أني في فرع أمني يرتدي سجانوه لباس الأطباء والممرضين، الذين تعاملوا معي بلؤم شديد على الرغم من معرفتهم بما حدث لي، وبدا أنهم يعتقدون أن أمراً كهذا عقوبة عادية وطبيعية بحقنا نحن أبناء الثورة، بل إن ممرضة هناك قالتها لي صراحة بأنها تتمنى لو يسمح لها فتقتلني بدل أن تقوم بعلاجي». تقول الناجية السابعة في قصتها (حرة) والتي كانت تناضل بصوتها في سبيل الحق وعلى منصة وفوق جموع المتظاهرين، وقد اقتيدت وطفلها لفرع الأمن العسكري بجريرة زوجها الذي كان ملتحقاً بصفوف جماعة الإخوان المسلمين: «ناديت على السجان أخبره بحاجة ابني، وسمح لي بإخراجه إلى الحمامات، وعند عودتنا انتبهت له معتقلات من زنزانة أخرى كان بابها مفتوحاً، فهرعن إليه يقبلنه ويحتضنه، وعرفت أنهن إنما يقبلن فيه أبناءهن الذين خلّفنهم، بل يقبّلن فيه الحياة نفسها». في كلمة: هنا تجسّد الشيطان على هيئة جلّاد سلّطه نظام الأسد البائد على حرائر سوريا وحدهن.. حيث وحشية الانتهاك الآدمي في أحط مستويات الفحش، لا تخطر على قلب إبليس!
318
| 04 يوليو 2025
في هذه المادة الخام من التحدي والصمود والتضحية، وبعزيمة الإرادة التي لا تنكسر، وبأس الروح التي لا تُقهر، تبرز أقلام واعدة من فلسطين، لكتّاب وكاتبات قد تجاوزوا بالكاد العشرين من أعمارهم، وجاءت قصصهم القصيرة، المستلهمة والواقعية، التي وثّقوها بين عامي 2008 و2009، بمثابة شهادة تاريخية عن الخط الفاصل بين الحياة والموت، وهم يرزحون تحت نير العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فيما عُرف باسم «عملية الرصاص المصبوب»، وهم بالتحديد الطليعة التي طالبت الكاتبة والناشطة الحقوقية الفلسطينية-الأمريكية (سوزان أبو الهوى) باحتوائهم، وقراءة إصداراتهم، ومن ثم العمل على نشرها، أو كما اعتبرتهم الصحفية الإنجليزية (فيكتوريا بريتن) حسب تعبيرها: «إن هذا الجيل يكتب كشكل من أشكال المقاومة»، في الوقت الذي حثّت فيه الكاتبة اليهودية (ميشيل كوهين) على ضرورة الاعتناء بما يكتبون بغية نشر الوعي بين الجميع، حيث قالت: «يجب أن تكون قراءة هذه القصص القصيرة عن غزة إلزامية للجميع، لأنها تخلق الوعي، والوعي يؤدي إلى الفهم، والفهم يؤدي إلى التغيير». لذا، لا شك من أن هذه المجموعة التي جاءت في نسختها الأصلية باللغة الإنجليزية (Gaza Writes Back: Short Stories from Young Writers in Gaza, Palestine) تعبّر بصدق عما يعتمل في عقول وقلوب نمت في أجساد غضة لم تزل أسيرة احتلال غاشم حفر ندوبه بعمق في جوانبها، لكنها خلاف ما اعتقد.. فهي عقول تعي فتكتب، وقلوب تغضب ولا ترضخ، فيراها تفجّر من قاع اليأس طوفان الأمل بحياة قادمة مفعمة بالعدل والحرية. يتصدر مجموعة (غزة ترد بالكتابة) إهداء موجّه «إلى فلسطين.. إلى غزة»، يجسّد عزيمة الروح الأبية التي تقرر الحياة، يأتي نصها كما يلي: «رغم أحكام الإعدام الإسرائيلية.. كالرصاص المصبوب على الرأس.. ينخر في حياتنا.. متشبثاً بها كالبرغوث على هريرة.. ومحشوراً في حناجرنا.. في اللحظة التي نقول فيها «آمين».. على صلوات النساء العجائز والرجال المسنين.. يعترضون طريقهم إلى الله.. فإننا نحلم ونصلي.. متشبثين بالحياة حتى بقوة أكبر.. في كل مرة تُقتلع فيها حياة شخص عزيز بالقوة.. فإننا نعيش.. نحن نعيش.. نحن نفعل». أما محرّر المجموعة، فيقول في مقدمته: «إن الكتّاب الفلسطينيين، وخاصة الشباب منهم، يجسدون قصصهم على هيئة سرديات، في محاولة لفهم السياق العبثي المحيط بهم، وفي بحثهم عن أرضهم فلسطين. فلسطين، وإن كانت تُجسد أحياناً مجازياً، إلا أنها يمكن أن تكون حقيقة جميلة! فلسطين على بُعد شهيد، أو دمعة، أو قذيفة، أو أنين.. فلسطين على بُعد قصة». إنه (رفعت العرعير 1979: 2023) كاتب وشاعر وأكاديمي وناشط فلسطيني، حصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية من الجامعة الإسلامية في غزة عام 2001، ودرجة الماجستير من كلية لندن عام 2007، ودرجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة بوترا في ماليزيا عام 2017. وبالإضافة إلى عمله الجامعي وإصداراته الأدبية، فقد شارك في تأسيس منظمة (لسنا أرقاماً)، التي حرصت على طرح معاناة أهل غزة لا سيما من خلال الكتّاب الجدد وإصداراتهم التي تعكس واقعهم تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، كإحدى وسائل المقاومة للشعب الفلسطيني.. وهو الذي استشهد مع عدد من أفراد عائلته في غارة جوية إسرائيلية استهدفت شمال قطاع غزة في ديسمبر 2023، أو كما تشير بعض التقديرات باستهدافه شخصياً، إثر تهديدات تلقاها على هاتفه وعلى حساباته الرقمية عبر حسابات إسرائيلية. ينتقي المحرر ثلاثا وعشرين قصة من بين عشرات القصص التي تم تقديمها للمنظمة باللغة الإنجليزية، جلّها عن طريق كاتبات شابات. وإن كان هذا لا ينتقص من دور نظرائهن من الكتّاب الشباب، فإنّ تزايد أعدادهن يعكس من ناحية، هوية المجتمع الفلسطيني الحديث الذي بات أكثر انفتاحاً يتساوى فيه النساء والرجال، ومن ناحية أخرى، يعكس حرص تلك الكاتبات الأخذ بزمام المبادرة بكل ما أتيح لهن من أدوات -لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي- لعرض قضية الوطن والمقاومة بالكتابة ومواصلة النضال، فضلاً عن الأدوار الرائدة التي لعبتها النساء الفلسطينيات عبر التاريخ والتي من غير الممكن إنكارها. ومن جميل ما أورده أولئك الكتّاب والكاتبات اليافعون في قصصهم، الرافضون للاحتلال والمقاومون بالكتابة، بعد أن سئموا من مجتمع دولي لا يحرك ساكناً وقيادة فلسطينية لا تختلف، وقد قرروا بعد أن تعلّموا اللغة الإنجليزية، أن يكتبوا بها، كسلاح أمضى بين أيديهم في قضيتهم العادلة وفي معركة تقرير المصير، ما ختمت به الكاتبة (سارة علي) قصتها التي جاءت بعنوان (قصة الأرض The story of the land)، وهي التي تؤمن بمحاربة الاحتلال على جبهات مختلفة، من ضمنها ميادين الصحافة والإعلام، حيث قالت: «أتذكر أن غزة ليست سوى جزء صغير من فلسطين. أتذكر أن فلسطين أكبر من غزة. فلسطين هي الضفة الغربية، فلسطين هي رام الله، فلسطين هي نابلس، فلسطين هي جنين، فلسطين هي طولكرم، فلسطين هي بيت لحم، والأهم من ذلك، فلسطين هي يافا وحيفا وعكا وكل تلك المدن التي تريد إسرائيل منا أن ننساها».
336
| 27 يونيو 2025
هنا حصيلة (خرافات) طالما تم اعتمادها طبياً كـ (حقائق) جاءت نتاج دراسات علمية وأبحاث رصينة، وذلك حسب مؤلف الكتاب الذي يعمل كطبيب منذ أكثر من عقد، وعاين أكثر من عشرين ألف مريض، وبحث فيما اعتبره «أساطير طبية وأكاذيب صريحة» يرويها الأطباء عادة لمرضاهم، مؤكداً على أن الحقائق العلمية التي من شأنها دعم بعض نصائحهم، قليلة بدرجة صادمة! وبينما يثير عنوان كتابه (أكاذيب أخبرني بها طبيبي: خرافات طبية قد تؤذي صحتك - Lies My Doctor Told Me: Medical Myths That Can Harm Your Health) حفيظة الكثير من زملائه، فهو يعتقد بأن الأطباء عادة ما يستندون في نصائحهم الى القليل من البحث، وغالباً ما يقومون باعتماد وصفاتهم بناءً على إعلان دواء، أو على بيانات عامة نقلها لهم مندوب مبيعات، أو على أبحاث رعتها شركات أدوية وأغذية كبرى، أو على أبحاث مولتها الحكومات بغرض تقديم توصيات داعمة لتلك الصناعات العملاقة على حساب صحة الفرد، وبحيث تأتي عليها جميعاً نصائح الأطباء -ومن غير قصد- بما لا يعزز الصحة العامة كما هو مطلوب! رغم هذا، فهو لا يشكك في نزاهة الأطباء وفيما يستثمرونه من جهد لتقديم رعاية مدروسة ومدعومة بأبحاث سليمة فيما يتوافر لديهم من أدوات ومعلومات، غير أنها هذه الأدوات غالباً ما تكون قديمة أو لا تكون المعلومات على درجة كافية من الدقة، كما أسلف. إنه (د. كين بيري)، طبيب الأسرة الحاصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في علم الأحياء وعلم النفس الحيواني من جامعة تينيسي الأمريكية، وعلى درجة الدكتوراه في الطب من مركز علوم الصحة بنفس الجامعة، ثم على درجة الزمالة من الأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة. أخذ د. بيري على عاتقه تتبع العديد من الحقائق الطبية خلال فترة ما حين ساوره الشك ابتداءً في مصداقيتها، وشرع من ثم إجراء تحقيقه الخاص، حتى ما لبث أن وقف على عدد من الأبحاث بنتائجها واستنتاجاتها وتوصياتها التي لم يتحقق لها بشكل كافٍ شروط البحث العلمي، فضلاً عن تضارب الحقائق فيما بينها! وحيث إن الكثير -مما كان هو والعديد من زملائه- يخبرون به مرضاهم، قائماً على أبحاث غير دقيقة، إضافة إلى اطلاعهم المستعجل على توصيات ما يقع تحت أيديهم من دراسات، فقد قرر د. بيري تغيير نهجه أولاً، حتى ما إذا أثمر وأسفر عن نتائج مُرضية، طفق يشارك ما تعلمه مع مرضاه وزملائه، ثم وضع هذا الكتاب. وفي شهادة لأحد زملائه، فإن كتابه يأتي بمثابة أداة فعالة من أجل «البقاء على قيد الحياة» وبصحة أكثر رفاهية، لكل من المرضى والأطباء على حد سواء! فبالنسبة للمرضى الذين هم بحاجة للحصول على معلومات أفضل، فإن على الأطباء مناقشة ما أتيح لهم من معلومات على نطاق أوضح وأشمل، وألا يعولوا كثيراً على المثل القائل «ثق بي أنا طبيب» الذي لم يعد يتمتع بمصداقية الأمس، وأن «البقاء على قيد الحياة» بالنسبة لهم لا يتم سوى من خلال القراءة المستمرة في مجال الطب وحوله. وفي هذه الطبعة المنقحة والأكثر مبيعاً، يشارك د. بيري كل ما سبق مع قارئه، وهو يحفّزه على إجراء تحقيقه الخاص بدوره وبناء علاقة أكثر صراحة مع مقدمي الرعاية الصحية، لا سيما فيما يتعلق برفض العيش وفقاً للأكاذيب، وبإجراء التغييرات الممكنة، وبفرص الحصول على صحة أفضل، ثم يكلّفه بواجب منزلي في نهاية كل موضوع، لا يخرج عن قائمة من الكتب والمقالات والمواقع الإلكترونية، الجديرة بالاطلاع. يطرح د. بيري سبعة وعشرين موضوعاً، يبدأها بالمأثور من أقوال أعلام العلم والأدب كمقدمة تشويقية لما سيأتي من تفنيد صادم، وقد قال ابتداءً: «ثق بالله وليس بطبيبك». فيكشف عن حقيقة العلاقة بين زيادة الكالسيوم وحصوات الكلى، وبين الكساح وفيتامين دي، وبين التمارين الرياضية وإنقاص الوزن، وبين السرطان واللحوم الحمراء والمصنعة فضلاً عن المشوية، وبين الألياف وصحة الأمعاء، وبين حليب الأم وحاجة المولود الكاملة، وما بين الغدة الدرقية وهرمونها، ويتحدث عن الكوليسترول ما إذا كان عدوا حقاً، وعن السعرات الحرارية هل هي متساوية، وعن الكربوهيدرات كغذاء للعقل، وعن العظام التي تستحق الأفضل، وعن القمح والملح والبذور والدهون، وغيرها الكثير. أما في موضوع (الفيروسات تسخر من المضادات الحيوية Viruses laugh at Antibiotics)، يؤكد على أن في كل مرة يتناول المريض المضادات الحيوية لعلاج نزلات البرد أو أي مرض فيروسي آخر، يحدث أمران: لا يؤثر المضاد على سبب المرض أو مدته. يقتل المضاد مليارات البكتيريا المفيدة في الأمعاء وفي أعضاء أخرى، بحيث يمكن أن يكون لهذا القتل البكتيري تأثير سلبي على الصحة بعدة طرق! ختاماً، يطمح د. بيري الى أن يساعد كتابه في التعرف على تجارب وخبرات أكثر وعلم وجودة وصحة، وقد قدم ما أمكنه في كشف الحقيقة ورد المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الرعاية الصحية، وجعل من كتابه هذا مورداً جيداً للتمييز بين الحقائق والأكاذيب.
288
| 13 يونيو 2025
بينما احتضن معرض الدوحة الدولي للكتاب في حلّته الرابعة والثلاثين، رحلة التدوين التي قطعها الإنسان (من النقش إلى الكتابة)، عبر ستة آلاف عام وصولاً إلى التحول الرقمي في عصر الثورة التكنولوجية، حلّت دولة فلسطين (من النهر إلى البحر) ضيف شرف في خضم الأحداث الدامية، كموقف يعبّر عن صدق التضامن مع القضية الفلسطينية، لا سيما في المجال الثقافي. وفي حين شاركت إحدى عشر دار نشر فلسطينية لأول مرة في المعرض، ازدانت الدور الأخرى بإصدارات عريقة وحديثة تتناول فلسطين في مجالات الأدب والفكر والتاريخ والسياسة، تتقدمها قضية الاحتلال الإسرائيلي، ما جعل حصيلة مشترياتي منها تتجاوز العشرين، والتي أعرض فيما يلي نبذة عن بعض منها. ففي كتاب (صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال المعاناة اليهودية) يقرّ مؤلفه اليهودي-الأمريكي (نورمان فنكلستاين) بأن المحرقة النازية ليست سوى صناعة، عمدت على تضخيم أهوالها المنظمات اليهودية-الأمريكية من أجل التنفّذ السياسي والتكسّب المادي، بينما يفضح الصحفي الاستقصائي الأسترالي (أنتوني لوينستيان) مؤلف كتاب (قضيتي ضد إسرائيل) حرص جماعة الضغط الصهيونية في أمريكا وبريطانيا وأستراليا على وصم أي انتقاد يطول إسرائيل وسياساتها كمعاداة للسامية، الأمر الذي يعرقل عادة إجراء نقاش جاد حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وعن ثلاثية: (اختراع الشعب اليهودي)، (اختراع أرض إسرائيل)، (كيف لم أعد يهودياً)، التي يضعها البروفيسور الإسرائيلي في جامعة تل أبيب (شلومو ساند)، فيكشف في أولها عن اختلاق هذا الشعب من شتات جماعات يهودية ضمّت منتسبين لا يمكن عدّهم أحفاداً لقدماء اليهود، بينما يكشف ثانيها عن الأساطير التي اختلقتها الصهيونية بأرض الميعاد التي وعد الرب بها إسرائيل والتي لا ترقى إلى مصدر تاريخي موثوق في نظره، في حين يعبّر في ثالثها عن خجله من الممارسات العنصرية التي تمارسها دولته في حق الفلسطينيين الذين يبدي لهم الكثير من التعاطف، ويستبرأ مما اعتبره يهودية علمانية. وضمن مجموعة مقالات يضمّنها الناقد والروائي اللبناني (إلياس خوري) كتابه (النكبة المستمرة)، تظهر قراءة النكبة الفلسطينية مغايرة، كحدث ماضٍ لم يزل قائماً بتبعاته في الحاضر، ويتمظهر من خلال: سيطرة الاحتلال وحصار غزة والتعتيم على المجازر وتزوير التاريخ، بغية التطهير العرقي للسكان الأصليين، في حين يوضح كتاب (العرب والمحرقة النازية) لمؤلفه البروفيسور اللبناني-الفرنسي (جلبير الأشقر) رد الفعل العربي تجاه المحرقة التي تأصلت في تأسيس الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، الرد الذي تباين بحسب التوجه السياسي آنذاك، بين قومي وإسلامي واشتراكي وعلماني. أما الكاتب الفلسطيني (عاطف أبو سيف) فيكتب في كتابه (وقت مستقطع للنجاة: يوميات الحرب في غزة) وقائع الحرب الدائرة من قلب الحدث، والتي عكف على نقلها باللغتين العربية والإنجليزية لأصدقائه الذين تولوا بدورهم نشر تفاصيلها في الصحف، لتكون بمثابة شهادة حية ووثيقة للتاريخ. ومن مركز الجزيرة للدراسات، يضم كتاب (شبكات التواصل الاجتماعي وآليات التحكم في الرأي العام العالمي: الإبادة الرقمية للمحتوى الفلسطيني خلال الحرب على غزة) مجموعة أبحاث تتطرق أولاها إلى عمليات إبادة المحتوى الرقمي المعني بالشأن الفلسطيني والتي تنتهجها بعض منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما من خلال برمجة الخوارزميات إضافة إلى الفحص المباشر للمحتوى الذي قد يتحايل عليها. أما كتاب (شيرين أبو عاقلة: سيرة صحفية) الذي يصدر في الذكرى الأولى لاغتيال الصحفية، فيروي سيرتها المهنية لا سيما من خلال عرض منهجي لتقاريرها الإخبارية، مضافاً إليها القضية الفلسطينية التي تبنتها حتى مماتها. يبدو كتاب الشاعر الفلسطيني (محمد الكرد) الصادر في نصّه الإنجليزي (Perfect Victims and the Politics of Appeal) معني بـ (الضحايا المثاليون وسياسات الاستعطاف) الذي يعرض فيه الفلسطيني كنموذج للمقاومة وسط عالم يقلب الموازين ويطمس الحقائق، فيمجّد الجاني ويرضيه ويلوم الضحية ويحاكمه. أما الناشط الحقوقي الفلسطيني (رجا شحادة) ومن خلال كتابه الذي جاء في نصه الإنجليزي (When the Bulbul Stopped Singing: A Diary of Ramallah Under Siege) وهو يعني به (عندما توقف البلبل عن الغناء: يوميات رام الله تحت الحصار)، فيسجل فيه شهادة حية ليوميات اجتياح قوات الاحتلال لمدينة رام الله عام 2002، وما كان منها من عمليات مروعة تمثلت في قتل وتدمير ونهب واقتحام للبيوت وطرد ساكنيها. وبعيداً عن الألم المصاحب لما سبق من حديث، يأتي كتاب (الموسيقى والغناء في فلسطين قبل 1948 وبعدها)، لمؤلفيه الأخوة (إلياس وسليم وفكتور سحّاب)، عذباً، وهو يتطرق لفنون الغناء والرقص والألحان والأناشيد وتحديداً فيما يخص المناسبات الاجتماعية آنذاك، فضلاً عن دور الإذاعة في جنين ويافا والقدس في انتشارها. وفي خاتمة جولتي بالمعرض التي لا تخلو عادة من شجن رغم الاحتفاء بالتفاعلية الثقافية، استوقفتني -ضمن ملحقات الكتب- حقيبة، تأخذ من شجرة الزيتون لونها، ومن لحائها ملمسها، نُقش عليها «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».. الشطر الذي جاء ضمن قصيدة شاعر الثورة الفلسطيني (محمود درويش)، والذي يسترسل بعده قائلاً: «على هذه الأرض سيدة الأرض، أم البدايات أم النهايات.. كانت تُسمى فلسطين.. صارت تُسمى فلسطين».. وأقول: وستبقى تُسمى كذلك!
726
| 06 يونيو 2025
«أيقونة الإعلام الفلسطيني»، «عميدة المحاربين العرب»، «شهيدة الفجر»، «شهيدة الميدان»، «شهيدة الكلمة الحرة».. أوسمة زادها رفعة، تمثيلها للتي ما برحت تمهر الخبر من قلب الحدث باسمها حتى أصبح دمها المهر والخبر.. أو «نجمة القدس» في أرفع وسام تمنحه السلطة الفلسطينية، لكنها بالأحرى «الشاهدة والشهيدة» التي زُفت كعروس لطُهر القدس، بين قرع أجراس الكنائس، وتكبيرات مآذن المساجد. يسجّل كتاب (شيرين أبو عاقلة: الشاهدة والشهيدة) شهادة حية لرسالة الصحفية الأولى في نقل الواقع الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال، لا سيما منذ 1997 حيث التحاق الصحفية شيرين أبو عاقلة بقناة الجزيرة الإخبارية، حتى لحظة استشهادها في 2022. وبينما يأخذ مؤلف الكتاب (هيثم زعيتر) عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين، على عاتقه مهمة التوثيق، يتولى (د. رمزي خوري) عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التقديم للكتاب، الذي في نظره سيروي للأجيال مسيرة الصحفية المهنية خلال ربع قرن انتهت ببذل دمائها وتوّجت بـ «أيقونة الحق والحقيقة»، وتحوّل مراسم تشييعها إلى عرس وطني، رغم ما طاله من اعتداء وحشي بقبضة الاحتلال، حيث «أكَّدت هيبة جنازتها على رسالة أخرى، وهي أن القدس فلسطينية، وستبقى كذلك إلى الأبد» حسب ما قال. كذلك، لا يعتقد مدير دار النشر (زياد شبيب) بسهولة المهمة التي اضطلعت بها «شاهدة الحق»، كشابة مسيحية مقدسية، قررت التصدي لمحاولات تُحيل القضية الفلسطينية كوطن محتل إلى قضية صراع ديني وحسب، «أي عملياً، تشويه حقيقة هذه القضية وتحويلها من قضية وطن مسلوب وشعب مظلوم يتعرّض للإبادة العنصرية المستمرة، إلى قضية صراع ديني بين اليهود والمسلمين». يعرض الكتاب مسيرة الصحفية من خلال تسعة أبواب، تكشف عن تفاصيل لم تخلُ من شجن، والمؤلف يهديه إلى «الشاهدة والشهيدة» مع أولئك المؤمنين بقوة الكلمة والصورة في إرهاب العدو، ومع كل من ناصر «قضية الحق والعدالة في أرض المرسلين». يستفتح (الباب الأول: بين الولادة والشهادة) بالبطاقة الشخصية للصحفية، كفلسطينية شهدت مدينة القدس ميلادها في الثالث من أبريل عام 1971، وآثرت دراسة الصحافة على الهندسة، والعمل لصالح وطنها على فرص العمل الواعدة كأمريكية الجنسية، فعملت في (وكالة الأونروا) و (إذاعة صوت فلسطين)، حتى انتقلت للعمل في قناة الجزيرة واستشهدت على مرأى شاشاتها غداة الحادي عشر من مايو 2022، برصاص قنّاص إسرائيلي، وهي تغطي أحداث مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة! يغطي هذا الباب أيضاً زيارتها الأخيرة لمكتب الجزيرة والوداع والتكريم الرسميين في رام الله، ومراسم الجنازة والتشييع الذي جللها بعلم فلسطين وكوفية وإكليل ورد، ومواقف التنديد الدولية بالعدوان على المراسم من قبل جنود الاحتلال، مع آخر صورة لها ولزميلتها (جيفارا البديري) مرفقة بعبارة: «ما بنعرف شو بصير» بينما كانتا تتحدثان بمرح حول عيد ميلادها، وينتهي الباب بسردية مدير مكتب الجزيرة في فلسطين (وليد العمري)، لا سيما التوقيت الزمني لجريمة الاغتيال. أما (الباب الثاني: الموقف الفلسطيني)، فيعرض مواكبة الرئيس الفلسطيني لكافة تفاصيل الجريمة، وحرصه على تصعيدها في المحافل الدولية، بينما يروي (الثالث: عائلة أبو عاقلة.. إصرار على معاقبة الجناة) صدمة العائلة في تلقي خبر الاستشهاد، ومحاولاتها الجادة للتصعيد من خلال الرئيس الأمريكي. وفي (الرابع: الاحتلال يمارس التضليل)، يظهر تضارب الروايات الإسرائيلية التي قُدمت في ملابسات القضية كمحاولة مكشوفة للتملص، ويعرض شهادة الشاب (شريف العزب) ومحاولته إنقاذ الصحفية بعد سقوطها بمحاذاة الشجرة، وإصابة زميلها (علي السمودي) وهلع زميلتها الشابة (شذا حنايشة). ثم يعرض (الخامس: الموقف العربي والدولي) ردود الأفعال العربية والعالمية المنددة والمطالبة بمعاقبة مرتكبي الاغتيال، في حين تظهر السلطة الفلسطينية في (السادس: التحقيقات تثبت مسؤولية الاحتلال) وهي تتولى زمام التحقيق والاحتكام قضائياً في المحكمة الجنائية الدولية. كذلك، لم يبخل (السابع: الإعلام يتضامن مع أيقونته) في عرض تضامن وسائل الإعلام مع القضية منذ بدايتها على رأسها (تلفزيون فلسطين)، بينما يعرض (الثامن: تكريم من فلسطين إلى العالم) توالي أشكال التكريم للصحفية، من منح الأوسمة، وتشييد اللوحات الجدارية، وإطلاق اسمها على عدد من الشوارع، وتخصيص منح دراسية وجوائز أكاديمية باسمها في بعض الجامعات، في حين يعرض (التاسع: شيرين الإنسانة)، مجموعة صور تذكارية للصحفية، تطل في أولاها بكسرة خبز في يدها تعلمت من (السيد المسيح عليه السلام) أن تُقاسمها الفقراء، ومرة أخرى باكية على الهواء مباشرة، إثر اقتحام جنود الاحتلال باحة المسجد الأقصى والأحياء القديمة. ختاماً، والمؤلف يسترجع اللازمة التي كانت تختتم بها الصحفية تقاريرها الإخبارية اليومية من فلسطين عبر ميكروفون الجزيرة، يوثّق بدوره خاتمة آخر تقرير الذي لم تنطقه باسمها بل روته بدمها، ورسالتها التي لم تحِد في الحق صوتاً وصورة.. وبأن «القدس» كما قالت «ستبقى لأهلها، وسندحر عنها المحتل الغازي»، موصياً في الختام: «لتبقى التغطية مستمرة مع شيرين....».
543
| 19 مايو 2025
الكتاب زيارة لمكتبات العالم: أشهر مكتبات بيع الكتب المؤلف خورخي كاريونالكتاب باللغة الأصلية Librerías - By: Jorge Carrión المترجم ريم داوود دار النشر العربي للنشر والتوزيع الطبعة (1) 2018 عدد الصفحات 336 التصنيف الكتب والمكتبات يمثّل الثالث والعشرون من أبريل، قيمة رمزية في العالم الثقافي، فقد اعتمدته منظمة اليونسكو ليكون (اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف)، احتفاء بدور الكتاب في مدّ جسور المعرفة بين ثقافات العالم شرقاً وغرباً، وكحلقة وصل بين أجيال الماضي والحاضر، وقد تم اختيار هذا اليوم تحديداً لمصادفته ذكرى رحيل عدد من أعلام الأدب العالمي، مثل الأديب الإنجليزي (ويليام شكسبير)، والروائي الإسباني (ميغيل دي ثيربانتس)، والمؤرخ البيروفي (إنكا غارثيلاسو دي لا فيغا). وفي احتفالية هذا اليوم، يفتعل كتاب (زيارة لمكتبات العالم: أشهر مكتبات بيع الكتب) ضجة كبرى، ومؤلفه الإسباني يستعرض من خلال رحلاته حول العالم، مكتبات القرون السابقة، ومكتبات الماضي القديم والحديث منها، تصحبهم جميعاً دور النشر والكتّاب والقرّاء والباعة والإصدارات والعناوين والتواريخ والمعالم والمدن والآثار والأحداث، والتي أصبح يتطفل عليها أجمعين بلا استثناء، مكتبات العالم الافتراضي وكتبه الرقمية! والكتاب الذي حصل على جائزة (ألاجراما)، وتُرجم لأكثر من عشر لغات، فمؤلفه هو (خورخي كاريون). أستاذ جامعي، يدرّس الأدب ويقدّم برامج أكاديمية في الكتابة الإبداعية، إضافة إلى مقالاته التي ينشرها في جريدة نيويورك تايمز، وجرائد أخرى معروفة في أمريكا اللاتينية، وقد أصدر العديد من الأعمال الأدبية والروائية. إضافة إلى العنوان الذي يصف الكتاب بدقة، تعبّر العبارة على غلافه الأول "العالم مكتبة والمكتبة عالم" أوجز وأجزل تعبير، فالمؤلف الذي وجد أن الطريقة التي تربط قصة ما بالأدب وتنسجم في أجوائه، تبدو وكأنها تشبه "ارتباط مكتبة واحدة بكل المكتبات الموجودة، ووجدت، بل وربما التي ستوجد مستقبلاً أيضاً". وهو رغم تصنيفه "المجاز والمرسل والمتجانس" كأبلغ التعبيرات اللغوية، إلا أنه يقرر ولوج جميع المكتبات، السالفة والحالية والتي ستنشأ مستقبلاً، مباشرة وبوضوح ودون مجاز! وهو إذ يباشر الولوج، يؤكد بأن التجول في أي مكتبة لا يتطلب جواز سفر، فهي تقرّب العالم وتضعه بين يديه، وتبطّئ له الزمن، وتخصّه بامتياز مختلف من الحرية، وتجعل تجواله ضرباً آخر من السياحة، أو حسب تعبيره "تصبح السياحة نوعاً مختلفاً من القراءة". لقد وجد المؤلف نفسه يجول في مكتبات مختلفة حول العالم، كالذي يمهر أوراقاً رسمية بأختامها، فأصبح كالذي جمع في حوزته وثائق تشهد على مثوله في كل تلك المكتبات أثناء خط رحلته على الطريق الدولي، حيث أكثرها أهمية وجودة وعراقة وجاذبية وعالمية. فيصف مكتبات مثل: "جرين آبلز بوكس (كُتُب التفاح الأخضر) في سان فرانسيسكو، و لا بالينا بيانكا (الحوت الأبيض) في مدينة ميريدا الفنزويلية، و روبنسون كروزو في إسطنبول، و لا لوبا (العدسة المكبرة) في مونتفيدو، وفي إيكوم دي باج ( رغوة الصفحات) في باريس، وفي بوك لاونج (صالة الكتب) في كيب تاون، وفي إيتيرنا كادينسيا في بوينس آيرس، و لا رافاييل البيرتي في مدريد، وفي كاسا تومادا (البيت المحتل) في بوجوتا، وفي ميتاليس بيسادو (المعادن الثقيلة) في سانتياجو دي تشيلي، وفي دانتي وديكارت في نابولي، وفي جون ساندو بوكس في لندن، وفي ليتيرانتا في بالما دي مايوركا". وبعد أن يتساءل المؤلف عن الهيئة التي كانت عليها مكتبات القرن الثامن عشر، يعرض ما قدّمه كاتب أمريكي من تاريخ تفصيلي عن الطريقة التي تطور فيها ترتيب الكتب فوق الرفوف! فالبائع آنذاك كان يُرى جالساً خلف منضدة واسعة وهو محاط بأكداس ضخمة من المجموعات الورقية، غير مغلفة، ومشدودة بخيوط كل على حدة، تربض جميعاً داخل صناديق خشبية. يستمر في حديثه عن (أقدم المكتبات في العالم) ويقول عن صاحب مكتبة (تيميل أوف ذا ميورس) في لندن: "كان يرفض التخلص من الكتب غير المباعة، ويعمد إلى بيعها بأثمان أقل من سعرها الأصلي، وهو ما يتفق مع مبادئه التي دوّنها كالتالي: (الكتب هي مفاتيح المعرفة والعقل والسعادة، ويحق لكل فرد أياً كان وضعه الاقتصادي، أو طبقته الاجتماعية، أو جنسه، أن يحصل عليها بثمن زهيد)". ثم يقول متعجباً بينما يتجول في (مكتبة شرقية): "هناك وفرة في كتب إنكار الحقائق في (تركيا)، والكتب المعادية للسامية في (مصر)، والإصدارات المعادية للإسلام في (إسرائيل). داخل مكتبة (مدبولي) في ميدان (طلعت حرب) بالقاهرة، رأيت ثلاث نسخ لـ (بروتوكولات حكماء صهيون). رأيت فيها أيضاً الأعمال الكاملة لـ (نجيب محفوظ)، الكاتب المصري الوحيد الذي ضاهى (شتاين) و (بولز)، ونجح في أن يصبح نقطة جذب سياحي خلال حياته، بصفته زبوناً لقهوة (الفيشاوي) أو (مقهى المرايا) كما نعرفه". يخص المؤلف خاتمة كتابه بالحديث عن (المكتبات الافتراضية)، التي يظهر فيها توجّه أصحاب المكتبات الحاليين نحو الرقمية، وبكونهم في نهاية الأمر أرباب أعمال يتخذون من مكتباتهم مشاريع تجارية للتكسب المادي، في حين تنتابه الحسرة وهو يصف صالات المكتبات التي طالما رآها أسطورية تجمع الأشباه في حميمية! فيعبّر عن قلقه إزاء التشابك بين المعلومات السمعية والبصرية وانعدام القدرة على التركيز "ما يؤهله الآن ليصبح أمراً طبيعياً، فالقراءة لا تختلف في شيء عن المشي وعن التنفس، ونحن نقوم بها دون تفكير".
1068
| 23 أبريل 2025
ليست الحياة قبل نكسة 1967 كما هي بعدها! فبينما تتسلل حينها امرأة فلسطينية شابة إلى قريتها (كفر راعي) في قضاء جنين، عائدة من المنفى عبر مجرى نهر الأردن مشياً على قدميها، وهي تجرّ خلفها أطفالها الثلاث الجائعات، في تحدٍ لتقارير الحرب المعلنة، والمخاطر التي لم تكن لتُحمد عقباها، وهي عازمة على الاحتفاظ بأرضها مهما كلف الثمن.. تستكمل ابنتها الكبرى (سيرين أحمد يوسف صوالحة) قصّ ما جرى فيما بعد من أحداث على مدى عقود، تضاءل فيها نصيب الفرح لكل فرد من أفراد العائلة البالغ عددهم ثلاثة عشر إضافة إلى الوالدين، لصالح الشقاء، بينما توجّهم جميعاً شرف التمسك بالأرض حتى آخر رمق.. الأرض التي زرعوها وحصدوا ثمارها، والتي من جانب آخر ارتوت بدم ابنهم الشاب (إياد) الذي انخرط في أعمال المقاومة المسلحة، حيث جاء عنوان القصة يمثلهما خير تمثيل (أخي، أرضي: قصة من فلسطين/ My Brother, My Land: A Story from Palestine)، وهي القصة العائلية التي لا بد وأن تتقاطع مع الكثير من قصص كفاح العوائل الفلسطينية التي تشكل في طابعها العام تاريخ فلسطين تحت نير الاحتلال الصهيوني على أرضها التاريخية. إذاً، يتصدر الأخ بطولة القصة الذي حين تزوره أخته في سجنه بتهمة المقاومة مع فصائل (الفهد الأسود) التابعة لحركة التحرير الوطني، لأول مرة بعد مرور أكثر من عقد على زواجها وهجرتها إلى أمريكا، تسترجع بطولات القصص الأسطورية التي كانت تقصّها عليه في صغره، وقد كان الطفل الذي تشرّب غضب اغتصاب الأرض وشهد على مقتل الأهل وتشرّد الجمع وخيبات الاتفاقيات المبرمة، حتى أصبح أمامها الشاب الذي حمل روحه على كفه، فطورد واعتقل وعذّب! وفي حين يتم الإفراج عنه ضمن صفقة لإطلاق سراح السجناء، تجده يرفض عروض الهجرة وفرص الدراسة والعمل، ويتبنى بدلاً عنها التوجه الديني في حياته وفي مقاومته تحت لواء سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، فيتمرد على كل ما هو قانون بأمر السلطة، ويتخطى الحواجز ويراوغ مراكز التفتيش، ويتقن صنع العبوات الناسفة، وينخرط في عمليات الاغتيال والتفجير والتفخيخ، فيغيب عن أهله أياماً طوال ليعود إليهم في لحظات لا يُعلم من أين أتى وأين سيذهب، وهو الذي لم ينسّ نصيبه من الدنيا فأصر على الزواج ممن رق لها قلبه.. حتى تتم محاصرته في حصنه الأخير ويسلّم روحه، مكبّراً لله، بخمس عشرة رصاصة من رصاص العدو! تقول أخته عنه وهو الذي لا يزال اسمه يتردد صداه في قريتهم، وتطلقه أجيال المقاومة الشابة على فصائلهم: «لقد قاتل إياد من أجلنا جميعاً ومات وحيداً». وبينما يستفتح المؤلف القصة بمقولة تُنسب لثائر فلسطيني مجهول الهوية مفادها «الحب هو دافعنا وليس الكراهية، ولهذا السبب سوف ننتصر»، يرفق إشادة المؤرخ الإسرائيلي (إيلان بابيه) المعروف بمواقفه الداعمة للفلسطينيين ضد الصهيونية، الذي قال: «إن رواية (أخي أرضي) تتحدى كل من يرغب في النظر إلى الفلسطينيين باعتبارهم مجرد ضحايا بلا إرادة. فهي تروي تاريخ فلسطين منذ النكبة، وتسلط الضوء على الكيفية التي قوبل بها التهجير والظلم اللاإنساني بالتضامن واللطف، وقبل كل شيء بالحب. إنها قصة مفجعة، ولكنها أيضاً تترك الأمل في استمرار النضال العادل حتى يأتي التحرير الكامل». تموج القصة بتحديات صراع البقاء اليومي مع ما هي عليه الحياة الاجتماعية والأحوال الاقتصادية في فلسطين أمام آلة الاحتلال، وتعقيدات المصالح السياسية مقابل عمليات المقاومة المسلحة وما ينبثق عنهما بالضرورة من تناقضات وإشكاليات أخلاقية، والتصور العام للمأزق الفلسطيني الذي لا بد وأن يشرعن استمرارية النضال بكافة أشكاله.. يمزجها جميعاً -من خلال معالجة واعية وحبكة متسلسلة تاريخياً مشوبة بالكثير من العاطفة، مع السرد الشيق للراوية الرئيسية سيرين- عالم الأنثروبولوجي بجامعة نورث ويسترن في قطر (د. سامي هرمز)، وقد بدا شغوفاً حين ألهمته حكايات سيرين بالكتابة، وأميناً في نقل قصة مثالية تجسّد فلسطين وصمود الفلسطينيين. يلتقي المؤلف ابتداءً براويته مع اندلاع الانتفاضة الثانية أثناء دراسته في جامعة برينستون الأمريكية، حيث كانت تعيش وعائلتها هناك وتعمل كعضوة للبعثة الأردنية في الأمم المتحدة، وحيث يمتد الحديث بينهما على مدى سبعة عشر عاماً تمثلت في لقاءات وتسجيلات ومسودات وزيارات عائلية. فينقل عنها تسلسل أحداث الصراع الفلسطيني عبر الأعوام (من 1966 حتى 2004)، في حين تؤكد هي على أن بطل قصتها الشخصية يجسد شعباً بأكمله، وبعدم شعورها بالرضا التام بعد هذا السرد المفصّل، إذ لم تحكِ سوى نصف ما لديها وحسب! أما أبلغ ما قيل في تلك اللحظات الصامتة التي زارا فيها المقبرة: «نقف أمام شاهدي قبر إياد. أحدهما يشير إليه باعتباره شهيداً في الجهاد الإسلامي، ومهندس سيارات مفخخة، وأسطورة في العمليات الاستشهادية، وقائداً لسرايا القدس. استشهد بتاريخ 9 نوفمبر 2002م، أما النص الموجود على شاهد القبر الآخر فهو أقصر وأكثر كلاسيكية، ويذكر اسمه باعتباره الشهيد البطل: (الشهيد البطل إياد أحمد يوسف صوالحة، استشهد بتاريخ 4 رمضان 1423هـ)».
561
| 10 أبريل 2025
ديوان عذب، بين مدح وغزل وحب للوطن يكتنفه شجن.. يبدو فيه الشاعر كالذي يخلق أبياتاً تنساب كرقة الندى على صفحات خد الحبيبة، يخدشه شيء من غزل جسور، ليعرض من هنالك أبياتا أخرى ترثي الوطن الكبير وتحييه في آن، وهو لا يغفل في خضم ما جادت به قريحته من فنّ مقفّى، مداعبة الصديق بأبيات جاءت في مناسبات متفرقة. فمن هو هذا الشاعر؟ إنه (محمد ياسين صالح)، مذيع وصحفي في قناة الجزيرة سابقاً، حاصل على بكالوريوس في اللسانيات وماجستير في الترجمة في الجامعات البريطانية، ولُقّب بـ (فصيح العرب) في برنامج فصاحة. أعتبر برنامجه (تأملات) ضمن البرامج الأعلى مشاهدة على شاشة قناة الجزيرة، الذي في كل مقدمة له يقول: «إزاء الغيم تنهمرُ الحروفُ.. لها نغَمٌ يحسُّ به الشّغوفُ / يرى فيها غصوناً باسقاتٍ.. على أطرافها تدنو القطوفُ / فإنْ لبثَتْ مقاليدُ المعاني.. مسطّرةً تنوءُ بها الرّفوفُ / فتحنا في صميم العلمِ باباً.. فقال الدّهرُ: قد جاز الوقوفُ». وهو إذ يبرع في الشعر نصّاً وترتيلاً، يصرّح بأن كتابة الشعر في الأساس تأتي لقول ما لا يُقال، ولخوض معارك تُحرر دولاً على خريطة اللغة بعد أن تدور رحاها في ساحة الكلمات، ولإعطاء الشعر فرصته ليكتبه، ولتخبره اللغة حينها بأنه هيهات لا يملكها إلا بقدر ما تتملّك هي منه! من ناحية أخرى، والناقد (علي المسعودي) يقدّم لديوانه الأنيق، يجده كمن يلتقط تارة من كلام الناس العرضي فيردّه لهم مرتباً، وتارة من المعاني الأصيلة أطيبها كالذي مرّ بأرض لم يطأها من قبله أحد، غير أن الملمح الآخر الذي يتراءى للناقد في الشاعر هو الشعر الذي يتنشّقه ويعيشه ويرويه «به يحب وبه يغضب وإليه يهرب من ضيق مفاجئ أو حزن مباغت». وهو إذ لا يزال يتفرّس في ملامحه التي لا تراوغ قارئه، يقول: «أحَبَّ قطر.. فتجلّت المحبة شعراً بدا فيه انغماسه في ثقافتها، وانسجامه مع قضاياها، واندماجه في همومها، فأصبح جزءاً من شخصياتها». ومن المفارقات أن يحمل الديوان قصيدة كتبها الشاعر اعتزازاً بصديقه الناقد الذي سعى لمعرفته، فأضاف لعقله أبعاداً فكرية ولذاكرته الياسمين. فتراه يقول في حقه: «يممت وجهي للندى والجودِ.. ولكل فعلٍ رائع محمودِ / فلقيت لافتةّ عليها اخوةٌ.. قد سطروا فيها علي المسعودي». وفي الديوان الذي جاء بعنوان (القرية التي كنا فيها)، والذي أهداه الشاعر لساعات الطفولة التي قضاها - على غفلة من أمره- متمنياً أن يكبر، يجده القارئ يختم قصيدة (قرأ الصغار بيانهم) التي تصف صغار العرب في ذلهم يتلون بيان تنازلهم، والمسرى يحتوشه كيان زائل، بقوله: «ودعوا لوعدِ الله طفلاً جاءهُ.. من سورة الإسراء وعدٌ حاصلُ / لتُمكننّ وتنصرنّ وتعلون.. ويتبرنّ الخائنُ المتخاذلُ». أما عن (بغداد) التي جعل منها وجع القصيدة، والنهران قاموسان يجري في مجريهما السخاء، فيقول: «يتساءل الماضون أنى صرخةٌ.. عادت إلينا بعد طول فراقِ / قيل أسألوا قاموس كل فضيلة.. من أين أصل العز؟ قال: عراقي». وفي (الأعياد) التي تأتي ممتدة في رفقة الصديق الصدوق، يقول: «إذا كانت الأعياد يوماً وليلة.. فصحبتك العيد الذي ليس ينقضي». وعن مهذبة (تهذي بها) روحه فيردع طرفه تهذيبها، يقول: «أمسكتُ أقلامي لأكتب ذي بها.. أفدي التي روحي غدت تهذي بها / إن أقبلَتْ والشوق يلمعُ في دمي.. يرتدُّ عنها الطرْفُ من تهذيبها». وعن ثلاث نِعم يداوين الجراح، يمسي عليهن ويُصبح، يقول في قصيدة (اغتباق واصطباح): «بحسبي في اغتباقي واصطباحي.. ثلاث كالدواء على الجراح / مكحّلة وكأس بابلي.. ونافذة تطل على الصباح». وفي مدحه ﷺ يقول في خواتيم (وكل قصيدة فيك اعتلاء): «رسولَ الله جئتك ملء قلبي.. على إثر الذين هُدُوا وجاؤوا / رجالٌ صدقوك بكلّ رأيٍ.. لهم «نعمٌ» إذا للنّاس «لاءُ»/ رسولَ الله فاتحتي سلامٌ.. وتسليمٌ وقافيتي ثناءُ/ فأعلو في سماء الشعر نجماً.. وكلُّ قصيدةٍ فيك اعتلاءُ / وللأشياءِ لا بدَّ انتهاءٌ.. وما للشوق في صدري انتهاءُ». وفي رحابه جل جلاله، يكتب قصيدة (في الغدو والآصال) وفيها يقول: «يا من له عنت الوجوه تولّني.. وأظلني إذ لا تحينَ ظلالِ / بالفضل لا بالعدل عاملني إذا.. ما ساء في يوم التغابن حالي / فخرُ المفاخر أنني لك مسلمٌ.. ولقد مننت به بغير سؤالِ / فأجب دُعائي إذ سألتك جنةً.. ليست تبلغني لها أعمالي». ختاماً، وبينما يأخذ الشوق من الشاعر مأخذاً في قصيدة (أحنّ إلى دمشق)، قائلاً: «أطلّ ندى تعاقره الورودُ.. أغيبُ سدى تخاتله الوعودُ / أحنُّ إلى دمشقَ ولستُ أدري.. أعودُ لأرضها أم لا أعودُ»، تراه وقد عاد إليها شامخاً بصفته وزيراً للثقافة، يبارك لها في محفل رسمي ترعاه الحكومة السورية الانتقالية الجديدة في 29 من مارس 2025، عيدها الذي بات عيدين، ويقول: «لقد صمنا عن الأفراح دهراً.. وأفطرنا على طبق الكرامة / فسجّل يا زمان النصر سجّل.. دمشق لنا إلى يوم القيامة».
924
| 02 أبريل 2025
كتاب يوجز شخصية النبي محمد ﷺ كقائد من وجهة نظر منظّر بريطاني رائد في علوم القيادة، وقد ركز على طبيعة الحياة الصحراوية في العموم من ناحية بيئية ومناخية وجغرافية، وما يكتنفها من مشقات تطبع ساكنيها بطبيعة الحال بصفات يشوبها الكثير من الغلظة والجلد والتحدي، مسلطاً الضوء بالتالي على أهمية دور الراعي في صقل الشخصية القيادية لدى النبي ﷺ وهو في سن مبّكرة، وهو يستشهد بقوله ﷺ: «ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم». يضع كتاب (قيادة محمد ﷺ) جون إريك أدير، وهو أكاديمي بريطاني ومحاضر عالمي في القيادة. تخرّج في جامعات مرموقة مثل أكسفورد وكامبريدج، وعمل كأستاذ جامعي في عدد من الجامعات في بلاده، وكمحاضر مهم في الأكاديمية الملكية العسكرية البريطانية، وأصدر العديد من الكتب في قيادة الأعمال والمرافق العسكرية التي تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات. وفي شبابه، وخلال خمسينيات القرن الماضي، عمل في قيادة حامية القدس والتحق كمعاون للفيلق العربي في الأردن. ومن خلال حديث متلفز له عن الكتاب وخلفيته، تطرق إلى تلك الفترة التي خدم فيها في الجيش العربي، لا سيما وقد ضم عددا غفيرا من العرب البدو لم يكونوا يتحدثون الإنجليزية، ما دعاه إلى تعلم اللغة العربية آنذاك. وبالإضافة إلى أصل البدوي كمحارب بطبيعته، فقد أدرك بوضوح كم هي روح القيادة لدى البدوي غنية جداً، ما بإمكان الغربي التعلّم من مهاراته الكثير، وهي التي تصدّق على ما جاء من ملامح القيادة في سيرة النبي ﷺ يعرض جون أدير حياة النبي ﷺ المبكرة والقيادية فيما بعد، من خلال ثمانية فصول رئيسية، تأتي عناوينها تباعاً كما يلي: (مضارب بني سعد، الراعي، قائد القافلة، سكان الصحراء، محمد ﷺ الأمين، المشاركة في المشقة، التواضع، من الماضي إلى الحاضر). فيتطرق من خلال تلك الفصول إلى عدد من المواقف التي عرضت للنبي محمد ﷺ في صباه وبعد بعثته، وفي السلم والحرب، وهو يختم كل فصل بجملة من النتائج التي تخلص إلى تطابق الصفات القيادية لديه ﷺ مع المفاهيم المعاصرة للقيادة، العالمية والشاملة. يصف جون أدير محمد ﷺ وهو يعيش مع مرضعته في البادية حتى الخامسة من عمره، حيث خيام بني هوازن السوداء والمفتوحة التي كانت تسمح لأشعة الشمس والهواء النظيف والرياح النقية بنشأة الأطفال في ظروف صحية، فضلاً عن اكتساب النشاط والقوة والشجاعة، وتلقّي الثقافة العربية الأصيلة واللغة والقيم من مصدرها، وبعيداً عن الأمراض التي كانت تفتك أحياناً بسكّان البيوت الطينية المغلقة، كالحمى والطاعون، كما حصل مع والديه حينما توفيّا وهما في ريعان الشباب. يعدد جون أدير بعضا من صفات القائد العالمي، إذ لا بد أن يتمتع بقيم الإنسانية والرحمة واللين والعطف في تعامله مع الناس، ثم يجدها عند النبي محمد ﷺ عندما كان يبسط رداءه جالساً على الأرض متواضعاً بين البقية من الناس، ويقارن بينه وبين من يتربع الآن على العرش ويقف أمامه الرعية أذلاء خائفين. وفي حديثه عن أصول القيادة وضرورة الإمرة، وقد أردفه بوصية النبي محمد ﷺ التي قال فيها: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم»، يستطرد فيقول: «قال محمد ﷺ ذات مرة: (سيد القوم خادمهم). ماذا كان يقصد؟ إن القائد الحقيقي يخدم أولئك الذين يقودهم، فهو يحقق حاجتهم بأن يكملوا رحلتهم بأمان، وأن تتوفر حاجاتهم كمجموعة متماسكة، وحاجاتهم كأفراد، حيث إن كل فرد في الرحلة تكون له احتياجات صغيرة أو مشاكل تطرأ أثناء الرحلة». ثم يعقد مقارنة بين هذا النموذج العتيق وبين شروط القائد في العصر الحديث، فيقول: «قد يتم تعيينك كقائد أو مدير، ولكنك لن تكون قائداً حتى يصادق على تعيينك أولئك الذين تقودهم بقلوبهم وعقولهم، ولعل موهبة القيادة عند محمد ﷺ تكشّفت منذ قيادته للقوافل التجارية». وعن أسلوب (القيادة بالقدوة)، يعرض جون أدير موقف أتباع النبي محمد ﷺ من نحر الهدي، حين أمرهم ثلاثاً بالنحر والحلق والتحلل، فما قام رجل منهم ولا تحرّك أحد، فعاد مستاءً إلى خيمته وهو الذي لم يعهد من قبل قط تلكؤاً من أتباعه! حينها، تشير عليه زوجته أم سلمة بأن يخرج ولا يحدّث أحداً بشيء ويصنع هو ما أمرهم به، فاستمع لنصحها فخرج ويمم هديه ونحر، فإذا بالقوم يثبون إلى هديهم وينحرون. يقول جون أدير معقباً: «هنا ظهرت فعالية (القيادة بالقدوة)، فقد سارع المسلمون إلى الاقتداء به وانتهت بذلك الأزمة». ختاماً، إنه كتاب يوجز الكلمة والفائدة ويُقرأ في ساعة من الزمان، كفيل بنقل القارئ في لحظة بين زمنيين متناقضين.. الصحراء بجفافها وصلابة أبنائها، والعصر الحديث الرائد في فنون القيادة ومدارسها وروادها، وقد تأتي أهميته من حيث مؤلفه الحيادي الذي لا ينتمي لا لدين ولا لعرق نبي الإسلام، في حين جاء منصفاً وشاهداً على نموذجية الشخصية المحمدية القيادية، في ضوء علم القيادة وممارساتها العالمية، لا سيما وهو من أبرز المختصين فيها.
384
| 26 مارس 2025
رغم قصره، فهو كتاب جزيل النفع يتناول أعظم عبادة بعد شهادة التوحيد. إنه كتاب (فاتتني صلاة: لماذا يحافظ البعض على الصلاة بينما يتركها الكثير؟) الذي يفيض بنفحات روحانية يجدد بها طاقة كل مسلم محافظ على صلاته، وهو لا يتخلى عن المقصّر في حقها، إما بتأخيرها أو جمعها أو الإخلال بشروط إقامتها أو التهاون في استحضار ما يلزمها من خشوع، أو لا يقيمها من الأساس، فيشحذ همته ليعزم أمره ويستدرك ما فاته من فضلها العظيم.. في أروع ما تكون النصيحة وأخلصها، وفي ضرب الأمثال التاريخية والمعاصرة، ومن خلال رسم المنهج السليم للحفاظ عليها، وغرس قيم التواضع والتقوى وحسن الظن بالله. وعلى الرغم من القالب الديني الصرف لمادة الكتاب، فقد عمد مؤلفه (إسلام جمال) أولاً إلى عرض تجربته الشخصية التي قارن فيها بين شيخ يتكئ على عصاه كان يرقب وضوءه وصلاته وأذكاره وانغماسه في تلك الحالة من العشق مع ربه، وبين حاله وهو شاب يعلل تهاونه في صلاته بمبررات واهية، الحيرة التي لازمته لأعوام وطرح على نفسه السؤال الذي احتل عنوان الكتاب! ثم يعمد إلى طرح مسألة المحافظة على الصلاة بمنهجية، ابتداءً من الاعتراف بالتقصير في أدائها، ومن ثم التدرج في وضع ما يناسبها من حلول لا سيما الواقعية والعملية التي تتمثل بشكل أساسي في الانضباط، ومن ثم التشجيع على اتباع بعض العادات السليمة، كالاستيقاظ باكراً والمشي نحو المسجد، ومواجهة التحديات اليومية التي قد تعمل -رغم الصعوبات- على تجديد الإيمان، كحكمة كامنة. جاء كل هذا في لغة سلسة وإيجابية، تعتمد أسلوب الترغيب بصورة تفوق أسلوب الترهيب الذي قد يلجأ إليه بعض دعاة الدين في الحثّ على فريضة الصلاة! فمن خلال خمسة عشر فصلاً، يؤكد المؤلف على حقيقة الصلاة كعماد الدين وأن لا إسلام بلا صلاة، وهو يرى أن من عرف الله حق المعرفة كما يليق بجلال قدره وعظيم سلطانه ما ترك الصلاة أبداً.. فيقول عمّا ورد فيها كعبادة ينهزم أمامها كل سوء: «أحب دائماً أن أذكر نفسي بعبارة (إلا المصلين) وهي الآية التي وردت في سورة المعارج: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ). فكلما شعرت بالحزن أقول (إلا المصلين) فالحزن لن يستطيع أن ينال مني ما دمت أصلي، وعندما يضيق صدري أقول (إلا المصلين) فأطمئن أن الله تعالى سيشرح صدري ما دمت أصلي، وحين يصيبني التعب أقول (إلا المصلين) لأن الصلاة قوة، وكلما أسبغ الله علي من نعمه أقول (إلا المصلين) فأتذكر أن الفضل كله الله تعالى». وفي مقتطفات، يقول ما معناه: أن سر السعادة يكمن في المحافظة على إقامة الصلاة المكتوبة في أوقاتها. للناجحين في الحياة عادات تتشابه، وللمحافظين على الصلاة عادات تتشابه كذلك.. وهي أصل الفلاح. يخلق غير المحافظين على الصلاة أعذاراً تلو أعذار في انتظار اليوم الذي سيُصلح فيه حالهم، وكأنه قدر مرتقب، لا كأنه نية وعمل. أنت نتاج أفكارك، فالأفكار الإيجابية تخلق لك واقعا حسنا، والعكس صحيح.. لذا، دع عقلك يخلق لك أفكاراً تعينك على الصلاة، لا أن يخلق لك الأعذار في تركها أو تأخيرها. سكينة القلب هي ثمرة الخشوع في الصلاة، ومن غير الخشوع تصبح الصلاة عادة لا عبادة. مناجاة الله واستشعار كل ركن من أركان الصلاة بما فيه من تلاوة وذكر وقيام وقعود، يتحصّل بهما فضل الصلاة. «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» هو دعاء مأثور عن النبي ﷺ وهو منهج عملي للنجاح في الحياة.. وإنما صلاة الفجر تعمل عمل المعجزات. النوافل والسنن الرواتب من غير الفريضة، ضمان لبيت في الجنان.. وهي حصن، وهي حرز، وهي رضا وقربى من الله. جدولة العمل اليومي وترتيب الأولويات يجب أن يتم وفق مواقيت الصلاة، لا أن يتم توقيت الصلاة وفق جدول العمل اليومي والأولويات الأخرى. رصيد الحماقات السابقة إنما هو خبرة متراكمة من الأخطاء والتجارب والدروس، فلا يجب تكرار الخطأ بل الاعتماد عليه في تحسين جودة الحياة.. كذلك الصلاة، فغلبة وسوسة الشيطان مرة إنما هي فرصة لمعرفة السبب وتجنب تكراره. الوضوء كشرط للصلاة هو كذلك طهارة جسدية وفائدة صحية في الوقاية من الأمراض.. السير نحو المسجد كفضل يستحق الأجر هو كذلك رياضة حيوية ومهدئ للأعصاب.. الركوع والسجود ركنان أساسيان هما كذلك تمارين تقلل من آلام الظهر وتنظّم العمليات الحيوية.. مواقيت الصلاة المفروضة هي كذلك فرص لتجديد الطاقة الروحية وتعزيز السلام الداخلي. إن الصلاة بحق برنامج حياة، تؤتي أكلها باستمرار المواظبة عليها، ما بقي الإنسان! ختاماً، وكما يروي حذيفة بن اليمان بإسناد حسن أنه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى)، فقد يكون هذا الكتاب القصير الذي جاء باجتهاد شخصي بمثابة خير معين لن يُعدم أجره، والله عز وجل يقول: (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ).
618
| 19 مارس 2025
كتاب يضرب المثل فيما (قل ودل)، إذ لا يعرض سوى سبعة كنوز من ميراث السنة النبوية الصحيحة، ويمثّل كل كنز في حد ذاته منهجاً أخلاقياً متكاملاً، والذي لو تم تطبيقه كما جاء لساد أتباع (خير أمة أخرجت للناس) الأمم! يضع كتاب (سبعة كنوز من ميراث النبوة) الصادر عن (دار الساقي للنشر والتوزيع)، الدبلوماسي السعودي الراحل د. غازي بن عبدالرحمن القصيبي (1940 - 2010)، الذي تقلّد مناصب وزارية بعد حصوله على درجة الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة لندن، والذي ذاع صيته كذلك كشاعر وكاتب وأديب، وأصدر الكثير من الأعمال الأدبية والروائية والشعرية. يعمد د. القصيبي في كتابه القصير إلى عرض كل منهج خُلُقي بما يقابله من أحاديث نبوية شريفة مجمع على صحتها. فيأتي في المنهج الأول على (نزاهة الحياة السياسية) مستعيناً بالحديث الذي جاء في نصّه: «.. لقى الله يحمل بعيراً»، والذي يحثّ فيه على الأمانة التي سيُسأل عنها كل من تولى منصباً يدير فيه أمراً من أمور المسلمين، وحقق من خلاله مآرب خاصة ما كان له أن يحققها لو (قعد في بيت أبيه وأمه)، حسب نص الحديث، وهو يعني بهذا ظاهرة الفساد لا سيما فيما يمس المال العام، والتي تعدت هذا الحد في نظر د. القصيبي الذي قال: «والويل كل الويل لمن جاء يوم القيامة يحمل وطناً كاملاً سرقه بدبابة، ذات ليلة ليلاء». أما المنهج الثاني فيتعلق بـ (دور المرأة في المجتمع والعسكرية) والذي يقابله ما جاء في حديث أم حرام معه ﷺ: «.. ادع الله أن يجعلني منهم»، والذي يبيح فيه جهاد المرأة مع الرجال في الحروب إلى حد غزو البحر، إضافة إلى دورها الفاعل في المجتمع ككل خلافاً لما يحصره بعض الفقهاء في إطار الزوجية. وفي المنهج الثالث (قواعد الإثبات ضمانة الحقوق)، يستشهد د. القصيبي بما يقابله من حديث نبوي جاء في نصّه: «.. أمهله حتى آتي بأربعة شهداء»، ليصوّر إصراره ﷺ على «البراءة حتى يثبت عكسها» فيما يتعلق بمسائل الشرف، سابقاً في هذا القانون الروماني وعصر النهضة والماركسية والليبرالية، في سن «قواعد الأدلة والإثبات»، لا سيما في مجتمع جاهلي كان يعتبر قتل المرأة التي تحوم حولها الشبهات مقبولاً «لحماية الشرف الرفيع من الأذى». أما في المنهج الخاص بـ (حرمة الحياة الشخصية) والذي يقابله نص الحديث الذي جاء فيه: «.. لطعنت به عينيك»، فيؤكد من خلاله على أن خصوصية أي إنسان، مما يراق على جوانبها الدم إذا انتهكت، متضمناً في هذا التنصت على المكالمات الهاتفية وتتبع المراسلات البريدية، بل واقتحام البيوت بأمر السلطة من غير استئناس ولا استئذان، أو كما في المثل الإنجليزي الشهير «بيت الإنجليزي هو قلعته» الذي استعان به د. القصيبي معلقاً «وكان المسلمون أولى بمثل كهذا». وعن المنهج الخامس (جمعيات الرفق بالحيوان الإسلامية) الذي يقتبس من نص الحديث: «.. أمة من الأمم تسبّح» حقوق الحيوان ككائن ينتمي لأمة كأمثال الأمم الأخرى، فلا يجوز أن يتلاعب به الصبية ولا أن يُنهك بحمل الأثقال أو يُقتل بغرض المباراة، فيتساءل د. القصيبي قائلاً: «أليس من المحزن والمذهل أن تخبرنا السنة النبوية المطهرة أن نبياً من الأنبياء عوتب بسبب النمل، وإن امرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها، وأن بغياً غفر الله لها بسبب كلب سقته، ومع ذلك يبقى المسلمون يتعاملون مع مخلوقات الله الحيوانية كأنها أعداء، في حرب إبادة شاملة غير متكافئة؟». أما في المنهج السادس المعني بـ (تنظيم النسل) والذي يستشهد بالحديث الذي جاء في نصه: «.. نعزل والقرآن يُنزّل»، فيصوّر النسل في عالم اليوم كغثاء السيل، والذي يحرص فيه الوالدان على إنجاب الحد الأقصى من الأبناء لأسباب أنانية ترضي الغرور وغريزة التباهي بالفحولة أو لتوفير عمالة مجانية، في حين يُعدمون أسس الحياة الكريمة من صحة وتعليم ومأكل وملبس ورعاية نفسية، ما يدفع د. القصيبي لحض من يقول خلاف ذلك العودة إلى «الأحاديث النبوية الشريفة في موضوع العزل» وهو يؤكد قائلاً: «إن شريعة الله الخالدة التي تحرص على بقاء الإنسان على الأرض، تقدّر أن هناك حالات تتطلب فيها الضرورة، وأعني الضرورة الحقيقية الملحة لا الموهومة، تنظيما مؤقتاً للنسل، وأشدد على الصفة المؤقتة لهذا التنظيم». ويختم د. القصيبي بالمنهج السابع الخاص بـ (تحريم العذاب بأشكاله وأنواعه)، مستعيناً بالحديث الذي جاء في نصه «.. إن الله يعذّب الذين يعذبون في الدنيا»، فيعرض ما شهده التاريخ الإسلامي عبر العصور من صنوف تعذيب كما جاءت بها إحدى موسوعات التراث، كالتعذيب بالجوع والعطش والفصد، وقصف الظهر وبقر البطن وتقطيع الأوصال والنشر بالمنشار، وما يحاكيها من جرائم تجري في عصرنا الحاضر «يمارسه الشرطي كما يمارس بقية روتينه اليومي». ثم يقول متأملاً: «لو كان لي من الأمر شيء لوضعت في كل كلية أمنية في بلاد المسلمين مادة اسمها (إن الله يعذبُ الذين يعذبون الناس في الدنيا)».
471
| 15 مارس 2025
مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
2325
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
1221
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
792
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...
693
| 11 ديسمبر 2025
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...
669
| 08 ديسمبر 2025
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام...
597
| 08 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...
594
| 12 ديسمبر 2025
نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...
546
| 11 ديسمبر 2025
• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...
531
| 11 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...
528
| 14 ديسمبر 2025
يوم الوطن ذكرى تجدد كل عام .. معها...
507
| 10 ديسمبر 2025
مع دخول شهر ديسمبر، تبدأ الدوحة وكل مدن...
498
| 10 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل