رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

كيف نسي العرب زلزال الخامس من يونيو 67؟

أتعجب كيف مرت الذكرى الثامنة والخمسون لحرب الخامس من يونيو حزيران 1967 بلا اعتبار ولا مجرد تذكر وهي التي عشناها في شبابنا زلزالا قويا قلب حياتنا ومعتقداتنا وتقييمنا للعروبة رأسا على عقب وأعاد رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد بعد فسخ شامل للخرائط التقليدية! هل انشغلنا بهموم اليوم ونحن في سنة 2025 وفلسطين كلها بقطاعها وضفتها تحت القصف والإبادة منذ السابع من أكتوبر 2023 . وهل تركت لنا أزمات العرب حيزا لتذكر مأساة حرب يونيو 67 حينما نعيش يوميا حربا أهلية عبثية في السودان وبوادر صراع عنيف في ليبيا وانقسام اليمن الذي كان سعيدا الى أنصار الله المقاتلين وحكومة شرعية ولكن غائبة. ثم نعلم أن سوريا تخلصت من كابوس الاستبداد الطائفي الأسدي لكنها تواجه محاولات حركات متنوعة لبث الفوضى بالإضافة الى قصف اسرائيلي يهدف الى إجهاض ثورة الشعب السوري وزعزعة استقرار سوريا وما جاورها . ثم ليس الوضع اللبناني أقل خطرا بالرغم من تمكن الرئيس الجديد (جوزيف عون) من إعادة هيبة دولة فقدت ثقة أغلب شعبها من قبل بسبب الفساد واستسهال حمل السلاح خارج إطار الدولة وتربص الوحش الاسرائيلي بها ظنا منه أنها فريسة سهلة! أنا شخصيا أدرك هذه الحقائق وأعرف مدى الانشغال بالكوارث اليومية لكن أصر على أن هزيمة العرب يوم الخامس من يونيو 67 مرتبطة أشد الارتباط بأحداث اليوم فهي التي علمتنا درسا قاسيا معلوما في كتاب الله عز وجل وتحديدا في سورة الرعد: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وندرك نحن جميعا بتأخير 58 عاما أننا غفلنا عن هذه الأية 11 من سورة الرعد وهزل إيماننا الى درجة انتظار تغيير ما بنا من الله تعالى دون أن نغير نحن ما بأنفسنا وهزمنا جيش إسرائيل في 6 ساعات لا في 6 أيام (وهذا قاله لي ولوزرائه الرئيس الحبيب بورقيبة بعد أسبوع من الهزيمة وقد لطفها المهزومون بتسميتها «نكسة» لأن حرب 1967 تُعرف أيضاً في كل من سوريا والأردن باسم نكسة حزيران وفي مصر باسم نكسة 67 وتسمى في إسرائيل حرب الأيام الستة وهي الحرب التي نشبت بين إسرائيل وكل من العراق ومصر وسوريا والأردن بين الخامس من يونيو 1967 والعاشر من الشهر نفسه، وأدت إلى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان وتعتبر ثالث حرب ضمن الصراع العربي الإسرائيلي وقد أدت الحرب إلى مقتل 25,000 شخص في الدول العربية مقابل 800 في إسرائيل وتدمير 70 - 80% من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 2 - 5% في إسرائيل، إلى جانب تفاوت مشابه في عدد الجرحى والأسرى كما كان من نتائجها صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 وانعقاد قمة اللاءات الثلاث العربيّة في الخرطوم وتهجير معظم سكان مدن قناة السويس وكذلك تهجير معظم مدنيي محافظة القنيطرة في سوريا، وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة بما فيها محو قرى بأكملها وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية. وطبعا تعلمون أن تبعات حرب 1967 مستمرة حتى اليوم إذ لا تَزال إسرائيل تحتلّ الضفة الغربية كما أنها قامت بضم القدس والجولان لحدودها وكان من تبعاتها أيضًا نشوب حرب أكتوبر عام 1973 وفصل الضفة الغربيّة عن السيادة الأردنيّة وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بمبدأ «الأرض مقابل السلام» الذي ينصّ على العودة لما قبل حدود الحرب مقابل اعتراف العرب بإسرائيل والسلام معها رغم أن دولا عربيّة عديدة باتت تقيم علاقات منفردة مع إسرائيل سياسيّة أو اقتصادية. وأستسمحكم يا قرائي من جيل اليوم أن أقص عليكم كيف عشت شخصيا تلك الحرب وكنت آنذاك في العشرين من العمر: كنا نتابع سرا إذاعة الشرق الأوسط المصرية بسبب الخلاف بين عبد الناصر وبورقيبة كما نتابع بصعوبة إذاعة (البي بي سي اللندنية بالعربية) ومنها يأتينا صوت المبدع (منير شماء) وهذه الإذاعة المعروفة بحيادها النسبي نقلت لنا ليلة الرابع من يونيو 67 صوت مراسلها يتحدث لنا من الجبهتين الإسرائيلية والمصرية قبل ساعات من انطلاق مقاتلات الدولة العبرية لتدمير كل السلاح الجوي لمصر والأردن وسوريا والعراق وأتذكر الى اليوم ما قاله المراسل: على الجبهة الإسرائيلية هدوء تام ولا شيء يوحي بالحرب أما على الجبهة المصرية فأرى الجنود يرقصون وأسمع أناشيد الثورة تهدد إسرائيل بالزوال والرمي في البحر! أي نعم والله! وفهمنا ساعتها أن الموقف الإسرائيلي يعتمد كسب التعاطف الدولي والتمويه بأن شعب اليهود مهدد بهولوكوست يعوض فيه (عبد الناصر) (هتلر) السفاح! أما أنا فاستخلصت بعد هزيمة عبد الناصر الشاملة أن ما وقع جزء من انتقام إلهي للشهيد سيد قطب بعد أن ارتكب عبد الناصر جريمة إعدام الشيخ سيد يوم 29 أغسطس 1966 أي قبل سنة من حرب 67!! بل نشرت أنا مقالا في صحيفة (العمل) لسان الحزب الدستوري الحاكم بعنوان (القطيعة مع عبد الناصر) وشجعني موقف الزعيم بورقيبة الذي أرسل الى الرئيس المصري رسالة سلمها له سفيرنا بالقاهرة (محمد بدرة) رحمة الله عليه يطلب منه أن يعفو على سيد قطب وألا يقدم على تنفيذ حكم الإعدام الجائر الصادر ضده. كان مقالي يترحم على الشهيد وعلى الناصرية وعلى القومية العربية المغتالة بالاستبداد والشعبوية الصوتية ولا أنكر أن جيلي كان يعتبر عبد الناصر محقق الوحدة العربية والمستعد لتحرير فلسطين وكنا نقرأ بإعجاب قصائد شاعر القومية العربية السوري (سليمان العيسى) ومنها أبيات لم تمحها السنوات مثل: من المحيط الهادر****الى الخليج الثائر****لبيك عبد الناصر علمتنا كيف الحقوق تغتصب****وسرت فينا كالنبي المرتقب وتعلمون طبعا ما حدث لمصر ولعبد الناصر رحمه الله من تبعات تلك الهزيمة: استقالته ثم مسرحية المليونية المطالبة ببقائه لقيادة مرحلة حرب الاستنزاف وبعدها مسح الهزيمة في كبش فداء هو المشير عبد الحكيم عامر واغتياله في شكل انتحار وتعزية رسمية لزوجته الثانية الممثلة الجميلة (برلنتي عبد الحميد).. هذه بعض عبر التاريخ التي تعلمناها من هزيمة الشعبوية والشعارات رغم أن الحق كان وما يزال الى جانب العرب! نحن الذين ضيعنا حقوقنا لأننا ألغينا العقل وفتحنا أبواب الأمزجة والعواطف كما يجري هذا الأسبوع مما يسمى قوافل عربية لفك الحصار عن غزة وإيقاف الإبادة وهي طبعا حركة عفوية لعرب لا يمكن أن يقفوا متفرجين على المظالم لكن الواقع غير ما يتوقعون. وصدق أبو العلاء المعري الذي أنشد منذ ألف عام: «لا إمام سوى العقل».

510

| 13 يونيو 2025

أسباب ظهور الإرهاب كما يحللها كتاب فرنسي رفيع

كنت في باريس الشهر الماضي ونحن في منتصف سنة 2025 وخلال السنوات الأخيرة كما تعلمون شهدنا حدوث عمليات إرهابية في ثلاث قارات هي أوروبا وإفريقيا وآسيا.. ثلاث عمليات اختلف منفذوها واختلفت أصنافها لكنها صدمت الرأي العام هنا وهناك بدرجة من العنف غير المسبوق وعدد الضحايا الأبرياء والرجة النفسية التي أحدثتها ثم التحليلات التي أعقبتها وتداخل فيها الأيديولوجي بالأكاديمي وبعضها تم توظيفه لمزيد تأجيج العنف والإرهاب لمجرد أن أعداء الإسلام عبر وسائل إعلامهم واتصالهم يستطيعون غسيل ملايين العقول المسلمة وتلويثها بالأكاذيب وتزييف الوقائع. * ولا يسع المواطن العادي سوى الوقوف إجلالا أمام مأساة الضحايا وتقديم التعازي لذويهم. وعلى سبيل المثال اذكر ما وقع في تونس بعد مقتل 18 سائحا بريطانيا بسلاح شاب إرهابي تونسي في فندق سياحي حيث نكبت مليون أسرة تونسية في مورد رزقها وهي العائلات التي لها ارتباط مباشر أو غير مباشر بهذا القطاع السياحي الحيوي لبلاد لا تزال هشة المؤسسات هزيلة الموارد! ورغم هذا الخطب الجلل فإني أميل إلى التحليل العلمي التاريخي الرصين الناجع لأنه وحده ينير الطريق لمقاومة هذه الظاهرة العنيفة الطارئة خارج الحسابات السياسية الضيقة والمعالجات الحزبية الأنانية والتي تبارى فيها البعض بإصدار البيانات والتعليق المتشنج على بلاتوهات الفضائيات التي تكيل التهم لبعضها البعض وكأني بها تتاجر بدماء ضحايا الإرهاب والعياذ بالله! فالذي وقع في بعض البلدان المسلمة مرتبط بشبح داعش مبدئيا ولكن الأبحاث الجنائية والقضائية مستمرة خاصة بعد تغيير نظام الحكم في سوريا ولا يمكن الجزم بهذا السيناريو أو ذاك إلا بعد التأكد بالحجة من مصدر العمليات وغايات محركيها وانتماءات منفذيها.. * ولهذا السبب سعدت عند حلولي بباريس بصدور كتاب جديد هذه الأيام للزميل المؤرخ الفرنسي (بيار جون لويزار) يحمل عنوان (داعش: الدولة الإسلامية وعودة التاريخ) والمؤلف يعتبر راصدا أمينا لتحليل كل ما يطرأ على العالم الإسلامي من تطورات وما يعتريه من أزمات وما ينتظره من مصير فالزميل (لويزار) أستاذ مبرز في الحضارة الإسلامية ومتخصص في شؤون الشرق الأوسط صدرت له منذ 1990 الى اليوم مجموعة من الأعمال حول العلاقات العسيرة بين الإسلام والغرب وقضايا الاستعمار الجديد والمجتمعات المدنية في الدول الإسلامية ومكانة العلمانية في الإسلام المعاصر وهو ما جعل كتبه الثمانية تشكل كنزا ثمينا من التحليلات الراقية والحجج الموثقة بوأت الأستاذ (لويزار) منزلة أكاديمية راقية ليحتل منصب مدير الدراسات الإسلامية صلب المركز الوطني للبحوث الاجتماعية أعلى مؤسسات البحث العلمي في العلوم الإنسانية في باريس. * هذا الكتاب ينأى بالمؤرخ عن التفاسير الجاهزة السهلة والتبريرات الأيديولوجية المكررة ليحفر في ذاكرة التاريخ عن جذور ظاهرة داعش وأسباب انتشارها السريع ويقدم للقارئ مادة تاريخية ثرية تجعله يفهم تسلسل التاريخ الحديث بكل حلقاته المتعاقبة كما يعدد أخطاء المسلمين وأخطاء المستعمرين الذين أسسوا للكوارث منذ مطلع القرن العشرين ومهدوا لفوضى الشرق الراهنة بانحيازهم لمصالحهم الضيقة. كما يسلط المؤلف نظرة النقد لسوء التقدير الغربي في التعامل مع الهزات العنيفة التي زلزلت الشرق الأوسط منذ عقود وكل هذه الحلقات المتتالية والمنطقية هي التي أوصلت العالم الإسلامي إلى حالته الراهنة من تفكك الدولة القومية وانهيار الأيديولوجيات المستوردة وتشديد الخناق على مصير المسلمين حتى يخضع المشرق العربي لسطوة رأس المال المتغول في الغرب والذي تقوده حكومة الظل المالية المنتصبة خارج الدولة في مانهاتن. * ثم إن الواقع العربي والإسلامي متشعب وعصي فهمه على الجمهور العريض بسبب انحدار بعض وسائل الاتصال والإعلام لدينا إلى أسفل سافلين وهي التي تفننت في التلاعب بالعقول وفي تطويع الناس نفسيا لتقبل الهزيمة إلا أن هذا العالم الفرنسي الموضوعي (لويزار) استطاع أن يفك طلاسم الظاهرة الداعشية حين قرأ مجريات الأحدث الاستعمارية والعلاقات بين الإسلام والغرب في محطتها الأساسية المتمثلة في معاهدة (سايكس بيكو) التي وقعها وزيرا خارجية الامبراطورية الفرنسية والامبراطورية البريطانية يوم 16 مارس سنة 1916 لتقاسم ما سماه سياسيوهم آنذاك بـ (تركة الرجل المريض المحتضر) فتسلح الوزيران المنتصران في الحرب العالمية الأولى بقلم ومسطرة ورسما حدود خريطة جديدة للشرق الأوسط تعود فيها العراق (بلاد ما بين النهرين) لبريطانيا ويعود الشام (بما فيه سوريا ولبنان وفلسطين وضفتا نهر الأردن و بلدان شمال افريقيا) لفرنسا. * ولم يكن هذا التقسيم العشوائي سوى لي عنق التاريخ لإخضاعه للجغرافيا الاستعمارية و(الدولة القومية) التي هي فكرة دخيلة لم يعرفها المسلمون بتاتا.. المعضلة أن الفكرة لم تولد من رحم الأمة الإسلامية بل نصبها الاستعمار البريطاني أول مرة سنة 1920 في العراق بدعوى إنشاء دولة عراقية قومية! بينما العراق كان ولاية تابعة للسلطان العثماني وكانت الانتماءات تعاش وتمارس لكل طوائفه وعشائره وأديانه باعتبار رؤساء تلك الطوائف والعشائر وأئمة الأديان هم المراجع بلا حدود قومية ولا ولاءات لجنسية بل كما يقول المؤرخون فإن مصطلح (الجنسية) ذاته لم يكن معروفا البتة إلى مطلع القرن العشرين! ولم تكن للعراقيين وثائق هوية والدليل أننا نجد اليوم أغلب العراقيين يرجعون بأصولهم العرقية إلى قبائل حجازية معروفة أولها قبيلة شمر وتميم.. فكان زرع فكرة الدولة القومية عملا يخدم مصالح الإنجليز لا غير لكنه يشوه البنى الاجتماعية للعراق التقليدي ويبذر الفتنة الطائفية لأن كل طائفة أرادت بالطبع حماية مصالحها بفضل التمكن من مقاليد الحكم والتحكم في صلب تلك الدولة القومية الناشئة وهو ما وقع أيضا في لبنان وسوريا وبشكل مختلف في ليبيا واليمن. * إن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج حسب تحليل (لويزار).. لاحظوا أن نفس الغرب أراد اليوم تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبها في لبنان في الأربعينيات فأعادها في العراق. ففي لبنان بعد فصله عن الشام الكبير قررت باريس في الأربعينيات إنشاء دولة بتقسيم مراكز السلطة بين الطوائف فنص الدستور على أن رئيس الجمهورية ماروني ورئيس الحكومة سني ورئيس البرلمان شيعي! وفي الدستور العراقي لسنة 2005 قرر السيد (بريمر) أن يكون رئيس الجمهورية كرديا ويكون رئيس الحكومة شيعيا ويكون رئيس البرلمان سنيا! لكن هنا لابد من قراءة ظهور وانتشار تنظيم الدولة (داعش) من خلال هذه الحقائق.. ومن هنا جاء عنوان الكتاب وهو (عودة التاريخ) إلى ما كانت عليه الأوضاع الجغرافية والتاريخية ما قبل (سايكس بيكو) وما قبل احتلال العراق في أبريل من العام 2003 ولم يكن هذا الحنين للماضي أو للسلف ممكنا لولا إفلاس كل الأيديولوجيات المستوردة من قومية واشتراكية وعلمانية وأصولية ولولا دخول العالم المشرقي في مرحلة مطبات وتيه وفقدان بوصلة نسأل الله تعالى أن يعجل بإنقاذنا منها ويهدينا إلى سواء السبيل.

333

| 06 يونيو 2025

تبرير القتل باستعمال الأساطير!

هذا الأسبوع أعلن رئيس حكومة الاحتلال بفخر عن اغتيال محمد السنوار شقيق الشهيد يحيى السنوار وهذا ما يعزز الاعتقاد أن الكيان المحتل يريد تفعيل أساطير وردت في بعض كتب اللاهوت لتبرير القتل والخروج عن القانون الدولي وأقرأ باهتمام دراسة نشرها موقع (الجزيرة) هذه الأيام بقلم الأستاذ سامح عودة ينطلق من استشهاد رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية الذي جاء على إثر «غارة صهيونية غادرة» على مقر إقامته في طهران بعد مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان جريمة الاغتيال هذه ليست أمرا طارئا ومستحدثا في السياسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بل عقلية إجراميه تحمل إرثا طويلا، وتذكروا كيف استهدفت إسرائيل سابقا قادة حماس كاغتيال الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري وصالح العاروري ومحمد الزواري ويحيى السنوار وغيرهم ومحاولتهم المتكررة لاستهداف واغتيال محمد الضيف كما طالت هذه الاغتيالات من تعتبرهم إسرائيل خطرا على أمنها في مناطق جغرافية وأزمنة مختلفة منذ نشأتها وحتى اليوم. * ويمضي الأستاذ سامح عودة في تحليل أكثر عمقا للأفكار والمبادئ التي يتحرك جيش الاحتلال وفقا لها بدعم من المجتمع الإسرائيلي وهو ما يؤكد أن هذه الممارسات جزء من إستراتيجية أيديولوجية أوسع تنظر لقادة المقاومة الشرعية ولمن هم أدنى منهم في «سلم الترتيب الاجتماعي» بوصفهم خطرا مستمرا على الاحتلال وأنهم تذكير ممتد لـ»الخطيئة» التي خلّفوها بعد حرب النكبة واحتلال فلسطين عام 1948 أي ما تعتبره الصهيونية خطأ ارتكبته ميليشياتها بإبقاء بعض الفلسطينيين أحياء على ما تبقى من الأرض وحين تتأملون المقاطع المرئية التي انتشرت خلال الحرب الدائرة اليوم بفضل جهاد الجزيرة أساسا من استهداف لمدنيين أبرياء بشكل مباشر وهي المشاهد الحية التي استخدمتها حكومة جنوب افريقيا في إدانة إسرائيل في محكمة العدل الدولية تتشابه من حيث طريقتها وأسلوبها وتعمدها في اغتيال القادة. وعلى الرغم من أن تأثيرات اغتيال القادة أكبر، فإن الممارسات الإسرائيلية الممتدة على مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني تطرح سؤالا جديا حول الفوارق التي يشرعن عبرها جيش الاحتلال استهدافه لشخصية سياسية وعسكرية، في ظل استدعاء قادة جيش الاحتلال نصوصا ترد فيها مفاهيم الإبادة الجماعية التي لا تفرق بين قائد وفرد كما سيأتي لاحقا في التقرير فاغتيال هنية، وكما أنه يأتي في ظرف سياسي وعسكري معقد، يشن فيه جيش الاحتلال حرب إبادة على قطاع غزة، فإنه يؤدي وظيفة دعائية للداخل الإسرائيلي القائم على إبادة المعادين لهم، وعلى قدرتهم أيضا لإثبات «يدهم الطولى» القادرة على الوصول لأي مكان كما ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي (غالنت) أكثر من مرة. * ونذكر هنا بالحوار الذي أجرته صحيفة (مومنت) اليمينية المتطرفة مع الحاخام الصهيوني «مانيس فريدمان» حول الطريقة المثلى لتعامل اليهود بفلسطين المحتلة مع جيرانهم من العرب وقد أتت إجابة «فريدمان» صريحة: «إنني لا أومن بالأخلاقيات الغربية، بمعنى أن عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال وألا تُدمِّر الأماكن المقدسة وألا تقاتل في المناسبات الدينية وألا تقصف المستشفيات والمقابر وألا تُطلق النار قبل أن يطلقها عليك الآخرون. إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية التي تقول لنا دمِّر أماكنهم المقدسة واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم ولا تتردد في حرق زياتينهم ومحاصيلهم». وقد علَّل «فريدمان» ذلك بأنه الرادع الوحيد والحقيقي للتخلُّص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة وأن تلك هي قيم التوراة التي ستجعل الإسرائيليين «النور الذي يشع على الأمم التي تعاني الهزيمة بسبب هذه الأخلاقيات (الغربية) المُدمِّرة التي اخترعها الإنسان». بهذا الوصف، قدَّم «فريدمان» عقيدته في التعامل الأمثل مع الفلسطينيين الذين ينغِّصون هناء «الفردوس الإسرائيلي» على حد قوله وهو في هذا لا يتَّبِع وجهة نظر شخصية ولا يتحدَّث من وحي أفكاره وإنما يعتبر الأمر واجبا دينيا وتعليما توراتيا مقدسا لا ينبغي العدول عنه كاشفا لنا بكل وضوح عن الموقف اليهودي من فلسطين وشعبها، والأساس النظري لكل أعمال الإبادة والإرهاب التي مارستها الصهيونية أثناء وجودها بفلسطين المحتلة. * لأجل هذا، نحتاج إلى العودة قليلا إلى الوراء، لنرى جذور هذا الخطاب الإبادي وتلك النزعة التي تصر على أعمال القتل والإبادة والتهجير والتطهير العِرقي. فما هذه الجذور؟ وإلام أفضى هذا البناء؟ ففي سياق الحرب التي تشنّها إسرائيل اليوم على قطاعِ غزّة كما أكد الأستاذ سامح عودة استدعى بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيليّة – في أحد خطاباته – نصًّا دينيًّا قائلًا: «يجب أن تتذكّروا ما فعله العماليق بكم وبجدودكم كما يقول لنا كتابنا المقدّس بل نحن نتذكر ذلك بالفعل ونحن نقاتل بجنودنا الشجعان وفرقنا الذين يقاتلون الآن في غزة وحولها وفي جميع المناطق الأخرى في إسرائيل». وهذا الاستدعاء لم يكن حديثا أيضا ففي كتابه «الجريمة المقدسة» ذكر الدكتور «عصام سخنيني»، أستاذ التاريخ السابق في جامعة «البتراء» الأردنية أن «خطاب الإبادة الصهيوني استخدم التوراة وأسفارها لشرعنة وتبرير جرائمه وممارسته المارقة عن كل قانون دولي في فلسطين ورغم التعارض الصارخ بين الصهيونية بوصفها حركة علمانية والتوراة بوصفها نصا دينيا فقد استغلت الأولى الشريعة اليهودية حتى تتحقَّق لها أطماعها الاستعمارية ويرى «سخنيني» أن «فعل الإبادة الصهيوني» اتخذ من الرموز والأساطير الكتابية -أو التوراتية- «مرجعية له يستوحي منها ما فعل الأسلاف لتطبيقه على الواقع الراهن“، وهو ما يؤكده تصريح الأستاذ بجامعة حيفا (بيت هلحمي) إذ يرى أن إسرائيل تتعامل مع كتابها المقدس بوصفه مرجعا تاريخيا يجب تكرار أحداثه التاريخية. ووفق هذه الرواية فإن إبراهام -أو نبي الله إبراهيم- كان أول من عهد إليه «يهوه» (الإله التوراتي) بأرض فلسطين التاريخية، واختص بهذا العهد من ذريته إسحاق ثم يعقوب -أو إسرائيل- لتكون هذه الأرض من بعده ملكا لبني إسرائيل بحق إلهي مقدس كما يشرح سفر التثنية بوضوح الإستراتيجية الحربية الواجب اتباعها عند دخول البلدان حيث يقول: «حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفُتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبد لك وإن لم تسالمك بل أعلنت عليك حربا فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة فتغنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك . ** وانطلاقا من هذا التأصيل الكتابي يرى الدكتور «رشاد الشامي» الباحث المخضرم في الشؤون العبرية أن هذه القوانين الكتابية «هي التي يتسلمها القادة الإسرائيليون كمصدر وحي وكشريعة مقدسة لاستئناف الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين على أساس أن كل جريمة تصبح شرعية وقانونية من أجل تحقيق وعد الرب». وبمزيد من التأمل في هذا التأصيل الكتابي، سنجد في سفر يشوع بأن «يشوع» عند اقتحامه أرض كنعان -فلسطين التاريخية- مع جيشه من بني إسرائيل، لم يُبقوا عِرقا ينبض بالحياة في كل المدن التي اقتحموها. المدينة بالنار مع كل ما بها». والتحريم هنا معناه الإبادة، وكذلك فعلوا بـ «عاي» التي يحكي النص أن «يشوع» أحرقها «وجعلها يبابا أبديا خرابا».

585

| 30 مايو 2025

قطر رائدة الثورة الرقمية وقيم الشرعية

جاءت آخر الأخبار تقول إن الجيش الإسرائيلي أطلق الرصاص على وفد من الدبلوماسيين حل بمخيمات جنين للتحقيق في وضع اللاجئين الفلسطينيين وهو ما أدانته عديد الدول الغربية الى درجة سحب سفرائها من إسرائيل وإيقاف الشراكة الأوروبية الإسرائيلية ومن جهة ثانية تم قتل اثنين من موظفي سفارة إسرائيل بواشنطن بسلاح رجل غير عربي صرخ وهو يطلق النار: «الحرية للشعب الفلسطيني لا للمجازر» هذه بعض تفاصيل جديدة من الأزمات التي تواجهها الدبلوماسية القطرية بأخلاقها والتمسك بالشرعية الدولية وهو ما حلله معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في كلمته أثناء افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي الذي نظمته دولة قطر هذه الأيام لشرح ما أسميه فلسفة السياسة الخارجية القطرية التي يرعاها ويوجهها حضرة صاحب السمو أمير الدولة حفظه الله وكان سموه حاضرا يشرف المنتدى ويرعاه بحضوره. وحلل معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية مواقف قطر من شتى الأزمات الإقليمية والدولية ومرتكزاتها الأخلاقية والمبدئية والشرعية الأممية التي تحركها وتعزز فاعليتها في حل مختلف القضايا المعقدة وقال معاليه:» نلتقي اليوم وعالمُنا يتخبطُ في التحديات والأزمات. فما كاد يَتعافى من جائحة كوفيد-19 حتى وجدنا أنفسَنا في مواجهة حروبٍ تُلقي بظلالها الثقيلة على تفاصيلِ حياتنا وتدور رحاها في مختلف أنحاء العالم... الحرب الروسية الأوكرانية في أوروبا والأزمة السودانية في إفريقيا... وأحدثُ فصولِها تجري الآن في قطاع غزة حيث تفاقمت الأزمة الإنسانية لتحصد الحرب أرواحَ آلاف الضحايا من الأطفالِ والنساءِ والشيوخ الأبرياء. ومع أن دولة قطر كانت في مقدمةِ مَنْ حذروا مِن خطرِ تمددِ هذه الحرب نحو مناطق أخرى في الإقليم إلا أن العالم بأكملهِ فشلَ في منعِ ذلك وتمددت المواجهات حتى البحر الأحمر ‏مما هدد الملاحة الدولية وزاد من مصاعب التجارة العالمية ‏التي تعاني أصلاً. وأضاف معاليه:» إن التحديات المتعددة الناجمة عن هذه الأزمات المتعاقبة تفرض على الدول العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية حيث إن ذلك يساهم في خلق واحات للاستقرار...وهذا ما تمّكنت دولة قطر من تحقيقه بقيادة وحكمة سيدي حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني- حفظه الله- التي تجسدت في «رؤية قطر الوطنية 2030”، وهو ما مكّن البلاد من اجتياز تحديات جمّة وصولاً إلى المرونة التي تُميز الاقتصاد القطري وتضعه في موقع تنافسي على المستوى العالمي وكفاءة الاستثمار في الثروات الطبيعية والطاقات البشرية. وبفضل الله تعالى واصل الاقتصاد القطري تحقيق المؤشرات الدالة على ثباته وازدهاره، فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لغاية الربع الثالث من 2023 نمواً بنحو 1.6%... وتزامن هذا النمو مع تحسن مؤشرات الاستقرار المالي مع تبني الحكومة خطةً مالية مرنة تجاه التقلبات في أسعار الطاقة. وشرح معاليه كيف تتصور قطر آخر مراحل «رؤية قطر الوطنية 2030»، قائلا:» سوف تواصل الحكومة العمل لاستكمال وتعزيز اقتصاد قطري متنوع مدفوعٍ بمبادرات القطاع الخاص المحلي والأجنبي ومدعومٍ بسلسلة من الإصلاحات التنظيمية والحوافز الاستثمارية ومؤهلٍ لتبوؤ مرتبة متقدمة بين أفضل 10 دول من حيث بيئة الأعمال. كما أكد الشيخ محمد بن عبد الرحمن أن قطر تسير نحو تحولٍ رقمي شامل من خلال الاستثمار أكثر في مجالات التكنولوجيا والابتكار والذكاء الاصطناعي ولأجل ذلك خصصت الدولة حزمةَ حوافزٍ بقيمة 9 مليارات ريال قطري. وفي سبيل تحقيق ذلك تستضيف دولة قطر ولأول مرة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا مؤتمر قمة الويب وعلى هامش هذه القمة تم إطلاق مشروع «إبدأ في قطر»، حيث تم تسجيل أكثر من 250 شركة ناشئة. وفي نفس السياق أعلن معاليه عن مشروع إطلاق الذكاء الاصطناعي العربي «الفنار» والذي سيعتمد بشكل أساسي على جمع بيانات إعادة الجودة باللغة العربية والذي سيسهم بدوره على اثراء النماذج اللغوية الكبيرة والحفاظ على الهوية العربية. مشددا على أن الحكومة تواصل استثمارها في مجال الطاقة وبحلول عام 2030، وبفضل مشروع توسعة حقل الشمال ستكون قطر قد أكملت توسعتها في إنتاج الغاز الطبيعي المسال مما سيرفع إجمالي الإنتاج إلى 142 مليون طن سنوياً... وأضاف قائلا:» كلنا فخر بأن دولة قطر أصبحت منارة للفرص الاقتصادية للكثيرين ويسعى إليها المستثمرون من أنحاء العالم... وتوفر الأساس الاقتصادي للنجاح الذي يمكن أن ينهض بالمنطقة حتى يتمكن الجميع من التمتع بهذا الرخاء مختتما كلمته بالتعبير عن الأمل بقدرةِ شعوبِنا على تخطي التحديات التي تواجهنا وفي قطر كلنا عزمٌ على إحداثِ التغييرِ لتأسيس مستقبلٍ أفضلَ لنا جميعاً... نتطلع إلى رؤية الفرص الاستثمارية الجديدة من خلال منصة هذا المنتدى. هذه بعض التفاصيل التي شرح بها معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن ريادة قطر للتحول العالمي الرقمي بواسطة فتح افاق الاستثمار في الرقمنة وجعلها المحرك الجديد للاقتصاد والتعاون الاستثماري والتجاري بين الدول في عالم لم يعد ينعم كما كان باستقرار أمني واستراتيجي تقليدي ألفناه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 الى اليوم حيث كنا نؤمن جميعا أم ما يسمى «النظام العالمي» والذي تقوده القوى الغربية المنتصرة على النازية الهتلرية والفاشية الموسولينية الإيطالية والهيمنة الإمبراطورية اليابانية. نعم كنا نحسب أن ذلك النظام دائم مستمر لن يتزحزح عن خدمة رواده أي الولايات المتحدة وأوروبا بينما يقبع جميع سكان القارات الإفريقية والأسيوية وأمريكا الجنوبية في المقاعد الخلفية لمسار التنمية. لكن العالم فوجئ بتغيير جذري في التحالفات والشراكات المعروفة قديما مما يضطرنا جميعا الى التفاعل الإيجابي مع الوضع الجديد وكما سمعنا مقدمة معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن فإن دولة قطر لا تفقد لا مبادئها ولا التزاماتها بالقانون الدولي الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة وهو الأعدل والأرقى مهما تغيرت النظم التقليدية. ولنلق نظرة على توسع حركات رفض مجازر الكيان المحتل لفلسطين الى أوروبا نفسها حيث أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي قراره بإيقاف العمل باتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية ومطالبته بوقف حرب الإبادة حالا والاعتراف بدولة فلسطين. ثم تأمل يا قارئي العزيز في تصريحات (أولمرت) رئيس الحكومة الأسبق حين قال «إن ممارسات جيشنا تقترب من جريمة حرب» وكذلك تصريح رئيس الحزب الديمقراطي الإسرائيلي (يائير غولان) الذي قال في الكنيست الثلاثاء الماضي «إن ما يقوم به ناتنياهو يوصم دولتنا بالعار ويندى له جبين الإنسانية بل إني أعتبر ناتنياهو إرهابيا وبلادنا ستكون منبوذة مثلما كانت جنوب افريقيا من قبل» نعم تغير الرأي العام العالمي من تأييد مطلق الى نبذ كيان لا يقيم وزنا لا للأخلاق ولا لأرواح الأبرياء ولا ننسى أن فضائية الجزيرة بقنواتها العديدة هي الرائدة في إنجاز هذا التغيير.

489

| 23 مايو 2025

روسيا والصين أمام التحولات الجذرية للتحالفات

كانت زيارة الرئيس (ترامب) للخليج حدثا تاريخيا بكل المقاييس حيث استكملت قرارات (ترامب) إعادة تشكيل خارطة العلاقات الدولية وإعادة رسم التحالفات التقليدية بل قلبت كل ذلك رأسا على عقب وأصبح الخليج قاطرة للأمة العربية الإسلامية توقظه من الأيديولوجيات والأوهام وتدفعه الى استثمار الواقع الدولي الجديد في وضع حد لحرب الإبادة الإسرائيلية. الرئيس الأمريكي امتدح جهود حضرة صاحب السمو أمير قطر حفظه الله مؤكدا انه شريك موثوق في تحقيق السلام لا في الملف الفلسطيني فحسب بل في ملف الحرب بين روسيا وأوكرانيا كما كان الدور القطري ناجعا في الوساطة بين طالبان والولايات المتحدة منذ سنتين. وأضاف الرئيس (ترامب) رجاءه بأن تساعد قطر الولايات المتحدة في تنظيم كأس العالم القادم بالنظر الى تجربة كأس العالم عام 2022 التي وصفها بالرائعة والمدهشة. كل هذه الحقائق التي استخلصها الخليج وبخاصة دولة قطر بفضل حكمة قيادتها الرشيدة أدت الى رفع العقوبات عن سوريا الجديدة وطرح ملف فلسطين على الولايات المتحدة التي بدأت تشعر بالتناقضات بين مصالحها وهوس رئيس حكومة إسرائيل الشخصية. ولكننا في هذا المقال نتساءل بصدق عن أوضاع الصين وروسيا وهما قوتان عظميان لا بد أن نخصص لهما هذا التحليل المتواضع. شاهدنا جميعا على كل الشاشات احتفالين اثنين لإحياء الذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء (الدول الغربية زائد روسيا) على قوات المحور (ألمانيا الهتلرية النازية واليابان الامبراطوري المترهل وإيطاليا الفاشية الموسولينية). انتظم الاحتفال الغربي في فرنسا وفي بلدة ساحلية أطلسية اشتهرت بما يسمى «إنزال القوات البحرية الأمريكية والكندية في أوروبا لاستكمال تحريرها من الاحتلال الألماني يوم 8 مايو 1944 وانتظم الاحتفال الروسي في ساحة الكرملين الحمراء بإشراف الرئيس (فلاديمير بوتين) واستعراض مخيف للجيش الأحمر وخاصة صواريخه الحاملة للرؤوس النووية والعابرة للقارات والمحيطات! وخطب في احتفال الغرب الرئيس الفرنسي (ماكرون) بلهجة حماسية فأعاد للأذهان صورا عاطفية من ذكريات المقاتلين الذين فدوا بأرواحهم حرية أوروبا كما خطب (بوتين) في احتفال موسكو مستعملا لغة التهديد ومذكرا بأن روسيا تتعرض لإرهاب أوكراني مدعوم من أوروبا ووعد شعبه بالانتصار القريب. لكن أكثر ما لفت أنظار الرأي العام العالمي هو حضور الرئيس الصيني (شي جين بينغ) الى جانب الرئيس الروسي مع رؤساء عديد الدول المخلصة لروسيا الاتحادية الى اليوم والمتحالفة معها بعقود عسكرية سرية! ونبدأ جولتنا من صحيفة (فاينانشيال تايمز البريطانية) ومقال بعنوان «بوتين وشي أكبر المستفيدين من فوضى العلاقات الدولية» كتبه (ألكسندر غابوييف) المتخصص في شؤون القوى العظمى يتناول فيه الكاتب التقارب بين روسيا والصين في ظل الفترة الثانية للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) التي شهدت قرارات مثيرة للجدل على المسرح الدولي حيث يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى زيارة الرئيس الصيني (شي جين بينغ) إلى موسكو التي استمرت لأربعة أيام للمشاركة في الاحتفالات بذكرى النصر على الألمان في الحرب العالمية الثانية ويستذكر الكاتب تصريحاً للرئيس الصيني قاله أثناء توديعه بوتين في الكرملين خلال زيارة سابقة في مارس 2023: «هناك تغييرات تحدث لم نشهد مثلها منذ 100 عام. ونحن من نقود هذه التغييرات معاً. فيرى الكاتب أنه مع انطلاق قمة (بوتين وشي) في موسكو يُمكنهما الاطمئنان إلى أن هذه التغييرات قد تحققت بالفعل حتى لو كان ذلك مدفوعاً جزئياً برئاسة ترامب وكتب: «يمر العالم بمنعطف حاسم وبكين وموسكو على وشك أن تكونا المستفيدتين الرئيسيتين. الآن لا يحتاج (بوتين وشي) إلا إلى وضع استراتيجيات حول كيفية الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية وضمان أن يكون زوال القطبية الواحدة لا رجعة فيه. ويشير الكاتب إلى زيارة الرئيس الصيني السابقة إلى روسيا قبل عامين والتي شهدت «إعلانه عدم التخلي عن بوتين»، وبدلاً من ذلك «اختار دعم روسيا سراً في حربها ضد أوكرانيا» على الرغم من أن هذا الاختيار بدا رهاناً محفوفاً بالمخاطر آنذاك وفق الكاتب ونتيجة لتلك الزيارة أطلقت الصين سلعاً إلى روسيا مثل الرقائق المتطورة والأدوات الآلية المتقدمة، التي ساعدت في إصلاح المجمع الصناعي العسكري الروسي المتضرر بل وتعزيز آلته العسكرية. كما أتاحت الصين مساحة إضافية للسلع الروسية في أسواقها العملاقة ما سمح لموسكو بتحقيق عائدات تصدير هي في أمسّ الحاجة إليها ووضع الاقتصاد الروسي على أهبة الاستعداد للحرب وفق رأيه. و أضاف الكاتب: «في غضون ذلك استطاعت الصين الوصول بشكل أيسر إلى الوقود الهيدروكربوني والمعادن والأسمدة والسلع الزراعية الرخيصة والأسلحة الروسية المتطورة التي تم اختبارها في المعارك والمواهب التقنية الروسية التي طُردت من المختبرات الغربية» فمن غير المرجح أن يظلا متفرجين لأن روسيا والصين تعلمتا كيفية تحصين نفسيهما ضد أحادية القطبية التكنولوجية والمالية على العالم وفق الكاتب الذي يرى أن قدرة روسيا على شن حرب مكلفة بدعم من الصين على الرغم من موجة العقوبات الغربية هي «أفضل دليل على أساليب الصين في حماية نفسها من أمريكا سواء بالاعتماد على اليوان (العملة الصينية) في المدفوعات والمدخرات أو باحتضان التكنولوجيا الصينية. ويرجح الكاتب أن تسوق موسكو وبكين لهذه الأدوات والأساليب بقوة في دول الجنوب العالمي بما في ذلك من خلال مجموعة البريكس، «ومع حرب التعريفات الجمركية العالمية التي يشنها ترامب أصبح مروجاً لها دون قصد ثم يتطرق الكاتب إلى ما اعتبره رأي (بوتين وشي) في الديمقراطية الغربية باعتبارها بعيدة كل البعد عن الكمال و تعليقي هو «علينا جميعا أن لا ننسى تاريخ الإمبراطورية الصينية الممتد منذ خمسة آلاف عام الى اليوم فيما يسمى (طريق الحرير) وهو النظام العالمي الذي اكتشفته الصين ونفذته والمعتمد على مد جسور التعاون والتجارة وتبادل الثروات بين الأمم بلا حواجز وبلا حدود من أجل عالم متكاملة اقتصاداته ومترابطة شبكاته تنعم فيه البشرية بالأمن والسلام والاستقرار مع العلم أن دولا في آسيا وأمريكا الجنوبية وافريقيا بدأت تنخرط في طريق الحرير والتحرر من الهيمنة الغربية! ونختم هذا المقال بما كتبه صاحبه في ختام المقال حيث قال: “في مستقبل بديل أكثر قتامة قد يرى الزعيمان (شي وبوتين) السنوات القادمة فرصةً لترسيخ إرثهما من خلال اتخاذ قراراتٍ قد تُخلّدهما في التاريخ بما في ذلك إعادة رسم خريطة العالم بشكل أكبر. اليوم نشهد قرار (ترامب) باعتبار (بوتين) حليفا ونشهد عدم اعترافه بالاتحاد الأوروبي شريكا ونشهد بداية عهد أدرك فيه (ترامب ضرورة تقديم تنازلات وترضيات في الملف الفلسطيني و(ترامب) فتح حوارا بينه وبين إيران في مسقط وقرر أن يشارك في مفاوضات (بوتين-زيلنسكي) في جينيف!! وأهم مفاجأة قراره في الرياض برفع العقوبات عن الدولة السورية ومن جهتها حررت فصائل القسام رهينة أمريكية إسرائيلية فشعرنا بعودة بعض الأمل بانتصار الحق على الباطل.

543

| 16 مايو 2025

اتهامات كيدية لدولة قطر تفندها الحقائق

سجل العالم كله حقيقة ساطعة لم تعد في حاجة إلى براهين وهي أن رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو) تحول إلى جرافة بشرية عملاقة ومجنونة تهدم كل ما تراه أمامها من بشر وحجر وشجر بل ولم تصده حتى مظاهرات الإسرائيليين بمئات الآلاف ضد ممارساته التي هددت أرواح الرهائن الذين تحتجزهم حماس كي تبادلهم بسجناء المقاومة الفلسطينية القابعين في أسوأ سجونها وأشدها تنكيلا وتعذيبا منذ ثلث قرن! كما سجل العالم أن (نتنياهو) يتشبث بحرب الإبادة لأسباب شخصية لأن حالة استمرار الحرب تجعله آمنا مؤقتا من الملاحقات القضائية خارج وداخل بلاده وهو المطلوب من محكمة الجنايات الدولية بمدينة لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب مع وزيره للدفاع والمطلوب للمحاكم الإسرائيلية بتهم الفساد والرشاوى! فهو الهارب إلى الأمام أي إلى المجهول كأنه جرافة بشرية هائجة لا يوقفه شيء ولا يثنيه دم ضحاياه من الأبرياء والأطفال والنساء. وبعد قصف عشوائي لقطاع غزة الشهيد راح يقصف موقعا قريبا من قصر الرئاسة السوري بتعلة حماية الطائفة الدرزية رغم رفض هذه الطائفة بل انخرط العديد من شبابها في الجيش والأمن الوطنيين بقيادة حكومة أحمد الشرع ثم حين وصل صاروخ يمني إلى قلب مطار (بن غوريون) يوم الأحد الماضي وتعطلت حركة الطيران المدني والعسكري في سماء المحتل التفت (نتنياهو) إلى اليمنيين يهددهم بشن حرب عليهم سماها (الجحيم) ولكنهم أعلنوا قبول التضحيات والاستمرار في نصرة إخوتهم الغزاويين ما دامت الإبادة متواصلة بل هددوا بإغلاق كل ممرات البحر الأحمر وهو الذي تمر منه 40% من الثروات النفطية والغازية! وجاءت المفاجأة من واشنطن بالإعلان عن انتهاء هجومات طائرات الولايات المتحدة بسبب قبول الحوثيين إنهاء الهجومات على البواخر التي تعبر البحر الأحمر. ثم لا تنسوا بلطجة الجيش الإسرائيلي في لبنان وقصف جنوبه يوميا ومنذ شهر بدون انقطاع ذلك رغم توقيع اتفاق واضح البنود بين حكومة الرئيس المنتخب العماد (جوزيف عون) ورئيس حكومة المحتل! واستعمل المتحيل أسطوانة «حتمية نزع سلاح حزب الله» وهو يدرك أن المقاومة اللبنانية لن تستسلم ما دامت أجزاء من أرضها محتلة ومضمومة لدولة الاحتلال بدعوى اتخاذها حزاما أمنيا يحميها من «العدوان»!!! في هذا المناخ الذي عفنته ممارسات عشوائية إسرائيلية يطلع (نتنياهو) على العالم بفرية سماها «عدم حيادية قطر في وساطتها بين المحتل والمقاومة الفلسطينية»! بعد فشل مؤامرة مكشوفة تخيلها مكتب رئيس حكومة الاحتلال اسمها «قطر غيت»! وطبعا لم يصدقها العالم بكل مكوناته بفضل الثقة التي تحظى بها دولة قطر والتي صنعتها دبلوماسية قطرية ذكية ترتكز على القيم والمبادئ والأخلاق. مما بوأها منزلة الشريك في السلام والحليف الموثوق في حل الأزمات الإقليمية والدولية. وبهذا الرصيد المشرف رفضت وزارة الخارجية القطرية تصريحات مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) حول دورها في الوساطة مع حركة «حماس» بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية د. ماجد الأنصاري في بيان صباح الأحد الماضي «إن بلاده ترفض بشكل قاطع التصريحات التحريضية الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي والتي تفتقر إلى أدنى مستويات المسؤولية السياسية والأخلاقية». مضيفا «إن تصوير استمرار العدوان على غزة كدفاع عن «التحضّر» يعيد إلى الأذهان خطابات أنظمة عبر التاريخ استخدمت شعارات زائفة لتبرير جرائمها بحق المدنيين الأبرياء». وأضاف المتحدث أنه «منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة عملت دولة قطر بالتنسيق مع شركائها على دعم جهود الوساطة الهادفة إلى وقف الحرب وحماية المدنيين وضمان الإفراج عن الرهائن. ويجدر هنا طرح سؤال مشروع: هل تم الإفراج عما لا يقل عن 138 رهينة عبر العمليات العسكرية؟». وأشار الأنصاري إلى أن «الشعب الفلسطيني في غزة (يعيش) واحدة من أسوأ الكوارث عرفتها الإنسانية في العصر الحديث من حصار خانق وتجويع ممنهج وحرمان من الدواء والمأوى إلى استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح للضغط والابتزاز السياسي. فهل هذا هو»التحضّر» الذي يُراد تسويقه؟». انتهى تصريح د. ماجد ونستمر معا في قراءة الجرائم المرتكبة حيث أعلن الجيش الإسرائيلي الخميس قصف المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان مشيرا إلى أن ذلك تم لمنع وصول الأسلحة إلى حزب الله ذاكرا في بيانه أنه هاجم «بنى تحتية تستخدم لفتح طرق سرية تمرر منها إيران الأسلحة إلى حزب الله «الإرهابي» حسب زعمهم. وفي الحقيقة لم يكن قصف سوريا سوى تعلة لضم مساحات واسعة من الأراضي السورية للدولة العبرية المحتلة متعللة بضرورة إنسانية تقتضي التدخل الإسرائيلي لحماية الطائفة الدرزية مما تعتبره إسرائيل نظاما إسلاميا إرهابيا أقامه «الجولاني» في سوريا بعد هروب بشار الأسد!!! أذكر بما قاله د. ماجد الأنصاري من «أن هذا هو التحضر الذي يريدون إقناعنا به» بعد أن استعرض بعض ممارسات الهمجية والبلطجة لكيانات تدعي التفرد بالتحضر والديمقراطية وسط شرق أوسط أغلب سكانه مسلمون! وهي فرية تاريخية صدقها أغلب الناس بعد أن كرس الغرب لترويجها مئات الآلاف من المنابر والصحف ومراكز البحث ووسائل الاتصال الجماهيرية وحتى عبر الألعاب الإلكترونية للأطفال القصر بينما هي تزوير مفضوح للحقائق وتوظيف لفرض الاستعمار الجديد والهيمنة الوحشية على شعوبنا. إننا بإزاء أوسع وأخطر عملية غش وخديعة آخرها بث اتهامات وهمية ضد دولة قطر بقصد زعزعة ثقة العالم وقواه الحية في أمانتها ونزاهتها وحيادها الذي لا يتناقض مع مبادئها وأخلاقها. ولكن هيهات هيهات أن تنطلي أكاذيب المحتلين العنصريين على العالم فهذا العالم أدرك أن حرب الإبادة جريمة إنسانية وأن المقاومة لديها حق مشروع لتحرير وطنها.

486

| 09 مايو 2025

قطر وأمن العالم في منتداه الأخير

دأبت دولة قطر بتوجيه من قيادتها الحكيمة على عقد مؤتمرات ومنتديات ذات طابع عالمي تخصص للتحاور العميق حول قضايا أساسية تتعلق بالسلام وأمن الجميع إيمانا من دولة قطر بأن عديد المخاطر المحدقة بالأوطان لا يمكن أن تحلها دولة بعينها داخل حدودها ومن أوكد الواجبات حلها بتجاوز الحدود الوطنية والإقليمية. ونحن نعيش اليوم عام 2025 تهديدات معقدة وعسيرة وعصية للسلام وللصحة ولمستقبل البشرية جمعاء وهذا ما أشار اليه حضرة صاحب السمو أمير قطر حفظه الله ورعاه في عديد المناسبات وعلى عديد المنابر داعيا دون كلل ودون تردد الى تجميع قوى الخير وتنسيق جهودها وبهذه القيم والمبادئ افتتح مـــعـــالـــي الـــشـــيـــخ مــحــمــد بـن عبد الرحمن بـن جـاسـم آل ثـانـي رئيس مجلس الــوزراء وزيـر الخارجية يوم الاثنين الماضي أعـمـال مـنـتـدى الأمن الـعـالمـي 2025 في نـسـخـتـه الـسـابـعـة تـحـت شـعـار «تـأثـيـر الـجـهـات الـفـاعـلـة غـيـر الـحـكـومـيـة في الحفاظ على أمن العالم» مع العلم أن هذا المنتدى انعقد في زمن يــحــتــاج فــيــه الــعــالــم إلـــى حــوار عميق وصــادق وإلـى شـراكـات مبتكرة قــادرة عـلـى الـتـصـدي لـتـحـديـات العالم المضطرب. وقال معاليه: «حيث يشهد نظامنا الـدولـي الـيـوم تحولات جـذريـة تفرض علينا إعادة تقييم مفاهيمنا حول الأمن وسلط معاليه الـضـوء فـي كلمته على الأزمات الممتدة مـن أوكـرانـيـا إلـى الشرق الأوسط مؤكدا أن النزاعات لم تعد أحداثا عابرة بل تحولت إلى ظواهر مترابطة تتطلب إرادة سياسية جماعية وإستراتيجيات شاملة لإعادة البناء ليس على المستوى السياسي فقط بـل والاجتماعي والنفسي أيــضــا. وقــال مـعـالـيـه: يـشـهـد نظامنا الـدولـي الـيـوم تحولات جـذريـة تفرض علينا إعادة تقييم مفاهيمنا حول الأمن والاستقرار. ولم تعد الصراعات أحداثا عابرة يمكن احتواؤها بل تحولت إلى ظواهر ممتدة تتوالد وتتداخل فارضة عـلـى الــعــالــم أزمــــات مـتـشـابـكـة يـغـذي بعضها بعضا مـن أوكـرانـيـا إلـى فلسطين مرورا بالأزمات المتعددة في قـطـاع غــزة مـنـذ أكـثـر من عام ونصف يقدم لنا دروسًا مؤملة حول هــذه الـديـنـامـيـكـيـة. فــوســط دمـــار غير مسبوق وكـارثـة إنسانية تـجـاوزت كل الخطوط الحمراء نعتقد أن للمنظمات الإنسانية والمبادرات المحلية دورا بـالـغ الأهمية فـي إبـقـاء شـريـان الـحـيـاة مـتـدفـقًا وفي نقل معاناة المدنيين إلـى العالم. وأكثر ما يؤلم ويمثل وصمة عار على جبين العالم كله أن قطع الغذاء والدواء بات سلاحًا في هذه الحرب فيستغل موت الأطفال جـــوعًا وبــــردًا سلاحًا لـتـحـقـيـق مــآرب سياسية ضيقة ولا يفوتنا أن نسجل بــــوادر إيــجــابــيــة يـجـب الـتـمـسـك بـهـا وتـعـزيـزهـا فـفـي سـوريـا نـرى الـدولـة التي يعاد بناؤها وشعبا يعمل على رسـم صـورة جـديـدة لـبلاده مــع إدراك دقــة المرحلة والــحــاجــة إلـى خـطـاب وطـنـي جـامــع. وفـي لبنان يمثل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة فرصة لإعادة إحياء المؤسسات وتــعــزيــز الــثــقــة بــالــدولــة ومستقبلها شريطة أن يتزامن ذلك مع إصلاحات جـوهـريـة وإشـــراك حقيقي للمجتمع المدني وأضاف مــعــالــيــه: «لطالما كــانــت دولــة قـطـر مـلـتـزمـة بـمـبـدأ الــحــوار كـوسـيـلـة أسـاسـيـة لحل الـنـزاعـات وبـنـاء الــسلام مــــن خلال تـــجـــاربـــنـــا المتعددة فـي الــوســاطــة لحل الــنــزاعــات حيث أدركــنــا أن بــنــاء الــــسلام الـحـقـيـقـي يـتـطـلـب فـتـح قنوات حوار مع جميع الأطراف المؤثرة واحـــتـــرام خــصــوصــيــات كــل مـجـتـمـع مع الاعتراف بالمظالم التاريخية والعمل عــلــى مـعـالـجـتـهـا بــــروح مـــن الــعــدالــة والشرعية والإنسانية. وشـهـد المنتدى سـلـسـلـة مــن الـجـلـسـات الـحـواريـة والنقاشات رفيعة المستوى، تـنـاولـت قـضـايـا أمـنـيـة وإنـسـانـيـة ذات أبعاد إقليمية ودولية بمشاركة نخبة من المسؤولين والخبراء وتركزت الجلسات الحوارية على المواقف الوطنية والدولية لا سـيـمـا فــي ظل الـتـوتـرات الجيوسياسية المتصاعدة وأهـمـيـة بـنـاء نـظـام أمــن جـمـاعـي يتسم بالمرونة والاستباقية حيث ناقشت جلسات منتدى الأمن العالمي 2025 مجموعة من القضايا المتعلقة بتزايد الصراعات فـي الـعـالـم الـتـي تـقـودهـا الـجـهـات الـفـاعـلـة غير الـحـكـومـيـة والــجــمــاعــات المسلحة والـشـبـكـات الـعـابـرة لـلـحـدود ومـا تمثله تلك الـصـراعـات من تـحـديـات أمـــام الــوســاطــة بالإضافة إلــى بحث الديناميكيات المتطورة بين الجهات الحكومية والكيانات غير الحكومية. وأجـمـع المشاركون خلال الـجـلـسـات النقاشية عـلـى أن الـعـالـم الـيـوم بـحـاجـة إلـى تـطـويـر آلـيـات عمل جـديـدة ومـقـاربـات دبلوماسية أكثر مرونة وابـتـكـارا بما يعزز فـرص تحقيق الأمن والسلم الدوليين في ظل المتغيرات المعقدة التي يشهدها النظام الـعـالمـي. وفـي هـذا الـسـيـاق أكـد الدكتور خــالــد عــبــد الــعــزيــز الـخـلـيـفـي الـخـبـيـر بـمـركـز أبحاث السياسات الدولية في قطر خلال جلسة تــحــت عــنــوان: «حـــل الــنــزاعــات والــوســاطــة فـي عصر الجهات الفاعلة غير الحكومية» أن دولة قطر تمتلك مـيـزة استراتيجية فـريـدة فـي مجال الوساطة بفضل قدرتها على التحدث مع جميع الأطراف بمرونة وحيادية وأوضــح الخليفي أن نـجـاح الـوسـاطـة القطرية يــعــود إلـــى عــوامــل رئـيـسـيـة أبـــرزهـــا: الـحـيـاد والانفتاح عــلــى جــمــيــع الأطراف والالتزام بالشرعية الدولية والسرية في إدارة المفاوضات مبينا أن النزاعات المعاصرة باتت تشمل أطرافا متعددة ومصالح متشابكة مما يتطلب نهجا ابتكاريا جديدا للتعامل معها بـهـدف الــــوصــــول إلــــى حـــلـــول دائـــمـــة تــضــمــن الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا. إن ما استعرضناه من أشغال وفعاليات المنتدى يؤكد بوضوح انخراط دولة قطر بذكاء في مجال السعي العالمي نحو السلام في عالم بدأ يفقد بوصلته التقليدية وفي عالم أصابه الدوار منذ عودة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) الى البيت الأبيض واتفاق الجميع على أن الإجراءات المفاجئة التي قررها الرئيس العائد للرئاسة تتسم بما سماه المحلل الشهير (توماس فريدمان): «الروح الانتقامية من الحزب الديمقراطي ومن الرئيس السابق (جو بايدن)». ثم قام (ترامب) بتغيير كامل للتحالفات المعروفة فأصبحت روسيا «العدو التقليدي للغرب الليبرالي» حليفة وأصبح الاتحاد الأوروبي الحليف الطبيعي للولايات المتحدة مهمشا معزولا في حين شن (ترامب) حربه الجمركية على الجميع مستهدفا الصين أساسا والصين ليست عدوا سهلا يمكن تدجينه ومقاومته بيسر! والذي نتج عن هذه الأعاصير هو ما نشهده من تغول المحتل الإسرائيلي واستمرار حرب الإبادة ضد فلسطين وضياع أوكرانيا بين روسيا وأوروبا ومع ذلك طبعا فوضى مالية واقتصادية وتجارية زلزلت أركان عالم كان مطمئنا وقريبا من تطبيق القانون الدولي على الجميع قبل أن يغتال هذا القانون ويعوضه قانون جديد يحمل اسمين هما (ترامب الذي يحتفل بمائة يوم على عهدته الثانية وايلون ماسك)!

672

| 02 مايو 2025

أسرار نجاح ونجاعة السياسة الخارجية القطرية

يبدو أن هذه الحكمة التي أشار إليها الكاتب مصطفى حايد هي إحدى مرتكزات السياسة الخارجية القطرية لأن الموقف القطري يحدده فهم الآليات النفسية التي تقود إلى العنف الاجتماعي الذي هو ليس ترفا فكريا بل هو خطوة أساسية نحو تفكيكها ومقاومتها وبدلا من أن نكون ضحايا سلبيين لهذه العمليات يمكننا الاختيار أن نكون فاعلين ومؤثرين في كسرها. هل لاحظتم موقف قطر من تصعيد حرب الإبادة وهي كوسيط تسجل عدم تفاعل المحتلين مع حلول مقترحة من قبل الوسطاء ولذلك لا تستبعد الانسحاب من هذه الوساطة. وإذا أردنا تحليلا صحيحا مثلا للزيارة الموفقة التي أداها حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى إلى موسكو فنحن ندرك أن غاية السياسة الخارجية الذكية القطرية هي الحرص على توازن الشركاء وتعادل الحلفاء بين القوى العظمى التي تتصارع وتتقاسم النفوذ والمكاسب وثروات العالم فيما بينها. وهل يفيد إنكار هذا المعطى الأساسي في مجال العلاقات الدولية الراهنة والاستعاضة عن الواقع رغم مرارته بأحلام وهمية وبطولات جوفاء قد تعود علينا نحن العرب والمسلمين بالوبال والخيبات ومزيد الهزائم؟! بهذا التفكيك العميق لحقائق العلاقات الدولية نفهم الوساطة القطرية بين المحتلين مغتصبي الأرض وحماس التي تدافع عن أرضها ومستقبل شبابها. وأورد هنا رأيا يندرج في نفس السياق كتبه المدون التونسي حميد الغربي يقول فيه: «الاستهانة بحقوق الشعوب لا تصنع سلاما بل تراكم الغضب وتمهد لانفجارات لا تحمد عقباها. فحين يصبح الظلم قانونا يعوض القانون الدولي كما جاء في ميثاق الأمم المتحدة علينا أن نرفضه مع إدراكنا بأننا لا نريد عالما خاليا من الظلم فالظلم داء قديم وجرح يسكن الأرض منذ أن قتل قابيل هابيل لكن المصيبة أن يصبح للظلم أنصار وأن يتحول الجلاد إلى بطل والضحية إلى متهم. * إن العدالة لم تعد عمياء بل مكممة مقيدة مختطفة من قبل كائن يصرخ في وجه الزمن بأنه هو القانون وأن من يعارضه خائن وأن الوطنية حكر على عيونه التي لا ترى وأذنيه التي لا تسمع ولسانه الذي يقطر حقدا. وكم من ضحية فلسطينية أخرى بعد عشرات الآلاف من الأبرياء ونصفهم من الأطفال على أيدي (ناتنياهو) المطلوب من محكمة الجنايات الدولية ليدرك الأحرار أن الوقت حان لمقاومة القهر والإبادة بالطرق العقلانية؟ وكم من مرة سنشرب القهر كالماء ونعض على الغصة كالرغيف؟ توزع المظالم كما توزع القبائل الطبول والمزامير يوم العيد. ومن يحلم يدفن حيا ومن يقول «لا» رافضا تعويض القانون الدولي بقانون الغاب يطرد من جغرافيا الوطن ومن يطالب بالحرية يتهم بالخيانة وتصبح القوانين لا تحمي الحقوق بل تدوسها وتصبح محاكمهم لا توزع «عدالتهم» بل تبيعها. حيث إن السكوت ليس حيادا بل جريمة.. بل خيانة. لن يتوقف الظالم لأنه لم يجد من يوقفه ولن يتراجع لأنه وجد في عبيده تصفيقا لكل صفعة.. هو لا يفهم معنى الوطن لأنه ليس من هذا الوطن.. وفي نفس سياق انعدام المنطق واستفحال الفوضى الاقتصادية والمالية وفي ظل الحرب الجمركية التي يشنها الرئيس (دونالد ترامب) يبقى السؤال الأكثر تداولا: هل سيصمد الدولار ويحافظ على مكانته المركزية في الاقتصاد العالمي؟ وفي حال أرادت الدول التخلي عن «الأخضر» فهل من بدائل؟ وكما نعلم فالدولار يترنح على وقع الحرب الجمركية التي يشنها الرئيس (دونالد ترامب) غير أنه لا يزال في الوقت الراهن يحافظ على موقعه كعملة لا غنى عنها في المبادلات التجارية والاحتياطات العالمية. لكن لكم من الوقت؟ فالعملة الخضراء التي تستمد قوتها من النفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة تظل الوسيلة الأوسع انتشارا للتحوط في أوقات الأزمات أو النزاعات لكن يمكن أن تفقد قيمتها مع تحول القوة والنفوذ من الولايات المتحدة إلى الصين مثلا وهي التي تملك اليوم عام 2025 أكبر مخزون من الدولارات بل أكثر مما هو موجود في الخزينة الفيدرالية الأمريكية!!! ولعل العملاق الروسي الذي ظل نائما إلى اليوم شرع يستيقظ من سباته بعد أن أيقظته حربه مع أوروبا القارة العجوز المتهالكة عبر الضحية أوكرانيا!! * هذه روسيا التي يزورها حضرة صاحب السمو أمير قطر، حفظه الله، وتتضمن مذكرة تفاهم بين جهاز قطر للاستثمار وصندوق الاستثمار الروسي: دفع التعاون مع روسيا إلى مجالات أرحب حيث تم توقيع اتفاقية و3 مذكرات تفاهم لبحث سبل تعزيز العلاقـــات وكذلك دعم الـتـعـاون والاسـتـثـمـار فـي عـدد مـن الـقـطـاعـات الحيوية لا سـيـمـا فـي مـجالات الـطـاقـة والاسـتـثـمـار والـثـقـافـة والـصـحـة بالإضافة إلى مناقشة أبرز القضايا الإقليمية والدولية التي تهم البلدين خاصة تـطـورات الأوضـاع في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة وسوريا ولبنان وذلك في حفل رسمي بقصر الكرملين والذي استهله فخامة الرئيس بالترحيب بسمو الأمير، مشيرا إلى تطور العلاقات بين البلدين ومنوها بزيارة سمو الأمير وما تجسده من عمق علاقات الصداقة والتعاون بينهما واصـفـا قطر بكونها مـن أهـم الـشـركـاء لـبلاده في الشرق الأوسـط. كما أعـرب فخامته عن تطلعه إلى تطوير هذه العلاقات لتشمل كافة مجالات الشراكة بما يحقق مصالح وطموحات الشعبين الروسي والقطري. وأصر سمو الأمير على إدراج قضيتنا المركزية الفلسطينية ضمن المحادثات وتضمينها في البيان الختامي للزيارة بما يمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وذات السيادة في حدود 1967وعاصمتها القدس الشرقية. * إنه لمن دواعي الاعتزاز أن تشق دولة قطر طريقها بين الأعاصير التي تعصف بالعالم وتفرض موقفها المشرف الجريء في الوساطات والمحافل الدولية دون أن تتنازل عن القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية التي تؤمن بها وتتخذها مرجعا لعلاقاتها الخارجية وسياساتها العقلانية بتوجيه حكيم من حضرة صاحب السمو أميرها وقائد مسيرتها، حفظه الله ورعاه، وهو ما يفسر مصداقية قطر وثقة الدول فيها. ولو تأملنا فقط نجاح الجزيرة بقنواتها العديدة في كشف جرائم الإبادة وكيف استطاعت الجزيرة بلغاتها العالمية المعروفة وبـ 450 مليون مشاهد يوميا أن تصنع رأيا عاما عالميا ضاغطا على الحكومات وفاعلا في توجيه المواقف الدولية والأممية تجاه قضية شعب فلسطين...!

525

| 25 أبريل 2025

يريدونها حربا شاملة ونريدها سلما شاملة

نظم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام منتدى أنطاليا الذي عقد في مركز «نيست» للمؤتمرات بولاية أنطاليا جنوبي تركيا واستضاف أكثر من 4 آلاف مشارك بينهم أكثر من 20 رئيس دولة وحكومة وما يزيد على 70 وزيرا وبينهم أكثر من 60 رئيسا لأكبر الشركات العابرة للقارات كأنما أراد الرئيس التركي أن يجعل منه الكفة الثانية من ميزان منتدى دافوس أي لإبلاغ الرأي العام العالمي بنظرة ملياري مسلم ومليارات من سكان البلدان الفقيرة والتي سماها الأسياد الغربيون «دولا في طريق النمو» إشفاقا عليها نظرتها للأزمات الخطيرة التي تهدد السلام والأمن في العالم لأن دافوس الذي بدأ منذ عشرين عاما ملتقى حرا للأفكار وحوارا موضوعيا بين الأمم انتهى هذه السنوات الأخيرة الى مختبر لقياس مدى تأثير الدول العظمى المستكبرة على سياسات الدول المستضعفة، فوجب على زعيم مسلم يقود أكبر دولة سنية أن يعدل المسار ويعيد التوازنات النزيهة لعالم فقد البوصلة وخضع كالمسحور لقوة عاصفة بلا ضمير وبلا أخلاق وبلا أديان بفعل رجلين فقط أحدهما أغنى أثرياء الدنيا وثانيهما رجل صفقات مالية كبرى انتخبه شعبه لرئاسة الجمهورية!. أكد أغلب الزعماء المشاركين في المنتدى على أهمية التعددية في عالم متغير حيث جاء ذلك في جلسة عقدت الجمعة بعنوان «البحث عن الشراكة في عصر التعددية القطبية» بمشاركة رئيس جمهورية الجبل الأسود ورؤساء وزراء كل من مولدوفا وجورجيا وبلغاريا إضافة إلى رئيسة كرواتيا السابقة وفقا لمراسل الأناضول ونظم الجلسة نائب حزب العدالة والتنمية عن أنطاليا (مولود تشاووش أوغلو) وشارك فيها نائب الرئيس التركي (جودت يلماز) وأشار المشاركون إلى أن الهدف يجب أن يكون إنشاء نظام عالمي جديد متبادل وغير تمييزي وأن يدار هذا النظام من قبل المنظمات الدولية حتى لا يتمكن أحد من إساءة معاملة الطرف الآخر. وينعقد المنتدى في زمن يكشف فيه ديناميكية العلاقات التركية الإسرائيلية التي تتسم بالمد والجزر المستمر لكن بعد الحرب الإسرائيلية على غزة قُطعت العلاقات وتم سحب السفراء بشكل متبادل. وأصبحت تركيا واحدة من الدول التي أبدت أشد ردود الفعل ضد إسرائيل على كافة الأصعدة. وفي نفس وقت انعقاد المنتدى التركي تواصل اسرائيل حرب الإبادة على غزة، والقصف الإسرائيلي لمناطق عديدة بالقطاع وقصفت ضاحية بيروت الجنوبية كما قصفت بلدات عدة بجنوب لبنان وألقت قنابل حارقة على بلدة الخيام جنوبي لبنان. ومن الأحداث الطارئة التي لم نتوقعها إصرار الجيش اليمني على استئناف استهداف السفن العدو ومنعها من عبور البحر الأحمر وإطلاق صواريخ بالستية على الأرض المحتلة منها صاروخ زعزع «أمن» الإسرائيليين على شواطئ تل أبيب فهرعوا في فزع الى المخابئ ثم صاروخ أصاب مطار بن غوريون مما يؤكد أن المقاومة الإسلامية حماس ما تزال صامدة مسنودة وستبقى كذلك ما دامت حرب نتنياهو الشخصية الإبادية مستمرة على فلسطين. وبلغ المجتمع الإسرائيلي درجة غير مسبوقة من التفكك والتحلل تنذر ربما بتهديد وجودي لهذا الكيان المزروع اصطناعيا في الشرق الأوسط الذي تعايشت فيه كل الأديان السماوية في سلام ووفاق منذ قرون فتضاعف عدد المظاهرات الجماهيرية في إسرائيل مطالبة برحيل حكومة نتنياهو وإعادة الرهائن بالمفاوضات ثم تعددت التحركات العسكرية لتدين القيادة السياسية وتعلن تمردها على نتنياهو بداية من ودادية الطيارين ثم جيش البر والمدرعات ثم موظفي الموساد والشاباك ثم أعضاء المحكمة العليا. وهنا كتب الإعلامي الفرنسي الكبير (إيدي بلينيل) في صحيفته (ميديابارت) يقول: تحت عنوان: “إسرائيل بداية وعي داخل الجيش تثير قلق السلطة وإنه بينما يعلنُ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيمين نتنياهو باسم الحرب ضد حركة حماس عن توسيع هجومه الدموي على غزة تظهر علامات تململ داخل الجيش الإسرائيلي. فقد انطلق الحراك من طيّاري الاحتياط وبدأ ينتشر تدريجياً. يبدو أن هناك بوادر عصيان بدأ يهبّ داخل الصفوف في إسرائيل. فمنذ هجوم 7 أكتوبر 2023 يعمل نتنياهو على خلط متعمد بين الحق في الدفاع عن النفس وحق الانتقام من الشعب الفلسطيني» ومن جهة أخرى «كتب المحرر الدبلوماسي في صحيفة “الغارديان” (باتريك وينتور) إن نوابا في البرلمان البريطاني يضغطون على وزارة الخارجية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. ودعت (إيميلي ثورنبيري) رئيسة اللجنة المختارة للشؤون الخارجية في مجلس العموم لأن تنضم إلى دعوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال إن مؤتمر الأمم المتحدة في يونيو يجب أن يكون حاسما. ومن القدس المحتلة: حذر رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي (إيال زامير) الحكومة من أن نقص عدد الجنود قد يحد من قدرة الجيش على تحقيق طموحات القيادة السياسية ومخططاتها في غزة. وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاثنين الماضي: إن (زامير) الذي تولى مؤخرًا قيادة الجيش أبلغ رئيس الوزراء (نتنياهو) وحكومته أن “الاستراتيجيات العسكرية وحدها لا يمكنها تحقيق جميع الأهداف في غزة لا سيما في غياب مسار دبلوماسي مُكمّل”. أهم حكمة نستخلصها من الأحداث والمحطات التي ذكرناها هي بلا ريب أننا نحن أمة اشتق اسم دينها من السلام نريدها سلما دائمة بينما المحتلون والطغاة يريدونها حربا شاملة وإلا كيف نفسر استهداف الاحتلال الإسرائيلي للعشرات من مستشفيات قطاع غزة بالقصف أو الحرق أو التدمير أو إخراجها عن الخدمة خلال حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على القطاع منذ 7 أكتوبر 2023؟

564

| 18 أبريل 2025

ذكرى وفاة آخر الديناصورات السياسية العربية

في ذكرى وفاة زعيم تونس 6 أبريل 2000 وهو الذي عاش القرن العشرين كاملا يحتدم الجدل ككل عام حول الرجل بين طرفين متطرفين الأول يؤله الزعيم والثاني يشيطنه والحقيقة التي عايشتها بحكم قربي من الزعيم منذ السبعينات الى أن بلغ من العمر عتيا وأصيب بعدة أمراض بدنية ونفسية بل وتلاعب به كل من طمع في خلافته في صراع عنيف ومأساوي عاد على شعب تونس بالويلات والأزمات فغاب رحمه الله عن وعيه ولم يعد يفرق بين الواقع وبين تخيلاته في مشاهد حطت من مجده وأضحكت العالم فاستغل أمراضه كل أصحاب المصالح في الداخل والخارج إلى أن توفاه الله يوم السادس من أبريل 2000 وهو في منفاه الذي فرضه عليه زين العابدين بن علي الضابط الطموح المثير للجدل يوم انقلب عليه في السابع من نوفمبر 1987 وأعلن نفسه رئيسا بل دكتاتورا وهو القادم للرئاسة بلا تمرس بها ولا معرفة بآلياتها واكتشفت أنا بحكم معايشتي لأغلب مراحل الدولة أن بورقيبة إنسان لا ملاك ولا شيطان. * وأهم ما حدث بعد وفاته أن مجلة (ليدرز) التونسية نشرت وثيقة تاريخية ذات أهمية بالغة تتمثل في رسالة شكوى وتظلم كتبها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة إلى وكيل الجمهورية سنة 1990 وهو في معتقله الأخير بمدينة المنستير حيث فرض عليه الرئيس السابق زين العابدين بن علي بعد أن عزله من السلطة، إقامة جبرية قسرية حولت ذلك الأسد المريض إلى سجين وراء قضبان مهينة. ولكن الذي لفت نظري بعد نشر الوثيقة ذلك السيل من التعليقات بأقلام رجال من جيلنا الذي عمل مع بورقيبة ومنهم المتحسر المنافق عما كابده الزعيم بينما هو خلال 13 سنة من محنة بورقيبة لم يحرك ساكنا ولم يقل كلمة حق ولم يصدع برأي وتلك كانت حال الأغلبية من وزرائه السابقين الذين لم ينبسوا ببنت شفة (ماعدا قلة شجاعة ويتيمة) لأن بن علي كان لا يرحم من يقول كلمة حق وكان يغري بالمناصب أو بمجرد السلامة كل من عمل مع الزعيم فانتبذ أغلبهم مكانا قصيا واستمرت مأساة بورقيبة 13 عاما ختمتها مهزلة جنازته التي أخرجها بن علي مثل مسرحية سخيفة خوفا من جثمان الزعيم بعد الخوف من الزعيم حيا. *والعجيب أن الزعيم ظل الى اليوم سنة 2025 محل استغلال مشين لكل متسلق في السلطة حتى يكتسب مشروعية لا يستحقها فشرع البعض هذه الأيام يمجدون بورقيبة بمناسبة ذكرى وفاته فتباروا في تعداد خصال الزعيم لا من منطلق الحقيقة التاريخية بل من منطلق الانتقام من عهد خلفه زين العابدين ومن عهد خلفاء بن علي. فوظفوا هذه المناسبات بطريقة عقائدية وحزبية لا تليق بتاريخ تونس الذي يجب أن يبقى من مشمولات أنظار المؤرخين لا في أيدي السياسيين. وانقسم المتكلمون إلى مؤله للزعيم بكونه كان ملاكا معصوما وإلى شاتم له بكونه كان شيطانا رجيما! وقرأت العجب العجاب في قلب الحقائق وتدليس التاريخ. وأغرب ما قرأت هو أن الزعيم ليلة 7 نوفمبر 87 ليلة انقلاب وزيره الأول عليه كان في تمام مداركه العقلية وكان متمتعا بكل طاقاته العقلية وهذا مجرد هراء لا يستقيم لأن الخطأ القاتل لبورقيبة هو تشبثه بأذيال السلطة وهو في أرذل العمر ثم المراهنة على أحد الضباط المهووسين بالسلطة زين العابدين بن علي الذي كلفه الزعيم بمهمة القضاء على من يعتبرهم أعداء نظامه أي الاسلاميين. وأنا بفضل علاقاتي الوثيقة مع رجلين عاشا في قلب المرحلة القاسية والتراجيدية من حياة بورقيبة وهما رئيس حكومته محمد مزالي وسكرتيره الخاص محمود بلحسين أعرف أسرار وخفايا تلك المرحلة المبكية المضحكة من «غرق» بورقيبة في لجة العمر وغرق تونس في لجة الاستبداد. وهي أسرار أحتفظ بها اليوم لنفسي حتى تهدأ عواصف الأحقاد والمزايدات وأنشرها على جيل المؤرخين النزهاء لكتابة تاريخ أمين لتونس. *يشهد الله أنني شخصيا بحكم منصبي في مطلع الثمانينات كنت قريبا من الزعيم أجلس كما قال لي هو عديد المرات على نفس كرسيه الذي بدأ منه الكفاح وهو كرسي مدير صحيفة العمل لسان الحزب التي أسسها هو وأدارها منذ سنة 1932 لكن علاقاتي القديمة قبل المسؤوليات مع الزعيم وحزبه لم تكن بلا مغامرات لأني كنت إلى جانب الحق في مناسبات وطنية عديدة منها قضية المظلمة المسلطة على المناضل النقابي والدستوري أحمد بن صالح فزج بنا نظام بورقيبة في السجن و ساعتها كنت أنا والصديقان أحمد الهرقام وعامر سحنون في الإيقاف يوم 4 سبتمبر 1969 واستنطقنا محافظ الشرطة حسونة العوادي وصودرت جوازات سفرنا وحرمنا من السفر لمواصلة الدراسة كما كنت إلى جانب الصديق محمد مزالي حين عزله بورقيبة من وزارة التربية بتهمة تعريب برامج التعليم وأسلمتها وقاومنا عقلية التغريب القهرية لتونس على أيدي المنبتين ومرة أخرى اضطهدنا البوليس السياسي واستنطقني مفتش أمن الدولة محمد كدوس وحجزوا جواز سفري في بداية السبعينات ثم شاءت أقدار تاريخية أن يعين الزعيم بورقيبة نفس محمد مزالي رئيسا للحكومة سنة 1980 فواصلنا كفاحنا الصامد من أجل التعريب وتأصيل التعليم وضخ المزيد و(الممكن المتاح) من الديمقراطية في مؤسسات الدولة وربط بلادنا بمحيطها الحضاري العربي والإسلامي والإفريقي بعد طول جفاء ووشح بورقيبة صدري بوسامي الاستقلال والجمهورية ولكن الدسائس لم تهدأ ضد تيارنا المتمسك بالهوية وتنويع التعاون مع الصين وتركيا والخليج وافريقيا داخل الحزب الدستوري وبتخطيط قديم من زين العابدين نفسه والذين تجندوا لخدمته وبأيد خارجية إلى أن تم نفينا ومصادرة بيوتنا وتشتيت أولادنا وحتى اغتيال مناصرينا .. * واليوم نرى المتاجرين بتاريخ بورقيبة إما بالتمجيد المطلق وإما بالشيطنة المطلقة بينما الحقيقة هي أن بورقيبة إنسان لا هو بالملاك ولا بالشيطان أنجز أعمالا كبيرة ولكنه ارتكب أخطاء كبيرة أيضا ولم تكن حادثة الإطاحة به خارجة عن سياق مسيرته هو ذاته لأنه هو الذي أرسى تقاليد اضطهاد أسلافه والتنكيل بمعارضيه ومنافسيه. وقال لي محمد مزالي صباح يوم 7 نوفمبر 1987 «الجنرال بن علي انقلب على سعيدة ساسي وليس على بورقيبة». وقال لي أحمد بن صالح في نفس اليوم: «إن السلطة كانت ملقاة على قارعة الطريق فجاء بن علي والتقطها دون عناء» النتيجة هي أن تسلط الزعيم هو الذي صنع تلك الآلة الجهنمية (مفترسة الرجال) وزيتها وأعدها للاستعمال حتى أكلته نفس الآلة بدون رحمة وبلا أي نصير. وللتاريخ فهذا لا يمنع من إعادة الاعتبار لأحد قادة تحرير تونس ومؤسس دولتها الحديثة ومعمم التعليم والصحة والرجل النظيف الذي لم يملك حجرة ولا شجرة. أروع وأبلغ ما نفهم به تناقضات الإنسان نجده في الآية الكريمة: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها). صدق الله العظيم

891

| 11 أبريل 2025

قنبلة الشرق الأوسط الموقوتة تهدد بالانفجار

أعاصير التغيير الكبير تهب على العالم بعنف لأن أخطر مؤشرات الحرب العالمية الثالثة هي اليوم تهديد (ترامب) و (ناتنياهو) بقصف إيران تبعه موقف إيران العقلاني الساعي للسلام. ويصاب المرء بفقدان البوصلة لأننا تجاوزنا ما سميناه بالحداثة وما سميناه بما بعد الحداثة وأصبحت تكهنات (صامويل هنتنغتون) وراء ظهورنا وهو الذي بشر بحرب الحضارات بعد الحروب بين الدول. على رغم أن الحرب الروسية – الأوكرانية لم تضع أوزارها بعد بدأ الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء باستخلاص الدروس منها. هذه الحرب كشفت حجم الخلل البنيوي الذي تعاني منه أوروبا على صعيد قدراتها الدفاعية مع سعي دونالد ترامب إلى وضع حد لهذه الحرب بمعزل عن الأوروبيين: إزاء رئيس أمريكي لا يعترف إلا بالقوة الذاتية للدول اتضح افتقاد الأوروبيين ككتلة إقليمية ممثلة بالاتحاد الأوروبي وكدول مستقلة القدرة على فرض مصالحها. ولعلنا نعيش أواخر عصر السياسة حين نشهد الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل على سوريا بدعوى ضرب مواقع إرهابية وعلى لبنان تحت تعلة ضربات استباقية لما يدبره حزب الله من هجومات على إسرائيل ومشاركة الجيش الإسرائيلي في الحرب على اليمن وعلى العراق تحت غطاء تدمير قواعد الحشد الشعبي وطبعا بالتوازي مع إعادة حرب الإبادة في غزة (بالأمس الخميس استشهد 70 فلسطينيا منهم 25 طفلا) ثم إن قصف المستشفيات جريمة حرب غير مسبوقة مع غلق المعابر ومنع وصول الإعانات لغزة هو القتل بالتجويع! * نعم نحن أمام مذابح ترتكبها إسرائيل ضد أشقائنا الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وربما قريبا الأردنيين والمصريين فنغضب ونشارك في النفير الكبير الذي دعت له المقاومة واستجابت له بقية الأمة الإسلامية! تؤكد وكالات الأنباء أن حكومة (نتنياهو) تستعد لاحتلال قطاع غزة والضفة وفرض الحكم العسكري عليهما والسيطرة الكاملة على الفلسطينيين وعلى الشرق الأوسط وتنفيذ مخططاتها المتعلقة بالاستيطان أو التهجير. وهو التوجه الذي يتوافق مع خطة رئيس هيئة الأركان العامة (إيال زامير) لكن يبقى السؤال: هل تمتلك إسرائيل إستراتيجية واضحة لما تقوم به؟ وانظروا ما يحدث في العالم من حولنا: رجل أمريكي مثير للجدل ترأس الأمة الأمريكية مرتين واحتل البيت الأبيض ويخطط لعهدة ثالثة وأعلن أن كندا وبنما والقطب الشمالي (غرين لاند) هي ولايات تابعة لأمريكا ! وأن خليج المكسيك أصبح اسمه خليج أمريكا وأن أوكرانيا ليست أوروبية بل هي قطعة من روسيا ثم أعلن أنه لا يعترف للاتحاد الأوروبي بأي سلطة على أوكرانيا بل أنه يعمل على إنهاء الحرب الأوكرانية الروسية في مفاوضات بينه وبين (بوتين) حليفه الجديد ونعت الرئيس الفرنسي (ماكرون) بالمعتوه الذي يغرر بالأوروبيين ويريد قيادتهم الى حرب ضد روسيا مثلما نعت (زيلنسكي) أيضا بالمجنون الذي نفخ فيه الأوروبيون روحا من البطولة المزيفة أفقدته حجمه الحقيقي! * وأمام حرب إبادة الفلسطينيين وقف عاجزا عن إبداع من إبداعاته واكتفى بالرجوع الى أصول ديانته الأنغليكانية التي تدمج الخرافات التلمودية المتطرفة في عقيدتها المسيحية (والتي قاومها القس الألماني مارتن لوثر في القرن السادس م) واكتفى بالقول بأن إسرائيل محقة في الدفاع عن أمنها!!! وهو التبرير الخطأ الممجوج من كثرة تكراره حتى لم يعد يقنع اليهود أنفسهم وخرج بعض نزهائهم للتظاهر ضد حرب الإبادة التي وصمت اليهود بالعار الى أبد الدهر وجعلت شرفاء الدنيا كلهم يشيرون إليهم بالبنان كقتلة أطفال وهو عار لن تمحوه الدعايات البلهاء الصادرة عن العنصريين المتطرفين من مستوطني فلسطين منذ العشرينيات (بداية الهجرات الكبرى) الى عام 2025 حيث بدأ الإسرائيليون حاملو جنسيتين يغادرون فلسطين المحتلة الى بلدانهم الأصلية التي جاؤوا منها (أكثر من 300 ألف حالة عودة طوعية منذ السابع من أكتوبر 2013). وحسب تحليل أخير للدكتور طلال أبو غزالة (وهو أفضل من يفكك خفايا الصراع في الشرق الأوسط) فإن إسرائيل دخلت مرحلة الحرب الأهلية لأن نصف شعبها يقف ضد (ناتنياهو) والنصف الثاني متعدد الانتماءات والمصالح وبلغت الحرب الأهلية مستوى قياداتها العسكرية حتى أن بعضهم استعمل مصطلح الحرب الأهلية مرات عديدة! ويتنبأ هذا الخبير الواعي بأن حماس سوف تنتصر لأنها تدافع عن أرضها المغتصبة بينما يقاتل الإسرائيلي من أجل الاحتفاظ بأرض اغتصبها ولأن (ناتنياهو) حينما يؤكد أنه يقاتل على سبع جبهات فإنه في الحقيقة يقر باستحالة الانتصار في السبع جبهات بسببين: سبب جغرافي وسبب عقائدي فجبهة لبنان مثلا هي عدة جبهات: حزب الله ودولة لبنان مع الرئيس الجديد (جوزاف عون) الذي أكد أمام (ماكرون) أن الدولة وحدها لديها حق حمل السلاح لكنه أضاف: «وهذا أمر يحتاج الى شيء من الوقت بالنظر الى أن جزءا من أراضينا ما زالت محتلة» فاقتنع الجميع وأولهم (ماكرون) الراعي الرسمي للدولة اللبنانية بأن عملية نزع سلاح حزب الله بالقوة يعني بكل تأكيد حربا أهلية لبنانية أعنف من الحرب الأهلية الأولى (1975-1990) وهي حربٌ أهليّةٌ متعدّدة الأصعدة راح ضحيتها 120 ألف لبناني مسلحين ومدنيين ولا يزال 76 ألف لبناني مشردين نازحين ولاجئين داخل لبنان أو خارجه. * يتذكر أبناء جيلي أن تلك الحرب الضروس اندلعت على إثر محاولة اغتيال الزعيم (بيار جميل) ومحاولات إسقاط إصلاحات فؤاد شهاب الذي سعى لجمع الطوائف وسن دستور ديمقراطي مما حرك طبقات اجتماعية من اللبنانيين تعودوا على الإثراء مغتنمين هشاشة الدولة ثم تحركت قوى اقليمية ودولية تسعى للحفاظ على مصالحها في لبنان والشرق الأوسط مثل سوريا ومصر والأردن ثم روسيا وأمريكا وفي الأثناء ازداد تواجد الفلسطينيين وقياداتهم على التراب اللبناني معتبرين عن خطأ في التقدير أن لبنان أرض مواجهة مباشرة مع العدو الإسرائيلي المحتل ولا ننسى أن منظمة التحرير تم إجلاؤها بقوة عن الأردن في أيلول 1970عندما شرع فدائيوها في تفجير طائرات مختطفة في الأردن فاستقروا في لبنان ليخلوا بالتوازن الهش بين المسلمين والمسيحيين فانقسموا الى يمين ويسار! وحمل شبابهم السلاح وتقاتلوا فيما بينهم واندلعت حرب أهلية دمرت لبنان! نحن اليوم في مارس 2025 نكتشف مزيد انقسام دار الإسلام ونستحي عندما نرى ونسمع السودانيين يتقاتلون وكل فريق يهتف «الله أكبر» وهو يقصف مسلمين موحدين يهتفون أيضا «الله أكبر»! ونرى ليبيا عاصمتين وجيشين وحكومتين ونرى اليمن يمنين وحكومتين وجيشين! وتصل الأزمة العنيفة الى تركيا السنية لتوقظ مارد الفانوس السحري من نومه فيهدد استقرار تركيا مع أردوغان ويكاد يعصف بالليرة وبالسياحة. من جهتها أطلقت الإيكونوميست البريطانية تحذيرا مرعبا للإسرائيليين حول دولتهم مشيرة إلى أن سياسات الحكومة الحالية تقودهم إلى كارثة غير مسبوقة وجاء في تقريرها الذي تصدر غلافها تحت عنوان «غطرسة إسرائيل» Israel’s hurbis أن دولتهم تبدو قوية ظاهريا لكنها تواجه أخطارا متزايدة تهدد استقرارها بل وجودها!!

558

| 04 أبريل 2025

هل تفقد دار الإسلام فلسطين ويفقد الغرب إسرائيل؟

العالم يمر بمنعرج خطير وحاسم والسؤال الذي عنونت به مقالي أصبح اليوم مطروحا بقوة؛ لأن دار الإسلام توشك أن تفقد فلسطين كما سبق أن فقدت الأندلس؛ ولأن بالمقابل نرى الغرب يمينه ويساره يوشك أن يفقد إسرائيل (قلعة دفاعه المتقدمة كما يدعي) فهي مهددة بالفناء ككيان نشأ بوعد بلفور عام 1917 وربما يندثر بوعد (ترامب) عام 2025. ولا ينسى الإسرائيليون أبدا أن وزير الخارجية البريطانية (اللورد بلفور) وعدهم بكيان (واستعملت الوثيقة الموقعة بيد بلفور نفسه (مصطلح): HOME ولم تستعمل مصطلح (دولة) STASTE وها نحن نشهد ضياع فلسطين وضياع إسرائيل أو ضياعهما معا. ففيما يتعلق بفلسطين نشهد على انقسامها الى شقين كبيرين (شق المقاومة بمنظماته العديدة) و(شق الضفة الغربية بقيادة محمود عباس المنادي بالسلام من خلال المفاوضات) وهو أكثر الناس إدراكا بأن السلام مع إسرائيل وحل الدولتين والرجوع للقانون الدولي ما هي سوى سراب بقيعة وهمي تلوح به إسرائيل منذ 1947 للعرب فيحسبونه ماء! حتى تخدرهم وتحيد بهم عن طريق المقاومة المشروعة للاحتلال نحو الحلم الوردي المغشوش بتحرير فلسطين وإنشاء دولة قابلة للعيش تتعايش بسلام ووئام مع جارة إسرائيلية يُطمأن لها كما صدر كل ذلك في وثائق مختومة "ملغمة" من أوسلو الى مدريد مرورا بكامب ديفيد وربما الى مفاوضات القاهرة والدوحة!. * وعجبا كيف لم يعتبر أبو مازن بالفخ الذي وقع فيه المرحوم ياسر عرفات حين رفع غصن الزيتون من أعلى منبر الأمم المتحدة الى جانب البندقية قائلا جملته التاريخية: "لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي" وعلمت شخصيا من فم صديقي حكم بلعاوي سفير فتح لدى تونس ثم وزير الداخلية بأن هذا الشعار الشهير كان من تأليف الشاعر الفلسطيني محمود درويش رحمة الله عليه حين كلفة أبوعمار بتحرير مسودة خطابه على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة! ويشهد العالم اليوم وإلى حد الساعة عودة جريمة الإبادة رغم توقيع معاهدة وقف إطلاق النار برعاية الوسطاء الثلاثة الولايات المتحدة ومصر وقطر. * وكما شهدتم تحركت عواصم عربية وأوروبية وأمريكية في مظاهرات مليونية للتنديد بعودة حرب إبادة الفلسطينيين في لعبة قذرة راح ضحيتها الى يوم أمس حوالي ألف فلسطيني منهم 300 طفل من أجل إرضاء (بن غفير) و(سموتريتش) والاحتفاء بعودتهما لحكومة نتنياهو! حتى لا تسقط! وحتى المعارض الإسرائيلي "المعتدل" (لابيد) صرح بأنه عار على شعب إسرائيل أن تصبح أرواح أطفال غزة ورقة (كوتشينة) في أيدي متطرفين يهود!. أما فيما يتعلق بإسرائيل فإنها استبقت استئناف الحرب بحملة تضليل إعلامي زعمت خلالها أن المقاومة في غزة تستعد لشن هجوم بري واسع على مستوطنات الغلاف. إلا أن الوقائع تشير إلى أن الحرب كانت ولا تزال جزءًا من مخطط إنقاذ (نتنياهو) وحكومته حتى لو أدى ذلك إلى انهيار الأوضاع بالكامل وهدم المعبد على رؤوس الجميع. * ولكي نفكك طلاسم المعضلة الإسرائيلية ننقل لكم تحذير رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية الأسبق (أهارون باراك) لشعبه من أن تنزلق إسرائيل نحو حرب أهلية بسبب تفاقم الانقسامات الداخلية وشدد (أهارون باراك) خلال مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية على ضرورة منع استبداد الأغلبية داعيا إلى عقد اتفاقية بين إسرائيل وحماس وجاءت تصريحاته في الوقت الذي أقالت فيه الحكومة الإسرائيلية رئيس جهاز الشاباك (رونين بار) رغم أن الجهاز يحقق حاليا في التسيب الذي تورط فيه أعضاء في حكومة (نتانياهو) سمحت بهجوم السابع من أكتوبر 2023 وأضاف (باراك): "المشكلة الرئيسية للمجتمع الإسرائيلي هي الجبهة الثامنة وهي الشرخ الحاد بين الإسرائيليين أنفسهم. هذا الخلاف يتفاقم وأخشى أن تكون نهايته مثل قطار خرج عن القضبان وينحدر إلى الهاوية ويؤدي إلى حرب أهلية، وتجدر الإشارة إلى أن باراك اقترح إمكانية التوصل إلى صفقة إقرار بالذنب في قضايا فساد تورط فيها نتنياهو، مضيفا أن "إقالة المستشارة القضائية للحكومة غير قانونية وفقا للمعايير التي حددتها "لجنة شمغار" فقد أدت عملها بأفضل شكل ووافقت على معظم قرارات الحكومة. وظيفتها تتمثل في توضيح ما هو قانوني وما هو غير قانوني وعزلها سيشكل ضربة قاسية لمنظومة العدالة ولحقوق المواطنين. وإن ما يهدد انفجار إسرائيل من داخلها هو استمرار جيش الاحتلال قصفه وتوغله بمناطق في غزة في حين توعد وزير الدفاع الإسرائيلي (يسرائيل كاتس) بالاستيلاء على مزيد من أراضي القطاع وتهجير الفلسطينيين قائلا: "حتى نحقق خطة حليفنا الرئيس (ترامب) التي نراها فرصتنا اليوم". خلاصة تحليلنا هي أن قضيتنا المركزية فلسطين تصبح اليوم ونحن في أواخر رمضان ومارس تتمثل في (إنقاذ الشعب الفلسطيني من مخطط الإبادة الذي يستهدفه كأولوية مطلقة ثم توحيد الجهود العربية والإسلامية لفرض القانون الدولي على الجميع وأهم ما فيه تأسيس دولة فلسطينية على حدود يونيه 1967 عاصمتها القدس الشرقية كما جاء في مقترح الملك عبد الله رحمة الله عليه عام 2002 وهو قبول إسرائيل بدولة فلسطين مقابل اعتراف عربي كامل بدولة اسرائيل كجار بل كحليف في تأمين الشرق الأوسط من الحروب والإرهاب والعنف وخرق القانون الدولي. لعل القراء الأفاضل يقولون: ما جدوى التذكير بهذه الحقائق التاريخية بعد أن تأكدنا اليوم أن نتنياهو يقود دولته الى المجهول وهو ما يرفعه شعبه شعارا في مظاهرات ضخمة مستمرة من شهور تطالب بإسقاطه ومحاكمته كمجرم حرب لا يهمه مصير الرهائن الذين تحتجزهم حماس بل يهمه تأبيد نفسه في الحكم هو شخصيا لأن نهاية الحرب تعني نهايته هو!. خوف حكماء إسرائيل من فقدان إسرائيل وخوفنا نحن من فقدان فلسطين هما الحقيقتان الماثلتان أمام العالم فلا فائدة ترجى من هروبنا منهما، نعتقد أن أولى خطوات السلام هي الاعتراف الدولي بأن أصل المعضلة هو احتلال إسرائيل لفلسطين.

762

| 28 مارس 2025

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4227

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1857

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1764

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1611

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1422

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1161

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

903

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

663

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

627

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

552

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
المقاومة برصاص القلم

ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...

501

| 03 ديسمبر 2025

أخبار محلية