رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

حين يُبيَض القتل بستار العمل الإغاثي

يسرقون رغيفك، ثم يعطونك منه كسرة، ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم. يا لوقاحتهم!، كلمات كتبها غسان كنفاني قبل عقود، لكنها تصف بدقة الجريمة المركّبة التي يعيشها الفلسطيني في غزة اليوم، فالرغيف لا يُمنع فقط، بل يُراقَب، ويُستعمل كسلاح، وتُحيط به القناصة، ويُشترط على الجائع أن يُذلّ كي يلمسه، هذه ليست استعارة؛ إنها الوقائع. منذ أواخر مايو وحتى أوائل يوليو 2025، استُشهد ما لا يقل عن 798 فلسطينياً، بينهم أطفال ونساء، أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع الغذاء التابعة لما يُسمى مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، تحت إشراف مباشر من شركة أمنية أميركية تُدعى Safe) Reach Solutions) (SRS)، وبحماية إسرائيلية مكثّفة. كما أُصيب أكثر من 4.500 شخص، بعضهم برصاص حي، وآخرون نتيجة التدافع أو القمع بالغاز والضرب، وفق تقارير الأمم المتحدة ووزارة الصحة في غزة، بعد أن منع الكيان المحتل دخول المساعدات الغذائية وسلع أساسية أخرى إلى القطاع لأكثر من شهرين، عبر المنافذ التي كانت تُستخدم سابقاً لإدخال المساعدات تحت إشراف الأمم المتحدة، بما في ذلك الأونروا. هذه الأرقام المتزايدة هي نتيجة حتمية لنظام توزيع فُرض منذ نهاية مايو 2025، ويعتمد على توجيه السكان نحو نقاط محددة في أوقات محددة، تحت حراسة مسلحة. في كل نقطة توزيع، تُفرض شروط مسبقة: التعرف على الوجه، اصطفاف خاضع للمراقبة، تجمع يُعامل كهدف، ثم إطلاق نار تحت ذريعة الفوضى أو “التهديد الأمني”. لكن ما هو التهديد الحقيقي الذي يشكله جائعون خائفون أموات وهم أحياء؟. الشركة المسؤولة، SRS، ليست منظمة إنسانية، بل شركة لوجستية–أمنية، تأسست في الولايات المتحدة، ويديرها Phil Reilly، ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، تعمل بتمويل من شركات استثمار خاصة مثل McNally Capital، وتعتمد في الحماية الميدانية على مقاولين أمنيين أميركيين، بينهم جنود سابقون في مشاة البحرية، فما الذي يفعله هؤلاء في نقاط توزيع غذاء؟ من الذي قرر أن يُسلط على الجائعين قسراً، بفعل الحصار الإسرائيلي، البنادق والقذائف، وهم عُزّل لا حول لهم ولا قوة؟. تشير بعض التسجيلات المسربة إلى أفراد أمن يضحكون بعد إطلاق النار على طالبي المساعدات، قائلاً أحدهم: “أعتقد أنك أصبته. أحسنت يا رجل!”، وفق تقرير نشرته “فرانس 24” في التاسع من الشهر الجاري، كما توثّق تقارير للمقاولين الأمنيين الأميركيين استخدام رصاص حي، وغاز فلفل ضد أطفال ونساء، لمجرد أنهم اقتربوا من حاويات مساعدات قبل الوقت المحدد، فهل هذا عمل إغاثي أم قتل منظّم؟. بالموازاة، تروج مؤسسة غزة الإنسانية لنفسها كجهة خيرية مستقلة، لكنها في الحقيقة تعمل ضمن شراكات أميركية–إسرائيلية، وتخضع لمجالس إدارة تضم شخصيات من الإنجيليين المتصهينين المعروفين بدعمهم لفكرة أرض الميعاد وتفريغ الأرض من أهلها الأصليين، ولذا، فإن الشكوك المتصاعدة حول هذه المؤسسة دفعت عدداً من الهيئات الحقوقية الدولية، مثل Trial International وLegal Action Worldwide، لإطلاق تحذيرات صريحة، واصفين ما يحدث بأنه قد يرقى إلى جرائم حرب، بل جرائم ضد الإنسانية، باستخدام الغذاء كسلاح، والسيطرة على السكان من خلال بوابة الحاجة، كما طالبت منظمة أطباء بلا حدود بوقف نشاط مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، معتبرة إياها مسؤولة عن مجازر متكررة. لكن الغطاء السياسي الغربي، والصمت العربي المؤسف، يسمح بمرور هذه الجرائم تحت عباءة العمل الإغاثي. ختاماً… في قلب هذا كله، لا أحد يسأل: ماذا يريد الفلسطيني؟ إنه المقهور، المجوَّع، الجريح، والشهيد لا محالة في ظل هذه المعطيات. ما يحدث يضع الفلسطيني على المحك مع الحياة. تلك الحياة التي أطبقت الخناق عليه، وباتت تتلذذ بعذاباته. فإما أن يأكل كسرة خبز مغمسة بدم أخيه، أو أن يموت واقفاً في “مصائد الموت”، أو كما يسمونها.. طوابير المساعدات.

807

| 16 يوليو 2025

«بيت حانون».. المبتدأ والخبر

في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي قصفه الوحشي على غزة، مستندًا إلى غطاءٍ سياسيّ دوليّ، جاءت عملية بيت حانون المركبة الأخيرة لتضرب في عمق الصورة التي حاولت حكومة نتنياهو رسمها عن نفسها، ولتُعيد صياغة المعادلة الميدانية والسياسية دفعةً واحدة. فالعملية لم تكن مجرّد ردّ فعل ميداني على العدو، بل كانت صفعة استراتيجية أوقعت قتلى في صفوف جيش الاحتلال، وأحرجت القيادة الإسرائيلية على أعلى مستوى، وفي لحظة كانت تحاول فيها استعراض القوة من على منصة البيت الأبيض. فقد نفّذت المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب القسام، مساء الأول من أمس، عمليةً محكمةً في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، أسفرت عن مقتل خمسة جنود إسرائيليين وإصابة أربعة عشر آخرين بجراح متفاوتة، بعضهم في حالة حرجة. تمّ الهجوم من خلال كمينٍ مركّب وتفجير عبواتٍ ناسفةٍ متسلسلة، بالتزامن مع اشتباكات مباشرة مع قوات الاحتلال التي كانت تحاول التقدّم في المنطقة. الكمين لم يكن عبثيًا، بل جاء جزءًا من تصعيد محسوب من جانب المقاومة، ردًّا على عملية “عربات جدعون” التي أطلقها جيش الاحتلال في شمال القطاع. وهذه العملية الميدانية – التي تأتي ضمن موجة ثالثة من المواجهات في بيت حانون – كشفت حجم الانكشاف العسكري الإسرائيلي، على الرغم من مزاعم المؤسسة الأمنية بالسيطرة والتفوق التقني. ما يجعل هذه العملية استثنائية ليس فقط حجم الخسائر التي أوقعتها الفصائل الفلسطينية في صفوف جيش الاحتلال، وإنما توقيتها السياسي الدقيق. ففي اليوم ذاته، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يقف في العاصمة الأمريكية واشنطن، في زيارة رسمية يرافقه فيها وفد أمني، وعلى جدول أعماله “الاحتفال” بانتصار مزعوم ضد إيران، وتسويق التقدم العسكري في غزة كمنجز استراتيجي أمام إدارة ترامب. الزيارة كانت تحمل طابعًا احتفاليًا بامتياز، عنوانها الضمني: “شرب نخب النصر” بعد الضربات الجوية المتبادلة بين تل أبيب وطهران قبل أسابيع. لكن المقاومة اختارت أن تفسد هذا المشهد الهزلي. فخلال ساعاتٍ فقط من لقاء نتنياهو مع دونالد ترامب ومسؤولي البيت الأبيض، جاءت أنباء مقتل خمسة من جنود الاحتلال في بيت حانون، لتقلب الشارع الإسرائيلي رأسًا على عقب، وتحرج المؤسسة العسكرية في تل أبيب. الإعلام العبري لم يتأخر في التقاط التناقض: كيف يحتفل نتنياهو في واشنطن بـ”نصر تاريخي” في إيران، بينما جنوده يُسحبون قتلى ومصابين من شوارع بيت حانون؟ هذه المفارقة لم تمرّ مرور الكرام، بل اعتُبرت في أوساط إسرائيلية يومًا أسود من أيام حكومة نتنياهو – يوم انكشفت فيه الأزمة، واتّضح أن الحديث عن نهاية الحرب لا يعني شيئًا في مواجهة الواقع الميداني على الأرض. العملية في بيت حانون لم تُربك فقط حسابات القيادة العسكرية، بل أحرجت الحكومة الإسرائيلية بأكملها، والتي كانت تأمل أن تثبت، عبر زيارة واشنطن، أن مشروعها العسكري في غزة يؤتي ثماره، وأنَّ المهلة التي منحتها الإدارة الأمريكية لاستئناف الحرب على غزة من أجل تحقيق نصرٍ، ولو شكليًّا، قد آتت أُكلها. إلا أن هذه العملية جاءت كضربة مضادة، كسرت الصورة، ومزّقت الخطاب، وكشفت الهشاشة التي تنهش جيش الاحتلال، الذي لا تقوى آلته العسكرية إلا على المدنيين العزّل. لقد عرّى الميدان هشاشتهم، وأظهر ضعفهم وقلة حيلتهم في مواجهة أسلحة يدوية الصنع، صُنعت بأيدي رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وقد يكون الأهم من الخسائر البشرية والمادية، هو ما تعكسه هذه العملية من دلالات استراتيجية. فالمقاومة لا تزال تحتفظ بقدرتها على التخطيط والتنفيذ، وتختار التوقيت والمكان المناسبين، وتُباغت الجيش في أرتاله وتحركاته، وهو ما ترجمه الناطق العسكري باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، حين قال: “سندكّ هيبة جيشكم”. ورغم القصف المتواصل والحصار الخانق، كشفت تقارير وتحليلات عسكرية أن نحو ٧٥٪ من إصابات جنود الاحتلال خلال الأسابيع الأخيرة كانت نتيجة كمائن العبوات الناسفة، وهو ما يؤكّد أن رجال المقاومة لا يزالون يملكون اليد العليا ميدانيًّا، وأنهم وحدهم القادرون على قراءة جغرافيا أرضهم، واستثمارها في قتالٍ غير تقليدي ينهك جيشًا يوصف بأنه الأقوى في الشرق الأوسط. لقد كانت بيت حانون وما تزال نقطة نزف مفتوحة لجيش الاحتلال، ولا تزال المقاومة تمارس فيها أعلى درجات الانضباط القتالي، والتنسيق الميداني، والقدرة على المبادرة. هذا يؤكد أن ما يجري ليس مجرّد معركة دفاع، بل معركة تحطيم هيبة وردع. جاءت عملية بيت حانون لتثبت أن الميدان هو الذي يقرّر مصير السياسة، لا العكس، وأن العمل العسكري الميداني هو وحده القادر على فرض شروط المفاوضات، وتحديد خطوطها الحمراء، ورسم نهايات الحروب. ختاما فشل جيش الاحتلال في تحقيق أي هدف استراتيجي حقيقي: لم يسقط مشروع المقاومة، لم يُنهِ وجود حركة “حماس”، ولم يتمكّن من حماية جنوده من القنص والكمائن. بل على العكس، كل يوم يمر على جنوده في غزة، هو فرصة إضافية للمقاومة لإلحاق المزيد من الخسائر، ليس فقط المادية، بل المعنوية والنفسية العميقة. هذه الخسائر تضرب في عمق المعنويات. كل جندي يسقط، كل دورية تنفجر، كل دبابة تُحرق، تُقطّع أوصال الثقة بين القيادة والجنود، وتزرع الهلع في صفوفهم. هذا ليس مجرّد عدد في تقرير عسكري، بل انهيار في صورة الجيش الإسرائيلي، وتحطيم متواصل لهيبته التي لطالما راكمها فوق أجساد المدنيين. وقد يكون الإصرار على مواصلة الحرب على غزة بتوجيهات «النتن ياهو»، ضرباً من المكابرة السياسية، وهو يعلم في قرارة نفسه، أن كل خسارة يحصدها جيشه، ليست مجرد رقم في سجل العمليات، بل مسمارٌ يُدق في نعش حكومته البائسة.

354

| 09 يوليو 2025

ضمير العالم المستتر

تدخل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها العشرين، والاحتلال لا يكتفي بالقصف والتجويع والتدمير، بل يتعمد تنفيذ سياسة خنق ممنهجة تستهدف ما تبقى من مقومات الحياة، في مقدمة هذه السياسات منع إدخال الوقود منذ أكثر من مائة يوم، وهي خطوة لا يمكن فصلها عن نية مدروسة لإسقاط النظام الصحي بشكل كامل، وإغراق السكان في كارثة إنسانية تدفعهم إلى واحد من خيارين: الموت أو الرحيل، هذا السلوك ليس بالعشوائية التي يظنها البعض، بل يأتي في إطار مخطط تهجيري واضح يهدف إلى دفع الغزيين قسرا نحو اللجوء إلى سيناء أو غيرها، تمهيداً لإفراغ القطاع من سكانه، والسيطرة الكاملة عليه، وفرض واقع استيطاني جديد يحقق الأهداف الإسرائيلية التوسعية. المعلومات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تصف الوضع في غزة بأنه انهيار شبه تام للنظام الصحي، وقال الدكتور ريك بيبركورن، ممثل المنظمة في الأرض الفلسطينية المحتلة، إنَّ الجيش الإسرائيلي بأوامر من حكومته يرفض محاولات جلب مخزونات من مناطق الإخلاء، ما يدفع النظام الصحي إلى حافة الانهيار عندما يُضاف إلى النقص الحاد في الإمدادات،17 مستشفى من أصل 36 مستشفى لا تزال تعمل جزئيًا أو بالحد الأدنى من القدرة فقط، ويبلغ عدد الأسرة المتوفرة حالياً 1500 سرير فقط، أي أقل بنحو 45% مما كان عليه الوضع قبل اندلاع العدوان، أما في شمال القطاع، فالوضع أشد قتامة، إذ خرجت جميع المستشفيات والمراكز الصحية الأولية عن الخدمة، ولم تعد هناك أي بنية تحتية قادرة على تقديم العلاج حتى للحالات الطارئة. النقص الحاد في الوقود أدى إلى توقف مولدات الكهرباء، وتجميد كل ما يرتبط بها من معدات إنقاذ، بما في ذلك غرف العمليات، وأجهزة غسيل الكلى، وأجهزة التنفس الاصطناعي، وحضّانات الأطفال الخدّج، الأطباء أصبحوا عملياً مضطرين إلى اتخاذ قرارات تتنافى مع ما أقسموا عليه في حماية أرواح وأبدان المرضى بسبب الوضع الكارثي الذي طال النظام الصحي ما دفع الفرق الطبية إلى اختيار من يعيش ومن يموت، بسبب شح الموارد، وهو مشهد لا يحدث إلا في ساحات الحروب الكبرى أو في لحظات الانهيار التام، فوفق مصادر وزارة الصحة في غزة، هناك آلاف من الجرحى والمرضى مهددون بالموت المحقق، ليس بسبب الإصابات المباشرة فقط، بل بسبب عدم توفر العلاج أو الطاقة لتشغيل المعدات الحيوية، كمرضى السرطان، والفشل الكلوي، والخدّج، والمصابون بجراح معقدة، باتوا جميعًا ينتظرون مصيرًا واحدًا: الموت التدريجي. مدير مجمع الشفاء الطبي، الدكتور محمد أبو سلمية، أكد أن الوضع الصحي كارثي، بسبب تعنت الجيش الإسرائيلي في السماح بإدخال الوقود لتشغيل المستشفيات، سيما وأن الوقود متوفر في منطقة حمراء في رفح، كما أن هناك منظمات كمنظمة الصحة العالمية تشرف على دخول قوافل الوقود إلا أن الجيش الإسرائيلي يمنع من دخولها، إذ يسمح بإدخال كميات شحيحة لا تكاد تكفي تشغيل مستشفى ليوم كامل، ما دفع الفرق الطبية إلى إغلاق الكهرباء على المستشفى وتشغيلها للمرضى الأكثر حاجة كمرضى الغسيل الكلوي، والأطفال الخدج، والمرضى من هم على أجهزة التنفس الاصطناعي. وأكد الدكتور محمد أبو سلمية أن الوقود على وشك النفاد تمامًا، وأن المستشفى سيخرج عن الخدمة خلال أيام إن لم يتم إدخاله فورًا، فمجمع الشفاء هو أكبر مشفى في القطاع ورغم أنه يعمل بربع طاقته التشغيلية بسبب أعمال القصف إلا أنه يستقبل 200% من طاقته الاعتيادية، ومن تبقى من مرافقه يخدم عشرات الآلاف، وهو اليوم في حالة احتضار حقيقي، متحدثا بلغة يائسة عن مشهد كارثي بكل ما للكلمة من معنى، بينما العاملون فيه يواصلون العمل وسط الظلام، ومن دون أدوية كافية، ومن دون مستلزمات جراحية أو أدوات تعقيم، بل وبدون مياه صالحة للاستخدام في بعض الأقسام. كل هذا يحدث والعالم يكتفي بالمراقبة، البيانات الأممية تتوالى، لكن دون فعل حقيقي، منظمة الصحة العالمية أطلقت نداءات عاجلة، لكنها لم تتجاوز حدود التحذير اللفظي، الصليب الأحمر لا يزال يمارس دوره التقليدي في إصدار البيانات الدبلوماسية، بينما الهيئات الدولية العاملة في المجال الإنساني اكتفت بتوثيق الكارثة لا مواجهتها، المجتمع الدولي يقف صامتاً أمام جريمة خنق شعب بالكامل، ويبدو أنه اختار ألا يفعل شيئًا حتى تنتهي “المهمة” الإسرائيلية على طريقتها. والسؤال هنا: ما جدوى هذه المنظمات، إن لم يكن وجودها يُترجم إلى حماية حقيقية للمدنيين؟ إذا لم يكن ملايين المدنيين العالقين تحت الحصار، المصابون والمرضى والجوعى، أولوية عاجلة للضمير العالمي، فمتى يكونون؟ وإذا لم يكن النظام الصحي المتهاوي في غزة سببًا كافيًا لتدخل دولي لوقف الجريمة، فمتى سيتحركون؟ الجريمة ليست فقط في من يمنع الوقود، بل في من يرى هذا المنع ويصمت عليه، أو يساويه بالمقاوم الذي يدافع عن أرضه. ختاماً... كل هذا يحدث أمام الكاميرات، أمام المجتمع الدولي، أمام من يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان، وأمام من يستخدمون شعارات حماية المدنيين، اليوم، الوقود ممنوع، العلاج ممنوع، والموت مباح، ولا شيء يحرّك هذا العالم الأعمى، الذي بات ضميره مستتراً في ظل إبادة جماعية ممنهجة ومكتملة الأركان. يجب أن يعلم العالم أن ما يقوم به الكيان الصهيوني المجرم ما هو إلا تنفيذ لما يتضمنه سفر صموئيل الأول والذي أمر به يهوه شاول -أول ملوك بني إسرائيل كما يقال في الحكاية الكتابية- عندما واجه العماليق أي الأقوام التي كانت تسكن فلسطين قائلا "اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ما له، ولا تعفُ عنهم، بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً"، فهذه الأوامر بالإبادة ما هي إلا تفسير للأيديولوجية التي تتبناها حكومة "النتن ياهو" وأشباهه المتطرفين.

864

| 02 يوليو 2025

بين صاحب الأرض والطارئ المحتل

عرَّى التصعيد العسكري المجتمع الإسرائيلي الذي بدأ عبر الموانئ الواقعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في هرتسليا، حيفا وعسقلان مغادرة إسرائيل سراً عبر البحر، بعضهم يعترف، وبعضهم يخفي، وجميعهم يهرب لقبرص، ومنها إلى أي مكان آخر إلا «إسرائيل»..هذا الوطن الزائف الذي تهاوى تحت أول اختبار حقيقي، حيث تشير التقارير إلى أن قادة اليخوت يؤمنون الرحلات سراً نزولا على طلب المهاجرين على متنها بمبالغ تتراوح بين 713 دولارا أمريكيا إلى 1712 دولارا. وقد تكرر المشهد مع بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة في أكتوبر 2023، حيث هاجر قرابة نصف مليون إسرائيلي خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب، وأفادت مصادر حكومية بأن 40.600 إسرائيلي غادروا خلال أول سبعة أشهر من 2024، بزيادة 59 % عن العام السابق. التصعيد الأخير هزّ المجتمع الإسرائيلي من الداخل، حيث اختفى الشعور بالسيطرة، تساقطت الهالة الأمنية، وظهر كم أن البنية النفسية لمجتمعهم الهش لا تحتمل الضغط، ولا تُجيد البقاء حين يصبح الوجود مهدداً، في المقابل تجد الفلسطيني صاحب الأرض الذي هُجرَّ قسراً من أرضه عام 1948، وقُتل وشُرّد واعتُقل وعذب أمام أطفاله، لم يتراجع عن حق المواطنة في أرضه وأرض أسلافه، وقد يكون ما يحدث في قطاع غزة خير دليل، حيث الموت ليس استثناءً، بل قاعدة يومية، ورغم ما يكابدونه من تجويع وتهجير وتدمير للمنشآت الحيوية لا يبحث الفلسطيني عن مأوى خارج حدود وطنه، بل يبحثون عن فرصة للحياة حتى وإن كانت تحت ركام منازلهم التي شُيدت من الطين وبالكثير من الكرامة وحب الوطن. فإذا ما استعرضنا عزيزي القارئ سوية بعض المشاهد التي تكشف صاحب الأرض من المحتل، فالمشهد الأول هناك إسرائيلي يجرّ حقيبته نحو البحر مغادرا ليس الوطن بل المواطنة الزائفة، وفي المقابل أم فلسطينية تدفن أبناءها، وتكنس حطام منزلها متشبثة بأرضها التي رُويت من دماء أبنائها الشهداء، المقارنة ليست عاطفية، بل هي حقيقية، واقعية، وموثّقة بالتاريخ وبالدم الذي أريق دفاعا عن الوطن. هؤلاء الذين يغادرون البحر اليوم وكل يوم، جاء أسلافهم من منافذ بحرية قبل سبعة عقود بتواطؤ عالمي شرارته أفكار ثيودور هيرتزل اليهودي صاحب العرق المختلط، حتى بنوا كيانًا على أنقاض شعب، ظنّا أن قوة السلاح تخلق شرعية، وأن صفقات السياسة تصنع وطنا، إلا أن الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس في كبد السماء هي أن صاحب الأرض الحقيقي هو القادر على التضحية، حتى لو حمل روحه على راحته فداء لحفنة تراب من وطنه، وعلى النقيض للمحتل الذي يدرك بأنَّ هذه الأرض التي يحيا عليها ليست أرضه، ولا بأي حال من الأحوال سيقدم أدنى تنازل فما بالكم لو كان الثمن روحه؟!. * منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023 وحتى 16 يونيو 2025، شنّ جيش الاحتلال أكثر من 40,000 غارة جوية على القطاع، وأطلق عشرات الآلاف من القذائف المدفعية، ما أدى إلى استشهاد ما يزيد على 48,000 فلسطيني وإصابة أكثر من 113,000 آخرين، وتدمير 70 % من البنى التحتية المدنية، بحسب تقارير موثقة من منظمات حقوقية دولية، صاحب الأرض ثبت جذوره، وأصرَّ على البقاء في أرضه، بينما الطارئ المحتل فرَّ يبحث عما يستر هشاشة انتمائه وزيف مواطنته، بل ورسالة تؤكد أنه لن يبذل أدنى تضحية لإيمانه ويقينه بأنَّ هذه الأرض ليست أرضه. خاتمة: في أقل من أسبوع، ظهرت هشاشة المجتمع الإسرائيلي، أمام الصمود الفلسطيني على مدار 77 عاما، ليس في وجه الاحتلال فقط، بل في وجه العالم كله حين يتواطأ، ويتجاهل، ويصمت، لهذا، حق المواطنة شعور يتَملكنا لا نمتلكه، يظهر في الشدائد، يغربل أصحاب الأرض والطارئين المحتلين.

573

| 18 يونيو 2025

قانون الغاب يطوق (مادلين) !

إنَّ اعتراض قوات كوماندوز إسرائيلية لسفينة «مادلين» التابعة لأسطول الحرية (FFC) يوم أمس الأول، والتي تحمل 12 ناشطا دوليا، بهدف كسر الحصار البحري على غزة، لم يكن سوى برهان جديد على أن إسرائيل لم تعد تخترق القانون الدولي فحسب، بل باتت تقف فوقه بكل وقاحة وتبجح، السفينة كانت تحمل مساعدات إنسانية فلا شبهة سلاح، لا تهديد أمني ولا أي مبرر عسكري، ومع ذلك أقدمت قوات كوماندوز إسرائيلية على محاصرتها واعتقال من كانوا على متنها في عمق المياه الدولية، ضاربة بعرض الحائط نصوص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، التي تحظر اعتراض السفن المدنية في أعالي البحار إلا في حالات قرصنة أو تجارة عبيد أو بث إذاعات غير مرخصة، لا ينطبق منها شيء على سفينة «مادلين» بالاستناد إلى المختصين. لكن الجريمة القانونية لم تتوقف عند التنفيذ، بل امتدت إلى رد الفعل الدولي الباهت، الذي لم يرقَ إلى مستوى الانتهاك، سلسلة من الإدانات اللفظية صدرت عن بعض الدول والمنظمات، كأنها تستنكر زلة دبلوماسية لا عملية قرصنة مكتملة الأركان، ألمانيا، فرنسا، النرويج وبلجيكا تحدثت بلغة القلق والدعوة لضبط النفس، فيما طالب الاتحاد الأوروبي بـالإفراج عن النشطاء الدوليين، بينما الأمم المتحدة أعربت عن الانزعاج العميق، وضرورة التحقيق، وكأن حادثة الاختطاف هذه مجرد حالة سوء تفاهم عابرة، فما فعلته إسرائيل هو انتهاك فاضح للقواعد المعمول بها دوليًّا، فوفق «دليل سان ريمو» و»دليل نيوبورت»، لا يجوز استخدام القوة ضد سفن مدنية إلا بعد إنذارها ورفضها الواضح التفتيشَ بالاستناد إلى الدكتور محمود الحنفي- أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان-، كما أنها انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني الذي يفرض حماية الإغاثة الإنسانية حتى في زمن النزاعات المسلحة. * السؤال هنا ليس فقط حول مدى شرعية التصرف الإسرائيلي؟، بل أيضًا حول طبيعة المعايير التي تحكم ردود الأفعال الدولية؟، ماذا لو لم تكن إسرائيل هي الجهة التي اعترضت السفينة؟ هل كانت ردود العواصم الغربية ستكون بالمستوى ذاته من الحذر والخجل؟ هل كانت الولايات المتحدة ستكتفي بالدعوة إلى التهدئة، لو أن روسيا مثلًا هي من اختطفت نشطاء إغاثة في عرض البحر؟ هل سيكون رد الفعل لبعض الدول بالصورة التي عليها الآن؟!، هناك ازدواجية فجّة في المعايير لا يمكن تغطيتها بعبارات دبلوماسية، عندما تكون إسرائيل هي الفاعل، تتجمّد قوانين الملاحة، وتتعطل آليات المحاسبة، وتُعامل القرصنة كحق سيادي مشروع. فالرد على جريمة قرصنة سفينة «مادلين» لم يكن بحجم الجرم، لا مجلس أمن دعا لانعقاد جلسة طارئة!، لا عقوبات، لا محاسبة، القانون دُهس، والمنظومة الدولية وقفت متفرجة، كأن ما حدث مجرد تفصيل صغير لا يستحق سوى إدانة وشجب واستنكار!، رغم أنَّ الاحتلال لا يخشى السفينة عينها، بل يخشى من اسمها الذي يحمل قصة نضال يتوارثها الأجيال. * ومن بين ما حرّك هذه السفينة وأثار الذعر من وجودها، ليس حمولتها ولا مسارها، بل رمزها، لم يكن اختيار اسم «مادلين» عبثيًا. بل أُطلق عليها نسبةً إلى الصيادة مادلين كلاب، أول فتاة فلسطينية تمارس الصيد كمهنة مع والدها منذ سن الثالثة عشرة، وأصبحت رمزًا لصمود العائلات في وجه الحصار البحري. عملها لم يكن خيارا بل ضرورة، في مواجهة الحصار الخانق الذي يفرضه المحتل، فحين قرر منظمو الحملة إطلاق اسمها على السفينة، كانوا يعلنون أن هذه الرحلة لا تحمل طعاما فحسب، بل تحمل قصة فتاة تمثّل مئات الآلاف من المحاصرين والمحاصرات في قطاع غزة. من كانوا على متنها لم يكونوا سياسيين ولا عسكريين، كانوا متضامنين من خلفيات مختلفة، من ضمنهم ناشطون دوليون معروفون في مجالات المناخ وحقوق الإنسان، أتوا بدافع أخلاقي بحت، لا تربطهم بالمنطقة لا قومية ولا مصلحة، وجودهم ليس بهدف استعراض العضلات أو بحثا عن الشهرة!، بل تذكيراً رمزياً بأن الحصار جريمة، وأن كسره واجب في ظل تخاذل وتقاعس المجتمع الدولي، لكن إسرائيل تعاملت مع هؤلاء كخطر إستراتيجي، وأرسلت قوات كوماندوز لردعهم، لتمنع روايتهم من الوصول، قبل أن تمنعهم هم أنفسهم. ورغم كل محاولات التعتيم، ما جرى في عرض البحر أشعل من جديد جذوة التضامن، ففي تونس انطلقت قافلة الصمود بمشاركة نشطاء من تونس والجزائر والمغرب بغية الوصول إلى معبر رفح لكسر حصار غزة المطبق، وهذه دلالة على أنَّ سفينة «مادلين» بلغت الهدف وأوصلت الرسالة، من خلال المبادرات الشعبية التي تخرج من ضمير الشارع العربي الذي سئم الصمت الرسمي، فهذا التضامن الشعبي المتصاعد يفضح بؤس المواقف الرسمية العربية والعالمية التي التزمت الصمت كالعادة، رغم أن الحادثة تضع المنطقة كلها أمام اختبار أخلاقي: هل تبقى القرارات بيد أنظمة لا ترى في الدم الفلسطيني إلا ملفًا يجب القفز عنه ! ختاما... ما فعلته إسرائيل على ظهر سفينة «مادلين»، لم يكن ليحدث لولا الدعم الذي تلقاه من القوى العظمى، عسكرياً وسياسياً، وكأن إسرائيل تريد إحلال القانون الدولي الإنساني بقانون الغاب.!.

348

| 11 يونيو 2025

من رسم حدود فلسطين على مقاس 1967؟

تحل الذكرى السنوية الـ58 لنكسة حزيران/يونيو 1967 يوم غد، الحرب التي لم تكن مجرد هزيمة عسكرية، بل نقطة تحوّل جذري في مسار القضية الفلسطينية، في ستة أيام فقط، لم يتغيّر ميزان القوى في الإقليم فحسب، بل أُعيد تعريف فلسطين من مشروع تحرر وطني إلى نزاع حدود مؤطر، ومعلّق بقرارات دولية فضفاضة، لخدمة المشروع الصهيوني البائس الذي أقرَّ عام 1917 تحت اسم وعد بلفور. وقبل استعراض الخسائر التي لا يزال يتجرعها الشعب الفلسطيني أينما كان، من المهم الإشارة إلى الأسباب وراء اندلاع حرب 1967، والذي جاء على خلفية تصعيد سياسي وعسكري مُعقَّد، كانت أبرز أسبابه المباشرة التوتر المتراكم بين إسرائيل والدول العربية منذ العدوان الثلاثي عام 1956، خاصة بعد انسحاب إسرائيل من سيناء تحت الضغط الدولي، إغلاق مصر لمضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية في مايو 1967، ما اعتبرته إسرائيل إعلان حرب، إذ كان المضيق شرياناً بحرياً حيوياً لها، انسحاب قوات الطوارئ الدولية من سيناء، التي كانت تفصل بين الجيشين المصري والإسرائيلي، ما أُعطي ذريعة لإسرائيل باعتبار أن الحرب باتت وشيكة، التعبئة العسكرية العربية وتصاعد الخطاب الحربي في الإعلامين المصري والسوري، رافقه حشد قوات على الحدود، ما زاد من احتمالية اندلاع مواجهة مفتوحة. في غضون ستة أيام، احتلت إسرائيل كلَّ فلسطين، واحتلت مناطق جديدة من الدول العربية، حيث أصبحت مساحة إسرائيل ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، إذ سقطت الضفة الغربية التي كانت تحت سيطرة القوات الأردنية، القدس الشرقية، قطاع غزة الذي كان تحت سيطرة القوات المصرية، شبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان السورية، مزارع شبعا اللبنانية، فضلا عن جزيرتي صنافير وتيران، فكان الانهيار شاملاً، ولم يكن مجرد احتلال أرض، بل تأسيس فعلي لمشروع توسعي مدعوم أمريكياً وغربياً. للمرة الأولى منذ النكبة في يونيو 1967 خضع المسجد الأقصى لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي الكاملة، في اليوم الثالث للحرب، اقتحمت القوات الإسرائيلية البلدة القديمة ورفعت علمها على حائط البراق، وبدأت سريعا بفرض واقع جديد في المدينة، ورغم ذلك، وبفعل تدخلات سياسية وضغوط عربية، خاصة من الأردن، لم تُمسّ الإدارة الدينية للمقدسات، فبقيت الوصاية على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية بيد وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية، التي استمرت في تعيين الحراس، وتنظيم شؤون الصلاة، والإشراف على الصيانة، لكن هذه السيادة كانت دينية وإدارية فقط، في مقابل سيطرة أمنية كاملة بيد الاحتلال، الذي بدأ منذ اللحظة الأولى في فرض قيود على دخول الفلسطينيين، وتكريس سردية توراتية سياسية تتغذى على التهويد. فور توقف المعارك، أصدر مجلس الأمن القرار 242 في نوفمبر 1967، بصيغة غامضة تنص على انسحاب إسرائيل من أراضٍ احتلت وهو ما استغلته إسرائيل لصالحها، الأخطر أن القرار لم يعترف بالفلسطينيين كأصحاب حق، بل كقضية لاجئين فقط، وهو تمهيد مبكر للاعتراف بشرعية الكيان المحتل دون أي التزام بإنهاء الاحتلال. فبعد قرار مجلس الأمن 242 أصبح في كل مناسبة أممية، وكل بيان سياسي، تُستعاد جملة (قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية)، جملة تبدو عادلة، لكنها في حقيقتها اعتراف عملي بإسرائيل، وسقف منخفض لحق أعلى، ونتاج لحسابات دولية بدأت عقب النكسة ولم تنتهِ باتفاق أوسلو 1993. طوال السبعينيات وأوائل الثمانينيات، ظلت منظمة التحرير متمسكة بالرؤية الكاملة لفلسطين التاريخية، لكن المتغيرات الدولية، والضغوط الأمريكية والعربية، حشرتها في الزاوية، ففي 15 نوفمبر 1988، أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، مع الاعتراف بالقرار 242، بهذا الإعلان اعترفت المنظمة عملياً بإسرائيل، ووافقت على حل الدولتين، مقابل اعتراف دولي بها كممثل شرعي وحيد للفلسطينيين. ثم جاء أوسلو 1993 ليعيد تثبيت الحل المرحلي، القائم على دولة دون سيادة، وعلى انسحاب جزئي ومؤجل، وعلى تأجيل كل ما له قيمة: القدس، اللاجئون، الحدود، فحصلت إسرائيل على اعتراف كامل وشرعية جديدة، بينما حصل الفلسطينيون على سلطة إدارية تحت الاحتلال، بلا دولة ولا حماية. اليوم، بعد أكثر من خمسة عقود على النكسة، وثلاثة عقود على أوسلو، لم تقم الدولة!، ولم يتوقف الاستيطان!، ولم تُحل قضية اللاجئين! ومع ذلك، لا يزال الخطاب الدولي يردد «حل الدولتين على حدود 1967»، كأنها تعويذة لا تفقد صلاحيتها. ختاماً... إنَّ الاعترافَ بحدود 1967 لم يجلب سلاماً، بل شرعن الاحتلال، وقزّم الحق الفلسطيني، وجملة «حل الدولتين على حدود 1967» كرّست لسلب الحق الفلسطيني باستعادة أراضيه كاملة، بل أصبحت تجميلاً لقلة حيلتنا، وتواطؤاً مغلفاً بالقانون الدولي، فالحديث عن دولة فلسطينية دون اقتلاع الاحتلال، كالطبيب الذي يداوي العَرض ويتجاهل جذور المرض.

540

| 04 يونيو 2025

مأساة آلاء النجار.. وصمة على جبين العالم

في صباحٍ بدا عادياً وسط فوضى الحرب، وصلت الطبيبة آلاء النجار – طبيبة أطفال – إلى مستشفى التحرير بمجمع ناصر الطبي بخان يونس حيث تعمل. إلا أنها، في ذلك اليوم تحديداً، شعرت برغبة عارمة لقضاء بعض الوقت مع أطفالها العشرة، فأعدّت لهم بعض اللقيمات مما تيسّر؛ فالحرب وسياسة التجويع التي تمارسها حكومة الكيان المحتل لم تترك شيئًا دون أن تنهشه. وأثناء استعدادها للخروج، وقبل أن يوصلها زوجها إلى عملها كالمعتاد، أقبلت بروحها قبل جسدها على أطفالها، تقبّلهم واحدًا تلو الآخر، وكأن قلبها كان يهمس لها أن هذا اللقاء الأخير. ثم غادرت المنزل برفقة زوجها، ظنّت حينها أن أصعب ما ستواجهه في هذا اليوم هو محاولتها مواساة الأمهات المفجوعات بأطفالهن، في ظل انعدام أبسط الاحتياجات الطبية بمستشفيات قطاع غزة، جرّاء حرب مستعرة منذ 19 شهرًا. لكن بينما كانت الطبيبة آلاء تبذل أقصى جهدها لإنقاذ حياة الأطفال، كانت صواريخ الاحتلال تمزّق أجساد تسعة من أطفالها العشرة!، دفعةً واحدة، بلا ذنب. صاروخ واحد كان كفيلاً بمحو حيٍّ كامل، وجعله أثرًا بعد عين. حين وصلها الخبر، لم تصرخ، لم تبكِ، قيل إنها صمتت للحظات. صمت طويل، عميق، حارق… يشبه موتًا بطيئًا. طبيبة أفنت سنواتها في تضميد الجراح، عادت لتجد بيتها ركاماً، وعينيها تستجديان رجال الإسعاف والدفاع المدني: هل بقي أحد على قيد الحياة لتودّعه الوداع الأخير؟ لكن حتى هذا الحق بات ترفًا للفلسطيني. وجدت نفسها جريحة بلا شفاء، أمًّا بلا أطفال، إنسانة أظنها كفرت بالأخوّة العربية في عالم بلا ضمير، ومع ذلك، امتلأت بالصبر، مؤمنة بأن ما عند الله أبقى. أطفال الطبيبة آلاء النجار لم يكونوا أرقاماً، بل كانوا أسماءً، وضحكاتٍ تملأ زوايا البيت، وأحلامًا تعانق السماء. ورغم هذا الفقد، لا يزال العالم يراقب، يدين ببيانات خجولة، يتفرّج على المجازر، يتابعها من بعيد، يقلب محطات التلفاز بجهاز تحكم عن بعد، متمتمًا: “وماذا عسانا أن نفعل؟”. ربما لا تملكون فعل شيء، لكن أنتم، من يجمّلون وجه الاحتلال ويصفقون لاتفاقيات السلام، ماذا ستقولون للطبيبة المكلومة آلاء النجار؟ بأي وجه ستبرّرون موت تسعة أطفال؟ لم يحملوا سلاحًا، بل استشهدوا على عتبات الطفولة المسروقة في غزة. مأساة آلاء النجار ليست مشهداً إنسانياً عابراً، بل صفعة في وجه كل من تواطأ بالصمت أو البيان الموارب، وقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أن عدد الأطفال الذين استشهدوا جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ 7 أكتوبر 2023 بلغ 16503 أطفال، أن من بين الشهداء 916 رضيعاً تقل أعمارهم عن عام واحد، فيما بلغ عدد الأطفال الشهداء الذين تتراوح أعمارهم بين (1–5 أعوام) 4,365 شهيداً، وبين (6–12 عاماً) 6,101 شهيد، أما عدد الشهداء من الفئة العمرية (13–17 عاماً) فقد وصل إلى 5,124 شهيداً، وهذه الأرقام تعكس حجم الكارثة الإنسانية وعمق الجريمة المرتكبة بحق جيلٍ كامل، كان من المفترض أن يحظى بالحماية والرعاية والتعليم، لا أن يتحول إلى أهداف لصواريخ الطائرات وقذائف الدبابات، وهذا الرقم يفوق عدد الأطفال الذين قُتلوا في جميع مناطق النزاع حول العالم خلال عام كامل. الاحتلال لا يكتفي بالقصف، بل يستخدم القنص والتجويع كأسلحة حرب، تقارير حقوقية تؤكد أن قنّاصة إسرائيليين استهدفوا أطفالاً برصاص في الرأس أثناء بحثهم عن الطعام والماء، هناك من مات جوعاً، وآخرون استشهدوا حرقاً، وغيرهم قنصا، في مشاهد لا يحتملها من بقي له ضمير حيّ. الطبيبة آلاء النجار ليست حالة فردية، بل رمزٌ لأمهات كثيرات فقدن أطفالهن في مناطق النزاع، وخاصة في فلسطين، حيث يتّبع الاحتلال سياسة ممنهجة تهدف إلى القضاء على الجيل الجديد، لضمان ألا تقوم للشعب الفلسطيني قائمة. وفي مواجهة هذه الوحشية، يبقى الصمت العربي والإسلامي مخزيًا، في كل بيت فلسطيني قصة، وفي قلب كل أمّ رواية لم تُكتب بعد. آلاء النجار ليست استثناء، بل صدى متكرّر لأصوات الأمهات اللواتي وجدن أنفسهن فجأة في بيوت خالية من الضحك، من الحياة، من الروح. قصتها تكرّرت مئات، بل آلاف المرات، في حرب لا تميّز بين طفل وشيخ، بين مدني ومقاوم. ختاماً... الاحتلال الإسرائيلي لا يخشى ردود الفعل، لأنه مدرك أن ردّ الفعل العربي والإسلامي الرسمي لن يتجاوز بياناً إنشائيا، أو تصريحا باهتاً، فالكيان المحتل يراهن على ذاكرة العالم القصيرة، في أنَّ الفلسطيني سيعتاد الألم، ويُربّى على الفقد، حتى يصبح موت أطفاله تفصيلًا عابرا في نشرات الأخبار. لكن ما لا يدركه الكيان المحتل هو أن لكل أمّ قلبا لا ينسى، وجرحا لا يندمل، وأن من بقي بعد المجازر لن يصمت، ولن يسامح، ولن ينسى، وأن من تربى وسط الركام، لن يقبل حياة بلا كرامة.

684

| 28 مايو 2025

77 عاماً من نكبة العرب

في مايو من كل عام، تتجدّد جراح فلسطين. لكن هذا العام، تمر النكبة في ذكراها الـ77، وهي ليست مجرد محطة في الذاكرة، بل حدث مفتوح مستمر بتداعياته السياسية والإنسانية. ما بدأ عام 1948 لم ينتهِ؛ بل تبدّل شكله، وتعمّقت جذوره. هي ليست مجرد نكبة، بل مشروع اقتلاع ممنهج وهندسة سكانية لم يُواجه يومًا بالعدالة. في عام 1948، تم تهجير نحو 750 ألفا إلى 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم الأصلية، من أصل 1.4 مليون كانوا يسكنون فلسطين التاريخية. هذا لم يكن نتيجة حرب فوضوية، بل مخطط تطهير عرقي مدروس، هدفه إفراغ الأرض من سكانها الأصليين وتأسيس دولة استعمارية جديدة على أنقاضهم، حيث ذكر المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه في كتابه «التطهير العرقي في فلسطين» «النكبة ليست صدفة تاريخية، بل نتيجة استراتيجية مدروسة ومبكرة.» لكن الكارثة لم تبدأ من الصفر في 1948. جذورها تعود إلى أوائل القرن العشرين، حين كانت نسبة اليهود في فلسطين لا تتجاوز %3، ومع صدور وعد بلفور عام 1917، تعهّدت بريطانيا رسمياً بإقامة «وطن قومي لليهود» على أرض لا تملكها، وعلى حساب شعب لم يكن غائباً، بل متجذراً فيها منذ قرون. خلال فترة الانتداب البريطاني (1920–1948)، نظّمت بريطانيا موجات الهجرة اليهودية، وسهّلت بناء الميليشيات الصهيونية المسلحة (مثل الهاجاناه وإرغون)، وقمعت أي مقاومة فلسطينية ضد الاحتلال أو الهجرة. وبدعم غربي واسع، وصلت نسبة اليهود إلى حوالي 33% من سكان فلسطين عام 1947، رغم أنهم لم يملكوا سوى 7% من الأرض. ثم جاء قرار التقسيم (181) الذي منح اليهود 56% من فلسطين، فكان بمثابة إعلان حرب دولي على السكان الأصليين، وشرارة النكبة الكبرى، بعد إعلان قيام إسرائيل عام 1948، تضاعف عدد اليهود خلال ثلاث سنوات فقط، من 650 ألف إلى أكثر من 1.4 مليون، بفعل الهجرة المكثّفة من أوروبا الشرقية، الاتحاد السوفيتي –سابقا-، الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا. اليوم، بعد 77 عاماً، تجاوز عدد اليهود في إسرائيل 7.2 مليون، في حين يعيش أكثر من 7 ملايين فلسطيني في الشتات، ممنوعين من العودة، وفق سياسات تمييز عنصري ممنهجة، تلك القرى التي طُردوا منها إما هُدمت، أو بُنيت فوقها مستوطنات، أو حُوّلت إلى غابات صهيونية تمحو آثار الوجود الفلسطيني. النكبة لم تُطوَ صفحتها، تتجدد كل يوم بوقائع حية. في غزة، رأى العالم نسخة محدثة من التطهير الجماعي، فمنذ السابع من أكتوبر 2023، خلفت أكثر من 174 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، بلا مأوى، بلا دواء، بلا كهرباء، بلا أفق، وما يزيد على 11 ألف مفقود بالاستناد إلى موقع الجزيرة. في الضفة الغربية، الاستيطان يتمدد، مدعوما من حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، ومسنوداً من جيش لا يتردّد في تنفيذ الإعدامات الميدانية. في القدس، تُسلَب الهويات، وتُصادَر العقارات، وتُخنق الحياة اليومية بقرارات عنصرية، تُنفّذ بهدوء وبتواطؤ دولي فاضح. رغم كل هذا، لا تزال الهوية الفلسطينية صامدة. لم ينجح المشروع الصهيوني في قتل الذاكرة، فالفلسطيني الذي طُرد من أرضه لم يُستسلم للمحو، بل تحوّل إلى شاهد دائم حمل مفتاحه، وورّث الرواية لأحفاده، وحوّل النكبة من حدث إلى قضية لا تموت، فالكيان المحتل يدرك هذا الخطر جيدا، لذا يلاحق الرواية الفلسطينية، يحظر الكتب والمناهج الفلسطينية في الداخل المحتل، ويشيطن كل من يرفع صوته بالحقيقة. ولكن المسؤولية لا تقع فقط على الكيان المحتل، بل على من جلب المشروع الصهيوني إلى فلسطين..بريطانيا، التي هندست كل شيء منذ وعد بلفور، وكانت اليد التنفيذية لتهويد فلسطين تحت غطاء الانتداب؛ الولايات المتحدة، التي دعمت وتدعم الكيان سياسيا وعسكريا منذ اليوم الأول، ولا تزال تمنحه الغطاء الكامل في المحافل الدولية؛ ولا تنسى الذاكرة ما قاله الرئيس السابق للولايات المتحدة جون بايدن عند زيارته –التضامنية- للكيان المحتل بعد عملية طوفان الاقصى «إنه لو لم تكن هناك إسرائيل «لعملنا على إقامتها»، والاتحاد السوفيتي سابقًا، الذي أسهم في دعم هجرة اليهود لأسباب جيوسياسية رغم خطابه المعلن المناهض للاستعمار. خاتمة... بعد 77 عامًا، ما زال العالم يكتفي بـ”القلق” حين يُذبح الفلسطيني، ويدعي بوجود عناصر مقاومة حين تستهدف المدارس والمستشفيات، أما الفلسطيني، فرسالته واضحة وهدفه ثابت في زوال المحتل بالمقاومة لا بالحلول السياسية التي فُرغت من محتواها، فالنكبة الحقيقية تتجلى في صمت العالم الذي بات يشاهد التقتيل والتهجير والتجويع في بثّ حي ومباشر، دون أن يتحرك ضميره، وكأن هذا العالم وُلد أبكم، أصم وأعمى. لكن رغم كل شيء، حق العودة بالنسبة لنا كفلسطينيين ليس شعاراً لاستدرار العطف، بل هو جوهر العدالة.

495

| 21 مايو 2025

هولوكوست العصر في غزة!

في مشهد تراجيدي يلخّص حجم الجريمة، لفظت الرضيعة جنان السكافي أنفاسها الأخيرة بين ذراعي والدتها، التي تمتمت بانكسار: “ما قدرت أطعمي بنتي… ماتت وأنا بتفرّج عليها.” لم تمت جنان بسبب عارض صحي، بل ماتت — أو بالأحرى، استُشهدت — ثمنًا للعرق الذي تنتمي إليه. استُشهدت لتدفع ثمن وحشية الكيان المحتل الذي يستخدم سياسة التجويع والعقاب الجماعي على كل ما هو فلسطيني. فالغذاء بات جريمة، وحليب الأطفال أصبح ورقة ضغط يمارسها الاحتلال لكسر شوكة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. منذ السابع من أكتوبر 2023، تحوّل قطاع غزة إلى معسكر احتجاز جماعي، تحت حصار خانق يفرضه الكيان المحتل الذي يُدعى “إسرائيل”، حيث تُمنع المساعدات الإنسانية، ويُستخدم التجويع بشكل ممنهج كسلاح حرب، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، وسط صمت عالمي مريب. مجاعة ممهورة باسم الكيان المحتل، وموت معلن تُشاهَد تفاصيله على الشاشات، ثم يُطوى كما تُطوى أي صورة مأساوية في نشرات الأخبار، دون تحرّك جاد أو محاسبة. ووفق وزارة الصحة في غزة، استُشهد 57 شخصًا على الأقل حتى الآن بسبب الجوع، معظمهم من الأطفال والرضّع. في الوقت ذاته، يعاني أكثر من 66 ألف طفل من سوء تغذية حاد، بحسب وكالة “الأونروا”. وتشير بيانات برنامج الغذاء العالمي إلى أن أكثر من 1.1 مليون شخص في غزة — أي نصف السكان — على حافة مجاعة كارثية في ظل انعدام شبه كامل للأمن الغذائي. وفي هذا السياق، وصفت أولغا تشيرنيوك، المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ما يجري بأنه “إغلاق وحشي”، قائلة: “السلطات الإسرائيلية لا تسمح بدخول المساعدات بشكل كافٍ، والوضع يزداد كارثية… هذا استخدام للجوع كسلاح، وهذه جريمة حرب.” وأضافت: “المجتمع الدولي فشل تمامًا في حماية المدنيين، وما يحدث في غزة يجب أن يحرّك ضمير العالم.” لكن العالم لم يتحرّك. كل ما قُدِّم كان مئات البيانات المكررة من شجب وإدانة واستنكار تثير الاشمئزاز. لا ضغط حقيقي على حكومة الكيان المحتل، فلا قرارات ملزِمة تُنفّذ، ولا عقوبات تُفرض على هذا الكيان الذي يعيث فسادًا بغطاء أمريكي وغربي، ليصنع هولوكوست العصر بوسائل حديثة، والمجتمع الدولي في حالة شلل إرادي، يُريد أن يبقى متفرجًا، ويكتب نفسه في خانة رمادية يلفّها عار لن يسقط بالتقادم. فبدلًا من كسر الحصار أو تأمين ممرات إنسانية دائمة، انشغل كثيرون بصبّ جام غضبهم على المقاومة، وتحميلها مسؤولية ما تكابده غزة منذ أكثر من 18 شهرًا، بل والضغط عليها لتسليم سلاحها الذي لم يكن ليكون لولا الاحتلال. وكأن حق الفلسطينيين في البقاء مشروط بطاعتهم وخضوعهم. يُطلب من الضحية أن تخلع درعها بينما السكين مسلّط على رقبتها! في مخيمات النزوح في رفح، حيث يعيش مئات الآلاف في خيام متهالكة، لا ماء صالح للشرب، لا طعام، لا كهرباء. الأهالي يطحنون علف الحيوانات لصنع خبز بالكاد يُؤكل، الأطفال يمصّون أصابعهم جوعًا، والأمهات يخفين دموع العجز تحت غطاء الصبر الإجباري. المشهد ليس مجرد أزمة إنسانية؛ بل هو جريمة موثقة، تنتهك المادة 14 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، التي تحظر تجويع المدنيين كسلاح حرب. والأدهى أن كل هذا يُمارَس أمام مرأى وسمع العالم، وكأن حياة الفلسطينيين رخيصة إلى درجة لا تستحق حتى جلسة طارئة فاعلة. المطلوب ليس بيانات جديدة، ولا صورًا مؤلمة إضافية؛ بل تحرّك فوري لفتح الممرات الإنسانية، وإنهاء الحصار، ومحاسبة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتوفير الحماية الدولية للمدنيين، فما يحدث في غزة اليوم ليس كارثة طبيعية، بل جريمة متعمدة. هولوكوست جديد تصنعه إسرائيل بلا غرف غاز، ولكن بأدوات أشد بطئًا وفتكًا: التجويع، والتعطيش، وتدمير المنشآت الصحية، ومنع الدواء. ختاما... سأختم وقلبي يقطر دماً حيث يستحضرني هنا موقف بعض رجالات قريش في فك الحصار عن بني هاشم، ومنها ما قاله زهير بن أبي أمية: «يا أهل مكة أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباعون ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة»، فإلى أي حد بلغ فينا الحال!، فإن لم يتحرك العالم الآن من مشارقه حتى مغاربه، فلن ينسى التاريخ… وسيسجّل أن هناك بقعة في هذا العالم ماتت جوعًا، وأخرى ماتت عارًا وهي تتفرج.

531

| 07 مايو 2025

فكيف تحكمون يا سيادة الرئيس؟!

إن ما أقدم عليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في افتتاح جلسة المجلس المركزي الفلسطيني في مدينة رام الله، الأربعاء الماضي، من شتم حركة المقاومة الفلسطينية «حماس» ونعتهم بوصف نابٍ لتسليم الأسرى الإسرائيليين قائلاً «يا أبناء الكلب سلّموا من عندكم وانتهوا من هذا الأمر»، قد أخذ الأضواء عن مجريات الجلسة التي كرَّست لسياسة الكيل بمكيالين، حيث قال «الرئيس» موجّهًا حديثه لحماس «إنَّ قرابة 2165 عائلة غزية شُطبت من السجل المدني!» ثم تساءل ساخرًا: «فكيف تحكمون؟» ونحن بدورنا نعيد توجيه السؤال ذاته للرئيس محمود عباس: كيف تحكمون في الضفة الغربية، بينما أهلها يتعرضون للتهجير القسري على يد الاحتلال الإسرائيلي؟! ففي هذه اللحظات، يواصل الاحتلال عدوانه على مدينة جنين ومخيمها لليوم الـ99 على التوالي، وسط صمت السلطة وتخاذلها، فكيف أنتم تحكمون يا سيادة الرئيس؟ منذ بداية عام 2023، استهدف جيش الاحتلال أكثر من 1300 منزل فلسطيني في الضفة الغربية، منها ما لا يقل عن 270 منزلًا دُمّر بشكل كامل، بحسب تقارير ميدانية، في شهر مارس من العام نفسه، تصاعدت الاعتداءات على المواطنين، خاصة في شمال الضفة، وتعرضت قرى نابلس وجنين لعمليات تهجير ممنهج. وفي يوليو 2023، شهدت جنين واحدة من أعنف عمليات الاجتياح الإسرائيلي منذ سنوات، حيث دُمّرت أجزاء كبيرة من المخيم، واضطر آلاف السكان للفرار من منازلهم، والتقارير تشير إلى تدمير أكثر من 300 منزل، ونزوح ما لا يقل عن 5000 فلسطيني، بينما ذكرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أن عدد المهجرين في جنين وحدها خلال العام 2023 تجاوز 8000 شخص، نتيجة القصف والاعتقالات والمداهمات المتكررة من جيش الاحتلال. وسط هذا الجحيم، يهاجم الرئيس محمود عباس حركة «حماس» بدلاً من مساءلة سلطته عن هذا التخاذل المزمن، فبينما يُذبح الشعب الفلسطيني، لا تملك القيادة سوى العبارات المستهلكة، ولا تتجاوز مواقفها سقف الاستنكار اللفظي، بينما تغيب تمامًا عن الساحة في لحظات المصير، فأين هي «حماس» في الضفة الغربية التي تدّعون أنها سبب الحرب في غزة؟ وهل هذه الحركة التي تواجه الاحتلال في الميدان، هي المسؤولة عن استشراء الاستيطان، والتهجير القسري، وتواطؤ بعض عناصر أجهزة السلطة في اعتقال المقاومين بالضفة الغربية؟ فوفقًا لتقرير منظمة «بتسيلم»، فإن أكثر من 600 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، موزعين على نحو 141 مستوطنة معترف بها من قبل الاحتلال، إضافة إلى مئات البؤر العشوائية، هذه المستوطنات تمثل رأس الحربة في مشروع التهجير وسرقة الأرض. من بين الأسئلة: أين هي أسلحة السلطة؟ ، ولماذا تتجه بنادقها نحو صدور المقاومين في الضفة، لا نحو العدو؟!، فلقد شاهدنا مراراً كيف شاركت أجهزة أمن السلطة في اعتقال مطاردين والتضييق على عائلاتهم، بينما تبقى بنادق الاحتلال حرة طليقة تفتك بأهلنا دون مقاومة، سؤال آخر ..هل السلطة الفلسطينية قادرة سياسيا على تقديم حل حقيقي لشعبها؟ طالما سلاحها عاجز عن مواجهة المحتل مواجهة مسلحة؟!، فهل هي على الأقل قادرة على رفع الصوت عاليًا في المحافل الدولية، وتوحيد الجهود لوقف التوسع الاستيطاني والتهجير القسري دون سلاح؟!. إن استمرار السلطة الفلسطينية في تقديم التنازلات السياسية، والتنسيق الأمني مع الاحتلال، يُشكّل خيانة لكل تضحيات أبناء شعبنا، كيف يمكن تفسير هذا الصمت أمام الجرائم اليومية، في وقت تتحدث فيه السلطة عن سيادة واستقلال؟ سيادة على مَن؟ وعلى ماذا؟ بناءً على كل ما سبق، لا بد من إعادة توجيه الأسئلة – وبجرأة – إلى القيادة الفلسطينية نفسها: أين كنتم عندما هُجّر الآلاف من جنين؟ ماذا فعلتم عندما تصاعد الاستيطان في بيتا وحوارة والخليل؟ كيف تبرّرون صمتكم عن المجازر اليومية في مدن الضفة، التي من المفترض أن تكون تحت سلطتكم؟ ختامًا.. إن السلطة الفلسطينية مطالبة اليوم – لا غدًا – بتغيير جوهري في نهجها. لم يعد مقبولًا أن تكون ذراعًا أمنية للاحتلال في الضفة، في وقت يسيل فيه دم الشعب وتُسحق كرامته، إن خط المقاومة، بجميع أشكاله، هو السبيل الوحيد المتبقي لاستعادة الكرامة الفلسطينية، ولن يحدث هذا إلا إذا تم تفكيك البنية القمعية التي تغلّف السلطة، وتُوجَّه البوصلة مجددًا نحو وحدة الصف والمواجهة الشاملة مع الاحتلال.

609

| 30 أبريل 2025

سلاح المقاومة ليس للمساومة

تخيّل، عزيزي القارئ، أن عدوًا يقتحم منزلك، بعد أن منع عنك الطعام والدواء، ليساومك بهما مقابل أن تتنازل عن بيتك وتسمح له باستباحة عرضك. ما الذي ستفكر فيه حينها؟ هل ستخاطبه بمنطق العقل؟ أم أنك، بفطرتك، ستدافع عن بيتك وكرامتك بكل ما أوتيت من قوة؟ ستواجهه ولو بيدٍ خالية، وستقاومه ولو أدى ذلك إلى موتك، لأن الدفاع في تلك اللحظة لا يكون خيارًا، بل واجب فطري، وفعل كرامة لا يقبل المساومة. أطلب منك الآن أن تُسقِط ما انتابك من مشاعر في هذا السيناريو الشخصي على واقع الإنسان الفلسطيني المقاوم، حين يُطلب منه أن يُسلِّم سلاحه، وهو يعلم أن المحتل يتربص اللحظة لاستكمال مخططه الصهيوني في احتلال فلسطين كلها، كما يعلم المقاوم أن نزع سلاحه ليس إلا تمهيداً لبطش أكبر، وإذلالا بلا سقف، فهو يراه إهانة مستترة خلف عباءة الحلول السياسية. ليس من السهل طرح مسألة نزع سلاح المقاومة دون أن يصطدم هذا الطرح بجدار الحقيقة الواضحة: أن السلاح في يد الشعوب الواقعة تحت الاحتلال ليس خياراً، بل ضرورة وجود، والمفارقة أن الحديث عن نزع السلاح يأتي دوماً من الطرف الأقوى، أو من وكلائه، وكأنهم يريدون أن تنكفئ الضحية عن الدفاع عن نفسها، ليصفو الجو للجلاد. في الحالة الفلسطينية، السلاح ليس عبثاً ولا ترفاً ولا تعطشا للدماء، بل هو رد فعل على الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من سبعة عقود، وما من مقاومة في التاريخ وُجدت من فراغ، بل كانت دوماً استجابة لعدوان، فالاحتلال هو الفعل، والمقاومة هي رد الفعل، ومن العبث أن يُطالب العالم الضحية بوقف رد الفعل بينما يُبقي على الفعل نفسه قائماً بلا مساءلة، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المنطق العميق حين قال جلَّ وعلا «وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً» (النساء: 102)، إنها الغفلة عن أدوات الدفاع التي يتربص لها العدو لينقضّ لحظة الضعف. والتاريخ مليء بالشواهد التي تؤكد أن نزع سلاح الشعوب لا يجلب السلام، بل يفتح الباب لمزيد من القهر، ماذا كان مصير البوسنيين قبل مجازر سريبرينيتسا؟ ألم تكن السكاكين تلاحقهم بعدما مُنعوا من حيازة السلاح؟ في رواندا، سلّم المدنيون أسلحتهم في إطار تهدئة دولية، ولم يمضِ وقت طويل حتى وقعت المذبحة التي راح ضحيتها أكثر من 800 ألف شخص، وفي كل هذه الحالات، لم يكن السلاح هو سبب العنف، بل غيابه. حتى في التاريخ الإسلامي، لم يكن السلام مرتبطًا بالضعف، بل بالندية، وعندما خيّر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أهل المدينة بين الحرب والسلم، لم يكن ذلك من موقع عجز، بل بعد أن نظّم صفوفه وأعدّ العدّة. يقول الله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ» (الأنفال: 60)، وهي ليست دعوة للعدوان بل تحصين ضد العدوان، تماماً كما هو حال الشعب الفلسطيني اليوم، لا يطلب الفلسطينيون الحرب، لكنهم يدافعون عن حقهم في البقاء، والسلاح في أيديهم لا يعني رفضهم للسلام، بل رفضهم للاستسلام الذي يريده لهم العدو والقطعان من أتباعه. فسلاح المقاومة في غزة لم يكن يوما رمزيا أو مجرد شعار، بل أداة فعل مؤثرة كبّدت الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح والاقتصاد، ووفقاً للمعطيات المعلنة من الجيش الإسرائيلي في الثاني من يناير للعام الجاري، وصل عدد الجنود القتلى منذ بداية الحرب إلى 891 جندياً، كما تشير المعطيات ذاتها إلى إصابة 5.569 جندياً منذ بداية الحرب وحتى الثامن من فبراير للعام الجاري، وما زال 73 محتجزاً إسرائيلياً في قطاع غزة، بينهم 35 أعلن الجيش الإسرائيلي عن وفاتهم، وعلى المستوى الاقتصادي، فقد سجلت البورصة الإسرائيلية خسائر بمليارات الدولارات، وتوقفت عشرات المصانع والشركات، وهربت الاستثمارات، وأُعلن عن شلل في الموانئ، والمطارات، وخطوط الشحن، بل وتم تعليق الدراسة في أغلب المؤسسات التعليمية لأسابيع. هذه الضربات ليست دعاية، بل حقائق رقمية تؤكد أن السلاح المقاوم ليس عبئًا، بل ورقة ضغط حقيقية، ولهذا السبب تحديدًا يسعى الاحتلال وأعوانه لنزعه. ختاما... ثمة شعوب كثيرة في التاريخ خضعت باسم «التسويات»، وألقت سلاحها طمعًا في حياة آمنة، فما نالت إلا الذل، من لا يقرأ التاريخ يعيد أخطاءه، ولهذا، فإن الدعوة لنزع سلاح المقاومة في فلسطين قبل زوال الاحتلال هي دعوة للاستسلام لا للسلام، ولقبول دائم بالعدوان لا لوقفه، هي دعوة ظاهرها التهدئة، وباطنها نزع آخر أوراق القوة من يد شعب لا يملك غير الإرادة والسلاح.

933

| 23 أبريل 2025

اقتلاع شجر الزيتون خطة ممنهجة لطمس الهوية الفلسطينية

أصبح اقتلاع أشجار الزيتون إجراءً استعماريًا يسعى إلى تغيير المظهر الطبيعي والثقافي للأرض، ومحاولة طمس الهوية والتراث الفلسطيني. تُعد الزيتونة رمزًا عريقًا للثبات والأصالة بين الفلسطينيين، إذ تحمل في جذورها ذاكرة الأجيال وترمز إلى الصمود في مواجهة المحن. إلا أن سياسات الاستيطان لم تقتصر على حوادث منفردة، بل اتخذت شكلًا ممنهجًا على مدى عقود، مما أثر بشكل عميق على المشهد الزراعي والثقافي والاقتصادي. يمكن القول إن الانتهاكات المتعلقة باقتلاع أشجار الزيتون بدأت بعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، حيث وقعت بعض الحالات الفردية والموثقة لاختفاء أشجار الزيتون نتيجة لإجراءات عسكرية وإدارية. ومع ذلك، فإن تلك الحوادث لم تكن تعكس بعد سياسة ممنهجة تستهدف التراث الزراعي الفلسطيني. وبحلول التسعينات، ومع تصاعد نشاط الاستيطان بعد اتفاق أوسلو، بدأت تظهر سياسات ممنهجة تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الطبيعي للأراضي الفلسطينية. وفقًا للدكتور عصام سخنيني في دراسته المنشورة عام 1998، فإن “استراتيجية اقتلاع أشجار الزيتون لم تكن عشوائية، بل جاءت ضمن خطة ممنهجة لطمس الهوية الفلسطينية وتحويل المشهد الطبيعي لصالح مشاريع استيطانية” هكذا، بينما بدأت الانتهاكات الأولية بعد 1967، فقد تطورت لاحقًا لتصبح جزءًا من استراتيجية سياسية شاملة. يمتد أثر اقتلاع أشجار الزيتون إلى ما هو أبعد من الجانب الاقتصادي؛ فهو يحمل دلالات ثقافية ورمزية عميقة. فقد أكد الباحث المفكر الدكتور عبدالوهاب المسيري في مقالة له نُشرت عام 2005 أن «إزالة الزيتون من الأراضي الفلسطينية تُعد رسالة رمزية تهدف إلى إعادة كتابة التاريخ، وإلى محو الذاكرة الجمعية التي تربط الفلسطينيين بأرضهم»، وفي مقابلة له عام 2007، قال الدكتور المسيري إن “المستوطنات ليست مجرد تجمعات سكانية، بل هي مشاريع استراتيجية تسعى إلى تغيير مفاهيم الانتماء والهوية، مما يجعل من كل شجرة زيتون تُزال خطوة نحو محو التاريخ الفلسطيني”. ونحن نقول إن نقل شجرة الزيتون من الأراضي الفلسطينية إلى المستوطنات لا يقتصر على تغيير المشهد الطبيعي فحسب، بل يمثل أيضًا محاولة لإعادة تعريف الأرض وفقًا لرؤية سياسية جديدة تهدف إلى تغيير الذاكرة الجماعية، وتقويض الروابط التاريخية بين الشعب الفلسطيني وأرضه. كما تُعد أشجار الزيتون مصدر رزق رئيسيا للعديد من العائلات في القرى الفلسطينية، وتُشكل جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الزراعي المحلي، إن فقدان هذه الأشجار يعني أكثر من مجرد خسارة للنبات؛ فهو يمثل فقدان جزء من التراث الزراعي والثقافي الذي يربط الفلسطينيين بأرضهم، وقد أشارت تقارير من منظمات حقوق الإنسان إلى أن السياسات الاستيطانية أدت إلى انخفاض ملحوظ في إنتاج الزيتون، مما زاد من الاعتماد على المعونات الخارجية في بعض المناطق. وعلى الرغم من الضغوط والإجراءات الممنهجة التي تهدف إلى تغيير المشهد الطبيعي، يستمر الشعب الفلسطيني في التمسك بتراثه وهويته. تبقى شجرة الزيتون رمزًا للنضال والصمود، حيث يستمر المزارعون في زراعتها والعناية بها وسط التحديات. وتعتبر هذه المقاومة ليس فقط معركة اقتصادية، بل معركة ثقافية وإرثًا حيًا يعكس كفاح الفلسطينيين من أجل الحفاظ على هويتهم وذاكرتهم التاريخية. يبقى اقتلاع أشجار الزيتون من الأراضي الفلسطينية إجراءً استعماريًا يحمل في طياته معاني سياسية وثقافية عميقة، إذ بدأت الانتهاكات الفردية بعد عام 1967، ثم تطورت في التسعينات إلى سياسة ممنهجة تهدف إلى طمس الهوية الوطنية وإعادة تشكيل الذاكرة الجماعية، كما أن الهدف من هذه السياسات يتجاوز مجرد تغيير المشهد الطبيعي، بل يمتد إلى تغيير طبيعة الانتماء والهوية الفلسطينية. ومع ذلك، يظل الشعب الفلسطيني متشبثًا بتراثه، وتستمر الزيتونة في الظهور كشاهد حي على الصمود والنضال. ختاما … تختلف التقديرات حول عدد أشجار الزيتون التي اقتلعها المستوطنون حسب المصدر والمنطقة الزمنية، ولا يوجد رقم موحد معتمد على نطاق واسع، فقد أشارت بعض التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان والباحثين إلى أن عدد أشجار الزيتون التي اقتلعها المستوطنون منذ بدء الاستيطان قد يصل إلى ما يقارب 100,000 شجرة أو أكثر، وذلك منذ عام 1967. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن هذه الأرقام تقريبية وتعتمد على منهجيات جمع البيانات والظروف الخاصة بكل منطقة. لذلك، تبقى هذه التقديرات مؤشرة لتأثير السياسات الاستيطانية على التراث الزراعي والهوية الفلسطينية، دون وجود رقم نهائي موثق من كافة الجهات المعنية.

387

| 16 أبريل 2025

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6549

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6429

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

3156

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

2229

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1878

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1683

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1281

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...

1035

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

999

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...

948

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
توطين الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي القطري

يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية...

906

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
فاتورة الهواء التي أسقطت «أبو العبد» أرضًا

“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...

894

| 27 أكتوبر 2025

أخبار محلية